كيف يتعامل المديرون والموظفون مع الاختلافات الفردية بينهم في مكان العمل؟
يتعلّق المتغير الفردي الثاني بمفهوم الشخصية. كثيرًا ما نسمع الأفراد يستخدمون (ويسيئون استخدام) مصطلح الشخصية، على سبيل المثال نسمع كثيرًا أن فلانًا لديه شخصية "لطيفة". سندرس هذا المصطلح من وجهة نظر نفسية من حيث صلته بالسلوك والأداء في مكان العمل، وللقيام بذلك سنبدأ بتعريف أكثر دقة لمصطلح الشخصية.
تعريف الشخصية
يمكن تعريف الشخصية بعدة طرق، يقدّم سيلفاتور مادي (Salvatore Maddi) أحد أكثر تعاريف الشخصية دقّة ضمن أهداف التحليل المؤسساتي، وهو كالتالي:
اقتباسمجموعة ثابتة من الصفات والميول التي تحدّد أوجه التشابه والاختلاف في السلوك النفسي للأفراد (الأفكار والمشاعر والأفعال)، والتي تأخذ طابعًا ومنحًا مستمرًّا، بمعنى أنها لا تُنسب إلى ضغوطات وصعوبات العمل بشكل مباشر (فالمرء قد يكون بطبعه هادئ إلا أنه في حال تعرّض لضغط عمل قد يغدو عجولًا وصارمًا، وهنا لا نقول عن هذا الشخص بأنه صارم ونقيّد شخصيّته بحادث أو ظروف عمل معيّنة).
تجدر الإشارة إلى وجود عدة جوانب لهذا التعريف. أولًا، تُفهَم الشخصية بالشكل الأفضل عند النظر إليها بأنَّها مجموعة من الصفات المتفاعلة مع بعضها بعضًا، ومن المهم أن يُنظر إلى الشخص ككل عند فهم هذه الظاهرة وتأثيراتها على السلوك الناتج. ثانيًا، إنّ الأبعاد المختلفة للشخصية ثابتة نسبيًا عبر الزمن، رغم أنّ بعض التغيرات قد تحدث (خاصة التطورية)، إلا أننا نادرًا ما نرى تغيرات كبيرة في شخصية الفرد الطبيعي. ثالثًا، تركّز دراسة الشخصية على كل من التشابهات والاختلافات ما بين الأشخاص. من المهم أن يدرك الإدارييون ذلك أثناء محاولتهم لتحسين أداء ورفاهية الموظفين.
المؤثرات على تطوّر الشخصية
ركّزت الأبحاث السابقة المتعلّقة بتطور الشخصية على تحديد فيما إذا كانت الوراثة أو البيئة المحيطة تحدّد شخصية الفرد وتؤثّر بها.في وقتنا الحالي أصبح عدد قليل من الباحثين مهتمين بهذه القضية، وذلك لأن معظم علماء النفس المعاصرون يعتقدون الآن أنّ هذا النقاش لا جدوى منه. كما لاحظ كلوكون (Kluckhuhn) و موراي (Murray) منذ فترة طويلة:
"نادرًا ما يمكن الفصل ما بين مجموعات الجينات الشخصية داخل الفرد ما إن تبدأ البيئة عملها. الأسئلة المعنية بالأمر هي: (1) ما هي العناصر الوراثية المختلفة التي ستتفعّل كنتيجة لسلسلة معينة من الأحداث الحياتية في بيئة ماديّة واجتماعية وثقافية معينة؟ (2) ما هي الحدود التي يرسمها النظام الجيني لتطور هذه الشخصية؟." "9"
بمعنى آخر، إذا نُظر إلى الشخص ككل، فإنّ البحث عن العوامل المؤثرة على السمات الشخصية يُركّز على كل من الوراثة والبيئة وعلى التفاعل ما بينهما مع مرور الوقت. في هذا الصدد، يمكن تقسيم العوامل المؤثّرة في السمات الشخصية إلى خمس فئات رئيسية: الفيزيولوجية – الثقافية – الأسرية والاجتماعية – الدور أو المكانة– الظروف المحيطة.
المحددات الفيزيولوجية. تشمل عوامل مثل الطول والصحة والجنس والتي غالبًا ما تكون بمثابة قيود على النمو والتطور الشخصي. على سبيل المثال، يميل طويلو القامة إلى أن يكونوا أكثر سيطرة وثقة بالنفس من الأقصر قامة. عملت الصور النمطية التقليدية لأدوار كلا الجنسين إلى توجيه الذكور والإناث إلى أنماط تطورية شخصية مختلفة، على سبيل المثال، يكون معظم الذكور أكثر حزمًا والإناث أكثر حياديّة وهدوءًا.
المحددات الثقافية (الحضارية). نتيجة لدور الثقافة الرئيسي في بقاء المجتمع، هناك تركيز كبير على غرس القواعد والقيم الثقافية في الأطفال أثناء نموهم. على سبيل المثال، في المجتمعات الرأسمالية، حيث تحظى المسؤولية الفردية بتقدير كبير، يوجّه التركيز نحو تطوير أشخاص مستقلين ومعتمدين على أنفسهم وموجّهين نحو تحقيق الإنجازات، بينما ينصب التركيز في المجتمعات الاشتراكية على تطوير أشخاص متعاونين يعطون الأولوية للجماعة (ويعملون كمجموعة) ويضعون مصلحة المجتمع ككل قبل احتياجاتهم الفردية الشخصية. تؤثر المحددات الثقافية على السمات الفردية، كما لاحظ موسن (Mussen):
اقتباستحدد البيئة الثقافية للطفل مجال ونوع التجارب والمواقف التي غالبًا ما سيمر بها، وتحدد كذلك القيم والصفات الشخصية التي ستُعزّز فيه، والتي بالتالي سيكتسبها أثناء نموّه وتقدّمه في الحياة. خذ على سبيل المثال كيف طوّر المجتمع الياباني أخلاقيات عمله المعروفة عالميًا في وقتنا الحاضر.
المحددات الأسرية والاجتماعية. تُعد العوامل الأسرية والاجتماعية الأكثر تأثيرًا على التطور الشخصي. على سبيل المثال، وُجد أنّ الأطفال الذين كبروا في منزل ديمقراطي يميلون ليكونوا أكثر استقرارًا وأقل ميلًا إلى الجدل وأكثر نجاحًا على الصعيد الاجتماعي، وأكثر تأثرًا بالثناء واللوم من الأطفال الذين كبروا بمنازل استبدادية. "11" تساهم عائلة الفرد وأقرانه بشكل كبير في عملية التنشئة الاجتماعية، وتؤثر على كيفية تفكير الفرد وسلوكه من خلال نظام معقد من المكافآت والعقوبات والأخلاق الاجتماعية.
محددات الدور. يُكلَّف الأشخاص بأدوار مختلفة في مراحل مبكرة جدًا من الحياة نتيجة لعوامل مثل الجنس والعرق والخلفية الاجتماعية والاقتصادية. ومع تقدمنا في العمر، تبدأ عوامل أخرى مثل العمر والمهنة بالتأثير على الأدوار التي يُتوقّع أن نؤديها. تحدُّ هذه العوامل عادة من نمونا وتطورنا الشخصي كأفراد وتتحكم بشكل كبير بأنماط السلوك المقبولة لدى الأفراد والبيئة المحيطة بهم.
المحددات الظرفية. أخيرًا، يمكن للتطور الشخصي أن يتأثر بمحددات ظرفية. هذه العوامل هي غالبًا غير متوقعة، مثل طلاق أو وفاة في العائلة. على سبيل المثال، درّس جيمس أبغلين (James Abegglen) عشرين مديرًا تنفيذيًا ناجحًا من الذكور الذين عاشوا طفولتهم ضمن طبقة فقيرة، واكتشف أنّه في ثلاث أرباع من الحالات عانى هؤلاء الإداريون من بعض أشكال الصدمة النفسية الحادة تجاه آبائهم، الذين إما ماتوا أو أصيبوا بأمراض خطيرة أو تعرّضوا لأزمات مالية كبيرة. افترض أبغلين أن ارتباط وتأثر شخصية الأبناء السلبي بمعاناة آبائهم تمثّلت لديهم بدوافع كبيرة نحو الإنجاز والنجاح في مستقبلهم. "12"
الشخصية والسلوك في العمل
كيف يمكن للمؤسسات تعزيز بيئة عمل تتيح للموظفين فرصة للتطور والنمو والإبداع؟
إنّ النظريات المتعلقة بالشخصية والمعتمدة على السمات هي الأكثر استخدامًا وتوظيفًا من قبل الباحثين في علوم سلوك الموظفين ضمن المؤسسات، وهناك عدة أسباب لذلك. بادئ ذي بدء، تركّز النظريات المعتمدة على السمات إلى حد كبير على البالغين الأصحاء الطبيعيين، على عكس نظريات التحليل النفسي والنظريات الشخصية الأخرى والتي تركّز إلى حد كبير على السلوك غير الطبيعي. تحدّد نظريات السمات عدّة صفات وجوانب تصف الأفراد. أصّر ألبورت (Allport) على أنّ فهمنا للسلوك الفردي لا يمكن أن يتقدّم إلّا عن طريق تقسيم أنماط السلوك إلى سلسلة من العناصر (السمات). "13" وقال في إحدى المرات: "الأمر الوحيد الذي يمكنك القيام به حيال شخصية عامّة -أي لا تعرف سماتها أو طبائعها- هو إرسال الزهور إليها". وبالتالي عند دراسة الأشخاص في العمل يمكن أن نناقش مثلًا إخلاص الموظف واستقراره العاطفي أو تعقيده المعرفي. تشكّل هذه السمات عند تجميعها معًا لوحةً شاملةً توفر نظرة شاملة إلى الأفراد. السبب الثالث لشعبية نظريات السمات عند دراسة السلوك المؤسساتي هو أنّ السمات المحدّدة يمكن قياسها وتميل إلى أن تبقى ثابتة مع مرور الوقت. كما أنّ الموازنة بين الموظفين باستخدام هذه الصفات الملموسة -عوضًا عن نظريات التحليل النفسي الغامضة أو نظريات الذات المجرّدة والمتقلّبة- سيكون أكثر سهولة ودقّة وتقبّلًا في الوقت نفسه.
يتنوع عدد السمات التي سيُظهرها الأفراد -تحت الدراسة الشخصية السلوكية- وفقًا للنظرية التي نستخدمها، ضمن بحث شامل يمكن تحديد أكثر من 17000 سمة شخصية. وطبعًا هذا العدد ضخم إلى درجة تجعل أي تحليل منطقي لتأثيرات الشخصية في مكان العمل ضمن المؤسسة أمرًا مستحيلًا، ولنتمكن من فهم طبيعة سمات الفرد وسلوكه في المؤسسة من الضروري أن نركّز على عدد صغير من المتغيرات الشخصية (السمات) التي تملك تأثيرًا مباشرًا على السلوك في العمل. إذا قمنا بذلك يمكن أن نحدد ستة سمات مهمة وحسّاسة في أي مؤسسة، وسنلاحظ أنّ بعض هذه السمات (مثل تقدير الذات أو مركز التحكم) تتعلق بالكيفية التي نرى فيها أنفسنا، في حين تتعلق سمات أخرى (مثل الانطوائية-الانفتاح أو الموثوقية) بالكيفية التي نتعامل بها مع الآخرين. علاوة على ذلك، تتأثر هذه السمات إلى حد كبير بتطور شخصية الفرد، وتؤثر بدورها على التصرفات والسلوكيات الفعلية في العمل كما يظهر في الشكل (2.2).
الشكل (2.2): علاقة الشخصية بالتصرفات والسلوك (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
تقدير الذات
أحد السمات التي برزت مؤخرًا كأحد العوامل الرئيسية في تحديد السلوك في العمل وفعالية الأفراد هي تقدير الموظف لذاته. يمكن تعريف تقدير الذات على أنَّه رأي أو اعتقاد أو نظرة الفرد تجاه نفسه وتجاه قيمته. كيف نرى أنفسنا أفرادًا؟ هل نثق بأنفسنا؟ هل نعتقد أنّنا ناجحون؟ جذّابون؟ هل نستحق احترام الآخرين أو صداقتهم؟
أظهرت البحوث أنّ تقدير الذات المرتفع لدى الأطفال في عمر المدرسة يعزز من إصرارهم واستقلاليتهم وإبداعهم. حيث يجد الأشخاص ذوي تقدير الذات العالي سهولة أكبر في تقديم وتلقي الخبرات والتأثير والتأثر إيجابيًّا في الآخرين ، ويضعون أهدافًا أعلى لتحقيقها على الصعيد الشخصي، ويبذلون طاقة أكبر للوصول إلى الأهداف المحددة لهم. علاوة على ذلك، غالبًا ما يبحث الأفراد ذوي تقدير الذات المرتفع عن وظائف أعلى مكانة اجتماعية ويكونون على استعداد تام للمخاطرة بشكل أكبر أثناء بحثهم عن العمل. على سبيل المثال، وجدت أحد الدراسات أنّ الطلاب الذين يتمتعون بتقدير أعلى للذات كانوا أكثر قَبولًا في الجامعات، وتلقوا عروض عمل أكثر وكانوا أكثر رضا بعملهم من الطلاب ذوي تقدير الذات المنخفض. "14" وبالتالي، يمكن أن تؤثر السمات الشخصية كهذه السمة على وظيفتك وعلى حياتك المهنية قبل أن تبدأ حتى بالعمل!.
مركز التحكم
يشير مصطلح مركز التحكم إلى ميل الأفراد إلى نسب الأحداث المؤثرة في حياتهم إما إلى أفعالهم أو إلى قوى خارجية، وهو مقياس للمدى الذي تعتقد فيه أنّك تتحكم بمصيرك. يميل الأشخاص ذوي مركز التحكم الداخلي لنسب نجاحاتهم وإخفاقاتهم إلى قدراتهم وجهودهم الشخصية، وبالتالي سيبني طالبٌ ما يتمتّع بمركز تحكّم نفسي داخليمثلًا الفضل في نجاحه في اختبار إلى نفسه، وكذلك سيتقبل اللوم في حال الفشل.
على النقيض من ذلك، يميل الأشخاص ذوي مركز التحكم الخارجي إلى نسب ما يحدث لهم إلى شخص أو جهة أخرى خارجية، ولا ينسبون لأنفسهم الفضل أو اللوم، وبالتالي النجاح في اختبار سيُعزى إلى أنّه كان سهلًا، والفشل فيه سيُبرَّر بأنّ الاختبار لم يكن عادلًا.
في حال أردت تحديد مركز التحكم الخاص بك يمكنك ملء التقييم الذاتي الموجود في آخر الفصل، وهو نسخة مختصرة عن المقياس الأصلي الذي طوّره روتر، ارجع إلى الملحق عند انتهائك لتتمكن من احتساب ومعرفة نتيجتك.
تشير الدراسات الحديثة المتعلّقة بمركز التحكم إلى أنّ الأشخاص ذوي مركز التحكم الداخلي: (1) يظهرون حافزًا أكبر للعمل (2) يضعون في حسبانهم أنّ الجهد المبذول سيؤدي فعلًا إلى أداء وظيفي أكبر(3) يقدمون أداءً أفضل في المهام التي تتطلب التعلم أو إيجاد حل لمشكلة (4) يتلقون عادة رواتب وزيادات أعلى (5) يطوّرون قلقًا -ناجمًا عن العمل- بشكل أقل من ذوي مركز التحكم الخارجي. "15" يؤثّر مفهوم مركز التحكم بتطبيقات عديدة في مجال الإدارة، على سبيل المثال، تخيّل ما يمكن أن يحدث إذا وضعت شخص داخلي التحكم تحت إشراف صارم أو شخص خارجي التحكم تحت إشراف متهاون، لن تكون النتائج إيجابية غالبًا. أو ما النتيجة التي سنحصل عليها في حال جمعنا بين فردين بمركز تحكم داخلي وخارجي في نفس الفريق ووفق خطة عمل تعتمد على تقييم الأجر بناءً على جودة العمل؟ أيٌّ من الفردين سيكون أدائه أفضل؟ ومن سيكون أفضل في حال كانت خطة العمل والأجر يعتمد على كميّة العمل المُنجز؟
الانطوائية والانفتاحية
وهو البعد الثالث من الشخصية الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان والذي يرتكز إلى أي مدى يميل الشخص إلى أن يكون خجولًا منغلقًا على نفسه أو اجتماعيًا منفتحًا. يميل الانطوائيون (الانطوائية Introversion) إلى تركيز طاقاتهم داخليًا ويمتلكون حساسية أكبر تجاه مشاعر الآخرين، بينما يوجّه المنفتحون (الانفتاح Extraversion ) انتباهًا أكبر نحو الأشخاص والأشياء والأحداث. تقترح الأبحاث أنّ كلا النوعين من الأشخاص لديه دور ليساهم به في المؤسسات. "16" يميل المنفتحون غالبًا إلى النجاح في أدوار إدارة الخط الأول والتي تتطلب مهارات اجتماعية سطحية فقط، والمهام الميدانية مثل مندوبي المبيعات. في حين يميل الانطوائيين إلى النجاح في المناصب التي تتطلب انعكاسًا وتحليلًا وحساسية أكبر لصفات ومشاعر الأفراد الآخرين، وتوجد مناصب كهذه في أقسام متنوعة في المؤسسات، مثل الإجراءات المحاسبية وإدارة شؤون العاملين. ومع الطبيعة المعقدة للمؤسسات المعاصرة فإنّنا بحاجة إلى كلا النوعين من الأفراد لضمان وجود بيئة عمل متوازنة داخل المؤسسة.
الاستبدادية (السلطوية) والقطعيَّة (الدوغماتية)
تشير السلطوية (Authoritarianism) إلى توجه وتعصّب الفرد لمبدأ السلطة. بشكل أكثر تحديدًا، يتميز التوجه السلطوي عمومًا باعتقاد سائد بأنّه من الصواب والملائم وجود اختلافات واضحة في المكانة الاجتماعية والسلطة بين الأشخاص."17" وفقًا لتي دبليو أدورنو T. W. Adorno، إنّ الشخص ذو السلطوية العالية هو في العادة: (1) مُلّح ومتحكم بالأشخاص الذين يترأسهم، (2) منقاد ومُتذلل تجاه رؤسائه، (3) جامد فكريًّا، (4) يخاف من التغير الاجتماعي، (5) يسيطر التمييز والُحكم المُسبق ويؤثّر بشكل كبير على إدارته للأفراد، (6) عديم الثقة، (7) عدواني تجاه الآراء المخالفة له. من الجهة الأخرى، يعتقد الأشخاص غير السلطويين أنه ينبغي تقليل الاختلافات في المكانة الاجتماعية والسلطة إلى الحد الأدنى في المؤسسة وعدم إظهار التفاوت السلطوي على شكل الإدارة الاستبدادية، وأنّ التغير الاجتماعي يمكن أن يكون بنّاءً، وأنّه يجب على الناس أن يكونوا أكثر تقبّلًا للآخرين وأقل إطلاقًا للأحكام.
إنّ نتائج هذه الاختلافات بين الصنفين السابقين في مكان العمل يمكن أن تكون متفاوتة جدًّا. أظهرت الأبحاث على سبيل المثال أنّ الموظفين السلطويين يقدّمون أداء أفضل تحت الإشراف والرقابة الصارمة، في حين يقدّم غير السلطويين أداءً أفضل تحت الإشراف التشاركي، أي الإدارة التي تتبنى روح الفريق كأساسٍ في عملها."18" هل يمكنك التفكير بنتائج أخرى قد تنتج عن هذه الاختلافات؟
صفة أخرى مرتبطة بالسلطوية هي القطعية أو الدوغماتية (Dogmatism)، والتي تشير إلى أسلوب إدراكي خاص يتميز بالأفق المغلق وانعدام المرونة الفكرية."19" ولهذا البعد بشكل خاص آثار عميقة وكبيرة على عملية اتخاذ القرارات الإدارية، إذ وجد أنّ الإداريين القطعيين يميلون إلى اتخاذ القرارات بسرعة، اعتمادًا على معلومات محدودة فقط وعلى ثقتهم العالية بصحة قرارتهم."20" هل تعرف مديرين أو أساتذة يميلون ليكونوا دوغمائيين؟ ما هو تأثير هذا السلوك على الأشخاص المحيطين بهم؟.
الموثوقية
أخيرًا، يمكن التمييز بين الأفراد وفقًا لاستقامة سلوكهم أو موثوقيتهم. الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنّهم معتمدون على أنفسهم، وأصحاب مسؤولية وثابتون وموثوقون، يميل معظم من حولهم إلى تقييمهم على أنهم زملاء وأعضاء فريق مرغوب بهم ويساهمون ويعملون بثبات لتحقيق أهداف المجموعة."21" يُعير الإداريون في معظم الأحيان انتباهًا كبيرًا إلى موثوقية الموظفين المُتقدّمين للعمل في المؤسسة قبل اختيارهم. مع ذلك، يشتكي المديرون المعاصرون من أنّ الكثير من موظفي اليوم يفتقرون الإحساس بالمسؤولية الشخصية والضرورية لإنجاز العمل بفعالية وكفاءة وأمانة. لكن ما زال علينا تحديد فيما إذا كان غياب ذلك الإحساس ناجمًا عن افتقار شخصي لهذه المسؤولية أو عن غياب التحفيز الكافي من قبل الإداريين.
من الواضح أنّ عناصر الشخصية التي ناقشناها تلعب دورًا كبيرًا في تحديد السلوك في العمل، سواء على مستوى موظفي خطوط الإنتاج الأولى أو على مستوى الإدارة التنفيذية. أحد الأمثلة الجيدة هو الأحداث التي أدت إلى انهيار واحدة من أقدم شركات العمارة الأمريكية، دقّق أثناء قرائتك للقصّة على أهمية ومدى تأثير شخصية وسلوك الأفراد على مستقبل المؤسسة.
تغيّر الإدارة
تصادم الشخصيات الإبداع في مواجهة الرتابة والتقليدية
كان فيليب جونسون (Philip Johnson) في عمر الثمانية والستين بمثابة عميد العمارة الأمريكية وكان معروفًا بمساهمته في بناء معالم حضارية ومعمارية فريدة مثل مبنى At&T في نيويورك ومركز بينزويل Pennzoil Center في هيوستن، لكنّه أجبر على ترك شركته التي بناها، ليشاهدها بعد ذلك وهي تنهار وتفلس.
في عام 1969، دعى جونسون جون بورغي John Burgee، والذي كان يبلغ حينها 35 عامًا فقط، ليكون شريكه الوحيد وليتولى الجانب الإداري من العمل في الشركة، ليسمح لنفسه بالتركيز على الجانب الإبداعي. قال جونسون "اخترت جون بورغي ليكون يديَ اليمنى، فكل مهندس معماري بحاجة إلى شخص مثل بورغي. وكلّما تولى مهام قيادية أكثر، أصبحت أسعد". كانت شخصية بورغي مثاليّة لمهمّة إدارة الشركة ومتابعة المشاريع المعمارية والإشراف عليها.
مع جهوده الإدارية الكبيرة، شعر بورغي أنّ الفضل والازدهار كان يُنسب لاسم جونسون وكان فقط هو الذي يظهر في الإعلام. علّق بورغي قائلًا: "كان الأمر صعبًا علي دائمًا كوني أصغر سنًا وأقل شهرة". تمكن بورغي في النهاية من إقناع جونسون بتغيير اسم الشركة، بداية إلى (فيليب جونسون & جون بورغي للعمارة) ثم إلى (جونسون\بورغي للعمارة) ثم في النهاية إلى (جون بورغي للعمارة مع فيليب جونسون). على الرغم من أنّ جونسون أراد أن يكون مُشتركًا ومطّلعًا جميع جوانب العمل، إلا أن جونسون لم يكن مستعدًا للتخلي عن التحكم بالتصميم لبورغي.
في عام 1988، أرسل بورغي لجونسون مذكّرة مؤلفة من أربع صفحات أدرج فيها مشاريع الشركة الأربع والعشرين، وحدّد فيها المشاريع التي يستطيع جونسون البدء بتصميمها، والتي عليه أن يتواصل مع عملائها، أو التي عليه العمل عليها مستقلًا في المنزل. كما أعطى بورغي جونسون تعليمات بألّا يعمل مع معماريين أصغر سنًا وألّا يقدّم لهم النصائح حول تصاميمهم.
إنّ التصادم ما بين شخصية جونسون الإبداعية وشخصية بورغي المتحكّمة وصل إلى الذروة عندما طلب بورغي من جونسون مغادرة الشركة. لسوء الحظ، قلّل بورغي من حجم ردة فعل العملاء تجاه هذا التصرّف وخسر الكثير من العقود المهمة. مما أدى في النهاية إلى إعلان بورغي الإفلاس، واستمر جونسون بالعمل لوحده، بما فيه العمل على مشروع لـ Estée Lauder.
المصدر: Michelle Pacelle, “Design Flaw.” Wall Street Journal, September 2, 1992, p. A1, A5.
ترجمة -وبتصرف- للفصلين Personality: An Introduction و Personality and Work Behavior من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.