تريد الحكومات دعم ريادة الأعمال عمومًا لأنّ الأعمال التجاريّة الناجحة تولّد قيمة بين السكّان. تسمح هذه القيمة للشركات بتوفير الوظائف ودفع الضرائب للدولة وتمكين العمّال من دفع الضرائب أيضًا. تحصل الحكومات أيضًا على الثناء السياسي لدعمها التجارة وتجميع الثروة، بالإضافة إلى توفير فرص العمل.
تضع الحكومة وتغير الشروط المؤسّساتيّة التي تشجّع أو تثبّط روّاد الأعمال على الابتكار أو السعي لتحقيق الربح بوسائل أخرى. يمكن للحكومة أن تدعم ريادة الأعمال من خلال تقليل الحوافز السلبيّة أو عن طريق زيادة الحوافز الإيجابيّة. يمكن للحكومة تحديدًا فعل التالي:
- تقليل الحواجز و العقبات أمام ريادة الأعمال التي أقامتها الحكومات السابقة أو البيئة الاجتماعيّة.
- حماية الملكيّة الفكريّة ورأس المال من خلال نظام براءات الاختراع وسيادة القانون.
- تزويد الأعمال بتكنولوجيا جاهزة للتسويق.
- زيادة الحوافز لريادة الأعمال والتي تأتي على حساب الأولويّات الأخرى.
- تقديم مزايا خاصّة للصناعات أو الشركات أو المناطق المفضّلة، على الرغم من أن هذه المحسوبيّة قد تأتي بتكلفة سياسيّة واقتصاديّة من خلال تشويه الأسواق وممارسة التفضيلات.
تثبيط أقلّ: تقليل الحواجز
تضع اللوائح والقوانين القواعد الّتي تساعد روّاد الأعمال على التنبّؤ بما سيحدث فيما إذا قرروا المخاطرة وإطلاق مشاريعهم الخاصّة. لذا يجب أن تكون اللوائح واضحة ولا يجب أن تتغيّر بسرعة أو بمجرد تولّي أغلبية سياسيّة جديدة السلطة. اللوائح هي قيود عامّة، وأيّ قيد يميل إلى تقليل الابتكار بسبب الحدّ من الخيارات المُتاحة. لذا يؤدّي الحدّ من اللوائح إلى إطلاق العنان للابتكار.
هذا ليس الحال دائمًا. على سبيل المثال، قد تدفع قيود تقسيم المناطق الشركات المتشابهة لأن تكون قريبة من بعضها البعض؛ مما يؤدّي إلى زيادة التقاطع بين الأفكار. وعندما تفرض الحكومة حقوق الملكيّة بما في ذلك الملكية الفكريّة -ما يمنع الآخرين من استخدام تلك الملكيّة- يشعر روّاد الأعمال بمزيد من الأمان في توظّيف رؤوس أموالهم في مشاريع جديدة. كما يشعر روّاد الأعمال بمزيد من الأمان عندما تمتنع حكومتهم عن الاستيلاء على الممتلكات عن طريق عمليات التأميم الاشتراكيّة مثلًا.
غالبًا ما تعكس القوانين واللوائح فترة سياسيّة واقتصاديّة معينة في الماضي ، وقد يكون عفا عليها الزمن بسبب سرعة الابتكار والتغيرات العصرية الحديثة. تتغيّر التكنولوجيا بسرعة أكبر مما يستطيع البيروقراطيّون مواكبته. فعلى سبيل المثال، تمتلك شركتان مختلفتان تقنيّة ثوريّة مماثلة: (Skype) و(Free World Dialup (FWD)). وفّرت الشركتان "مكالمات هاتفيّة" مجانيّة عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم. كان على (FWD) الانتظار 18 شهرًا في الولايات المتحدة حتى يقرّر المشرّعون أنّ الشركة معفيّة من لوائح الاتّصالات الأمريكيّة التقليديّة. وفي الوقت نفسه كان لدى (Skype) خارج الولايات المتّحدة سنوات لتطوير قاعدة مستخدميها بلا عمليّة التشريع الطويلة. لم تستطع (FWD) المنافسة وتركت العمل وأصبحت (Skype) البطل بلا منازع.
تميل اللوائح أيضًا إلى تفضيل الشركات الكبيرة الراسخة الأقلّ ابتكارًا، في حين تثبّط المشاريع الرياديّة الصغيرة. غالبًا ما تحمي حواجز التجارة الدولية (مثل التعريفات الجمركية) الأنشطة التجاريّة القائمة في بلد ما وتجعل من الصعب نسبيًّا على الشركات الجديدة من البلدان الأخرى المنافسة. يمكن للبيروقراطيّة أيضًا أن تجعل بدء الأعمال التجاريّة أمرًا صعبًا ومكلفًا ويستغرق وقتًا طويلاً. قد يضطر المُلّاك في البلدان ذات مستويات الفساد المُرتفعة إلى دفع رسوم إضافيّة إلى البيروقراطييّن لتسريع عمليّة استخراج الموافقات المطلوبة.
الضرائب أيضًا تمثّل عقبةً أمام تحقيق أرباح جيّدة في المشاريع الرياديّة، لذا فإنّ الضرائب تقلّل من رغبة روّاد الأعمال في المخاطرة وإطلاق مشاريع جديدة برأس المال المُتوفّر لديهم. تُعاقِب الضرائب التقدميّة -على عكس الضريبة الثابتة- الشركات بمعدّلات أعلى عند كسب المزيد من المال، وهو ما قد يثبّط أيضًا روح المبادرة.
يمكن أن يؤدّي تخفيض الضرائب واللوائح إلى تشجيع ريادة الأعمال، على الرغم من أن هذه التغييرات يمكن أن تزيد أيضًا من القدرة التنافسيّة للشركات القائمة. كما أنّ تخفيض الإعفاء الضريبي للمؤسسات غير الربحيّة وريادة الأعمال الاجتماعيّة يشجّع مجموعة متنوّعة من الخدمات الّتي تسهم في توفير قيمة إيجابيّة في المجتمع المدنيّ.
غالبًا ما توجد حواجز ثقافيّة بالإضافة إلى الحواجز الحكوميّة أمام ريادة الأعمال. يمنع التمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين في بعض البلدان العديد من رجال الأعمال المحتملين من الحصول على الموارد الّتي يحتاجون إليها. يمكن للحكومة التدخّل لمنع هذا التمييز وحماية الحقوق المتساوية.
يمكن للحكومة أيضًا أن تتصدّى للمواقف التمييزيّة والّتي تُعدُّ غير قانونيّة عن طريق الحملات التثقيفيّة. يمكن للحكومة أيضًا دعم القيود الخارجيّة على تنمية الأعمال التجاريّة، مثل دعم رعاية الأطفال حتى يتمكن روّاد الأعمال من قضاء المزيد من الوقت في عملهم بتكلفة أقلّ.
تثبيط أكثر: زيادة الحوافز الإيجابية
يمكن للحكومة التقليل من تكلفة الابتكار التقنيّ من خلال إعطاء التكنولوجيا الّتي تنتجها الحكومة للقطاع الخاصّ ليتمكّن من تسويقها. يمكن للحكومة أيضًا تغيير قواعد وسياسات التمويل لتقليل تكلفة تحويل الأموال أو التكلفة الفعليّة للحصول على الأموال. يمكن للحكومة مثلًا أن تجعل تلقّي الشركات قروضًا حكوميّةً أسهل أو أقلّ تكلفة، من خلال دعم الإقراض والاقتراض. تأتي كلّ هذه الجهود بتكلفة مباشرة على حساب الدعم أو غير مباشرة من خلال توفير أموال للمشاريع الأخطر ممّا قد يوفّره القطاع الخاصّ.
يمكن للحكومة أيضًا توفير رأس مال استثماريّ لجذب مشاريع جديدة خاصّة في المجالات الّتي لا يستطيع القطاع الخاصّ فيها تحمّل مخاطرها باهظة الثمن أو لديه خبرة قليلة فيها. يمكن مع ذلك لرأس المال هذا أن يدعم الشركات منخفضة الجودة الّتي لن تنجح في النهاية. إنّ القطاع الخاصّ -الذي يخاطر برأس ماله الخاصّ بدلاً من أموال دافعي الضرائب- قد لا يدعم مثل هذه الشركات الأقلّ قابليّة للاستثمار.
يمكن للحكومة أيضًا أن تختصر أنواعًا أخرى من الشركات من خلال التركيز على الشركات ذات إمكانيّة النموّ المرتفعة. وأخيرًا، تُشير الأبحاث إلى أنّ المشاريع عالية الجودة هي ما يجذب المال بدلاً من أن يجذب المال المشاريع الجيّدة القابلة للاستثمار.
يمكن للحكومة أيضًا دعم عناصر أخرى للابتكار وبناء الأعمال مثل الدعم المباشر للبحث وتطوير التكنولوجيا أو من خلال بناء المرافق الضرورية لإجراء الأبحاث والمشاريع الرياديّة. ولكن هذا النوع من الدعم يميل إلى المحسوبية حيث تتلقّى صناعات أو مناطق معينة معاملة ودعمًا خاصًّا، على الرغم من أنها قد لا تكون الخيارات الاقتصادية الأفضل للدعم. قد تقتصر الحكومة مثلًا في عقودها التجاريّة على أنواع معيّنة فقط من الشركات الصغيرة، على الرغم من أن الأعمال التجاريّة الأكبر قد تقدم خدمة أفضل للدولة والمجتمع ككل.
يمكن للحكومة أيضًا أن تخصّص الموارد اللازمة لبرامج التدريب، والّتي يمكن أن تشمل دورات رسميّة لريادة الأعمال أو دراسة إدارة الأعمال في مؤسّسات التعليم العالي أو تقديم المشورة في مجال الأعمال أو من خلال إجراء مؤتمرات علنيّة للتواصل غير الرسمي في المجتمعات المحليّة.
تشمل المشاريع طويلة المدى التي يمكن للدولة تأمينها لنقطة بداية نشأة روّاد الأعمال كلًّا مما يلي: التمويل العامّ "لمحو الأميّة الماليّة" تخفيف مستوى المخاطرة والنماذج التاريخيّة لريادة الأعمال والقيادة لتطوير ثقافة تفكير ريادة الأعمال، والّتي يمكن أن تبدأ في مراحل دراسيّة باكرة، مثل المدرسة الابتدائيّة.
يمكن للحكومة المحليّة تسويق قيمة ريادة الأعمال الاجتماعيّة والشركات الصغيرة للمجتمع وتقديم الدعم المعنويّ للعمل التطوعيّ والمشاريع الخدميّة منخفضة الربحيّة وغير الربحيّة والهياكل المؤسساتيّة الأخرى مثل غرف التجارة المحليّة. في الاقتصادات المزدهرة -حيث يتمتّع كثير من الناس بوقت فراغ لمتابعة مشاريع منخفضة الربحيّة وغير ربحيّة- هناك مجال لمزيد من الدعم لريادة الأعمال الاجتماعيّة. لذا قد تكون السياسات الداعمة للنموّ التي تدعم ريادة الأعمال عمومًا هي أفضل السياسات على المدى الطويل لزيادة نمو ريادة الأعمال اجتماعيًّا.
وأخيرًا، يمكن للحكومة أيضًا دعم ريادة الأعمال عبر إتاحة التقنيّات المطوّرة في المختبرات الحكوميّة للسوق، كما هو موضّح في حالة (Right Stuff).
الشكل 19.6 (The Right Stuff) بدلاً من استخدام طرق الإعلان التقليديّة مثل إعلانات المجلات والصحف والتلفزيون، يستخدم العديد من رواد الأعمال وسائل التواصل الاجتماعيّ للتواصل مع العملاء الحاليّين والمستقبليّين. يُعدّ نشر المعلومات حول المنتجات والخدمات هو استخدام مُنتشر للتواصل الاجتماعيّ. يمنح تويتر قناة ذات اتجاهين لروّاد الأعمال للاستماع إلى عملائهم ومعرفة المزيد حولهم: ما يعجبهم أو لا يعجبهم حول منتجاتهم وخدماتهم وكيف يشعرون تجاه العلامة التجارية وما هي اقتراحاتهم لتحسينها. (حقوق الصورة: David Belaga / Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0))
إدارة التغيير
التكنولوجيا والابتكار: (The Right Stuff)
تمتّع دافيد بيلاغا (David Belaga) بحياة مهنيّة ناجحة لأكثر من 25 عامًا في (Pepsi) و(Wyeth) و(Hallmark) وغيرها من الشركات الرائدة، وكان عازمًا على بدء مشروعه التكنولوجيّ الخاصّ. وعلى الرغم من حصول بيلاغا على درجة جامعيّة في علم النفس إلّا أنّه سعى إلى الاستفادة من التكنولوجيا من المعامل الفيدرالية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وأثناء البحث في قاعدة بيانات الإدارة الوطنيّة للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) لبراءات الاختراع المُتاحة للترخيص اكتشف بيلاغا براءة اختراع لعالم ناسا الدكتور جون غرينليف (John Greenleaf) لمعالجة الجفاف لدى رواد الفضاء المُعانين منه عند إعادة دخول الغلاف الجوي للأرض. اقترح بحث غرينليف ومن معه أنّ الصيغة ستكون مثاليّة أيضًا للرياضيّين الّذين يعانون من الجفاف بسبب الإجهاد أو التعرّض لأشعة الشمس أو الارتفاع عن الأرض ممّا قد يؤدّي بعد ذلك إلى صداع وتشنّجات العضلات ودوخة وآثار جانبيّة أخرى.
المكونات الرئيسيّة هي: المياه المفلترة وسترات الصوديوم (للحماية من اضطرابات الجهاز الهضميّ) والملح البحريّ أو كلوريد الصوديوم (المكونات الرئيسية للعرق) ونكهات طبيعيّة بالكامل وحمض الستريك (لخفض الملوحة) ومُحلّيات عالية الكثافة ومواد حافظة. يضمن تركيز السائل امتصاصًا سريعًا من قبل الجسم ولا تحتوي الصيغة على أي مواد محظورة مدرجة في قائمة الوكالة العالمية لمكافحة المنشّطات (WADA) أو معادن ثقيلة أو شوائب أخرى.
تتمثّل مهمة قسم الشراكة التكنولوجيّة في وكالة ناسا في تطوير الشراكات بين شركات ناسا والشركات الصناعيّة الأمريكيّة غير الفضائيّة لتسويق التقنيّات المُبتكرة. يقدّم قسم الشراكة التكنولوجية في وكالة ناسا الترخيص والبرامج واتفاقيّات الأعمال الصغيرة الأخرى، وتستفيد وكالة ناسا من اتفاقيّات ترخيص الأقسام في تمويل البحث والتطوير الحيويّ للمنتجات المستقبليّة.
تمنح وكالة ناسا الأولويّة لشراكات "الأعمال الصغيرة" المصنّفة من قبل إدارة الأعمال الصغيرة الأمريكيّة على أنّها "…الشركات المملوكة والمُدارة بصورة مستقلّة والربحيّة وغير المهيمنة في هذا المجال. " أحبّ بيلاغا استخدام روّاد الفضاء للصيغة وقال لنفسه: "الحقيقة هي أنّه في وقت أقلّ من الوقت المُستغرق لقراءة هذه الفقرة، تستطيع Coke (Powerade) وPepsi (Gatorade) إيجاد صيغة بديلة، لكنّها لن تكون الصيغة المدعومة علميًّا".
أطلق بيلاغا على الصيغة اسم "The Right Stuff" إشارةً إلى الكتاب والفيلم المرتبطين ببرنامج ناسا وبسبب الفعاليّة الفائقة للصيغة. بعد تقديم خطة عمل من 150 صفحة لتسويق المنتج وفترة تعليق عامّ لمدّة 60 يومًا على السجل الفيدرالي، حصل بيلاغا على الموافقة النهائيّة والحقوق الحصريّة للصيغة مع حصّة من الأسهم لناسا وضمان للإنتاج في الولايات المتحدّة.
بدأ بيلاغا مشروعه بمبلغ 300 ألف دولار من أمواله الشخصيّة و 325 ألف دولار في استثمار من "الأصدقاء والعائلة". وطوّر شبكة من العقود مع المورّدين لإدارة سلسلة التوريد وأنشطة التصنيع والتسويق. استطلع بيلاغا قبل إطلاق مُنتجه آراء الرياضيين من الفئات الرياضيّة المُختلفة لتحديد النكهة المفضلة عند كُلٍّ منهم. عَلِمَ لاحقًا أن رياضيّي القوّة (مثل كرة القدم وكرة المضرب والهوكي وكرة السلّة) يفضّلون طعمًا أحلى من رياضّي التحمّل.
على الرغم من أنّ أبحاث السوق الاستهلاكيّة الأوليّة اقترحت إمكانيّة الاستخدام من قبل لاعبي رياضات التحمّل الفرديّة (مثل العدّائين) المستجيبين الأوائل للطوارئ (مثل الجيش وقوى الإطفاء والشرطة)؛ ركّز بيلاغا على سوق الفرق الرياضيّة المحترفة والجامعات والنوادي الرياضيّة والمدارس الثانوية.
تُستخدم اليوم (The Right Stuff) من قبل معظم الفرق الرياضيّة المحترفة في أمريكا الشماليّة (دوري كرة المضرب الأمريكيّ ودوري كرة السلّة الأمريكيّ ودوري كرة القدم الأمريكيّة وغيرها) ومئات الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Stress and Well Being) من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.