سنتابع سلسلة مقالاتنا الفريدة عن السلوك التنظيمي في بابها الحادي عشر "التواصل"، في هذا الباب سنسرُد الكثير من التفاصيل المهمّة لبناء نسيجٍ اجتماعي وإداري قوي في بيئة عمل المؤسسة، سواءً داخليًّا أم خارجيًّا. سنسلّط الضوء خلال المقالات التالية على عمليّة التواصل ونشرها شرحًا وافيًا، كما سنذكر أشكال التواصل في المنظمات وآثار السلطة والمكانة والأهداف على عمليّة التواصل، سنخوض أيضًا في كيفية تأثير آلية تواصل المنظمة مع أصحاب المصالح على سمعتها وسوف نختتم في المقال الأخير بذكر وتفصيل أهمية كلٍّ من التحدث والاستماع والقراءة والكتابة على كفاءة الإدارة في المؤسسات.
استكشاف المهام الإدارية
جون ليجير (John Legre) من شركة (T-Mobile)
عادةً يمثّل الرئيس التنفيذيّ واجهة الشركة، وغالبًا ما يكون نجمها وموجّهها. يتّبع الرؤساء التنفيذيّون أساليب أكثر تحفّظًا وتنظيمًا مع أصحاب المصلحة الآخرين (المساهمين والمورّدين والهيئات التنظيميّة والعملاء). أحد الرؤساء التنفيذيين المتميّزين بحقّ هو جون ليجير الرئيس التنفيذيّ لشركة (T-Mobile).
يستضيف الرئيس غير التقليدي للشركة بثًّا صوتيًّا (بودكاست) صباح يوم الأحد بعنوان "Slow Cooker Sunday" على منصّة (فيسبوك Live)، وعلى نقيض معظم الرؤساء التنفيذييّن الذي يظهرون في المقابلات التلفزيونيّة مرتدين زيًّا رسميًّا، يظهر ليجير بشعر طويل وقميص أرجوانيّ وسترة سوداء وحذاء رياضي ورديّ. وفي حين يستخدم معظم الرؤساء التنفيذيّين لغة فصيحة ومنمّقة لمعالجة قضايا الأعمال والمنافسين، يشير ليجر إلى أكبر منافسي (T-Mobile) وهم (AT&T) و(Verizon) بوصف "الغبيّ والأغبى".
تُعدُّ شركة (T-Mobile) في سوق الهاتف المحمول اللاعب الثالث في المنافسة مع العملاقين (AT&T) و(Verizon) كما توصّلت مؤخّرًا إلى اتّفاق اندماج مع (Sprint). تعدّ هذه عمليّة دمج حاصلة بين أكثر شركتين متنافستين من بين جميع عمليات الدمج الّتي تجتاح مجال الإعلام والاتصالات.
سيؤدّي اندماجهم إلى تقليل عدد شركات الاتّصالات اللاسلكيّة في الولايات المتّحّدة من أربع إلى ثلاث وهي خطوة عارضتها لجنة الاتصالات الفدراليّة بشدّة في الماضي، لكن يبدو سوق الاتّصالات اللاسلكيّة مختلفًا بعض الشيء الآن كما هو الحال بالنسبة لإدارات الشركة.
يظهر جون ليجير وغيره من الرؤساء التنفيذيّين مثل مارك كوبان وإيلون ماسك وريتشارد برانسون للعموم أكثر من المديرين التنفيذيّين في الشركات الأخرى الّذين لا يظهرون كثيرًا ويحذرون أكثر في تعليقاتهم العامّة، وغالبًا لا يخاطبون سوى المستثمرين في الاجتماعات. قد تكون شخصيّة وأسلوب تواصل المديرين التنفيذيّين في الأماكن العامة هي ذاتها الطريقة الّتي يتعاملون بها مع موظّفيهم. ستحفّز الشخصية المُنفتحة لشخص ما، مثل جون ليجير، بعض الموظّفين، ولكن قد يرى موظّفون آخرون أنّ هذا الأمر مُبالغ به.
يمكن أن تسبّب التعليقات غير المضبوطة واللغة الّتي يستخدمها ليجير مشاكل مع الموظّفين في بعض الأحيان. وجّه بعض موظفي (T-Mobile) على سبيل المثال في مركز الاتّصال الخاص بهم، وجّهو اللوم إلى ليجير لتعليق في حدث صحفيّ قال فيه أنّ (Verizon) و(AT&T) "يغتصبون" العملاء لأجل كل قرش يمتلكونه.
تسبّبت تعليقات ليجير بمناقشات مطوّلة في منتديات الإنترنت، مثل (Reddit) حول اختياره للكلمات. يُعرف عن ليجير التحدّث عن رأيه في الأماكن العامّة وغالبًا ما يستخدم الألفاظ النابيّة، لكن يعتقد الكثيرون أنّ هذا التعليق تجاوز الحدّ. على الرغم من أن التواصل المفتوح والصريح قد يكون موضع تقدير ويؤدّي إلى وضوح الرسالة، إلا أنه يجب على الأشخاص التفكير دائمًا في عواقب كلماتهم، سواء كان ذلك في منتدى عامّ أم في مقابلة داخلية أم حتى في رسالة نصيّة.
سوف نستعرض مقارنة مفصّلة في سياق التواصل بين شخصين والتواصل بين عدّة أفراد (مجموعات) والتواصل خارج المنظّمة. كما سوف نظهر أنّ المديرين يقضون معظم وقتهم في التواصل مع الآخرين. سوف ندرس أيضًا أسباب التواصل ونناقش النموذج الأساسيّ للتواصل بين الأشخاص وأنواع التواصل بين الأشخاص والتأثيرات الرئيسيّة على عمليّة التواصل. أخيرًا سنستعرض كيفيّة يُساهم التواصل مع أصحاب المصلحة في بناء السمعة التنظيميّة للمؤسسة.
عملية التواصل الإداري
يعدّ التواصل بين الأشخاص جزءًا مهمًا من كونك مديرًا فعالًا فهو:
- يؤثّر على آراء الآخرين ومواقفهم ودوافعهم وسلوكيّاتهم.
- يعبّر عن مشاعرنا وعواطفنا ونوايانا للآخرين.
- وسيلة لتوفير واستلام وتبادل المعلومات المتعلّقة بالأحداث أو القضايا الّتي تهمّنا.
- يعزّز الهيكل الرسميّ للمنظّمة بوسائل مثل الاستفادة من قنوات الاتصال الرسميّة.
يتيح التواصل بين الأشخاص للموظّفين التفاعل مع الآخرين في جميع المستويات الإدارية ضمن المؤسّسة وتأمين النتائج المرجوُّة وطلب أو تقديم المساعدة والاستفادة من التصميم الرسميّ للمنظمة وتعزيزه. لا تخدم هذه الأغراض الأفراد المعنيّين فحسب بل الهدف الأكبر المتمثّل في تحسين جودة الكفاءة المؤسّساتيّة.
النموذج المُقَدّم هنا هو تبسيط للواقع ولكنّه يفيد في إنشاء رسم تخطيطيّ لاستخدامه في مناقشة الموضوع. يوضح الشكل 11.2 حلقة تواصل بسيطة حيث يُشفّرُالمُتّصل (communicator) رسالة ويفكُّ المتلقّي (receiver) بدوره تشفير هذه الرسالة.
الشكل 11.2 نموذج التواصل الأساسيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).
التشفير وفك التشفير
جانبان مهمان لهذا النموذج هما التشفير (encoding) وفك التشفير (decoding). التشفير هو عملية ترجمة الأفراد لأفكارهم عند بدء التواصل إلى مجموعة منهجيّة من الرموز (اللغة) سواءً كانت مكتوبة أم منطوقة. يتأثّر التشفير بتجارب المُرسِل السابقة مع الموضوع أو القضيّة وحالته العاطفيّة في وقت إرسال الرسالة وأهميّة الرسالة والأشخاص المعنيين. فكّ التشفير هو عمليّة تفسير المستلم للرسالة، ويستنتجُ المتلقّي معنى للرسالة ويحاول الكشف عن نيّتها الأساسية. يتأثّر فكّ التشفير أيضًا بالخبرات السابقة للمتلقّي وسياق استلام الرسالة.
الردود
تحدث عدة أنواع من الردود بعد إرسال رسالة من المُتّصل إلى المتلقّي. تُعدُّ الردود الخطوة الأخيرة في إكمال حلقة التواصل وقد تتّخذ عدّة أشكال، مثل الردّ اللفظيّ أو إيماءة بالرأس أو طلب المزيد من المعلومات أو عدم الردّ على الإطلاق. يتضمّن الردّ أيضًا التشفير والوسيط وفكّ التشفير، كما هو الحال مع الرسالة الأوليّة. هناك ثلاثة أنواع أساسيّة من الردود. وهي إخباريّة وتصحيحيّة ومعزِّزة. يُقدّم المتلقّي في الردود الإخباريّة معلومات غير تقييميّة إلى المُتصِّل، مثل كميّة المواد المخزّنة في نهاية الشهر. يستجيب المتلقّي في الردود التصحيحيّة بتحدّي الرسالة الأصليّة، قد يردّ المتلقّي بأنّه ليس من مسؤوليته مراقبة المواد المخزّنة. يبلغ المتلقّي في الردود المُعزِّزة أنّه تلقّى الرسالة بوضوح وفهم مقصدها. على سبيل المثال، إنّ الدرجة التي تحصل عليها في ورقة امتحان ما (سواءً كانت إيجابية أم سلبية) هي ردّ مُعزِّز على ورقة إجابتك (اتّصالك الأصليّ).
الضوضاء
هناك مجموعة متنوعة من الطرق التي قد تشوّه الرسالة المقصودة. الضوضاء (noise) هي العوامل التي تشوّش وضوح الرسالة. يمكن أن تحدث الضوضاء في أيّ مرحلة على طول النموذج الموضّح في الشكل 11.2، بما في ذلك عمليّة فكّ التشفير. قد يكون المدير مثلًا تحت الضغط ويصدر توجيهًا بالتالي: "أريد الانتهاء هذه المهمّة اليوم مهما كلّف الأمر"، ولكن في الواقع يكون المدير مهتمًّا حقيقةً بالتكاليف والثمن الذي سيُبذل لإنجاز هذه المهمّة.
ترجمة -وبتصرف- لأجزاء من الفصل (Communication) من كتاب Organizational Behavior
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: أشكال التواصل في المؤسسات
- المقال السابق: تنوع فريق العمل وتحدياته
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.