اذهب إلى المحتوى

كيف يمكن للمدير أن يحسِّن من جودة اتخاذه للقرارات ؟ في الواقع يمكن للمديرين استخدام أساليب متنوعة لتحسين عملية اتخاذهم للقرارات من خلال اتخاذ قرارات ذات جودة أفضل أو زيادة سرعة عملية اتخاذ القرارات. يلخِّص الجدول التالي بعض هذه الأساليب.

ملخَّص الأساليب التي قد تساهم في تحسين عملية اتخاذ القرارات الفردية
نوع القرار الأسلوب الفائدة
قرارات مبرمجة الاستدلالات (طرق التفكير المختصرة) توفير الوقت
استراتيجية الحل المُرضي (اختيار أول حل مقبول) توفير الوقت
قرارات غير مبرمجة تنفيذ الخطوات الست لعملية اتخاذ القرارات بطريقة منهجية تحسين الجودة
التناقش مع الآخرين تحسين الجودة؛ توليد المزيد من الخيارات؛ تقليل التحيُّز
التفكير الإبداعي تحسين الجودة؛ توليد المزيد من الخيارات
إجراء البحوث؛ المشاركة في عملية اتخاذ قرارات مستندة إلى الدلائل تحسين الجودة
الانخراط في التفكير النقدي تحسين الجودة
مراعاة الآثار بعيدة المدى تحسين الجودة
مراعاة الجوانب الأخلاقية تحسين الجودة

(حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

أهمية الخبرة

إنَّ من العوامل التي غالبًا ما يُغفل عنها في عملية اتخاذ القرارات الفعَّالة هو عامل الخبرة. عادةً ما يكون لدى المديرين الذين مرُّوا بتجارب أكثر معرفة وخبرة كبيرتين تدعم عمليّة اتّخاذ القرارات، إذ تساعد الخبرة المديرين على وضع طُرُق وتكوين استدلالات للتعامل بسرعة مع القرارات المبرمجة، كما تساعدهم على معرفة المعلومات الإضافية التي ينبغي عليهم البحث عنها قبل اتخاذ أحد القرارات غير المبرمجة.

أساليب لاتخاذ قرارات مبرمجة أفضل

تتيح الخبرة للمديرين معرفة متى ينبغي عليهم تقليل وقت اتّخاذ القرارات غير ذات الأهميّة ولكن مع ذلك لا بُدَّ من اتّخاذها. تعدُّ الاستدلالات - كما ذكرنا سابقًا- بمثابة طرق عقلية مختصرة يسلكها المديرون عندما يتخذون القرارات (الروتينية) المبرمجة، ومن الأساليب الأخرى التي يستخدمها المديرون مع هذا النوع من القرارات استراتيجية الحل المُرضي التي يقوم متخِذ القرار بواسطتها باختيار أول حل مقبول دون بذل جهود إضافية في سبيل تحديد الحل الأفضل.

جميعنا نستخدم استراتيجية الحل المُرضي في حياتنا اليومية. على سبيل المثال، افترض أنَّك تتسوَّق في أحد محلات البقالة وأنَّك ترغب بشراء المُنتج المطلوب بأقل تكلفة ممكنة. إذا كان لديك الكثير من الوقت، قد تقارن بين الأسعار وتحسب السعر بناءً على الوزن (أو الحجم) لتتأكَّد من أنَّ جميع الأصناف التي تختارها هي الأرخص ثمنًا. لكن إذا كنت مستعجلًا، فقد تختار منتجات تعلم أنَّها رخيصة بما فيه الكفاية، وهذا سيتيح لك إنهاء المهمة بسرعة وبتكلفة منخفضة معقولة.

أساليب لاتخاذ قرارات غير مبرمجة أفضل

يستطيع متخِذو القرارات استخدام عدة أساليب في المواقف التي تكون فيها جودة القرارات أكثر أهمية من مقدار الوقت المستغرق في اتخاذها، كما ينبغي التعامل مع القرارات غير المبرمجة بطريقة منهجية كما ذكرنا سابقًا، ولذلك سنناقش هذه الأساليب في سياق الخطوات الست لعملية اتخاذ القرارات التي ذكرناها سابقًا والتي تتضمن:

  1. إدراك أنَّ هناك قرار ينبغي اتخاذه.
  2. وضع عدة خيارات.
  3. دراسة الخيارات.
  4. تحديد الخيار الأفضل.
  5. تطبيق الخيار المحدَّد.
  6. تقييم مدى فاعلية ذلك الخيار.

الخطوة الأولى: إدراك أنَّ هناك قرار ينبغي اتخاذه

سيتجاهل المديرون غير الفعَّالون المشكلات في بعض الأحيان لأنَّهم لا يعلمون طريقة التعامل معها، ولكن هذا يؤدِّي غالبًا إلى حدوث مشكلات أكثر وأكبر بمرور الزمن. في المقابل، سينتبه المديرون الفعَّالون إلى المشكلات والفرص ولن يتهرَّبوا من اتخاذ القرارات التي يمكن أن تزيد من فاعلية ونجاح فِرقهم أو أقسامهم أو مؤسساتهم.

الخطوة الثانية: وضع عدة خيارات

غالبًا ما تكون محصِّلة الوقت الذي يقضيه المديرون في هذه الخطوة وضع خيارين فقط، وبعدها ينتقل المديرون بسرعة إلى الخطوة التالية من أجل اتخاذ قرار سريع. ربما يكون هناك حلًا أفضل، ولكن لم يُؤخذ بعين الاعتبار (نتيجة السرعة). من المهم أن تضع في ذهنك أنَّه ينبغي عدم التسرُّع في حالة القرارات غير المبرمجة، إذ ستزيد عملية توليد العديد من الخيارات الممكنة من احتمالية التوصُّل إلى قرار جيِّد. تتضمن الأساليب التي تساعد على توليد المزيد من الخيارات التناقش مع الآخرين (لمعرفة أفكارهم) والتفكير الإبداعي بشأن المشكلة.

التناقش مع الآخرين

غالبًا ما يستطيع المديرون تحسين جودة عملية اتخاذهم للقرارات عن طريق إشراك الآخرين في هذه العملية، خاصةً في مرحلة وضع الخيارات. يميل الأشخاص الآخرون إلى رؤية المشكلة من منظورات مختلفة لأنَّهم قد مرُّوا بتجارب مختلفة في الحياة، وهذا من الممكن أن يساعد على توليد خيارات لم تكن لتخطر على ذهنك. يمكن أن يكون التشاور بشأن القرارات الكبيرة مع أحد الاستشاريين مفيدًا خاصةً للمديرين الجدد الذين لا يزالون يتعلَّمون ويطوِّرون من خبراتهم، إذ أنَّ الأشخاص الذين مرُّوا بتجارب أكثر وأصبحوا يمتلكون خبرة أكبر غالبًا ما يكونون قادرين على اقتراح خيارات أكثر.

التفكير الإبداعي

لا ترتبط الإدارة بالإبداع في جميع الأحيان، ولكن قد يكون الإبداع مفيدًا في بعض الحالات، إذ من الممكن أن يكون التفكير الإبداعي مفيدًا في عملية اتخاذ القرار خاصةً عند وضع الخيارات. يُقصد بالتفكير الإبداعي توليد أفكار جديدة أو مبتكَرة، وهو يتطلَّب استخدام ملكة الخيال والقدرة على الابتعاد عن الطريقة التقليدية في القيام بالأشياء وفي رؤية العالم. على الرغم من أنَّ بعض الأشخاص مبدعين بالفطرة، إلا أنَّ التفكير الإبداعي مهارة يمكن تنميتها واكتسابها، ويتطلَّب ذلك أن تطلق لعقلك العنان وأن تدمج المعرفة الحالية بخبراتك السابقة باستخدام طُرُق مبتكَرة. قد تأتي الأفكار الإبداعية عندما لا نتوقع مجيئها (أثناء الاستحمام مثلًا)، وذلك لأنَّنا لا نكون في حالة تركيز شديدة على المشكلة، وهذا يتيح لعقولنا أن تسرح في أفق الخيال والإبداع تلقائيًّا. إنَّ المديرين الذين يسعون إلى أن يكونوا مبدعين سوف يقضون وقتًا كافيًا في دراسة المشكلة من زوايا متعددة، ويحاولون دمج المعلومات بطرق جديدة، ويبحثون عن الأنماط البارزة، ويستخدمون خيالهم في توليد حلول جديدة للمشكلات القائمة. سنتحدَّث عن المزيد من التفاصيل المتعلِّقة بالتفكير الإبداعي في مقالات لاحقة من سلسلتنا هذه.

الخطوة الثالثة: دراسة الخيارات

من المهم عند تطبيق هذه الخطوة مراعاة عدة عوامل. على سبيل المثال، قد تكون بعض الخيارات مكلفة أكثر من غيرها، وغالبًا ما تكون المعلومات المرتبطة بهذا الأمر ضرورية عند دراسة الخيارات. سيحرص المديرون الفعَّالون على جمع المعلومات الكافية لتقييم جودة الخيارات المختلفة، كما أنَّهم سيستخدمون الأساليب التالية التي سنبيِّنها فيما يلي: المشاركة في عملية اتخاذ قرارات مستندة إلى الدلائل، والتفكير النقدي، والتناقش مع الآخرين، ومراعاة الآثار بعيدة المدى والجوانب الأخلاقية.

المعلومات والبيانات الدقيقة

إنَّ عملية اتخاذ القرارات المستندة إلى الدلائل عبارة عن أسلوب لاتخاذ القرارات يتضمَّن جمع أفضل الدلائل المتوفرة بطريقة منهجية لكي يتمكَّن المديرون من اتخاذ قرارات فعَّالة، وتُبنى هذه الدلائل على الخبرات التي مرَّ بها متَّخِذ القرار، ولكنَّها غالبًا ما تتضمَّن أيضًا دلائل خارجية مثل آراء أصحاب المصلحة والظروف المرتبطة بالمؤسسة والتكاليف والمكاسب المحتملة والمعلومات الأخرى المُتعلّقة بالقرار. يُشجَّع المديرون في هذه العملية على الاعتماد على البيانات والمعلومات بدلًا من الاعتماد على حدسهم، ومن الممكن أن يعود هذا بنفع كبير خاصةً على المديرين الجدد والمديرين ذوي الخبرة الذين يريدون الخوض في مشاريع جديدة. (تذكَّر جميع الدراسات التي أجرتاهما روبيو وكوري قبل البدء في إنشاء شركة Away).

التناقش مع الآخرين

ذكرنا سابقًا أنَّه من الجيِّد الحصول على مساعدة الآخرين عند وضع الخيارات. إنَّ التناقش مع الآخرين جيِّد أيضًا عند دراسة تلك الخيارات وتحليلها، إذ قد يساعدك الأفراد الآخرون الذين يعملون في المؤسسة على تقييم جودة اختياراتك. إنَّ معرفة آراء وتفضيلات الآخرين وسيلة جيِّدة للحفاظ على الموضوعية لأنَّ استشارة الآخرين قد تساعدك على تقليل تحيُّزاتك عند اتخاذ القرارات (شريطة أن تتناقش مع أشخاص لديهم تحيُّزات أو مُيول مختلفة عن تلك الموجودة لديك).

التفكير النقدي

يمكن أن تتحسَّن مهاراتنا في تقييم الخيارت عن طريق التركيز على التفكير النقدي. إنَّ التفكير النقدي عبارة عن عملية يتم فيها تقييم جودة المعلومات -خاصةً البيانات التي جُمعت من المصادر الأخرى ومن أقوال الآخرين- لتحديد ما إذا كانت المصادر موثوقة وما إذا كانت الأقوال صحيحة.

أحد العوامل المهمة المرتبطة بالتفكير النقدي هو الإدراك بأنَّ تحليل الأشخاص للمعلومات المتوفرة ربما لا يكون صائبًا بسبب عدد من المغالطات المنطقية التي قد يقعون فيها عند مناقشة آرائهم أو الدفاع عن وُجهات نظرهم. التعرُّف على هذه المغالطات والقدرة على اكتشافها يمكن أن يساعد على تحسين جودة عملية اتخاذ القرارات. يبيِّن الجدول التالي عدة أمثلة للمغالطات المنطقية الشائعة.

المغالطات المنطقية الشائعة
اسم المغالطة الوصف أمثلة طُرُق لمواجهة هذه المغالطة
عدم الترابط (النتيجة لا تتبع تسلسل منطقي سليم) الاستنتاج المطروح غير منطقي أو هو ليس الاستنتاج المنطقي الوحيد بناء على الحجج المتوفرة. يُنفق المنافس الأكبر لنا أكثر مما ننفقه على التسويق ويمتلك حصة سوقية أكبر. بناءً على ذلك، ينبغي علينا إنفاق المزيد من المال على التسويق. الافتراض غير المعلَن: يمتلك المنافس حصة سوقية أكبر لأنَّه ينفق أموالًا أكثر على التسويق. - ادرس جميع الحجج. هل هي منطقية؟ - فتِّش عن أي افتراضات قد وُضعت ضمن سلسلة الحجج. هل هي منطقية؟ - حاول جمع الدلائل التي تدعم الحجج والافتراضات أو تدحضها. ينبغي عليك أن تسأل السؤال التالي في هذا المثال: لماذا يمتلك منافسنا حصة سوقية أكبر؟ هل هناك أي أسباب أخرى إلى جانب الإنفاق على التسويق؟
السبب الزائف بما أنَّ هناك شيئين مترابطان، فإنَّ أحدهما سبَّب حدوث الآخر. وُجد ارتباطٌ قويٌّ بين معدلات بيع البوظة وبين معدلات الجريمة. بناءً على ذلك، فإنَّ تناول البوظة يؤدي إلى ارتكاب الجرائم. هذه المغالطة شبيهة بمغالطة عدم الترابط، إذ يُوضع افتراض ضمن سلسلة الحجج. - اسأل نفسك عمَّا إذا كان الشيء الأول يُسبِّب حدوث الشيء الثاني، أم أنَّ هناك سبب آخر. في المثال الذي ذكرناه، الصواب هو أنَّ ارتفاع حرارة الجو هو السبب في ارتفاع معدلات الجريمة (بما يُفضي إليه من توتر وقلق) وفي ارتفاع مبيعات البوظة أيضًا.
الشخصنة (مغالطة مهاجمة الشخص) ترك الحجج ومهاجمة الشخص الذي أدلى بها. "هل حقًّا ستأخذ ما يقوله محمود على محمل الجد؟ سمعتُ أنَّ أكبر عملائه قد تخلَّى عنه وأصبح يتعامل مع بائع آخر لأنَّه شخص ثرثار وغير صادق." الهدف: إذا توقَّفت عن الثقة في شخص ما، فإنَّك ستتجاهل حججه. - هل لدى الشخص الآخر الذي حاول أن يجعلك تفقد ثقتك في الشخص الأول مصلحة أو نوايا خفيَّة؟ - هل ستكون الحجة التي أدلى بها الشخص الأول مقنعة إذا صدرت عن شخص آخر؟
مغالطة المنشأ عدم الثقة بشيء ما بسبب أصوله وجذوره. "لقد صُنع هذا في الصين، لذلك لا بد أنَّ جودته منخفضة." "إنَّه محامٍ، لذا لا يمكنك أن تثق بأي شيء يقوله." ترتكز هذه المغالطة على الصور النمطية. الصور النمطية عبارة عن تعميمات، بعضها يكون غير صحيح إطلاقًا، وحتى تلك التي تكون صحيحة في بعض الحالات لا تكون صحيحة في جميع الحالات. ينبغي عليك أن تدرك أنَّ طريقة التفكير هذه ما هي إلا شكلٌ من أشكال التحيُّزات الموجودة لديك.
الاحتكام إلى التقاليد بما أنَّنا كنَّا دائمًا نفعل هذا بطريقة معينة، إذًا لا بدَّ أن تكون تلك هي الطريقة الصحيحة أو الأفضل. "دائمًا ما فعلنا هذا بهذه الطريقة." "لا ينبغي علينا تغيير هذا. إنَّه يعمل جيِّدًا على النحو الذي هو عليه." - حدِّد ما إذا كان الوضع قد تغيِّر، ويتطلّب إحداث تغيير في طريقة القيام بالأشياء. - حدِّد ما إذا كانت المعلومات الجديدة تُشير إلى أنَّ وجهة النظر التقليدية غير صحيحة. (تذكَّر أنَّنا كنَّا نظنُّ الأرض مسطَّحة.)
مُحاكاة الأغلبية بما أنَّ أغلبية الناس تقوم بهذا الأمر، فلا بدَّ أن يكون جيِّدًا. "الجميع يفعل هذا." "لا يريد زبائننا أن يخدمهم أُناس كهؤلاء." - تذَّكر أنَّ الأغلبية تكون مخطئة في بعض الأحيان، وأنَّ الشيء الشائع ليس دائمًا الشيء الصحيح. - اسأل نفسك ما إذا كان تقليد الآخرين سيقودك حيث تريد أن تكون. - تذكَّر أنَّ المؤسسات عادةً ما تكون ناجحة نتيجة تفوُّقها على منافسيها في شيءٍ ما، لذلك قد لا يكون اتباع الأغلبية أفضل طريقة للنجاح.
التماس المشاعر تحويل الحجة من المنطق إلى العواطف. "علينا أن نفعل هذا من أجل سمير (المتوفَّى حديثًا). إنَّ هذا ما كان سيريده." - زِد وعيك بعواطفك الخاصة واعرف متى يحاول أحدهم استغلالها. - اسأل نفسك عمَّا إذا كانت الحجة قائمة بذاتها دون استمالة عواطفك.

مراعاة الآثار بعيدة المدى

من الممكن أن يؤدِّي التركيز على النتائج العاجلة قصيرة المدى وقلة الاهتمام بالمستقبل إلى حدوث المشكلات. على سبيل المثال، تخيَّل أنَّه يتوجَّب على أحد المديرين تحديد ما إذا كان سيوزِّع الأرباح على المستثمرين أم سيتستغل ذلك المال في البحث والتطوير من أجل مواصلة تطوير منتجات مبتكَرة. تميل النفوس البشريّة إلى تحصيل النتائج بسرعة وعلى المدى القريب، إذ أنَّ توزيع الأرباح على المساهمين يبدو خطوةً جيّدة لزيادة قيمة أسهم الشركة، ولكنَّ عدم استثمار المال في البحث والتطوير قد يؤدِّي إلى عدم قدرة الشركة على المنافسة الفعَّالة في السوق بعد خمس سنوات، ومن ثمَّ تكون النتيجة إغلاق الشركة. إنَّ الانتباه إلى النتائج المحتملة بعيدة المدى أمر ضروري عند دراسة الخيارات.

مراعاة الجوانب الأخلاقية

من المهم أيضًا التفكير فيما إذا كانت الخيارات العديدة المتوفرة جيِّدة أم سيِّئة من الناحية الأخلاقية. يختار المديرون خيارات غير أخلاقية في بعض الأحيان لأنَّهم لم يضعوا بعين الاعتبار الآثار الأخلاقية المترتبة على أفعالهم. على سبيل المثال، قامت شركة فورد في السبعينيات من القرن الماضي بتصنيع سيارة فورد بينتو التي كانت تعاني من سوء تصنيع كارثي، إذ كان من السهل اشتعال النيران في السيارة عند وقوع تصادم خلفي، ولكنَّ الشركة لم تُحجم عن إصدار السيارة منذ البداية لأنَّها نظرت إلى المشكلة من الناحية المالية دون أن تضع بعين الاعتبار الآثار الأخلاقية. (10) لقد نتجَ عن سوء تصرُّف الشركة موت العديد من الأشخاص. من المؤسف أنَّ اتخاذ مثل هذه القرارات غير الأخلاقية لا يزال يحدث ويُسبِّب الضرر. يسعى المديرون الفعَّالون إلى تجنب هذه المواقف عن طريق التفكير في الآثار الأخلاقية التي قد تنتج عن قراراتهم. الشكل التالي مثال ممتاز على طريقة اتخاذ القرارات الإدارية مع مراعاة الجوانب الأخلاقية في الوقت نفسه.

Ethical_Decision_tree.jpg

إن التمعّن والتفكير الجيّد في كل خطوة من خطوات اتّخاذ القرارات الأخلاقيّة سيساعدك على اتّخاذ القرارات الصائبة. يحدِّد النموذج الذي وضعه جيمس رست أربعة مكونات لعملية اتخاذ القرارات الأخلاقية:

  1. الحساسية الأخلاقية: إدراك أن القضية أو المشكلة لها بُعد أخلاقي.
  2. الحكم الأخلاقي: تحديد أيّ الأفعال صحيحة وأيّها خطأ.
  3. الدافع الأخلاقي: وجود النيِّة لفعل الأمر الصائب.
  4. الفعل الأخلاقي: القيام بالأمر الصائب.

لاحظ أنَّ التقصير في أي مرحلة يمكن أن يؤدِّي إلى أفعال غير أخلاقية! سوف يساعدك التأنِّي في تحديد الآثار الأخلاقية المحتملة على تنمية الحساسية الأخلاقية لديك، وهذه خطوة أولى مهمة لضمان اتخاذ قرارات أخلاقية.

بعد أن حدَّدتَ أنَّ هناك آثار أخلاقية مترتِّبة على قرارك، حان دور خطوة الحُكم الأخلاقي، إذ يجب عليك أن تحدِّد ما إذا كانت الخيارات المحتملة صائبة أم غير صائبة وهل سوف تُسبِّب أي ضرر وما مقدار الضرر ومن هم المتضررين. إذا لم تكن متأكِّدًا ممَّا إذا كان أحد الأمور صائبًا أم لا، فكِّر كيف سيكون شعورك لو تحدَّثت الصحف الكُبرى عن القرار الذي اتخذته في صفحاتها الأولى. إذا كنت ستشعر بالذنب أو الخجل، فلا تفعله! انتبه إلى الإشارات العاطفية؛ فهي تزوِّدك بمعلومات مهمة بشأن الخيار الذي تفكِّر فيه.

تتطلَّب الخطوة الثالثة في نموذج اتخاذ القرارات الأخلاقية أن تقرِّر فعل الأمر الصائب، وتتطلَّب الخطوة الرابعة تنفيذ ذلك القرار. تخيَّل أنَّ رئيسك في العمل قد طلب منك القيام بشيء تعلم أنَّه خطأ، فرفضت القيام به، ولكنَّ رئيسك بيَّن لك أنَّك ستخسر وظيفتك إذا لم تفعل ما طلبه منك. تخيَّل أيضًا أنَّ عائلتك تعتمد على دخلك. إذا قررت أن تفعل الأمر الذي تراه صائبًا، فقد يؤدِّي ذلك إلى فقدانك لوظيفتك ومصدر دخلك. أفضل إجراء في مثل هذه الحالات هو العثور على طريقة تُقنِع بها رئيسك بأنَّ المهمّة غير الأخلاقية التي أُنيطت إليك ستُسبّب ضررًا أكبر للمؤسسة على المدى البعيد.

الخطوة الرابعة: تحديد الخيار الأفضل

بعد أن تمَّ وضع الخيارات ودراستها، يجب على متَّخِذ القرار اختيار أحد تلك الخيارات. تكون هذه الخطوة سهلة في بعض الأحيان، إذ يكون هناك خيار يتفوَّق على غيره بوضوح. لكن غالبًا ما تكون هذه الخطوة صعبة، إذ -كما ذكرنا سابقًا في هذا المقال- قد يكون هناك عدة خيارات جيِّدة ولكن لا يكون من الواضح أي الخيارات هو الخيار الأفضل حتى بعد توفّر جميع الدلائل والمعلومات الممكنة. قد تفتقر قائمة الخيارات المُتاحة إلى خيار يُرضي جميع أصحاب المصلحة، لذلك سوف تتسبَّب في استياء أحدهم مهما كان الخيار الذي اخترتَه. قد يُصاب متخِذ القرار المتردد بالعجز في مثل هذه الحالة ويكون غير قادر على الاختيار بين البدائل المختلفة بسبب عدم قدرته على تحديد الخيار "الأفضل" بوضوح، وقد يقرِّر الاستمرار في جمع معلومات إضافية على أمل أن تصبح عملية اتخاذ القرار أسهل. بصفتك مديرًا، من المهم التفكير فيما إذا كان النفع الذي سيعود من جمع معلومات إضافية يفوق تكلفة الانتظار، وإذا كان هناك ضيق في الوقت، قد لا يكون الانتظار ممكنًا.

إدراك أنَّ الكمال بعيد المنال

يدرك المديرون الفعَّالون أنَّهم لن يتمكَّنوا من اتخاذ القرار الأفضل في جميع الأحيان بسبب عدم توفُّر المعلومات الكاملة أو عدم توفُّر الوقت أو الموارد اللازمة لجمع كل المعلومات الممكنة ودراستها، كما أنَّهم يتقبَّلون أنَّ عملية اتخاذهم للقرارات لن تصل إلى حد الكمال ولكنَّهم يسعون إلى اتخاذ قرارات جيِّدة عمومًا. إدراك المديرين بأنَّ الوصول إلى الكمال مستحيل سيساعدهم على التأقلم والتغيير في حالة لو اكتشفوا لاحقًا بأنَّ الخيار المحدَّد لم يكن الخيار الأفضل.

التناقش مع الآخرين

من الممكن أن يكون التناقش مع الآخرين مفيدًا في هذه المرحلة أيضًا. إنَّ اختيار واحد من الخيارات هي مسؤوليتك في النهاية، ولكن عندما تواجه قرارًا صعبًا، فإنَّ التشاور بشأن الخيار الذي اخترته مع شخص آخر من الممكن أن يساعدك في تحديد ما إذا كان قد وقع اختيارك على القرار الأفضل من بين الخيارات المتاحة، كما أنَّ مشاركة المعلومات بطريقة لفظية مع الآخرين يدفع الدماغ إلى معالجة المعلومات بطريقة مختلفة ممَّا قد يزوِّدنا برؤية جديدة ويزيد من وضوح عملية اتخاذ القرارات.

الخطوة الخامسة: تطبيق الخيار المحدَّد

يتوجَّب عليك بعد تحديد أحد الخيارات أن تطبقَّه. قد يبدو هذا بديهيًا، ولكن من الممكن أن تشكِّل عملية التطبيق تحديًا خاصةً إذا كان سينشأ عن القرار نزاع أو استياء في أوساط بعض أصحاب المصلحة. في بعض الأحيان نكون على يقين بما ينبغي علينا القيام به ولكن نحاول على الرغم من ذلك تجنب القيام به لأنَّنا نعلم أنَّ في المؤسسة من سيستاء بسببه -حتى لو كان الحل الأفضل.

إنَّ المُضي قُدمًا في تنفيذ القرار رغم العوائق ضروري لكي تكون مديرًا فعَّالًا. إذا كنت لا تنوي أو لا ترغب في تطبيق القرار، فمن الجيد أن تراجع نفسك وتقف معها وقفة جادَّة حتى تعرف السبب. إذا كنت تعلم بأنَّ القرار سيؤدِّي إلى حدوث نزاع، حاول التفكير في كيفية معالجة هذا النزاع بطريقة فعَّالة. من الممكن أن نشعر بعدم وجود خيار جيِّد أو أن نشعر بأنَّنا مجبرون على اتخاذ قرار نعلم في أعماقنا بأنَّه قرار غير صائب من الناحية الأخلاقية. قد يكون هذا النوع من القرارات من أصعب القرارات التي يمكن أن تواجهك، ولكن ينبغي عليك أن تسعى دائمًا إلى اتخاذ القرارات التي تشعر بالرضا عنها، وهذا يعني أنَّ عليك فعل الأمر الصائب حتى لو كنتَ واقعًا تحت ضغوط تدفعك إلى القيام بأمر خطأ.

الخطوة السادسة: تقييم مدى فاعلية ذلك الخيار

يُهمِل المديرون أحيانًا الخطوة الأخيرة في عملية اتخاذ القرارات لأنَّ تقييم مدى فاعلية القرار يستغرق وقتًا، وغالبًا ما ينتقل المديرون المشغولون مباشرةً إلى المشروع التالي دون تمحيص المشروع السابق وتقييم نتائجه وفعاليّته. لكن هذه الخطوة مهمة؛ فلو لم نقيِّم أداءنا الخاص ونتائج قراراتنا، لن نستطيع التعلُّم من تجاربنا بطريقة تمكِّننا من تحسين جودة قراراتنا المستقبلية.

الاهتمام جيِّدًا بكل خطوة من خطوات عملية اتخاذ القرارات يحسِّن من جودة القرارات، وكما رأينا سابقًا فإنَّ هناك عدة أساليب يمكن أن تساعد المديرين على اتخاذ قرارات جيِّدة. وفيما يلي سنذكر مثالًا يبيِّن كيف طبَّق أحد المديرين الأساليب التي سبق ذكرها من أجل التوصّل إلى قرار جيّد في نهاية المطاف.

الأخلاقيات في الحياة المهنية

ما حدث مع روب أولت الذي عمل في العديد من الوظائف الإداري

تتطلَّب المعضلات الأخلاقية اهتمامًا خاصًا عندما يتعلَّق الأمر باتخاذ القرارات، وبما أنَّ المديرين يتخذون الكثير من القرارات، ليس من المستغرب أن يكون لبعض هذه القرارات آثار أخلاقية. نتيجة وجود العديد من أصحاب المصلحة، فإنَّ ما يمكن أن يكون أفضل بالنسبة لأحد أصحاب المصلحة قد لا يكون هو الأفضل لأطراف أخرى في بعض الأحيان. لقد تحدَّثتُ مع روب أولت (Rob Ault) بشأن خبراته وتجاربه مع المعضلات الأخلاقية التي حدثت خلال مسيرته المهنية. قام روب بالعديد من الأدوار الإدارية لمدة تزيد عن 25 عامًا، وقد بدأ ذلك منذ أن كان 19 عامًا. لقد أخبرني بأنَّه قد واجه عددًا من المعضلات الأخلاقية خلال تلك المدة.

أمضى روب معظم حياته المهنية في العمل لصالح المؤسسات الربحية، وقد عمل في بيئة نقابية (union environment). كانت أكثر المواقف التي تزعجه هي عندما يكون الأمر الصائب واضحًا بالنسبة له ولكنَّه يتعارض مع ما يأمره به رئيسه في العمل، ومن ضمن هذه المواقف موقفًا شعر فيه بأنَّه ينبغي طرد أحد الموظفين بسبب سوء تصرفه (ولكنَّه لم يُطرد)، بالإضافة إلى موقف طُلب منه فيه طرد أحدهم بغير وجه حق. على أي حال، كان أكثر ما تحدَّثنا بشأنه هو أسلوبه الذي انتهجه وكيف اتَّخَذ القرارات في مثل هذه المواقف الصعبة.

لقد بيَّن روب بوضوح بأنَّ أسلوبه في هذه المواقف قد تغيَّر مع زيادة الخبرة؛ فما فعله سابقًا في حياته المهنية ليس بالضرورة أن يكون مثل ما يفعله في الوقت الحالي، كما أشار إلى أنّ المدير يحتاج إلى المرور بتجارب والوصول لمرحلة من النضج لكي يدرك بأنَّ القرارات التي يتخذها تؤثِّر على حياة الناس. لقد وضَّح أيضًا بأنَّ نقطة البداية لأي عملية اتخاذ قرارات هي إدراك أنّه قد تم تعيينك لتحقيق منافع للشركة، لذلك ينبغي أن يكون مصدر قراراتك نابعًا من رؤيتك لما سيحقِّق أفضل فائدة للمؤسسة على المدى الطويل (بالإضافة إلى ما تراه صائبًا). لا يكون ذلك سهلًا في جميع الأحيان لأنَّ ملاحظة النتائج قصيرة المدى والتنبؤ بها أسهل بكثير.

لقد سألت روب عن الأشخاص الذين كان يتحدَّث إليهم قبل اتخاذ القرارات التي ترتبط بجوانب أخلاقية، فأخبرني أنَّه يرى بأنَّ أهم الأشياء التي ينبغي عليك القيام بها بصفتك مديرًا السعي إلى إقامة علاقات مع أشخاص تثق بهم في المؤسسة، وبذلك يصبح لديك أشخاص تستطيع التحدُّث إليهم واستقصاء آرائهم في المواقف الصعبة. لقد صرَّح بأنَّه ينبغي على المدير التواصل باستمرار مع رئيسه في العمل الذي غالبًا يمتلك استيعابًا أفضل واطّلاعًا أشمل على ما يحصل على مستوى المؤسسة، كما أخبرني بأنَّه يحبُّ التحدُّث إلى والده الذي كان يعمل في إدارة الموارد البشرية لمؤسسة كبيرة مصنَّفة ضمن قائمة فورتشين 500. كان دائمًا ما يساعده والده في تكوين تصوُّر عمَّا قد يحصل على المدى البعيد لو سُمِح لأحد الأشخاص بكسر القواعد، وقد أدرك روب في النهاية بأنَّ النتائج بعيدة المدى لكسر القواعد لها تداعيات ونتائج سلبيّة في معظم الأحيان؛ فإذا أُفسِح المجال لأحد الأشخاص بإساءة التصرُّف سيكتشف الآخرون ذلك ويدركون أنَّ بإمكانهم القيام بالشيء نفسه دون أن يترتَّب على ذلك عواقب. يستطلع روب أيضًا آراء الأفراد الآخرين الذين يعملون في المؤسسة باستمرار قبل التوصُّل إلى قرار ذا أبعاد أخلاقيّة، وقد أخبرني بأنَّه عندما كان يعمل في "بيئة نقابية"، كان يحرص على أن تكون لديه علاقات جيِّدة مع مسؤول النقابة لأنَّ ذلك كان يساعده على معرفة وجهات النظر الخاصة بشخص قريب من الموظفين.

لم يخبرني روب عن تفاصيل أكبر معضلة أخلاقية واجهته، ولكن مجمل ما حدث هو أنَّه لم يوافق على ما طُلب منه القيام به، وقد آثر ترك عمله على أن يقوم بعملٍ يرى أنّه غير صائب عندما اتضح له عدم وجود خيار آخر، وقد وافق على الحصول على تعويض إنهاء الخدمة مقابل التوقيع على اتفاقية عدم إفصاح، ولهذا السبب لا يستطيع الإدلاء بأي تفاصيل، ولكن بدا واضحًا من محادثتنا بأنَّه يشعر بأنَّه اتخذ القرار الصحيح. تبيِّن تلك المعضلة الأخلاقية أنَّ عملية اتخاذ القرارات الإدارية يمكن أن تكون صعبة في بعض الأحيان.

ترجمة -وبتصرف- للفصل Improving the Quality of Decision-Making من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...