أشار رالف ستوجديل في عام 1948 إلى أنَّ الصفات والخصائص والمهارات المطلوبِ توفُّرها لدى القائد تتعلّق تعلّقًا كبيرًا بمتطلَّبات الموقف الذي يكون فيه القائد. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ أنَّ مجموعتي السلوكيات الرئيسية التي بيَّناهما في المقال السابق، وهي سلوكيات تحديد هيكل العمل وسلوكيات الاهتمام بفريق العمل، لوحظ أنهما لا تؤدِّيان دائمًا إلى نتائج إيجابية، وهذا يعني أنَّ هذه السلوكيات تؤدِّي في ظروفٍ معيّنة إلى تحسين الأداء ورضا الأتباع، وتؤدِّي في أحيان أخرى إلى عكس ذلك تمامًا. لقد دفعت هذه النتائج المتناقضة الباحثين إلى طرح السؤالين التاليين: «ما هي الظروف التي تؤدِّي إلى نتائج إيجابية؟» و«متى تكون النتائج سلبية ولماذا؟». يبدو أنَّ الاختلافات في المواقف والظروف تلعبان الدور الأهم في تباين النتائج.
لقد تطرَّقت العديد من النظريات لهذه القضية، مثل: النظرية الموقفية لفيدلر، ونظرية المسار نحو الهدف، ونظرية هيرسي وبلانشارد، ونظرية الموارد الإدراكية، ونموذج فروم ويتون لاتخاذ القرارات. سوف نقتصر في هذا المقال على توضيح اثنتين من هذه النظريات الموقفية المشهورة، وهما: النظرية الموقفية لفيدلر ونظرية المسار نحو الهدف لروبرت هاوس.
النظرية الموقفية لفيدلر
من أولى النظريات الموقفية الأكثر شهرة والأكثر إثارة للجدل هي النظرية التي وضعها فريد فيدلر من جامعة واشنطن. يشير فيدلر إلى أنَّه يجب على المؤسسات التي تسعى إلى جعل فِرق العمل فعَّالة من خلال القيادة الفعَّالة تقييم القائد بناءً على سماته الأساسية، وتقييم المواقف التي قد يواجهها القائد، ومن ثمَّ تحديد أسلوب قيادة مناسب يتوافق مع كلّ من سمات القائد وظروف العمل.
سمات القائد
يُطلب من القادة وفق هذه النظرية الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلِّقة بأدنى الصفات والإمكانيات المُتوفّرة في الأفراد الذين يرغبون بالعمل معهم تحت قيادتهم، وذلك لتحديد ما إذا كان القائد يميل أكثر إلى الاهتمام بالمهام أم إلى الاهتمام بالعلاقات، وذلك باستخدام مقياس يُدعى زميل العمل الأقل تفضيلًا (Least-preferred-coworker أو LPC). يعكس مقياس LPC سلوك القائد مع الآخرين، على سبيل المثال: لطيف أو مزعج، قاسٍ أو رقيق، ودود أو غير ودود، جدير بالثقة أو غير جدير بالثقة.
يُشير فيدلر إلى أنَّ القادة الذين يحصلون على درجات مرتفعة في مقياس LPC يهتمُّون بالعلاقات؛ إذ إنَّهم يُركِّزون على بناء علاقات وثيقة مع الآخرين والحفاظ عليها، ويميلون إلى تقييم زملائهم الأقل تفضيلاً تقييمًا إيجابيًا إلى حدٍّ ما، ويكون إنجاز المهام أمرًا ثانويًا بالنسبة لهذا النوع من القادة، كما ويهتمُّون بالمهام المنوطة بالمجموعة فقط بعد أن يتأكَّدوا من وجود علاقات عمل جيِّدة ضمن الفريق. في المقابل، يميل القادة الذين يحصلون على درجات منخفضة في مقياس LPC إلى تقييم الأفراد الذين تقل رغبتهم في العمل معهم تقييمًا سلبيًا إلى حدٍّ ما؛ فهم أشخاص يهتمُّون بالمهام، ولا يهتم هؤلاء القادة بإقامة علاقات اجتماعية جيدة مع الآخرين إلَّا بعد أن يتأكَّدوا من أنَّ المهام قد أُنجزت على النحو المطلوب.
العوامل المرتبطة بالموقف
تكون فاعلية القائد في بعض المواقف أكبر من فاعليته في غيرها. هناك بعض المصطلحات التي حدَّدها فيدلر فيما يتعلَّق بالموقف، وهي التوافق مع الموقف (situational favorableness) والتحكُّم في الموقف (situational control). المصطلح الأول الذي حدَّده فيدلر هو التوافق مع الموقف، والذي يُشير إلى مقدار السيطرة والتأثير اللذين يتمتَّع بهما القائد واللذين يُشعرانه أنَّ بإمكانه تحديد نتائج عمليات تفاعل المجموعة. استبدل فيدلر بعد عدة سنوات هذا المصطلح بمصطلح التحكُّم في الموقف، والذي يُشير إلى مدى قدرة القائد على التأثير في العمليات التي تُنجز داخل المجموعة.
هناك ثلاثة عوامل تُحدِّد مدى توافق القائد مع الموقف، وهذه العوامل موضَّحة فيما يلي ومرتَّبة حسب أهميتها:
- العلاقة بين القائد والمرؤوسين: مدى قبول أفراد المجموعة للقائد، وقدرتهم على العمل معًا بشكل جيد، ومستوى ولائهم للقائد.
- هيكل العمل: مدى وضوح تفاصيل المهام والأهداف المطلوبة وكيفية إنجازها.
- سلطة القائد المستمدة من مركزه: قدرة القائد المباشرة على التأثير في أفراد المجموعة.
يكون القائد أكثر توافقًا مع الموقف عندما تكون العلاقة بين القائد وأفراد المجموعة جيِّدة، وعندما تكون المهام محدَّدة ومنظمة للغاية، وعندما تكون سلطة القائد المستمدة من مركزه قوية (الخلية الأولى في الشكل التالي). في المقابل، يكون القائد أقل توافقًا مع الموقف عندما تكون علاقته بأفراد المجموعة ضعيفة، وعندما تكون المهام غير منظمة وغير واضحة، وعندما تكون سلطة القائد المستمدة من مركزه ضعيفة (الخلية الثامنة في الشكل التالي).
نموذج فيدلر (المصدر: مقتبس من «Leadership and effective management»، فريد فيدلر ومارتن كيمرز، 1974.)
التوافق بين القائد والموقف
هناك مواقف يكون القائد متوافقًا ومسيطرًا عليها، وهناك مواقف أخرى لا يكون متوافقًا معها. لقد درس فيدلر عددًا كبيرًا من المواقف القيادية لكي يُحدِّد الظروف والحالات التي ينتج عنها توافق ممتاز بين القائد والموقف، وأشار إلى أنَّ معظم القادة يستخدمون أسلوب قيادة نمطيًّا واحدًا ولا يغيِّرونه، لذلك يرى بأنَّه يتوجَّب على المؤسسات أن تعمل على أن تتناسب مواقف العمل مع القائد.
على الرغم من أنَّ هذا النموذج لم يُختبر من جميع جوانبه وأنَّ تجربته غالبًا ما نتج عنها نتائج متباينة أو متناقضة، إلَّا أنَّ الدراسات التي أجراها فيدلر تشير إلى أنَّ القادة الذين يهتمٌّون بالعلاقات (الذين يحصلون على درجات مرتفعة في مقياس LPC) تزداد فاعليتهم كثيرًا في الحالات التي يكون توافقهم مع المواقف معتدلًا مقارنةً بالحالات التي يكون التوافق فيها مع المواقف كبيرًا جدًّا أو قليلًا جدًّا، ويعزو فيدلر سبب نجاح هؤلاء القادة في الظروف المعتدلة إلى أسلوبهم الذي يتَّسم بالتساهل في الإدارة وفي تقديم التوجيهات؛ إذ إنَّ كثرة تقديم التوجيهات حتى في مواقف العمل معتدلة الصعوبة قد يؤدِّي إلى توتُّر الأتباع، وحدوث نزاعات بين أفراد المجموعة، ونقص التعاون.
في المقابل، يكون القادة الذين يهتمُّون بالمهام (الذين يحصلون على درجات منخفضة في مقياس LPC) فعَّالين جدًّا في المواقف التي يكون توافقهم معها كبيرًا (الإيجابية) أو قليلًا (السلبية). يسمح هؤلاء القادة لأفراد مجموعتهم بتأدية مهامهم دون أن يفرضوا أيَّ توجيهات فيما يتعلَّق بهذه المهام، وذلك عندما تكون هذه المهام مُحدَّدة وواضحة؛ فليس هناك حاجة لتقديم التوجيهات في هذه الحالة. أمَّا في ظل الظروف السلبية ومواقف العمل الغامضة، فإنَّ القادة الذين يهتمُّون بالمهام يدفعون أفراد المجموعة نحو إنجاز المهمة من خلال السلوكيات والإجراءات والتعمليات التي يفرضونها، مثل: وضع الأهداف، وتحديد تفاصيل كيفية تنفيذ العمل، وتقديم الإرشادات، والرقابة على إجراءات سير العمل.
إنَّ القادة الذين يحصلون على درجات متوسطة في مقياس LPC يمكنهم أن يكونوا أكثر فاعلية في عدد أكبر من المواقف مقارنةً بأولئك الذين يحصلون على درجات مرتفعة أو منخفضة في مقياس LPC. على سبيل المثال، يستطيع هؤلاء القادة في ظل الظروف السلبية توجيه اهتمامهم نحو المهام لإنجازها، ولكنَّهم في الوقت نفسه يُولون اهتمامًا بأفراد المجموعة ويتيحون لهم التصرُّف بمفردهم في ظل الظروف الإيجابية.
الجدل القائم حول النظرية
على الرغم من أنَّ نظرية فيدلر تحدِّد وتصف التوافق بين القائد والموقف وصفًا دقيقًا إلى حدٍّ ما وأنَّها حصلت على تأييد واسع، إلا أنَّها لم تسلم من الانتقادات. يشير البعض إلى أنَّ هذه النظرية تُحدِّد خصائص القادة من خلال معرفة وجهات نظرهم أو سماتهم الشخصية (بواسطة مقياس LPC)، ولكنَّها تربط فاعلية القادة بالسلوكيات التي يُمارسونها (الأفراد الذين يمتلكون سمة معينة سيتصرَّفون بطريقة معينة).
لقد فشلت النظرية في تحديد العلاقة بين وجهة نظر القائد تجاه زملائه الذين تقل رغبته في العمل معهم وسلوكياته المترتِّبة على تلك النظرة السلبيّة، كما أنَّ بعض الاختبارات التي أُجريت لفحص نموذج فيدلر أسفرت عن نتائج متباينة أو متناقضة. أخيرًا، هناك بعض التساؤلات التي أُثيرت حول هذه النظرية، مثل: ما هي الفائدة الحقيقية من مقياس LPC؟ ما الذي يُمكن استنتاجه بالضبط بخصوص الشخص الذي ينظر إلى زملائه الذين تقل رغبته في العمل معهم نظرة إيجابية أو سلبية؟ لكن على الرغم من هذه الانتقادات، أشار روبرت هاوس (Robert House) ورام أديتيا (Ram Aditya) مؤخرًا إلى أنَّ نظرية فيدلر قد لاقت تأييدًا كبيرًا في الأوساط المؤسساتيّة.
نظرية المسار نحو الهدف
وضع روبرت هاوس ومارتن إيفانز أثناء عملهما في جامعة تورونتو نظرية مفيدة ومهمة في القيادة. بشكلٍ مشابهٍ لما بيَّنته نظرية فيدلر، فإنَّ هذه النظرية تؤكِّد أنَّ أسلوب القيادة الذي ينبغي استخدامه لتعزيز فاعلية المجموعة يعتمد على الموقف الذي يكون فيه القائد. ولكن بخلاف فيدلر، فقد ركَّز هاوس و إيفانز على سلوك القائد الذي يُمكن ملاحظته، وهذا يُتيح للمديرين إما إسناد الموقف إلى القائد المناسب أو العمل على تعديل سلوك القائد حتى يُناسب الموقف.
يُطلق على النموذج الذي وضعه هاوس وإيفانز نظرية المسار نحو الهدف (path-goal theory) لأنَّها تشير إلى أن القائد الفعال يوفّر ويُهيّؤ لأفراد مجموعته مسارًا واضحًا للوصول إلى هدفٍ ذو قيمة، ويرى هاوس أنَّ مهمة القائد التحفيزية تتضمَّن رفع أجور أعضاء المجموعة لكي يرفع حافز العمل على تحقيق الهدف، وتسهيل حصولهم على هذه الأجور من خلال توضيح مسار العمل الذي يتوجَّب عليهم أن يسلكوه، وتقليل العقبات والصعوبات، وزيادة فرص شعورهم بالرضا الشخصي أثناء سيرهم نحو الهدف.
يُقدِّم القائد الفعَّال مكافآت ذات قيمة بالنسبة لأفراد مجموعته، وقد تكون هذه المكافآت على شكل أجور أو تقدير أو ترقيات أو أيّ شيء آخر يُحفِّز الأفراد على الاجتهاد في العمل من أجل تحقيق الأهداف المنشودة، ويُقدِّم أيضًا تعليمات واضحة لكي يقلّل من الالتباس فيما يتعلَّق بطريقة العمل ولكي يُدرك الأتباع كيفية تأدية وظائفهم بفاعلية، كما ويُقدِّم القائد الفعَّال التوجيه والإرشاد والتدريب حتى يتمكَّن الأتباع من تأدية المهمة المطلوبة منهم على أكمل وجه، بالإضافة إلى إزالة العوائق التي قد تحول دون إنجاز المهام من خلال العمل على سد النقص في المواد اللازمة أو إصلاح الآلات المعطلة أو تعديل السياسات المتناقضة.
اختيار الأسلوب الأنسب
تشير نظرية المسار نحو الهدف إلى أنَّ هناك تحدِّيين أساسيين يواجهان القادة. التحدي الأول هو أنَّه يجب على القادة تحليل الموقف الذي يكونون فيه ومن ثمَّ تحديد أسلوب القيادة الأنسب لذلك الموقف. على سبيل المثال، لا يجب على القائد هدر الكثير من الوقت في إخبار موظفي خطوط الإنتاج ذوي الخبرة الذين يُنفِّذون مهام محدَّدة ومنظمة بكيفية تأدية أعمالهم، لأنَّهم يعرفون ذلك مُسبقًا، ولكن قد يحتاج قائد مجموعة استكشاف الآثار إلى تخصيص الكثير من الوقت في إخبار وتوجيه العاملين المبتدئين إلى كيفية التنقيب عن الآثار وكيفية العناية بالآثار التي يكتشفونها.
التحدي الثاني هو أنَّه يجب على القادة أن يكونوا مرنين بحيث يستخدمون أساليب قيادة مختلفة باختلاف موقف العمل الذي يواجهونه، ويجب عليهم تنويع السلوكيات التي يُمارسونها لكي يكونوا فعَّالين؛ إذ إنَّهم إن لم يكونوا قادرين على ممارسة مجموعة كبيرة ومتنوعة من السلوكيات، فإنَّ فاعليتهم تكون محدودة.
على سبيل المثال، لا ينبغي أن يتعامل القائد بنفس الطريقة مع جميع أفراد فريق العمل ولا ينبغي أن يمنحهم جميعًا نفس مقدار حرية التصرُّف. إنَّ أسلوب القيادة الذي يُجدي مع الأفراد الذين لديهم رغبة كبيرة في التمتع بالاستقلالية يختلف عن ذلك الذي يُناسب الأفراد الذين ليس لديهم رغبة في التمتع بالاستقلالية، فمن الأنسب استخدام أسلوب القيادة التشاركية مع الفئة الأولى، في حين أنَّه من الأنسب استخدام أسلوب القيادة التوجيهية مع الفئة الثانية. إنَّ مدى توافق أسلوب القيادة مع موقف وظروف العمل يؤثِّر على مقدار دافعية الأفراد ورضاهم وأدائهم (انظر الشكل التالي).
نموذج المسار نحو الهدف (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))
أبعاد سلوك القائد
تشير نظرية المسار نحو الهدف إلى أنَّ هناك أربعة أبعاد مهمة لسلوك القائد، وكلّ واحدٍ من هذه الأبعاد يكون مناسبًا في خضمّ مواقف معينة. تتضمَّن هذه الأبعاد الأربعة ما يلي:
-
القيادة الداعمة: يُولي القادة الفعَّالون في نمط القيادة الداعمة اهتمامًا بمنفعة أفراد المجموعة واحتياجاتهم الشخصية في بعض مواقف العمل، ويتَّصفون بأنَّهم ودودون واجتماعيون ويُراعون الآخرين في مكان العمل. تُعدُّ القيادة الداعمة فعَّالة خاصةً عندما يعمل أفراد المجموعة على تنفيذ مهمة مملة أو مرهقة أو مزعجة أو شاقة أو غير ممتعة؛ إذ تُسهم القيادة الداعمة في تقليل توتُّر الأفراد الذين يعملون على تنفيذ مهمة صعبة أو الأفراد ذوي التقدير المنخفض للذات، كما ويساعد هذا الصِّنف من القيادة الداعمة على زيادة ثقة هؤلاء الأفراد بأنفسهم ورضاهم وعزيمتهم.
-
القيادة التوجيهية: يرّكز القادة الفعَّالون في أسلوب القيادة التوجيهيّة تركيزًا أكبر على الأهداف وتوقُّعات الأداء في بعض مواقف العمل، ويُخبرون أفراد المجموعة بما هو مطلوب منهم، ويُقدِّمون لهم التوجيهات، ويضعون القواعد والإجراءات لتحديد مسار العمل، ويُنظِّمون أنشطة أفراد المجموعة. تكون هناك حاجة إلى استخدام القيادة التوجيهية عندما تكون المهام المطلوبة غير واضحة؛ إذ إنَّ توضيح الأمور الغامضة وتقديم الإرشادات اللازمة يدفع الأفراد إلى بذل المزيد من الجهود ويرفع من مستويات رضاهم وأدائهم الوظيفي.
-
القيادة التشاركية: يتشاور القادة الفعَّالون في نمط القيادة الإدارية مع أعضاء المجموعة بشأن الأنشطة والإجراءات المرتبطة بالمهام ويأخذون آراءهم واقتراحاتهم في الحسبان عند اتخاذ القرارات. تكون القيادة التشاركية فعَّالة عندما تكون طريقة تنفيذ المهام غير واضحة وغير محدَّدة، وتُعدُّ ذات فائدة كبيرة عندما يكون القادة بحاجة إلى من يُساعدهم في تحديد إجراءات العمل وعندما يمتلك الأتباع الخبرة اللازمة التي تُمكِّنهم من المساعدة في ذلك.
-
القيادة المهتمة بالإنجاز: يضع القادة الفعَّالون في أسلوب القيادة المهتمة بالإنجاز أهدافًا مليئة بالتحديات في بعض مواقف العمل، ويسعون إلى تحسين الأداء، وتعزيز الإتقان، وإظهار الثقة في قدرة أعضاء المجموعة على بلوغ معايير عالية. يستثمر القادة الذين يهتمُّون بالإنجاز رغبة الأفراد في الإنجاز وتحقيق الذات، ويُحسنون استغلال نظرية "تحديد الأهداف" التي تنصُّ على أنَّ وجود الأهداف يُحفِّز الأفراد ويدفعهم إلى العمل.
السياق متعدد الثقافات
غابرييل بريستول (Gabriel Bristol) هو الرئيس التنفيذي لشركة (Intelifluence Live) التي تتألَّف من مركز اتصال يُقدِّم خدمات متكاملة بأسعار معقولة، مثل: استقبال مكالمات واستفسارات الزبائن، وتقديم عروض بيع، وجذب الزبائن المُحتملين، وتقديم خدمات استشارية للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. يشير غابرييل إلى أنَّ التنوع يُولِّد الابتكار، وهذا الأخير يساعد الشركات على تحقيق أهدافها والتعامل مع التحديات الجديدة. إنَّ تعدّد الثقافات أصبحت واقعًا مُعاشًا بيّنًا في وقتنا الحاضر؛ إذ أصبحت المجتمعات وبيئات العمل المعاصرة أكثر تنوعًا من أي وقتٍ مضى، الأمر الذي يطرح بين أيدينا التساؤل التالي: «هل أصبح هناك حاجة إلى استحداث أسلوب قيادة جديد ومختلف؟»
لقد أُجريت العديد من الدراسات الهادفة المعاصرة لفهم القادة وعملية القيادة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية. لقد كانت نظرة الغربيين للقيادة نظرة مثالية ومُبالغًا فيها؛ إذ يرى الغربيون أنَّ القادة يؤدّون دورًا رئيسيًا في تنظيم مناحي الحياة المختلفة، وأنَّهم يُؤثِّرون على أداء المجموعات والمؤسسات والدول، وأنَّهم عناصر أساسية في النجاح التنظيمي وتحقيق الأرباح، الأمر الذي يجعلهم يتحمَّلون مسؤولية نجاح المؤسسات في سوق المنافسة الشديد أو فشلها وتراجعها.
إنَّ الدور المهم للقادة والنظرة الغربية للقادة الناجحين يُثير التساؤل التالي: «إلى أي مدى ينطبق الفهم الغربي للقادة والقيادة على الثقافات الأخرى؟»؛ أي هل يمكن تعميم نتائج الدراسات التي تناولناها، والتي كانت في غالبيّتها ذات نتاجٍ غربيّ صريح، هل يمكن تعميمها على الثقافات الأخرى؟
يشير جيرت هوفستد إلى أنَّ هناك اختلافات كبيرة في القيم الثقافية بين المجتمعات، وقد تطرقنا إلى نظرية هوفستد للأبعاد الثقافية في مقالاتٍ سابقة، ووضَّحنا تلك الأبعاد الثقافية، والتي تضمّنت: الفردية والجماعية، ومسافة السلطة، وتجنُّب عدم اليقين، والذكورة والأنوثة، والتوجه الزمني. نستنتج من ذلك أنَّ قادة المجموعات المتنوعة ثقافيًا سيترتَّب عليهم التعامل مع الاختلافات في المعتقدات والقيم التي توجد بين الأتباع عمومًا، وبينهم وبين الأتباع على وجه الخصوص.
يبدو أنَّ هناك إجماع على عدم وجود أسلوب قيادة فعَّال يُمكن تعميمه على مستوى العالم؛ فالاختلافات الثقافية تؤدِّي إلى زيادة أو تقليل تأثير أسلوب القيادة على أداء المجموعة وفاعليتها. لنأخذ على سبيل المثال، في الهند عندما يُفوِّض القائد بعض الأعمال لأتباعه فإنَّ ذلك يؤثِّر سلبًا على رضا الموظفين، في حين يكون تأثير ذلك إيجابيًا في الولايات المتحدة وبولندا والمكسيك.
في الواقع، تشير الملاحظات إلى وجود تشابه واختلاف بين الثقافات المختلفة فيما يتعلَّق بالآثار التي تترتَّب على استخدام أساليب القيادة المختلفة، وتباينًا في مدى تقبُّل الأتباع لمحاولات التأثير، وتنوّعًا في مدى قرب العلاقات ورسميّتها. مع ذلك يبدو أنَّ هناك اختلافات كبيرة بين الثقافات فيما يتعلَّق بسلوكيات القائد المثاليّة والموجَّهة نحو المهام والموجَّهة نحو العلاقات. على الرغم من ذلك يُعدُّ القادة الذين يظهرون الدعم واللطف والاهتمام بالأتباع في سلوكياتهم قادةً فعَّالين وموقَّرين في الثقافات الغربية والآسيوية على حدّس سواء.
تشير الملاحظات أيضًا إلى أنَّ نتائج السلوكيات الديمقراطية والتشاركية والتوجيهية (بالإضافة إلى المكافآت والعقوبات) على الأداء، تشير إلى أنها تختلف باختلاف الثقافات. على سبيل المثال، تختلف النتائج في الولايات المتحدة تمامًا عن النتائج في البرازيل وكوريا ونيوزيلندا ونيجيريا. خلاصة القول هو أنَّ القيادة الفعَّالة تتطلَّب دراسة الاختلافات الثقافية التي تؤثِّر على العلاقة بين القائد والتابع وفهمها بدقة.
ترجمة -وبتصرف- للفصل Situational (Contingency) Approaches to Leadership من كتاب Principles of Management
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: بدائل القيادة ومثبطاتها
- المقال السابق: نظرية السمات في القيادة
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.