اذهب إلى المحتوى

لا تستحوذ الشركات الكبيرة على الشركات الصغيرة لأمورها المالية.

تضاعف الإيرادات وتضاعف الأرباح والعلاوة على التمويل السابق؛ هذه هي المقاييس التي يستخدمها البائعون لتساعدهم في تحديد أدنى سعر مقبول. هذا هو السعر الذي “يعوّض” الارتفاع المتوقع الذي لا يستحق المغامرة بحدوث مشاكل مستقبلية أو عدم احتمال وجود مخرج.

لا يهتم المستحوذون الكبار بالأمور المالية للشركات الصغرى، لأن تلك الشركات لن تؤثر من الناحية الرياضية على نمو أو قيمة المستحوِذ. فشركة ذات عائدات تصل إلى 100 مليون دولار سنوياً وبمعدل نمو سنوي 30% لن تعاني من التعب والمخاطرة والاضطراب بشراء شركة ذات عائد يصل إلى مليون دولار سنوياً وبمعدل نمو سنوي 100%، لأن هذا يمثل نسبة ضئيلة 1% فقط أو ربما 2% من النمو الإضافي.

في الواقع، إن سلوك المشتري متجذر في إستراتيجيته؛ وهو مزيج من ما يقدّمه من منتجات، رؤيته لنمو السوق، حاجته إلى الوقوف أمام العملاء وضد المنافسين، تطوير علامتهم التجارية على المدى الطويل، خطط التوسع الجغرافية وغيرها.
من هذا المنطق، تراهم يسألون باستمرار: “كيف ننفذ إستراتيجيتنا الحالية بطريقة أفضل؟

فيما يتعلق بالاستحواذ، يسألون بتحديد أكثر: “كيف يمكننا مبادلة أصول الميزانية العمومية (النقدية والأسهم) مقابل تنفيذ إستراتيجيتنا بطريقة أفضل؟

السبب الذي يريدون لأجله مقايضة أصول الميزانية العمومية بتنفيذ الإستراتيجية، هو أن شركات البرمجيات (ذات الوضع الجيّد النشاط المتنامي) تُقوَّم بحسابات الربح والخسارة الخاصة بها، أي حجم الإيرادات والأرباح ونموهما؛ ولا تُقوَّم بالاعتماد على ما تملكه من أموال في المصرف ولا بمقدار ما تحمله من دَيْن. لذا فإن هذه المقايضة تقريباً هي مقايضة ذكية دائماً.

لكن ما الذي يعنيه تنفيذ الإستراتيجية على نحو “أفضل”؟ دعنا نأخذ ثلاثة أسئلة محددة، جميعها توضح معنى كلمة “أفضل”:

  • “كيف يمكننا تخفيف خطر المجهول؟”
  • “كيف يمكننا تسريع الخطة؟”
  • “كيف يمكننا أن نحتل المرتبة الأولى أو الثانية في السوق الجديد؟”

فلنأخذ مثالا ونفترض أن إستراتيجية المنتج تضمنت إنشاء منتج تكميلي جديد يمكن بيعه للمستهلكين الحاليين، وهو مميز في سوقهم الحالية. إحدى الخيارات هي صنع المنتج محلياً in-house ، وهذا قد يستغرق سنتين و يتطلب ملايين الدولارات (لا يجوز للشركات الناشئة أن تتصرف بتعجرف في أمور كهذه؛ حتى بالنسبة للشركات الناشئة، يستغرق منتج جديد سنوات ليصبح جيداً بما فيه الكفاية ليطالب بإيرادات بملايين الدولارات).

هناك خيار آخر وهو شراء شركة ناشئة صنعت سلفاً منتجاً لائقاً، قد يتطلب الأمر ستة أشهر للاندماج، مسرعاً بذلك التنفيذ الكلي للإستراتيجية بـ 18 شهراً. حتى إن استغرق الأمر أكثر من سنتين للتجميع المحلي، فلايزال الأمر يستحق العناء، وذلك بسبب تسارع نمو الإيرادات سبب المبيعات واختلافات السوق.

لا يهتم هذا المستحوذ بالأمور المالية للشركة الناشئة. فقد تكون الشركة الناشئة قد حصّلت مليون دولار سنوياً بشق طريقها إلى 1,000 مستهلك، لكن إن كان المستحوذ يملك 100,000 مستهلك، وسيشتري 10% منهم هذا المنتج، فستكون إيراداته 10 مليون دولار في السنة الأولى، حتى قبل ضم قيمة اختلاف السوق. و تساوي أكثر من ذلك في السنة الثانية، التي تكون خطتهم فيها “افعلها بنفسك” لم تبدأ بعد. لذا فإن هذا الاستحواذ يساوي أكثر من 20 مليون دولار من الإيرادات، والذي يصبح في المتوسط متعدد الإيرادات لشركات التقنية العامة، 100 مليون دولار في القيمة السوقية.

دعونا ننظر إلى مثال من العالم الحقيقي، لنرى كيف يحدث ذلك حتى وإن كانت الشركة المكتسبة لا تملك أية إيرادات. لم يتمكن النقاد من الاتفاق على تحليل كيفية بيع إنستاغرام لفيسبوك. يُقال إن فيسبوك دفعت مبالغ لا يُستهان بها (مليار دولار لشركة ذات مستخدمين متعصبين لكن دون إيرادات) كما قيل إن إنستاغرام كانت غبية لاستعجالها في إتمام البيع (لأنه بعد المزيد من النمو “الحتمي” ستساوي أكثر من ذلك بكثير، وستُشترى “حتما” أو تطرح أسهمها للجمهور بقيمة مقدرة أكبر).

ركّز لترى القرار الإستراتيجي. أكدت فيسبوك علناً أن مستقبلهم كان في الأجهزة المحمولة. كان استخدام فيسبوك في الأجهزة المحمولة يتفوق بوضوح على الأجهزة المكتبية، وسيطرة الأجهزة المحمولة في البلدان النامية تجعل هذا الاتجاه دائماً. ومع ذلك فإن إيرادات الإعلان عبر الأجهزة المحمولة كانت زهيدة. لذا فإن التحول إلى الأجهزة المحمولة يعني انهيار نموذج أعمال فيسبوك. وكان لا بد من معالجة ذلك.

كان الخيار الأقل خطورة هو شراء منتجات الأجهزة المحمولة التي حققت انتشاراً بمستوى فيسبوك نفسها (على سبيل المثال، مئات الملايين من العملاء) ولا تزال تنمو بسرعة. اشتُرِيَت إنستاغرام وواتساب بمجموع قدره 20 مليار دولار، كما حاولوا أيضاً شراء سناب شات باتفاق سخي مماثل.

ونجح الأمر. استمر اتجاه الأجهزة المحمولة كما هو متوقع، وأُصلِحت فعالية إعلان فيسبوك عبر الأجهزة المحمولة، واستمر النمو على جميع الجبهات.

مع سقف حالي للسوق بقيمة 400 مليار دولار وهوامش ربح بنسبة 20% ونمو مرتفع (نظراً لحجمها)، فإن دفع 1 مليار دولار مقابل إنستاغرام أو حتى 19 مليار دولار مقابل واتساب يبدو عبقريا بعد كل ذاك الوقت، بالرغم من عدم امتلاك أي من الشركتين لخطة عمل. وبالطبع، يقول أولئك النقاد المتعجرفون نفسهم الآن أن زوكربيرغ لم يكن عبقرياً فحسب لقيامه بهذا الاستحواذ وإنما كان عبقرياً لقيامه بذلك دون أن يُعلِم مجلس إدارته.

مثال أحدث على ذلك، استحواذ Atlassian على Trello، حيث كشفت Atlassian عن “هدفها الجريء: الحصول على 100 مليون مستخدم نشط شهرياً. للوصول إلى هناك، توجب على Atlassian أن تتجاوز سوقها التقليدية من فرق المطورين وتوسع نشاطاتها إلى قطاعات أخرى”. كانت تريللو تسيطر سلفاً على قطاعات أخرى في سوق تدفقات العمل المعتمدة على طريقة كانبان Kanban-style، لذا فإن هذا الاستحواذ أدخل Atlassian إلى هذه القطاعات مباشرة ودون أية مخاطرة. كل ذلك مقابل سعر منخفض يعادل 425 مليون دولار، مقابل منتج اعترفت Atlassian بنفسها مؤخراً أنه سيجلب إيرادات بقيمة 4 مليون دولار فقط هذه السنة.

دعونا نفكر الآن في احتلال المركز الأول أو الثاني في السوق.

في العديد من الأسواق، يملك المتنافسان الأول أو الثاني غالبية السوق، وتنخفض حصص المتنافسين الآخرين بدرجة كبيرة. وغالباً ما تكون حصة المتنافسيْن الأول أو الثاني أكبر من بقية حصص المتنافسين مجتمعة، كما هي أمازون كلاود مقارنة بالآخرين، أو ماكدونالد التي تملك إيرادات تفوق إيرادات برغر كينغ بـ 20 مرة.
يعرف المستحوذون ذلك، ويعرفون أنه لم يسبق أن قام منافس قوي بالسيطرة على العلامة التجارية الأقوى. على سبيل المثال، أكبر شركتين لتصنيع الكولا من حيث المبيعات هما Coke وDiet Coke، بالرغم من أن Pepsi كانت تخوض “حروب الكوك” منذ الثمانينيات.

إلى جانب المبدأ العام المتمثل بالرغبة في الدخول لاعبا أساسيًّا في السوق، فإن الشركة الكبرى تهتم فقط بالمنتجات الجديدة إن كان باستطاعتها تقديم مبلغ مادي من الإيرادات الجديدة، وهذا يعني 100 مليون دولار سنوياً على الأقل للشركة متوسطة الحجم أو 1 مليار دولار سنوياً للشركة الكبيرة. وهذا لا يعني في أي حال من الأحوال 10 مليون دولار سنوياً أو أقل. تذكر أن هذا هو الإيراد وليس القيمة المقدرة.

بسبب سعي كبار المنافسين أصحاب المركزيْن الأول والثاني للسيطرة، فإن الاستحواذ على المركز الثالث لن يقدم على الأرجح ما يكفي من الإيرادات لتكون مثيرة للاهتمام. يعلّمنا التاريخ أن طريقة “سوف نبدأ النمو مع علامتنا التجارية والاستثمار والتسويق والمبيعات” لا تنفع مع أصحاب المناصب ذوي المكانة الراسخة. لذا فإن شراء المركز الثالث ليس خياراً جيداً.

تبيّن الأمثلة السابقة هذه القاعدة. كانت Trello تحتل المرتبة الأولى في تدفقات العمل التي تتبع طريقة كانبان، وإنستاغرام تحتل المرتبة الأولى في مشاركة الصور الاجتماعية، وواتساب تحتل المرتبة الأولى في محادثات العملاء الحديثة.
وبناء عليه فإن الشركات الكبرى إما تدفع الكثير لتستحوذ على الشركة التي هي بالفعل رائدة في سوقها، أو تدفع القليل جداً لإضافة شيء إلى خط منتجاتهم الحالية سيسمح لهم بالنمو في مسارهم الإستراتيجي الموجود مسبقاً، مما يحسن تدريجياً موقعهم في سوقهم الحالي.

لذا، بالنسبة لأصحاب الشركات الصغيرة الذي يأملون البيع يوماً ما:

أنت لست مخطئاً في قلقك حول النمو والهوامش والمضاعفات. فتلك هي أرضية المفاوضات. لكن إن كنت تواقاً للبيع، فالحل لن يكون في الأمور المالية الخاصة بك. بل إن السؤال الوحيد والأفضل للطرح هو: ما هي الشركة التي سنكون بالنسبة لها “استحواذاً إستراتيجياً” يعرف على النحو: يقلل المخاطرة أو يسرع الإستراتيجية الحالية للمستحوذ؟

ترجمة - بتصرف للمقال لصاحبه Why large companies acquire small companies لصاحبه Jason Cohen.

حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...