الجميع يقولون أنّ الشّركات الصّغيرة تحتاج إلى التّركيز، رفض أيّ شيء يلهيك عن هدفك، رؤياك، استراتيجيّتك، يعتبر مغريا رغم أنّه مناسب لاستطلاع كافّة الفرص، متمنّيا في كل مرّة أن تكون هذه هي المرّة التي تتحوّل فيها من مستمع في موقع Mixergy (موقع يعرض تجارب روّاد أعمال ناجحين) إلى ضيف من بين النّاجحين.
ويؤدّي غياب التّركيز إلى أفكار وأعمال فاشلة، تتوقف كلّ منها بسبب أفكار وأعمال أخرى تبدو لك أفضل من الأفكار التي تعمل عليها حاليًا وهذا قبل أن تعطي الأفكار الحالية كل الجهد الوقت اللازمين لإنجاحها. لذا تعلّم أن تقول "لا."
لكن مع ذلك يجب عليك أن تختبر أفكارًا جديدة، قد تفشل بسرعة، تغيّر أساليبك وتجرّب أشياء جديدة، اِعمل دائمًا على تجميع أدلّة تفيد بأنك على خطأ، حاول دائمًا تجربة أشياء جديدة، لا تفوّت أبدًا فرصة مواتية للتّغيّر، التّعلم والنّمو.
إذًا كيف يفترض بك أن تستكشف أفكارًا أخرى إذا كان يفترض بك كذلك أن تقول "لا" لأي شيء يَحِيد عن خطّة عملك؟
إليك ما أفعله: أنا لا أقول "لا" إطلاقًا، لكنّني أحرص على تقييد استخدامي لـ"نعم".
لقد تعلّمت هذه الحيلة عندما كنت أدرس بالمدرسة الثّانوية، في منتصف التسعينات كان واضحًا أنّ آبل خسرت معركة الحاسوب الشّخصي وأنّ كلّ مطوريها يفرّون كالجرذان من سفينة تغرق في محيط الفرص الذي كان آنذاك Windows 95.
كخبير في واجهة برمجة تطبيقات Macintosh، حصلت على العديد من عقود العمل لتعديل مشاريع لن يودّ المطوّرون الآخرون العمل عليها، وقد كان سعريَ النّموذجيّ هو 25 دولارًا للساعة، والذي يعتبر مالا كثيرًا عندما تكون في سنّ السّابعة عشر.
تلقّيت اتّصالا في يوم من الأيام من طرف أشخاص مبتدئين لم أُرِد مساعدتهم، كانوا قد أنهوا للتّو منتجا جديدًا بلغة جافا وكان به مشاكل على نظام ماك. لم يكن أيّ من مستخدميهم يستخدمون أجهزة ماك، لذا اعتقدوا أن أجهزة ماك لم تكن مهمة، لكن المستثمر الأساسي في المشروع كان متشوّقًا على ما يبدو لمشاهدة عرض توضيحيٍّ للمنتج على ماك، وعندما جرّبوه على الماك لم يعمل.
لم أرد أن أشارك في هذا المشروع، فلغة جافا كانت جديدة ومعروفة بكونها مليئة بالمشاكل في ذلك الوقت وقد كنت من محبي C/C++ ولم أرد أن أتورّط في لغة أكاديمية تافهة مثل جافا. (نعم لقد قرّرت في نفس الوقت أن جافا تافهة وأنني سأكتفي بمجموعة أدوات Macintosh، بعد 5 سنوات، إحدى هذه المنصّات أصبحت تخلو من المطوّرين والأخرى لديها مليون مطوّر، وقد كان اختياري خاطئًا تمامًا.)
كان يمكنني قول "لا" نظرًا لتخصّصي وأهدافي، حتى نظرية وظيفتي التقليدية تفيد أنّ عليّ قول "لا". لكن بدلا عن ذلك، وبناء على نصيحة صديق أكبر سنًّا وأرجح عقلا، ذهبت إلى مكتبهم وقلت أنّني سأنجز العمل بسعر 100 دولار للساعة.
كنت أتوقّع منهم الضّحك في وجهي، ربما أحصل على محاضرة حول التّخلي عن الوقاحة من شخص في سنيّ وخبرتي بدخوله هنا ومطالبته بأجر كبير للغاية كهذا، مع كوني شخصا صغيرًا جدّا من الناحية التقنية لا يمكنه حتّى توقيع اتفاق استشارة قانونيّ في المقام الأول، عندها كنت لأنسلّ من هناك مُحرجًا ومجروحا.
لكنّ ذلك لم يحدث، حيث بدؤوا يتفقدونني من الأعلى إلى الأسفل ونظرة الشّك والاستسلام تعلو وجوههم، ثم وافقوا على العرض. بعد ساعة ونصف، كل شيء كان يعمل بشكل جيد، لذا فإنّ الفرق بين قول "لا" والحصول على 150 دولارًا مقابل ساعتين تقريبًا من عمري كان متعلّقًا بشكل كلّيّ بالطّريقة التي صِغت بها "نعم". لديّ قصص حصل فيها العكس، والتي تعتبر هي الأخرى بنفس الأهمّية.
على سبيل المثال، فإن عملنا في WPEngine يقتضي تواصلنا باستمرار مع مدوّنين ذوي متطلّبات كبيرة للغاية يودّون الانتقال إلى نظامنا، هؤلاء أشخاص ذوو متطلّبات كبيرة – عشرات الملايين من زيارات الصّفحات شهريا، زيادات كبيرة في عدد الزيارات ما بين الحين والآخر، أكواد مخصصة، يجب أن لا تتوقّف مواقعهم إطلاقًا ودعم 24/7.
هل يجدر بنا قبول هؤلاء العملاء؟ ربما لا – فالهدف المحدد لموقع WPEngine هو خدمة السّوق المتوسّط الذي يشمل مدوّنين حقّقوا انتشارًا كبيرًا عبر مدوّنات مجانية، لا يحبّون إدارة خواديمهم بأنفسهم، لكنّهم في نفس الوقت لا يمتلكون متطلّبات استضافة كبيرة للغاية، وهذا هو تخصّصنا المربح.
لذا نبدأ بالتفكير، في حال قلنا "لا" لهؤلاء المدوّنين الكبار -ذوِ المتطلّبات الكبيرة- قد نكون بذلك أغلقنا الباب في وجه طلبات كبيرة ومهمة، ربّما يجب أن تغير الشّركة استراتيجيّتها بالكامل – فربما تكون خدمة 100 مدونة كبيرة أسهل وأكثر ربحا من 1000 مدوّنة متوسّطة، لكن كيف سنعرف ذلك في حال قلنا "لا"؟
مع ذلك، إذا قلنا "نعم" ربما نضع أنفسها في ورطة كبيرة، فإذا لم نستطع توفير الخدمة البشريّة والتّقنية التي يتوقّعونها، نكون بالتالي قد آذينا مُدوِّنًا، حصلنا على دعاية سيّئة وأضعنا الكثير من الوقت. أو ربّما يكون الأمر أسوأ إذا أصبح العمل غير مربح بشكل كبير على الرّغم من تشبّثنا بفرصنا، لينتهي بنا الأمر مع عِبْءٍ نفسيّ كبير يستهلك وقتنا ومواردنا الماليّة.
لذا قلنا "نعم" مع تحديدنا لسعر كبير يؤكّد تحقيقنا لمبلغ جيّد من الاتفاق، يكون كافيا جزئيًّا لتمويل شيء آخر نودّ فعله، مثل حملة إعلانيّة كبيرة جديدة أو ضمّ خبير ووردبريس آخر إلى فريق عملنا.
كان هنالك عميل كبير محدّد فكّرنا في أن الاتفاق الذي سنعقده معه يجب أن يكون كبيرًا بما فيه الكفاية ليُدِرّ على نفقات التّشغيل رِبحًا كبيرًا ويؤمّن الرّاتب الكامل لمطوّر جديد، لأننا نعلم أن هذا العميل الجديد سيشغل الكثير من وقت هذا الشخص، إلا أنّ كافّة الوقت المتبقّي سيكون من نصيبنا "مجّانًا."
لقد أعطينا الكثير من الموافقات – "نعم" – المُقيّدة، وقد تم رفض كثير منها، وددت لو استطعت تسمية كافة المدونات التي رفضتنا لكنني أشعر أنه سيكون إخلالا بالثقة، خصوصًا لأولئك الذين يمتلكون علاقة طيبة بمزوّدي الخدمة الذين يتعاملون معهم حاليا.
لقد استخدمت نفس المبدأ مجدّدا في موقع Smart Bear، حيث دفعت الشركات تكاليف سفري من أجل مساعدتهم على تنفيذ عملية مراجعة بعض الشيفرات البرمجية، والتي كانت تعني في معظم الأحيان أن "الإدارة" أرادتني أن أقنع الجميع بأن مراجعة الشيفرات فكرة جيدة، واختراع عملية سهلة بما فيه الكفاية ليقوموا بها.
من منظور تجاري، كان هذا استخدامًا غير جيّد لوقتي، حيث كان هؤلاء الأشخاص قد اشتروا برنامجنا بالفعل، لذا لم نكن نحقّق مبيعات أكثر، وعند احتساب يوم سفر ذهابا وإيابا، يكون هذا الوقت كفيلا بجلب عميل جديد على الأقل أو خلق بعض التّغييرات المهمّة على الشيفرة، كِلا الخيارين سيُدرّان علينا مالا إضافيّا بكل تأكيد.
لذا فقد قلت "لا" مبدئيا، لكن ذلك شيء خاطئ بالتّأكيد، لذا قلت "نعم" في نهاية المطاف، لكنّ السّعر كان 2500 دولار لليوم بما فيه أيّام السّفر، والذي يعتبر اتّفاقا غير مألوفًا في مثل هذه التّعاقدات، حيث أنّ العادة أن يتم تسديد تكاليف السّفر من أجلك فقط لا أن يتمّ الدّفع لك على الوقت الذي تستغرقه في السّفر.
وقد أدّى هذا لإلغاء معظم الرّحلات إلّا أنّ بعضها بقيت قائمة، أحصل في مثل هذه الرّحلات على 10 آلاف دولار في ظرف أسبوع من العمل السّهل، حيث أعمل دائمًا على تخصيص نهاية الأسبوع كعطلة للاستمتاع فيها مع زوجتي، وبما أنّ هؤلاء الأشخاص يريدونني هنالك بشدّة، فإنّ ظروف العمل تكون ممتعة أكثر.
وعليه فإن المبدأ بسيط: حدّد شروط قول "نعم" لتكون:
- إذا قالوا "نعم" فسيجعلك ذلك سعيدًا لأنّ الشروط والمال جيّدان للغاية، حيث يعوّضانك بشكل جيد عن إلهائك عن عملك، حتّى أنه قد يكون مصدر تمويل للشّيء الذي تود فعله بشدة.
- إذا قالوا "لا" فسيجعلك ذلك سعيدًا لأنّ العرض لم يكن مثاليًّا على أي حال، لذا فالعرض لا يستحقّ وقتك ومجهودك.
هذا ما أردت مشاركتكم إياه، لكن قبل أن أختم أودّ أن أشدّد على فكرة "تمويل الشيء الذي تود فعله بشدة."
يمكن لهذا أن يتّخذ أشكالا متعددة، لكنّه السبيل الوحيد الأفضل لتقييد قولك لـ"نعم"، إليك بعض الأمثلة:
- "نعم" إذا كان العرض يوفر مالا كافيا لتوظيف شخص إضافي.
- "نعم" إذا كان العرض يغطّي نفقات شركتنا الناشئة لمدة ثلاثة أشهر قادمة على الأقل.
- "نعم" إذا كان العرض يموّل بشكل كليّ حملة تطوير نودّ القيام بها على أي حال.
- "نعم" إذا كان العرض يتيح لأحد المؤسّسين الاستقالة من عمله اليومي الآخر.
- "نعم" إذا كان العرض سيموّل ثلاث حملات تسويق جديدة.
فكّر في الأمر كشكل آخر من أشكال التّمويل، فالتمويل يعتبر دائمًا مصدر إلهاء عن إدارة عملك، لذا فإنّ المال الذي تحصل عليه يجب أن يكون ذا تأثير كبير على عملك، وكل النّقاط السّابقة لها تأثير كبير، حيث تمتلك كلّ واحدة منها القدرة على نقل شركتك من "هواية" إلى "عمل حقيقي."
وإذا قالوا "لا" فأنت على ما يرام، لأنّ ذلك كان ليشكل إلهاء لك دون إحداثه لتغيير كبير.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Never say "no" but rarely say yes لصاحبه JASON COHEN.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.