عندما تفكّر في المسار الوظيفي (كما هو موضح في الشّكل 18.2) الّذي تتبعه، قد لا تفكّر في أن تكون رائد أعمال، بالطّريقة نفسها الّتي قد تفكّر بها في أن تكون ممرّضًا، أو محاميًا، أو مهندسًا، ولكن يجب عليك ذلك، إذ توفّر لك ريادة الأعمال الفرصة للتّعبير عن إبداعك، وفطنتك التّجاريّة، والتحكّم في مصيرك، وعلى العكس، إذا كنت ستحصل على شهادة في الهندسة، فإنّ خيارات توظيفك ستنحصر في العمل في شركة هندسيّة، حيث ستحصل على وظيفة واضحة، وآمنة نسبيًّا، مع راتب شهريّ، وبعض الامتيازات، أو يمكنك الاستفادة من شهادتك الهندسية تلك في مشروع رياديّ.
تنطوي رحلة ريادة الأعمال على تجارب، وقرارات متعدّدة، ستساعدك في الوصول إلى أهدافك الرّياديّة، فعلى سبيل المثال: قد يرث بعض الأفراد شركة عائليّةً، إذا تبيّن أنّ وظيفته غير مناسبة، أو مفيدة، كما كانت تبدو، فقد تكون ريادة الأعمال خيارًا جذّابًا، ومع ذلك، يختار عدد متزايد من الأشخاص عن قصد ملكيّة الأعمال؛ وسيلةً لتحقيق أهدافهم، واهتماماتهم المهنيّة. إذا وَصَلْتَ إلى مفترق الطّرق هذا في اختيار وظيفتك المثاليّة، فكيف يمكنك التنقّل بنجاح في مسار ريادة الأعمال كخيار وظيفيّ؟ قد تسلك في رحلتك الرّياديّة مسارات عديدة، يعرّضك كلّ منها إلى عقبات، وتقلّبات، وانعطافات، قبل أن تبلغ وجهتك، لقد اتّبع العديد من روّاد الأعمال اليوم مسارات مختلفة؛ تقليديّة أحيانًا، وغير ذلك أحيانًا أخرى، ممّا أدّى إلى إنشاء العديد من هياكل الأعمال المختلفة الّتي يتناسب كلّ منها مع روح رائد أعمال، وتشمل هذه الأعمال نماذج أعمال منجزةً، أو معدّلةً، تلبّي حاجة ما، أو تحلّ مشكلة، أو تطوّر حلًا اجتماعيًا.
بغضّ النظر عن نوع مشروع ريادة الأعمال الّذي قد تختاره، يمكن أن تأخذك العديد من المسارات إلى هدفك، وتختلف أنواع المغامرة حسب مهامّها، ورؤاها، فيما تتراوح غاياتها بين كسب المدخول (لأجل الرّبح)، وتلبية حاجة اجتماعيّة عبر نموذج معفى من الضّرائب (غير ربحي) إلى حلّ مشكلة اجتماعيّة، أو بيئيّة، (شركة اجتماعيّة) لتصل إلى خليط من هذه الأنواع (هجين).
"الشّكل 18.2: ثمّة كثير من المسارات الّتي يمكنك أخذها في رحلة ريادة الأعمال. حفظ الحقوق: تعديل ""explorer"" بواسطة ساكيب ساباكا / فليكر/ CC BY 2.0."
بالنسبة للعديد من الشّركات القائمة؛ لا يكون المسار واضحًا كما تقترح عمليّة ريادة الأعمال، وذلك لأن روّاد الأعمال انتهازيّون، وقادة، ومبادرون: فهم يأخذون مخاطر محسوبة لإنشاء، أو تكييف شيء ما لحلّ مشكلة ما، أو خلق استجابة بغرض تحقيق مكاسب ماليّة محتملة، أو قيمة جوهريّة، فالحقيقة هي أنّ هذه المواقف، أو الفرص، لا تحدث دائمًا في تسلسل، أو ترتيب منطقيّ، بدلًا من ذلك، قد يواجه الأفراد الّذين يركّزون على ريادة الأعمال، الفرصَ، أو العروض، أو الخيارات التي تثير مشروعًا جديدًا.
الفرص والخيارات
إذا كنت مستعدًّا لبدء مشروع، فستجد العديد من الفرص الظّرفية، للسّعي وراء اهتماماتك، الفرصة الظّرفيّة هي تلك التي تصبح متاحة، اعتمادًا على عوامل مثل:
- مكان عملك.
- التزاماتك العائلية.
- فكرتك، أو اختراعك.
- تعبيرك الإبداعيّ الفريد.
- تغيير وظيفتك، أو البحث عن أخرى حديثًا.
إنّ تطوّر ريادة الأعمال، وتقبّلك الخاصّ للتّفكير الرّياديّ، والعديد من المنصّات الحاليّة، والنّاشئة، تجعل بدء مشروعك الرّياديّ أمرًا ممكنا.
أثناء تخطيط مشروعك، يجب أن تفكّر في الفرص في هذه المجالات:
-
في العمل: تقدّم بعض أماكن العمل فرصًا رياديّة، أو مشاريع داخل الشّركة، لموظّفيها ذوي التّفكير الرّياديّ، دائما ما تقوم شركة 3M، على سبيل المثال، برعاية إبداع الموظفين، وتعزيز الفرص المبتكرة للموظّفين. ألهمت هذه البيئة مشروع موظّفين نتج عنه اختراع مذكرات Post-it. حتى إذا كانت الشركة لا تدعم إنشاء المشاريع، فهناك -أيضًا- إمكانيّة الخروج بفكرة ريادة الأعمال من الشركة، لإنشاء مشروعك الخاص.
-
التزامات عائلية: يمكنك العمل في شركة العائلة، أو تولّي المسؤولية بعد تقاعد أحد أفراد العائلة، أو انتقال الملكية إليك.
-
الامتيازات: يمكنك شراء حقّ امتياز قائم؛ وهو ترخيص يمنح رائد أعمال الحقّ بالعمل تحت اسم شركة صاحب الامتياز.
-
مشروع على الإنترنت: يمكنك إطلاق مشروع منتج عبر Etsy أو Shopify أو موقع إلكتروني تجاريّ آخر. العمل الحرّ أو التّعاقد المستقلّ: يمكنك إطلاق عمل استشاري، أو العمل كمتعاقد مستقلّ لكسب الزّبائن، والخبرة، والدّخل وفقًا لجدول زمني مرن.
-
البطالة: كونك عاطلًا، أو في وظيفة جزئيّة، قد تجعل ريادة الأعمال طريقك نحو الحرية الاقتصادية.
-
الشراء: يمكنك شراء نشاط تجاري قائم، من متقاعد، أو من شركتك الحاليّة، أو من عائلة تمتلك نشاطًا تجاريًا، قد تتغيّر ظروف حياة صاحب العمل، إمّا بسبب التقدّم في السنّ، أو الاتّجاه نحو اهتمامات جديدة، وهذا يفتح الباب لانتقال العمل إلى ملكيّة جديدة، كما يمكن أن يوفّر العمل في شركة، خيار شرائها من مالكها الحاليّ، وهذا يوفّر قائمة من البيانات الماليّة، والقرارات الّتي تدعم النّجاحات المستقبليّة، إذا كنت موظّفًا لدى الشّركة، فلديك فرصة للتعرّف على تفاصيل حول كيفية إدارة الأعمال، وهي ميزة يمكن أن تدعم نجاحك في شرائها، وإدارتها.
-
الإحباط: قد تواجه منتجًا، أو موقفًا موجودًا حاليًا، يحتاج إلى تحسين، أو حلّ، وتقرّر معالجة الموقف بنفسك.
-
الصدفة السعيدة: هذا هو الوضع الذي تجتمع فيه قطع مختلفة، لدعم إنشاء شركة، أو منتج جديد، لقد كان غوردون مور -منشئ قانون مور حول النمو الأُسِّيِّ لشريحة سليكون واحدة تتضاعف كل عام- يعمل لصالح Shockley Semiconductor في عام 1956. في ذلك الوقت، كان لديه معرفة قليلة جدًّا بأشباه الموصلات، ومع ذلك، فقد تعلّم بسرعة، بفضل درجة الدكتوراه في الكيمياء، والفيزياء الّتي حصل عليها من .Caltech، وبعد عام واحد من العمل، غادر مور وسبعة موظّفين آخرون معه، ليشكّلوا شركة Fairchild Semiconductor، بتمويل من شيرمان فيرتشايلد. خلال عمله لمدة أحد عشر عامًا مع Fairchild Semiconductor، نشر مور ورقة تصف ما نعرفه الآن باسم قانون مور، استندت خطوته التّالية إلى إدراك أهميّة المعالج الدّقيق، في تحويل صناعات الكمبيوتر وما شابهها، وبعد رفض فيرتشايلد دعم هذا الاتجاه الجديد، شكّل مور مع زميله من Fairchild Semiconductor، روبرت نويس، شركة إنتل، ثاني أكبر شركة لتصنيع شرائح أشباه الموصّلات في العالم.
رائد أعمال في الميدان
غوردون مور وفيرتشايلد مؤسسا أشباه الموصّلات
في بعض الأحيان لا يكون مسارك إلى ريادة الأعمال كما تتوقّع، أو تخطّط له، تأمّل قصة غوردون مور؛ أحد مؤسّسي شركة فيرتشايلد لأشباه الموصّلات:"مِثْلُ العديد من العلماء، والمهندسين الآخرين، الّذين انتهى بهم المطاف إلى تأسيس شركات؛ لم أتخرّج من Caltech رائد أعمال، ولم أتدرّب على العمل التّجاري، بعد سنتي الثّانية في الجامعة، لم أسجّل في أيّ دوراتٍ خارج الكيمياء، والرّياضيات والفيزياء، فمسيرتي كرائد أعمال، جاءت قدرًا، قد يوجد روّاد الأعمال الّذين يولدون روّادًا، أمّا روّاد الأعمال العرَضيّون مثلي، فإمّا أن يقعوا على الفرصة وقوعًا، أو يُدفعوا إليها دفعًا، فمعظم ما تعلّمته كرائد أعمال، كان عن طريق التجربة، والخطأ، ولكنّني أعتقد أن كثيرًا من هذا كان من الممكن تعلّمه بشكل أكثر كفاءة.
التنوّعُ في الخلفية الدّراسيّة، والمهارات، مع صدفةِ التّواجد في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب، ومواجهةُ الإحباطات في وضعٍ تواجهه؛ يمكن جمع ثلاثتها في إدراك الفرصة الرّياديّة.
بالنسبة إلى غوردون مور ، تعلّم عمل أشباه الموصّلات، وإنشاء شركة Intel، كانا أبعد فكرةٍ ممّا تصوّره لمستقبله، ولكنّ مصادفة خبراته، ومعرفته، وذكائه اجتمعت كلّها لدعم إنشاء إنتل، وها هو في أكتوبر 2019 تقدّر قيمته الصّافية بـ 10.6 مليار دولار.
أحد الشّواغل الأساسية لريادة الأعمال، هو كيف ستموّل مشروعك، وأين ستجد الموارد اللازمة؟ على الرّغم من أن بعض الشركات تتطلّب تمويلًا كبيرًا لبدء التشغيل، إلاّ أنّه قد يفاجئك أن تعلم، أنّ العديد من المشاريع الّتي أنشأها روّاد الأعمال استخدموا فيها رأس مالهم، أو العمالة، أو المعارف، أو موارد أخرى للبدء، وهو نهج يعرف باسم التمويل الذاتي.
من إستراتيجيات التمويل الذاتي الذكيّة، إطلاق مشروع رياديّ بدوام جزئي، مع الحفاظ على وظيفة بدوام كامل، واستخدام المدّخرات الشخصية، والمقايضة للخدمات، والمواد، وتأمين الطّلبات المسبقة، ويسعى بعض روّاد الأعمال إلى الحصول على دعم ماليّ لمشروعهم من خلال التّمويل من المستثمرين الملائكة، أو المستثمرين المجازفين، أو القروض التّقليديّة، أو الدّيون.
العثور على مسار ريادة الأعمال الخاص بك
يمكن أن تكون عمليّة، ومسارات ريادة الأعمال، أكثر من المحتمل، مع وجود العديد من الخيارات، والقرارات، وقد تبدو خيارات ريادة الأعمال مخيفة، وقد ينتج عن المسار الذي تتبعه بعض القلق؛ لذا، من المهمّ قبل أن تنغمس في الجوانب التقنية لإطلاق مشروعك، أن تبدأ بالأساس الأهمّ: إيجاد مسارك الشّخصي لريادة الأعمال.
مسارك الشخصي عبر التأمل الذاتي
لا ينبغي الاستخفاف بقرارك إطلاق مشروع، فريادة الأعمال تتطلب كثيرًا من الطّاقة، ومهارات صنع القرار، والمثابرة، والفطنة، والمرونة، بينما تفكّر أن تكون ريادة الأعمال مهنة ممكنة لك، يجب عليك القيام ببعض التّفكير الذّاتيّ لمعرفة كيف، ولماذا، ومتى تكون ريادة الأعمال هي المسار المهنيّ المناسب لك.
على سبيل المثال: إذا كانت شخصيّتك منطويةً، أي أنّك غالبًا ما تشعر بالنّشاط حين تكون وحيدًا، فالأفضل أن تفكّر في مشروع تستفيد فيه من انطوائيّتِك هذه، وقد يكون من المفيد -أيضًا- دراسة، أو مقابلة روّاد أعمال آخرين يديرون مشروعًا تجده مثيرًا للاهتمام.
مسارك الشخصي من خلال البحث والتجارب
من الخطوات الأساسيّة لإيجاد طريقك الشّخصيّ إلى ريادة الأعمال: إجراء البحث، وتجربة الأدوار المتعلقة بالمشروع الذي ترغب فيه، ذلك أنّ البحث في المجال المحتمل، أو الخيارات الرّياديّة المتاحة لك، سيوفّر لك مستوى من الراحة، ويقرّ قراراتك حول ما قد تفعله بعد ذلك، إن إحدى الطّرائق الملموسة للقيام بذلك هي: "تظليل" محترف في المجال الذي تريده -بمعنى متابعته كظلّه- وهذا يعني أن تقوم بمراقبته خلال يوم عمل عاديّ، لمعرفة ما تتطلبّه إدارة هذا النوع من الأعمال إدارة مباشرة، قد تكون قادرًا -أيضًا- على الحصول على بعض الخبرة من خلال العمل متعلّمًا، أو متدرّبًا، أو مساعدَ مختبر، أو متعاقدًا مستقلًّا، أو مستقلًّا، بحيث تتعاقد مع شركة لتقديم خدمات، أو مهامّ احترافية، مقابل رسوم تتفاوضان عليها، يمكن -أيضًا- أن توفّر المقابلات الإعلامية نظرة ثاقبة؛ سواء كانت محادثات رسميّة، أو غير رسمية مع أصحاب الأعمال الجدد، أو القدامى في معرضٍ تجاريّ، أو حدث للتّواصل.
مسارك الشخصي من خلال الإطلاق التجريبي
إحدى الطّرائق المؤكدة لريادة الأعمال؛ هي القفز بكلتا القدمين، وتجربة العملية من خلال إطلاق المشروع، وعلى الرّغم من أنّ هذا قد يبدو قفزةً كبيرةً، أو قد تشعر أنّك غير جاهز، ولكن تذكّر أنّ ريادة الأعمال نظامٌ تجريبيٌّ، لا يمكن فهمه بالكامل إلا من خلال التّجارب العمليّة، إطلاق مشروع لإطار زمنيّ محدود، أو جمهورٍ قليل قصد اكتساب الخبرة، والأفكار، والتّعقيبات حول السّوق المستهدفة، أو الزّبائن -وهي عمليّة تعرف باسم الإطلاق التّجريبيّ (أو الافتتاح التّجريبي)- ستوفّر تعقيبات قيّمة حول كيفيّة تلبية احتياجات المستهلك، أو تحسين منتجك لضمان النّجاح.
يمكنك استكشاف الإطلاق التجريبي من خلال إنشاء مخطّط، أو عيّنة، لما تنوي تقديمه، ثمّ سؤال الأصدقاء، والعملاء المحتملين عن رأيهم، أو عن طريق إنشاء موقع إلكترونيّ، أو نموذج أوّليّ، لتطبيقٍ هاتفيٍّ، قصد مشاركته مع عدد محدود من الأشخاص، لمعرفة ما إذا كان يعمل كما خطّطت له. (يطلق على هذا -أحيانًا- مصطلح البيتا تيست أو الفحص التّجريبيّ) وجمع التّعقيبات.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (The Entrepreneurial Journey and Pathways) من كتاب Entrepreneurship.
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: أطر العمل التي توجه مساراتك الريادية
- المقال السابق: عملية التحول نحو ريادة الأعمال
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.