اذهب إلى المحتوى

عملية التحول نحو ريادة الأعمال


هشام دهرار

لطالما ناقش علماء الأعمال، وريادة الأعمال، كيف يصبح الناس رواد أعمال. هل يولد المرء رائد أعمال، أم يكتسب تلك الريادة اكتسابًا؟ بمعنى: هل يولد بعض النّاس بالمهارات الطبيعيّة، والمواهب، والمزاج المناسب لممارسة ريادة الأعمال؟ أم هل يمكن تطوير مهارات ريادة الأعمال من خلال التدريب، والتعليم والخبرة؟ تعكس هذه الأسئلة المناقشات الكلاسيكية المعروفة باسم "الطّبيعة مقابل التّنشئة" أو "المولود مقابل المصنوع"، والتي تحاول شرح محدّدات شخصية، وطباع الشخص.

هذا الجدل موجود منذ قرون في اليونان الكلاسيكية، فقد دعم أفلاطون حجّة الطبيعة، في حين آمن أرسطو بمنظور التّنشئة، خلال فترة التّنوير في القرن الثامن عشر، جادل إيمانويل كانط (1724-1824؛ دعم سيادة العقل البشري) وجون لوك (1632-1704؛ الاستبداد المعارض)، ويعتقد كانط اعتقادًا راسخًا أن الطّاعة هي السلوك المتوقع، والمرغوب فيه، بينما آمن لوك بالسماح بقدر من الحرية، والإبداع.

تغيّر تركيز جوانب هذه الحجّة عندما سعى علماء النفس في أواخر القرن التاسع عشر إلى فهم كيفية حصول الأفراد على المعرفة، وركّز علماء النفس حديثًا على عوامل إضافية مثل: الذّكاء، والشخصية، والأمراض العقليّة؛ إذ قام سكوت شين، أستاذ دراسات ريادة الأعمال في جامعة كيس ويسترن ريزيرف، بالاشتراك في دراسة باستخدام توائم متطابقة، وتوائم أخويّة كموضوعات بحثية، وقد خلص شين إلى أنّ 40 في المائة من روّاد الأعمال يولدون روادًا، وأن 60 في المائة يكتسبون الريادة اكتسابًا، ممّا يعني أن الطّبيعة - أي الحمض النووي للفرد – مسؤولة عن 40 في المائة من سلوكيّات ريادة الأعمال، في حين أنّ التّنشئة مسؤولة عن حوالي 60 في المائة الباقية.

وعلى الرّغم من أن "الطبيعة مقابل التّنشئة" و "المطبوع مقابل المصنوع" هي حجج متوازية، ويقترح الباحثون، وروّاد الأعمال ذوو الخبرة، وجهة نظر مشتركة، حيث يمكنك توحيد مواهبك، وقدراتك الطبيعية، من خلال التدريب، والتطوير، لتحقيق تجربة، وريادة أعمال شاملة، بمجرّد أن تحدّد أنّ ريادة الأعمال هي مستقبلك؛ فإنّ الإجراء الآتي هو إنشاء عملية يجب اتّباعها، مثل تحديد مواد القراءة المفيدة، أو حضور الفصول الدراسية، أو ورشات العمل، أو العثور على موجّه، أو التعلّم من خلال المحاكاة، أو التّجارب المباشرة؛ هذه التّجارب تحدث طوال أيامنا، وحياتنا، بينما نكتسب الخبرات، ونطوّر عقليّةً للبحث عن سلوكيات التعرّف على الفرص، إن إكمال الدورات الدراسية، مثل قراءة هذه السلسلة من المقالات المتعلقة بريادة الأعمال، أو ، ومراجعة الموارد المقترحة في آخره؛ هي إجراءات يمكن أن تدعم معرفتك، ووعيك، لريادة الأعمال؛ كخيار صالح لمستقبلك.

المنظور التّاريخي

نفرد ههنا قسمًا لتطوّر ريادة الأعمال عبر التّاريخ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فهي الرّائدة عالميًّا في هذا المجال، من جهة. ومن الجهة الأخرى، فإنّ هذا التطوّر استغرق فيها قرونًا عديدة، غير أنّنا سنجملها في خمس مراحل تاريخيّة مقتضبة:

1. المستعمرات، وأمريكا القديمة 1607 – 1776

في أواخر القرن الثامن عشر، عاشت قبيلة بامبينا من هنود تشيبوا المقيمة على طول النّهر الأحمر، في داكوتا الشمالية ومينيسوتا، وكانوا يقايضون الأسماك، أو لحم البقر المقدّد مع الغزاة الأروبيّين بميكان (اللؤلؤ).

ولكن قبل هذا، حاز صامويل وينزلو سنة 1641 على أوّل براءة اختراع من المحكمة العامة في ماساشوستس، لاكتشافه طريقة جديدة لصنع الملح، وفيما يأتي بعض أشهر المخترعين في التّاريخ الأمريكي، وأكثرهم تأثيرًا:

رائد الأعمال، أو المخترع مساهمته أهمّيتها
بيير إسبري راديسون (1640-1710) مكتشف فرنسي. أسّس شركة خليج هادسن التجارية مقايضة الفرو بالأقمشة، والأسلحة.
ويليام بن (1644-1718) مستعمر. أسّس "كومنويلث بنسلفانيا" ملاذا لجمعية الأصدقاء الدّينية المسيحيّة من أوائل روّاد الأعمال الاجتماعيّين
سيبيلا ماسترز (1676-1720) مخترعة. اخترعت طريقة لتنظيف، وتصفية الذّرة الهندية، الّتي زرعها المستعمرون الأوائل. براءة اختراع سنة 1715 لطريقة تنظيف، وطحن الذّرة الهندية.
توماس هانكوك (1703-1764) تاجر. أسّس "بيت التّجارة Trading House" الّذي وفّر سلعًا عديدة. سعى وراء مصادر تمويل مغايرة لتمويل اهتماماته التّجارية.
بنجامين فرانكلين (1706-1790) مخترع، ناشر، وسياسي. أنشأ حقّ امتياز الطّباعة، وبنية تحتيّة ليدشّن تلاميذه مطابع في مستعمرات أخرى. أصاب عين الاختراع، وريادة الأعمال المتسلسلة.

الجدول 2.2

2. الثّورة الصّناعية الأولى 1776-1865

بينما توسّعت المستعمرات، زادت معها الفرص، والاهتمام بالامتلاك، والتّصنيع، والاختراع، والتّجديد، كانت الثّورة الصّناعية الأولى أشبه بانفجار النّشاطات المجدّدة عبر مخترعين عظماء، سعوا وراء الفرص الرّياديّة لتلبية حاجات السّوق، ومطالبه، والضّرورات الاقتصاديّة.

خلال هذا العصر، استفادت الولايات المتحدة الأمريكيّة من اختراعات خلقت، أو وسّعت، أو طوّرت الصّناعة، ورفعت الثّروة والتطوّر، ومن مخترعي هذه الفترة إيلاي ويتني (محلج القطن 1794)، وإلياس هاوي (آلة الخياطة 1845) وصامويل مورس (التليجراف 1830-1840).

سعى هؤلاء المخترعون، وآخرون من أقرانهم إلى طرق لتحقيق عائدات لاستثماراتهم في اختراعاتهم، ولحماية أنفسهم، وحقوقهم، قانونيّا عبر عمليّة الحصول على براءة اختراع، وهي منحة قانونيّة تحمي حقّ المخترع، واستخدامه، ومتاجرته باختراعه لفترة محدّدة من الزّمن. وقد ذكرنا في هذا الإطار سيبيلا ماسترز، مخترعة طاحونة الذّرة الهنديّة، وهي الّتي حصلت على براءة اختراع من ملك إنجلترا سنة 1715، ولكنّ القوانين الرّجعية وقتها لم تسمح للنّساء بامتلاك شيء، ناهيك عن براءة اختراع، لذا سجّلت باسم زوجها.

أوّل استثناء من تلك القوانين كان لماري ديكسن كيز، الّتي نالت براءة اختراع باسمها عن عمليّة نسج القشّ بالحرير، أو الخيط.

وعلى غرار النّسوة وقتها، كان كثير من العبيد السّود مخترعين، منعهم الاضطهاد، والقانون من المطالبة ببراءات الاختراع، ولأنّهم كانوا بلا حقوق، فقد عمد أغلبهم إلى تسجيل براءات الاختراع بأسماء أسيادهم، دون أن ينالوا تقديرًا، ولا تعويضًا مقابلها، واستمر الحال هكذا حتى عام 1820 حينما حصل توماس جينينز -أوّل أمريكي من أصل إفريقيّ- على براءة اختراع باسمه عن عمليّة تسمّى "التّنظيف الجاف" لتنظيف القماش.

ومع زيادة المخترعين، واختراعاتهم بين ناجح، وفاشل، ارتفع الطّلب الاستهلاكي على منتجات، وخدمات أفضل، ممّا أدّى إلى الثّورة الصّناعية الثّانية.

3. الثّورة الصّناعيّة الثّانية 1865-1920

بعد الحرب الأهليّة الأمريكيّة، وخلال سبعينيّات القرن التّاسع عشر، انتعش العديد من الصّناعات بفضل (الشّكل 12.2):

  • تحسين تنظيم الإنتاج، كما يظهر في مخازن معامل تكرير البترول، واعتماد الإنتاج الشّامل، وخطوط الإنتاج.
  • تطوير الأنظمة التّقنية المتمثّلة في الكهرباء، والهاتف.
  • الاختراعات الجديدة الّتي شملت إنتاج الحديد، والصّباغة الكيماويّة، والنّقل من محرّكات البنزين، والديزل، والطّائرات.
  • تحسين الزّراعة بالأدوات، والصّناعة الغذائيّة بمخازن التّبريد.
  • اختراع الآلة الطّابعة.

IndLeap.jpg

"الشّكل 12.2: أ) أوّل آلة كتابة ناجحة تجاريّا؛ كانت من إنتاج كريستوفر ليثم شولز، وكارلوس س. جليدن. وهذا نموذجهم الأولّي سنة 1873. حفظ الحقوق: تعديل ""Sholes typewriter"" بواسطة جورج إيليس / ويكيميديا كومنز/ مادة مشاع. ب) الأخوان رايت من أشهر روّاد الطّيران المبكّر. تحلّق أورفيل في هذه الصّورة في مجالهم الجويّ سنة 1904. حفظ الحقوق: تعديل ""1904WrightFlyer"" بواسطة دون ف.ب / ويكيميديا كومنز/ مادة مشاع."

ومع زيادة النّشاط الرّيادي، وارتفاع الطّلب على الإنتاج، وانتعاش الاقتصاد، حظي روّاد الأعمال، واختراعاتهم، بمقام رفيع، وصاروا مطلوبين أكثر. ممّا عزّز الإيمان بأنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة هي أرض الفرص.

4. الاقتصاد الأمريكي في الحربين العالميتين وما بعدهما

لمّا بدأت الحرب العالميّة الأولى، كان الاقتصاد الأمريكي في مرحلة تراجع رهيب، ولكنّ اقتناء الأروبيّين للأسلحة، والسّلع الأمريكيّة وقتها، جعلها -على الرغم من دخولها الحرب سنة 1917- تشهد صحوة اقتصاديّة، حيث تراجعت نسب البطالة من 7.9% سنة 1914 إلى 1.4% سنة 1918 بفضل إنتاجها سلعًا، وأدوات تدعم جهودها الحربيّة، وجهود حلفائها، لذا فإنّ الحرب قد ساهمت -من وجهة نظر رياديّة- في تطوّر الجيش، وأدوات الاتّصال، وتحسين آليّات الإنتاج.

بدأت الواجهة الاقتصاديّة الأمريكيّة تتغيّر خلال هذا العهد، فالشّركات الصّغيرة المستقلّة إمّا اندثرت، أو اندمجت في شركات ضخمة، ومع انهيار سوق الأسهم في أكتوبر 1929، والكساد الكبير الّذي اجتاح العالم سنة 1930، فإنّ الإنتاج قد تباطأ، وارتفعت البطالة، كما تضاءلت ثقة المستهلكين تضاؤلًا طرديًّا مع الثقة بالاقتصاد.

وبعد أن وضعت الحرب العالميّة الثّانية أوزارها سنة 1945، انتقلت العقليّة الأمريكيّة من الشّغف، وريادة الأعمال التّقليديّة، إلى الاعتماد على الشّركات الكبيرة، والأعمال الّتي تضمن الاستقرار، والأجر.

ومع أنّ ريادة الأعمال لم تختلف بالكليّة، إلاّ أنّ نموّها تباطأ تباطؤا ملحوظًا، بالموازنة عمَّا كان عليه سابقًا، فقد ظهرت ريادة أعمال الشّركات إلى الواجهة، وهي المرحلة الّتي موّلت فيها الشّركات الكبيرة الأفكار الجديدة، والفرص، والمشاريع، عَبْرَ البحثِ، والتّطوير، الّذي يخدم استراتيجيّات، وأهداف تلك الشّركات، والّتي يظهر بعضها في الشكل (13.2)

Companies.jpeg

الشّكل 13.2: نشأت شّركات عديدة، ذائعة الصّيت خلال عقود ما بعد الحرب العالمية الأولى. حفظ الحقوق: جامعة رايس، Openstax / ترخيص CC BY 4.0.

قدّم العالِمُ، والاقتصادي جون شومبيتر (1883-1950) نظريّات، ومصلطحات تواصل، مازالت تؤثر إلى الآن في مفاهيم، وممارسات ريادة الأعمال الحديثة، وقد ابتكر مصطلحين مهمّين:

  1. أوّلهما: "روح الرّيادة" الّتي ترتبط بالمنتجين البادئين من تلقاء أنفسهم، والّذين يركّزون على إبداعهم، لإحداث التّغيير.

  2. الثّاني: مصطلح "التّدمير الخلاّق" الّذي يعرّفه على أنّه: "عمليّة الطّفرة الصّناعيّة الّتي تُحدثُ تطوّرا مستمرًّا في الهيكل الاقتصادي من داخله، محطّمة -باستمرار- الهيكل القديم، وباعثة الأمل بآخر جديد."

وفي المقابل، يدّعي الصّحفي، وعالم الاجتماع؛ ويليام وايت (1917 – 1999) بأنّ ثقافة ريادة الأعمال قد تغيّرت لأنّ "وسط العمل الأمريكيّ تخلّى عن الفضائل القديمة؛ مثل: الاعتماد على الذّات، وريادة الأعمال لصالح الأخلاق الاجتماعيّة البيروقراطيّة، الدّاعية إلى الولاء، والأمان، والانتماء."

5. اقتصاد المعرفة 1975 إلى يومنا هذا

بدأت وعود الحياة المؤسّساتيّة في منتصف سبعينيّات القرن العشرين تفقد بريقها، وعوامل جذبها، لذوي التّفكير الرّيادي؛ ممّا دعا إلى تحول تركيز الشّركات من أقسام البحث، والتّطوير، إلى النّشاطات الرّياديّة الدّاخليّة عبر "الرّياديّين الدّاخليّين". ورائد الأعمال الدّاخلي هو موظّف يعمل رائد أعمال داخل مؤسّسة قائمة، بدلًا من العمل بمفرده.

لقد أثرت التّطورات التّقنيّة السّريعة في كلّ الصّناعات، وصار العارفون بها أبطالًا بين عشية وضحاها، وفرضت الشّركات التّقنيّة وجودها على السّاحة، على شاكلة آبل، وميكروسوفت و 3M وAlphaber (الشّركة الأمّ لجوجل)، و IBM، وOracle.

وهذه الشّركات في نظرنا اليوم هي المنشآت العملاقة المسيطرة، غير أنّها بدأت بكونها الأفكار التّخريبيّة الّتي حاربت لإنشاء صناعة جديدة، وتعديل الصّناعات القائمة سابقًا.

العملية الريادية

يجب أن يكون منهجك في عملية تنظيم المشاريع، أو مجموعة القرارات، والإجراءات التي قد تتبعها (كما في الشكل 14.2) كدليل لتطوير، أو تعديل مشروعك -مرنًا، وليس ثابتًا؛ لأنّ الاهتمامات الشّخصيّة، والخلفيّة، والتّجارب، والموارد، والاتصالات، فريدة من نوعها بالنسبة لك، ولكنّها قد تتغيّر بمرور الوقت، فعلى سبيل المثال: قد تأخذ أنت، وصديقُك درسًا فنيًا معينًا من أجل المتعة، وتكتشفان أنّ لديكما موهبةً خفيّة في صنع المجوهرات اليدويّة. في أحد الأيام وعلى الغداء، قد تُشاركُ صديقَكَ بعضَ أفكارِكَ بشأنِ الاهتمام ببيع إبداعاتك الفريدة إلى معرض فنيّ محلي، وعلى الرّغم من البحث الذي أجريته، فلديك القليلُ من الأدلة حول مكان البدء، أو كيفية عرض فنّك في المعرض، وخلال محادثتك، تتفاجأ عندما تعلم أنّ صديقك قد باع بالفعل عدّة قطع، اتّباعًا لنصيحةِ موجّهٍ يعرفه، إذ اكتشف بعد كثير من الإحالات، أنّ أفضل خيار له هو موقع Etsy. وهو موقع إلكتروني حِرَفِيُّ التوجّهِ في التجارة الإلكترونية والمعاملات التّجارية عبر الإنترنت.

على الرغم من أنّكما بدأتما في المكان نفسه، وبأهداف متشابهة، إلا أنّ نتائجكما اختلفت؛ لأنك اتّبعت مسارات ريادة أعمال مختلفة، بينما قرّر صديقك الدّخول في عملية ريادة الأعمال في مرحلة مختلفة عن تلك التي اعتمدتها أنت.

يحدث هذا السيناريو كلّ يوم، ويوضّح لماذا تختلف المشاريع، فقرارات رائد الأعمال؛ صاحب المشروع، أو فريق ريادة الأعمال، هي اللبّ في نجاح المشروع، وسنناقش بمزيد من التفصيل في الفصول اللاحقة: (لماذا يعد رائد الأعمال هو المورد الأكثر أهمية لمشروع ما)

RoadSign.jpg

"الشّكل 14.2: يمكن أن تتغيّر وجهتك في رحلة ريادة الأعمال مرّات عديدة. حفظ الحقوق: تعديل ""This way or that"" بواسطة روبرت كوز بيكر / فليكر/ CC BY 2.0."

إذا قررت دخول عالم ريادة الأعمال، يجب عليك اتّباع عملية معينة قبل إطلاق مشروعك، كما ناقشنا سابقًا في خطوات رحلة ريادة الأعمال، حيث تحتاج إلى التفكير في أهدافك، وإعداد، واتباع خطة عمل، واتخاذ قرارات، وتعديلات سليمة طول الطريق، والمثابرة أثناء التحديات، والأزمات لضمان رحلة ناجحة، إذا بدا لك أنّ هذا يعني القيام بكثير من العمل، فأنت على حق، ومع ذلك، إذا اتّبعت، أو تعرّفت على مراحل الرّحلة، فقد يكون هذا العمل الأكثر إرضاءً في حياتك المهنية.

يجد كثير من النّاس أن رحلة ريادة الأعمال مرضية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنهم يتمكنون من تحديد مساراتهم الخاصة؛ لأنّ خطّة التخرج، ثم إيجاد وظيفة تساعد فيها شركة، أو منظّمة ما على تحقيق أهدافها، تكون أكثر إرضاءً عندما تكون تلك الشّركة، أو المنظّمة ملكًا لك، حيث تعمل بنفسك لإنشاء مسارك، وبلوغ هدفك، ولكن قبل إنشاء مسارك، ينبغي اتّخاذ أحدى الإجراءات الرئيسة في عملية ريادة الأعمال، وهي تطوير عقليّتك الرّياديّة، وتذكّر أن عقلية ريادة الأعمال تتعلق بالانفتاح، والتأمل الذاتي، والصدق حول ما أنت على استعداد للقيام به، وقادر على القيام به لتحقيق النجاح، فعلى سبيل المثال: هل أنت مرتاح لتقديم تضحيات مثل قضاء أمسية في إجراء البحوث، بدلاً من التسكع مع الأصدقاء، أو العائلة؟

العملية الريادية: دورة حياة المشروع، ودورة حياة المنتج

تتضمن عملية ريادة الأعمال عمومًا عدّة مراحل رئيسة، أو بعض الاختلاف في هذه المراحل. ضع في الحسبان أنّ هذه المراحل لا تتبع دائمًا نمطًا تسلسليًا، حيث تتغير الظروف والفرص، وإحدى الطّرائق الشّائعة لفهم العمليّة الرّياديّة، والارتباط بها هي: التّفكير في مشروعك الجديد على أنه مشابه لدورة حياة الإنسان، والمراحل الرّئيسة الّتي يمرّ بها البشر في تطوّر حياتهم، وعمليات النمو المختلفة بينهما.

كما نرى في الشّكلين 15.2 و16.2، فإنّ مرحلة البدء تشبه ولادة طفل رضيع، خلال مرحلة بدء التشغيل، أو ولادة الفكرة، يتطلّب المشروع موارد لدعم الشّركة النّاشئة بينما يقوم رائد الأعمال بتطوير الفكرة، وإنشاء النموذج الأولي، وبناء البنية التحتية لدعم الإنتاج.

خلال مرحلة بدء التشغيل، يدعم المال بناء المشروع، وفي الوقت نفسه، نادرًا ما تكون الشّركة النّاشئة جاهزة لتوليد المبيعات، لذا تذكّر أنّ المال مطلوب، ولكن لا يتمّ تجديده من خلال المبيعات أثناء التّخطيط لهذا الوضع، وهو اعتبار مهم.

NVLC.jpg

الشّكل 15.2: تعرض هذه الصورة المراحل التي يمرّ بها المشروع الجديد، بدءًا من تطوير الفكرة، ومرورًا بإنشاء النّموذج الأوليّ، ثمّ تحسين ذلك النّموذج، واستعدادًا للمرحلة الرّابعة، حيث تتمّ المبيعات، وصوًلا إلى بداية مرحلة النمو،. كما هو موضح في الشّكل 19.2: يحدث النمو بفضل زيادة مبيعات المنتج، وعند هذه النّقطة في دورة حياة المنتج، تزيد التّحسينات، أو المزايا المدخلة عليه من مبيعاته. حفظ الحقوق: جامعة رايس، Openstax / ترخيص CC BY 4.0.

BLC.jpg

الشّكل 16.2: توضّح هذه الصورة المراحل التي يمرّ بها النّشاط التجاري منذ النشأة حتى نهاية العمل، حيث يمثّل الخط الأصفر مبيعات المنتج (نجاح النّشاط التّجاري)، كما نرى أن معظم المبيعات تتم في مرحلتي النموّ، والنّضج، وفي هذه المرحلة الأخيرة، يجب على المالك، أو الفريق الريادي، اتخاذ قرار إعادة ولادة للعمل، وعندها يعود النّشاط التّجاري إلى مرحلة النمو. حفظ الحقوق: جامعة رايس، Openstax / ترخيص CC BY 4.0.

مثلما ينمو الطفل بسرعة في سنواته الأولى، غالبًا ما يشهد مشروع الأعمال نموًا سريعًا عند تسويق المنتج، أو الخدمة، وارتفاع الطّلب عليه، وينعكس هذا من خلال مبيعات أكثر، ومعرفة أوسع، ووصول أسهل إلى السّوق المستهدف، وتتطلب هذه المرحلة موارد لدعم النمو، فالفرق بين هذه المرحلة ومرحلة البدء؛ هو المال المتوفّر عبر نشاط المبيعات، لكنّ بعض المشاريع الريادية تحيد عن هذا، فتكون مرحلة النمو فيها متعلّقة ببناء المشروع، بدلًا من توليد المبيعات، وبالنسبة لمشروعات مثل YouTube، تستلزم مرحلة النمو زيادة مخزون مقاطع الفيديو، بالإضافة إلى زيادة في وصول الأشخاص إلى مقاطع الفيديو.

وكما يبلغ البشر النّضج خلال دورة حياتهم، قد تصل الشّركة إلى نقطة يتباطأ فيها النمو، وربّما ينتقل إلى مرحلة التراجع في تجربتنا البشرية، ويمكننا اتخاذ إجراءات لتحسين، أو إطالة مرحلة النّضج في حياتنا من خلال خيارات حياة أفضل، مثل: عادات الأكل المغذيّة، وممارسة الرياضة؛ للحصول على صحة أفضل، ومن ثم تأخير التّراجع، ويمكننا -أيضًا- تمديد نضج العمل، بل وحتّى الانتقال إلى ولادة جديدة، ومرحلة نموّ جديدة، من خلال اتخاذ قرارات مدروسة، مثل إضافة ميزات جديدة إلى المنتج، أو الخدمة، أو تقديم المنتج، أو الخدمة إلى سوق مستهدف جديد هو الهدف في حياتنا، وبناء على هذا القياس، يكون النّموّ والنّجاح المستمرّ، ويمكن تعديل المنتجات، أو تحسينها، لتمديد دورة حياة المنتج، والّتي تمتدّ -أيضًا- لدورة حياة المشروع.

تتوافق أمثلة تجنّب تدهور الشّركات توافقًا جيّدًا مع مفهوم دورة حياة المنتج، وهي منتشرة في المنتجات التّقنيّة، مثل: التلفزيون، والكمبيوتر الشخصي، والهاتف المحمول، وعلى سبيل المثال: مرّت أجهزة التلفزيون الأبيض والأسود بمرحلة نموّ بعد الحرب العالميّة الثّانية، فقد تم إنتاج أجهزة التلفزيون الملوّنة في خمسينات القرن الماضي، ومع التقدم التقني، عاودت الشّركات المصنّعة للتّلفزيون التطوير مرارًا، وتكرارًا خلال دورة الحياة، وتجنّبت انخفاض المبيعات بميزات، وتكيّفات جديدة مع خيارات متعددة، مثل: البلازما، LED، والتقنية الذكية، أمّا من أمثلة المنتج الّذي بدأ ثم تدهور بسرعة، فنشير إلى مشغّل الأشرطة الثُّمانيّة، وهو مشغل موسيقي أنتج سنة 1963 ليكون أسهل في التّثبيت في المركبات المتحركة، من السيّارات إلى الطّائرات السّريعة، وقد نال شهرة واسعة، حيث انتقل من المرحلة التمهيدية إلى مرحلة النمو في دورة حياة المنتج، لكنّه إثر تطوير الكاسيت (الشّريط) المضغوط في أوائل الثمانينات، انتهت مهمّته، وحلّت فجأة نهاية دورة حياته.

بعض المنتجات تتلاءم بسهولة أكبر مع غيرها، لإدارة دورة الحياة، والهدف من ذلك هو إدارة المنتج من أجل النمو المستمر، في حين أن منتجات أخرى، مثل مشغّل الأشرطة الثُّمانيّة، والّتي تعتمد على التّقنية الّتي سرعان ما يعفو عليها الزّمن عندما يتوفر خيار أفضل.

تصنّف الأمثلة الأخرى للمنتجات ذات دورة الحياة القصيرة، على أنّها طفرات، مثل حلقة الهولا هوب، والصّخور المتّخذة حيوانات أليفة، وهي طفرات ثقافيّة من الماضي، يعاد تقديمها إلى جيل جديد من المستهلكين؛ غير أنّها تستهلك دورة حياتها بسرعة لتصل إلى المرحلة الأخيرة وهي "الموت"، حيث يحقّق المنتج مبيعات قليلة جدًّا، أو منعدمة، بحيث يصبح نادرًا.

دورة حياة المشروع، ودورة حياة المنتج مفهومان مختلفان، ولكنهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، سيحتاج المشروع إلى موارد مختلفة خلال كل مرحلة من مراحل دورة حياته، لدعم نموّه، ونجاحه، وتساعد معرفة المرحلة الّتي وصل إليها المنتج من دورة حياته على اتّخاذ القرارات المناسبة، فعلى سبيل المثال: يوحي انخفاض المبيعات بضرورة تعزيز قيمة المنتج، لتوسيع، ومواصلة مستويات النمو القويّة، من منظور المشروع، حيث تدعم إدارة دورة حياة المنتج، النّجاحَ المستمرَّ للمشروع.

يتجنّب المشروع الناجح التّدهور (الموت) بالاستعداد المسبق، إمّا لبيع المشروع، أو الاكتتاب العامّ، والمعروف باسم العرض العامّ الأوليّ (IPO)، والذي يتيح للشركة مبالغ كبيرة للنّموّ المستقبلي، اثنان من الاكتتابات الريادية في مايو 2019 هما Zoom وUber. فأمّا Zoom فهي شركة تتيح إقامة مؤتمرات الفيديو، ومؤتمرات الويب، والنّدوات عبر الإنترنت، والتّواصل عبر الوسائط المختلفة. وأمّا Uber فهي شركة مشاركة ركوب، وقد استخدم كلا المشروعين الرّياديّين الاكتتاب العامّ لدعم خططهم المستقبلية للنمو.

وازن بين بعض الأصدقاء الذين عرفتهم منذ الطفولة، والأصدقاء الذين قابلتهم في السنوات الأخيرة. افترض أنك تخطط للعمل في مشروع معهم، وتريد معرفة أيّ أجزاء العمل تناسب أيّ مجموعة، فقد تجمع بعض المعلومات حول التّجارب السّابقة لصديق جديد من خلال المحادثات، أو الملاحظات، أو عمليات التّعاون الأخرى، ومع ذلك، لن يكون من الممكن -أو الضروري- معرفة كلّ شيء عن طفولتهم، وكيف تعلّموا مجموعة معينة من المهارات، أو اكتسبوا معارف معيّنة، ولكنك ستبدأ تفاعلك، والعمل مع صديقك من الوقت الحالي، وهذا هو الحال بالنسبة للمشروع، وقد تبدأ مشروعًا من مرحلة توليد الأفكار، أو من الطفولة، كجزء من مرحلة ما قبل الإطلاق، أو يمكنك الانضمام إلى العملية بعد أن يكون شخص آخر قد أكمل بالفعل المراحل الأولى من العمل، فعلى سبيل المثال: عن طريق شراء شركة موجودة، أو الدخول في شراكة، ربما لم تكن موجودًا عندما تمّ إطلاق العمل بها، ولكن يمكنك الاستمرار في تطوير الأعمال من اللّحظة الحالية، تمامًا مثلما تنطوي كل مرحلة من مراحل التجربة البشرية على اهتمامات، ومعالم مختلفة، ينطبق الشّيء نفسه على مشروعك، المشروع هو مسؤوليتك لإدارته خلال كل مرحلة من مراحل عملية التطوير.

يقدّم الشكل 17.2 نظرةً عامّةً على كل مرحلة، وعلى القرارات المرتبطة، التي قد تفكر فيها، أو تواجهها في عملية ريادة الأعمال.

BLCTime.jpg

الشّكل 17.2: تتشابه دورة حياة المشروع تقريبًا مع دورة حياة الشخص عبر مراحل مختلفة تمتد فيمّا قبل الولادة، مرورًا بالرضاعة، والشباب، والنضج، والتقاعد، وصولا إلى النّهاية، أو إعادة التّشغيل،. وذلك، على عكس دورة حياة الإنسان، لا يجب أن تكون مراحل المشروع ثابتة، لا متسلسلة. حفظ الحقوق: جامعة رايس، Openstax / ترخيص CC BY 4.0.

المرحلة الأولى: البدء

في المرحلة الأولى، ترتبط أنشطة البدء بتصوّراتك حول فكرة محتملة، وكيفية تطويرها، وكيف يمكنك التعرّف على الفرص المناسبة، في هذه المرحلة، يكون النّشاط الحاسم هو تحديد الفرصة لتطوير فكرتك إلى مشروع تجاري قابل للتحقيق، مع إمكانية كبيرة للنّجاح، في هذه المرحلة، تعمل على تطوير الفكرة تطويرًا أكثر دقة، لتحديد ما إذا كانت تناسب ظروفك، وأهدافك الحالية، والمستقبلية، ستعمل -أيضًا- من خلال التمارين لتمييز الأفكار، عن الفرص القابلة للتطبيق، حيث سنتناول كل هذه الإجراءات بمزيد من التفصيل في الفصول القادمة، أمّا الهدف من هذا القسم، فهو تقديم تصوّرات لفهم أكبر لهذه المراحل.

وتتضمن الإجراءات، أو التّطبيقات الرئيسة في هذه المرحلة:

  • تطوير الفكرة.
  • التعرف على الفرص.
  • تحديد فرصة السوق.
  • البحث، والتّحضير الجادّ، أو إجراء البحث، والتحقيق اللاّزمين لاتخاذ قرارات مدروسة تقلل من المخاطر، مثل: التأكد من عدم تكرار فكرة موجودة بالفعل.

المرحلة الثانية: التطوير

الآن بعد أن أصبحت واثقًا من فكرتك، فقد حان الوقت لتطوير هيكل تحدّد من خلاله نوع المشروع الذي يتناسب تناسبًا أفضل مع الفكرة، وفي المرحلة 2، يمكنك تحديد نموذج أعمال (ناقشناه بمزيد من التفصيل في نموذج الأعمال، والخطة) وتجميع الفريق (المناقش في بناء الشبكات، والأسس) لجعل مشروع أحلامك حقيقة، ويحدد نموذج الأعمال كيف تعود الأعمال التجارية بالمداخيل، والقيمة، وتحصل على تعويض عن هذه القيمة، وتتمثّل بعض أمثلة نماذج الأعمال في الاشتراكات الشهرية، وطلبات ما قبل البيع، ومبيعات الكشك، وخيارات أخرى، كما تتضمن قرارات ريادة الأعمال في مرحلة التطوير، العديد من الخيارات التي يجب أخذها في الحسبان، بما في ذلك:

  • التمويل الذاتي.
  • البدء بأموال محدودة.
  • تلقّي تمويل المشروع من مصادر خارجية.
  • تسجيل الحقوق لتلقي العائدات على كلّ منتج.
  • شراء شركة أخرى.
  • وراثة عمل تجاري.
  • الانتفاع بحقّ الامتياز، إما من خلال شرائه، أو بدء شركتك بهدف إنشاء امتياز جديد يخصّك.
  • إنشاء شركة افتراضية قائمة على الإنترنت.
  • استخدام تطبيقات الهاتف المحمول، التي تدعم عملك، أو تتواصل مع الشركات الأخرى.
  • تأسيس مشروع اجتماعي لدعم قضية ما.
  • تقديم الاستشارات.
  • العمل الحرّ.

إن الاختيار من بين هذه الخيارات، أو إنشاء نهج فريد خاص بك لدعم نجاح عملك، سيغيّر نتائجك، ومستوى نجاحك. أمّا الأنشطة الرّئيسة في هذه المرحلة فتشمل ما يلي:

  • صياغة، أو صقل فكرتك.
  • تصميم نموذج الأعمال، والخطة، والأهداف، وفريق الإطلاق، والهيكل التشغيلي.
  • إنشاء منتج نموذجيٍّ يناسب السوق (عيّنة، أو نموذجًا لجذب تعقيبات الزّبائن).
  • مزيد من البحث، والتّحضير الجادّ حسب الحاجة.

المرحلة الثالثة: الموارد

باستخدام المعرفة التي اكتسبتها في المرحلتين الأوليين، ستقوم -في مرحلة الموارد- بتقييم الموارد اللازمة لدعم مشروعك الجديد.و تشمل الموارد كلًّا من:

  • الدعم المالي.
  • دعم، واختيار موقع، أو منشأة تصنيع (إذا كنت تنتج منتجًا ماديًا).
  • مواهب الموظفين.
  • المعرفة.
  • المهارات.
  • دعم سياسي، ومجتمعي إذا أمكن.
  • دعم العائلة، لأنّ المشروع الجديد سيتطلّب التزامات تُقْتَطَعُ من وقتك مع عائلتك.

وتشمل الأنشطة الرئيسة في هذه المرحلة ما يلي:

  • جمع الموارد الضّروريّة، مثل رأس المال البشري، والمالي، والمستثمرين، والمرافق، والمعدّات، والنّقل.
  • إنشاء الاتصالات، والشبكات، والخدمات اللوجستية.
  • مزيد من البحث، والتّحضير الجادّ، حسب الحاجة.

المرحلة الرابعة: دخول السوق

الدخول إلى السّوق، أو تدشين مشروعك، غالبًا ما يتمّ في عملية إطلاق أوليّة، أو ما يعرف بالفتح المبدئيّ، داخل سوق محدودة لتقليل التعرّض للتحديات غير المتوقعة، وبصفتك رائد أعمال، فأنت تقدّم مشروعك الجديد إلى سوق معيّنة لمعرفة مدى قبوله، ودعمه، ويمكنك إجراء تعديلات اللّحظة الأخيرة في هذه المرحلة، ولكنّ الجزء الحاسم هو معرفة كيف يتفاعل السوق مع مشروعك، وهذا وقت ممتاز لتمحيص جميع جوانب عملك، للحصول على حلول للمشاكل غير المتوقّعة، وتحسين الكفاءة، وتتبّع ردود فعل الزّبائن على مشروعك.

واحدة من أهم مسؤولياتك في هذه المرحلة هي إدارة التدفق الماليّ، أو الأموال الدّاخلة، والخارجة من الشّركة، لأنّ المال ضروريّ لنجاح المشروع، في المراحل الأولى من المشروع، وستحتاج إلى مبالغ كبيرة من المال لتمويل الأنشطة التّشغيلية، لأنّ مبيعاتك ليست مضمونة بعد، ذلك أن تكاليف الإنتاج، والرواتب، واللوازم، والمخزون، ومدفوعات الإيجار، والتسويق… وكلّ هذه الجوانب تحتاج إلى تدفّقات ماليّة خارجة من مشروعك، باعتبارها جزءًا من تكاليف بدء التشغيل، ويحتاج العمل الناجح إلى المال المتاح، وكذلك الزّبائن لمنتجاته، وخدماته، وإلا فلن يبقى على قيد الحياة. وتشمل الأنشطة الرئيسة في هذه المرحلة ما يأتي:

  • تقييم الهيكل الإداري، والاحتياجات، مع تعديلها إذا اقتضت الضّرورة.
  • إدارة التدفّق الماليّ.
  • تدشين العمل.
  • رصد التقدم المحرز.
  • مزيد من البحث، والتّحضير الجادّ حسب الحاجة.

المرحلة الخامسة: النمو

تتضمن مرحلة النمو اتخاذ قرارات تدعم النمو المستقبلي لمشروعك، في مرحلة النمو تعكس قراراتك قابلية مشروعك للتوسع، فهناك فرق كبير بين مشروع صغير، ومشروع يجب أن يتعامل مع مستويات كبيرة من المبيعات، عند هذه النقطة، يحتاج هيكلك التنظيمي إلى تحديث، وقد تحتاج إلى مستويات وظيفية جديدة، مثل قسم الشؤون المالية، أو قسم الموارد البشرية، أو ربما مساعد مدير، كما تشمل الاعتبارات الأخرى حجم المرافق، وهل الحجم، أو السعة الحالية مناسبة لنمو المشروع؟ وتتعلق الأسئلة الأخرى بمدى ملاءمة مورديك، أو مزودي المخزون. وهل الجودة ووقت التسليم يلبيان احتياجاتك؟ وهل نظام الدفع مناسب لمشروعك؟ يجب عليك -أيضًا- في هذه المرحلة مراقبة نمو مشروعك، وإجراء التعديلات المناسبة، فعلى سبيل المثال: إذا كان مشروعك لا ينمو كما هو متوقع، فقد تعود إلى خطة عملك، وتدرس التعديلات التي يمكنك إجراؤها.

تشمل الإجراءات الرئيسة في هذه المرحلة ما يلي:

  • إدارة المشروع.
  • إجراء التعديلات الرئيسة حسب الحاجة.
  • مزيد من البحث، والتّحضير الجادّ حسب الحاجة.

المرحلة السادسة: النضج

في مرحلة النّضج، ينتقل مشروعك إلى مرحلة الصّيانة، في دورة حياة العمل، حيث يراقب رواد الأعمال كيف ينمو المشروع، ويتطور، وفقًا لخطة العمل، وتوقعاتها، واحتمالاتها، وهل ينمو مشروعك نموًّا أسرع، أو أبطأ مما كنت تتوقع؟ ما المعالم التي وصلت إليها؟ ما هي التّغييرات اللاّزمة لمواصلة نجاح المشروع؟ وكيف يمكنك معالجة هذه التّغييرات؟ هل مازلت قادرًا على تلبية احتياجات المشروع، والمحافظة عليها؟

اعتمادًا على وضعك، ستظلّ بحاجة إلى مواصلة العمل على دعم المشروع؛ حتى ولو كان المشروع يعمل بكفاءة، وطريقة، يمكن التنبؤ بها، فقد تجبرك التّغييرات الخارجيّة على تغيير مشروعك، من خلال إدخال تحسينات على المنتج، أو الخدمة، أو العثور على أسواق مستهدفة جديدة، أو اعتماد تقنيات جديدة، أو تجميع الميزات، أو العروض لتضيف قيمة للمنتج.

إحدى النّقاط الرئيسة التي يجب فهمها في هذه المرحلة هي: أن المشاريع يمكن أن تفشل، وغالبًا ما تفشل، فريادة الأعمال تتعلّق بالمخاطرة المحسوبة لتحقيق الأرباح، فأحيانا، لا يصل مشروعك إلى ما تخيّلته، لهذا يقدّم امتلاك عقل منفتح، والتعلّم من التجربة، فرصًا جديدة، إما للتّغييرات في المشروع الحالي، أو حتّى في مشروع جديد، خذ بالاعتبار الأمثلة الآتية لروّاد أعمال عانوا الفشل في البداية، ثمّ انطلقوا ليحقّقوا نجاحات منقطعة النّظير:

  • فشلت شركة بيل جيتس الأولى Traf-O-Data لأنّ المنتج لم يعمل.
  • فُصل والت ديزني من عمله في صحيفة بدعوى افتقاره للإبداع.
  • طُرد ستيف جوبز ذات مرّة من شركته الخاصة "آبل".
  • أنشأ ميلتون هيرشي ثلاث شركات حلوى، قبل أن يؤسّس شركة هيرشي النّاجحة.

تشمل الإجراءات الرئيسة لهذه المرحلة ما يلي:

  • تعزيز مكانة السوق.
  • الوعي، والاستعداد للتغيير.
  • جني عائد الاستثمار (ROI).

المرحلة السابعة: الحصاد

في مرحلة ما، قد تتجاوز شركتك أحلامك، أو طموحاتك، أو اهتماماتك، في هذه المرحلة، تقوم بحصد، أو جمع أكبر عائد على استثمارك، بينما تخطّط لكيفية التّقاعد، أو الابتعاد عن هذا المشروع، يستمتع العديد من رواد الأعمال بالإثارة في بدء وبناء مشروع جديد، ولكنّهم أقل اهتمامًا بالجوانب الروتينية لإدارة الشركة.

في مجال ريادة الأعمال، يقوم الفريق بإنشاء مشروع، بهدف حصاد هذا المشروع، والحصاد هو المرحلة التي يكافأ فيها كلّ عملك الجاد، وإبداعك، بعائد كبير على الأموال المستثمرة، والوقت، والمواهب في فريق بدء التشغيل، بما في ذلك أيّ مستثمرين، خلال هذه المرحلة، يبحث فريق روّاد الأعمال عن أفضل مشترٍ للمشروع، لتحقيق عائد على الاستثمار من جهة، وشخصٍ مناسب لمواصلة نجاح المشروع من جهة أخرى.

وتشمل الإجراءات الرئيسة في هذه المرحلة ما يلي:

  • تحديد ما يريده فريق روّاد الأعمال، والمستثمرين خارج المشروع، عائد الاستثمار
  • التخطيط لمستقبلك: ما هي الخطوة الآتية في رحلة ريادتك؟

المرحلة الثامنة: الخروج

مرحلة الخروج؛ هي النّقطة التي إمّا أن يحقّق فيها مشروعك هدفه، وتحصد نجاحه، ثمّ تمرّره إلى الجيل التالي من أصحاب الأعمال، أو اللّحظة الّتي تدرك فيها أنّه لم، ولن يلبّي احتياجاتك، وأهدافك. ويؤدّي هذان الموقفان إلى سيناريوهات مختلفة إلى حد كبير.

في حصاد المشروع، قد تتلقّى دفعة نقديّة كبيرة، أو مزيجًا من الدّفع النّقدي، وحصّة أقليّةٍ من الأسهم لتبيع مشروعك، أمّا في الخروج النّاتج عن إغلاق المشروع، فيكون خيارك على الأرجح هو تصفية الأصول؛ بقصد بيعها لسداد مستحقّات الدّائنين والمستثمرين، في كلّ من الحصاد، والتّصفية، يمكن أن يكون التّحدّي بالنسبة لك كرائد أعمال هو تقبّل الانسحاب العاطفي من مشروع استهلك أفكارك، ووقتك، وطاقتك، لقد حان الوقت للخروج من المشهد، والسّماح "لراعٍ" جديد بالاهتمام بالمشروع، أو إغلاقه بالكامل.

وتشمل الإجراءات الرئيسة في هذه المرحلة ما يأتي:

  • استراتيجية، وخطة الخروج.
  • الانتقال إلى الجيل القادم من المالكين.

المرحلة التاسعة: إعادة الولادة

بالنسبة لبعض روّاد الأعمال، يطغى حماس إنشاء مشروع جديد على إحساس كسب المال، من حصاد مشروع ناجح، فمن الصّعب العثور على لذّة تحويل فكرة، إلى فرصة قابلة للتّحقيق، ثمّ إنشاء مشروع مزدهر، في مكان آخر، ففي مرحلة إعادة الولادة، يقرّر رائد الأعمال البحث عن مشروع جديد لبدء العملية مجدّدًا، وبصفتك رائد أعمال ذا خبرة، يمكنك إنشاء مشروع من نوع جديد، أو تطوير مشروع منبثق عن فكرة مشروعك الأصليّ، ففي هذه المرحلة، تصبح رائد أعمال متسلسلا، رائد أعمال شارك في بدء العديد من المشاريع الرّياديّة.

وتشمل الإجراءات الرئيسة في هذه المرحلة ما يأتي:

  • إعادة تصميم، أو إنشاء مشروع جديد.
  • جلب فريق رياديّ جديد، أو التّعاون مع فريق المشروع السابق.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (The Entrepreneurial Journey and Pathways) من كتاب Entrepreneurship.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...