دوران الموظّفين أو ما يُعرف بـ Employee Turnover (وهو مصطلح يعبّر عن معدّل ترك الموظّفين للشّركة) يكلّف الشركات الكثير من الخسائر الماليّة، وتشير بعض التقديرات إلى أنّ الخسائر الناجمة عن دوران الموظّفين قد تصل إلى أكثر من ضعف راتبهم الابتدائي. وإضافةً إلى تلك الخسائر الماليّة الكبيرة، فكّر في الوقت الذي سيضيع وأنت تحاول أن تبحث عن موظّفين جدد، وتجري المقابلات الشخصية معهم، وتدرّبهم، وتهيّئهم وتدمجهم في الفريق.
عندما تفكّر في كلّ هذا ستدركُ أنّ دوران الموظّفين خطيرٌ على نشاطك التّجاري وشركتك.
القليل من دوران الموظّفين أمرٌ طبيعي، الموظّفون قد يتركون وظائفهم في شركةٍ ما لتطلّعهم لتجربة وظائف أخرى، أو أحيانًا -ولأكون صادقةً معك- لا تناسبهم ثقافة الشركة ويستقيلون مهما حاولت جاهدًّا الحفاظ عليهم، لكن على كلّ حال من المفترض أن تفعل كلّ ما بوسعك لتقلّل من دوران الموظّفين.
البعض ينسى عادةً الآثار النفسية الكثيرة التي يتركها المعدل المرتفع لدوران الموظّفين على موظّفي الشركة الآخرين وعلى الروح المعنويّة في الشركة بشكلٍ عام. الوضعُ في بعض الشركات للأسف أشبه بالباب الدّوّار (هذا موظف جديد داخل، وهذا موظف قديم خارج)، وبطبيعة الحال سيكون الجميع في مثل هذه الشركات في حالة توتّرٍ وقلقٍ وانتظارٍ لدورهم في الإقالة. وهذا الجوّ الموتِّر يدمّر الإنتاجية والابتكار.
هل تتطلع لأن تعرف طرقًا فعّالة تستطيع من خلالها خفض معدّل دوران الموظّفين بشركتك؟ إليك 3 طرق لتفعل ذلك:
1. لا تتسرع في توظيف أشخاص جدد
أفضلُ طريقة لتقليل معدّل دوران الموظّفين، هو توظيف الأشخاص المُناسبين من البداية.
يمكن قول هذا بسهولة، لكنّ تطبيقه صعبٌ بعض الشيء. على كلّ حال، هناك بعض الأمور التي يمكنك فعلها لتضمن أنّك توظّف بطريقةٍ صحيحة.
أوّل فكرةٍ ألهمتني بها مقالة لـ Matt Mullenweg (مؤسس ووردبريس، أشهر نظام لإدارة المحتوى والمواقع والتدوينات) نُشرت في Harvard Business Review . في هذه المقالة يتحدّث "مات" عن طريقة اختياره للموظّفين، وهذه الطريقة أصبحت شائعة الاستخدام في مجال التقنية.
تسمى هذه الطريقة "التوظيف بناءً على تجارب الأداء" (Hiring by auditions). طريقة عمل هذه الوسيلة هي أن يخضع المتقدمون للوظيفة لفترة اختبارٍ تجريبية مدفوعة الأجر، يُكلّفون فيها بأداء مشروعٍ بسيط.
من الهام الإشارة إلى أنّها "مدفوعة الأجر" ويجب أن يتقاضى هؤلاء الموظّفين أجرًا معقولً كما لو كانوا مستقلّين (Freelancers).
كما أنّه من الحكمة أن تجرّب شيئًا قبل أن تشتريه، كصاحب عمل، يجب عليك –قبل أن توقّع عقدًا مع الموظّفين - أن ترى كيف ينجزون الأعمال، والوقت الذي يستغرقونه لإنجازها، وكميّة المساعدة التي يحتاجونها.
كنت أتحدّث مع صديقٍ لي يعمل في Wix، وقال لي أنّهم يستخدمون هذه الطريقة في اختيار الموظّفين. أخبرني بأنّه عندما تقدّم للعمل في الشركة أوّل مرة لدورٍ تسويقي، كُلّف بإنتاج نموذجٍ لبيان صحفي كمشروعٍ تجريبيّ.
المثير للاهتمام هو أنّه لم يتلقّ أي تغذية راجعة أو ملاحظات على ذلك المشروع التي كُلّف به مما يعني أنّهم في الشركة لم يهتمّوا حقًّا بمحتوى المشروع، فليس هذا هو مقصدهم. الغاية من ذلك هي أن يروا كيف يعمل الموظّفون. هل يطرحون الأسئلة؟ هل يبحثون بأنفسهم وباجتهادٍ عن إجاباتٍ لها قبل أن يطرحوها؟ - هذا ما تهتم به الشركة وتستقصيه في هذه الحالة.
الجزء الثاني في عملية التوظيف هو التعمّق في فحص بيانات المتقدّمين للوظيفة. قد تفكّر في مُراسلة مصادرهم التي ذكروها في سيرتهم الذاتية، لكنّها قد تكون مزيّفة.
أعتقد أن من الأذكى استعمال وسائل التواصل الاجتماعي. أراهن أنّك ستجد جهات اتّصال مشتركة بينكما في LinkedIn، وإن لم تجد، تواصل مع أشخاصٍ من الشركة التي كان يعمل بها سابقًا.
ثمّ، عندما تتواصل معهم، أرسِل لهم رسالةً تطلب منهم فيها أن يقيّموا المتقدم للوظيفة (سلّم من 10 نقاط)، ثم اسألهم عن سبب تقييمهم.
إعداد برنامج أجور تنافسيّة أمرٌ مهمُّ جدّا للاحتفاظ بالموظفين. يجب أن تكون مطّلعًا على بيانات الأجور في مجالك بشكلٍ واسع . Payscale مصدرٌ عظيمٌ لهذه البيانات.
حاول أيضًا أن تجذب الأكفاء والمبدعين بواسطة المزايا المختلفة التي تعتقد أنها ستُغري الموظّفين الحاليين والجدد.
معظم الأشياء التي بإمكانك فعلها لجذب الموظّفين الأكفاء لشركتك مجّانية، لكن أيضًا يجب عليك دائمًا أن تقدّم للموظّفين ميزاتٍ تنافسية. الكثير من الشركات تقدّم الكثير من الامتيازات الرائعة، وهذه أشياءٌ مهمّة حتّى إن لم تكن مصدر الإلهام الأهم.
2- احترم موظفيك
احترامُ الموظّفين هي أفضل طريقةٍ للمحافظة عليهم.
أفضل نصيحةٍ يمكنني إسداؤها حول هذا الأمر هي أن تكون مرنًا. هناك الكثير من أصحاب الشّركات النّاشئة الذين لا يدركون أهمّية المرونة. قد تكون عبارة "كن مرنًا" واسعةً وغامضةً بعض الشيء، وهذا شيءٌ مقصود، يجب أن تكون مرنًا بالقدر الذي تقتضيه طبيعة عملك.
كن مرنًا حيال طريقة إدارة وقت الموظّفين وأعمالهم. من المهم خلق جوّ مريح يهدئ الموظفين ويزيل توتّرهم ليستطيعوا التركيز على العمل.
عندما تؤسّس ثقافةً مرنةً ومريحة، كلّ شيءٍ سيكون على ما يرامٍ فيما بعد. يجب عليك أيضًا احترام وقت الموظّفين، وتفهّم أنّه لديهم ظروفًا وشؤونًا خاصة في حياتهم كما لديك. يجب عليك حقًّا أن تعرض العمل عن بعد (من المنزل) كخيارٍ للموظّفين. التطوّرات في التقنيّة الحديثة تجعل من الصّعب رفض فكرة العمل عن بعد. وفرت التقنية بعض الأدوات التي تجعل الموظّف كأنّه في مكتبه في الشركة، فكلّ هذه الأدوات بُنيت في الأساس لتكون طرقًا للتواصل عن بعد، ومنها:
من الطرق الأخرى لإظهار الاحترام لموظّفيك هو أن تريهم أنّك تريدهم أن يكونوا أشخاصًا أفضل.
أرِهم أنّك تسعى لتساعدهم أن يتحسّنوا ويتطوّروا. يجب أن تشجّعهم بفعاليّة على أنّ يتعلّموا عبر الكورسات المتوفّرة على الإنترنت، وقراءة الكتب والمدوّنات.
مثلًا، يمكنك استعمال تطبيق Yammer بداخل الشركة لمشاركة التدوينات ويمكن للموظّفين استخدام خاصيّة المجموعات للاشتراك في المواضيع التي تثير اهتمامهم.
على سبيل المثال، أحاول في مجموعة التسويق أنّ أشارك الكثير من المحتوى الذي يساعد الموظّفين الذي لديهم شغفٌ بتعلّم المزيد حول التسويق.
معظم الموظّفين الآن يريدون أن يكون رؤساؤهم في العمل بمثابة المدرّبين أو المرشدين. إذا كنت تريد الاحتفاظ بموظّفيك يجب عليك إرشادهم بدلًا من مجرّد إعطائهم الأوامر. لا أحد يستجيب بفعاليّة عندما يؤمَر بما يجب عليه فعله. يستجيب الموظّفون جيّدًا عندما يتعلّمون ويدركون بشكل صحيح وبالتفصيل كيف يمكنهم فعل المهام الموكلة إليهم.
3. ركز على ما يعزز القيم الجوهرية
أُثبت مرارًا وتكرارًا أن المكافآت المعنويّة (التي تخدم القيم الجوهريّة للموظّفين) هي أفضل ما يحفّزهم.
كنت أتحدث مع صديقٍ لي، وهو خبير في مجال إدارة الموظفين، وأخبرني عن قصةٍ مثيرةٍ للاهتمام عن إظهار المكافآت لنتائج عكسيّة مع الموظّفين. ما حدث هو أنّ إحدى الشركات نفّذت برنامج مكافآتٍ حول مُنتج كانوا يعملون على إطلاقه، والمكافآت كانت عبارةً عن "بطاقات هدايا" (gift card) بقيمة 50 دولار. والأمر هو أنّه عندما يبذل الموظف كل جهده ووقته ليستحقّ مكافأةً ما، ثم يقدّم له مُكافئة بقيمة 50 دولار، ينتابه شعورٌ أنّ الخمسين دولارًا هو كلّ ما يستحقّه جهده، وهذا له أثرٌ سيء على روحه المعنوية. في حين قد تبدو الشارات والأوسمة شيئًا صغيرًا، فهي مُجدية ولها تأثيرٌ إيجابيُّ كبير من الناحية النفسية، وقد أجريت دراساتٌ نفسيّة كثيرة لمعرفة سبب فعالية هذا النوع من المكافآت.
على كلّ حال، هناك ثلاث قيمٍ أساسيّة يجب أن تركّز عليها وتستمر في تعزيزها لدى الموظّفين: الاستقلاليّة، الشفافيّة، ووجود الهدف.
الاستقلالية
حتى إن كنت لا تمنح الموظّفين تحكّمًا كاملًا، أعطهم انطباعًا بامتلاكهم لزمام الأمور، فالانطباعات تتحوّل لواقعٍ أحيانًا. قول هذا أسهل من فعله، فمن الصّعب تحقيق التوازن بين الأمرين: منح الاستقلالية للموظّفين، وأن تكون مدرّبًا ومرشدًا جيّدًا. أفضل ما يمكنك فعله بهذا الصدد هو أن تكون منفتحًا وصريحًا وتتحدث مع موظفيك بشفافيّة. اسألهم ما المشروع الذي يريدون العمل عليه، أو ما إذا كان هناك مشروعٌ معيّن يريدون أن يشرُعوا فيه...الخ
الشفافية
كن صادقًا مع موظّفيك دائمًا. شارك كلّ شيءٍ، مع كلّ شخص في الشركة. ما الذي يجب عليك إخفاؤه؟ إذا كنت تثق بهم بشكلٍ كافٍ لتوظيفهم ولأن تجعلهم يتعاملون مع عملائك، يمكنك الوثوق بهم في أي شيءٍ آخر بخصوص الشركة. الشفافية أيضًا تعزّز الابتكار، لأنه عندما يكون الموظّف قادرًا على رؤية ما يحدث في الشركة على نطاقٍ واسع، سيستطيع التفكير فيما يجب تطويره وتحسينه.
وجود الهدف
ببساطة، يجب أن يكون الموظف قادرًا على الإجابة على سؤال "لماذا أنا هنا؟" أعطِ موظّفيك أسبابًا ليستيقظوا إلى عملهم في الصباح. بدلًا من أن تقول: "نحن نبيع البرمجيّات" قًل "نحن نُحسّن من بيئة عمل مستخدمي تطبيقاتنا" مثلًا . ركّز على القيمة، وليس على المنتج فحسب. أراهن أنّ شركتك لها رؤية وقيم جوهرية يمكن أن تغرسها في موظّفيك، ركّز دائمًا على تعزيزها ومخاطبة الموظّفين انطلاقًا منها. تذكّر الموظّفين لسبب وجودهم في شركتك في المقام الأوّل سيقلّل احتماليّة تركهم للخدمة بها.
سأختم هذا المقال بتقريرٍ أعدّه مركز التقدم الأمريكي ( The Center for American Progress) عن الخسائر الفادحة التي يسببها دوران الموظّفين.
هناك العديد من الطرق البسيطة لتقليل دوران الموظّفين والمحافظة عليهم والتي تقود إلى امتلاك موظّفين أكثر رضًا وإنتاجيّة. هل لديك نصائح أخرى لمشاركتها معنا حول دوران الموظّفين؟ سنسعد برؤيتها في خانة التعليقات.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال 3Ways To Reduce Employee Turnover لصاحبه Jacob Shriar.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.