في الباب الثالث من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال، سنتطرق إلى أحد أهم المواضيع البارزة حديثا، والتي تتعلق بشكل مباشر بالمنافسة في ظل وجود الأسواق العالمية. حيث سننطلق بهذا الباب من هذا المقال بعرض أهم ما جاء في مفاهيم التجارة العالمية بالنسبة للدول.
استكشاف المهن التجارية
مايك شلاتر -دومينوز بيتزا-
هناك ما يزيد على 14000 متجرٍ ل دومينوز بيتزا (Domino's Pizza) حول العالم، ويعد مايك شلاتر؛ نائب الرئيس التنفيذي للقسم الدولي في تلك المؤسسة، وقد تبوأ شلاتر منصب رئيس متجر دومينوز بيتزا في كندا، حيثُ أدار أكثر من 440 متجرًا. وينحدرُ شلاتر من ولاية أوهايو (Ohio) الأمريكية. وقدِ استهلَّ مسيرته المهنية مع دومينوز بيتزا كسائق توصيلِ طلبات، ثم ترقّى في السُلَّم الوظيفيّ، حتى بلغَ أعلى السلم الإداري. لقد احتفظ مايك شلاتر بمدخراته حتى غدا -بمساعدة أخيه- قادرًا على تنفيذِ أولِ عقدِ امتياز دوليٍّ لدومينوز بيتزا في وينيبيغ (Winnipeg)؛ وهي عاصمة ولاية مانيتوبا (Manitoba) الكندية في العام 1983. وفي غضون أسابيع -فقط- وصلت مبيعاتُ متجره مستوىً فاقَ أعلى مبيعاتٍ حققها متجرُه السابق في ولاية أوهايو، ولكنها كانت بداية محفوفة بالصعوبات؛ إذِ احتاج إلى التعرف إلى المورَّدين الدوليين، والحصول على موافقةٍ لهم لبيع منتجاتهم لدومينوز، ويمثِّلُ ذلك أحد التحديات التي تواجه الشركاتِ عند دخولها السوق الدولية، وعلى الشركات إجراءُ مراجعاتٍ مكثفةً مع المورِّدين الجدد المحتملين، والتنسيق -معًا- فيما يتعلق بنوعية المنتجات، وذلك حفاظًا على معايير الجودة التي تحمي سمعةَ العلامة التجارية. وبحلول العام 2007 كان شلاتر، وأحد شركائه، قد وحَّدا كافة الامتيازات تحت مظلة شركةٍ واحدة. وها هو اليوم يتبوأ رئاسة شركة دومينوز كندا (Domino's Canada, Ltd)؛ التي تُدير ما يزيد على 440 متجرًا، تتوزع على كافة المقاطعات الكندية، إضافة إلى إقليم يوكون، (Yukon) والأقاليم الشمالية الغربية (Northwest Territories)، في كندا.
الصورة 3.2: متجر دومينوز (حقوق الصورة محفوظة للسيد بلو ماو ماو/ فليكر).
وقد يُخيَّلُ لبعض الناس أن مسيرةً مهنية كهذهِ، ما هيَ إلا ضربة حظ، ولكنَّ شلاتر نجحَ بفضل تصميمه، واعتنائه بأدق التفاصيل. لقد كان شلاتر محبًّا للأعمال الخيرية، فقد ربح ذات مرة مبلغًا وقدره 250 ألف دولار في سحب اليانصيب، وبوصفه محبًّا لفعل الخير فقد تبرَّع بالمبلغ المذكور كاملًا، لصالح مدرسة كاردينال كارتر هاي سكوول (Cardinal Carter High School) الواقعة في بلدته. وعبر سنواتٍ عديدة، تبرَّع شلاتر بملايين الدولارات لصالح الجمعيات الخيرية، ومنها جمعية لندن للعلوم الصحية (London Health Sciences Foundation) والآن، وبعد توقيعه عقودًا كبيرة؛ صعد من خلالها على أعلى سُلَّم الشركة لصالح دومينوز بيتزا. وقدِ انتقل شلاتر وهو أبُ لثلاثة أطفال، من ويبينيغ الكندية، إلى مقاطعة إسكس في الولايات المتحدة، وبعدما اشترى عقدَ الامتياز الرئيس لصالح كندا، أراد العيش قرب الحدود؛ لأن إحدى بناته كانت ترتادُ مدرسةً خاصة في أوهايو، وأخرى في إحدى الجامعات هناك. وأصحابُ الامتياز المعتمدون لدومينوز بيتزا على مستوى العالم؛ هم مجموعة من الأفراد، أوِ الكيانات، تتحكم في كافة العمليات ضمن حدود بلدٍ ما، وفقًا لاتفاقات تراخيصٍ تُبرَمُ مع دومينوز بيتزا؛ حيث يديرون متاجرهمُ الخاصة، ويرسمون هيكلية التوزيع المناسبة لنقل المواد إلى داخل ذلك البلد، وضمن حدوده، بناء على عقود امتيازٍ فرعية. هذا ويتمتع أصحاب الامتياز الرئيس بشبكة واسعة من العلاقات العامة داخل محيط منطقة نفوذهم، كما يؤكد المؤلف على أن إحدى أكبر التحديات التي تواجه شركةً ما تُؤسَّسُ على أراضي دولة أجنبية؛ تلك المنصبّة على الاختلافات السياسية، والثقافية، والاقتصادية في تلك الدولة. وتتيح الامتيازات الرئيسة لدومينوز بيتزا، ولأصحاب الامتياز، الاستفادةَ مما لدى كليهما من خبرة محلية في إدارة استراتيجيات التسوق، وفي المسائل السياسية، والتنظيمية، وسوق العمل المحلية. فالأمر يحتاجُ إلى خبرةً بالأحوال المحليةً؛ مثل معرفة نسبة من يمتلكون هواتف على سبيل المثال، فإن كانت قليلة، فإن ذلك يجعل المسؤولين في دومينوز بيتزا يركزون في ذلك البلد على خدمة الزبائن الذين يأتون بأنفسهم لأخذ الطعام. وكذلك الحال بالنسبة لبعض الدول التي تغير أسماء شوارعها ثلاث مرات خلال فترات وجيزة؛ مما يضع الشركة أمام تحديات كبيرة في سبيل نجاح خدمة التوصيل، ومن تلك التحديات -أيضًا- عدم وجود مقابل لبعض المصطلحات في بعض الدول التي تعمل فيها دومينوز بيتزا، مثل كلمة ببروني (Pepperoi)، وهي واحدةً من أشهر اللحوم التي تُضاف إلى وجبات طعام معينة. تلك بعض العقبات التي كان على دومينوز بيتزا تذليلها، للمضي في سبيل تصدُر زعامة خدمات توصيل البيتزا على مستوى العالم. وبقيادةِ أناسٍ مثل شلاتر، وبمساعدة أصحاب الامتيازات الرئيسة المحليين المتفانين في عملهم؛ فقد غَدَتْ دومينوز بيتزا قادرةً ليس فقط على المنافسة في مجال البيتزا، بل باتت رائدة خدمات التوصيل حول العالم.
التجارة العالمية بالنسبة للدول
لِمَاذا تعد التجارة الدولية مهمةٌ لدول العالم، وكيف يتم قياسُها؟
لَم يعُدِ امتلاكُ رؤيةٍ عالميةٍ مجرد خيار؛ بل أصبح اليوم شأنًا تجاريًا لا غنى عنه، وأن تكون هناك رؤية عالمية؛ معناه التعرف على الفرص التجارية العالمية، والتفاعل معها، وإدراك التهديدات التي يمثلها المنافسون الأجانب في كافة الأسواق، والاستخدام الفعال لشبكات التوزيع؛ بغية الحصول على المواد الأولية، ونقل المنتجات في شكلها النهائي إلى الزبائن، وعلى مديري الشركاتِ -إذا رغبوا في المنافسة على صعيد السوق المحلية، أو أرادوا التعرف على الفرص التجارية العالمية، والتفاعل معها- تطوير رؤية عالمية، محكمة، ودقيقة، وغالبًا ما تكون الشركاتٌ الأجنبية سببًا في أعتى أشكال المنافسة المحلية؛ التي تواجهها شركةٌ في دولةٍ ما، وعلاوة على ذلك، تمكِّنُ الرؤية العالمية المديرين من إدراك؛ أن ثمة زبائن، وشبكات توزيع -على المستوى العالمي- باتت تلغي الحدود الجغرافية، والسياسية، بحيث لم تعد تلك الحدود ذات أهمية بالنسبة للقرارات الاقتصادية، وخلال العقود الثلاثة الماضية، قفزتِ التجارةُ الدولية من 200 مليار دولار في السنة، إلى أكثر من 1.4 تريليون دولار، وتلعب الشركات في مختلفِ الدولِ دورًا رئيسًا في هذا النمو التجاري الدولي؛ فهناك على سبيل المثال 113 شركة دولية ضمن قائمة مجلة فورتشن 500 السنوية، تحقق أكثر من 50% من أرباحها خارج موطنها الرئيس، ومن بين تلك الشركات؛ شركاتٌ معروفة مثل آبل، ومايكروسوفت، وفايزر، وإكشون موبيل، وجنرال إلكتريك.
وتعد شركة ستاربكس واحدة من أسرع الشركات نموًّا على المستوى العالمي، وأحدى أكثر الشعارات الثقافية التجارية مشاهدةً خارج موطنها الأصلي، ومن بين 24000 متجر يتبع تلك الشركة؛ فهناك ما نسبته 66% منها متاجر عالمية، تسهم في إيراداتٍ كبيرة للشركة، والتي ارتفعت من 4.1 مليار دولار في عام 2003، إلى 21.3 مليار في العام 2016.
وتعبيرًا عن البساطة، والتلقائية؛ فقد لا تحتاج بعض الشركات مزيدًا من الإنفاق على الشكل الخارجي لمقارها، فإذا توجهت مثلًا إلى ماكدونالدز باريس، فإنك لا تكاد تدرك شيئًا من تلك المظاهر اللافتة للنظر؛ فلا قناطر ذهبية، ولا كراسيَ، ولا طاولات، ولا غير ذلك من التجهيزات البلاستيكية؛ كتلك التي نشاهدها عادة في محلات ماكدونالدز؛ إذ تعرضُ المطاعمُ جدرانًا من الطوب، والأرضيات الخشبية، والكراسي، كما أن بعض محلات ماكدونالدز الفرنسية قد أنشأت جدران رخامٍ زائفة، ولكن، وفي المقابل، فإن معظم تلك المطاعم لديها شاشات عرض تلفزيونية، تبث من خلالها فيديوهاتٍ موسيقيةً بشكل مستمر، وفي هذه الأجواء؛ يمكنك أن تطلُبَ قهوة إسبريسو، أو دجاجًا في سندويش محضَّر من خبز فوكاشيا ليست موجودة في أمريكا.
وليستِ التجارةُ الدولية طريقًا ذا اتجاهٍ واحد، تبيع فيه الشركاتُ الوطنيةُ وحدها السلع، والخدمات على امتداد العالم؛ ففي الماضي؛ كانتِ المنافسةُ الأجنبية في السوق المحلية قليلة نسبيًا؛ أما اليوم، فنكاد نلحظُها في كل المجالات تقريبًا، ومن الأمثلة الحية على ذلك، وعلى أرض الواقع، فقد بات المصنعون الأمريكيون -مثلًا- للأدوات الكهربائية، والكاميرات، والسيارات، والخزفيات، والجرارات، والسلع الجلدية، ومجموعة من المنتجات الاستهلاكية، والصناعية الأخرى -يجتهدون في الحفاظ على مراكزهم في مواجهة المنافسين الأجانب؛ فشركة تويوتا -مثلًا- تسيطر على 14% من سوق السيارات في الولايات المتحدة، تليها شركة هوندا ب 9%، ثم شركة نيسان بنسبة 8%، وجميع تلك الشركات يابانية، وبالرغم من ذلك، فقد أتاتِ السوق العالمية فرصًا جديدة، وواسعة للشركات الأمريكية خارج موطنها الأصلي.
أهمية التجارة الدولية بالنسبة للولايات المتحدة
هناك العديد من الدول التي تعتمد على التجارة الدولية أكثر مما تفعلُ الولايات المتحدة؛ إذ تحصل فرنسا، وبريطانيا العظمى، وألمانيا، -مثلًا- على أكثر من 55% من ناتجها المحلي الإجمالي من التجارة الدولية، بينما لا تحصل الولايات المتحدة من التجارة الدولية إلا على 28% من ناتجها الإجمالي المحلي، وبالرغم من ذلك، فللتجارة الدولية أثر عظيم على اقتصادِ الولايات المتحدة للأسباب التالية:
-
شهدتِ الأعمالُ المعتمدة على التجارة، نموًا يعادل ثلاثة أمثال الأعمال غير المرتبطة بالتجارة داخل الولايات المتحدة.
-
حققت جميع الولايات نموًا في مجال الأعمال ذات الصلة بالتجارة.
-
للتجارة تأثيرٌ يطال كلًّا من الأعمال التصنيعية، والخدمية.
وقد يبدو أن هذه الإحصاءات تشير -من الناحية العملية- إلى أن كل شركة في الولايات المتحدة، تبيع سلعها على المستوى العالمي، ولكن معظم تلك الشركات يمثله قطاعُ أعمالٍ كبير، إذ يجري شحن ما نسبته 85% من كافة صادرات الولايات المتحدة المصنَّعة من خلال 250 شركة، ومع ذلك، فإن نسبة 98% من كافة المصدِّرين؛ هي شركات صغيرة، أو متوسطة الحجم.
تأثير ما يُسمّى الإرهاب على التجارة الدولية
لقد أدَّت أحداثُ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001؛ التي استهدفتِ الولايات المتحدة، وتلك التي طالت مقر صحيفة شارلي إبدو في باريس من العام 2015 -إلى تغيير الطريقة التي يمارس العالمُ فيها التجارة، وقد كان الانكماش الدولي التجاري قصير الأمد؛ أحد التداعيات المباشرة لتلكما الحادثتين، وبالرغم من ذلك؛ فقد مضت العولمة قُدُمًا؛ لأنّ الأسواق العالمية الرئيسة؛ أخذت في الاندماج الحيوي؛ الذي جعلها عصيَّةً على التوقف؛ ولكن الإرهاب قد أدى إلى جعلِ النمو أكثر بطأً، وأكثر تكلفةً.
وباتتِ الشركاتُ تدفع المزيد من الأموال للتأمين على العاملين لديها، وعلى ممتلكاتها في الخارج، كما أن التفتيشُ المشدَّد على الحدود يلعب دورًا كبيرًا في إعاقة تدفق السلع؛ مجبرًا الشركات على وضع مزيد من تلك السلع داخل مخازنها، كما أن السياسات المتشددة تجاه الهجرة؛ قد قيدت التدفَّقَاتِ الحرةَ للعاملين من ذوي الياقات الزرقاء، وذوي الكفاءات العالية. وعلى الرغم من احتمال تضاؤل التأثير الذي يحدثه الإرهاب، إلا أن تلك الشركات المتعددة الجنسيات، ستظل متيقظة على الدوام.
قياس التجارة بين الدول
تعزز التجارةُ الدولية العلاقاتِ بين الأصدقاء، والحلفاء، وتساعد في تخفيف التوتر بين الدول، وعلى الصعيد الاقتصادي؛ تقوي التجارة الدولية اقتصاداتِ الدول، وترفع مستويات المعيشة فيها، وتوفر فرص العمل، وترتقي بجودة الحياة، وتُقدَّرُ قيمة التجارة الدولية بأكثر من 16 تريليون دولار في السنة، وهي آخذةٌ في النمو، ومن الجدير بالذكر أن هذا القسمُ يسلط الضوء على بعض المعايير الرئيسة، المستخدمة في قياس التجارة الدولية، وهي: الصادرات والواردات، والميزان التجاري، وميزان المدفوعات، وأسعار الصرف.
الصادرات والواردات
تعد الدول المتقدمة اللاعب الرئيس في التجارة الدولية؛ ويُقصّد بالدول المتقدمة هنا؛ تلك الدول التي تمتلك أنظمةَ اتصالاتٍ، وتوزيعٍ، ومالية، وتعليمية متطورة، وتمثل صادرات تلك الدول ووراداتُها 70% من حصة العالم، فالصادرات: هي السلع، والخدمات التي تُنتَج في دولة ما، وتُباع إلى دولٍ أخرى، أما الوارداتُ: فهي السلع والخدمات التي تتلقاها دولة ما من دول أخرى. وتحتل الولاياتُ المتحدة المرتبة الأولى على مستوى العالم؛ بوصفها أكبر مُصدِّرٍ، وأكبر مورِّد.
وتُصِّدرُ الولايات المتحدة كل عام من الأطعمة، وأغذية الحيوانات، والمشروبات، أكثر من العام الذي يسبقه، ويُكرَّسُ ثلث المساحات الزراعية في الولايات المتحدة للمحاصيل التي يجري تصديرُها، كما تعد الولايات المتحدة مُصدِّرًا رئيسًا للمنتجات الهندسية، وغيرها من المنتجات عالية التقنية؛ مثل: الحواسيب، ومعدات الاتصالات. وتوفر التجارة الدولية فرصًا مثيرة للاهتمام، ومدرّة للأرباح لأكثر من 60 ألف شركة أمريكية، غالبيتها شركات صغيرة، ومن بين أكثر الشركات الأمريكية تصديرًا للسلع، والخدمات آبل، وجنرال موتورز، وفورد، وبروكتر وغامبل (Procter & Gamble)، وسيسكو سيستمز (Cisco Systems).
وبالرغم من مجموعة الموارد الضخمة التي لدى الولايات المتحدة، والتنوع المذهل من المنتجات التي تقدم، فالواردات التي تتلقاها تشهدُ نموًّا، ومن بين تلك الواردات: مواد خام تعاني شُحًّا فيها مثل: المنغنيز، والكوبالت، والبوكسيت؛ التي تُستخدَم في صناعة أجزاء الطائرات، والمعادن التي تتطلب صناعتها تقنيات عالية، والعتاد العسكري. وتنظر المصانعُ المتطورة لتكاليف العمل المنخفضة في الدول الأخرى، فتفضل استيرادَ اللوازم الصناعية (مثل الصُّلب) ومعدات الإنتاج، كونها أرخصَ من تصنيعها داخل الولايات المتحدة. كما تقوم الولايات المتحدة باستيراد معظمُ المشروبات الساخنة المفضَّلة من قبل الشعب الأمريكي؛ مثل: الشاي، والقهوة، والكاكاو، كما أن انخفاض تكاليف الإنتاج، ورخصه في الدول الأخرى؛ قد أدى إلى ارتفاعٍ كبير في الواردات القادمة من الصين.
الميزان التجاري
يُسمى الاختلافُ بين قيمة صادراتِ دولةٍ ما، وقيمة وارداتها خلال فترة محددة، بالميزان التجاري. فالدولة التي تُصدِّر أكثرَ مما تستورد يكون لديها توازنٌ تجاري لمصلحتها، وهو ما يُسمّى بالفائض التجاري، والعكس صحيح بالنسبة للدولة التي تستورد أكثر مما تصدّر، إذ يكون الميزان التجاري في هذه الحالة في غير صالحها، وهو ما يُسمّى بالعجز التجاري؛ فعندما تفوق الوارداتُ إلى دولةٍ ما صادراتِها، يتدفق مالٌ إلى خارج تلك الدولة بسبب التجارة، أكثر من المال الذي يدخل إليها.
وبالرغم من أن صادرات الولايات المتحدة تشهدُ انتعاشًا، فلا تزال تستورد أكثر مما تصدّر، فقد كان الميزان التجاري في غير صالح الولايات المتحدة في فترات التسعينات، وكذلك خلال أول عقدين من الألفية الجديدة؛ ففي العام 2016، بلغت صادراتُ الولايات المتحدة 2.2 تريليون دولار، في حين وصلت قيمة الواردات إلى 2.7 تريليون دولار؛ أي أنها قد شهدت عجزًا تجاريًا بلغ 500 مليار دولار. وتستمر صادراتُ الولايات المتحدة في النمو، ولكن ليسَ بالسرعة، ذاتها الخاصة بالواردات؛ فصادراتها من السلع، مثل الحواسيب والشاحنات، والطائرات، كبيرة جدًا. أما القطاع الأبطأ من ناحية التصدير فهو قطاع تصدير الخدمات، فبالرغم من أن الولايات المتحدة تصدّر العديد من الخدمات، مثل: رحلات الطيران، وتعليم الطلاب الأجانب، والمشورة القانونية؛ إلا أنها الأقل حظًّا في العائدات، حيث إن تلك الصادرات الخدماتية، تعاني من مشكلة القرصنة، التي تجعل الشركات إلى تحجم عن توزيع خدماتها في مناطق بعينها، ويقدّر مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) أن قيمة سرقات الملكية الفكرية من المنتجات، والكتب، والأفلام، والأدوية، تُقدَّر بالمليارات كل عام.
ميزان المدفوعات
هناك مقياسٌ آخر للتجارة الدولية يسمى ميزان المدفوعات؛ وهو خلاصة المعاملات المالية الدولية لبلدٍ ما، والتي تُظهِر الفرقَ بين المجموع الكلي للمدفوعات التي يدفعها ذلك البلد للدول الأخرى، وبين ما يتلقاه من مدفوعات تأتيه من تلك الدول، ويشمل ميزانُ المدفوعات الصادرات، والواردات (الميزان التجاري)، والاستثمارات طويلة الأمد في المصانع، والمعدات خارج البلد، والقروض التي تدفعها الحكومات لدول أخرى، وتلك التي تتلقاها منها، والمنح والمساعدات الخارجية، والنفقات العسكرية التي تجري في دول أخرى، والتحويلات المالية إلى المصارف الأجنبية ومنها.
لقد حققت الولايات المتحدة فائضًا تجاريًّا بين عامي 1900 و1970، أما في النواحي الأخرى التي تمثّل ميزان المدفوعات، فقد تخطى ما دفعته الولايات المتحدة ما تلقته من مدفوعات؛ فقد أسهم وجودها العسكري في الخارج في جزء كبير من تلك المدفوعات. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد عانت في كل عام تقريبًا بدءًا من العام 1950 من عجز في ميزان المدفوعات في غير صالحها. ومنذ العام 1970 لم يكن لا ميزان المدفوعات، ولا الميزان التجاري في صالح الولايات المتحدة. ولكن، ماذا بوسع دولة ما أن تفعله لتقليص العجز في ميزان مدفوعاتها؟ يمكنها تحقيق ذلك بتعزيز الصادرات، وتقليل اعتمادها على الواردات، وتقليص وجودها العسكري في الخارج، أو تقليل الاستثمارات الأجنبية، وقد تجاوز العجز في ميزان مدفوعات الولايات المتحدة 504 مليار دولار في العام 2016.
القيمة المتغيرة للعملات
سعر الصرف هو: قيمة عملة دولة ما، مقابل عملة دولةٍ أخرى. فإذا كانت قيمة عملة دولة ما، أعلى من قيمة عملة دولة أخرى، فبوسع الدولة الأولى أن تشتريَ بعملتها مقدارًا من عملة الدولة الثانية أكثر من الذي تدفعه بعملتها، والعكس صحيح؛ فلو كانت قيمة عملة الدولة الأولى أقل من قيمة عملة الدولة الثانية، فستحتاج الأولى إلى دفع مبلغ بعملتها أكبر من المبلغ الذي تشتريه من عملة الدولة الأخرى.
ولتوضيح ذلك: هب أن سعرَ دولارٍ واحد مقابل ين واحد هو 0.012 دولار، وسعرَ سيارة تويوتا هو 2 مليون ين. فوفقًا لسعر الصرف هذا، يدفع مقيمٌ أمريكي 24000 دولار لشراء سيارة تويوتا (0.012 دولار × 2 مليون ين= 24000 دولار). أما لوِ انخفضت قيمة الدولار مقابل الين فأصبحت 0.018 دولار لكل ين، فعلى ذلك الأمريكي في هذه الحال دفعُ 36000 دولار لشراء سيارة تويوتا.
وفي حال انخفضت قيمة الدولار، ترتفع أسعار السلع اليابانية بالنسبة للمقيمين الأمريكيين، فيشترون بالتالي بضائع يابانية أقل، ويؤدي ذلك إلى انخفاض الواردات إلى الولايات المتحدة، وفي المقابل، يؤدي انخفاض قيمة الدولار مقابل الين إلى ارتفاع قيمته مقابل الدولار، وينتج عن ذلك انخفاض قيمة السلع الأمريكية بالنسبة لليابانيين، الذين يشترون سلعًا أمريكية أكثر في هذه الحال، فترتفع صادرات الولايات المتحدة بفعل ذلك.
وتخضع أسواق العملات لما يسمى سعر الصرف العائم، الذي بموجبه ترتفع قيمة العملات، وتنخفض بحسب العرض، والطلب الخاص بكل عملة، ويحدد تجارُ العملة العالميون العرضَ، والطلب الخاص بكل عملة بناءً على الاستثمارات، والفرص التجارية، والقوة الاقتصادية ذات الصلة بتلك العملة، وفي حال قررت دولةٌ ما أن قيمة عملتها لا يجري تقديرها بشكل صحيح في أسواق العملات العالمية، يمكن لحكومة تلك الدولة التدخل، وتعديل قيمة عملتها. وبموجب ما يسمى تخفيض قيمة العملة (devaluation)، تخفض دولة ما قيمة عملتها بالنسبة لعملات الدول الأخرى، ويجعل ذلك من صادرات تلك الدولة أرخص، ويجب أن يعيد التوازن إلى ميزان مدفوعاتها.
وفي حالاتٍ أخرى، قد تخفض دولة ما من قيمة عملتها؛ لإعطاء صادراتها مزايا تنافسية غير عادلة، ويعتقد كثيرون أن ذلك يقف جزئيًا وراء ضخامة الفائض التجاري الصيني مقارنة بالأمريكي، وفي العام 2017 أصدرت وزارة التجارة الأمريكية تقريرًا فصّلت فيه كيف اتهمتِ الصينَ بممارسة إغراق السوق الأمريكية بالصُّلب، إضافة إلى تقديمها مساعدات مالية للشركات الصينية لإنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ (ستانلس ستيل)، وتصنيعه، وتصديره إلى الولايات المتحدة من جمهورية الصين الشعبية.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Competing in the Global Marketplace) من كتاب introduction to business
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.