اذهب إلى المحتوى

بينما تمشي في يوم مشمس يوقفك أحد المارة في الشارع ويطلب منك أن تقترح عليه مشروبًا باردًا ليشربه في هذا الجو الحار، ما هو المشروب الذي ستقترحهُ عليه؟ هل ستقترح عليه كوكاكولا أم بيبسي؟ غالبًا أنك ستقترح عليه إحدى هاتين العلامتين أو كلاهما! شيء آخر خطر في بالك؟ ولكن ما الذي جعلك تفكر في هذه العلامات التجارية عندما سئلت عن المشروبات الباردة؟ علمًا أن السائل لم يسأل عن المشروبات الغازية وإنما سأل عن المشروبات الباردة عمومًا؟ ما الذي يجعل بعض العلامة التجارية تخطر على بالنا في بعض المواقف أكثر من علامات تجارية أخرى؟

يُعرف الوعي بالعلامة التجارية بأنه تذكر علامة تجارية معينة خلال موقف ما، عادة ما تنفق الشركات ملايين الدولارات لتضمين علاماتها التجارية في أذهان عملائها (خصوصًا اللاوعي)، وبالفعل نجحت الكثير من العلامات التجارية في أن تصبح في مفرداتنا اليومية، ويعد الوعي بالعلامة التجارية الخطوة الأولى لتحديد مكانة علامتك التجارية في السوق، وهي عملية مستمرة لا تساعد فقط في الحصول على المزيد من العملاء ولكن أيضًا تحافظ على العملاء الحاليين لشراء المزيد من المنتجات لاحقًا، وبالرغم من أن امتلاك الوعي لا يعني دائمًا أن الناس سيشترون منتجات علامتك التجارية إلا أن العلامة التجارية ستدخل مجموعة الوعي Awareness Set أو المجموعة المستحضرة Evoked Set أو مجموعة الاعتبار Consideration Set (سنشرح كل واحدة منها بالتفصيل لاحقًا في هذا المقال).

إن بناء علامة تجارية ناجحة لا يحدث بين عشية وضحاها وإنما يتطلب الكثير من الجهد والبحث لبناء شيء فريد يحظى بإعجاب العملاء. بناء هوية العلامة التجارية ثم رعاية علامتك التجارية ثم زيادة الوعي بها وتطوير تجربة العملاء جميعها من الخطوات الإضافية التي ستساعدك على بناء قيمة علامتك التجارية Brand Equity، وفي حال عدم وجود وعي بالعلامة التجارية فلن يفكر المستهلك أبدًا في شراء منتجات علامتك التجارية إلّا في حالات نادرة (مثل حالة الشراء الاندفاعي والذي يعد نوعًا من أنواع الشراء التي تحدثنا عنها بالتفصيل في مقال مفهوم قرار الشراء وأنواعه يمكنك الاطلاع عليه لمزيد من المعلومات)، ولكن عند زيادة الوعي بالعلامة التجارية ستقلل من اعتمادك على المصادفة لأنك ببساطة ستزرعُ علامتك التجارية في أدمغتهم رغمًا عنهم.

يعد الوعي بالعلامة التجارية أصلًا من أصول الشركة وينظر إليه مثل الأدوات المادية والبشرية من معدات وأجهزة ومواد وموظفين كما أنه يعلب دورًا أساسيًا في التقييم المالي للشركة Business Valuation، ولفهم أشمل لمكانة الوعي بالعلامة التجارية يجب أن نطلع على الصورة الكاملة للموضوع، وفي هذا الصدد لا بدّ من الإشارة إلى البحث المميزة للدكتور عبد الله عوض "بناء نموذج لمحددات قيمة العلامة التجارية" Building Brand Equity Model، الذي اقترح فيه نموذجًا شموليًا لكيفية بناء قيمة للعلامات التجارية من خلال ربطها مع المفاهيم التالية:

  1. الوعي بالعلامة التجارية Brand Awareness
  2. الوعي بالسعر Price Awareness
  3. الوعي بالإعلان Advertising Awareness
  4. الارتباطات الذهنية للعلامة التجارية Brand Association
  5. الجودة المدركة Perceived Quality
  6. الصورة الذهنية للعلامة التجارية Brand Image
  7. الثقة بالعلامة التجارية Brand Trust
  8. الولاء للعلامة التجارية Brand Loyalty
  9. قيمة العلامة التجارية Brand Equity

الوعي بالعلامة التجارية

اعتمد الباحث على أكثر من 20 بحث علمي ليثبت صحة وجهة نظره، وليربط المفاهيم مع بعضها بعضًا لتتشكلَ لدينا الصورة الكاملة لكيفية بناء قيمة حقيقية للعلامة التجارية.

سنستعرض في هذا المقال مفهوم الوعي بالعلامة التجارية ماهيته وأنواعه تأثيره وأهميته، كما سنستعرض دور الوعي بالسعر والوعي بالإعلان كمؤثرين على الوعي بالعلامة التجارية في المقالات القادمة لنشرح في نهاية المطاف جميع العناصر المؤثرة في قيمة العلامة التجارية.

الوعي بالعلامة التجارية Brand Awareness

يعرف الوعي بالعلامة التجارية هو مدى معرفة مجموعة مستهدفة من الناس للعلامة التجارية وربطها بفئة منتجات معينة. ويعرف أيضًا بأنه مدى قدرة العملاء على تذكر علامة تجارية معينة أو التعرف عليها في ظروف مختلفة، وعمومًا يحدث الوعي بالعلامة التجارية عندما يُقدمُ العميل على:

  • معرفة العلامة التجارية وهي بجانب العلامات التجارية الأخرى أثناء التسوق.
  • التحدث لأصدقائه بخصوص فئة المنتج.
  • قراءة أو سماع إعلان العلامة التجارية ومعرفتها.
  • قراءة العميل لأخبار العلامة التجارية ومتابعته لها وما إلى ذلك.
  • شراء العميل منتجات العلامة التجارية.

يعد الوعي بالعلامة التجارية أحد الاعتبارات الرئيسية في سلوك المستهلك وإدارة الإعلانات وإدارة العلامات التجارية. تعد قدرة المستهلك على التعرف على العلامة التجارية أو استرجاعها أمرًا أساسيًا لاتخاذ قرار الشراء، ولا يمكن متابعة الشراء ما لم يكن المستهلك على علم أولًا بفئة منتج ومكانة العلامة التجارية ضمن تلك الفئة، لا يعني الوعي بالضرورة أن المستهلك يجب أن يكون قادرًا على تذكر اسم علامة تجارية معينة، ولكن يجب أن يكون قادرًا على تذكر السمات المميزة الكافية لمتابعة الشراء مثل الابتكار والأناقة لمنتجات آبل والقوة والمتانة لمنتجات توشيبا …إلخ.

مستويات الوعي بالعلامة التجارية

تتعدد مستويات الوعي بالعلامة التجارية بحسب المستهلكين ومدى تأثرهم بالرسالة الإعلانية والمنتجات والجودة المدركة لها، وعمومًا يكون مستويات الوعي على الشكل التالي:

  1. التعرف على العلامة التجارية Brand Recognition: وهي قدرة المستهلكين على التعرف على العلامة التجارية وتمييزها عن العلامات التجارية الأخرى وليس بالضرورة أن يتذكر العميل الاسم، وإنما التعرف عليها عند رؤيتها في المتجر.
  2. تذكر العلامة التجارية Brand Recall: وهو استدعاء تلقائي للعلامة التجارية من الذاكرة عندما يطلب العميل منتج من فئة منتجات ما. في الحقيقة لا يستطيع معظم المستخدمين أن يتذكروا أكثر من 3-5 أسماء تجارية إذ يتأثر الأمر بعدة عوامل مثل مستوى التعليم وتاريخ الاستخدام واستراتيجيات التسويق المستخدمة من قبل الشركة …إلخ.
  3. العلامة التجارية الأولى في الذاكرة Top of Mind: وهي أول علامة تخطر في ذهن المستهلك في فئة منتجات معينة.
  4. العلامة التجارية المسيطرة Brand Dominance: وهي العلامة الوحيدة التي يتذكرها المستهلك.

يذكر أن هنالك بعض التصنيفات الأخرى لمستويات الوعي مثل:

  • معرفة العلامة التجارية Brand Knowledge: وهي معرفة المستهلك بما تشير إليه العلامة التجارية.
  • الآراء عن العلامة التجارية Brand Opinion: وهي وجود رأي للمستهلك حول العلامة التجارية مثل هذه العلامة التجارية راقية أو ذات جودة عالية …إلخ.

وعمومًا يعد التصنيف الأول الأكثر شمولية ووضوحًا. يمكن أن تختلط المفاهيم بين استدعاء العلامة التجارية والتعرف عليها ولكنهما يختلفان في حقيقتهما، فمثلًا عندما تعتمد أهداف الحملات الإعلانية على التعرف على العلامة التجارية، يجب أن يُظهر التنفيذ الإبداعي تغليف منتجات العلامة التجارية أو اسم المنتجات، بينما عندما تعتمد أهداف الحملات على استدعاء العلامة التجارية فيجب أن نركز تقوية الارتباط بين فئة المنتج والعلامة التجارية.

يستخدم المعلنون أيضًا الأناشيد أو الموسيقى الإبداعية لدعم استذكار المستهلكين للعلامة التجارية وغيرها من طرق تشجيع استدعاء العلامة التجارية، وفي حال كانت جميع الرسائل الإعلانية ناجحة ومناسبة ستتمكن هذه العلامة من الوصول إلى العلامة التجارية الأولى في الذاكرة، وبعدها تبدأ رحلة تمكين العلامة وتقويتها في ذهن العميل لتسيطر على فئة المنتج وبعدها يصبح العميل يعرف تمامًا ماهية العلامة التجارية وأسباب وجودها ورسالتها وفي حال اقتناعه بها سيتشكل لديه رأي إيجابي عن هذه العلامة ويمكن أن يشارك هذا الرأي مع أصدقائه أو أقاربه.

يرتبط الوعي بالعلامة التجارية ارتباطًا وثيقًا بمفاهيم مجموعات العلامات التجارية في ذهن المستهلك، وعمومًا لتتوضح الفكرة أكثر ألقِ نظرة على هذه الصورة التالية:

علاقة الوعي بالعلامة التجارية بمجموعات العلامات التجارية في ذهن المستهلك

تنتقل العلامات التجارية بين المجموعات بحسب معرفة المستهلك بهذه العلامات وتحتوي كل مجموعة على العلامات التجارية التالية:

  1. مجموعة كل العلامات التجارية في السوق Complete Market Set: كل العلامات التجارية التي لها منتجات تحل المشكلة أو تلبي الحاجة التي يواجهها المستهلك.
  2. مجموعة الوعي Awareness Set: وهي مجموعة العلامات التجارية التي يعرفها المستهلك من خلال بحثه.
  3. المجموعة المُستحضرة Evoked Set: وهي مجموعة العلامات التجارية التي يعرفها المستهلك ويعرف بأنها تحل له المشكلة أو تلبي الحاجة التي يواجهها، وهي مخزنة في ذاكرته.
  4. مجموعة الاعتبار Consideration Set: وهي مجموعة صغيرة من العلامات التجارية التي يوليها المستهلك اهتمامًا وثيقًا عند اتخاذه لقرار الشراء لحل مشكلة أو تلبية الحاجة التي يواجهها.

تُعرف عملية نقل المستهلكين من الوعي بالعلامة التجارية والموقف الإيجابي للعلامة التجارية إلى البيع الفعلي باسم التحويل Conversion، بالرغم من أن الإعلان يعد أداة ممتازة لبناء الوعي وتشكيل موقف إيجابي تجاه العلامة التجارية إلا أنه يتطلب عادة دعمًا من عناصر أخرى في برنامج التسويق لتحويل المواقف إلى مبيعات فعلية، مثل عروض الأسعار الخاصة والعروض الترويجية الخاصة أو ضمانات استرداد الأموال بعد الشراء في حال عدم الإعجاب بالمنتج.

في الحقيقة من الأدوار المركزية للإعلان هي خلق الوعي بالعلامة التجارية وتشكيل صورة ذهنية لها، من أجل زيادة احتمالية تضمين العلامة التجارية في المجموعة التي يثيرها المستهلك أو يأخذها بعين الاعتبار عند تفكيره بالشراء.

لا يتعلم المستهلكون عن المنتجات والعلامات التجارية من الإعلان وحده بل يكتسب المستهلكون معلومات من مجموعة متنوعة من المصادر مثل نصائح الأهل والأصدقاء أو فيديوهات المراجعات وغالبًا ما يتخذون قرارات الشراء بعد البحث عن معلومات حول فئة المنتجات، وسيُصبح المستهلكون على دراية بعدد أكبر من العلامات التجارية التي تُعرف مجتمعة باسم مجموعة الوعي Awareness Set، وتتغير مجموعة الوعي مع اكتساب المستهلكين لمعلومات جديدة لتنتقل بعدها إلى المجموعة المُستحضرة.

وفي حال كانت بعض العلامات التجارية مثيرة للاهتمام بالنسبة للمستهلك، فستدخل هذه العلامات إلى مجموعة الاعتبار. في الحقيقة إن إدخال العلامة التجارية في مجموعة الاعتبارات هذا هو الهدف النهائي لكل جهة تسويق أو علامة تجارية طموحة.

تأثير الوعي بالعلامة التجارية على قرارات الشراء ذات المشاركة المنخفضة

تعرف المشاركة المنخفضة في قرار الشراء Low Involvement Buying Decision بأنها عمليات الشراء التي لا تتطلب سوى القليل من التفكير مثل شراء المنتجات الغذائية والأدوات المنزلية، بينما تكون المشاركة العالية في قرار الشراء High Involvement Buying Decision عندما يبحث المستهلك عن المعلومات الدقيقة ويوازن بين البدائل لتكوين الاتجاه المبدئي قبل عملية الشراء، وتتأثر عملية الشراء منخفضة المشاركة في الوعي القوي للعلامة التجارية ويرجع سبب انخفاض المشاركة في عملية الشراء عندما يفتقر المستهلكون إلى أحد الخيارات التالية:

  1. الدافع لشراء المستهلك وتمييزه للمنتج.
  2. قدرة المستهلك العلمية والمعرفية على الشراء.
  3. الظروف الملائمة للشراء.

سنستعرض كل واحدة منها بالتفصيل.

1. الدافع لشراء المستهلك وتمييزه للمنتج

بالرغم من أن المنتجات والعلامات التجارية تكون ذات أهمية حاسمة للمسوقين، لا يهتم المستهلكون بالمنتج أو الخدمة واختيار العلامة التجارية في العديد من الفئات ليس قرارًا مصيريًا بالنسبة لهم لذلك من المرجح أن يؤدي عدم وجود اختلافات ملحوظة بين العلامات التجارية في فئة منتجات معينة إلى ترك المستهلكين غير متحمسين بشأن عملية الاختيار ولذلك في هذه الحالة يجب التركيز على زيادة وعي المستهلك وماهيّة الاختلافات بين المنتجات بطريقة مبسطة وسهلة وسريعة.

2. قدرة المستهلك العلمية والمعرفية على الشراء

لا يمتلك المستهلكون في بعض فئات المنتجات المعرفة أو الخبرة اللازمة للحكم على جودة المنتج حتى لو رغبوا في ذلك، ومن الأمثلة الواضحة هي المنتجات التي تتمتع بدرجة عالية من التطور التقني، مثل معدات الاتصالات السلكية أو اللاسلكية المزودة بأحدث الميزات، ففي هذه الحالة لن يتمكن المستهلكون من الحكم على الجودة حتى في الفئات منخفضة التقنية. ضع في اعتبارك طالب الكلية الذي لم يضطر حقًا للطهي أو التنظيف من قبل، أو التسوق في ممرات السوبر ماركت بجدية لأول مرة، أو المدير الفني الجديد الذي أضطر على إجراء عملية شراء باهظة الثمن لأول مرة. الحقيقة هي أن المنتج غالبًا ما يكون غامضًا للغاية ويصعب الحكم عليه بدون قدر كبير من المعرفة والخبرات السابقة.

في مثل تلك الحالات، سيستخدم المستهلكون أي طريق مختصر أو إرشادي يمكنهم التوصل إليه لاتخاذ قراراتهم بأفضل طريقة ممكنة، وفي بعض الأحيان يختارون ببساطة العلامة التجارية الأكثر دراية بها ووعيًا بها.

3. الظروف الملائمة للشراء

في بعض الأحيان تظهر بعض الظروف المفاجئة أمام إمكانية شراء المستهلك للمنتج مثل ضيق الوقت المستهلك أو أي ظروف أخرى خارجية تعيق عملية الشراء في هذه الحالة يمكن أن يعتمد المستهلكين على الاستدلال العقلي مثل الوعي بالعلامة التجارية للوصول إلى اختيار العلامة التجارية.

أهمية الوعي بالعلامة التجارية

يعد الوعي بالعلامة التجارية أحد المؤشرات الرئيسية لأداء الشركات في الأسواق؛ بل يعد أحيانًا دليلًا أوليًا لمدى قدرة العلامة التجارية على النجاح. يعتمد قرار الشراء لدى المستهلكين على جزء كبير من الوعي، ولأن المستهلكين لن يضعوا بعين الاعتبار العلامات التجارية التي ليسوا على دراية بها عند قرار الشراء، عكفت الشركات الكبيرة بالاهتمام بزيادة انتشار الوعي بمنتجاتها أما بالنسبة للشركات والعلامات التي ما تزال مترددة في ذلك فهذه أبرز النقاط التي تجعل الوعي محورًا أساسيًا للشركات في عصرنا الحالي:

1. الوعي القوي بالعلامة التجارية يفتح القلوب والمحافظ

تعرف العلاوة السعرية Price Premium بأنها النسبة المئوية التي يكون فيها منتجك أغلى من منتجات الشركات المنافسة. تطمح الشركات لرفع أسعارها ورؤية المستهلكين يتمسكون بها حتى بعد رفع السعر، وبالرغم من أنه يُنظر لهوامش الأرباح العالية بأنها خطر محدق على وجود الشركة، ولكن في الحقيقة يمكن للعلامة التجارية التي تتمتع بوعي جيد لجودة منتجاتها أو ميزتها التنافسية عمومًا أن تفلت من ذلك، فمثلًا اذهب إلى أي مركز تجاري وشاهد أي إمرأة اشترت عطرًا أو حقيبة من حقائب تابعة لعلامة تجارية فخمة هل ستجدها نادمة؟ أم أنها تتباهى بها؟ في الحقيقة هذا السلوك ليس طبيعيًا فحسب، بل متوقع منها! لأن الشركة استطاعت إقناع النساء برفع توقعاتهم من منتجات العلامة التجارية وهكذا وضعت الشركة نفسها في مكانة مميزة جعلها تطلب أسعارًا أعلى بدون أن تخسر زبائنها.

مثال آخر عن رفع سعر المنتجات وهي منتجات شركة آبل الأغلى ثمنًا بين منتجات منافسيها كيف استطاعت رفع سعر منتجاتها بالرغم من أن التوجه العام للسوق هو للأجهزة الأرخص ثمنًا، فتكمن الإجابة في قصة علامتها التجارية والمكانة الخاصة بها وتجربة استخدام المنتج ووعود الشركة للمستهلكين.

في الحقيقة ركزت شركة آبل على تصميم منتجات عالية الجودة كميزة تنافسية أساسية لها، وهذا ما صرح عنه الرئيس التنفيذي للشركة تيم كوك لموقع بيزنز إنسايدر Business Insider أن "هناك دائمًا جزءًا كبيرًا من السوق غير المرغوب فيه" -في إشارة غير مباشرة منه إلى الأجهزة التجارية التي ينتجها المنافسون- وأردف أيضًا "ولكن شركة آبل لا تتاجر بالخردوات".

عزز تيم كوك -وستيف جوبز قبله- من خلال تصاريحه للمساهمين رسالة شركة آبل الراسخة بأن الجودة لها ثمنها. ومن الواضح أن السوق استجاب جيدًا لهذه الفكرة، وبالفعل عندما أجرت قناة CNBC في عام 2012 دراسة استقصائية حول عدد الأجهزة التي لدى الأسر الأمريكية فوجدت بأن الأسرة الأمريكية لديها في المتوسط 1.6 جهاز من أجهزة آبل، وتخطط ربع هذه الأسر لشراء ربع جهاز (بمعنى يوجد أسرة من كل أربع أُسر من العدد الإجمالي للأسر ستشتري جهاز آبل على الأقل) في العام المقبل أي زيادة الإقبال على أجهزة آبل بالمجمل.

أما بالنسبة لكيفية تأثير العلامة التجارية على محبة المستهلكين لأمر معين نذكر تجربة الشركة الأمريكية إير بي إن بي Airbnb والتي تعد مثالًا رائعًا عن ذلك، إذ تدير الشركة سوقًا عبر الإنترنت للسكن، يمكن المستخدمين (المضيفين والمستأجرين) من الإقامة مع عائلات لقضاء الإجازات والأنشطة السياحية، ويمكن لأصحاب البيوت إيجار الغرف والمنازل التي لا تلزمهم، فيمتد نشاط الشركة على أكثر من 190 دولة حول العالم. تتنافس Airbnb مع آلاف الفنادق ومواقع السفر، ومع ذلك بدلًا من محاولة المنافسة على السعر، قرر المؤسسون التنافس على العلامة التجارية الأمر الذي جعل لها تأثيرًا كأئيبًا في أول عامين لها بحسب تصريح أحد مؤسسي الشركة جو جيبيا Joe Gebbia لأنه شيء جديد آنذاك أن تشارك شقتك مع شخص غريب تمامًا، ولكن بدأت علامة Airbnb التجارية في تمثيل سلسلة من القيم التي حددها المسافرون وهي الاهتمام بالمجتمع والأصالة والاكتشاف والتعاطف الأمر الذي ساعد في بناء مصداقية للعلامة التجارية وسرعان ما أصبحت الشركة وكيلًا بين شخصين يريد أحدهما خدمة الآخر.

يساعد الوعي بالعلامة التجارية الشركات على تغيير قواعد المنافسة من خلال ترسيخ قيم في أذهان المستهلكين وتعزيزها الأمر الذي يجعل المستهلكين لا يركزون على كيفية تكديس المواصفات الفنية للمنتجات المنافسة وإنما التركيز على رسالة العلامة التجارية، وهذا الأمر يجعل من المستهلكين مرنين مع هدف من أهداف العلامات التجارية وهي الاستجابة المرنة لارتفاع الأسعار وهي إحدى المزايا الأساسية لتطوير العلامة التجارية.

2. تشجيع العملاء على تبني تجارب ومنتجات جديدة

عندما أطلقت شركة آبل Apple أول جهاز آيباد iPad استغرب الناس من منطق وجود هذا الجهاز والمغزى منه لأنه جاء كمفهوم جديد آنذاك، إذ ليس بحجم هاتف الآيفون iPhone لأنه أكبر منه وليس مثل حاسوب ماك بوك MacBook إذ هو أصغر منه، ومع ذلك سرعان ما تقبل الناس الجهاز وكان من أكثر المنتجات مبيعًا للشركة في رد فعل مفاجئ للسوق، ليحقق جهاز آيباد iPad مبيعات في عام 2013 أكثر من 93 مليون جهاز مباع.

في الحقيقة خلصت العديد من الدراسات إلى أن العلامات التجارية القوية يمكنها تسريع تبني التكنولوجيا الحديثة وتحسين التصور لأداء المنتج. بالإضافة إلى ذلك يمكننا أن نلاحظ مدى انتشار اسم آيباد بين الناس على كل جهاز بهذا الحجم بالرغم من استخدام بقية الشركات لاسم جهاز لوحي أو تاب Tab أو هاتف كبير وهذا يدل على مدى ترسخ الاسم الأول لهذه الفئة من الأجهزة في أذهان المستهلكين.

تعد نظارات غوغل Glass Explorer من أفضل الأمثلة على أن المستهلكين لم يكونوا مستعدين لتجربة شيء جديد فحسب، وإنما يمكنهم أن يدفعوا مبالغ عالية لقاء وصول حصري لبعض المنتجات، ففي عام 2013 فتحت شركة غوغل الوصول لعدد محدود من المقاعد للمشاهدة الحصرية لنظارتها مقابل 1500 دولار أمريكي فقط! في الحقيقة استطاعت شركة غوغل توليد قدر كبير من الثقة لدرجة أنها جذبت آلاف المستكشفين والمطورين المتلهفين للتصنيع والتغيير والإبداع باستخدام أحدث المنتجات لذلك كانوا على استعداد لدفع 1500 دولار (بالإضافة إلى الضرائب) لاختبار نظارات غير جاهزة للطرح في الأسواق، ولا نستغرب أبدًا من هذا التوجه للناس لأن العلامة التجارية القوية تجعلها ذات مصداقية.

كما أن فضول المستكشفين والمطورين والمنافسين أيضًا سيدفعُهم لمعرفة كيفية استخدام الشركات الكبرى لبراءات الاختراعات التي تنتجها والتراخيص الإبداعية الممنوحة لها، لكي يتنافسوا معها أو يسارع المطورون في كسب شريحة جماهير جديدة، إذ تكسب العلامات التجارية القوية الثقة اللازمة لتقديم منتجات جديدة ويرحب بها فوريًا من قاعدة عملائها على عكس المنتجات التي لا تنتمي لعلامة تجارية.

3. أصول ثابتة للشركات وتسهيل رحلة تعلم المستهلك

تتنامى أهمية الوعي بالعلامة التجارية في وقتنا الحالي وهو يعد من أهم أصول الشركة، فمثلًا في عام 1957 نشر شاب يدعى آرثر فرومر دليل سفر بعنوان أوروبا مقابل 5 دولارات في اليوم "Europe on $5 a Day" مستفيدًا من خبرته أثناء وجوده عضوًا في استخبارات الجيش الأمريكي في أوروبا آنذاك، وسرعان ما نمت العلامة التجارية لفرومر Frommer بسرعة لتصبح إمبراطورية تضم أكثر من 300 دليل وفي عام 1977 اهتمت شركة Simon & Schuster بشركة فورمر واشترت حقوق نشر أدلة السفر. ومن ثم في عام 2001 اشترت شركة John Wiley & Sons شركة فورمر لينتهي الأمر بشراء شركة غوغل Google هذه الأدلة في عام 2012، وكانت الشائعات قوية بأن غوغل تهدف لقتل أدلة السفر المطبوعة، وبالرغم من صعود وهبوط العلامة التجارية إلا أن قيمتها معترف بها تمامًا وهذا في الحقيقة ما دفع الشركات بصورة متكررة إلى شراء الشركة ودفع الثمن الأمر الذي يثبت بأن العلامة التجارية القوية تتجاوز تقلبات السوق.

ينتشر الوعي بالعلامة التجارية من خلال قنوات مثل الإحالات والعلاقات العامة والأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك، وإذا نجحت أحد الحملات الإعلانية، فيمكن أن ينتشر الوعي كالنار في الهشيم، وتصبح العلامة التجارية موضوع نقاش وينشأ مجتمعًا يناقش طريقة استخدام منتجات العلامة التجارية الأمر الذي يساعد على زيادة انتشار المعلومات حول المنتجات وإزاحة المسؤولية عن العلامة التجارية لتثقيف المستهلكين حول طريقة الاستخدام. فمثلًا في بدايات شركة تيك توك TikTok لم تعلن الشركة عن نفسها مطلقًا وإنما نشر مستخدموها الوعي من خلال مقاطع الفيديو الخاصة بهم أي من خلال التسويق الشفهي.

كما أن الوعي يخلق تصورًا إيجابيًا في أذهان العملاء ويخفّض من منحى التعليم للمستهلكين الجدد الأمر الذي يساعد على استقطاب مستهلكين آخرين. رأينا جميعًا الشركات الأسطورية تغرق مرارًا وتكرارًا مثل نوكيا سوني أريكسون وكوداك وغيرها، ولكن بطريقة ما فإن العلامة التجارية ذات المكانة الجيدة لا تزال تحمي الشركات لفترة زمنية جيدة ويمكن جدًا أن تنقذك علامتك التجارية في يوم من الأيام، وفي بعض الأحيان تقدر قيمة الشركات المفلسة بالملايين لمجرد أن قصة علامتها التجارية كانت قيمة في زمن من الأزمان.

4. الوعي ميزة تنافسية واختصارات في عقل العملاء

العلامات التجارية القوية تبني حواجز عالية لدخول المنافسين والعلامة التجارية الراسخة تعزز ميزتك التنافسية من خلال منع الآخرين من الاستيلاء على حصتك السوقية بسهولة، فمثلًا اعتاد السفر الجوي أن يكون صناعة ذات حواجز عالية وعدد قليل من المنافسين يمكنهم دخول هكذا نوع من الأسواق ولكن في الآونة الأخيرة تغيرت قواعد هذا السوق وشهد دخول الكثير من شركات الطيران الجديدة، وبدأت المنافسة على السعر تظهر من جديد واشتعلت حُروب العلامات التجارية ولكن شركة فيرجن أمريكا Virgin America أحبت أن تتميز في هذا السوق من خلال بناء تجربة عملاء أنيقة ورائعة وهذا ما صرح عنه أحد ملاك الشركة ريتشارد برانسون وفريقه على أن الشركة تعتمد على الأسعار المخفضة وتجربة العملاء الأنيقة والرائعة.

سرعان ما أصبحت تجربة العملاء تلك ضمنية في قصة العلامة التجارية فيرجن أمريكيا بالإضافة إلى المزيد من المميزات مثل الوصول في الوقت المحدد، وتقليل رفض صعود المسافرين للرحلات، والتقليل من عدد الحقائب المفقودة أو التي يتعامل معها بطريقة سيئة مع الحرص على منع هذه الحالات تمامًا. في الحقيقة منح الإحساس القوي بالعلامة التجارية لشركة فيرجن ميزة تنافسية في السوق ولم يستطع أقرب منافسيها من أن يماثلها بعد لتُقيّم لاحقًا كأفضل شركة طيران شابة في الولايات المتحدة من حيث الجودة خلال عام 2013.

في عالم سريع الخطى غالبًا تشكل العلامات التجارية القوية اختصارات عند اتخاذ القرارات للمستهلكين، ضع في اعتبارك آخر مرة ذهبت فيها لشراء دواء من الصيدلية، لنفترض مثلًا أنك تشعر بالمرض وتعلم أن كل ما تحتاجه هو مسكن للآلام، وتريد جلب مسكن للآلام من الصيدلية ولكن في الصيدلية يوجد على الأقل 20 علامة تجارية لمسكنات الآلام التي لا تحتاج لوصفة طبية، فكر معي بسرعة ماذا ستطلب؟ ما العلامة التجارية الأولى التي فكرت فيها للتو؟ هل فكرت في بانادول أو سيتامول؟ إن العلامة التجارية الأولى التي خطرت في ذهنك وأنت تحاول حل المشكلة المطروحة هي العلامة التجارية الأولى في ذاكرتك Top of Mind.

في المثال السابق كانت المشكلة فيزيائية والألم الذي فكرت فيه جسدي، لكن فكر في الاحتياجات والمشاكل الأخرى التي تتطلب قرار الشراء. فكر في الألم الذي تحاول علامتك التجارية حله، معظم العلامات التجارية الراسخة لم تظهر فجأة وتصبح اختصارات في عقول عملائها. بل إنها وضحت المشكلة في البداية وعالجتها بمنتجاتها وهكذا أصبحت اختصارات مريحة للمستهلكين ومربحة جدًا للعلامات التجارية، ومن خلال التواصل الفعال حول ماهية علامتك التجارية وما تقدمه فإنك تبني معرفة تتداول وتتوارث بين مجتمعات المستهلكين.

5. دخول العلامة التجارية لمجموعة الاعتبار وللمصطلحات اليومية للمستهلك

إن رفع الوعي بالعلامة التجارية يزيد من احتمالية دخول العلامة التجارية إلى مجموعة الاعتبار. في الحقيقة أظهرت الكثير من الأبحاث أن المستهلكين نادرًا ما يكونون مخلصين لعلامة تجارية واحدة وإنما لديهم مجموعة من العلامات التجارية التي يفكرون في شرائها ومجموعة أخرى -ربما أصغر- من العلامات التجارية التي يشترونها فعليًا بصورة منتظمة. نظرًا لأن المستهلكين يفكرون عادةً في عدد قليل من العلامات التجارية للشراء، فإن التأكد من وضع العلامة التجارية في الاعتبار يجعل العلامات التجارية الأخرى أقل احتمالية للنظر فيها أو استرجاعها.

بالإضافة إلى ذلك، العلامة التجارية ذات التموضع لمناسب والوعي الصحيح يمكن أن تدخل إلى حياة المستهلك اليومية، فمثلًا منذ الانتشار الكبير لمحرك البحث غوغل في أوائل القرن الحادي والعشرين أصبحت كلمة غوغل في معظم أحاديث الناس للإشارة إلى البحث والاستكشاف الأمر الذي جعل معاجم اللغة الإنكليزية تضيف الفعل "Google" على أنه فعل يفيد بحثّ الشخص على الانترنت، نرى أيضًا ذلك في بعض المجتمعات العربية عندما تستخدم الفعل "غوغلها" للتعبير عن البحث والاستقصاء على الإنترنت، فلاحظ أن العلامة التجارية دخلت عميقًا في حياة المستهلك الأمر الذي يجعل استبدالها صعبًا جدًا وأشير إلى أنه لم يُضف أي معجم للغة العربية كلمة غوغل حتى الآن كما في المعاجم الإنجليزية.

6. تفضيل المستهلكين للعلامة التجارية وتعزيز ثقتهم بها

يعزز الوعي بالعلامة التجارية ثقة المستهلك فمثلًا عندما ترى أشخاصًا يتفاعلون مع علامة تجارية ويتمتعون بتجربة جيدة فإن ذلك يبني ثقتك في هذه العلامة التجارية حتى لو لم تجربها بعد. لنفترض مثلًا أنك زرت دولة ذات ثقافة مختلفة عن المكان الذي نشأت فيه ووجدت ثلاثة مطاعم مختلفة؛ اثنان من المطاعم المحلية لهذا البلد، وواحد من المطاعم الموجود فعلًا في بلدك، في الحقيقة هناك احتمال كبير بأنك ستذهب إلى المطعم الأخير حتى ولو لم تأكل من فرع المطعم الذي في بلدك، ولكنك تعرف بعض المعلومات عن العلامة التجارية أو يمكن أن تكون عائلتك تناولت من هذا المطعم سابقًا الأمر الذي شكّل لديك معلومات أولية عن العلامة التجارية أو ببساطة أنت تثق في ممارسات النظافة الخاصة بهذا المطعم، وهكذا أنت فضلت العلامة التجارية التي لديك وعي بسيط بها عوضًا عن العلامات التجارية الأخرى التي يمكن أن تكون أفضل من التي في بلدك.

كما سيُؤثر الوعي بالعلامة التجارية على تفضيلها عن شبيهاتها من العلامات التجارية في مجموعة الاعتبار، حتى لو لم يكن هناك أساسًا ارتباطات أخرى لتلك العلامات التجارية. فغالبًا ما يبني المستهلكين قرار الشراء أحيانًا من العلامات التجارية ذات الشهرة الواسعة والراسخة، وغالبًا ما يتخذ المستهلكين خيارات بناءً على اعتبارات الوعي بالعلامة التجارية عندما يكون لديهم مشاركة منخفضة.

الخاتمة

تعرفنا في هذا المقال على الوعي بالعلامة التجارية وفهمنا مستوياته وتأثيره على قرارات الشراء ذات المشاركة المنخفضة وتعمقنا في فهم أهمية الوعي وضرورة بنائه في أذهان المستهلكين وختامًا يعد الوعي أصلًا من أصول العلامة التجارية وكلما زاد وعي الناس بالعلامة التجارية زادت قيمتها.

سنتابع في المقال القادم أهمية الوعي بالإعلان والوعي بالسعر وطرق بناء الوعي بالعلامة التجارية.

المصادر

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...