سنتابع في هذا المقال من سلسلة مدخل إلى عالم الأعمال، توضيح كيفية حماية الوكالةُ الفدرالية لضمان الودائع وأموالَ المُودِعين.
لقد عَمِلَ النظامُ المصرفي في الولايات المتحدة بطريقة جيدة منذ إنشاء نظام الاحتياطي الفدرالي في العام 1913 وحتى انهيار سوق الأوراق المالية الذي حصل في العام 1929 والكساد الكبير Great Depression الذي أعقبَ ذلك، وقد نتجَ عن إفلاس الشركات -الذي سبَّبتهُ تلك الأحداث- نقصٌ كبيرٌ في النقد نجمَ عن إسراع الناس إلى سحب أموالهم من البنوك، وقد أفلس العديد من البنوك المتعطشة إلى النقود؛ لأنّ الاحتياطي الفدرالي -وكما كان متوقعًا- لم يُقرِضها المال، كما لم تكنِ الجهودُ الحكومية لمنعِ إفلاس البنوك فاعلة بما يكفي لتحقيق ذلك، وعلى مدى السنتين التاليتين، أفلس 5,000 بنك، وهو وما يمثّلُ 20% من عدد البنوك الإجمالي.
وقد جعلَ الرئيسُ الأمريكيُّ الأسبق فرانكلين روزفلت Franklin Roosevelt تعزيزَ النظام المصرفي أولويةً بالنسبة له، فبعدَ تسلُّمِه مقاليد الرئاسة في العام 1933، أعلنَ عن عطلة تُقفَل فيها جميعُ البنوك ليتسنّى له اتخاذ إجراءاتٍ تصحيحيةً، ثُمَّ أقرَّ الكونغرس الأمريكي قانون البنوك Banking Act في العام 1933، والذي فوَّضَ نظامَ الاحتياطي الفدرالي بتنظيم البنوك وإصلاح النظام البنكي، أما أهمُّ ما تضمَّنهُ القانون المذكور، فكان إنشاءَ ما يُسمّى الوكالة الفدرالية لضمان الودائع Federal Deposit Insurance Corporation بهدف ضمان الودائع الموجودة في البنوك المركزية، كما فوَّضَ قانونُ عام 1933 الاحتياطي الفدرالي بسلطة وضع شروط الاحتياطي، ومنعِ الفوائد على الودائع تحت الطلب، وتنظيمِ معدلات الفائدة على الودائع لأجَل، ومنعِ البنوك من الاستثمار في أنواع محددة من الأوراق المالية، وفي العام 1934، جرى تشكيل ما يُسمّى الوكالة الفدرالية لضمان المدخرات والقروض Federal Savings and Loan Insurance Corporation وذلك بهدف ضمان الودائع لدى جمعيات الادخار والقروض، وعندما أفلست الوكالة المذكورة في ثمانينات القرن العشرين، وتولّتِ الوكالةُ الفدرالية لضمان الودائع Federal Deposit Insurance Corporation مسؤوليةَ إدارة الصندوق الذي يضمن الودائع الموجودة لدى جمعيات الادخار والقروض.
أما اليوم، فتتضمَّنُ صناديقُ ضمان الودائع الرئيسة كُلًا مما يأتي:
- صندوق ضمان الودائع Deposit Insurance Fund: يُدارُ من قبل الوكالة الفدرالية لضمان الودائع، ويوفر هذا الصندوقُ ضمانَ ودائع للبنوك التجارية ومؤسسات التوفير.
- الصندوق الوطني للتأمين على أسهم الاتحادات الائتمانية The National Credit Union Share Insurance Fund: يُدار من قبل الإدارة الوطنية لاتحاد الائتمان National Credit Union Administration، ويوفر هذا الصندوق ضمانَ ودائع للاتحاداتِ الائتمانية.
دور الوكالة الفدرالية لضمان الودائع
تُعدُّ الوكالة الفدرالية لضمان الودائع شركةً مستقلةً، وشِبهَ عامّة، تحظى بثقة حكومة الولايات المتحدة وائتمانها الكامِلَين، وتشرف الوكالة المذكورة على حوالي 4000 من البنوك وبنوك التوفير وتُفتِّشُها، ويمثل ذلك الرقمُ أكثرَ من نصف المؤسسات في النظام المصرفي هناك، كما تضمن تلك الوكالةُ تريليونات الدولارات في صورة ودائع في البنوك، ومؤسسات التوفير في الولايات المتحدة -ضد الخسارة في حال إفلاس واحدة من المؤسسات المالية المشمولة بذلك الضمان. وتكفل تلك الوكالةُ جميعَ البنوك الأعضاء في نظام الاحتياطي الفدرالي، إذ يبلغُ سقفُ الودائع المشمولة بالضمان 250,000 دولار لكل حساب، ويدفع البنكُ المشمول بذلك الضمان أقساطَ تأمينٍ تُحدَّد بنسبةٍ مئوية من الودائع المحلية للبنك ذي الصلة، وفي العام 1993، تحوَّلتِ الوكالة الفدرالية لضمان الودائع من نظام السعر الثابت flat rate for deposit insurance فيما يخصُّ ضمانَ الودائع، إلى نظام الأقساط القائم على المخاطر risk-based premium system، وذلك بسبب حالات الإفلاس الكثيرة التي شهدتها بنوكٌ ومؤسساتُ توفيرٍ، خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، ويدّعي بعضُ الخبراء أن هناكَ بنوكًا تخاطر كثيرًا لأنها تنظر إلى ضمان الودائع بوصفه شبكة أمانٍ بالنسبة للمودعين لديها؛ وهو ما عدَّه كثيرون سببًا للعديد من حالات إفلاس البنوك المبكرة.
تنفيذ القانون من قبل الوكالة الفدرالية لضمان الودائع
تضعُ الوكالة الفدرالية لضمان الودائع مبادئ توجيهيةً للبنوك، كما تراجع السجلّاتِ الماليةَ والممارساتِ الإدارية، وذلك بهدف ضمان عملِ تلك البنوك بنزاهةٍ وتحقيقِها للأرباح، ويُجري مفتِّشو البنوك تلك المراجعاتِ في زياراتٍ مفاجِئة، فيُقيِّمونَها وفقًا لمدى التزامها بالأنظمة التي تحكم الخدماتِ المصرفية؛ ومن الأمثلة على تلك الأنظمة: قانونُ فُرص الائتمان المتعادل Equal Credit Opportunity Act الذي يحظر على البنوك رفضَ إقراض الناسِ أموالًا بسبب لونهم، أو دينهم، أو انتمائهم الوطني، كما يُقيِّمُ المُفتِّشون الوضعَ المالي الإجمالي للبنك، ويُركِّزونَ على نوعية القروض وممارسات الإدارة في ذلك البنك، وعلى أرباحه، والسيولة المتوفرة لديه، وما إذا كان لدى البنك رأسَ مالٍ كافيًا (حقوق ملكية) لدعم نشاطاته دعمًا آمِنًا.
فإذا استنتجَ مُفتِّشو بنكٍ ما أنه يعاني من مشاكل مالية جدّية، فيمكن للوكالة الفدرالية لضمان الودائع اتخاذُ عدة تدابير بسبب ذلك، فقد تُقرِض ذلك البنكَ مالًا، أو توصي بأن يُدمَجَ ببنكٍ وضعُه الماليُّ أفضل، أو تُلزِمُ ذلك البنك باتباعِ ممارساتٍ إداريةٍ جديدة، أو باستبدال مديريه، أو قد تشتري الوكالةُ المذكورةُ قروضًا من ذلك البنك، أو تُزوِّدُه برأسِ مالٍ سهميٍّ إضافي، كما يمكن للوكالة الفدرالية لضمان الودائع تغطيةُ جميع الودائع الموجودة لدى بنكٍ يعاني من صعوبات، بما فيها الودائع التي تتجاوز 250,000 دولار، وذلك بهدفِ استعادة ثقة الجمهور في النظام المالي.
ولأنّ نتائج الأزمة المالية التي سادتِ الفترةَ بين عامَي 2007 و 2009 ما زالت تؤثر في الأسواق المصرفية المالية في الولايات المتحدة وخارجها، هذا، وتعمل الوكالة الفدرالية لضمان الودائع عن كثب معَ الاحتياطي الفدرالي لضمان استمرار البنوك في الحفاظ على ميزانيات عمومية سليمة؛ وذلك عبر "فحص" ملاءَتِها بصورة دائمة، ومع أنَّ مستقبل الإجراءات التنظيمية في قانون دود-فرانك كان ما يزال مفتوحًا أمام التكهُّنات في العام 2017؛ غير أنَّ للاعتقاد بأن البنوك- وغيرها من المؤسسات المالية- "أكبر من أن تُفلِس" نتائجُ ذاتُ تأثيرٍ إيجابيٍّ على البنوك والمعاملات المالية، مع وجود أملٍ في إمكانية اجتنابِ أزمةً ماليةً مثل تلك مستقبلًا.
ترجمة -وبتصرف- للمقال Insuring Bank Deposits من كتاب introduction to business.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.