اذهب إلى المحتوى

تأثير قيمة العلامة التجارية على سلوك المستهلك


ريمة ضافري

تحدثنا في مقالنا السابق عن مفهوم قيمة العلامة التجارية، واكشفنا تعريفها من عدة زوايا، وكان الأمر أشبه باستيعاب وصفة لطبق شهي، فما الذي سيحدث إذا أخذت هذه الوصفة وطبقتها في مطبخك؟ هذا ما سنتناوله في مقالنا الحالي.

لنتخيل معًا بأنك تتجول في سوق للخضر والفواكه، وتمر برواق يبيع فيه التجار فاكهة التفاح، فتشاهد بائعَيّن، أحدهما يعرض صندوقًا خشبيًا متواضعًا مع لافتة بسيطة كتب عليها عبارة "تفاح طازج - 2 دولار للرطل"، أما البائع الآخر فيستخدم لافتات ملونة تتمايل في الهواء، تعرض صورًا زاهيةً لتفاح شهي، ووجه فلاح ودود، مع عبارة "ألذ تفاح من البساتين الراقية- 4 دولار للرطل"

ما تلاحظه هنا هو أن كلا التاجرين يبيعان التفاح، لكن البائع الثاني بعلامته التجارية اللامعة نجح في مضاعفة سعر منتجه، وربما تتساءل، لماذا يدفع شخص ما أكثر في هذه الحالة؟ والجواب يكمن في القيمة المدركة للعلامة التجارية، فالمستهلك لا يشتري التفاح فقط، بل يستثمر في تجربة النضارة والجودة وربما الارتباط العاطفي مع المزارع، فقيمة العلامة التجارية هي التي تدفع المستهلكين إلى اختيار التفاح الأغلى ثمنًا بدل التفاح العادي.

خلال هذا المقال، سنتعرف على الأوجه المختلفة التي تعكس التأثير الواقعي لقيمة العلامة التجارية على سلوك المستهلك، وكيف يتشعب هذا الموضوع إلى جوانب إدراكه وولائه وسمعة الشركة صاحبة العلامة التجارية لديه.

من أين يبدأ تأثير قيمة العلامة التجارية على سلوك المستهلك؟

عندما نطلق علامةً تجاريةً فنحن نُسلح أنفسنا بأداة ذات تأثير عالٍ على سلوك المستهلك، إذ تؤثر العلامات التجارية على سلوك المستهلكين حسب قول خبير التسويق نيكولاس صامويل Nicholas Samuel، وذلك من خلال إيجاد طرق للتوافق مع الصورة الذاتية التي يرى بها المستهلك نفسه، وعرض مستويات سعادة وأنماط حياة يريد المستهلك أن يعيشها.

لتوضيح هذه الفكرة دعنا نتصور أن مستهلكًا يعشق الرشاقة ويعيش نمط حياة صحي ونشيط، يدخل ذات يوم إلى متجر يبيع الأدوات الرياضية ويشاهد زوجي أحذية رياضية، أحدهما يحمل بطاقة وصف كتب عليها "حذاء ركض مريح"، والآخر معروض بصورة مبهرة يُظهر أحذية ركض أنيقة وعالية التقنية يرتديها الرياضيون المحترفون، مع شعار ملفت "ارفع من أدائك". في هذه الحالة، فإن العلامة التجارية الثانية وضعت نفسها في توافق تام مع الصورة الذاتية التي يحملها هذا المستهلك عن نفسه، فهي تمثل نمط الحياة ومستوى الأداء الرياضي الذي يريد بلوغه، ما يدفعه إلى أن يكون أكثر ميولًا لاختيارها.

بناءً على ذلك، فإن تأثير العلامات التجارية على سلوك المستهلك يتوقف أساسًا على الطريقة التي يدرك المستهلك بها هذه العلامة والعلاقة التي يبنيها معها، وتُشكل العلامات التجارية هذا الإدراك من خلال الوجود الجذاب في محيط المستهلك لخلق حالة من الألفة، كما أنها تؤدي دورًا هامًا في تعزيز ولاء العملاء وزيادة المبيعات.

ولكن!

نحن في هذا المقال لا نريد أن نسترسل في تأثير العلامة التجارية على سلوك المستهلك، لكننا نريد أن نركز على تأثير قيمة العلامة التجارية كمفهوم منفصل على سلوك المستهلك، وهي علاقة معقدة نوعًا ما، ويمكن أن تبدو دائريةً إذا فكرنا في أن قيمة العلامة التجارية المرتفعة عادةً ما تكون نتيجة تجربة إيجابية مع منتج جيد يجذب المستهلك ويؤثر على خياراته وسلوكياته، والمنتج الجيد هذا يولد قيمة علامة تجارية مرتفعة مع مرور الزمن، مثل علامة رولكس Rolex لساعات اليد المعروفة بقيمتها المرتفعة، والتي يمكن أن يختار المستهلكون اقتناء إحدى ساعاتها رغم وجود خيارات أقل ثمنًا، فقط لأنهم يربطون قيمة علامتها التجارية المرتفعة بالرفاهية والجودة العالية والمكانة الاجتماعية، ولكن هل ساعات رولكس جيدة لأن قيمة علامتها التجارية مرتفعة؟ أو أن قيمة علامتها التجارية مرتفعة لأنها جيدة؟

يمكن بسهولة استيعاب كيف تولد المنتجات الممتازة علامةً تجاريةً عالية القيمة، ولنأخذ لتوضيح الفكرة أكثر شركة سامسونغ Samsung كمثال على توليد المنتجات لعلامة تجارية عالية القيمة، فمنتجاتها تتمتع بتصميم مبتكر وواجهة استخدام سهلة وأداء عالي الجودة، مما جعلها تحظى بشعبية كبيرة بين عدة مستهلكين وتكتسب سمعة قوية كمنتجات عالية الجودة والابتكار، واستطاعت سامسونغ Samsung من خلال تركيزها على تصميم وهندسة منتجات متميزة تفوق توقعات المستخدمين أن تبني علامة تجارية ذات قيمة عالية جداً، فالعلامة التجارية للشركة أصبحت ترتبط في أذهان المستهلكين بالجودة والابتكار والطراز الرفيع، مما جعل الكثير من المستهلكين على استعداد لدفع علاوات سعرية مرتفعة للحصول على منتجات الشركة، وبالتالي فإن تقديم منتجات ذات جودة وأداء متميز باستمرار يمكن أن يؤدي إلى بناء علامة تجارية عالية القيمة والسمعة لدى المستهلكين.

ولكن، هل يمكن أن تؤثر العلامة التجارية عالية القيمة على جودة المنتج؟ الجواب هو نعم، وسنعرض فيما يلي كيف تؤثر قيمة العلامة التجارية على جودة المنتجات والخدمات لكونها المحفز الأساس للسلوكيات الاستهلاكية، وننتقل بعد ذلك إلى تشريح الأبعاد الأخرى لتأثير قيمة العلامة التجارية على سلوك المستهلك.

أثر قيمة العلامة التجارية على جودة المنتج

أحيانًا، يشتري الأشخاص المنتجات التي تحمل علامةً تجاريةً معروفةً وعالية القيمة لأنهم يفترضون أن السعر الأعلى يعني جودةً أكبر، وبالتالي فإنهم يربطون بين الجودة وقيمة العلامة التجارية، وتُعد سيارات بورش Porsche مثالًا جيدًا على ذلك، فعلى الرغم من ارتفاع أسعار سيارات بورش مقارنةً بالعلامات التجارية الأخرى، إلا أن الكثير من المستهلكين يفضلون شراء تلك السيارات نظرًا لسمعة الشركة القوية عالية الجودة والأداء، لأنهم يربطون بين السعر المرتفع للسيارات مع جودتها العالية المتوقعة، لذلك يكونون على استعداد لدفع علاوة سعرية مقابل الحصول على سيارة تحمل علامةً تجاريةً مرموقةً وذات سمعة قوية في مجال السيارات، غير أن هذه العلاقة يمكن أن تكون أكثر تعقيدًا من ذلك.

بدايةً، تؤثر قيمة العلامة التجارية تأثيرًا كبيرًا على توقعات المستهلكين المتعلقة بجودة المنتج، فعندما ينظر المستهلك إلى علامة تجارية ما بأنها مرتفعة القيمة، فهو تبعًا لذلك يفترض أن المنتجات المرتبطة بها ذات جودة أعلى، وتخلق هذه التوقعات ضغوطات على العلامة التجارية لتستمر في تقديم منتجات عالية الجودة تتلاءم ومعايير المستهلكين، وتُعد علامة سوني Sony مثالًا جيدًا على ذلك، إذ تمتلك سوني علامةً تجاريةً قويةً في صناعة التكنولوجيا والإلكترونيات، كما أن تاريخها الطويل وسمعتها بالجودة والابتكار تولد لدى المستهلكين توقعات عالية بجودة منتجات سوني، فعندما يشترون تلفزيونًا أو جهاز تسجيل أو كاميرا فيديو من سوني، يتوقعون أن تكون هذه المنتجات على أعلى مستوى من الجودة والأداء، وتُعزَزُ هذه التوقعات بسبب سمعة سوني كشركة تابعة للتكنولوجيا الرائدة والمبتكرة، غير أنها تضع ضغطًا على سوني للابتكار وتقديم منتجات تلبي تلك التوقعات، وبالتالي، تواصل الشركة استثماراتها في البحث والتطوير وتحسين جودة منتجاتها للحفاظ على سمعتها ورضا عملائها.

من جهة أخرى، تُدرك العلامات التجارية مرتفعة القيمة الدور الهام الذي تؤديه جودة المنتجات في الحفاظ على سمعتها، ونتيجةً لذلك، فهي عادةً ما تخصص مواردًا هامةً لإجراءات ضمان الجودة، والتي تتضمن الفحوصات الصارمة، والالتزام بمعايير الجودة طيلة عملية الإنتاج، لضمان أن كل وحدة منتجة تستوفي متطلبات العلامة التجارية عالية الجودة، وكمثال توضيحي، فلنأخذ شركة تويوتا Toyota التي تولي اهتماماً كبيرًا لضمان جودة سياراتها نظرًا لقيمة علامتها التجارية كإحدى أكبر شركات تصنيع السيارات في العالم، فتويوتا تخضع منتجاتها لفحوصات دقيقة وصارمة في جميع مراحل الإنتاج، بالإضافة إلى اتباع معايير عالية لضبط الجودة في خطوط التصنيع، كما تستثمر الشركة في تدريب العاملين وتحديث المعدات لضمان التزام كل سيارة منتجة بمواصفات الجودة العالية التي تتوقعها العلامة التجارية، وساهم هذا الالتزام بإجراءات ضمان الجودة في الحفاظ على سمعة تويوتا كإحدى أكثر علامات السيارات موثوقيةً وجودةً في العالم.

إضافةً إلى ما سبق، ترتبط القيمة المدركة للعلامة التجارية ارتباطًا وثيقًا بسمعتها، وتُعد جودة المنتج عاملًا جوهريًا في هذه السمعة، فالعلامات التجارية عالية القيمة تضع في قمة أولوياتها حماية سمعتها والحفاظ عليها، كما أنها تدرك أن أي تنازل عن جودة المنتج يمكن أن يؤثر على صورتها لدى المستهلك وثقته بها، وهي أمور هامة للحفاظ على قيمة العلامة التجارية.

لنأخذ هنا مثال علامة تيفاني وكو Tiffany & Co، التي تُعَدّ واحدة من أشهر الشركات المتخصصة في صناعة المجوهرات والأزياء الفاخرة، والتي يدفع تاريخها الطويل وسمعتها بالجودة والتصميم الرفيع لدى العملاء توقعات عالية بجودة منتجاتها، فعندما يشتري العملاء مجوهرات من هذه العلامة التجارية، يتوقعون أن تكون هذه المنتجات مصنوعةً بأعلى درجات الحرفية والجودة، لذلك تستثمر الشركة في اختيار أفضل المواد والصاغة لضمان التفرد والتميز في منتجاتها، فهي تفهم جيدًا أبعاد سمعتها كشركة تابعة للمجوهرات الفاخرة مبنية على الجودة والتميز، وأن أي تراجع في جودة منتجاتها قد يؤثر سلبًا على مكانتها في سوق المجوهرات الفاخرة، لذلك، تجعل الجودة والتصميم الرفيع جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها للحفاظ على سمعتها كإحدى أرقى العلامات التجارية في عالم المجوهرات.

من منظور سياسات التسعير، تستطيع العلامات التجارية ذات القيمة المرتفعة فرض أسعار أعلى على منتجاتها، غير أن استراتيجية السعر الأعلى تتطلب تقديم جودة منتجات استثنائية لتبرير التكلفة المرتفعة، كما أن الشركات ذات العلامات التجارية المرتفعة تُدرك أن المستهلكين سيدفعون أكثر عندما يتصورون أن العلامة التجارية ترمز إلى الجودة، وهو ما يحفزها على الحفاظ على معايير جودة صارمة، فالعلامات التجارية المذكورة في الأمثلة السابقة جميعًا تدرك أنها بحاجة إلى المحافظة على معايير صارمة لضمان الجودة وتبرير الأسعار المرتفعة، لذلك تولي اهتمامًا كبيرًا بعمليات الفحص والاختبار لضمان تميز منتجاتها.

أما من منظور ابتكاري، فعادةً ما توجد علاقة قوية بين العلامات التجارية مرتفعة القيمة وبين الالتزام بالابتكار، إذ تستثمر الشركات المرتبطة بهذه العلامات التجارية في البحث والتطوير لإدخال أحدث التقنيات والمواد والخاصيات في منتجاتها، ويدعم هذا الالتزام بالابتكار جودة المنتج، كما يميز العلامة التجارية عن منافسيها.

لعل أهم مثال على ما ذكرناه هو شركة جوجل Google التي تعد واحدةً من أكبر العلامات التجارية مرتفعة القيمة في العالم والتي تلتزم بالابتكار في مجال التكنولوجيا الرقمية، وأثمر هذا الالتزام عن تطوير العديد من المنتجات والخدمات الشهيرة، مثل محركات البحث، ونظام التشغيل أندرويد، وخدمات البريد الإلكتروني وتطبيقات التواصل الاجتماعي. وتستخدم جوجل أحدث التقنيات والمواد في منتجاتها، إذ يساهم هذا الالتزام بالابتكار في تحسين جودة المنتجات، كما يدعم موقعها في السوق ويزيد من قدرتها التنافسية.

زيادةً على كل ما سبق، تعلم العلامات التجارية مرتفعة القيمة أن الحفاظ على جودة المنتجات هو عملية متواصلة، لذلك فهي تسعى باستمرار إلى جمع تعليقات المستهلكين والتعرف على توجهات السوق لتحسين منتجاتها، وتسمح هذه المقاربة بضمان الإبقاء على نوعية منتج متوافقة مع تفضيلات وتوقعات المستهلكين، وأحد أمثلة ذلك شركة لويس فويتون Louis Vuitton التي تُعَد واحدةً من العلامات التجارية الرائدة في مجال صناعة السلع الفاخرة، والتي تتمتع بقيمة علامة تجارية جد مرتفعة تضاهي الـ 51 مليار دولار.

تحرص الشركة على الحفاظ على جودة منتجاتها من خلال جمع تعليقات المستهلكين باستمرار عبر استطلاعات الرأي والمقابلات الشخصية، وإجراء بحوث السوق لفهم توجهات المستهلكين واحتياجاتهم، والتعاون مع مصممين وخبراء عالميين لضمان تطوير منتجات عالية الجودة تلبي توقعات المستهلكين، ولفهم كيفية تطبيق ذلك عمليًا، يمكن للشركة إجراء استطلاع رأي موجه لعملائها حول جودة حقائب اليد الخاصة بها، فإذا وجد الاستطلاع أن العملاء يرغبون في حقائب يد أكثر متانةً ومقاومة للماء، يمكن للشركة الاستجابة لهذا الاستطلاع، وتغيير تصميم وتصنيع حقائب اليد الخاصة بها، واستخدام مواد أكثر متانةً، أو إضافة طبقة مقاومة للماء على الحقائب، لتؤدي هذه التغييرات بالتأكيد إلى تحسين جودة حقائب اليد الخاصة بشركة لويس فويتون، مما يساهم في تعزيز رضا العملاء وزيادة قيمة العلامة التجارية.

انطلاقًا من هذه العناصر، يبدو جليًا أن هناك علاقة قوية -غير أنها ليست بالضرورة سببيةً- بين قيمة العلامة التجارية وجودة المنتج، لكن لماذا تهمنا هذه النقطة؟

المنتج أو الخدمة ذات الجودة المرتفعة هي محرك تجربة المستهلك الإيجابية، والتي تقود بدورها القيمة المدركة للمستهلك وسلوكه المستقبلي. فكر في علامة فيمتو Vimto التي تُعرف بتقديم مجموعة متنوعة من المشروبات، مثل المياه الغازية والعصائر، والتي تلقى رواجًا كبيرًا في الوطن العربي، عندما يشتري المستهلك منتجًا من فيمتو، فهو يتوقع جودةً عاليةً ومذاقًا لذيذًا وموادًا طبيعيةً، وإذا كانت تجربة المستهلك مرضيةً والمنتج يفوق توقعاته، فسيكون أكثر عرضةً لاختيار منتجات فيمتو مجددًا، كما يمكن أن ينصح بمنتجات فيمتو لأصدقائه وعائلته استنادًا إلى تجربته الإيجابية، مما يعزز سمعة العلامة التجارية ويؤثر على سلوك المستهلك على المدى البعيد.

وبالتالي، يمكننا الانطلاق من هذه النقطة إلى نقطتنا الموالية، حول تأثير قيمة العلامة التجارية على إدراك المستهلك.

أثر قيمة العلامة التجارية على إدراك المستهلك

تصقل قيمة العلامة التجارية الكيفية التي يُدرك بها المستهلك وزن العلامة التجارية، وموثوقيتها، وجاذبيتها النفسية، وتؤثر هذه المدركات بدورها على ثقة المستهلكين في قراراتهم الشرائية، ومدى رغبتهم في بناء علاقة قوية وطويلة المدى مع هذه العلامة، ففي عالم سلوك المستهلك، يؤدي الإدراك دورًا محوريًا، وعندما يعتقد المستهلكون أن العلامة التجارية تحمل قيمةً عاليةً، فهم يميلون إلى الثقة أكثر بأن المنتجات أو الخدمات التي تقدمها توفر عائدًا جيدًا مقابل الاستثمار فيها، وذلك بغض النظر عن السعر.

خير مثال على ذلك الملابس الفاخرة من دور الأزياء العالمية، وكيف أن الأشخاص ينظرون إليها على أنها ذات جودة عالية وتعكس مستوى حياة معين مستعدون لدفع أثمان مرتفعة مقابله، فعندما يشتري شخص حقيبةً أو قطعة ملابس من لويس فيتون مثلا، فهو يدرك أنه يحصل على منتج فاخر عالي الجودة، ويعكس هذا الشراء ذوقه ومكانته الاجتماعي،. لذلك يشعر المستهلكون بالثقة في قرار شراء منتجات لويس فيتون وغيرها من دور الأزياء الفاخرة حتى مع الأسعار المرتفعة، لأنهم يثقون في قيمة وجودة العلامة التجارية، هذا الإدراك الإيجابي لقيمة العلامة التجارية يدفع المستهلكين لتكوين علاقة ولاء قوية معها على المدى الطويل.

من جهة أخرى، نجد عامل الثقة من خلال الاستمرارية، فالثقة هي حجر أساس قيمة العلامة التجارية، فإذا فكرتَ في المقهى الذي تقصده باستمرار فستدرك أن الأمر الذي يدفعك إلى العودة كل مرة ليس القهوة فقط، بل استمرارية الجودة ونوعية التجربة التي تعيشها هناك، وتُبنى هذه الثقة عبر الزمن من خلال عمل العلامة التجارية على التقديم المستمر لما يميزها عن غيرها، ففي كل مرة تقصد فيها المكان، تعلم مسبقًا أنك ستتحصل على كوب قهوة ممتاز، وتخلق هذه الاستمرارية عامل الثقة، ما يجعلك عميلا وفيًا يعود باستمرار.

النقطة الموالية فيما يخص إدراك المستهلك هو الرابطة العاطفية، فالعلامات التجارية لا تبيع المنتجات فقط كما أشرنا في العديد من المرات، بل تبيع التجارب والهويات، فإذا كان لديك صديق ذهبت معه إلى معرض لأحدث الهواتف الذكية، وكان دائمًا ما ينظر إلى نفسه على أنه شخص يُقدر أحدث التقنيات ويحرص على استخدامها والتعرف عليها باستمرار، فستلاحظ أنه سيميل إلى العلامات التجارية التي تضع في شعارها وفي هويتها عامل الابتكار واستخدام أحدث التقنيات كأولوية، وذلك لأنها تتوافق وصورته الشخصية، وتساعده على الحفاظ عليها، وبالتالي فهو يرتبط بها عاطفيًا ما يؤثر على خياراته وسلوكه.

الثقة في الخيارات هي أيضًا إحدى الأوجه التي توضح لنا تأثير قيمة العلامة التجارية على إدراك المستهلك، فإذا فكرنا في التسوق الإلكتروني، وكنتَ تبحث مثلًا عن حذاء رياضي، فسيكون أمامك خياران هما: علامة تجارية معروفة وأخرى أقل شهرةَ، في هذه الحالة ستكون سمعت من قبل دون شك عددًا معتبرًا من الآراء والمراجعات الإيجابية حول جودة العلامة التجارية المعروفة وديمومتها، ولذلك تجد نفسك واثقًا بما ستحصل عليه منه، وهذه الثقة في خيارك بناءً على سمعة العلامة التجارية المعروفة ستجعلك ترغب في الاستثمار فيها أكثر، لأنك تعلم بأنك ستقلل من مخاطر خيبة الأمل عند استخدامها.

أخيرًا، تعكس التوصيات والتفرد أيضًا تأثير قيمة العلامة التجارية على إدراك المستهلك، ولنفهم ذلك فكّر في تجربة في إحدى المطاعم التي بقيت في ذاكرتك، ربما لم تزل تلك الذكرى بسبب الخدمات والطعام الاستثنائيين، إذ كنت جد مستمتع فشاركت التجربة مع أصدقائك و نشرت حولها في حساباتك الاجتماعية، بعد ذلك بقليل، سيزور أشخاص آخرون هذا المطعم بناءً على توصياتك، ويعكس ذلك كيف يمكن لاستمرارية العلامة التجارية في تقديم التجارب المتفردة والجيدة أن يدفع بالتوصيات الشفوية العفوية، كما يعكس قوة إدراك قيمة العلامة التجارية.

انطلاقًا مما سبق، فإن لقيمة العلامة التجارية أثر هام ومتعدد الأوجه على إدراك المستهلك، وإذا كانت هذه القيمة المدركة مرتفعةً، فهي تساهم دون شك في تحسين سمعة الشركة صاحبة هذه العلامة التجارية. وبطبيعة الحال، فإن لسمعة العلامة التجارية تأثير مباشر على سلوك المستهلك، لذلك، ننتقل من هنا إلى فحص أثر قيمة العلامة التجارية على سمعة الشركة.

أثر قيمة العلامة التجارية على سمعة الشركة

تؤدي قيمة العلامة التجارية دورًا هامًا في بناء ودعم سمعة الشركة صاحبة العلامة التجارية، إذ تعزز الثقة في الشركة وموقعها في السوق، ما يساهم في إعطاء دفعة قوية لسمعتها، وبالتالي التأثير في نجاحها على المدى البعيد.

ولننطلق من الثقة، إذ تحسّن قيمة العلامة التجارية العالية من سمعة المنتج أو الخدمة من خلال اكتساب ثقة المستهلك، فعندما ينظر العملاء إلى العلامة التجارية على أنها ذات قيمة عالية، فإنهم يميلون أكثر إلى الثقة في وعودها والتزاماتها، وتساهم هذه الثقة إيجابًا في تحسين سمعة الشركة ككل، ومثال ذلك شركة فيمتو التي أشرنا لها من قبل في هذا المقال، فعندما يشتري المستهلك منتجات مثل مشروبات الفيمتو، فهو واثق تمامًا من جودتها وسلامتها لأنه يثق بسمعة والتزام الشركة. هذه الثقة العالية في قيمة ووعود علامة فيمتو تساهم في بناء سمعة إيجابية وقوية للشركة ككل، كما أن الشركة عندما تطلق منتجًا جديدًا، فإن المستهلكين أكثر قابليةً لتجربته والثقة في جودته بناءً على السمعة الطيبة السابقة للعلامة التجارية.

من جهة أخرى، ينتج عن قيمة العلامة التجارية المرتفعة ارتباطات ذهنية إيجابية في عقل المستهلكين، فعندما يربط المستهلك بين علامة تجارية ما وقيمة عالية، فهو أكثر ميولًا لأن يربطها بخصائص إيجابية مثل الموثوقية والابتكار والجودة، وتساهم هذه الارتباطات الذهنية إيجابًا في بناء سمعة الشركة أو العلامة التجارية، ولنأخذ مثال شركة لينوفو Lenovo التي ينظر إليها المستهلكون على أنها مرتبطة بالابتكار والتكنولوجيا المتطورة، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها تصميم أجهزتها المميزة وسمعتها الطويلة في مجال الكمبيوتر والإلكترونيات، وتركيزها على البحث والتطوير، ونتيجةً لهذه المدركات، يربط المستهلكون بين علامة لينوفو وخصائص إيجابية مثل الابتكار والتقنية المتطورة والموثوقية، وحتى عند إطلاق منتج جديد، ينظر المستهلكون إليه على أنه مبتكر ومتطور بفضل ما ترسخ في أذهانهم عن قيمة وسمعة لينوفو العالية.

ضف إلى ذلك، أنه كثيرًا ما يُنظَر إلى العلامات التجارية مرتفعة القيمة على أنها قائدة في مجال نشاطها، وتُعَد هذه النظرة ميزةً هامةً للشركات تميزها عن منافسيها وتحسن من سمعتها كرائدة في مجالها، ويميل المستهلكون إلى النظر إلى مثل هذه العلامات التجارية باحترام وإعجاب كبيرين، ومن أمثلة ذلك علامتي سامسونغ وجوجل التجاريتين اللتين أشرنا إليهما سابقًا في مقالنا هذا، واللتان كانتا سباقتين في العديد من المجالات الابتكارية في مجال نشاطهما، وغيرتا معايير السوق جذريًا مرات عدة، فيُنظر إليهما على أن كل واحدة منها رائدة في مجالها، مما منحهما ميزةً تنافسيةً كبيرةً وسمعةً قويةً كعلامات تجارية رائدة، إذ ينظر المستهلكون إلى منتجات سامسونغ وجوجل بإعجاب كبير نظرًا لابتكاراتهما المستمرة وتصاميمها المتقدمة التي غالبًا ما تحدد اتجاه السوق.

وكما نعلم، يمكن أن تؤثر قيمة العلامة التجارية على نظرة المستهلكين لدرجة موثوقيتها، فعندما تقدم العلامة التجارية قيمةً مرتفعةً، فسيميل المستهلكون إلى النظر إليها على أنها جديرة بالثقة. وتساهم هذه النظرة في تحسين سمعتها، ولنفكر هنا في علامات معجون الأسنان الشهيرة ومنتجات العناية بصحة الفم، والتي كسبت ثقة وموثوقية عالية في مجالها على مدار السنين الماضية، وبفضل قيمة علامتها التجارية المرتفعة التي اكتسبتها عبر عقود من الابتكار والجودة، ينظر إليها العملاء على أنها شركة جديرة بالثقة.

الأمر الآخر هو أن العلامات التجارية مرتفعة القيمة عادةً ما تكون أكثر صلابةً ومقاومةً خلال الأزمات، إذ أن المستهلكين يميلون لأن يكونوا أكثر تسامحًا مع العلامات التجارية القيّمة في نظرهم، ويحسنون الظن بها عندما تواجه تحديات، وتساعد هذه الصلابة على حماية سمعة الشركة أو العلامة التجارية والحفاظ عليها، ولنرجع إلى سنة 2010 لحالة شركة طيران الإمارات كمثال، حيث تعرضت في ذلك الوقت لأزمة كبيرة عندما أغلقت مطارات أوروبا أمام رحلاتها بسبب سحابة الرماد البركاني، لكن الشركة تعاملت بكفاءة مع الأزمة وقامت بتأمين رحلات بديلة للركاب المتضررين. ونظرًا لسمعة طيران الإمارات الطيبة كعلامة تجارية رائدة في مجالها، كان المسافرون أكثر تسامحًا وتفهمًا للموقف، مما مكّن الشركة من التعافي سريعًا من الأزمة مع الحفاظ على سمعتها وثقة عملائها بها.

بناءً على العناصر المعروضة في هذا المقال، فإن لقيمة العلامة التجارية تأثير هام وجلي على كل من جودة المنتجات والخدمات المقدمة، وإدراك المستهلك، وسمعة العلامة التجارية في حد ذاتها، وكلها عناصر ترتبط مباشرةً بسلوك المستهلك، غير أن أهم نتيجةَ يمكن الوصول لها من خلال امتلاك علامة تجارية عالية القيمة هي دون شك اكتساب ولاء العملاء، فما هو أثر قيمة العلامة التجارية على ولاء العملاء؟

أثر قيمة العلامة التجارية على ولاء العملاء

من المعلوم أن العلامات التجارية تزيد من ولاء العملاء، حيث أن التفاعلات تولد علاقات، والعلاقات تبني الولاء، كما أن العملاء الذي عاشوا تجربةً إيجابيةً مع علامة تجارية معينة هم أكثر ميولًا لأن يصبحوا عملاء دائمين، وأن يوصوا بالعلامة التجارية للآخرين.

لتوضيح ذلك، لنفكر في شركة جرير التي تعرف بمكتبة جرير، والتي تقدم خدمات بيع جملة وتجزئة للأدوات المدرسية والتعليمية والكتب ومعدات الإعلام الآلي في دول الخليج، والتي تعتمد كثيرًا على بناء علاقات وثقة وولاء قوي من عملائها، فهي توفر منتجات متنوعة في مجال عملها وبجودة ممتازة، كما توفر عدة خيارات للتوصيل والدفع والاستبدال والصيانة وخدمة عملاء فعالة، كما توفر موقع إلكتروني وتطبيق يمكّن العديد من المستخدمين من عدة دول بالاستفادة من التسوق عبر الإنترنت، مما يسمح لعملائها بعيش تجربة تسوق سهلة وإيجابية ومميزة، تجعلهم يميلون إلى التسوق مرة أخرى من مكتبة جرير والثقة فيها، ونصح عائلاتهما وأصدقائهم باستخدام خدماتها ومنتجاتتها أيضًا. هذا الولاء والإخلاص للعلامة التجارية ناتج عن التجربة الإيجابية والعلاقة التي تبنيها الشركة مع عملائها من خلال التفاعل المستمر، فقيمة العلامة التجارية المرتفعة كما ذكرنا سابقًا تنمي ارتباطًا عاطفيًا عميقًا بين المستهلك والعلامة التجارية، ونتيجةً لذلك، يميل المستهلكون إلى الشعور بأنهم مستثمرون عاطفيًا في نجاح العلامة التجارية وأكثر ولاءً لها، كما أن العلامات التجارية العالية القيمة تتمتع بقاعدة مستهلكين أكثر وفاءً حتى في الأسواق الأشد تنافسيةَ، وهو ما يعطيها قدرةً مرتفعةً على المنافسة، فمستهلكوها لا يميلون إلى الانجذاب إلى التخفيضات المؤقتة في الأسعار أو إلى العروض التنافسية لأنهم يرون علامتهم التجارية المفضلة ذات قيمة أعلى.

يعود هذا الولاء إلى الثقة والتجارب الإيجابية المستمرة التي يربطونها بقيمة العلامة التجارية، ومن أمثلة ذلك شركة فيرساتشي Versace ذات القاعدة العريضة من المستهلكين المخلصين والأوفياء لعلامتها التجارية، والذين يشعرون بارتباط عاطفي عميق مع منتجاتها من الملابس والإكسسوارات، لأنهم يربطون العلامة التجارية بتجارب إيجابية مستمرة من حيث الأناقة والجودة، وحتى مع وجود علامات تجارية أخرى تقدم أسعاراً أقل، إلا أن مستهلكي فيرساتشي يبقون وفيين للعلامة نظرًا لقيمتها العالية في أذهانهم، فهم مستعدون لدفع أسعار أعلى مقابل الحصول على الأناقة والجودة التي ترتبط ذهنيًا بفيرساتشي، وهو ما يوضح الارتباط العاطفي العميق والولاء للعلامات ذات القيمة المرتفعة.

من جهة أخرى، تشجع العلامات التجارية عالية القيمة على الولاء الذي يتجاوز العلاقات التبادلية، فالمستهلكون إذا ما اعتقدوا أن علامةً تجاريةً ما عالية القيمة، فسيصبحون مدافعين عنها، ولا يقتصر سلوكهم على الشراء المتكرر، بل يمتد إلى الترويج النشط للعلامة التجارية في دائرتهم الاجتماعية، وتستطيع الكلمة المنقولة النابعة من الولاء توسيع وصول العلامة التجارية وتأثيرها.

أخيرًا، فإن الشركات التي تتمتع بعلامات تجارية عالية القيمة تميل إلى إشراك المستهلك على مستوًى عميق، حيث تعرض تجارب ذات معنى، وتقدم محتوًى حصريًا أو برامج عضوية تشجع المستهلكين على المشاركة في مجتمع العلامة التجارية، وتقوي هذه المشاركة النشطة ولاء المستهلك، حيث يشعر الأفراد بالانتماء والأهمية داخل النظام البيئي للعلامة التجارية، كما تركز الشركات ذات القيمة التجارية المرتفعة على بناء علاقات طويلة الأمد مع المستهلكين، وتتضمن هذه المساعي التواصل المستمر، والتجارب المخصصة، والالتزام بالاستجابة لاحتياجات المستهلك المتغيرة.

تعزز هذه الجهود الولاء من خلال التبيين للمستهلك بأن الشركة تهتم لأمره خارج نطاق العمليات التبادلية، وتبني استراتيجيات تشجع المستهلكين على المشاركة على مستوًى عميق مثلًا، وتقديم تجارب مخصصة من خلال توصيات منتجات ملائمة للمستخدمين وخدمة توصيل سريعة، وتعزز هذه الجهود الشعور بالانتماء، مما يسهم في بناء علاقات طويلة الأمد مع المستهلكين وتعزيز ولاءهم للعلامة التجارية.

خاتمة

يظهر جليًا مما سبق ذكره في هذا المقال الدور المحوري لقيمة العلامة التجارية في أسواق اليوم عالية المنافسة، فهي لا تقتصر على التأثير فيما يشتريه المستهلك فقط، بل يمتد تأثيرها إلى أسباب وكيفيات اتخاذ هذا القرار، وذلك مرورًا ببناء الثقة وتشكيل الإدراك، ويمكن بكل تأكيد للشركات التي تدرك هذا التأثير تحقيق ميزات هامة.

المصادر

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...