اذهب إلى المحتوى

سنوضح في هذا المقال أهم الخدمات المصرفية العالمية والدورُ الذي تلعبهُ بنوكُ الولايات المتحدة الأمريكية في السوق العالمية، كما سنبين أبرز التوجهات الحديثة لدى المؤسسات المالية.

الخدمات المصرفية العالمية

تُغطّي الخدماتُ المصرفيةُ العالمَ بأسره عبر تدفُّقِ المال تدفقًا تقليديًّا (روتينيًّا) مجتازًا حدودَ الدول، وتلعبُ بنوكُ الولايات المتحدة دورًا مهمًّا في قطاع الأعمال التجارية العالمية، بتقديمها القروضَ للحكومات والشركات الأجنبية، كما تحتاجُ الشركاتُ المتعددةُ الجنسية إلى العديد من الخدمات المصرفية الخاصة مثل: تصريف العملات الأجنبية، وتمويلِ الاستثمارات الخارجية، كما تُوفِّرُ بنوكُ الولايات المتحدة خدماتٍ متعلقة بالتجارة، مثل: الإدارة العالمية للنقد، التي تساعد الشركات في إدارة تدفقاتها المالية، وتعزيز فاعلية مدفوعاتها، وتقليل المخاطر المرتبطة بعملياتها، وأحيانًا، يحتاج الزبائنُ الموجودون في دول أجنبية إلى الخدماتِ المصرفية التي لا توفِّرُها البنوك في البلدان التي يقيمون فيها، وللأسباب المذكورة -سابقًا- غالبًا ما تتطلعُ البنوكُ الكبرى إلى خارج الحدود الوطنية باحثة عن فرصِ خدماتٍ مصرفية مُدِرَّةٍ للأرباح.

وقد توسَّعَتِ العديدُ من بنوك الولايات المتحدة إلى أسواقٍ خارج الحدود عبر فتح مكاتب لها في أوروبا، وأمريكا اللاتينية، وآسيا، وغالبًا ما تقدِّمُ تلك البنوكُ خدماتِ زبائن أفضل من التي تقدمها البنوك المحلية، كما أنَّ لديها القدرة على الوصول إلى مصادر تمويلٍ أكثر، موازنة بالمصارف المحلية في تلك الدول الأجنبية، فمصرف سيتي بنك Citibank مثلًا، كان أوَّلَ مصرفٍ يوفر خدماتٍ مصرفية عبر الهاتف، إلى جانب خدمة أجهزة الصراف الآلي على مدار الساعة في اليابان.

وقد يكون التوسع عالميًا مهمة صعبة بالنسبة للبنوك الأمريكية؛ فالمصارف المحلية في دول غير الولايات المتحدة تخضع لإجراءاتٍ تنظيمية أقل من البنوك الأمريكية، مما يجعل من السهل عليها التفوقُ على الأمريكية فيما يتعلق بفرضِ تسعيرٍ أخفض منها على القروض والخدمات التي تقدمها، وهناك -أيضًا- بعض الحكومات التي تحمي مصارفَها من المنافسة الأجنبية؛ فمثلًا: تفرض الحكومةُ الصينية رسومًا مرتفعة على البنوك الأجنبية، وتحدد مبلغَ الودائع التي يجوز لتلك البنوك قبولها من الزبائن، وتتحكم في ودائع البنوك الأجنبية ومُعدَّلات الفائدة على القروض، مما يحدُّ من قدرة البنوك الأجنبية على منافسة البنوك المملوكة من الحكومة الصينية، وعلى الرغم من تلك القيود المصرفية المفروضة على البنوك الأجنبية في الصين؛ تستمر العديد من المؤسسات المصرفية الأمريكية في العمل هناك.

وللمصارف الأجنبية العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية -أيضًا- تأثيرٌ كبير في الاقتصاد هناك، لما توفِّرُه مِن فرصِ عملٍ، (إذ تُوظِّفُ تلك البنوكُ آلاف الأشخاص في الولايات المتحدة، وغالبيتُهُم مواطنون أمريكيون)، وما تُنفقُه من مصروفاتٍ رأسمالية وتشغيلية، وما تدفعُه من ضرائب، وسوى ذلك من مساهمات، ووفقًا لبيانات الاحتياطي الفدرالي في الشهر الثاني من سنة 2017 March 2017 Federal Reserve Data، تُساوي الأصولُ المصرفية وغير المصرفية الخاصة بعمليات البنوك الأمريكية أكثرَ من 24 تريليون دولار.

أكبر البنوك في العالم لعام 2017

كما نلاحظ لدى الولايات المتحدة أربعة مصارف ضمن قائمة البنوكِ المُصنَّفة العشرة الأكبر في العالم موضحة فيما يلي:

  • البنك الصناعي والتجاري الصيني Industrial and Commercial Bank of China.
  • بنك التعمير الصيني China Construction Bank.
  • جي بي مورغان تشيس آند كو في الولايات المتحدة JP Morgan Chase & Co.
  • ويلز فارجو آند كو في الولايات المتحدة Wells Fargo & Co.
  • البنك الزراعي الصيني Agricultural Bank of China.
  • بنك الصين Bank of China Ltd.
  • سيتي بنك بالولايات المتحدة Citibank.
  • بي إن بي باريبا لفرنسا BNP Paribas.
  • ميتسوبيشي يو اف جيه المالية القابضة باليابان Mitsubishi UFJ Financial Group.

قد يجعلُ الغموضُ السياسي والاقتصادي في الدول الأخرى الخدماتِ المصرفيَّةَ مشروعًا عاليََ المخاطِر، ولم تكُنِ البنوكُ الأوروبيةُ ولا الآسيويةُ مُحصَّنةً ضدّ الأزمة المالية التي حصلت بين عامِي 2007 و 2009 وهناك في الواقع دولٌ عديدة -بما فيها اليونان، والبرتغال، وإسبانيا، وإيرلندا- تتابع التعافيَ البطيء من مرحلةٍ مرت بها منذ قرنٍ مضى عندما شارفت أنظمتُها الماليةُ والاقتصاديةُ على الانهيار، وقد ساعدتِ الكفالاتُ المالية -التي كان الاتحادُ الأوروبي وصندوق النقد الدولي أبرز مُقدِّميها- في تحقيق الاستقرار للاقتصاد الأوروبي والعالمي، ولكن، ليس واضحًا لحين كتابة هذه السطور ما إذا كانت خطوة "بريكست" التي ستتخذها المملكة المتحدة (أي انسحابُ المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي) ستؤثر في الخدمات المصرفية العالمية، بالتوازي مع سعي المؤسسات المالية الكبرى في العالم إلى سحبِ عملياتِها خارج لندن، ونقلِها إلى عواصم مالية أخرى ضمن منطقة الاتحاد الأوروبي.

التوجهات الحديثة لدى المؤسسات المالية

ما العوامل التي ستؤثر في المؤسسات المالية في السنوات القادمة؟ تُشيرُ التقاريرُ الحديثةُ إلى أنَّه سيجري التركيزُ على المسائل التنظيمية، وتلك المتعلقة بالتقيد بالقوانين (خصوصًا بعد الأزمة المالية الأخيرة)، إضافة إلى التركيز على الكفاءة العملياتية والتطورات التقنية.

وستستمر البنوكُ في التعامل مع مسألة مشاركة الزبائن والمبادرات التقنيّة على مدى السنوات القليلة القادمة، ووفقًا لتقريرٍ أعدَّته مجموعةُ أيت Aite Group -وهي شركة مقرُّها مدينة بوسطن Boston تتنبأ بالتوجُّهاتِ الحديثة الخاصة بالخدمات المصرفية داخل الولايات المتحدة- تستمر التقنية في تمكين الزبائن من التحكُّمِ في تجاربهم التجارية وتلك المتعلقة بالخدمات البنكية التي يتلقَّونها، وقد أصبحتِ المؤسساتُ الماليةُ أفضلَ في استخدام البيانات وتحليلها، لمساعدتها في الوصول إلى فهمٍ أفضل لاحتياجات الزبائن وسلوكاتهم، وهو ما قد يوفر لها ميزةً تنافسية تسعى إلى امتلاكها في قطاع خدمات التجزئة المصرفية، أي المقدَّمة إلى الأفراد.

وستستمر التقنية المالية (أو خدمات التقنية المالية "Fintech Services") في التأثير على قطاع الخدمات المصرفية، وفي توفير فرص للبنوك وغيرها من المؤسسات؛ للعمل عن كثب مع شركات التقنية المالية التي بوسعها مساعدتُها في الابتكار وتبسيط ممارساتهم المتعلقة بالعمل التجاري، وبحسب دراسة حديثة أجرتها مؤسسةُ الخدمات المالية والاستثمارية غولدمان ساكس Goldman Sachs، هناك احتمالٌ أن تنتزع شركاتُ خدماتِ التقنية المالية الناشئةُ Fintech Startups ملياراتِ الدولارات من مؤسسات الاستثمار والإقراض التقليدية في مجال العمل التجاري، ومن الخدماتِ التي تُقدِّمُها شركاتُ الخدمات المالية: معالجةُ عمليات الدفع المالية، وخدمات الدفع عبر الويب والهواتف المحمولة بالنسبة لشركات التجارة الإلكترونية، وخدمات الإقراض نظير لنظير، والبرمجيات المالية المتكاملة.

وستستمرُّ تطبيقاتُ الهاتف الجوال المالية في تمثيل ميزةٍ استراتيجية تُميِّزُ بين مناهج الخدمات المصرفية التقليدية، وبين شركاتِ الابتكار التي بوسعها أن توفر لزبائنها تجربةً رقمية مترابطة فيما يخص أموالهم واستثماراتهم، وسيتطلع الزبائن إلى إضفاء الطابع الشخصي على المنتجات والخدمات المصرفية بوصفه جزءًا من تفاعلهم الاعتيادي مع المؤسسات المالية؛ وإلا فإنهم سيبحثون عن منصَّةٍ تنافسية تحقق لهم جميع احتياجاتهم المالية والبنكية.

ومع استمرار وجود مكاتب محلية لفروع غالبية البنوك، إلا أنَّ السنواتِ القليلة القادمة ستشهدُ محدوديةً في انتشار الفروع البنكية التي تقدم خدمات مصرفية، وذلك لصالح الانتشار المتزايد للخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهواتف المحمولة، وباتت معظمُ المؤسسات المصرفية توفر بالفعل تطبيقاتٍ تتيح للزبائن تحويلَ المال بين الحسابات، أو إيداع شيكات، عن طريق الهواتف الذكية، ويجري ذلك بشكل آنيٍّ تقريبًا بدلًا منِ اضطرار الزبون إلى ركوب السيارة، والقيادة متوجهًا إلى البنك لإيداع الشيك بشكل شخصي، وبالإضافة إلى ما سبق، تستمر منصات الدفع الإلكتروني في تبسيط المعاملات المالية التجارية والشخصية؛ ومن تلك المنصات باي بال Pay Pal، و آبل باي Apple Pay، ومحفظة غوغل Google Wallet، و شوبيفاي Shopify، و سترايب Stripe، وغيرها من منصات، ففي عالمنا الحالي ذي الخدمات المستمرة على مدار الساعة، يتوقع الزبائن أن تُنجَزَ معاملاتُهم المالية والمصرفية بسرعة وكفاءة.

الصورة 15.8 الفصل 15.jpg

الصورة 15.8: تستمر منصاتُ الدفع الإلكتروني مثل: محفظة غوغل Google Wallet، و آبل باي Apple Pay، وغيرُها، في تبسيط إجراء معاملاتٍ مالية شخصية وتجارية. كيف يمكن للشركات الاستمرار في الاستفادة من التقنية لإجراء معاملاتٍ مالية بسهولةِ سحبِ اليد، أوِ النقر، على شاشة الهاتف المحمول؟ (حقوق الصورة محفوظة لـ: سيرجيو يوسيدا "Sergio Uceda"/ فليكر).

إدارة التغيير

روبوتات الدردشة تساعد البنوك في التواصل مع الزبائن

لقد باتت روبوتاتُ الدردشة Chatbots -وهي برمجية حاسوبية تستخدمِ الذكاء الصناعي لتعزيز التواصل مع البشر- جزءًا لا يتجزأ من الجهود المبذولة في مجال الخدمات المصرفية بهدف التواصل مع الزبائن، وذلك بالتوازي مع إبقاء العمليات والنفقات تحت السيطرة، وقد تكون تلك الروبوتاتُ أداةً فاعلة فيما تُسمِّيه البنوكُ التجارةَ التحاورية Conversational Commerce، وهي التفاعل مع الزبائن عبر الرسائل والمنصات الرقمية.

تُشارِك البنوكُ زبائنَها -عادةً- عبر قنوات متنوعة، ومنها القنوات الشخصية (معاملات مالية شخصية، أو اتصالات خاصة بالخدمة مع موظفين بصورة مباشرة)، والقنوات الرقمية (مواقع إلكترونية، وتطبيقات الهاتف الجوال، والبريد الإلكتروني، والإعلانات عبر الإنترنت)، وعلى الرغم من أنَّه قد يكون لدى الزبائن طريقةٌ مفضَّلة للتواصل مع البنك الذي يتعاملون معه، إلا أن قنواتُ التواصل تلك ستكلف البنوكَ مبالغ مالية ضخمةً، في حين تبحث المؤسساتُ الماليةُ دائمًا عن سُبُلٍ لتخفيض النفقات بالتوازي مع سعيها للحفاظ على خدمة زبائن ذات جودة عالية.

وليس مفاجئًا معرفةُ أنَّ المعاملات المالية الشخصية هي الخدمة الأكثر تكلفةً التي تُقدِّمُها البنوك؛ ولكن لا تحتاجُ كلُّ معاملةٍ مع الزبون إلى تدخُّلٍ بشريّ، فمع التطوّر التقني المستمرّ، باتت تُدرِكُ العديدُ من البنوك أنَّ بوسعها تعزيز خدماتها؛ بحيث تُناسِبُ الأنشطةَ اليومية لزبائنها الحذِقين تقنيًّا؛ وذلك باستخدامها روبوتات الدردشة بوصفها الخطوة القادمة في مجال خدمة الزبائن.

فعلى سبيل المثال: ومثلما ذكرنا في افتتاحية هذا الفصل، فقد طرحَ بنك أوف أمريكا Bank of America تطبيق إيريكا Erica- وهو روبوت دردشة، يدعم التواصل بالصوت والكتابة، ويُساعد الزبائن في اتخاذ قراراتٍ مصرفية أكثر ذكاءً، ويرسِل تطبيقُ إيريكا إشعاراتٍ لزبائنه، ويشير إلى النواحي التي يمكن للزبائن فيها توفير المال، ويُحدِّثُ تصنيفاتِ الائتمان، ويمكن له المساعدةُ في دفع الفواتير داخل تطبيق الهاتف الجوال الخاص بمصرف بنك أوف أمريكا.

أطلق بنك كابيتال ون Capital One -وهو أحد اللاعبين البارزين في القطاع المصرفي داخل الولايات المتحدة- تطبيقَ إينو Eno، وهو روبوت دردشة يساعد الزبائن في إدارة أموالهم عبر الهاتف الذكي، إذ يمكن للزبائن عبر روبوت الدردشة المذكور طرحُ أسئلةٍ حول أرصدة حساباتهم، والتاريخ الخاص بالائتمان، والمعاملات المالية التي أُجريت مؤخرًا، وتاريخ عمليات الدفع…إلخ، وذلك عبر خدمة الرسائل النصية، وتطبيق إينو هو المساعد الافتراضي الثاني الذي يُطلِقُهُ بنك كابيتال ون بعد ميزة أمازون أليكسا Amazon Alexa التي تتيح للزبائن الاستفسار عن أرصدة حساباتهم الجارية، وعن موعد استحقاق دفع فواتيرهم القادمة، كما تتيح لهم دفع فواتير بطاقات الائتمان الخاصة بهم، وذلك عبر محادثاتهم على منصة أمازون أليكسا.

كما تُقدِّم روبوتاتُ الدردشة المبنية على الذكاء الصناعي مزايا لكل من الزبائن والبنوك، إذ تستخدمُها البنوكُ لتبسيط عملياتها، ولِأتمتةِ خدمة الزبائن لديها، ولتوفير تجربةٍ مُلائِمَةٍ وإيجابية بالنسبة إليهم، هذا، ويعوِّلُ الزبائنُ على هذا النوعِ من المساعِداتِ الرقمية لتسهيل حياتهم وإبقائهم مُطَّلِعينَ على سيرِ معاملاتهم المالية الشخصية والتجارية، بدون أن يُضطرّوا إلى انتظار شخصٍ ما للردِّ على أسئلتهم للتي يمكن ببساطة الإجابةُ عليها عبرَ روبوتاتِ الدردَشة، ووفقًا لتقريرٍ حديث أعدَّتهُ شركةُ أبحاثٍ في مجال تقنية المعلومات تُدعى غارتنر Gartner، فإنه بحلول العام 2020، سيتولى الزبائنُ إدارةَ ما نسبته 85% من علاقاتهم المصرفية عبر روبوتات الدردشة، مما سيوفر على البنوك نفقاتٍ بلايين الدولارات، وكثيرًا من الوقت بالنسبة للزبائن.

وبوجود أكثر من 1.2 مليون مستخدِم للخدمات البنكية المتنقلة حول العالم، يمكن أن تُمثِّلَ روبوتاتُ الدردشةِ أداةً فاعلة لمساعدة البنوك في رفع مستوى كفاءتها، وأكثر قدرةً على توقُّعَ احتياجاتِ الزبائن، وأكثر مراعاةً لصافي الدخل الخاص بها.

ترجمة -وبتصرف- للمقالين International Banking و Trends in Financial Institutions من كتاب introduction to business.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...