البحث في الموقع
المحتوى عن 'مبادرئ الإدارة'.
-
سنتابع سلسلتنا الفريدة عن مبادئ الإدارة في خندق الأخلاق والمسؤوليات الاجتماعية للمؤسسات، حيث سنستعرض في مقالاتنا المُقبلة أخلاقيات العمل وأنواع القيم على مستوى الفرد، وسنخوض أيضًا في رحاب المبادئ الأخلاقية التي توجه سلوك الأفراد والمؤسسات، وسنتطرّق إلى القيادة الأخلاقية وأهميتها وإلى أبرز التوجّهات المستقبلية التي تواجهها المؤسسات والأفراد في بيئات العمل العالمية. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f7f6ea; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية الألعاب الهادفة في شركة هاسبرو شركة هاسبرو هي شركة عالمية مختصَّة في الألعاب والترفيه تهتمُّ كثيرًا بالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. تأسَّست شركة هاسبرو قبل حوالي قرن في ولاية رود آيلاند في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تجمع بين جهودها المرتبطة بمسؤوليتها الاجتماعية وهدفها المتمثِّل في المساهمة بأن يصبح العالم مكانًا أفضل للأطفال من جميع الأعمار. حصلت الشركة في عام 2017 على المركز الأول في قائمة «أفضل 100 شركة من حيث المواطنة» التي تُنشر سنويًا في مجلة (Corporate Responsibility)، ولا يوجد غرابة في حصولها عليه، إذ كانت على مدار السنوات الخمسة السابقة من ضمن المراكز الخمسة الأولى في هذه القائمة المرموقة. تحتوي شركة هاسبرو على أكثر من 5000 موظف، وتبذل جهودًا حثيثة في الحفاظ على مسؤوليتها الاجتماعية وجُهدًا مُضاعفًا في الابتكار والأعمال الخيرية وتطوير المنتج بالاعتماد على المخطط الاستراتيجي لعلامتها التجارية إلى حدٍّ كبير، وتتضمن قائمة أعمالها علامات تجارية مشهورة مثل: (Nerf، Play-Doh، Transformers، Monopoly، The Game of Life). تتركَّز المسؤولية الاجتماعية للشركة في أربع مجالات أساسية هي: سلامة المنتج، والاستدامة البيئية، وحقوق الإنسان والتوظيف والاستخدام الأخلاقي للموارد في عمليّات ابتكار وتطوير مُنتجاتها، بالإضافة إلى خدمة المجتمع. تقول شركة هاسبرو بأنَّ سلامة المنتج هو أهم أولوياتها، وتُطبِّق عملية مكوَّنة من خمس خطوات لضمان الجودة تبدأ بالتصميم ثمَّ الهندسة ثمَّ التصنيع ثمَّ التعبئة والتغليف ثمَّ استطلاع وتقييم آراء الزبائن والتجّار باستمرار والتشديد على أن تنطبق معايير الجودة والمواصفات العالية على جميع المصانع الخارجية -التي تتعامل معها الشركة- والتي تصنِّع منتجاتها في مختلف أنحاء العالم. تُلزم شركة هاسبرو نفسها أيضًا بإيجاد طرق جديدة لتقليل آثارها السلبية على البيئة التي تنتج عن عمليات التصنيع التي تجريها، وقد قلّلت الشركة خلال السنوات القليلة الماضية استهلاك الطاقة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتقليل استهلاك المياه ومخلَّفات الإنتاج، كما أنَّها توقَّفت تمامًا عن استخدام الأربطة السلكية في تغليف منتجاتها ممَّا أدَّى إلى توفير أربطة سلكية يصل طولها إلى أكثر من 34000 ميلًا وتكفي للالتفاف حول الكرة الأرضية وأكثر. إنَّ اهتمام شركة هاسبرو بحقوق الإنسان والتوظيف والاستخدام الأخلاقي للموارد أحد مقوِّمات نجاحها وريادتها في المسؤولية الاجتماعية للشركات، إذ تعدُّ المعاملة العادلة للأفراد قيمة جوهرية لدى الشركة إلى جانب عملها الدؤوب في سبيل تحقيق تقدُّم كبير في مجال التنوُّع والشمول في جميع مستويات المؤسسة. يعمل طاقم عمل شركة هاسبرو جنبًا إلى جنب مع المصانع التابعة لأطراف خارجية (والتي تصنّع أجزاءً معيّنة من مُنتجاتها) لضمان التمسُّك بحقوق الإنسان الخاصة بجميع العاملين في سلاسل التوريد العالمية للشركة. تعدُّ الأعمال الخيرية وتبرعات الشركة وتطوُّع الموظفين من العناصر المهمة الأخرى للمسؤولية الاجتماعية لشركة هاسبرو. لقد قدَّمت الشركة إسهامات مالية وتبرعات بلغت قيمتها 15 مليون دولار تقريبًا واستفاد منها حوالي 4 مليون طفل حول العالم، كما بدأت منذ عدة سنوات بتنظيم اليوم العالمي للمرح (Global Day of Joy) حتى يشارك موظفوها في الخدمة المجتمعية في مختلف أنحاء العالم. لقد شارك أكثر من 93% من موظفي شركة هاسبرو في مشاريع خدمية في أكثر من 40 دولة خلال السنوات الأخيرة. تعمل شركة هاسبرو أيضًا في مجال السرد القصصي، وتحكي لنا جهودها في المسؤولية الاجتماعية قصة مؤسسة أخلاقية مسؤولة مهمتها «خلق أفضل تجارب اللعب في العالم». إنَّ الجهود الاجتماعية الحثيثة التي تبذلها هذه المؤسسة واضطلاعها بمسؤولياتها تجاه المجتمع ومساهماتها النبيلة، كلّ تلك العوامل قد ساهمت في أن تصبح هذه الشركة من أفضل شركات إنتاج الألعاب في العالم. سيتناول هذا المقال دور الأخلاق وتأثيرها على المؤسسات على المستوى الفردي والتنظيمي، كما سيتطرَّق إلى القيادة الأخلاقية إلى جانب المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات والفرق بينها وبين الامتثال، وسيتناول في النهاية القضايا الأخلاقية حول العالم والثقافات المختلفة والقضايا المستجدَّة المرتبطة بالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات. الأخلاق وأخلاقيات العمل ما هي الأخلاق وما هي أخلاقيات العمل؟ تتضمَّن الأخلاق في الأساس كيف نتصرَّف وكيف نعيش حياتنا وكيف نتعامل مع الآخرين، كما أنَّ اختياراتنا وعمليات اتخاذنا للقرارات ومبادئنا الأخلاقية وقِيَمنا التي تحكم سلوكياتنا المتصلة بالصواب والخطأ هي جزء من الأخلاق أيضًا. يُشير مصطلح الأخلاق المعيارية إلى مجال الأخلاق المتعلِّق بسؤال: «كيف ينبغي ويتوجَّب علينا أن نعيش ونتصرَّف؟»، في حين أنَّ أخلاقيات العمل هي أخلاق تطبيقية تركِّز على المواقف الواقعية والعوامل المحيطة والبيئة التي تحدث فيها المعاملات؛ بمعنى آخر كيف ينبغي علينا أن نطبِّق قيمنا على طريقة ممارستنا للأعمال؟ ما زالت الأخلاق وأخلاقيات العمل تلقى اهتمامًا من الشركات والجامعات والكليات على المستوى المحلي والعالمي، وأصبحت أخلاقيات العمل ضرورةً وليست معيارًا كماليًّا كما كانت سابقًا، إذ استيقظ وعي الناس بأهميتها نتيجة بعد حدوث العديد من الأزمات في مجالات مختلفة. على سبيل المثال، لقد كشفت أزمة الرهن العقاري عام 2008 -التي ما زالت آثارها السلبية مستمرة- تفشِّي الفساد في كُبرى البنوك الاستثمارية ومؤسسات الإقراض على مستوى العالم، إذ كانت الرهون العقارية تُقدَّم عن طريق الاحتيال دون وجود دعم مالي مرخَّص به، وقد أفلست بعض المؤسسات المالية الكبيرة مثل شركة ليمان براذرز القابضة على إثر هذه الوقائع، كما أنَّ ملايين الحاصلين على رهون عقارية فقدوا منازلهم. لقد أثَّرت تلك الأزمة المالية على الاقتصاد العالمي وقُدِّرت تكلفتها بحوالي أكثر من 22 تريليون دولار أمريكي. في أوائل القرن الحادي والعشرين، وُجد أنَّ المديرين التنفيذيين وكبار القادة في العديد من الشركات البارزة مثل إنرون وتايكو وورلد كوم وغيرها يرتكبون جرائم جشع واحتيال واستغلال مناصبهم الإدارية للسرقة على مستوى مؤسساتهم وعلى مستوى حملة الأسهم (أو ما تُسمَّى بجرائم ذوي الياقات البيضاء). يوضِّح الفيلم الوثائقي «أذكى الرجال في الغرفة» كيف تمكّن قادة شركة إنرون في ذلك الوقت (كينيث لاي وجيف سكيلينج وأندرو فاستو) من خداع الموظفين وحملة الأسهم وشركة وول ستريت، وقد كبَّدت الأزمة التي خلَّفتها شركة إنرون الاقتصاد الأمريكي ديونًا تُقدَّر بحوالي 67 مليار دولار. لقد أدَّت هذه الأنشطة الإجرامية إلى نشوء قوانين وطنية مثل قانون ساربينز أوكسلي (الذي سنتحدَّث عنه لاحقًا). على الرغم من أنَّ هذه الأزمات التاريخية التي حدثت مؤخَّرًا تبيِّن الأهمية الكبيرة لأخلاقيات العمل، إلَّا أنَّ القضايا الأخلاقية لا ترتبط فقط بسوء السلوك والجرائم ذات الدوافع المالية والاقتصادية فحسب، إذ أن هناك قضايا أخلاقية مرتبطة بدخول استخدام وتوظيف الذكاء الاصطناعي مرحلة جديدة من التطوّر ممَّا يلفت الأنظار إلى ضرورة وجود البعد الأخلاقي في المؤسسات العلمية والأعمال التجارية والحكومات. ينبغي تنبيه عامة الناس بالآثار الضارَّة المحتملة والفعلية -والمنافع الجليَّة أيضًا- لهذه التقنيات التي تقودها الخوارزميات (سلسلة من التعليمات التي تُملي على الحاسوب ما يجب عليه فعله). إنَّ إساءة الاستخدام المتعمَّدة وغير المتعمَّدة لتقنيات الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يكون لها آثار سلبية وأضرار على حياة الأفراد وكذلك المجتمعات بأكملها. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أنَّ المؤسسات غالبًا ما تمارس التمييز ضد عدد من أفراد الأقليات في المجتمع نتيجة استخدام الخوارزميات المغلوطة المتعلِّقة بتحديد الزبائن المؤهلين للحصول على رهن وبالتنبُّؤ بالأشخاص الذين من المحتمل أن يتعرَّضوا للسجن ، كما يُمارس التمييز ضد الأقليات العرقية وأصحاب الدخل المنخفض بسبب هذه التقنيات في معظم الأحيان. على صعيد المجتمع، يوضِّح فيلم «تقرير الأقليَّة» كيف أنَّ إساءة استخدام التكنولوجيا يمكن أن يشكِّل تهديدًا على حقوق الأفراد وخصوصياتهم وحرية إرادتهم واختياراتهم. قد يبدو هذا خيالًا علميًا، ولكنَّ الشخصيات البارزة في مجالات العلوم والأعمال مثل إيلون ماسك وستيفن هوكينج وبيل جيتس وغيرهم قد أعلنوا بصراحة أنَّنا يجب علينا بوصفنا مجتمعًا أن نكون حذرين وواعين أخلاقيًا ومستعدِّين لصد الآثار السلبية لسيطرة بعض خوارزميات الذكاء الاصطناعي على حياتنا. تعدُّ الممارسة العلمية والأخلاقية للمسؤولية الاجتماعية إحدى الطرق التي يعزِّز من خلالها المختصون الأخلاقيون وكبار رجال الأعمال والمستهلكون الضوابط الذاتية الأخلاقية تجاه هذه التقنيات، وقد تبنَّت بعض الشركات العلمية والتكنولوجية لوائحًا أخلاقية للوقاية من الاستخدامات الاجتماعية الضارة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. لقد وضع الاتحاد الأوروبي سياساتٍ تعدُّ الأولى من نوعها للوقاية من الاستغلال السيِّئ والنتائج الضارة المحتملة لعلم الروبوتات. إحدى القضايا الأخلاقية الأخرى في وقتنا الحالي هي تغيُّر المناخ واستنزاف موارد البيئة، وقد أدَّى نقص الممارسات البيئية المستدامة التي تضع حدًّا لتلوُّث الهواء والاستنزاف الكبير للموارد الأرضية والمائية والطبيعية إلى تهديد الغلاف الجوي للأرض وما يجاورها. تؤكِّد الدراسات العلمية وتقارير الأمم المتحدة أنَّ تغيُّرات الغلاف الجوي للأرض وذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع منسوب مياه البحار تحدث بمعدلات متسارعة. على سبيل المثال، سوف يرتفع منسوب مياه البحر على امتداد ساحل كاليفورنيا إلى 10 أقدام بحلول عام 2100، ويحدث هذا الارتفاع بسرعة أكبر بحوالي 30 إلى 40 مرة من سرعة ارتفاعه خلال القرن الماضي. على الرغم من احتشاد مجموعات من الجامعات وقطاعات الأعمال والمجتمع المحلي لاتخاذ إجراءات قانونية للحد من المتسبِّبين في التلوُّث البيئي والتصدي لهم، إلَّا أنَّ الأوامر التنفيذية السياسية الحالية ليست في صالح هذه الإجراءات الهادفة إلى الوقاية من تدهور البيئة. ما نقصده هنا هو أنَّ هذه القضايا التي سبق ذكرها ليست مجرد قضايا ذات طبيعة تكنولوجية أو اقتصادية أو سياسية، ولكنَّها أيضًا قضايا أخلاقية لأنَّها تُعرِّض صحة عامة الناس ورفاهيتهم وسلامتهم للخطر. من الأسئلة الأخلاقية التي يمكن أن نسألها لكي نمنع حدوث أزمة: من هو المسؤول عن تحديد المشكلات التي تواجه الأفراد وعامة الناس والمؤسسات والحكومات؟ ومن هو المسؤول عن منع حدوث الأزمات وآثارها السلبية؟ ما هي تكلفة ذلك؟ من هو المسؤول عن الحفاظ على المصالح العامة للمجتمعات؟ ما هي المبادئ الأخلاقية التي يمكن أن تدفع الأفراد والجماعات وأعضاء المجتمع إلى العمل على مواجهة الانتهاكات والأزمات الأخلاقية والبيئية الحالية؟ لقد أصبحت الجامعات والكليات تهتم بتدريس الأخلاق، إذ ازدادت أهمية برامج ومقرَّرات أخلاقيات العمل والمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، وقد ذكرت جمعية تطوير كليات إدارة الأعمال (AACSB) أنَّه «يجب على كليات إدارة الأعمال أن تعزِّز البعد الإنساني لإدارة الأعمال في مناهجها التعليمية وأبحاثها وخدماتها الميدانية مع الاهتمام بالأخلاق والتنوُّع والرفاه الشخصي.» بالإضافة إلى ما سبق، فإنَّ المنظمات غير الحكومية والجماعات الممثِّلة للصالح العام عالميًا وحركات العمل السياسي قد بدأت مجدَّدًا بالتعبير عن أوجه الظلم والمشكلات الأخلاقية والمالية (مثل عدم المساواة في الدخل) والصحية والبيئية والمتعلِّقة بالتمييز العنصري التي تنطوي على مخاطر والتي تتطلَّب أن يتَّخذ أصحاب المصلحة وحملة الأسهم إجراءات بشأنها. سنبدأ في هذا المقال باستعراض أبعاد أخلاقيات العمل على المستوى الفردي والمهني والقيادي ثمَّ المستوى التنظيمي والمجتمعي والعالمي. الأخلاق على مستوى الأفراد ما هي أنواع القيم التي تؤثِّر على أخلاقيات العمل على مستوى الأفراد؟ تختلف الأخلاق التي يتبنَّاها كل فرد عن الفرد الآخر، وتتطلَّب عملية اتخاذ القرارات الأخلاقية انخراط أفراد آخرين ومجموعات ومؤسسات وحتى دول فيها. حدَّد كينيث غودباستر ولورا ناش على الأقل ثلاث أبعاد أو مستويات للأخلاق تفسِّر كيف تتفاعل وتتداخل قيم الأفراد والمجموعات ومبادئهم وسلوكيات أصحاب المصالح المختلفة مع بعضها بهدف إقامة علاقات منظَّمة ونزيهة وعادلة مع الآخرين في المعاملات، وهذا الأسلوب موضَّح في الشكل التالي. نموذج لتصنيف مستويات الأخلاق (مقتبس من كتاب «Policies and persons: A casebook in business ethics». تأليف: جون ماثيوز وكينيث غودباستر ولورا ناش، 1985. ص 509. الناشر: ماكجرو هيل، نيويورك) عادةً ما تُدوَّن المبادئ الأخلاقية على هيئة قوانين وتشريعات عندما يكون هنالك إجماع في المجتمع على سوء بعض التصرُّفات، ومن الأمثلة عليها القوانين التي تمنع القيادة تحت تأثير الكحول والسرقة والقتل العمد. تحدِّد هذه القوانين -وبعض المبادئ والقيم غير المكتوبة- معالم بيئة العمل المحلية التي يتصرَّف فيها الأفراد ويمارسون أعمالهم. على المستوى الفردي، تتأثَّر قيم الفرد ومعتقداته بالأسرة والأقران والأصدقاء والثقافة المحلية والقومية والمجتمع والدين والبيئة الجغرافية وغيرها، لذلك من المهم الالتفات إلى قيم الأفراد ومبادئهم الأخلاقية لأنَّها تؤثِّر على قراراتهم وأفعالهم، إذ قد يدفعهم ذلك التأثُّر إلى فعل التصرُّفات السيئة التي يرتكبها الآخرون أو قد لا يُقدمون على التصدِّي لتلك التصرُّفات. قد تتأثَّر المبادئ الأخلاقية التي يتبنَّاها الفرد بتصرّفات الزملاء والتابعين والمشرفين داخل المؤسسة وبالثقافة العامة للمؤسسة أيضًا. غالبًا ما يكون لثقافة المؤسسة تأثيرٌ عميق على اختيارات الفرد، إذ بإمكانها إما أن تدعم التصرُّفات الأخلاقية وتشجِّع عليها أو أن تعزِّز السلوك غير الأخلاقي وغير المسؤول. الأخلاق والقيم: القيم الغائية و القيم الوسيلية تعدُّ القيم الأخلاقية في وقتنا الحالي من أهم القيم التي تُشكِّل ثقافة المؤسسات وتحفِّز الأفراد فيها. على سبيل المثال، عندما طرحت شركة جوجل أسهمها للاكتتاب العام في عام 2004، تضمنَّت نشرتها الدعائية هدفًا غريبًا للمؤسسة: «لا تكن شريرًا»، وذلك قد يُشكِّل تحديًا لشركة ذات قيمة سوقية تُقدَّر بمليارات الدولارات وتعمل في مختلف أنحاء العالم ولديها مستثمرون يتوقَّعون منها تحقيق الأرباح. لقد أثارت العمليات والخُطوات التي تبنّتها جوجل في الولايات المتحدة وخارجها جدلًا حول مدى تطبيقها والتزامها بالهدف الذي أعلنت عنه سابقًا. في الواقع، إنَّ هناك حاجة مستمرة لدمج القيم الأخلاقية في المؤسسات، إذ أظهرت مبادرة الأخلاق والامتثال (Ethics & Compliance Initiative) أنَّ 22% من العمَّال على مستوى العالم قد أبلغوا عن وقوعهم تحت ضغوطات تستهدف دفعهم إلى التنازل عن مبادئهم. يخضع مديرو كبرى الشركات للتدقيق من قِبل العامَّة على نحوٍ لم يسبق له مثيل، كما أنَّ الشركات الصغيرة أضحت بحاجة إلى إيلاء اهتمام أبكر بالجانب الأخلاقي في عملها لكي تستعيد ثقة الزبائن والمجتمع. يظهر في هذه الصورة الرئيس التنفيذي لمؤسسة تسلا وسبيس إكس إيلون ماسك أثناء إحدى مؤتمرات تيدكس، يحظى ماسك بتأييد اجتماعي كبير بسبب تبنيه لأساليب المسؤولية الاجتماعية التي ينتهجها في شركته. عادةً ما يُنظر إيجابيًا إلى تصنيع السيارات الكهربائية التي تساهم في تقليل التلوُّث، ولكنَّ ماسك خضع للتحقيق بسبب ما قاله بشأن حصوله على تمويل مضمون لتحويل شركة تسلا إلى شركة خاصة ممَّا أثار قضايا مرتبطة بالامتثال. (مصدر الصورة: ستيف جيرفيتسون/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY-ND 2.0)) يمكن أن توجِّه القيم والمبادئ الأخلاقية سلوك الأفراد والجماعات والمؤسسات بدرجة كبيرة، ولكن من القضايا المتكرِّرة التي تواجه الأفراد بشأن التصرُّف أخلاقيًا هي أنَّ العديد من الناس لا يدركون القيم التي يؤمنون بها أو أنّهم يختارونها دون وعي، كما أنَّنا غالبًا ما نتصرَّف أولًا ثمَّ نفكِّر ونبرِّر لاحقًا. إنَّنا لا نختار الأساليب والطرق التي نتَّبعها للوصول إلى أهدافنا وغاياتنا عن قصدنا وبإرادتنا دائمًا، لذلك فإننا نترك «الغاية تبرِّر الوسيلة» أو «الوسيلة تبرِّر الغاية» في كثير من الأوقات. غالبًا ما تنشأ المعضلات الأخلاقية (المواقف والمآزق التي لا يوجد فيها خيار مثالي أو مثالي بين الخيارات المُتاحة، ولا يحل أي من الخيارين المشكلة ولا يُقدِّمان حلًّا ذا أبعاد أخلاقية جيدة) من عدم معرفتنا كيفية التفكير في العواقب المحتملة لما نقوم به أو لما نتقاعس عن فعله، لذلك فإنَّ معرفة قيمنا والوعي بها هي الخطوة الأولى التي تجعلنا قادرين على التصرُّف بطريقة أخلاقية ومسؤولة حتى نمنع أو نقلِّل من الضرر والأدى علينا أو على الآخرين. لتحقيق هذه الغاية؛ من الجيِّد فهم القيم التي صُنِّفت إلى قيم غائية وقيم وسيلية. القيم الغائية هي الأهداف أو الأغراض أو الغايات التي يرغب الأفراد في تحقيقها، ومن الأمثلة عليها: الحرية والأمان والسعادة والتقدير الاجتماعي والصداقة والإنجاز والراحة والمغامرة والمساواة والحكمة. في المقابل، فإنَّ القيم الوسيلية هي الوسائل السلوكية المفضَّلة المستخدمة لتحقيق الأهداف، ومن الأمثلة عليها: أن تكون مساعدًا وأمينًا وشجاعًا ومستقلًا ومهذَّبًا ومسؤولًا وكفؤًا وطموحًا ومُحبًّا ومكتفٍ ذاتيًا ومتسامحًا. من الممكن أن يُساعد الفصل بين القيم الهادفة والقيم الوسيلية الأفراد والجماعات ووحدات العمل على التمييز بين الغايات والوسائل (الطرق التي تؤدِّي إلى الغايات) والعكس عند اتخاذ القرارات، ومن ثمَّ يساعدنا على اختيار المزيد من الخيارات الأخلاقية أو على الأقل تقليل اختيار الخيارات غير الأخلاقية. على سبيل المثال، افترض أنَّ هدف أحد مديري المبيعات هو تحفيز موظَّفي المبيعات على تحقيق زيادة في المبيعات بنسبة 17% بحلول نهاية ربع السنة، وأنَّ الوسائل التي حثَّ عليها المدير لإنجاز ذلك الهدف هي كالتالي: «اسعوا إلى تحقيق الهدف. استخدموا خيالكم وعزيمتكم. احرصوا على أن يصل كل منكم إلى ذلك الهدف أو أبعد منه.» القيمة الغائية في هذه الحالة هي الإنجاز الكبير لدرجة الطموح المُبالغ فيه لتحقيق ربح مالي ضخم، كما يمكن أن نعدّ أنَّ القيمة الوسيلية أيضًا هي السعي لتحقيق ذلك الإنجاز الضخم. من المحتمل جدًّا أن ينشأ عن القيمتين الغائية والوسيلية في هذا المثال ضغوطاتٌ نفسية لموظفي المبيعات لا داعي لها ومن الممكن أن يُسبِّب أيضًا قلقًا لهؤلاء الموظفين. المنطق الأخلاقي الذي يقوم عليه هذا المثال هو أنَّ «الغاية تُبرِّر الوسيلة»، ويثير هذا المثال تساؤلًا عمَّا إذا كان موظَّفو المبيعات سيختارون القيم التي تتضمَّنها تعليمات المدير إذا فكَّر كل منهم مليًّا بشأنها. إذا ولَّدت القيمة الغائية ضغطًا كبيرًا وكانت الأهداف المطلوبة غير واقعية وبعيدة المنال، فمن المحتمل أن تُولِّد القيمة الوسيلية توترًا وسلوكًا غير أخلاقيٍّ أيضًا، وهذا يعكس ما حدث مؤخَّرًا في شركة ويلز فارجو التي تقدِّم الخدمات المالية، إذ كانت الشركة -من رأس الهرم الإداري فيها إلى قاعدته- تتبنَّى أهداف مبيعات غير واقعية ويسيطر عليها ضغط عملٍ شديد، ممَّا دفع موظَّفي المبيعات إلى الكذب على الزبائن المخلصين وممارسة الضغط عليهم وخداعهم لكي يشتروا منتجات مالية زائفة حتى يحقِّقوا أهداف المبيعات غير الواقعية المفروضة عليهم. عندما اكتُشف حدوث مثل هذه التصرُّفات غير الأخلاقية، تبيَّن أنَّ موظفِّي المبيعات ليسوا وحدهم من ارتكبوا عمليّات الخداع، إذ إنَّ المسؤولين في الإدارة العليا للمؤسسة قد شاركوا في تِلك الجريمة أيضًا، وكانت النتيجة إجبار الرئيس التنفيذي للشركة على الاستقالة من منصبه وفصل 5300 موظفًا عن العمل وصدور العديد من الدعاوى القضائية ضد الشركة. هناك العديد من الدروس المستفادة من قصة فشل شركة ويلز فارجو، ومن هذه الدروس أنَّ على الفرد أن يكون مدركًا للقيم التي تقوم عليها التعليمات والأوامر المرتبطة بالعمل، كما ينبغي على الفرد أن يتمسّك بقيمه ومبادئه الأخلاقية الخاصة التي يمكن أن توجِّهه في العمل والدراسة والمواقف الشخصية حتى لا تؤثِّر عليه مشكلات الآخرين. من التقييمات التي يمكن أن تساعدك على اكتشاف قيمك الخاصة تقييم Personal Values Assessment. لقد وجد رون كاروتشي أنَّ هناك خمسة أمور لا مبرِّر لها تدفع المؤسسات من خلالها الأشخاص الصالحين إلى اتخاذ قرارات غير أخلاقية وهي: إشعارهم بانعدام الأمان النفسي، الأمر الذي يمنعهم من التعبير عن آرائهم. الضغط المبالغ فيه من أجل تحقيق أهداف غير واقعية ممَّا يدفع هؤلاء الأشخاص إلى القيام بما يُعارض مبادئهم. توليد الشعور بعدم الإنصاف لدى هؤلاء الأشخاص بسبب وجود أهداف متضاربة ممَّا يؤثِّر على طريقة تفكيرهم ونظرتهم للأمور. عدم التحدُّث عن الأخلاق إلَّا عند وقوع فضيحة. عدم توفير نموذج إيجابي يُحتذى به ممَّا يجعل تصرُّفات الأفراد مجرَّد ردود فعل وليست أفعالًا أو تصرّفاتٍ ناتجة عن اتخاذ قرارات أخلاقية. ستساعدك معرفة المبادئ الأخلاقية (التي سنتحدَّث عنها في القسم التالي من هذا سلسلة مقالاتنا في هذا الصدد) على التفكير جيِّدًا أثناء المواقف المعقَّدة حتى تتَّخذ قرارات واعية قائمة على القيم وتفعل الأمر الصائب. ترجمة -وبتصرف- للفصلين Ethics and Business Ethics Defined و Dimensions of Ethics: The Individual Level من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: المبادئ الأخلاقية واتخاذ القرارات المسؤولة المقال السابق: ثقافة المؤسسة