هل أنت بحاجة إلى مساعدة في دفع إنتاجيتك قُدُمًا؟ هل حاولت أن تضع نفسك في "المنطقة الفكرية"؟ يسمّي العلم هذه الظاهرة باسم "التدفّق". هل اختبرت هذه الظاهرة من قبل؟ هل مرّت عليك أوقات وضعت نفسك في المنطقة الفكريّة لدرجة أنّك لم تشعر بمرور الوقت؟
إنّها تجربة سُرياليّة (Surreal) إن جاز التعبير، يمكنك تقريبًا ملاحظة إنتاجك الوفير فيها.
كل ما تقوم به ينساب انسيابًا جميلًا، وتعلم في داخلك أنّك تنتج إنتاجًا عظيمًا. هذا الشعور الساحر هو ما يسمّيه علماء النفس "التدفّق".
هنالك آلاف المدونات على الإنترنت الّتي تتحدّث عن رفع إنتاجيّة العمل. لكن إن أردت السرّ الحقيقيّ وراء الإنتاجيّة فعليك أن تفهم معنى "التدفّق". سأحاول أن أبسط الفكرة لك لعلّك تستطيع اختبارها مرّات أكثر.
قانون ييركس-دودسون (The Yerkes-Dodson Law)
قام عالما النفس "روبرت يركس" (Robert M. Yerkes) و"جون ديلينغهام دودسن" (John Dillingham Dodson) في عام 1908 بتطوير قانونٍ سُمِّيَ قانون يركس دوسون Yerkes-Dodson Law، ويهدف القانون لصياغة علاقة بين الأداء الوظيفي ومستوى الاستثارة لدى الأفراد. ينصّ القانون على أن الأداء يتحسن بازدياد مستوى الاستثارة (المباشرة أو الفكرية) ولكن هذا التحسن يتوقف عند حدٍّ معيّن. يقول القانون أنّه عندما تزداد مستويات الاستثارة زيادةً كبيرةً فسوف يكون تأثيرها عكسيّاً وتؤدي إلى هبوط الأداء. من الممكن التعبير عن هذه العلاقة عبر رسمٍ بيانيٍّ منحنٍ على شكل حرف U مقلوب، حيث يصعد الرسم البياني معبّرًا عن ارتفاع الأداء ومن ثمّ يبدأ بالتناقص بعد الوصول لمستويات الإثارة المرتفعة.
هذه -بشكلٍ أساسيٍّ- ماهيّة التدفّق. إنّها ذلك التوازن الجميل في المهمّات بين كونها ليست متحدّيةً بشكلٍ زائد وليست مملّةً بشكلٍ زائد.
تحقق هذا التوازن المثاليّ صعبٌ وشائك بطبيعة الحال. كما أن الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك حقيقةً هي أن تحبّ ما تعمل.
لن تتمكّن أبدًا من الوصول لنقطة "الاستثارة الذهنيّة" إن لم تحبّ عملك. لذلك إيجادك لعملٍ شغوفٍ به مهمٌّ للغاية. لربما يفيد هذا الفيديو من مشروع TED المسمّى "التدفّق، سرّ السعادة" للمتحدّث (Mihaly Csikzentmihalyi):
نصائح للوصول والحفاظ على "التدفّق".
يتحدث Mihaly في الفيديو السابق عن تطبيق التدفّق على مناحٍ أخرى في الحياة خارج نطاق العمل. يقول أنّ سرّ الحياة السعيدة هو بإدخال مفهوم التدفّق إلى حياتنا اليوميّة. لهذا يكون مهمًّا تعلّم هذا المفهوم وكيفيّة تطبيقه والحفاظ عليه. نورد لك بعض النصائح لتبدأ منها:
- جِد البيئة المناسبة: عليك أن تجِد ما يناسبك بأفضل شكل. جِد المكان الّذي يجعلك تنجز عملًا حقيقيًّا. قد يكون هذا المكان مقهى أو مساحة عمل مشتركة أو حتى غرفة نومك، كلّ شخصٍ يعرف الأنسب له.
- جِد الوقت المناسب: لدى كلّ شخص وقت مناسب له يكون فيه أكثر إنتاجيّةً. جِد هذا الوقت واستغلّه قدر الإمكان.
- تخلّص من كل المُشتّتات الممكنة: أغلِق هاتفك وتلفازك وأي برامج غير متعلّقة بالعمل الّذي تؤدّيه على حاسوبك. لا تقطع عملك لأجل الغداء، كُل لاحقًا. فعند وصولك لمرحلة التدفّق لا يجب عليك قطعها أبدًا.
تستطيع أيضًا الاستفادة من النصائح في هذه المقالة باللغة الإنجليزيّة.
تقبّل إمكانيّة الفشل هو أصعب ما في هذه الحالة. إن تعلّمت ذلك فأنت على الطريق الصحيح لتطوير ذاتك. عندما تستعدّ لتقبّل الفشل، تستعدّ للتعلّم. في مخطّط التدفّق هناك جهتان أساسيّتان (الملل والقلق) عليك الحفاظ على نفسك بينهما.
يحدث الملل عندما تكون المهمّة سهلةً جدًّا. ولن تتعلّم أبدًا شيئًا جديدًا إن كنت تسلك دائمًا الطريق الأسهل.
تحدّيك لذاتك هو الطريقة الوحيدة لتتطوّر، هذا هو الطرف الآخر من المخطّط. يحدث القلق عندما تكون لا تملك معلومات كافية عن المهمة الّتي تقوم بها فتتعلّم عنها خلال عملك بها. هذا يسبب ما يقال عنه "الفشل المبكّر يؤدي للفشل المتكرّر".
عليك أن تستعد لأن تخطئ وتتعلّم من أخطائك إن كنت ترغب بالنموّ بسرعةٍ حقًّا وأن تكون الأفضل في مجالك. أفضل نصيحة يمكن تقديمها في هذا المجال هي أن تجد مرشدًا ينصحك بفعاليّة ووضوح. ليس فقط ما أخطأت به بل أيضًا ما يعرفونه.
ارفع مستواك في اللعبة
فلنشرح بالبدء ما المقصود باللعبة هنا، في حال كنت لا تعرف المغزى من ذكر ذلك. المقصد هو إضافة آليات الألعاب (كالنقاط والإنجازات) للأشياء الأخرى عدا عن الألعاب لجعلها مرحةً أكثر.
الحياة لعبة ولكي تطوّر نفسك فيها يجب أن "تصعد في مراحلها". إن رغبت بأن تحقَّق "التدفّق" أثناء العمل فعليك أن تستمرّ في تحدّي ذاتك والتحسّن فيما تفعله. يجب عليك أيضًا أن تعمل بجدّيّة. سوف أطرح لك مثالًا علّه يساعدك.
بدأت في بداية هذا العام تعلّم برمجة الويب كتحدٍّ شخصيٍّ. وضعت لنفسي هدفًا واقعيًّا طويل المدى وقابلًا للتحقيق وتدرّبت لساعات عديدة. وحسن حظّي امتلك الموقع الّذي استخدمته مسارًا واضحًا لما أرغب بتحقيقه.
استطعت أن أرى طريقي لنهايته فاستطعت أن أخبر نفسي بقدر الدراسة الّتي يجب عليّ أن أنجزه في كل يوم وأسبوع وشهر حتّى أصل لهدفي. تأكدت من انعدام المشتّتات خلال جلسات التعلّم الّتي قمت بها. أغلقت هاتفي وبابي وكل البرامج الأخرى على حاسوبي وطلبت من جميع من في المنزل أن يعطوني بعض الهدوء.
هذا المقصود بأن تأخذ الموضوع بجديّة. سجّلت أيضًا كلّ ما قمت به. هذا مهمٌّ عند متابعتك لتقدمك وفهم مدى تطوّرك. قد يكون المثال فريدًا بسبب كونه يساعد بسهولة على تسجيل ومتابعة التقدّم الحاصل.
ساعد موظفيك على تحقيق "التدفّق"
يمكنك أن تفعل الكثير لمساعدة موظفّيك في هذا المجال. إنّها مسؤوليّة كلّ مديرٍ أن يتأكّد من أنّ الجميع يقوم بكل ما يمكنه القيام به وأن يساعد موظّفيه على العمل بأفضل شكل.
الشيء الأول للقيام به -بطبيعة الحال- هو البحث عن إشارات تدلّ على عدم الالتزام. مثل الملل والتجوال وفقدان التركيز. لكنّك تستطيع أيضًا *قياس أدائهم بواسطة مشعرات قياس أداء خاصّة (KPI).
إن لاحظت هبوط أحد مؤشرات (KPI) فهذا يدلّ على وجود خطإٍ ما وأن الشخص المسؤول عن هذا المؤشر فقد تركيزه بطريقة ما. لربّما أصحبت المهمّة مملّة جدًّا بالنسبة للموظّفين. وفي هذه الحالة فأنت المسؤول عن جعلها أكثر تحدّيًا لهم.
احرص على كون المهمة ممتعةً أيضًا، لا داعي لأن تزيد الضغط عليهم، فقط المزيد من الالتزام. ولربّما أصبحت المهمّة معقّدة جدًّا أو أن أحد الموظّفين اضّطر للعمل في مهمّة أخرى فأصبحت صعبةً على باقي الفريق.
في هذه الحالة لا يمكن الوصول لمرحلة "التدفّق" ويجب عليك أن توفّر الدعم لهم. يجب عليك كما ذُكر أن تجد التوازن الأمثل بين الالتزام والتحدّي. تشجيعك لموظفيك هو أيضًا مفيد لهم ليتقنوا مهامهم. زوّدهم بموارد تعليميَة ملائمة ليتمكنّوا من ذلك.
في الحقيقة هذا جزء من مفهوم "التدفّق". إتقان مهارةٍ ما هو طريقة مهمّة لوصول الشخص للتوازن المطلوب.
هل سمعت مالكولم غالدويل (Malcolm Gadwell) يتحدّث عن 10,000 ساعة؟ كلامه مهمّ لفهم كيف يمكن للشخص الوصول لأفضل ما لديه. التدرّب ثمّ التدرّب ثمّ التدرّب.
يجب على المدراء أن يشجعّوا نشاطات بناء الفريق في العمل لتقريب الجميع من بعضهم. ينبغي أن يشعر الموظّفون بالحب في مكان عملهم ومع زملائهم.
هل تظنّ أنّ نصائحنا سترفع إنتاجيّتك في العمل؟
التدفق مهمّ لرفع الإنتاجية في العمل -كما ترى-. هل لديك نصائح أخرى أغفلنا عن ذكرها؟ اذكرها في التعليقات أدناه.
ترجمة -وبتصرف- للمقال The Science Of Getting In The Zone At Work لصاحبه Jacob Shriar.
تم التعديل في بواسطة جميل بيلوني
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.