قد يكون تقديم الاستشارات وسيلة ممتازة لتمويل شركتك الناشئة أو للحصول على بعض الأرباح، فالأمر سهل للغاية، وكلّ ما عليك فعله هو تحديد الأجور المطلوبة والبدء بالعمل.
ولكن بعد فترة وجيزة ستلاحظ أنّ هناك الكثير من ساعات العمل التي يمكن أن تدرّ عليك المزيد من الأموال، ولربما تدفعك هذه الملاحظة إلى توسيع العمل، فتوظّف شخصًا ما مقابل 30 دولارا للساعة، وتعدّل الأجر الذي تطلبه إلى 60$. أرباح سهلة، أليس كذلك؟.
في الواقع، لا تجري الأمور بهذه البساطة، وسأبيّن لك فيما يلي ما سيحدث على أرض الواقع، وسأقدّم إليك بعض النصائح لتجنب ذلك.
مضاعفة الأجور لا يعني شيئًا
لنفترض أنّك وظّفت شخصا براتب 60,000$ في السنة. عدد ساعات العمل في السنة الواحدة هو 2,000 ساعة (50 أسبوعًا × 40 ساعة في الأسبوع)، ويبقى أسبوعان للإجازات، وبهذا يكون أجر الساعة:
الأجر الاسمي: 30$ للساعة
إن أعدنا الحسبة باعتبار أيام العمل، فهناك 250 يوم عمل في 50 أسبوعًا. العطل الرسمية في الولايات المتحدّة هي 10 أيام، وهذا يعني أنّ عدد أيام العمل يصبح 240 يومًا. والآن إن أعدنا حساب كلفة الساعات نحصل على:
20 يوم عمل في الشهر، 31$ للساعة.
تختلف القوانين والضرائب المفروضة على التوظيف في الولايات المتحدة الأمريكية بين ولاية أخرى، ولكن القاعدة العامة هي دفع 15% في الضرائب التي تشمل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي. سيؤدي هذا إلى تغيير الراتب السنوي لموظّفك من 60,000، وهذا سيؤدي ضمنًا إلى تغيير الأجر الساعي إلى:
20 يوم عمل في الشهر، 36$ للساعة.
كل الحسابات السابقة مبنية على افتراض أنّ يوم العمل يمتدّ لـ 8 ساعات، ولكن هذا نادر الحدوث وهذا ما سيخبرك به أصحاب الشركات الاستشارية، قد يعمل المؤسسّون 60 إلى 80 ساعة في الأسبوع، ولكن هذا لا ينطبق إطلاقًا على الموظفين. إلى جانب ذلك، من الصعب جدًّا أن تكون منكبًا على عملك لـ 8 ساعات متواصلة كل يوم، وتقديم الاستشارات هو عمل تحسب أجوره بساعات العمل. وحسب خبرتي فإنّ ساعات العمل المحسوبة تقارب 36 ساعة بدلًا من 40. وهذا يعني أنّك متأخر بمقدار 16 ساعة شهريًا، أي ما يعادل يومي عمل كاملين، وبهذه الخسارة نصل إلى:
18 يوم عمل في الشهر، 40$ للساعة.
لا بدّ للحياة الشخصية أن تؤثّر على العمل، فقد تأتي إلى العمل ظهرًا لأنّك على موعد مع طبيب الأسنان في الصباح، أو قد تغادر العمل مبكّرًا لأنّك بانتظار فنّي إصلاح مكيّف الهواء، وقد تكون مريضًا وتتغيب عن العمل يومًا كاملًا. هناك الكثير من الأسباب التي تدفعك إلى الابتعاد عن العمل، وقد يبدو ذلك قليلًا، ولكن نصف يوم من هنا ونصف يوم من هناك ويوم كامل في الفراش يعني خسارة يومين آخرين:
16 يوم عمل في الشهر، 45$ للساعة.
لقد افترضنا أنّك قادر على إبقاء موظّفك مشغولًا طوال العام دون وجود أوقات فراغ بين المشاريع، ولكن هذا غير واقعي. إن تمكنت من الحصول على عملين خلال أسبوعين، فعلى الأرجح أنّك ستفوّت يومًا بينهما بسبب عدم حساب الوقت بدقة، أو لأنّك اضطررت إلى إجراء تعديلات بعد انتهاء العمل. وإن تمكنت من الحصول على عمل يمتد لستة أشهر فهذا أفضل، ولكن من الصعب أن تضبط توقيت بدء وانتهاء الصفقات الكبيرة حسب رغبتك خصوصًا قبل بدء العمل بعدة أشهر. في الواقع من الشائع أن تمرّ بفترة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من التعطيل في مثل هذه الحالات. وبكل الأحوال فإنّك ستخسر 10% من وقتك، هذا على فرض أنّك تحصل على مشاريع العمل يوتيرة متواصلة، لذا سنرفع يومين آخرين من حسبتنا (10% من 20 يوم عمل):
14 يوم عمل في الشهر، 51$ في الساعة
لنفترض كذلك أنّك ترغب في تخصيص نزر يسير من الوقت لتطوير المهارات، فطبيعة الحال، إن كنت تتوقع توظيف أشخاص متميّزين والإبقاء عليهم، فإنّهم بحاجة إلى الوقت لمواصلة التعلّم والاطلاع على آخر التقنيات والمستجدات، وللترفيه عن أنفسهم. وقد يتطلّب هذا حضور مؤتمر أو اثنين، أو العمل على مشروع مفتوح المصدر، أو منح الموظّف 10% من الوقت للقيام بأعمال غير مدرجة في قائمة مهامه، كما فعلت Google ولكن النسبة 20%. وهذا يعني أن نخفض 10% مرة أخرى من حسبتنا:
12 يوم عمل في الشهر، 60$ للساعة.
الأجر الحقيقي للموظف هو ضعف الأجر الاسمي. بمعنى أنّك إن تقاضيت 60 للساعة فإنّك ستصل إلى حدّ التربح وحسب. أي أنّك بحاجة إلى أن تتقاضى 100 في الساعة. وعندما يفكّر العميل بما هو منصف للطرفين، فإنّه لن يقوم بالحسابات التي أجريناها قبل قليل، بل سيعتمد على الأجر الاسمي مضافًا إليه مقدار قليل من الأرباح. والنتيجة أنّك ستجد نفسك مضطرًا إلى تخفيض الأجر الذي ستتقاضاه لئلا يشعر العميل بأنّه يتعرض إلى عملية نصب أو احتيال.
لربما تقول: “نعم، ولكن 100 للساعة، أو 80,000 في الساعة، ألا تستحق أن يكون ما تتقاضاه أنت 150 سنويًا دون الدخول في معمعة التوظيف وإدارة الموظفين. أليس هذا أفضل بكثير؟
ما العمل إذًا؟
هناك العديد من الوسائل التي يمكنك اتباعها لمعالجة المشكلة، وقد تجد نفسك مكرهًا على اتباع بعضها، ولكن يمكنك الاستفادة منها جميعها بطريقة أو بأخرى.
التوسع
إن كنت تملك خمسة موظفين فقد تصل أرباحك إلى 300,000$ سنويًا، ولكن هذا لن يحصل أبدًا، لأنّ التوسع سيأخذ المزيد من الوقت وسيتطلب المزيد من النفقات:
- ستزداد صعوبة الاستمرار بالتعامل مع عملاء جدد، فالحصول على 3 إلى 6 مشاريع في السنة هو بمثابة عمل بدوام كامل، وهو عمل يقع على عاتقك وحدك.
- ستزداد معدلات دوران الموظفين ونتيجة لذلك ستضطر إلى اللجوء للتوظيف مرة تلو أخرى، وهذا بحدّ ذاته يستهلك الوقت والمال، إضافة إلى صعوبة التنسيق مع الأشخاص الجدد في الوقت الذي يترك فيه موظّفوك الحاليون العمل.
- كونكم ستة أشخاص يعني حاجتكم إلى مكتب تعملون فيه إضافة إلى موظّف خدمة.
- مع كل هذه المهام الجديدة، سيكون من المستحيل عليك أن تدير المشاريع وشؤون العملاء والتطوير الداخلي للمنتج؛ لذا ستكون بحاجة إلى مدير للمشروع أو موظف للمبيعات أو مدير مكتب أو أي شكل من أشكال المساعدة، وكل هذا سيأخذ جزءًا من أرباحك.
- هذه المهام الجديدة ليست ممتعة أو خلّاقة، بل هي أعمال شاقّة تقع عاتقك أنت وحدك. تهانينا، أنت الآن صاحب مشروع تجاري.
إن أخذنا كل هذه المصاريف في الاعتبار، لا عجب حينئذٍ أن تنخفض الأرباح من 300,000 فقط، وأنت تقوم الآن بأمور لا تطيقها.
تقاضي المزيد من الأموال
ستتحول أيّ مبالغ إضافية تتقاضها إلى أرباح بصورة مباشرة، ويمكن لمبالغ إضافية صغيرة جدًّا أن تشكل فرقًا كبيرًا في نهاية السنة.
ومع ذلك، غالبًا ما يؤدي طلب أجور مرتفعة إلى ابتعاد العملاء عنك، وستجد نفسك مضطرًّا إلى البحث عن عملاء جدد قادرين على دفع مبالغ جيّدة، وعادة ما يكون هؤلاء أصحاب شركات غير عادية لديها اتفاقية خدمة رئيسية Master Service Agreement تمتد على 25 صفحة، إضافة إلى متطلبات معقّدة ومتغيّرة على الدوام.
هذا هو العمل، وهو عمل يختلف تمامًا عن كونك بارعًا في HTML وCSS وتعمل على مشاريع روّاد أعمال آخرين يقدّرون معنى كونك خبيرًا في Sass.
ولكن عليك الانتباه إلى أنّه يمكن لمقدار بسيط من الحسومات أن يؤثّر بشدّة على أرباحك. فمن الشائع مثلًا أن تقدّم حسمًا بمقدار 10% إن دفع العميل المال مقدّمًا، ولكن على الرغم من أن الحصول على الأموال منذ البداية أمر جيّد، إلا أنّ تقديم الحسم يجب أن يكون بعد حساب الأرباح.
تقاضي مقابل ساعات أكثر
يمكن لزيادة ساعات العمل الأسبوعية بمقدار بسيط (5 ساعات مثلًا) أن تزيد من أرباحك الإجمالية.
ولكن المشكلة هي كيف تقنع موظّفيك بالعمل لساعات إضافية مقابل راتب ثابت؟
هناك إجابة واحدة فقط: تقاسم أجور الساعات الإضافية معهم، فالأرباح خالصة لك ويمكنك تقديم مكافآت مجزية للموظفين.
اصنع منتجًا
تمتلك معظم شركات تقديم الاستشارات التي أعرفها عددًا من المشاريع الداخلية التي من المأمّل أن تتحول إلى منتجات مدرّة للأرباح، وعادة ما تتم الأمور بهذه الصورة:
اقتباسقمنا ببناء هذا المنتج لأننا بحاجة إليه، فهو يساعدنا كثيرًا في مجال تقديم الاستشارات لأنّه يسرّع عملية تقدّم الشركة وتطوّرها ويحسن المبيعات.
ومن المؤكد أنّ هذه الأداة مفيدة لغيرنا كما هي مفيدة لنا، لذا فإننا نعمل على تطوير المنتج وتحسينه كلّما سنحت لنا الفرصة، ومن المؤكّد أنّه سيأتي اليوم الذي يصبح فيه هذا المنتج مصدرًا للأرباح.
هناك العديد من الشركات البارزة التي طوّرت منتجات ناجحة بهذه الطريقة، منها على سبيل المثال: 37signals، FogCreek و Pivotal Labs.
ولكن خلف هذا النجاح هناك الكثير من الجهود التي بُذلت على مشاريع صغيرة لم تبصر النور في يوم من الأيام، والأسباب كثيرة منها:
- يتطلب تحويل مشروع داخلي إلى مشروع يألفه المستخدمون جهدًا شاقًّا، إذ ستحتاج إلى كتابة التوثيقات Documentations، وتعديل واجهة المستخدم، وتهيئة برامج التنصيب، وإعادة تعيين كلمات المرور، وإصلاح العلل البرمجية الكثيرة المنتشرة في المنتج والتي تعوّدت على تجاوزها بنفسك. لا يوجد أحد يرغب في القيام بذلك، وليس هذا عمل أحد من الأساس، لذا فلن يحدث هذا الأمر.
- تسويق المنتج أو بيعه ليس مسؤولية أحد، إذ لا يملك أحد الوقت الكافي للقيام بذلك، ومن المحتمل أن يكون فريق العمل برمّته من المستشارين الذين لا يملكون مهارات التسويق والبيع. لذا تضطرّ إلى عرض المنتج في وسائل التواصل الاجتماعي أملًا في أن تساعد التوصيات الشفهية على ترويج المنتج ودفع المستخدمين إلى صفحة التسجيل في موقع الإلكتروني. ولكن بالطبع كل هذا لن يحصل على الإطلاق.
- من المرجّح أن تكون لديك خمسة مشاريع جيّدة، ويمكن لكل واحد من هذه المشاريع أن يصبح مشروعًا متميّزًا إن نال القسط الكافي من الرعاية والاهتمام، ولكن بما أنّك مهتمّ بجميع المشاريع في نفس الوقت - قد لا يظهر هذا الاهتمام إلا عندما لا يكون هناك عمل - فلن يصل أيّ من هذه المشاريع إلى مرحلة تؤّهله إلى أن يكون قابلًا للاستخدام من قبل شخص آخر. قلّة التركيز أمر سيّء للغاية.
- تطغى ساعات العمل على مهمّة تطوير المنتج، وتكون هذه المهمّة في المقام الثاني دائمًا؛ لذا ستحصل على منتج جانبي من المقام الثاني أيضًا.
معظم المشاكل السابقة يمكن حلّها ببساطة، وذلك بأن تتعامل مع المنتج كعميل:
- يضاف المنتج إلى قائمة العملاء شأنه في ذلك شأن أي عميل آخر.
- تخصّص ميزانية للمنتج، بل وحتى حساب بنكي خاصّ به، بهذا يكون مقدار المصروفات والمدّخرات الخاصة بالمشروع واضحًا تمامًا، ويمكن للمنتج أن يدفع رسوم الاستشارة (ربما بسعر الكلفة بدلًا من السعر الكامل).
- تُحدَّد ساعات العمل على المشروع كما هو الحال مع بقية العملاء، ولا يُتغاضي عنها فقط لأنّ المنتج ليس عميلًا حقيقيًا.
- إن لم تتمكن واردات المنتج من سدّ تكلفة بنائه، فمن الأفضل أن تفكر في إيقاف العمل عليه درءًا للخسائر.
استخدام متعاقدين فرعيين بدلًا من الموظفين
إن كنت تدفع للموظفين الذين يعملون تحت إمرتك مقابل عدد الساعات التي تتقاضاها منهم بالضبط، فستتجنب جميع المشاكل التي تطرقنا إليها قبل قليل: لا ضرائب على التوظيف، ولا خوف من الإجازات أو عدم وجود عمل… إلخ. إنّها موازنة بسيطة للوقت.
هذا رائع أليس كذلك؟ لسوء الحظ يطلب المتعاقدون الفرعيون أموالًا كثيرة في الساعة، أكثر بكثير من الموظفين، وهذا طبيعي مقابل الأسباب التي ذكرناها قبل قليل.
فأنت لم تتخلص من تلك المشاكل وإنّما رميتها على شخص آخر، ولو وظّفت ذلك الشخص كمستشار فسيتقاضى منك 60 وستبقى أرباحك على حالها.
مع ذلك، ستتجنب الكثير من المشاكل عندما تستعين بمستشارين، لذا فالأمر جدير بالاهتمام. فالضرائب تصبح أبسط (في أمريكا)، ولا مساومات على الإجازات، ولن تجبرهم على العمل 45 ساعة في الأسبوع لتعويض ما نقص من ساعات العمل في الأسبوع الفائت. ولو نظرنا إلى الأمر من زاوية نفسية، فسيكون الأمر أفضل، إذ من السهل أن تدفع 60، ولكنّك ستستثقل دفع المال في الأيام التي لا يوجد فيها عمل.
هل تقديم الاستشارات بهذا السوء؟
تقديم الاستشارات من الأعمال المدرّة للأرباح وهي كذلك طريقة ذكية لتمويل الشركة الناشئة ذاتيًا.
لا يتطلّب تحقيق النجاح في هذا المجال سوى تجاوز هذه العقبات. فعلى سبيل المثال، أنت تعلم جيّدًا أنّ من الضروري أن تحاسب موظّفيك مقابل 40 ساعة كاملة من العمل، لذا عوّد نفسك على متابعة ساعات العمل كل أسبوع لتتأكد من عدم وجود تأخير من قبل أحد الموظفين، كذلك لا تنسَ تقديم بعض الحوافز للموظفين وشاركهم الأرباح عندما يبذلون جهودًا إضافية في العمل.
تقديم الاستشارات عمل صعب، ولا تجني معظم شركات تقديم الاستشارات الكثير من الأرباح، ومن النادر جدًّا أن تجد شركة تلتزم بإطلاق منتج ناجح كانت قد طوّرته في فترات انقطاع العمل. لذا إن كنت ترغب في تحقيق النجاح، يجب عليك أن تكون جادًّا وملتزمًا وأن لا تستسلم على الإطلاق، وستتمكن من ذلك بكل تأكيد.
وإن حدث ذلك، فستكون قد نجحت في تحقيق التمويل الذاتي لشركتك الناشئة، وحصلت على عمل يضمن لك مصاريف المعيشة، وأبعدت عن شركتك الناشئة الكثير من المشاكل الناجمة عن الاعتماد على المنتج حصرًا، إضافة إلى تأسيس فريق عملٍ متميّز.
هل لديك أي خبرة في هذا المجال، شاركنا نصائحك وخبراتك في التعليقات.
ترجمة - وبتصرّف - للمقال The unfortunate math behind consulting companies لصاحبه Jason Cohen.
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.