لا غنى للمرء عن النصيحة سواء في حياته اليومية أو العملية، ولكن يجب الانتباه إلى أمر مهمٍّ للغاية، وهو أنّه يمكن في بعض الأحيان أن يقدّم الأشخاص الجيّدون نصائح سيئة. فكيف تميز بين النصيحة الجيدة والنصيحة السيئة؟
يجب عليك أن لا تتبع جميع النصائح التي نقدّمها إليك في هذه المدوّنة، ومن المؤكد أن الأمر يبدو غريبًا، ولكن مهما بذلنا من جهد فإن النصائح التي نقدّمها ليست ملائمة لجميع المشاريع التجارية، ولو كانت كذلك، لتحولت المدوّنة إلى مدوّنة عامة مملة عديمة الفائدة.
بناءً على ذلك، ونظرًا لكوننا نرغب في جعل مدونتنا مفيدة لجميع المشاريع التجارية الصغيرة، فإنّ كل مقال ينشر فيها يمكن أن يلائم فقط بعضًا من هذه المشاريع.
وهذا الكلام ليس محصورًا في مدونتنا، بل يشمل جميع المدوّنات التي تقدّم محتوى ذا قيمة عالية في شبكة الإنترنت.
ومن المؤكد أن هناك الكثير من النصائح الرائعة التي تقدّمها هذه المدوّنات، ولكن يستهين الكثيرون بفكرة أن يكون المرء قادرًا على تصفية هذه النصائح وتحديد ما يمكن الاستفادة منه وما يجب الابتعاد عنه، إلى جانب إدراك كيفية تطبيق النصيحة على الحالة الخاصّة لمشروعه التجاري.
فعلى سبيل المثال، يعدّ Chris Sacca واحدًا من المستثمرين الناجحين جدًّا في الشركات الناشئة، وقد أخبر Chris مؤسسي Dropbox بأنّ عليهم أن يعيدوا توجيه الشركة بدلًا من محاولة تحدّي شركة Google.
“لقد تركت Dropbox ﻷني كنت أستخدم Google Drive وقد أخبرت المؤسّسين بأنّ شركة Google ستقضي عليهم”.
هل يبدو Chris غبيًا؟
لا، على الإطلاق. بل هو في غاية الذكاء، لكنّ مؤسسي Dropbox كانوا أذكياء أيضًا عندما قرّروا عدم الاستماع لهذه النصيحة.
ولك أن تتخيل ما ستؤول إليه الأمور لو أنّهم قد استمعوا إلى النصيحة التي قدّمها إليهم رائد الأعمال والمستثمر الناجح والمشهور.
لا شيء أكثر من النصائح في شبكة الإنترنت، فهي منتشرة في كل حدب وصوب، وبعد أن تحدّثت إلى عدد كبير من مؤسسي الشركات الذين ورّطوا أنفسهم بالاستماع إلى النصيحة الخاطئة، قرّرت أن أكتب عن هذا الموضوع المهم، ألا وهو فنّ اختيار النصيحة المناسبة.
5 أسئلة تساعدك على تصنيف أي نصيحة تحصل عليها
في كل مرّة أتلقى فيها نصيحة من أحد الأشخاص، أطرح على نفسي خمسة أسئلة، وقد وجدت أن للإجابة عن هذه الأسئلة أثرًا كبيرًا في اتخاذ القرار بشأن الأخذ بالنصيحة أو الإعراض عنها.
1) ما هي وجهة نظر الناصح التي دفعته إلى تقديم هذه النصيحة؟
أحد أكثر الأسئلة شيوعًا في الجامعة - حسبما ما أذكر - هو ما يطرحه طلاب المرحلة الأولى على الطلاب الأقدم: “ما هي المقرّرات التي يجدر بي دراستها؟”.
ولكن المشكلة كانت في أنّ بعض الطلاب كانوا يرغبون في دراسة المقرّرات التي تقدّم لهم شيئًا من التحدّي وأكبر قدر من المعلومات التي يمكن لهم تعلمها، وفي المقابل يرغب البعض الآخر بالمقرّرات السهلة والتي تتيح لهم الحصول على أعلى الدرجات مقابل أقل مجهود.
ولا شكّ في أنّ وجهات النظر المختلفة هذه ستؤثّر بشكل كبير على طبيعة النصيحة التي سيقدّمها الطلاب القدامى إلى الطلاب الجدد.
والأمر ذاته ينطبق على موضوعنا هذا، إذ لا يبحث كل من تطلب منه تقديم النصيحة عن المردود الذي تبحث عنه أنت، فقد يقدّم إليك بعض الأشخاص نصيحة تكون ملائمة في حال كنت ترغب في أن يحقق مشروعك التجاري نموّا بطيئًا وطويل الأمد، وقد يقدّم الآخر نصيحة تكون ملائمة عندما ترغب في أن يتوسّع مشروعك التجاري بصورة سريعة لتعرض بعدها شركتك للبيع، أو عندما ترغب في جذب مستثمرين جدد… الخ.
يبدو جليًّا أن مسار العمل مختلف تمام الاختلاف في كل حالة من الحالات السابقة؛ لذا لا تنظر إلى النصيحة وحسب، بل إلى وجهة النظر التي تدعمها.
2) إلى أي مدى تشكل تجربة الناصح انعكاسًا لتجربتي الشخصية؟
صحيح أنّ الحصول على النصيحة من أشخاص مرّوا بتجارب مختلفة عن تجاربنا أمر مفيد للغاية، ولكنه في الوقت نفسه أحد العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار بشأن قبول النصيحة من عدمه، إذ من الضروري معرفة ما إذا كانت النصيحة التي نتلقاها مرتبطة بما نقوم به أم لا.
يميل الناس إلى تقديم النصيحة من باب “لو كنت مكانك لفعلت كذا وكذا”، ولكن عندما تكون تجربة الناصح مختلفة بشكل جذري - على سبيل المثال حصل هذا الشخص على تمويل مخاطر ويستطيع الاعتماد على هذا التمويل لما يزيد عن 18 شهرًا - فإنّ تلك التجربة ستطغى بشكل كبير على النصيحة التي سيقدّمها، إذ قد تكون النصيحة بأن تقدِم على مجازفات أكبر من المعتاد في حين أنّك لا تمتلك المال الكافي للقيام بذلك.
لذا، عندما تتلقى نصيحة من أحد الأشخاص لا تنس أبدًا أن تأخذ تجربته بعين الاعتبار.
3) هل النصيحة متماشية مع آرائي ومعتقداتي؟
هناك حقيقة لا مفرّ منها، وهي أن اﻹنسان بطبعه يميل إلى تقبّل النصيحة التي تتفق مع معتقداته وآراءه على حساب النصيحة التي تناقض تلك المعتقدات.
وهذا يعني أنّه عندما يكون اﻹنسان في موضع اتخاذ قرار معيّن بعد تلقّي نصائح من مصادر مختلفة، فإنّه يميل لا شعوريًا إلى النصيحة التي تتّفق مع آرائه.
ولكن هذا ليس باﻷمر السيئ في جميع اﻷحوال (سأوضّح ذلك بعد قليل) ولكن يجب توخّي الحذر من هذه المسألة.
صحيح أن التجرّد من هذه الانحياز أمر صعب للغاية، ولكن إدراك وجوده يعدّ خطوة مهمّة باتجاه منح جميع النصائح ما تستحقه من التأمّل والتفكير.
4) ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين النصائح التي تلقّيتها؟
في أحد اﻷيام قدّم لي أحد المستشارين الذين كنت أعمل معهم نصيحة أعدّها اﻷفضل في حياتي، وكانت بشأن ما يرى أنّ علي فعله تجاه توظيف أحد اﻷشخاص في شركتي.
أخبرني ذلك المستشار برأيه حول الموضوع، ثم أردف قائلًا: “وقبل أن تقدم على فعل أي شيء، اسأل ثلاثة أشخاص آخرين”.
هذه النصيحة مطابقة تمامًا لفكرة عرض حالتك الصحية على طبيب ثانٍ ومعرفة تشخيصه لها، وهذا أمر ضروري للغاية إذ أنّه يضمن لك الحصول على رؤية أوضح وأشمل حول جميع الخيارات المتاحة أمامك.
5) إذا كانت النصيحة غير ملائمة، هل أستطيع تحمّل التبعات؟
هنالك شخص واحد فقط يتحمّل مسؤولية القرارات التي تتّخذها، وهذا الشخص هو أنت. وإن تضرّرت من اتباع نصيحة أحد اﻷشخاص، فأنت وحدك المسؤول عن ذلك.
من هنا عليك أن تنتبه إلى أمرين اثنين:
أولًا: عليك تحمّل كامل المسؤولية عند اتخاذ أي قرار.
ثانياً: في بعض اﻷحيان يفضّل أن تتبع حدسك وتقع في الخطأ (وأن تتعلم من الخطأ بالطبع) على أن تتبع نصيحة شخص آخر وتقع في الخطأ (وتندم على عدم اتباع حدسك).
كيف تطلب النصيحة من اﻵخرين
يمكن الاستفادة من الأسئلة الخمسة السابقة في التفكير حول طريقة طلب النصيحة من اﻵخرين.
وكلّما كنت واضحًا في طرح اﻷسئلة، كانت اﻹجابات التي ستحصل عليها أوضح، وكانت التغذية الراجعة التي ستحصل عليها أقوى وأفضل.
لذا، في كل مرة تطلب النصيحة، احرص على أن تتضمن اﻷمور التالية:
- النتيجة التي ترغب في الوصول إليها.
- الخيارات التي تفكّر بها في الوقت الحاضر (إلى جانب تقديم دليل على أنّك فكّرت بشكل جدّي حيال هذه الخيارات).
- أي أمور مهمّة أخرى مرتبطة بالموضوع.
لنأخذ هذا السؤال على سبيل المثال:
اقتباسمن عليّ أن أوظّف أولًا، مسوّق أم مطوّر آخر؟
وقارنه بالسؤال التالي:
اقتباسوضعت أنا وشريكي المؤسس في الشركة نموذجًا أوليًا جاهزًا للدخول إلى السوق، وأنا مستعد لتوظيف أول شخص في الشركة، وما أطمح إليه هو الحصول على العائدات في أسرع وقت ممكن.
أنا أفكّر حاليًا في خيارين، اﻷول: هو توظيف مطوّر لتسريع عملية الإنتاج وليبصر منتجنا النور في أسرع وقت ممكن، أما الثاني: فهو توظيف مسوّق لكي نبدأ ببناء قائمة بريدية تساعدنا على إطلاق المنتج، ومع أنني قادر على القيام بذلك بنفسي، ولكنّي أرى أن الاستعانة بشخص متخصّص في هذا المجال سيساعدنا على القيام بهذه العملية بصورة أكثر فعّالية وسيساعدنا كذلك في الحصول على المزيد من المستخدمين. من جانب آخر، توظيف مطوّر آخر في شركتنا قد يساعد في تقديم موعد إطلاق منتجنا لشهرين تقريبًا.
ما الذي ستفعله لو كنت مكاني؟
أيّ السؤالين يبدو أقوى في نظرك؟
أيّهما سيحصل على النصيحة اﻷفضل في رأيك؟
أيّ منهما سيحصل على إجابة من اﻷساس؟
إن لم تحصل على نصيحة جيّدة، فالسبب على الأرجح هو أنّك لم تقم بطرح السؤال بصورة صحيحة؟
كيف تطبّق هذا اﻷمر في مشروعك التجاري
إن الحصول على التغذية الراجعة من أكثر الأمور أهمية بالنسبة إلى مشروعك التجاري بل وإلى حياتك بشكل عام، ولكن تلقي الكثير من النصائح قد يسبب بعض الارتباك أو الحيرة، ومن السهل أن ينسى المرء أن يعتمد على ما تمليه عليه أفكاره عندما يتلقى النصيحة من ذوي الخبرة والدراية.
آمل أن تساعدك هذه المقالة في الحصول على نصائح أفضل في المستقبل، وأن تصبح قادرًا على معرفة الوقت والطريقة اﻷنسب للتصرف حيال النصائح التي تتلقّاها.
ترجمة - وبتصرّف - للمقال How I Filter the Advice I Get About Business and Life لصاحبه Alex Turnbull.
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.