يبدو أنَّ واحدة من بين كل ثلاث شركات ناشئة تستخدم الآن نموذج العمل المجَّاني جزئيًا «Freemium»؛ إذ يكون مستوى الخدمة الأدنى مجانيًّا، ويكون المشروع مُصمَّمًا ليجذب أولئك المستخدمين لكي ينتقلوا بعد ذلك إلى خطة استخدام مدفوعة. يمكن أن تنجح على نحوٍ رائع بالطبع، ولكنَّها عادةً ما يُحطِّم هذا الأمر الشركات ويُدمِّرها، ليس فقط لأنّها تُكلِّف أكثر من المُتوقَّع، ولكن لأنَّ المؤسِّسين لم يُدرِكوا أنّ نموذج العمل نفسه يجعلهم يتَّخِذون قرارات خاطئة.
نقاط ضعف نموذج العمل المجَّاني جزئيًّا
لنتخلَّص من بعض الأفكار الخاطئة عمَّا يُقدِّمه لك نموذج العمل المجّاني جزئيًّا فعلًا وكَم يُكلِّف.
1- نموذج العمل المجَّاني جزئيًّا لا يسمح لك بالتّعرف على الزّبائن الذين يجب استهدافهم
تخيَّل فقط كَم ستتعلَّم عندما يكون لديك ألف مستخدم حقيقي نَشِط لمنتجك؛ كل شيء بدءًا من الإحصاءات السلوكيَّة (ما السِمات التي تُستَخدَم فعلًا؟) إلى التطوير الديمقراطي للمُنتَج (التصويت على السِمات التي قد يُحبّ المستخدِمون أن يجدوها بعد ذلك). المُشكِلة أنَّ مستخدمي نموذج العمل المجَّاني جزئيًا هؤلاء ليسوا كأولئك الَّذين سيدفعون لك فعلًا. فالسِمات التي يريدها العُملاء الدافعون لا تظهر كثيرًا على رادار المُستخدمين المجّانيين.
فكِّر في الأمر، لن ينتقل أيٌ من المُستخدمين المجَّانيين حتى إلى أرخص الاشتراكات لديك. إذا بدأتَ فجأة في تقاضي دولار واحد فقط شهريًا مقابل خدمتك فلن يستجيب معظمهم. لماذا؟ لأن حاجة المستخدِم النهائي ومستوى اهتمامه والقيمة التي يحصل عليها ليست مُلحِّة بما يكفي لدفع مبلغٍ ولو كان صغيرًا. أمَّا أولئك الذين يدفعون 10 دولارات شهريًا أو 100 دولار فستجد بأن لديهم احتياجات فعلية.
مشكلتك أنَّ عدد المستخدمين المجَّانيين يفوق العُملاء دافعي المال بنسبة 100 إلى 1، وهكذا تغرق أصوات أولئك الّذين يهمُّونك في منتديات التغذية الراجعة.
2- معدل التحويل من نموذج العمل المجَّاني جزئيًا يرفع تكلفة التّسويق بشكل كبير
إنَّ 4% معدلٌ جيدٌ جدًا للتحويل من المجَّاني إلى المدفوع، كما حدث مع Dropbox، وهو أمرٌ رائع بالنسبة إليهم، ولكن المُعدَّلات التي تعرفها أغلب الشّركات هي 1% تقريبًا، وهذا في حالة ما إذا كان المستخدِمون نشطاء إلى حدٍ معقول. أجريتُ مَسحًا لبعضٍ من الشركات الناشئة الصغيرة التي لا تستخدم نموذج العمل المجَّاني جزئيًّا، ووجدت بأنها تعرف في المتوسّط مُعدَّل تحوُّل 1% من زيارات الموقع الإلكتروني إلى عمليات شراء (حقيقيّة وليست مجَّانيّة). [لدى Andy Brice المزيد من البيانات التي تؤيِّد هذا الافتراض البسيط]. وحتى ولو افترضت حصولك على نسبة تحويل أعلى على موقعك (يعني ستحصل على نسبة أعلى من 1 بالمئة من الزيارات التي سينتج عنها تسجيل حساب fremium على موقعك)، فإن نسبة قليلة منهم فقط ستقوم بالانتقال إلى اشتراكات مدفوعة؛ ممَّا يعني أن مُعدَّل تحويل زوَّار الموقع الإلكتروني إلى مالٍ فعليٍ أسوأ من بقية الشركات الناشئة بعشرين إلى مائة ضعف. ممَّا يعني أنَّها تُكلِّف أكثر بعشرين إلى مائة ضِعف للإنفاق على الحملات التسويقيِّة لتحقيق نفس العوائد.
وعليه فإنه لا يُمكنك بأي حال الاعتماد على الإعلانات المدفوعة وكل أشكال التسويق الأخرى تقريبًا لدفع النمو في مشروع يعتمد على Fremium، إلَّا إذا كنتَ مستعِدَّا لتحمُّل خسائر كبيرة لدفع عجلة المشروع. كما يعني بالضرورة أنَّ عليكَ أن تصنع مُنتَجًا ينتشر بشكل فيروسي لأنَّك لا تستطيع تحمُّل تكاليف التّسويق له. من الصعب جدًا بناء مُنتج ينتشر انتشارًا فيروسيا (معظم الشركات التي تحاول فعل ذلك ستفشل) وحتَّى إن فعلتَ فسيكون عليك القيام بالأمر منذ البداية، فستواجه مشكلة تكاليف التسويق. كما حصلت الشركات القليلة التي استفادت من الأمور بوضوح على تمويلات بالملايين لتخطِّي هذه المرحلة الصعبة جزئيًّا.
3- الدعم الفني بنموذج العمل المجَّاني جزئيًّا مُكلِّف
من السهل أن تقول «سنُوجِّه الجميع إلى منتديات الدّعم الفنّي» ولكن عندما يرسل الناس بريدًا إلكترونيًا لقسم الدعم الفنّي، فهم يرغبون في تلقِّي رد. من السهل أن تقول «لن نُقدِّم دعمًا فنّيًا للمستوى المجَّاني، سيتفهَّمون الأمر بما أنَّه مجَّانيٌ» ولكن إذا تجاهلتَهم بالفعل ستكون تجربتهم مع أداتك أقل نجاحًا، ممَّا يعني وجود فرصةٍ أقل كثيرًا لتحويلهم، ولنشر مُنتَجك بين أصدقائهم وزملائهم. من السهل أن تقول «سنُقدِّم درجةً أقل من الدعم للمستوى المجَّاني» ولكن يعني ذلك أنَّه يجب إضافة كل رسالة بريدية لقسم الدعم الفني، وكل محادثة، وكل مكالمة هاتفيَّة إلى أحد الحسابات، وهكذا تُهدِر وقتك في معرفة أي مستوى من الدعم «يستحقه» ذلك الشخص.
هل أنت مستعدٌ للتعامل مع من يقولون «إذا ساعدتَني في هذا الأمر ونجحتَ سأدفع لك»؟ هل أنت قويٌ بما يكفي لغلق الباب في وجوههم حتى عند معرفتك بأنَّهم في الحقيقة لن يدفعوا على الأرجح؟ إذا كنتَ مُهتمًّا بالدعم الجيِّد -أحد المزايا التنافسيّة الحقيقيّة القليلة التي يمكن لشركةٍ ناشئة صغيرة التمتُّع بها- هل يمكنك الفصل حقًّا بين مّن يُعامَلون مُعامَلةً جيِّدةً ومَن يُعامَلون بجفاء؟ هل ستُدير ظهرك حقًّا للفوائد التي يحقِّقها الدعم الفنّي الرائع؟ هل سيساعد ذلك على تحويل الحسابات المجَّانية إلى حسابات مدفوعة؟ هل سيفيد ذلك سمعة شركتك؟
مزايا نموذج العمل المجّاني جزئيًّا
من الواضح أن نموذج العمل المجَّاني جزئيًّا له فوائد هامة لا يمكن إنكارها مثل:
1- سهولة الارتقاء بالصّفقة upsell
إنّهم يستخدمون مُنتَجَك بالفعل، فهناك العديد من الطرق ليبدأ الشخص بدفع المال، سواء من خلال عرض خاص، أو تغيير نظام الدفع، أو تجاوز المُستخدِم لحدود مستوى خدمته. وهذا أمرٌ لا يستطيع توفيره سوى القليل من نماذج العمل الأخرى.
2- إحصاءات للمبيعات
إذا استطعتَ أن تقول «انضمَّ إلى 1000 مستخدم سعيد» على الصفحة الرئيسية سيكون ذلك تسويقًا مذهلًا، فهو دليل اجتماعي، تمامًا كعدَّاد RSS في جانبٍ من المُدوَّنة الَّذي يقول ضمنيًا «إذا كان هناك 40 ألف شخص آخر يعتقدون أنَّها تستحقُّ الوقت الذي يمضونه في قراءتها كل أسبوع، فربَّما تستحقّ وقتكَ أيضًا». كما أنّها مفيدة عند محاولة الحصول على عُملاء أكثر لأنَّها تُثبت أنَّ نظامك قابل للتوسُّع، من حيث التكنولوجيا وتدريب المستخدمين الجُدُد بأقلِّ مجهود.
3- سهولة البدء
إنَّ «التجربة المجَّانية لثلاثين يومًا» أو «ضمان استرداد الأموال» حاجزٌ أكبر كثيرًا من «مجَّانًا». فجَعل زائر الموقع الإلكتروني يتوقَّف عن البحث ويبدأ في استخدام المُنتَج خطوة حاسمة في أي عملية اكتساب عُملاء؛ إذ تكون كذلك قد خفَّضتَ هذا الحاجز بقدر الإمكان.
4- عدم استخدام البرامج المُنافسة
قد يظلُّ هناك منافسون، ولكنَّك، على الأقلَّ، ستمتلك حصانًا مُشارِكًا في السباق. فكلَّما ازداد مستخدموكَ واحدًا، قَلَّ مستخدموهم.
إذًا ففي مواجهة تلك الإيجابيَّات والسلبيّات، كيف تُقرِّر ما إذا كان هذا النموذج مناسبًا لك أم لا، وإذا كان مناسبًا، فكيف تحصد الفوائد بينما تحد من التكاليف؟
إسناد إدارة الجوانب المُتعلقة بـ fremium لقسم التسويق
يتضِّح أمر في نقاط المزايا السابقة؛ وهو أنَّ الأمر كلُّه يتعلَّق بالتسويق؛ من جذب للعملاء المُحتَمَلين، وتقليل الحواجز أمام التحويل، والميزة التنافٌسية. أعِد ترتيب توقُّعاتك من نموذج العمل المجّاني جُزئيًّا؛ فهو أداة تسويقية. إنَّه أكثر تكلفةً ممَّا تعتقد، ولكنَّه قد يكون أفضل استراتيجيّة تسويقيّة مُتاحة.
إذًا كيف تُقرِّر ما إذا كانت تلك التكاليف تستحقّ الفوائد الناتجة أم لا؟ الأسلوب الذي أعتمده هو «إسناد الأمر إلى قسم التسويق» تمامًا مثلما هو عليه الحال مع حملات AdWords أو أي حملة أخرى لجذب العُملاء المُحتَمَلين؛ بقياس التكلفة الإجمالية لاكتساب عُملاء جُدُد دافِعين.
الاستنتاج: لديكَ نظريةً تقول بأنّك بإنفاق الأموال من أجل دعم هؤلاء المُستَخدِمين المجّانيين، فأنت في الحقيقة تبني مسارًا فعَّالًا نحو الحصول على عُملاء دافعين حقيقيِّين. يمكن تحقيق هذا الهدف -العوائد- بطرقٍ أخرى: مثل AdWords أو التّسويق بالمُحتوى أو أي تقنية تسويقيّة أخرى. فيجب على قسم التسويق، كأيِّ حملة تسويقيَّة أخرى، أن يدفع، ويقيس النتائج، ويقارن عوائد الاستثمار في مقابل الطُرُق الأخرى. (والتأكُّد من أنّ التكلفة أقل كثيرًا من العوائد الإجمالية، وهي المعادلة التي تفشل معظم الشركات الناشئة في تحقيقها؛ لأنَّهم لا يفكِّرون بصدقٍ في التكلفة الإجمالية للحصول على عميل واحد).
كيف تُقرِّر كَم سيدفع قسم التسويق؟ فلنفترض أنَّك تتقاضى حقًا مالًا من أولئك العُملاء، ولكنَّك ترغب فقط في استرداد التكاليف وليس جني الأرباح.
قيمة هذه التّكاليف (ناقص الأرباح) هو ما يجب أن يدفع ثمنه أولئك المستخدمون ، إذًا فهذا هو القَدْر الذي يحتاج إليه قسم التسويق أن "يدفعه”.
ليس لديك عُذر لعدم قياس التكلفة للمستخدِم الواحد، فيجب عليك أن تدير هذا البرنامج المجَّاني جزئيًا وأنت تعرف التكاليف على نحوٍ دقيق ومقارنتها بأشكال أخرى للتسويق.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Reframing the problems with “Freemium” by charging the marketing department لصاحبه Jason Cohen
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ freepik
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.