إذا كنتَ قد اضطُررتَ سابقًا إلى إدارة فريق موظفين غير كامل، فلا بد أنك تعلم مدى صعوبة ذلك؛ لأن عليك في هذه الحالة إنجاز عمل إضافي لدعم الموظفين المُثقلين بالمهام المطلوب منهم إنجازُها، كما قد تضطر إلى التعامل مع انخفاضٍ في المعنويات والإنتاجية. ويزيد الطينَ بلّةً التوترُ المترافق مع بحثك الدؤوب عن شخص كفوء يدعم الفريق، لما تجد نفسك في ذلك الوضع غارقًا وسط دوّامةِ التحديات المرتبطة بالتعامل مع دوران الموظفين والاحتفاظ بهم.
ومع أنك قد تكون سمعتَ باصطلاحَي دوران الموظفين Turnover والاحتفاظ بالموظفين Retention، إلا أنهما قد يمثلان لكَ مفهومَين لا تستوعبهما جيدًا في الحقيقة، فهما عمليتان حسابيتان قد تكونان مألوفتين تمامًا لدى قسم الموارد البشرية، ولكنهما ليستا كذلك بالنسبة إليك بوصفك مديرًا، مع أن للمديرين تأثير كبير في معدلات الاحتفاظ بالموظفين. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إنّ المديرين أكثر المتأثرين بالنتائج المباشرة لترك أحد موظفيهم عملَه في الشركة. إذًا، فلندخل في الموضوع ونتحدث عن تفاصيل كل من دوران الموظفين والاحتفاظ بهم.
ما هو دوران الموظفين؟
معدل دوران الموظفين لدى شركة ما هو النسبة المئوية من الموظفين الذين يغادرون الشركة ويُستبدَلون بأشخاص آخرين يوظَّفون مكانهم خلال فترة محددة، فعندما يترك موظفٌ الوظيفة، ثم يحِلّ محله شخص آخر، سيمثّل ذلك جزءًا من عملية دوران الموظفين في الشركة.
اقتباسمعلومة خاصة بالمصطلحات: عندما يترك موظفٌ العملَ ولا يُستبدَل بغيره، يُسمى هذا تناقصَ موظفين Employee Attrition. ويحدث ذلك التناقص عندما يتقاعد موظف، أو يُلغى الدور الموكَل إليه، أو عندما يقرر المدير أو الشركة ألا يوظفا شخصًا مكان الذي ترك العمل.
أنواع دوران الموظفين
قد يكون دوران الموظفين طوعيًا أو غير طوعي. ويتحقق دورانُ الموظفين غير الطوعي عندما تقرر الشركة إنهاء علاقة العمل مع الموظف، وهو ما يسببه الأداء الضعيف للموظف، أو سلوكه التصادمي أو غير اللائق، أو مخالفته لعقد التوظيف المبرَم معه، أو غير ذلك من أسباب جدّية.
أما دوران الموظفين الطوعي، فيتحقق عندما يقرر موظفٌ تركَ العمل لدى الشركة بملء إرادته، ويحدث ذلك لأسباب عديدة تتضمن بعض أسباب دوران الموظفين غياب التواؤم القَيَمي -أي بين قيم الموظف وقيم الشركة-، وعثور الموظف على فرصة وظيفية أكثر جذبًا بالنسبة له، أو انعدام فرص التطوّر أو ندرتُها.
ولا شك في أن هناك بعض حالات الترك الطوعي للوظيفة التي لا يمكن تجنُّبها، والتي لا تمتّ للشركة بِصلة، كأن يترك موظفٌ عملَه لأن زوجته تريد الانتقال للعيش في منطقة أخرى بعيدة عن مكان عمله، أوللاعتناء بشخص مريض في أسرته، إلخ. وعلى أي حال، يمكن غالبًا تجنُّبُ دورانُ الموظفين الطوعي، ومن المهم مراقبته عن كثب وذلك بإجراء عمليات حسابية حوله بمعدّلٍ ربع سنوي أو حتى شهري.
ما هو الاحتفاظ بالموظفين؟
الاحتفاظ بالموظف -والذي يُشار إليه أحيانًا باصطلاح: مؤشِّر استقرار الشركة company’s stability index- هو عدد الموظفين الذين يبقون مع الشركة على مدى فترة زمنية محددة. كما يشير الاحتفاظ بالموظفين إلى جميع الاستراتيجيات التي تتّبعها الشركات لإبقاء موظفيها سعداء ومندمجين في عملهم، وهذا ما يجعلهم يستمرون في العمل لديها. تتمثل الخطوة الأولى في العمل على استيعاب تجربة الموظف وتطويرها داخل الشركة.
تزداد احتمالية أن تحظى شركةٌ ما بمعدل احتفاظ عالٍ بموظفيها عندما يشعر هؤلاء بالتقدير وحُسن المعاملة لدى تلك الشركة. فكّر في وظيفتك، فهل بقيتَ مع صاحب العمل ذاته لفترة من الزمن؟ إذا كانت إجابتك "نعم"، فما السبب في ذلك؟ مِن بين الأسباب الشائعة التي تدفع الأشخاص إلى البقاء لدى شركة ما؛ أنها توفُّر فرص تطوّر لديها، ومجموعةُ مزايا جيدة، وراتبٌ سنوي تنافسيّ، وتوازنٌ كافٍ بين الحياة والعمل.
دوران الموظفين مقابل الاحتفاظ بهم
يمثّل كلٌّ مِن دوران الموظفين والاحتفاظ بهم مؤشراتٍ دقيقة على صحة الشركة، فكل منهما يقيس مدى اندماج الموظف وولائه، واللذَين يرتبطان في النهاية بإنتاجية الموظف. وبالنظر إليهما معًا، تُعطي مؤشراتُ قياس صحة الشركة فكرةً جيدةً حول مدى استقرار القوّة العاملة لدى تلك الشركة.
بينما يُستبعَد الاحتفاظُ بالموظفين الأشخاصَ المنضمين حديثًا إلى الشركة من المعادلة، فدوران الموظفين يُدخلهم فيها؛ إذ لا يمكن أن يؤشِّر الموظفون المنضمون حديثًا إلى الشركة إلى شيء بخصوص الاحتفاظ بالموظفين، لأنهم لم "يبقوا" فعليًا مع تلك الشركة بعد. ولكن، إذا قرر الموظفون الجدد مغادرة الشركة بعد فترة قصيرة من الانضمام إليها، فلا شك في أن هذا الأمر جديرٌ بالتحقيق في أسبابه.
حساب معدلات دوران الموظفين والاحتفاظ بالموظفين
يمكن أن يساعدك تعقُّب هذه الأرقام في استيعاب التأثير السلبي لدوران الموظفين والحد منه، وفي التفكير بالاستثمار في استراتيجيات الاحتفاظ بالموظفين. ورغم أن دوران الموظفين والاحتفاظ بهم قد يبدوان للوهلة الأولى مفهومَين متعاكسين تمامًا، لكن ذلك ليس صحيحًا في الواقع. لا تتوافق كيفية حساب معدل دوران الموظفين مع كيفية حساب معدل الاحتفاظ بهم. ومن المؤشرات الجيدة ألّا يبلغ مجموع كِلا المعدّلَين 100% بالضرورة.
- يُحسَب معدل دوران الموظفين بتقسيم عدد مرات إنهاء عقود التوظيف على متوسط عدد الموظفين خلال فترة زمنية محددة، وبضرب هذا العدد بـ 100.
- يُحسَب معدل الاحتفاظ بالموظفين بتقسيم عدد الموظفين -الذين عملوا لفترة زمنية كاملة- على عدد الموظفين النشطين عند بداية تلك الفترة الزمنية، وبضرب هذا العدد بـ 100.
فمثلًا، لدى شركة ما معدل احتفاظ بموظفين يبلغ 80%، ومعدل دوران موظفين يبلغ 23%، ومجموع كلا المعدلين يبلغ 103%، لكن ما السبب وراء ذلك؟ دعنا نطّلع على العمليات الحسابية معًا…
تُظهِر العمليات الحسابية الخاصة بتلك الشركة أنه كان لديها معدل احتفاظ بموظفيها بلغ 80%. وبدأتِ العامَ بـ 100 موظف، لكن 80 منهم فقط عملوا على مدى 12 شهرًا كاملة. لم تأخذ هذه الشركةُ الموظفين الجدد بالحُسبان، بل اقتصر الأمر على الموظفين الذين عملوا طوال العام. ومن الناحية الأخرى، كان لدى هذه الشركة 24 موظفًا ليسوا سعداءً كثيرًا، وقد تركوا العمل لديها خلال تلك الفترة. وبمعدلٍ وسطي شهري من 105 موظفين، ولهذا انتهى الأمر بحصول تلك الشركة على معدل دوران موظفين سنوي بلغ 23%.
كيف تمنع دوران الموظفين وتزيد الاحتفاظ بهم
من المهم جدًا أن يتفادى المديرون دورانَ الموظفين، ويعززوا الاحتفاظ بهم. إليك بعض الاستراتيجيات التي تساعد في تحقيق ذلك.
إجراء مقابلات خروج
تُجرى مقابلات الخروج exit interviews عقب اتخاذ أحد الموظفين قرارًا بترك العمل لدى الشركة، فبينما يُرجَّحُ أن تفشل في ثَنيِه عن ذلك القرار، إلا أنه بوسعك استغلال هذا الأمر في الحصول على تقييمات وملاحظات شفافة حول الدوافع وراء تركه العمل. ويُفترض بك بعد إجراء مقابلة خروجٍ ناجحة أن تحظى برؤئً قيّمة حول كيفية تعزيز الرضا، والاندماج الوظيفيَّين لباقي أعضاء فريقك الذين لم يتركوا العمل لديك.
تدخل المديرين المباشرين
بوسع المديرين تخفيض معدل دوران الموظفين -ببساطة- عبر الاستماع إلى أعضاء فِرَقهم؛ إذ يمكنهم -بناءً على التقييمات والملاحظات التي يتلقونها من موظفيهم- إجراء تغييرات أو تطبيق حلول لتعزيز تجربة الموظفين العاملين ضمن فِرَقهم. وتُعَدّ الدراساتُ المسحية حول إدماج الموظفين والاجتماعاتُ الفردية بهم، فرصًا ممتازةً للتحقق مما يسير على ما يُرام، وللوقوف على الصعوبات والتحديات التي يعاني منها أعضاء الفريق.
قياس صافي نقاط ترويج الموظفين
يُعدّ مؤشر صافي ترويج الموظفين employee Net Promoter Score جزءًا مهمًا من مقاييس اندماج الموظف، وهو أداة تساعد في تعقّب ولاء الموظف ومدى اعتزازه بالشركة التي يعمل لصالحها.
يُحسب مؤشر صافي ترويج الموظفين بطرح أسئلة على موظفين لا تُعرَف هويتهم الحقيقية حول احتمالية أن يوصُوا أشخاصًا آخرين بالعمل لدى شركتك، فعلى مقياس من 1 إلى 10، يُعَدّ الموظفون الذين يختارون الرقم 9 أو 10 (أي الذين يُحتمل جدًا أن يوصُوا غيرهم بالعمل لدى شركتك) مروِّجين لشركتك؛ أما الذين يختارون الرقم 8 أو 7 على ذلك المقياس، فيُعدّون سلبيين؛ بينما الذين يختارون الرقم 6 أو أقل منه، يعدّون منتقصين من سمعة شركتك.
ورغم أن مؤشر صافي ترويج الموظفين لا يعكس بالضرورة معدلات دوران الموظفين والاحتفاظ بهم، لكنه قد يعطي فكرةً شفّافةً حول سعادة الموظفين، ومدى استعدادهم لاستكشاف فرص أخرى.
وبما أنه باتت لديك الآن فكرة حول معنى دوران الموظفين والاحتفاظ بهم، فيمكنك تطبيق الاستراتيجيات التي عرضنا لك لتعزيز اندماج الموظفين، وتقليل معدل دورانهم القابل للتفادي، مع ما ينطوي عليه من نتائج سلبية.
ترجمة وبتصرف للمقال Employee retention vs turnover? How to know the difference لصاحبته Clarisa Mendoza.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.