يمتاز مجال تصميم المنتجات بالكثير من المقارنات الشكلية وغير الحقيقية.
فهل يجدر مثلًا بالمصممين أن يتعلّموا البرمجة، أم أنّ عليهم أن يركّزوا على التصميم وحسب؟ وهل عليهم الإلمام بجميع مناحي التصميم أم عليهم التخصّص في منحى معين؟ في الواقع هذه الأسئلة وأمثالها تجعلنا نبتعد عن لب الموضوع وهو أنه لا أهميّة للأسلوب المتّبع في إنجاز العمل، ما دامت النتيجة النهائية تعطي تصوّرًا واضحًا عن الرؤية التصميميّة، إذ لا تمثّل مجموعة معينة من المهارات سوى وسيلة للوصول إلى الهدف.
فلو أخذت النجار على سبيل المثال، لرأيت بأنّه يستخدم تارة المنشار الياباني ذي الأسنان الحادة، وتارة يستخدم المنشار الكبير ذي السلسلة المسننة الكبيرة. وهذا يعني أن نجاح النجّار في عمله يعتمد بشكل جزئي على اختيار الأداة المناسبة للعمل.
وهذا ينطبق تمام الانطباق على تصميم المنتجات، إذ تتغير المهارات المطلوبة بتغيير الظروف، وستحتاج إلى مزيج من التخصص وتعدد المواهب في مواقع مختلفة من مسيرتك المهنية.
ونظرًا لكوني أحد مؤسسي فريق التصميم في Intercom فقد اكتشفت بأنّ وجود شخص متخصّص إلى جانب آخَرَ متعدّد المواهب هو من متطلبات فريق تصميم المنتجات المعاصر، ولكن الحاجة إلى كل منهما تظهر جلية في فترات مختلفة من عمر الشركة.
الشركات الناشئة في مراحلها الأولى
إنّ وجود عدد قليل من المصممين في الشركة يحتّم عليهم العمل على كلّ شيء، بدءًا من التفكير على مستوى المنتج، ومرورًا بالتصميم التفاعلي، والتصميم المرئي ذي الجودة العالية، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بتصميم المنتجات.
إذًا، ما هي المهارات المطلوبة من متعدد المواهب والتي يجب أن يكون مطّلعًا عليها؟ تكون المهارات الدقيقة المطلوبة هنا (كالتقنية التي يستخدمها، أو اللغة التي يُمكن الحديث بها) غير ذات أهمية إذا ما قورنت بالقدرة على متابع المنتج خلال جميع المراحل التي يمرّ بها ضمن عملية التصميم.
تصف الكثير من الشركات الناشئة على هذا النوع من المُصمّمين بوصف “الحصان وحيد القرن unicorn designer” إشارة إلى الحصان الطائر ذي القرن وهو حيوان خرافي لا وجود له، لذا فأنا أعتبر أن هذه التسمية مغلوطة، فالمصمم ذو المواهب المتعددة ليس من الأمور الخيالية أو الخرافية، بل من المنطقي أن ترى مصمّمًا حاذقًا وموهوبًا يسعى إلى تزويد نفسه بالمهارات اللازمة للإلمام بجميع الأمور المتعلقة بتصميم المنتج في جميع مراحله. إن وجود مصمّم محبٍّ للاطلاع وقادر على التأقلم مع جميع متطلبات العمل أمرٌ من الضرورة بمكان.
في الواقع، يعدّ الفضول وحب الاطلاع أحد أهمّ السمات التي يجب أن يتمتع بها فريق التصميم في المراحل الأولية من عمر الشركة، فبدون هذه السمة يبقى الفريق مقيّدًا بالمعلومات والمهارات التي يحملها كلّ مصمّم ضمن الفريق. أمّا المصمّمون المتعطّشون لتوسيع مداركهم فإنّهم قادرون على تعلّم مهارات جديدة والتأقلم مع الظروف المحيطة، وتطوير مهاراتهم الخاصة وتحريك الفريق ودعمه بطرق وأساليب قد تكون بعيدة عن كل التوقعات.
فعندما تطلب من المصمّمين أمرًا جديدًا بالنسبة إليهم، فإن ردّة فعلهم المباشرة هي البحث والتنقيب عن الموضوع بشكل واسع، والدافع هاهنا ليس العمل، بل الدافع هو الاهتمام الشديد بكل ما يتعلّق بالتصميم من قريب أو بعيد.
يمكن أن تعتبر أن هؤلاء المصممين متعددي المواهب بمثابة الغراء الذي يربط أجزاء شركتك الناشئة ببعضها البعض، إذ أن لديهم اطّلاعًا جيدًا على عدد كبير من المجالات، وبإمكانهم الحصول على الأفكار من مصادر متنوعة ومختلفة، إضافة إلى تمتعهم بالقدرة على التعاون مع جميع أفراد الفريق.
الشركات الناشئة في المراحل المتوسطة
إذًا، إن كان بإمكان الجميع إعداد الطعام وتحضيره، فما الحاجة إلى الطباخ المحترف؟ تصل معظم الشركات إلى مرحلة يكون فيها وجود شخص يمتلك ما يكفي من الخبرة أمرًا غير كافٍ على الإطلاق، فبعد أن يكبر الفريق ويتوسع، تظهر الحاجة إلى وجود أشخاص محترفين في مجال عملهم، أشخاص سخّروا كل طاقتهم وإمكاناتهم في مجال محدّد، كمصمّم الحركة motion designers الذي درس أصول التحريك ومبادئه، أو مصمم النماذج الأوليّة الذي يصمّم عن طريق صناعة الأشياء، أو المصمم البصري visual designer المهووس بالشبكات ونظرية الألوان ومبادئ غشطالت في التصميم.
يتلخّص دور المتخصّصين في زيادة المنفعة التي تحصل عليها الشركة، إذ يكون بمقدور هؤلاء البحث بشكل عميق ضمن عدد كبير من الحلول، ويمتلكون خبرة ومعرفة واسعة في مجال عملهم وبدرجة لا يمكن لمتعددي المواهب الوصول إليها، إلى جانب تمتعهم بمستوى عالٍ من الاحترافية والإتقان في مجال عملهم بصورة لا يمكن لأقرانهم من متعددي المواهب تحقيقها على الإطلاق، كما يمكن لهؤلاء المتخصّصين أن يدربوا ويقدّموا المشورة والعون في مجال خبرتهم لبقية المصممين من أعضاء الفريق. الأمر أشبه بتزويد فريق عملك بوقود الصواريخ، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين جميع المخرجات في مجال محدد بشكل لا نظير له على الإطلاق.
النسبة الذهبية
والآن، ما الذي يجب عليك فعله، هل توظّف المتخصّصين أم متعددي المواهب؟ تعتمد طبيعة المصمّمين الذين ستوظّفهم على المرحلة التي تمرّ بها شركتك الناشئة، فإن كانت في مراحلها الأولى فيجدر بك أن توظّف مجموعة من المصمّمين متعددي المواهب، وبعد أن ينضج فريقك ويتوسع، وبعد أن تبدأ المشاكل العويصة بالظهور، يمكن حينها البدء بتوظيف عددٍ من المتخصّصين.
ولكن ما هو العدد الكافي من متعددي المواهب؟ وماذا عن المتخصّصين؟
في الواقع، ليس هناك نسبة معيّنة يمكن أن تكون ملائمة لجميع الشركات، ففي Intercom نحاول دائمًا الحفاظ على نسبة 5 من متعدّدي المواهب مقابل متخصّص واحد، وهذا يعني أنّنا نمتلك أوسع مقدارٍ من المهارات المطلوبة لتقديم منتجٍ ذي كفاءة عالية، وفي الوقت نفسه نمتلك أقل مقدارٍ من المهارات المطلوبة لرفع مستوى المنافسة في المواضع التي تتطلب ذلك.
على كل حال، إن واجهتك مشكلة في تحديد نسبة المتخصّصين مقابل متعددي المواهب، تذكّر أن الدور الفردي أمر ثانوي، فما يهمّ هنا هو تكامل مجموعة المهارات التي تساعد على تحقيق رؤيتك الخاصة بالمنتج. وعليه، وظّف أي شخص بمقدوره تقديم يد العون لتحقيق هذا الهدف، وذلك لأنّ جميع المهارات مطلوبة في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود.
ترجمة - وبتصرّف - للمقالUnicorns don’t exist. Generalists do لصاحبه Emmet Connolly.
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.