قبل أن تبدأ سعيَك لتحقيق الاجتذاب عليك أن تحدّد ما الذي يعنيه الاجتذاب (traction) لشركتك، عليك أن تحدّد هدفًا. في مراحل مبكّرة عادة يكون هدفك فقط هو الحصول على قدر كاف من الاجتذاب يحقّق واردًا ماديًا معقولًا. في هذه الحالة عليك أن تحدّد هذا الهدف بأرقام حقيقيّة، كم عدد العملاء الذين تحتاجهم، وما هو معدّل النّموّ المطلوب growth rate؟
عندما تضع استراتيجيّة الاجتذاب traction strategy عليك أن تصبّ اهتمامك على كونها ستؤدّي فعلًا إلى نتائج محسوسة، إذ يجب أن تتضمّن نشاطات تسويقيّة لها أثر واضح وقابل للقياس في طريق الوصول إلى الهدف المنشود. يجب لهذه الاستراتيجيّة أن تجعلك تحرز تقدّمًا ذا معنى في هدفك للحصول على المستخدمين user acquisition، وليس مجرّد نجاح ظاهريّ مؤقّت.
على سبيل المثال، قام العاملون في DuckDuckGo بالتّركيز على تحسين الظّهور في محرّكات البحث SEO في مرحلة مبكّرة ليظهروا في مقدّمة نتائج عمليات البحث المتعلّقة بـ "محرّك بحث جديد". في الحقيقة لقد نجحوا بالحصول على عدد من المستخدمين عبر هذه الطّريقة، لكنّه لم يكن كافيًا للاقتراب من الحدّ الأدنى لهدف الاجتذاب traction goal، إذ أنّه لم يسهم بأيّ أثر ملحوظ
من وجهة نظر الاجتذاب، عليك أن تنظر للعمل على منتج أو خدمة على أنّه ينقسم لثلاثة مراحل:
- المرحلة الأولى – العمل على شيء يريده النّاس
- المرحلة الثّانية – التّسويق لشيء يريده النّاس
- المرحلة الثالثة – توسيع النّشاط
إذا عدنا إلى مثالنا السّابق عن الوعاء المثقوب، في المرحلة الأولى سيكون هذا الوعاء (أي منتجك) في أقصى حالات التّسريب، إنّه فعليًا لا يستطيع الاحتفاظ بأقلّ قدرٍ من الماء. هل تظنّ أنّ هناك أيّ مسوّغ لبذل جهد أكبر في محاولة ملئه؟ بالطّبع لا، لكنّك ما زلت بحاجة لصبّ بعض الماء فيه كي تكتشف أماكن الثغرات وتحاول سدّها.
عندما تقوم باختبار قنوات الاجتذاب بشكل دائمٍ بواسطة دفقٍ مستمرّ من العملاء، فيمكنك التّحديد عندئذٍ إذا ما كان منتجك يقلّ تسريبه مع الوقت أو لا، وهذا بحدّ ذاته مؤشّر لمدى نجاح استراتيجيّتك في تطوير المنتج product development. كما ترى، هذه حلقة تغذية راجعة ممتازة بين تطوير الاجتذاب traction development وتطوير المنتج product developmentيمكنك استخدامها لتتأكّد من أنّك على المسار الصّحيح.
إذًا فأثناء تحسين هذا المنتج، أنت تسدّ الثقوب الموجودة واحدًا تلو الآخر. وفي اللّحظة التي تنتقل فيها إلى المرحلة الثّانية ستكون قد وصلت إلى منتج ملائم تمامًا للسّوق product-market fit، وحينها لن يتسرّب أيّ زبون بعيدًا عنك. ومنذ هذه اللّحظة يصبح لجهود الاجتذاب المبذولة أثر أكثر فاعليّة، إذ لم يعد هناك أيّ تسريب. كلّ ما عليك فعله الآن هو أن تضبط (fine tuning) رسائلك التّسويقيّة والإنتاجيّة production and marketing messages.
في المرحلة الثّالثة لديك نموذج عمل تجاريّ قائم ومكانًا معتبرًا في السّوق، وتركّز تفكيرك الآن على الحصول على حصّة أكبر من السّوق، وعلى مزيد من الأرباح.
ففي كلّ مرحلة إذًا تجد نفسك تركّز على أمور مختلفة عن المراحل الأخرى، فالنّتائج الملموسة تمثّل أمورًا مختلفة عبر مراحل نموّ شركتك. ففي المرحلة الأولى تركّز على الوصول إلى أولئك الزّبائن الأوّليين الذين سيٌثبتون أنّ منتجك هذا يستطيع أن يجتذب أحدًا. وفي الثّانية الأمر الأهمّ هو أن تصل لعدد من الزّبائن كافٍ ليضعك على طريق شركة يمكنها أن تستمرّ. وفي المرحلة الثّالثة تركيزك الأكبر منصبّ على العائدات، وتوسيع قنوات التّسويق الخاصّة بك، وسعيك لتثبيت عمل تجاريّ قادر على الاستمرار حقًّا.
إنّ المرحلة الأولى شديدة التّركيز على المنتج نفسه، وتتضمّن سعيًا وراء اجتذاب أوّليّ أثناء بناء منتج أوّليّ. عادة ما يعني هذا أن تسلك طرق الاجتذاب غير القابلة للتّوسّع، مثل إلقاء كلمات talks في الملتقيات العامّة، كتابة مقالات في مدوّنات مشهورة guest posts، مراسلة أشخاص تعرفهم، حضور مؤتمرات، أي افعل أيّ شيء يمكّنك من الوقوف أمام الزّبون النّهائيّ والحديث معه مباشرة.
يقول Paul Graham في مقالته افعل الأشياء التي لا يُمكن القيام بها على نطاق واسع (Do Things that Don't Scale):
اقتباس"كثير من مؤسّسي الشّركات النّاشئة يؤمنون بفكرة أنّ الشّركة إما أن تطير وتحلّق، وإمّا أن لا ترى النّور أصلًا. أنت تبني شيئًا ما، تجعله متاحًا، وإذا كنت قد صنعت مصيدة جيّدة فسيجد النّاس طريقهم إليك وستهوي قلوبهم إليك كما تتوقّع تمامًا، إمّا هذا وإمّا ألا يأتيك أحدٌ أبدًا وكأنّ السّوق الذي تفترضه غير موجود في الأساس.
لكن الحقيقة غير ذلك، الحقيقة أنّ الشّركات النّاشئة تحلّق عندما يريد لها مؤسّسوها أن تحلّق. إنّ أكثر فكرة غير قابلة للتّوسيع لا يحبّ معظم المؤسّسين فعلها في بداية انطلاقهم هي أن يقوموا بإحضار المستخدمين إليهم يدويًّا. كلّ الشّركات النّاشئة تقريبًا عليها أن تقوم بهذا الأمر. فأنت لا يمكنك أن تجلس وتنتظر حتّى يأتي المستخدمون إليك، بل عليك أن تخرج أنت إليهم وتحضرهم بيدك."
إنّ نموّ الشّركات النّاشئة يتمّ على دفعات متوالية، وليس دفعة واحدة. فالمعتاد في البداية أن يكون النموّ بطيئًا، وبعدها يحصل صعود مفاجئ عندما تُفتتح قناة اجتذاب جديدة، ثمّ لا يلبث أن ينخفض تدريجيًّا كلّما استُهلكت هذه القناة أكثر وأُشبعت وأصبحت أقلّ فاعليّة. وعندها تَفتح قناة أخرى وتحصل على صعود جديد وهكذا.
كلّما ازداد حجم شركتك قلّ تأثير قنوات الاجتذاب الأصغر، فإذا كان لديك موقع ويب بعدد زوّار يوميّ يزيد عن عشرة آلاف، فلن تؤثّر كثيرًا تغريدةٌ عابرة أو منشور سريع يجلب لك عشرين زائر إضافيّ. فحتّى تلمس أثر ما تقوم به في مراحل متقدّمة من عملك، عليك أن تبحث عن أرقام أكبر وأكبر.
فإذا كنت ترغب بالحصول على مئة ألف عميل جديد، بمعدّل تحوّل conversion rate بين 1 و 5، عليك حينها أن تصل إلى ما بين مليونين إلى عشرة ملايين شخص عبر حملة تسويقيّة موجّهة، هذه تعتبر أرقام كبيرة! لذلك قنوات اجتذاب مثل تكوين المجتمعات community building و التّسويق الفيروسيّ viral marketing تعتبر شديدة الفعّاليّة: لأنّها تتوسّع مع توسّع قاعدة المستخدمين والعملاء المحتمَلين. على العموم، دومًا تأكّد أنّ نشاط الاجتذاب الذي تقوم به يُحدث أثرًا متناسبًا مع حجم شركتك في حينه.
ترجمة -وبتصرف- لجزء من الفصل الثاني من كتاب TRACTION: How Any Startup Can Achieve Explosive Customer Growth لكاتبيه Gabriel Weinberg و Justin Mares.
تم التعديل في بواسطة وليد زيوش
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.