عندما تفكر في نفسك كرائد أعمال ناجح، ما هي التخيّلات، أو المشاعر الّتي تنتابك؟
هل تجد نفسك تحلم في اليقظة بإيجاد حلّ إبداعي لمشاكل المجتمع، أو ترى نفسك تقدم حلاً للأزمة الصحية، أو البيئية القادمة؟ ربما يمكنك تخيل نفسك تنشئ شيئًا يوازن بين الفن، والنّجاعة، والإبداع.
تم تصميم هذا المقال لمساعدتك على تطوير رؤية ريادة الأعمال الخاصة بك؛ الرؤية هي جزء مهم من مستقبل الجميع، وهذا ينطبق بشكل خاص على رواد الأعمال، إن تأسيس رؤيتك هو الخطوة الأولى على طريق جعل مشروعك حقيقة.يطمح العديد من الرّاغبين في ريادة الأعمال إلى إنشاء الشّركات، أو المنظّمات العظيمة، الّتي ستغيّر العالم، يعرف بعضهم ما يريدون إنشاءه بالضّبط، بينما يكتشفه الآخرون أثناء سعيهم نحوه، وعلى الرغم من أنّه ليس هناك سر للنجاح، فأنت بحاجة إلى أن يكون لديك فكرة عما تتصوره لريادة أعمالك مستقبلا. ماذا ترى في أفقك؟ كيف تريد المساهمة في هذا العالم؟
الرؤية الريادية
كل رائد أعمال ناجح تواجهه، أو تقرأ عنه، بدأ على الأرجح بصورة، أو فكرة تتعلّق بشيء يشعر هو بالحماس تجاه إنشائه، يحدث هذا حتى عندما لا يكون لدى الشخص فكرة عن كيفية، أو (إمكانية) أن يصبح ما يريدون إنشاءه، أو تحقيقه واقعًا. رؤية رجل الأعمال هي بداية خارطة الطريق التي ستحدد المكان الذي يريد الذهاب إليه بجهود ريادة الأعمال، الرؤية تصوّر ما يريد رائد الأعمال أن تبدو عليه أعماله مستقبلا، ربما بعد خمس، أو عشر السنوات.
لسوء الحظ، فإن العديد من رواد الأعمال المحتملين لديهم أحلام، وأفكار، غير أنّهم لا يطوّرون أبدًا رؤية ملموسة. وضوح الرؤية هو الصّورة التي لديك لما سيصير إليه المشروع في المستقبل، وإلامَ سينمو.
وعلى الرغم من هذا، ينبغي أن تأخذ بالحسبان أنّه في كثير من الأحيان، تتغير الرؤية المحددة في بداية المشروع إلى شيء مختلف. نناقش في فصول لاحقة كيف يتطلب هذا التغيير الانفتاح، والرغبة في التكيف.
وضوح المهمة هو إعلان رسمي حول ما سيفعله المشروع، والقيمة التي سيوفرها للزّبون، وكيف سيتحقّق هذا الإجراء، في وصف مهمتك، فكر بعناية في عرض القيمة الذي تقدمه؛ عرض القيمة هو بيان موجز، يبرز فوائد منتجك، أو خدمتك، أو نموذج/طريقة عملك الفريدين؛ اللّذين تقدّمهما للزّبائن، وهذا يرتبط من جديد بمنظور حلّ المشاكل؛ فأنت لا تحتاج -فقط- إلى حلّ المشكلة، بل عليك -أيضًا- تقديم قيمة حقيقية، فربّما نحل مشكلة ما، ولكن إذا لم يكن عرض القيمة ملائمًا، أو لم يُنظر إليه على أنه "حقيقي" من قبل الزّبون، فربما لن ينجح المشروع، ولهذا، يجب أن يكون كلٌّ من مفهوم الرؤية المستقبلية، ومفهوم مهمّة المشروع، مكتوبين على هيئة بيان.
على الرغم من أنك قد قدمت أفضل جهودك، فقد تواجه صعوبة في وضع رؤيتك الريادية على الورق، وهذا أمر عادي، خاصة في المراحل الأولى من العملية، فقد ترغب في البدء بهيكل عامّ، ثمّ تملأ التّفاصيل لاحقا، أو خصّص وقتا كلّ يوم تقضيه في هذه المهمّة، لتعوّد عقلك على التّفكير في الرّؤية الّتي تحاول تحديدها لنفسك، إذا واجهت عقبة إبداعيّة، حاول تغيير محيطك؛ اذهب إلى الخارج، أو جرّب وقتًا مختلفًا من اليوم، أو اقصد مكانًا يشبه خصائص العمل الّذي أنت مهتمّ بإنشائه، يمكنك -أيضًا- الحديث إلى شخص ذي خبرة في المجال الّذي اخترته، ليمدّك بالاقتراحات، أو افعل شيئا أفضل، ابحث لنفسك عن موجّهٍ في مجال اهتمامك، وأبقه مطلعًا على تقدّمك، فوجود شخص تعرض عليه أفكارك أولًا بأول، ميزة جيّدة عند تخيّل احتمالات مستقبل مشروعك.
تراعي الرؤية الريادية كيف تريد أن يصبح مشروعك، وكيف سيبدو هذا المشروع، ما هي القوى الدافعة له؟ وما هي القيم، والثقافة التي يجب أن تحيط به؟
كل رائد أعمال لديه صورة فريدة لما سيصبح عليه المشروع، على سبيل المثال: أراد كيفن ف. أدلر مساعدة المشرّدين، فأنشأ رسائل المعجزة (Miracle Messages)، وهي منظمة تطوعية غير ربحية، تهدف إلى لمّ شمل المشرّدين بأحبّائهم، وتتضمّن رؤيةُ هذه المنظّمة، بناءَ شبكةٍ واسعةٍ من المتطوّعين، والشّركاء، لإيقاف التشرّد، ولمّ شمل النّاس، وتتمحور الرّؤية حول بناء المجتمع، ومساعدة بعضهم بعضًا، وتقوية المجتمعات، أمّا نموذج العمل فيشجّع المشرّدين على إنشاء رسائل معجزة قصيرة عبر الفيديو، أو التّسجيل الصّوتي، أو الرّسائل المكتوبة، ورفعها إلى مواقع التّواصل الاجتماعي، أو طرق أخرى للوصول إلى أحبّاء المشرّد.
عندما يكون الجدول الزّمني للرؤية قصيرًا في مشروع ريادي، مثل خمس السنوات، يمكنك أن تركز على مشكلة، أو وضع محليّ، ثم تتطوّر مع مرور الوقت إلى رؤية أوسع، لتشمل أسواقًا وأناسًا أكثر تنوّعًا، يجب أن تلهم رؤيتك الأشخاص المشاركين في بدء عملك لدعم مشروعك، استخدم خيالك لإنشاء هذه الصورة لمشروعك مع التركيز على مستقبل المشروع.
على الرغم من أن رجال الأعمال يستخدمون خيالهم، وإبداعهم في تطوير هذه الصورة، إلا أنهم بحاجة -أيضًا- إلى فهم مجال المشروع، والمنافسة، والتوجّهات الّتي تتطوّر، أو قد تتطور في المستقبل، كما تساعد هذه المعلومات في توجيه الرؤية للمشروع، وضمان اختلافه، وتفرّده عن أي مشروع آخر. من وجهة نظر مثاليّة؛ ينبغي أن تكون الرّؤية ثاقبة، وجريئة، ومُلْهِمَةً، وقابلة للتصديق، كما يجب تحريرها في بيان رؤية رسمي.
يجب -أيضًا- تحرير بيان الرؤية بوضوح، ومناقشته مع فريق الشّركة النّاشئة، وعلى الرّغم من أنّك قد لا تملك فريق بدء تشغيل، ولا مرشدًا، ولا مجموعة دعم جاهزة بعد، ولكنك ستحتاج -قصد إنشاء مشروع ريادي- إلى دعم؛ وعلى شبكة دعمك تفهم أنّ الوضع الطّبيعي في البداية غالبًا ما يكون تطوعيًّا، مع احتمال وجود مكافآت مالية فيما بعد، عندما يتم حصاد المشروع، أو بيعه.
بالنسبة لبعض رواد الأعمال، فإنّ تقبّل الرؤية التي تتضمّن بيع المشروع إلى مجموعة، أو شركة أخرى، أمر صعب، ومع ذلك، فإن هذه النقطة -بيع المشروع- هي التي يمكن أن ينمو من خلالها المشروع، ليصبح أكثر نفعًا، وفائدة.. وأمّا إذا كانت رؤيتك أن تكون صاحب شركة صغيرة، -كامتلاك حق الامتياز- فأنت تنخرط في خطة عمل، قد انتهى من قبل ضبط عملياتها، واتّخاذ قرارات دعم نجاحك كمالك، أو مدير هذا العمل.
يبدأ صاحب شركة صغيرة، أو يشتري عملًا قائمًا، على فكرة موجودة سلفًا، في حين أنّ رائد الأعمال هو شخص يسعى لخلق شيء جديد، إمّا من خلال منتجات جديدة، أو خدمات، أو منهجيات، أو مجموعات من الأفكار؛ التي تخلق مشروعًا جديدًا أو منظّمةً.
بينما تتشكّل مجموعات الموظّفين، والمستثمرين؛ يجب على رائد الأعمال القائد، مشاركتهم بيان الرؤية، وتوصيل ما تعنيه له شخصيًا من جهة، ولنجاح المشروع من جهة أخرى، كما يمكن أن يحتاج (رائد الأعمال) -أيضًا- إلى إعادة النظر في هذه الرؤية كلّما تطوّر المشروع، وإجراء تغييراتٍ بناءً على قراراته، ومعرفته حول المجال، والمنتجات، واحتياجات الزّبائن، حتى لو تغيّر بيان رؤيتك بناءً على المعلومات، والقرارات الجديدة، يعدّ إنشاء بيان رؤية أولي، خطوة قيّمة تساعدك في اتّخاذ القرارات.
مناهج إبداعية لتطوير رؤيتك
هناك العديد من التعريفات، وطرق التعبير عن الإبداع، (ستتعلم المزيد عن الإبداع في الإبداع، الابتكار، والاختراع). يُظْهِرُ الفنانون -عادة- جانبهم الإبداعي من خلال فنهم، وَيُظْهِرُ الموسيقيون إبداعهم من خلال الموسيقى، ويعبّر الكتّاب عن إبداعهم من خلال الكتابة. وبعضهم الآخر يعبر عن الإبداع التّقني، من خلال تطوير الهواتف المحمولة، أو تقنيات السيارات الجديدة. الأمر متروك لك لتحديد كيفية التعبير عن إبداعك في مشروعك، وفي حياتك المهنية، في معظم الحالات، عندما يشبع الناس شغفهم؛ يكون ذلك الشغف دافعًا لإبداعهم، وتميزهم.
أحد الأساليب لاكتشاف رؤيتك لمستقبلك؛ هو البدء من النهاية، فما هي الصّورة الّتي تحملها عن مستقبلك الّذي ترغب فيه؟ كيف يمكن أن تتناسب هذه الرؤية مع الأفكار التي لديك، لخلق مشروع ريادي ناجح؟ لاحظ أن هذه الأسئلة تدور حول مستقبلك الشخصي، وتصوّرك لمستقبل مشروعك، لذا يجب أن تتعايش هاتان الصورتان، ويجب أن تسمح رؤية مستقبلك الشخصي، للموارد الضروريّة بدعم مستقبل مشروعك، تمامًا كما سيموّل مستقبل المشروع مستقبلك الشخصي. سنناقش التّوازن بين العمل، والحياة لاحقًا في هذا الفصل، لمساعدتك على تحديد ما يخلق النجاح حسب وصفك لرؤيتك.
نهج آخر لتطوير رؤيتك؛ هو استخدام عملية التّفكير الإبداعي، حيث يسمح هذا النّوع من التّفكير للنّاس أن يخرجوا بأفكار قد لا يمكن الإتيان بها، ما لم يتبنّوا عقليّة إبداعيّة؛ عملية التّفكير الإبداعي (مشروحة بمزيد من التعمّق في الإبداع، والابتكار، والاختراع) لها أربع خطوات (الشّكل 8.1):
-
التّحضير.
-
الحضانة.
-
الاستنارة.
-
التّحقّق.
في مرحلة التحضير، اجمع المعلومات، ورتب الأفكار، ويمكنك كجزء من عملية الولوج إلى الأفكار الإبداعيّة، أن تطبّق التّفكير المتباين من خلال الإتيان بأكبر عدد ممكن من الأفكار، حتى إذا لم تبدُ هذه الأفكار منطقيّة.. أنشئ قائمة بالأفكار المتناقضة، أو الأفكار المتنوعة، والمتباينة. التحضير هو الخطوة الأولى في عملية التفكير الإبداعي، الإجراء الآتي هو الابتعاد عن التفكير في النشاط.
الحضانة. نبرمج عقولنا لندرك أنّ العمل الّذي أنجزناه في التّحضير موضوع مهمّ للنّظر، عندما نبتعد عن التّفكير بوعي حول النّشاط، أو المشكلة؛ نسمح للعقل اللّاواعي بمواصلة التفكير في النشاط، على الرّغم من أنّ عقولنا الواعية مشغولة في أشياء أخرى. فترة الحضانة هذه ضرورية لتعزيز الإبداع، ويمكنك فيها الذّهاب إلى نزهة، أو أخذ قيلولة، أو الاستمرار في ممارسة أنشطتك اليومية، ففي مرحلة ما، قد تصيبك لحظة إلهام، أو استنارة: لحظة تأوه، تتناول بوضوح النّشاط، أو المشكلة التي تريد حلّها، في هذه الخطوة، غالبًا ما تظهر الإجابة في عقولنا الواعية، وندرك كيفيّة المضيّ قدمًا.
الخطوة الأخيرة: هي التحقّق: صياغة بيان الرؤية، أو رسالتها، أو الردّ على تمرين التفكير الإبداعي، ويمكنك تطبيق عملية التفكير الإبداعي هذه على العديد من المواقف التجارية، فبمجرد تطوير، وبلورة أفكارنا (لوحة نموذج الأعمال التي تمت مناقشتها في الانطلاق للنمو في النجاح أداة جيّدة لـهذا النشاط)، فإنّنا نتيح فرصة لحلّ إبداعي، وقابل للتطبيق، بينما نواصل التّفكير في المشكلة.
إنّ التّفكير التّصميمي، والعصف الذّهني، ورسم الخرائط الذّهنيّة؛ هي أدوات ستتعلمها لاحقًا في الدورة، وعلى الرغم من أن هذه الأدوات قد تكون مألوفة، إلا أن هناك منهجيات محددةً يمكنها تحسين نجاحها في حالة المشاريع الرّياديّة، ويتطلّب العصف الذّهنيّ أن يأتي المشاركون بأفكار دون الحكم عليها، ويمكنك القيام بذلك بمفردك أو مع الآخرين، ولكنّ إشراك أشخاص آخرين يوفر تنوّعًا أكبر في الأفكار؛ لأنّ أفكار شخص ما، قد تثير فكرة أخرى من شخص آخر، تأكّد من كتابة أفكارك؛ حتى تتمكّن من العودة إليها لاحقًا، فالعصف الذّهنيّ يختلف عن التفكير المتباين، الّذي لا يتطلّب ربط الأفكار بموضوع محدّد، على سبيل المثال: في العصف الذهني حول مساعدة المشرّدين، قد نتوصّل إلى أفكار مثل: توفير الطّعام، والمأوى، أو توفير رعاية طبية مجانية، أمّا باستخدام التفكير المتباين، فنصل إلى أفكار أكثر تنوعًا، مثل: تصوير الأشخاص المشردين، ثم رفع مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للمّ شمل المشرّد مع أسرته.
يمكن أن تتضمّن هذه الأدوات تفكيرًا متباينًا في خطوة توليد الأفكار، ولكن -عادةً- إذا لم تُعَلّمْ فريقك كيفيّة استخدام التفكير المتباين، فإنّ الأفكار النّاتجة، تكون أكثر تنظيمًا وتقييدًا، وأكثر منطقية، وبقدر ما نريد تشجيع الأفكار المتباينة، نريد -أيضًا- إزالة أي حكم حول أفكارنا، لأنّه بمجرد أن نبدأ الحكم على أفكارنا، فإنّنا نحد من إبداعنا، ونصل إلى حلول أقل من مثاليّة. استعمل التّفكير المتباين مع بعض المرح، والاسترخاء.
رسم الخرائط الذهنية هو أسلوب شائع آخر للتّفكير الإبداعي، هنا تقوم بإنشاء رسم توضيحي على الورق، أو لوح طباشيري. اكتب الكلمات التي تتبادر إلى الذهن، ثم اربط هذه الكلمات بخطوط في رسم تخطيطي؛ يوضّح كيف ترتبط كلّ كلمة بالأخريات؛ فالفكرة هي أنّ كلمة واحدة يمكن أن تؤدّي إلى أخرى، وهنا تستطيع اكتشاف الارتباطات التي ربما لم تكن واضحة قبل إنشاء الخريطة الذهنية.
يمكنك إجراء بحث حول أفكار ريادة الأعمال، من خلال إنشاء استبانات، وطرح أسئلة على الناس، بخصوص تجاربهم المتعلّقة بفكرتك، فعلى سبيل المثال: لنفترض أنك تفكر في إنشاء لعبة أكلة جديدة صحيّة، وغير فوضوية، ويمكن تناولها أثناء التنقل إلى العمل، يمكنك أن تسأل الناس عن تجاربهم في تناول الطعام أثناء التنقّل للعمل، أو طرح أسئلة حول المشاكل الغذائية، أو الحِمْيَاتِ، كما يمكنك أن تجد معلومات ثانوية عن وقت تناول الأشخاص للطعام، أو تناولهم الطعام أثناء التنقل للعمل، أو الحِمْيَاتِ الغذائية الشائعة، أو الموضوعات الأخرى ذات الصلة.
يمكن -أيضًا- أن تجد دراسات حالة تركّز على بعض مجالات الاهتمام المتشابهة، والمتعمّقة، أو أَجْرِ دراسات الحالة الخاصة بك، عن طريق اختيار عدد من الأقران، وتتبّع عاداتهم الغذائية، أو يمكنك إنشاء نموذج أولي من منتجك، وسؤال النّاس عن تجربتهم في استخدامه.
سوف تتعلم المزيد عن استراتيجيات البحث في تحديد الفرص الريادية، وتقنيات حلّ المشاكل، وإدراك الاحتياجات، والتسويق، والمبيعات في ريادة الأعمال.
تحقيق التوازن
تأتي ريادة الأعمال مع العديد من التّحدّيات، لأنّه يجب على صاحب المشروع تقمّص أكثر من دور، ويكون هذا أكثرَ وضوحًا، إذا كان هو الموظّف الوحيد في المشروع، ولكن بغض النظر عن نموذج العمل، يجب أن يتمكن جميع روّاد الأعمال من تحقيق التوازن في حياتهم، بين تفانيهم في تنمية مشروعهم الرّيادي، وبين حياتهم الشخصية.
يمكن تحقيق هذا التّوازن بتطوير رؤية تشمل مجالات مختلفة من حياتك.
-
كيف تعرّف التوازن في حياتك؟
-
ما هي المجالات التي تفكر فيها عند التفكير في حياة متوازنة؟
قد يكون الحصول على ما يكفي من المال لدعم نمط حياتك أحد الأهداف، وقد تشمل المجالات الأخرى كالأنشطة البدنية، والهوايات، واللّقاءات الاجتماعية، والتّرفيه، والّرضا عن كيفيّة كسب المال، وعائلتك، وعلاقاتك الشّخصية، والمصالح، والقيم الأخرى.
يبدأ بعض رجال الأعمال مشاريع نمط الحياة؛ بغية تحقيق هذا التوازن، ولكن كيف تحقّقه، وهدفُك أن تكون رائد أعمال مهنيًّا؟
رائد الأعمال المهني؛ هو الشخص الذي يتولّى الإدارة اليومية، كونه مالك المشروع، ويقبل، بل ربما يستمتع بالمخاطر، والمكافآت اليومية لإدارة، وبناء المشروع، مثل: روكسان كيمبي. فتطوير Burt’s Bees بالنّسبة لها كان يعني اتخاذ قرارات صعبة، مثل الانتقال من ولاية ماين، إلى كاليفورنيا؛ لتلبية احتياجات نموّ الشّركة، وعلى الرّغم من أن روكسان أرادت توفير فرص عمل للنّاس في شمال ولاية ماين، إلاّ أنّها عرفت أنّ عملها يحتاج إلى البنية التّحتيّة الصّحيحة للنّجاح، وهذه البنية التّحتيّة لم تكن متاحة في ولاية ماين.
إذا اخترت أن تصبح رجل أعمال مهنيًّا، قد يكون تركيزك في المقام الأول على تحويل فكرتك الرّياديّة إلى مشروع ناجح، وهذا يمكن أن يأتي على حساب أهداف الحياة الشّخصية.
يحتاج العديد من رجال الأعمال المحترفين إلى الدّعم من العائلة، والأصدقاء، الذين يستوعبون أن تركيز صاحب المشروع الرّائد، وطاقته، ضروريّان لنجاح المشروع، وسوف يجد العديد من رواد أعمال نمط الحياة، تحدّيات في تلبية احتياجات مشاريعهم، مع الحفاظ على التّوازن بين العمل، والحياة.
ينبغي أن تكون المناقشات مع العائلة، والمقرّبين، وفريق ريادة الأعمال في المرحلة الأولى من صياغة الأفكار، لقياس دعم الأشخاص الذين قد تتعرض مصالحهم للخطر، بسبب تفاني صاحب المشروع في تطويره.
تحديد فكرتك عن النّجاح في حياتك، وفكرتك عن النّجاح في مشروعك، خطوة مهمة في تحقيق التّوازن.
-
ما هي أولوياتك؟
-
ما الذي يمكنك فعله لتحقيق التوازن بين نجاح مشروعك الجديد، ونجاح حياتك الشّخصيّة، ونجاح حياتك العائليّة؟
-
وبالنظر إلى أنّ تحقيق التّوازن بين جميع الأدوار التي لدينا في الحياة أمر محيّر للعديد من الناس، فهل يمكنك العثور على فرصة لإنشاء مشروع ريادي؟
بينما تستكشف معنى النجاح لمشروعك، وكيف يتماشى تعريفك مع التوازن بين حياتك الشخصية، وتفانيك في مشروعك، يجب أن تفكر في بعض التحديات الفريدة الّـتي يمكن أن يواجهها رائد الأعمال، فعلى سبيل المثال: قد يكون هناك منحنى للتعلّم في مجالات العمل غير المألوفة، مثل: المحاسبة، أو المالية، أو قد تواجه معضلة حول جدوى توسيع خط إنتاج، أو فتح موقع جديد، وغالبًا ما يذكر رواد الأعمال المتطلبات الجسديّة لبدء عمل ريادي، مثل قدرة التحمل اللّازمة لتنظيف مكان جديد، والانتقال إليه، وتهيئته.
اعتمادًا على عملك، قد تحتاج -أيضًا- إلى التكيّف مع كونك في عمل متواصل طوال الوقت؛ أربعٍ وعشرين ساعة يوميًّا، على مدار سبعة أيّام في الأسبوع. مرة أخرى، يمكن أن يساعدك تطوير رؤيةٍ لما تريد أن تصبح عليه مستقبلا في التّخطيط للتّحدّيات التي ستواجهها في المراحل الأولى من عملك.
يمكن أن تكون ريادة الأعمال مرهقة، خاصّةً إذا لم تكن مستعدًا للمهام المطروحة أمامك، كما هو الحال بالنّسبة لأيّ دور احترافي، أو شخصيّ؛ لذلك، يمكن أن تلعب الرّعاية الذاتية، والوعي العاطفي، دورًا رئيسًا في الحفاظ على صحّتك العاطفيّة كرائد أعمال، إن تخصيص وقت شخصيّ؛ تمارس فيه حياتك الخاصة؛ أمر مهم جدًّا، وقد يتطلّب هذا الأمر إنشاء تقويم لإدارة الوقت، بحيث يتتبّع كيفيّة قضاء وقتك، ويمكنه أن يحافظ على انضباط مواعيدك في المهمّات، ويمنعك من قضاء وقت أطول من اللاّزم في أيّ مجال من مجالات العمل، أو مجالات حياتك الشخصية على حساب المجالات الأخرى.
قضاء بعض الوقت بعيدًا عن العمل، أمر صحي عاطفيًا، ويمكن أن يوفّر منظورًا مهمّا، يساعدك على اتخاذ قرارات أكثر صوابًا. "ترك العمل في المكتب" استراتيجية ناجحة، يستخدمها العديد من رواد الأعمال؛ لفصل حياتهم الشخصية عن المهنية؛ أمّا إذا لم يكن ذلك ممكنا، كأن تعمل من المنزل، فإنّ تخصيص وقت عائلي، أو شخصي يمكن أن يسمح بإنشاء توازن ما بين العمل، والحياة الشخصية.
إن وجود مستشارين موثوقين، وموجّهين لعملك، وحياتك الشّخصيّة؛ يمكن أن يعزّز -أيضًا- الصحة العاطفية، والنفسية. فعندما تواجه قرارًا، أو تحدّيًا صعبًا، فمن المهم أن يكون لديك شخص تتحدث إليه؛ شخص يعرفك، ويعرف وضعك، قد يجد بعض رجال الأعمال أنفسهم في موقف المسؤولية التامّة عن النّتائج في أوّل تجربة لهم لقيادة الآخرين؛ لهذا، يجب أن يكون لكلّ رائد أعمال خطّة شخصيّة لتحسين القيادة، ويمكن أن تأخذ هذه الخطّة شكل الفصول الأكاديمية، أو التدرّب المهني، كما يمكن أن تأخذ على نفسك -في بعض الأحيان- التزامًا شخصيًا بالتحسّن.
يجب أن تحدد أساليب القيادة المفضّلة لديك، وكذلك نقاط القوة، والضعف القيادية فيك، قد يكون من المفيد أن تتذكّر تجارب أعمالك السّابقة تحت قيادة أشخاص آخرين، لتحدّد سمات القيادة التي أعجبتك، وتلك الّتي لم تنل إعجابك.
كما هو الحال مع أي مجموعة مهارات عمل أخرى، يمكنك تعلّم، وتحسين نقاط قوّتك، كما يمكنك -أيضا- تعيين أشخاص آخرين، ذوي مهارات تكمّل مهاراتك، ليتعاملوا مع المجالات الّتي لا تشعر بقدرتك على تنفيذها كما ينبغي.إدراك نقاط القوّة، والضّعف لديك، بالإضافة إلى ما تفضّله، وما لا تفضّله؛ سيساعدك في تحقيق التوازن، والحفاظ عليه في حياتك، كما أن الاستعانة بمستشارين، وموجّهين، وناصحين، وحتّى قوائم مهام وجداول زمنية؛ كلّ هذا يبقيك على المسار الصحيح، ومنع طغيان أيّ مجال من مجالات عملك، أو حياتك الشخصية، على المجالات الأخرى، أو تجاهل أيّ منها.
أهمية الأهداف
هل تتصوّر الرّؤية الرّياديّة مستقبلًا؟ بينما تركّز الأهداف على النّتيجة المرجوّة، وعلى الرّغم من أنّ الرؤية هي مفتاح خلق المستقبل، الّذي تريده لنفسك، ولعملك، إلا أن الأهداف مهمّة لمساعدتك على تحقيق الخطوات اللّازمة، لجعل هذه الرّؤية حقيقة.
طالع بيان رؤيتك، وتعريفات النّجاح لديك. ثمّ أنشئ قائمة الإجراءات المحتملة الّتي يمكن أن تساعدك على تحقيق النّجاح وإنجاز رؤيتك، راجع بعدها قائمتك، وصنّف الكلمات، والإجراءات، من حيث الملاءمةُ، والأطرُ الزمنيّةُ.
أهداف سمارت (SMART) هي أهداف منظّمة، ومحددة تحديدًا جيدًا، وسمّيت SMART اختصارًا لأوّل حرف من كلّ من الصّفات الآتية، الّتي ينبغي أن تتوفّر فيها: (الشّكل 9.1)·
-
Specific = محدّدة: يجب أن تكون أهدافك دقيقة، لا فضفاضة للغاية.
-
Measurable = قابلة للقياس: يجب أن تكون قادرًا على الاختبار بطريقة قابلة للقياس، ما إذا كان الهدف قد تحقق، بمعنى أنه يجب أن تكون هناك طريقة ما، لتحديد ما إذا كان الهدف قد تحقّق أم لا.
-
Achievable = قابلة للتّحقيق: يجب أن يكون الهدف قابلًا للتحقق. فلا يمكن أن تكون أهدافًا حالمة، بحيث لا يمكن تحقيقها، ومن جهة أخرى، لا ينبغي أن يكون الهدف سهلًا، بحيث يمكن تحقيقه بسرعة، أو بجهد قليل.
-
Relevant = ملائمة: يجب أن يكون الهدف مناسبًا تمامًا لما تريد تحقيقه، وهذا يعني أن الهدف يجب أن يكون ذا صلة بالنتيجة المطلوبة.
-
Timely = محدّدة بوقت: يجب أن يكون لكلّ هدف موعد نهائي محدد، وهو الوقت الذي يجب فيه تحقيق الهدف. ما هو إطارك الزّمني لاستكمال أهدافك؟ كيف يتناسب هذا الجدول الزّمنيّ مع خطّتك الشاملة؟
على سبيل المثال، إذا كان تعريفك الشّخصيّ للنّجاح، ورؤيتك لمستقبلك، تشمل الاستقلال المالي، مثل منزل لقضاء العطلات الجبلية فيه، فما هي الأهداف التي يمكنك تحديدها اليوم، والتي ستؤدي إلى هذه النّتيجة؟
يمكنك تضمين أهداف مالية تتبّعها شهريًّا، أو سنويًّا؛ لتوفير مبلغ محدّد من الأموال، بناءً على توقّعاتك للمبلغ الّذي تحتاجه لامتلاك منزل العطلات ذاك، مما يعني أنك ستسطرّ أهدافًا أخرى، للعثور على المواقع المناسبة.
هذه العمليّة مهمّة -أيضًا- لدعم نجاح مشروعك، تسطير الأهداف، مقاربة قويّة تقودك إلى المستقبل الّذي ترغب به لحياتك.
إليك مثالًا خياليًّا لأهداف رائد أعمال، والّتي يمكننا اختبارها حسب معايير SMART لمعرفة ما إذا كانت ممكنة.يدير أحمد نشاط تعليمٍ منزليٍّ صغيرًا في مدينته، زبائنه المستهدفون؛ هم طلاّب المدرسة الثانوية، وأحمد هو الموظّف الوحيد في مشروعه هذا، لكنّه يأمل في تعيين المزيد من الموظّفين قريبًا، يبدو أحمد متحمّسا لعمله، وقد حقّق خلال سنوات مشروعه الأربعة أداءً جيّدًا.
بناء على نصيحة صديقٍ يدرس إدارة الأعمال، حدّد أحمد الثلاثة الأهداف الآتية للعام القادم:
-
زيادة المبيعات بنسبة 50٪.
-
افتتاح مقرّ إضافي.
-
تعيين موظَّفَيْن.
عند مراجعة هذه الأهداف باستخدام معايير SMART، من الواضح أنّ الهدفين؛ الأول والثّالث محدّدان (Specific) كفايةً فهما كميّان، لكنّ الهدف الثّاني ليس كذلك، ويمكن قياس (Measurable) جميع الثلاثة الأهداف، أمّا فيما يخصّ كونها قابلة للتّحقيق (Achievable) فكون أحمد الموظّف الوحيد يجعل من غير المحتمل تحقيق الهدفين الأوّل والثّاني، على أنّ الثّالث قابل للتّحقيق، وتحقيقه بتوظيف شخصين آخرين يجعل من الهدفين الأوّلين أقرب للتّحقيق.
الثلاثة الأهداف كلّها مرتبطة (Relevant) بالمشروع، ومناسبة لتطويره، فيما يمكن تحسين كلّ منها لتقييدها بجدول زمنيّ واضح (Timely). وهذا كون رفع المبيعات إلى 50 % في السّنة القادمة، يعني أنّ على أحمد تحقيق مبيعات إضافيّة شهرية، أو ربعيّة، كما يتطلّب افتتاح فرع جديد، تفاصيل مضبوطة التّوقيت؛ كاستئجار، أو شراء محلّ، وتحديد نموذج العمل في هذا المكان الجديد، وأخيرًا، تعيين موظّفين آخرين، يحتاج عنصرًا زمنيًّا -أيضًا- مثل جدول زمنيّ للتّوظيف، والمقابلات، والاختيار، والتّعيين، والتّدريب.
ختامًا، تبدو أهداف أحمد مناسبةً لعمله، ولكنّها تحتاج بعضًا من التّحسين لتحقّق معايير SMART للأهداف، وستعود بعدها على عمله بالنّتائج المرغوبة.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (The Entrepreneurial Perspective) من كتاب Entrepreneurship
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: العقلية الريادية لرائد الأعمال
- المقال السابق: ريادة الأعمال اليوم: ما معنى رائد أعمال؟
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.