هل ستنضمّ إلى الملايين من روّاد الأعمال في العالم؟ لا تكفي الرغبة في أن تكون رائد أعمال بل يجب أن يكون الفرد قادرًا على تطوير وتحسين فرصة عمل جديدة، كما يتطلّب الأمر شخصيّة فريدة، بالإضافة إلى مهارات أساسيّة.
الشخصية الريادية
وجدت دراسات الشخصيّة الرياديّة أنّ روّاد الأعمال يشتركون في سمات رئيسيّة معيّنة. فمعظم رواد الأعمال هم:
- طموحون - تنافسيّون مع حاجة ماسّة للإنجاز.
- مستقلّون - فرديّون ويفضلّون القيادة بدلاً من أن يكونوا أتباعًا.
- واثقون بأنفسهم - يفهمون تحديّات بدء وتشغيل الأعمال التجاريّة، حازمون وواثقون في قدرتهم على حلّ المشكلات.
- مُخاطرون - على استعداد لقبول درجة معتدلة (وأحيانًا كبيرة) من المخاطر بالنسبة إلى العوائد المحتملة.
- ذوو بصيرة - يحدّدون اتّجاههم ويخطّطون جيدًا للمستقبل ويتّصرفون بناءً على خططهم.
- مُبدعون - يقدّمون حلولًا مبتكرة، مثل تصميمات المنتجات الإبداعيّة واستراتيجيّات التسويق الجريئة.
- نشيطون - يقدّمون مستويات عالية من الطاقة والمثابرة، وغالبًا ما يعملون في وظيفة بدوام كامل إلى جانب البدء بمشروعهم الجديد.
- شغوفون - يحبّون أفكارهم ويسعدهم طرحها في السوق ويحوّلون أحيانًا هواياتهم إلى مشاريع فريدة.
- ملتزمون - على استعدادٍ لتقديم تضحيات شخصيّة لتحقيق أهدافهم.
تطبيق الأخلاقيات
تحويل الخيارات الأخلاقيّة لمهنة العائلة إلى علامة تجاريّة دوليّة
لطالما عَلِمَت أبولونيا (Apollonia) ما تريد القيام به عندما تكبر منذ أن كانت فتاة صغيرة في باريس: تولّي أعمال العائلة. لكنها لم تتوقّع مدى سرعة حدوث ذلك. توفّي والدها ليونيل بويلان (Lionel Poilâne) ووالدتها في حادث تحطّم طائرة مروحيّة في عام 2002 وفقدت فرنسا حينها خبّازها الأكثر شهرةً واضطرّت أبولونيا للتدخّل.
كانت أبولونيا تبلغ من العمر 18 عامًا فقط في ذلك الوقت، وكانت تخطط للالتحاق بجامعة هارفارد في الخريف، لكنّ اللحظة الّتي أعدّها والداها لها قد جاءت. وكما قالت في خطاب قبولها في جامعة هارفارد: "يقف عمل أجيال عديدة على المِحكّ".
أدارت أبولونيا أحد أفضل المخابز الباريسيّة في العالم بتنظيم وإصرار، وذلك من شقتها في كامبريدج في ولاية ماساتشوستس الأمريكيّة. كانت تستيقظ عادةً قبل ساعتين من دروسها لتضمن إجراء جميع المكالمات الهاتفيّة الضروريّة للعمل. تقول أبولونيا:
"بعد الدروس أتحقّق من مُجريات العمل التي تتعلّق بالشركة ثمّ اتفرّغ لواجباتي المنزليّة". "اتّصل قبل أن أنام بمدير الإنتاج في باريس للتحقّق من جودة الخبز." نظرًا لأن اسم عائلة بويلان اكتسب مكانةً عريقة لم يبلغها إلا قلّة قليلة من الخبّازين المرموقين، فقد صمّمت الفتاة البالغة من العمر 18 عامًا على الحفاظ على رضا العملاء والجودة التي أفنى جدها عمره في بنائها منذ 1932.
كرّس والدها ليونيل نفسه بعمر 28 سنة -بعدما أصيب جدّها بسكتة دماغيّة في عام 1973- للعمل وجعل عمل الأسرة العلامة التجاريّة العالميّة الّتي هي عليها اليوم. افتتح ليونيل مخبزين آخرين في باريس وآخر في لندن. طوّر ورعى شبكة عالميّة من تجّار التجزئة والمشاهير حيث يشحن الخبز يوميًّا عبر (FedEx) إلى المطاعم الراقية والعملاء الأثرياء في جميع أنحاء العالم.
إنّ تجربة العجين المخمّر هو ما يميّز منتجات بويلان عن خبز المخابز الأخرى في باريس ويبقى هذا المنتج هو السمة المميّزة للشركة. تُخبز العجينة بحرف "P" مدموغًا على القشرة في إحياءً ذكرى الأيّام التي كان يُجبر فيها الخبّازون على طبع أحرفٍ تشير إليهم للتعرّف على أرغفتهم بسبب استخدام الأفران الجماعيّة، بالإضافة إلى أن هذا يضمن عدم انفجار الرغيف أثناء الخبز. تبيع بويلان اليوم أيضًا المعجّنات وبعض الخبز المُخصّص، ولكن العنصر المميز للشركة لا يزال هو (miche) والخبز الريفيّ و(pain Poilâne).
تقول جولييت سارازين (Juliette Sarrazin) مديرة فرع المخبز في لندن: "إنّ أبولونيا شغوفة حقًّا بوظيفتها. إنّها تؤمن بعمل والدها وبالشركة وتتطلّع إلى المستقبل، وهو أمرٌ في مُنتهى الروعة ومدعاة للاحترام."
لطالما اندفعت أبولونيا بأخلاقياتها وشغفها حتّى عندما كانت طالبة. مثّل كل يوم تحدّيًا لمشاكل جديدة يجب أن تحلّها في باريس، بينما ينام الطلاب الآخرون في هارفارد. كما قالت أبولونيا لمراسل طلّابيّ من مجلّة (The Harvard Crimson) "الساعة أو الساعتان الّلتان تقضونهما في المماطلة أقضيها أنا في العمل. لا أحد يجبرني على فعل ذلك، بل هذا كان حلمي دائمًا".
أتى تفانيها بثماره واحتفظت أبولونيا بالسيطرة على القرارات المهمّة والاستراتيجيّة وأهداف العمل واصفةً نفسها بأنّها "قائدة السفينة" الّتي تحدّد الاتجاه العام للشركة. اليوم بويلان هي شركة بقيمة 18 مليون دولار لديها 160 موظّفًا. كما تمتلك بويلان ثلاثة مطاعم تسمى (Cuisine de Bar) في باريس ولندن وتقدم وجبات خفيفة، مثل الحساء والسلطات و(tartines).
تعمل الشركة على شحن أكثر من 200,000 رغيف سنويًّا لعملاء في 20 دولة حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدّة واليابان والمملكة العربيّة السعوديّة. تقول أبولونيا: "أصبح الناس يفهمون ما الذي يجعل خبزنا عالي الجودة وما قضى والدي سنوات في دراسته، أنا سعيدة بذلك".
يجمع معظم روّاد الأعمال بين العديد من الخصائص المذكورة أعلاه. أحبّت سارة ليفي -23 سنة- (Sarah Levy) وظيفتها طاهيةً حلويّات في مطعم، ولكن لم تحبّ الأجر المنخفض والضغط العالي وساعات العمل الطويلة. لذلك أسّست مشروعًا جديدًا -في منزل والديها- وأطلقت على هذا المشروع اسم معجنات وحلويات سارة (Sarah’s Pastries and Candies).
يساعدها الموظّفون بدوام جزئيّ على ملء طلبات المعجنات والحلوى على صوت مقاطع موسيقيّة هادئة في الخلفيّة. بدأ كونور ماكدونو (Conor McDonough) -خرّيج جامعة كورنيل (Cornell University)- شركته الخاصة لتصميم مواقع الويب (OffThePathMedia.com) بعد أن أصيب بخيبة أمل كبيرة من وظيفته التي لم تكن تُشبع رغباته وطموحاته.
يقول كونور: "لم تكن هناك فُرص ولا مساحة كافية للتعبير عن نفسي وعن قدراتي". كما تقول الفنانة المشغولة آنا سانشيز (Ana Sanchez): "إنّ العمل الحرّ يبقيني أعمل دائمًا ويجبرني ذلك على بذل قصارى جهدي لأنّني أعرف أن وظيفتي التالية تعتمد على أدائي."
القدرة الإدارية والمعرفة التقنية
قد يفتقر الشخص المتمتّع بجميع خصائص ريادة الأعمال إلى المهارات التجاريّة اللازمة لإدارة شركة ناجحة. يحتاج روّاد الأعمال إلى المعرفة التقنيّة لتنفيذ أفكارهم وإلى القدرة الإداريّة على تنظيم الشركة وتطوير استراتيجيّات التشغيل والحصول على التمويل والإشراف على الأنشطة اليومية.
خاطب جيم كرين (Jim Crane) -الّذي أنشأ شركة إيجل العالمية للخدمات اللوجستية (Eagle Global Logistics) وحوّلها من شركة ناشئة إلى شركة عملاقة بقيمة 250 مليون دولار- خاطب مجموعة من الأفراد في اجتماعٍ قائلاً: "لم أدُر شركة بقيمة 250 مليون دولار من قبل، لذا يجب أن تبدأوا يا رفاق في إدارة هذه الشركة."
تعدّ المهارات الشخصيّة ومهارات التواصل الجيّدة ضرورة مُلحّة عندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع الموظّفين والعملاء وشركاء الأعمال الآخرين، مثل المصرفيّين والمحاسبين والمحامين. يعتقد روّاد الأعمال أنه يمكنهم تعلّم هذه المهارات المطلوبة، كما سنناقش لاحقًا في مقالات في هذا الباب من سلسلتنا.
عندما بدأ جيم ستاينر (Jim Steiner) عمله في إعادة تصنيع خراطيش الحبر (Quality Imaging Products) كان استثماره الأوّلي 400 دولار فحسب. أنفق 200 دولار على خبير استشاريّ لتعليمه العمل و200 دولار على الموادّ لإعادة بناء وإصلاح أولى الخراطيش. كان يجري مكالمات المبيعات من الساعة الثامنة صباحًا حتى الظهر ويسلّم المنتجات للعملاء من الظهر حتى الساعة الخامسة مساءً. يعود للمرآب بعد عشاء سريع حيث يملأ خراطيش الطابعات حتّى منتصف الليل وحينها يذهب منهكًا للنوم ويكون أحيانًا مغطى بآثار العمل.
ولم يكن روتين العمل هذا قصيرًا لشهري أو اثنين، بل كانت هذه هي حياته لمدّة 18 شهرًا. لكنّ رواد الأعمال عادةً ما يكتشفون بسرعة أنّهم لا يستطيعون فعل كلّ شيء بأنفسهم. غالبًا ما يختارون التركيز على ما يفعلونه بشكل أفضل وتوظيف آخرين للقيام بالأعمال الثانوية الأخرى.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Stress and Well Being) من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.