يرتبط موضوع السياسة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم السلطة وهو على نفس القدر من الأهمية. في أي نقاش لممارسة السلطة -خاصّة في المواقف بين المجموعات- من الضروريّ معرفة العمليّات السياسيّة الأساسيّة. وسنخوض في تفصيلات هذه النقطة. سننظر بعد ذلك إلى الاستراتيجيات السياسيّة لاكتساب القوّة والحفاظ عليها واستخدامها في العلاقات بين المجموعات. أخيرًا سنتطرّق إلى طرق الحد من تأثير السلوك السياسي في المؤسّسات.
ما هي السياسة؟
ربما يكون تعريف لاسويل (Lasswell) للسياسة هو أقدم تعريفٍ على الإطلاق، والّذي وصفها بأنّها من الّذي يحصل على ماذا ومتى وكيف. يمكن من خلال هذا التعريف البسيط أن نرى كيف تنطوي السياسة على حلّ النزاعات الناشئة والتفضيلات المختلفة حول تخصيص الموارد النادرة والقيمة. تمثّل السياسة آليّةً لحل مشاكل التخصيص عندما تفشل في ذلك آليات أخرى مثل إدخال معلومات جديدة أو استخدام قاعدة الأغلبية البسيطة. سنعتمد هنا تعريف بفيفر (Pfeffer) للسياسة على أنّها "الأنشطة التي تحدث داخل المؤسّسات لاكتساب وتطوير واستخدام السلطة والموارد الأخرى في سبيل الحصول على النتائج المرغوبة في حالة تسود خياراتها عدم اليقين أو الخلاف".
يقول بفيفر عند مقارنة مفهوم السياسة بمفاهيم السلطة المتعلّقِ بها:
اقتباسإذا كانت السلطة قوّةً ومخزنًا للتأثير المحتمل الذي يمكن أن يقع على الأحداث فإنّ السياسة تتضمّن الأنشطة أو السلوكيّات التي تُطوّر السلطة وتستخدمها في السياق المؤسّساتيّ. السلطة هي ملكيّة النظام في حالة الراحة، أمّا السياسة فهي دراسة السلطة أثناء العمل. قد يمتلك فرد أو وحدة أو قسم ما السلطة في المؤسّسة في فترة ما. كما تتضمّن السياسة ممارسة السلطة لتحقيق هدف محدد، بالإضافة إلى تلك الأنشطة التي تُقام لتوسيع مدى السلطة أو النطاق الذي يمكن ممارستها فيه .
بعبارة أخرى، يتضّح من هذا التعريف أنّ السلوك السياسي هو نشاط بدأ بغرض التغلّب على المعارضة أو المقاومة. إن غابت المعارضة لن يكون هناك حاجة للنشاط السياسيّ. علاوةً على ذلك، يجب أن نتذكّر أن غياب النشاط السياسيّ لن يُحدِثَ بالضرورة اختلالًا في الفعالية على نطاق المنظمة. يعتقد العديد من المديرين في الحقيقة أنّ قراراتهم وأنشطتهم السياسيّة داخل إطار المنظمة هي في الواقع في مصلحة المنظمة ككلّ. أخيرًا، يجب أن نلاحظ أنّ السياسة -كما السلطة- ليست سيّئة بطبيعتها. يعتمد بقاء المنظمة في كثير من الحالات على نجاح إدارة أو ائتلاف من الإدارات في التغلّب على سياسات قديمة تقف عائقًا أمام تقدّم المؤسسة في الظروف المعاصرة. هذا هو السبب في كون فهم السياسات المؤسّساتيّة والسُّلطة أمرًا ضروريًّا للغاية للمديرين.
شدة السلوك السياسي
المنظّمات المعاصرة هي كيانات سياسيّة للغايّة. وتُعزى الكثير من الجهود المتعلقة بالأهداف التي تنتجها منظّمة إلى العمليّات السياسيّة مباشرةً. ومع ذلك، تختلف شدّة السلوك السياسيّ اعتمادًا على عوامل عدّة. على سبيل المثال، طُلِب في إحدى الدراسات من المديرين ترتيب عدّة قرارات تنظيميّة على أساس مدى مشاركة السياسة فيها. أظهرت النتائج أن معظم القرارات السياسيّة (حسب الترتيب) كانت تلك الّتي تحوي تنسيقًا بين الإدارات أو الترقيات أو نقل الموظّفين أو تفويض السلطة. تتميّز هذه القرارات عادة بغياب القواعد والإجراءات المعمول بها والاعتماد على معايير غامضة وشخصيّة (غير موضوعيّة).
كما صنّف المديرون في الدراسة قرارات مثل سياسات شؤون الموظفين والتوظيف والإجراءات التأديبية على أنّها "أقلّ سياسيّة". تتميّز هذه القرارات عادة بسياسات وإجراءات ومعايير موضوعيّة واضحة المعالم.
على أساس هذه نتائج، من الممكن تطوير تصنيف السلوك السياسي. يظهر نموذج هذا التصنيف في الشكل 13.5. كما يظهر في الشكل، فإنّنا نتوقع أكبر قدر من النشاط السياسي في المواقف التي تتّسم بدرجة عالية من عدم اليقين والتعقيد والمنافسة بين الموظّفين أو المجموعات على الموارد الشحيحة. في حين يكون أقلّ قدر من الممارسة السياسيّة متوقعًا في ظروف أخفّ من عدم اليقين والتعقيد وأيضًا في حالة قلّة المنافسة بين الموظفين على الموارد.
الشكل 13.5 احتمالات السلوك السياسيّ في المؤسّسة. المصدر: (مقتبس من " The Use and Abuse of Corporate Politics" لـ(Don R. Beeman) و(Thomas Sharkey) مُعاد طبعه من قبل Business Horizons (March–April 1987). (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).
أسباب السلوك السياسي
وفقًاً للنموذج أعلاه، يمكننا تحديد ما لا يقلّ عن خمسة شروط للسلوك السياسيّ الصحيح في المنظمات، كما هو موضح في الجدول 13.2 إلى جانب السلوكيات المحتملة الناتجة. تشمل الشروط ما يلي:
- أهداف مبهمة. عندما تكون أهداف القسم أو المنظّمة مبهمة، تتاح مساحة أكبر للسياسة. يمكن حينها للأعضاء السعي لتحقيق مكاسب شخصيّة تحت ستار السعي لتحقيق الأهداف المؤسّساتيّة.
- موارد محدودة. تظهر السياسة عندما تشحّ الموارد ويجب اتّخاذ قرارات توزيعها توزيعًا مناسبًا للظروف الراهنة. بالطبع لن تكون هناك حاجة لاستخدام السياسة للمطالبة "بحصّة الفرد" إذا كانت الموارد وافرة.
- تغيير التكنولوجيا والبيئة. يزداد السلوك السياسي عمومًا عندما تكون طبيعة التكنولوجيا الداخلية غير روتينية وتكون البيئة الخارجية ديناميكية ومعقدة. فيزداد الغموض وعدم اليقين ما يؤدّي إلى سلوك سياسيّ من الجماعات المهتمة باتّباع مسارات معينة للعمل.
- قرارات غير مبرمجة. تحدّثنا عن الفرق بين القرارات المبرمجة وغير المبرمجة. يكون القرار غير مبرمج عندما تكون الظروف المحيطة بمشكلة القرار وعملية اتّخاذه غامضة؛ ما يترك مجالًا للمناورة السياسيّة. في حين تحدّد القرارات المبرمجة عادةً هذه التفاصيل فلا توجد مساحة كبيرة للمناورة. لذا من المرجح أن نرى سلوكًا سياسيًّا أكبر في القضايا الرئيسيّة التي تحفّها الطبيعة غير المستقرة، مثل قرارات التخطيط الاستراتيجيّ بعيدة المدى.
- التغيير المؤسّساتيّ. توفّر فترات التغيير المؤسّساتيّ أيضًا فرصةً للسلوك السياسيّ بدلًا من السلوك العقلانيّ. إنّ الجهود المبذولة لإعادة هيكلة قسم معيّن أو فتح قسم جديد أو إدخال خطّ إنتاج جديد هي دعوات للجميع للانضمام إلى العملية السياسية حيث تتنازع الفصائل والتحالفات المختلفة على المكاسب الممكنة.
نسبة كبيرة من المنظّمات المعاصرة ذات طبيعة سياسية إلى حدّ كبير، وذلك نظرًا لامتلاك معظم المنظّمات اليوم موارد شحيحة وأهداف غامضة وتقنيّات معقدة وبيئات خارجيّة معقدة وغير مستقرة. لذا يجب أن يراعي المديرون المعاصرون العمليات السياسية بسبب علاقتها بتنظيم السلطة والحفاظ عليها. هذا في الواقع يطرح السؤال التالي: لمَ لدينا سياسات وإجراءات التشغيل القياسية (SOPs) في المنظمات؟ تهدف هذه السياسات حقيقةً إلى الحدّ من مدى تأثير السياسة على قرار معين. وهذا الجهد لتشجيع اتّخاذ قرارات "أكثر عقلانيّة" في المنظّمات كان سببًا رئيسيًّا وراء تطوير ماكس ويبر (Max Weber) للنموذج البيروقراطيّ، أي أنّ زيادة تحديد وتضييق بيانات السياسة غالبًا ما يرتبط ارتباطًا عكسيًا بالجهود السياسيّة كما هو موضح في الشكل 13.6. والسبب في ذلك هو أنّ مثل هذه الإجراءات تقلّل من الغموض المحيط بالقرار، وبالتالي تقلّل من فرص الجهود السياسية.
الشروط المؤدّية للسلوك السياسيّ | |
---|---|
الظروف الموجودة | السلوك السياسيّ الناجم عنها |
الأهداف المبهمة | محاولة تحديد الأهداف لتتوافق مع أفضليّة الفرد. |
الموارد المحدودة | النزاع للحصول على أكبر حصّة ممكنة. |
تغيير التكنولوجيا والبيئة | محاولة استغلال عدم اليقين لتحقيق مكاسب شخصيّة. |
القرارات غير المبرمجة | محاولة اتّخاذ قرارات غير مثاليّة لخدمة المصلحة الشخصيّة. |
التغيير المؤسّساتيّ | محاولة استغلال إعادة الهيكلة من أجل تحقيق الأهداف الفرديّة. |
الجدول 13.2 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).
الشكل 13.6 العلاقة بين إجراءات التشغيل القياسيّة للشركة وبين السلوك السياسيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).
القيادة الإدارية
التكنولوجيا والابتكار والسياسة في تقييمات الأداء
يُعَدّ وضع استراتيجية لتقييم الأداء خطوة مهمة لأيّ شركة، كما أن الابتعاد عن التحيّز السياسي أمرٌ أساسيّ. في كثيرٍ من الأحيان لا يمكن تجنّب دخول بعض التحيّز في التقييم. يفكر المديرون غالبًا في التأثير الذي ستحدثه مراجعتهم على الموظّف وكيف سيؤثّر ذلك على علاقتهم وما يعنيه كلّ ذلك لحياتهم المهنيّة في المستقبل. هناك الكثير من الحِيَل التي تلفُّ عملية التقييم والّتي يكون للإداريين أذرعٌ بها سواء اعترفوا بذلك أم لا. تبحث العديد من الشركات مثل أدوبي (Adobe) عن طرق تمكّنها من تجديد عمليّة التقييم لإزالة التحيّزات المحتملة وجعل التقييمات أكثر إنصافًا.
عمدت أدوبي في عام 2012 إلى تحويل أعمالها وتغيير دورة إنتاجها، فعند المرور بالتغييرات العمليّة أدركت أدوبي وجوب حدوث تحوّل ثقافيّ أيضًا. أعلنت عن عملية مراجعة سريعة بهدف الحصول على استطلاع سريع للآراء بالإضافة إلى التخلّص من عمليّة المراجعة السنويّة الّتي عفا عليها الزمن. مع الشكل الأسرع لدورات إنتاجهم والنموذج القائم على الاشتراك في التكنولوجيا، كان هذا منطقيًا تمامًا.
مهّد هذا الأسلوب المعاصر إلى توجّهٍ جديد في التفكير، ما سمح بأن يصبح الاتصال ثنائيّ الاتجاه هو القاعدة الأساسيّة بين المديرين والموظفين. استطاعوا إجراء محادثات صريحة مستمرّة والتعامل مع موضوعات صعبة من أجل إجراء تحسينات بدلاً من انتظار المراجعة السنويّة وترك الأداء السيئ يمرّ دون تغيير والأداء الجيّد دون أن يُكافئ أو يُلاحظه أحد. يلغي التخلّص من دورة المراجعة السنويّة أيضًا تدخّل السياسة في العملية؛ إذ أصبح المديرين قادرين على التفكير النقديّ حول الأداء وعلى العمل جنبًا إلى جنب مع موظّفيهم لتحسين النتيجة، بدلاً من القلق بشأن إجراء محادثة صعبة والنتيجة السيّئة الّتي قد تتبعها والحاجة إلى التعايش مع التداعيات. يُمنح الموظفون أيضًا فُرصًا لتقديم ملاحظاتهم وتقييمهم الشخصيّ ويتمّ مناقشته بعد ذلك مع المدير، حيث يراجعون العناصر معًا ويتفّقون على ما سوف يُقدّم رسميًّا. تُعدّ إضافة تعليقات الموظّفين طريقة رائعة أخرى للحدّ من تدخّل السياسة أو التحيّز في المراجعة.
أظهر موظفو أدوبي نتيجةً لهذا التغيير تفاعلًا ورضًا أعلى تجاه عملهم وتحسّنًا مُلاحظًا. لم تعد تنتظرهم مفاجآت سلبيّة في مراجعتهم السنويّة وأضحوا قادرين على تعديل الأولويّات والسلوكيّات ليصبحوا عماّلًا أكثر كفاءة.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Organizational Power and Politics) من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.