كيف يمكن تأسيس بيئة عمل مميزة بمواقف عمل إيجابية والحفاظ عليها؟
إحدى المسائل المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإدراك والإسناد اللين تطرّقتنا إليهما سابقًا -والمتأثرة تأثرًا كبيرًا بهما- هي وجهات النظر أو السلوكيات. يمكن تعريف وجهة النظر بأنها الاستعداد للاستجابة بطريقة ملائمة أو غير ملائمة تجاه الأشياء أو الأشخاص في بيئة الفرد. فعندما نشعر بأننا نحب أو نكره شيئًا فإنّنا في الواقع نعبّرعن موقفنا أو وجهة نظرنا تجاه هذا الشيء.
ينبغي ملاحظة ثلاثة جوانب مهمة من هذا التعريف، أولًا، وجهة النظر هي هيكل فكري افتراضي يمكن ملاحظة نتائجه ولا يمكن ملاحظته هو بذاته. ثانيًا، وجهة النظر مفهوم أحادي البعد: إذ إنّ وجهة النظر تجاه فرد أو شيء ما تتباين إلى درجة كبيرة من كون هذا الفرد أو الشيء مفضّلًا أو محبوبًا إلى كونه غير مفضّل أو حتى مكروه، فنحن نحبّ شيئًا ما أو لا نحبّه (أو نكون حياديين)، ونعتقد أنّ شيئًا ما ممتع أو غير ممتع، ففي كلّ الحالات يمكن تقييم الموقف وفق منهج تقييم واحد. ثالثًا، يعتقد أن وجهة النظر ترتبط بالسلوك أو ردة الفعل التالي، وسوف نعود لنناقش هذه الفكرة لاحقًا.
يمكن تقسيم وجهة النظر إلى ثلاث مكونات مترابطة، وهي: (١) مكوّن إدراكي يتعامل مع معتقدات وأفكار الفرد عن فرد أو شيء آخر. (٢) مكوّن عاطفي يتعامل مع مشاعر الفرد تجاه غيره. (٣) مكوّن إرادي يتعامل مع نوايا الفرد تجاه غيره من الأفراد أو الأشياء.
والآن وبعد أن تعرّفنا على ماهية وجهة النظر، سننظر إلى كيفية تشكيل وجهة النظر وكيفية تأثيرها على السلوك. يعرض الشكل 3.8 نموذجًا عامًا عن العلاقة بين وجهة النظر والسلوك. كما نرى، فإنه تؤدي وجهات النظر إلى نوايا سلوكية والتي تؤدي بدورها إلى سلوك فعلي. من خلال تتّبع السلوك، يمكننا في كثير من الأحيان تحديد الجهود والأفعال المبذولة من قبل الفرد لتبرير سلوكه. فلندرس كل مكوّن منفصلًا بدءًا بعملية تشكيل وجهة النظر.
الشكل (3.8): العلاقة بين المواقف والسلوك (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
كيف يتم تشكيل وجهة النظر
يوجد خلاف كبير على هذا السؤال، إحدى الآراء هي التي يقدّمها الطبيب النفسي باري ستاو (Barry Staw) وزملاءه هي نهج الميول، والذي يقول بأن وجهات النظر تعبّر عن ميول معيّنة (ثابتة نسبيًا) في طريقة الاستجابة إلى الأفراد أو الظروف المحيطة بهم، أي يُنظر إلى وجهات النظر على أنها سمات شخصية. وبالتالي فإنّ بعض الأشخاص لديهم ميل - استعداد - إلى أن يكونوا سعداء بالعمل بصرف النظر عن طبيعة العمل نفسه. بينما قد يكون لدى الآخرين ميل داخلي ليكونوا غير سعداء، بصرف النظر عن الطبيعة الفعليّة للعمل. هنالك العديد من الأدلة التي تدعم هذا النهج في سلسلة من الدراسات التي وجدت أن وجهات النظر تتغير تغيّرًا ضئلًا بين الأشخاص قبل وبعد تغيير عملهم. وبقدر ما تكون هذه الموجودات صحيحة فإن للإداريين تأثير ضئيل على تحسين وجهات النظر الوظيفية عن طريق اختيار وتوظيف أولئك الذين لديهم ميول مناسبة للعمل.
النهج الثاني لتشكيل وجهة النظر يسمى النهج الظرفي (situational approach). يفسّر هذا النهج أنّ وجهات النظر تنشأ نتيجة ظروف معيّنة مميّزة ومختلفة، فهي محدّدة بحسب الظرف ويمكن أن تختلف استجابةً لظروف العمل المتغيرة. وبالتالي يتفاعل الأشخاص مع وظائفهم كتيجة لخبرتهم أو تجربتهم في تلك الوظيف(وظيفة مملة أو غير مجزية، مشرف أو مدير سيء)، يتفاعلون مع ظروف هذه الوظائف عن طريق تشكيل وجهات نظر خاصّة بهم تجاه تلك الوظيفة. هناك في الواقع العديد من الاختلافات حول هذا النهج، إذ يقترح بعض الباحثون أنّ وجهات النظر تنتج بشكل رئيسي من طبيعة تجربة العمل بحدّ ذاته، والتي يبررها موظف بقوله: "لا أتفاهم جيدًا مع مشرفي ولذلك لست راضيًا عن عملي". وبقدر ما يصف هذا بدقة كيفية تشكيل وجهات النظر فإنّه يعني أيضًا أنّه يمكن تغيير وجهات النظر هذه بسهولة نسبيًا، فإذا كان الموظفون غير راضين عن وظائفهم بسبب خلافات مع المشرفين فإن تغيير المشرفين أو تغيير سلوك المشرفين قد يكون وسيلة فعالّة لتحسين وجهات النظر الوظيفية للموظف. وبمعنى آخر، إذا كانت وجهات النظر ناتجة بشكل أساسي عن ظروف العمل، فيمكن عندئذ تغيير وجهات النظر عن طريق تغيير هذه الظروف.
يقترح المدافعون عن النهج الظرفي عملية أكثر تعقيدًا لتشكيل وجهات النظر وهي نهج معالجة المعلومات الاجتماعية. تؤكّد وجهة النظر هذه والتي طوّرها بفيفر وسالانسيك (Pfeffer and Salancik) أنّ وجهات النظر ناتجة عن "حقائق مبنية اجتماعيًا" كما يراها الفرد (انظر الشكل 3.9).28 أي أنّ السياق الاجتماعي الذي يتواجد فيه الفرد يشكل ويحدد طريقة إدراكه للموقف وبالتالي وجهة نظره تجاهه.
الشكل (9.3): منظور نهج معالجة المعلومات الاجتماعية للمواقف (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
وآلية عمل النهج هو كالتالي؛ لنفترض أنّ موظفًا جديدًا انضم إلى مجموعة عمل تتكون من أشخاص عملوا معًا لبعض الوقت. لدى المجموعة الحالية بالفعل آراء ومشاعر حول عدالة المدير وأخلاقه وجودة مكان العمل وكفاية التعويض وما إلى ذلك من صفات العمل، ولدى وصول هذا الموظف يُلقّن تلميحات قياسيّة اجتماعيًّا من زملائه في العمل حول وجهات النظر المقبولة تجاه مختلف جوانب العمل والشركة. وبالتالي ونظرًا إلى القوى الاجتماعية، يبدأ الموظف الجديد في تكوين وجهات نظر تستند إلى أجزاء من المعلومات المقدّمة من بيئته الخارجية (زملائه) بدلًا من تشكيل وجهة نظر موضوعية عن مكان العمل. فإذا كان منظور معالجة المعلومات الاجتماعية صحيحًا، سيكون تغيير وجهة نظر الفرد أمرًا صعبًا ما لم يتم نقل الفرد إلى مجموعة مختلفة من زملاء العمل أو ما لم تتغير وجهات نظر زملاء العمل الحاليين.
أي نهج هو الصحيح؟ تشير البحوث في الحقيقة إلى وجود مزايا لكل من وجهتي النظر الظرفية ومعالجة المعلومات الاجتماعية، وربما يكون من الحكمة إدراك أنّ الظروف الاجتماعية والميول الشخصية تتفاعل مع بعضها لتشكل الأساس الذي تبنى عليه وجهات نظر الفرد في العمل. إنّ الفائدة العملية لهذا التأثير المشترك للمنهجين السابقين في تبرير وجهات النظر هو أنّه لا يجب أن نفترض كإداريين أنّ التغييرات الطفيفة في ظروف العمل سيكون لها تأثيرات كبيرة على وجهات النظر الفردية، بل إنّ الجهود المنهجية التي تركّز على المجموعات والأنظمة الاجتماعية المترابطة هي التي من شأنها أن تؤدي إلى تغييرات ناجحة في وجهات النظر.
النوايا السلوكية والسلوك الفعلي
بغض النظر عن كيفية تشكيل وجهات النظر (إما من خلال النهج الظرفي أو معالجة المعلومات الاجتماعية)، فإن المشكلة التالية التي نواجهها هي فهم كيف تؤثر النوايا السلوكية الناتجة على السلوكّ الفعلي للفرد وكيف توجّهه (ارجع إلى الشكل 3.8)، وهذه العلاقة ليست مثالية. بغض النظر عن طبيعة نوايا الفرد، فغالبًا ما تعمل قيود داخلية وخارجية مختلفة على تعديل مسار العمل المقصود من هذا الفرد. على سبيل المثال قد ترغب في الانضمام إلى جماعة أو نقابة معيّنة ولكن قد تُمنع من القيام بذلك لأسباب متنوعة، وبالمثل فقد يكون لدى أي شخص نية قوية للحضور إلى العمل ولكنه قد يصاب بالأنفلونزا. أي أنه بغض النظر عن النية قد تتدخل عوامل أخرى لتحديد نتاج السلوك الفعلي في نهاية المطاف.
تبرير السلوك
يشعر الأشخاص غالبًا بالحاجة إلى تبرير سلوكهم لضمان اتساق وتوافق سلوكياتهم مع وجهات نظرهم تجاه الحدث (انظر الشكل 3.8). يُطلق على هذه الميول مصطلح الثبات المعرفي (cognitive consistency). عندما يجد الناس أنفسهم يتصرفون بطريقة تتعارض مع وجهات نظرهم - عندما يواجهون عدم انسجام معرفي - يتعرّضون للتوتر ويحاولون تقليل هذا التوتر والعودة إلى حالة من الاتساق المعرفي.
على سبيل المثال، قد يكره مدير ما وظيفته ولكن يتعيّن عليه العمل لساعات طويلة، وبالتالي هو يواجه تباينًا وتناقضًا واضحًا بين وجهة نظره (كراهية الوظيفة) وسلوكه (العمل لساعات طويلة) وسيعاني في معظم الأحيان من عدم انسجام معرفي. ومن أجل أن يصل إلى انسجام وتوازن معرفي ، يمكنه القيام بأحد أمرين، أولًا؛ يمكنه تغيير سلوكه والعمل لساعات أقل، ومع ذلك فقد لا يكون هذا ممكنًا، أوبدلًا من ذلك يمكنه تغيير موقفه من الوظيفة إلى موقف أكثر إيجابية، فقد يقنع نفسه على سبيل المثال أنّ الوظيفة ليست بهذا السوء وأنّ ساعات العمل الطويلة قد تؤدي إلى الترقية السريعة. عندما يقوم بذلك سيحقق حالة من الاتساق المعرفي، وسيؤدي الفشل في القيام بذلك على الأرجح إلى زيادة التوتر والانسحاب من العمل في نهاية المطاف.
المواقف المرتبطة بالعمل
كيف يمكن للإداريين والمنظمات أن يطوّروا قوى عاملة ملتزمة؟
يتعين علينا تحديد وجهات النظر التي تهمنا عندما نطبّق مفهوم تأثير وجهات النظر لضبط العمل. ورغم إمكانية تحديد مجموعة متنوعة من وجهات النظر ذات الصلة بالعمل، فإن الموقف الذي يحظى بأكبر قدر من الاهتمام هو الرضا الوظيفي. ونظرًا لأنّ هذا المفهوم هو أحد أكثر المفاهيم التي دُرست على نطاق واسع في السلوك المؤسساتي، سنبحثه هنا بشيء من التفصيل.
الانخراط في العمل والالتزام
يجب أولًا أن نقدّم وجهتي نظر وظيفيتين يجب إدراكهما وهما: التفاني والالتزام. يشير التفاني الوظيفي إلى مدى اهتمام الشخص والتزامه بالمهام المنوطة إليه. هذا لا يعني أن الشخص "سعيد" (أو راضٍ) عن الوظيفة، بل إنّه يشعر بمسؤولية معينة تجاه ضمان إنجاز المهمة نفسها بطريقة صحيحة وبمستوى عالٍ من الكفاءة، فمحور تركيز وجهة النظر هنا هو الوظيفة نفسها.
يمثل الالتزام المؤسساتي من ناحية أخرى القوة النسبية لانتماء الفرد ومشاركته في المؤسسة، ويمكن أن يتميّز الالتزام بثلاثة عوامل: (1) إيمان قوي وتقبّل أهداف المؤسسة وقيَمها ، (2) استعداد لبذل جهد كبير نيابة عن المؤسسة، (3) رغبة قوية في الحفاظ على العضوية في المؤسسة. إذ يمثّل الالتزام شيئًا يتجاوز الولاء الحيادي للشركة عند عرضه بهذه الطريقة. إنه ينطوي على علاقة نشطة مع المؤسسة حيث يكون الأفراد على استعداد لتقديم جُزء من أنفسهم ووقتهم وطاقتهم من أجل مساعدة الشركة على النجاح والازدهار. تبرز القراءة المتأنية لمفاتيح النجاح في العديد من الشركات اليابانية الأهمية والدور البارز الذي تلعبه القوى العاملة الملتزمة. ننتقل الآن إلى موقف العمل الثالث وهو الرضا الوظيفي.
الرضا الوظيفي
يمكن تعريف الرضا الوظيفي بأنّه "حالة عاطفية ممتعة أو إيجابية ناتجة عن ثناء الآخرين أو الفرد ذاته على الوظيفة أو الخبرة الوظيفية له". ينتج عن إدراك أنّ عمل الموظف يوفر له فعليًا ما يقدِّره في بيئة العمل.
تندرج العديد من خصائص مفهوم الرضا الوظيفي من هذا التعريف، أولًا؛ الرضا هو استجابة عاطفية للعمل، أي أنه لا يمكن فهمه بشكل كامل إلا من قبل الفرد نفسه. لا يمكننا ملاحظة الرضا بشكل مباشر كما هو الحال مع أي حالة عاطفية أو جهة نظر أخرى، بل يجب أن نستنتج وجوده وسماته إما من خلال سلوك الموظف أو من خلال أفعاله.
ثانيًا؛ يمكننا فهم ظاهرة الرضا الوظيفي بشكل أفضل من خلال المُفارقات التي تترافق وهذه الظاهرة. حيث أشار العديد من الكتّاب إلى مفهوم الرضا الوظيفي باعتباره نتيجة لمدى ما يريده الشخص أو يتوقعه من الوظيفة مقارنةً بما يتلقاه منها بالفعل. يأتي الأشخاص للعمل بمستويات متفاوتة من التوقعات الوظيفية، وقد تختلف هذه التوقعات ليس فقط من حيث الجودة (قد يقدّر الأفراد المختلفون أشياء مختلفة في الوظيفة) ولكن أيضًا في شدتها. يتلقى الأشخاص نتائج (مكافآت) من الوظيفة على أساس خبرات العمل، لا تشمل هذه المكافآت المكافآت الخارجية فقط، مثل الأجور والترقية، ولكن تشمل أيضًا مجموعة متنوعة من المكافآت الداخلية مثل العلاقات المُرضية مع زملاء العمل والعمل الأخلاقي والمفيد للمجتمع. نتوقع أن يكون الموظف راضيًا عن وظيفته ويرغب في البقاء عندما تصبو فيه النتائج التي يحصل عليها الموظف إلى توقعاته أو تفوقها. في الحالات التي تتجاوز فيها النتائج التوقعات بالفعل فإننا نتوقع من الموظفين إعادة تقييم تطلّعاتهم أو ربما رفعها لتتساوى مع النتائج الحالية التي يحصلون عليها. ومع ذلك عندما لا تفي النتائج بالتوقعات يكون الموظفون غير راضين، وقد يفضّلون البحث عن مصادر بديلة للرضا، إما عن طريق تغيير الوظائف أو عن طريق إعطاء قيمة أكبر لأنشطة الحياة الأخرى، مثل الترفيه أو رحلات الاستجمام.
أبعاد الرضا الوظيفي. قيل بأنّ الرضا الوظيفي يمثل في الواقع مزيجًا متنوّعًا من وجهات النظر المختلفة والمتعلقة بالوظيفة، لذلك عندما نتحدث عن الرضا يجب أن نحدد " الرضا عن ماذا؟"، وقد اقترحت الأبحاث خمسة أبعاد وظيفية تمثّل أهم خصائص الوظيفة التي يولّد الناس استجابات عاطفية تجاهها وهي:
- العمل نفسه. مدى أهمية المهام التي يؤديها الموظفون وتوفيرها فرص للتعلم وتحمّل المسؤولية.
- الأجر. مقدار الأجر المستلم، والإنصاف في الأجر، وطريقة الدفع.
- فرص الترقية. توافر فرص واقعية للتقدّم.
- الإشراف. القدرات التقنية والإدارية للمشرفين؛ إلى أي مدى يظهر المشرفون المراعاة والاهتمام بالموظفين.
- زملاء العمل. إلى أي مدى زملاء العمل ودودون وذوو كفاءة تقنية وداعمون.
على الرغم من هنالك أبعاد أخرى للرضا الوظيفي ، إلا أن هذه الأبعاد الخمسة تُستخدم في أغلب الأحيان عند تقييم الجوانب المختلفة لمواقف العمل في المؤسسات.
قياس الرضا الوظيفي. لعل أكثر استطلاعات الرأي الأكثر شيوعًا في المؤسسات اليوم تركّز على الرضا الوظيفي. يرى العديد من الإداريين الرضا مؤشرًا مهمًا على الفعالية التنظيمية، وبالتالي يُراقب بانتظام لتقييم مشاعر الموظفين تجاه المنظمة. أكثر الوسائل شيوعًا لتقييم الرضا هي مقياس التقييم. تمثل مقاييس التقييم التعابير اللفظية الذاتية المباشرة المتعلقة بمشاعر الموظفين؛ والتي استُخدمت على نطاق واسع في الشركات منذ عام 1930. توجد عدّة مقاييس للرضا الوظيفي. إحدى المقاييس الأكثر شعبية هو استبيان رضا مينيسوتا (MSQ Minnesota Satisfaction Questionnaire). تستخدم هذه الأداة نموذج استجابة "ليكرت" (Likert-response format) لإنشاء درجات رضا على 26 مقياس، بما في ذلك الرضا عن التعويض وفرص الترقية وزملاء العمل والمديح وما إلى ذلك. يمكنك تقييم درجاتك في نسخة قصيرة من هذه الأداة في قسم التقييم في هذا الفصل.
يتميّز استبيان MSQ ومقاييس التصنيف المماثلة بمزايا عديدة لتقييم مستويات الرضا الوظيفي. أولًا؛ تتصف بأنها قصيرة وبسيطة نسبيًا ويمكن إكمالها من قبل معظم الموظفين وبسرعة. ثانيًا؛ بسبب الصياغة العامة للمصطلحات المختلفة، يمكن طرح هذه الاستبيانات على مجموعة واسعة من الموظفين ومن وظائف مختلفة، فليس من الضروري تغيير الاستبيان لكل تصنيف وظيفي، كما تتوفر بيانات معيارية شاملة (أو معايير). تتضمن هذه المعايير ملخصات لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين أكملوا الاستبيان. وبالتالي ، يمكن لأصحاب العمل في المؤسسات الأخرى تحديد التوجّه النسبي ونتائج هذه الاستبيانات.
على الرغم أنّ لمقاييس التصنيف العديد من المزايا مقارنة بالتقنيات الأخرى، إلا أن هناك عيبين اثنين لها، أولًا وكما هو الحال مع أي تقرير أو استبيان ذاتي ، يُفترض أن الذين يكتبون هذا الاستبيان على استعداد وقادرين على وصف مشاعرهم بدقة. ولكن كما لاحظ العديد من الباحثين أن الأفراد غالبًا ما يستبعدون -بوعي أو بدون وعي- المعلومات التي يشعرون أنّها مضرة ويعززون المعلومات التي يشعرون أنّها مفيدة لهم. فمن الممكن مثلًا أن يقوم الموظفون الذين يعتقدون أن رؤسائهم قد يرون نتائج استبياناتهم بالإبلاغ عن وجهات نظر وظيفية مواتية بطريقة مفرطة.
المشكلة الثانية في مقاييس التصنيف هي الافتراض الأساسي بأنّ عناصر الاستبيان تعني نفس الشيء لجميع الأشخاص، فقد لا يكون هناك تفسير مشترك بين الأفراد. ومع ذلك اثبتت مقاييس التقييم أنها مفيدة في تقييم الرضا في جوانب مختلفة من الوضع الوظيفي. يمكن للإداريين استخدام النتائج لتحديد مجالات المشاكل المحتملة وتوليد نقاشات وخطط عمل عن كيفية تصحيح جوانب الوظائف أو المؤسسة التي تسبب مستويات غير مقبولة من عدم الرضا الوظيفي.
رضا الزبون والنوعية
ما مدى رضا الموظفين
إذا كنت قد سافرت على متن شركة خطوط "ساوثويست الجوية" (Southwest Airlines) يمكنك معرفة أنّ هناك شيء مختلف تمامًا بمجرد تعاملك لأول مرّة مع موظفيها. بدءًا من المضيفات، إلى إعلانات الطيار، وحتى ممثلي خدمة العملاء، جميعهم لديهم تصرفات مُبهجة ويبدو عليهم السعادة عند تعاملهم معك، وعلى عكس الاعتقاد الشائع فإن هذا ليس تمثيلًا!
أعلنت شركة طيران "ساوثويست" عام 2017 أنها ستشارك أرباحها البالغة 586 مليون دولار مع موظفيها البالغ عددهم 54000، مما منحهم مكافأة متوسطها حوالي 13.2 في المائة. بالإضافة إلى 351 مليون دولار إضافية والتي ساهموا بها في خطة الرواتب التقاعدية 401 (k) أيضًا. هذه مجرد إحدى الطرق العديدة التي أعطتها "ساوثويست" لموظفيها في يوم وزمن يبدو فيه الحصول على الحد الأدنى لأجور المرشحين المؤهلين بمثابة قتال.
يفسّر الرئيس التنفيذي للشركة غاري كيلي (Gary Kelly) ذلك بقوله »نهجنا والذي يضع الناس والموظفين أولًا، والذي قاد شركتنا منذ تأسيسها، يعني أن شركتنا تعمل جيدًا، وأنّ موظفينا يقومون بعمل جيد حقًا. يعمل موظفونا بجهد كبير لا يصدق ويستحقون مشاركة نجاح ساوثويست». لا عجب أن يظهر الموظفون داخل أو خارج رحلتك رضاهم عبر مواقفهم اليومية مع هذا النهج الذي تنهجه الشركة. عام 2017 هو العام الثالث والأربعون الذي تقاسمت فيه ساوثويست أرباحها مع أفرادها. في حين أنّ التعويضات تعدّ واحدة من أكثر الصفات المسنودة للشركة للمساعدة في إرضاء الموظفين، وتتّخذ تدابير أكثر من ذلك وكل ذلك في سبيل الحفاظ على حماسٍ عالٍ لموظفيها.
يصنف الموظفون في "ساوثويست" أولًا ويحتل الزبائن المرتبة الثانية. فهي تساهم في بناء ثقافة من المرح والقيم الأساسية الشاملة التي تساعد على إعطاء موظفيهم شعور الجماعة والانتماء. وعندما يكون موظفوهم متحمسين وفخورين بما يقومون به، سيكونون قادرين على تقديم أفضل ما لديهم لعملائهم كل يوم، وهو ما يظهر في نتائج رضا العملاء العالية في استطلاعات الرأي كل عام.
المصادر:
Dahl, Darren, “Why do Southwest Employees Always Seem so Happy,” Forbes, July, 28, 2017, https://www.forbes.com/sites/darrendahl/2017/07/28/why-do-southwest-airlines-employees-alwaysseem- so-happy/#3cba8dbc59b0; Martin, Emmie, “A major airline says there's something it values more than its customers, and there's a good reason why,” Business Insider, July 29, 2015, https://www.businessinsider.com/southwest-airlines-puts employees-first-2015-7; Ramdas, Shreesha, “The Southwest Way to Employee Satisfaction: Flying High Like the High Flier,” Customer Think, May 12, 2018, (http://customerthink.com/the-southwest-way-to-employee-satisfaction-flying-high-like-the highflier/.
ترجمة -وبتصرف- للفصلين Attitudes and Behavior و Work-Related Attitudes من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.