كيف يقلّل الإداريون والمؤسسات من التأثير السلبي للقوالب النمطية والحواجز الأخرى التي تحول دون اتّخاذ وجهات نظر دقيقة للعلاقات الشخصية؟
يمكن تحديد العديد من العوائق التي تعيق دقة تصوّرنا في العملية الإدراكية. وهذه العوائق هي: (1) الصور النمطية - (2) الإدراك الانتقائي - (3) الدفاع الإدراكي. سنستعرض بإيجاز إلى كلٍّ منها من حيث صلتها بالإدراك الاجتماعي في مواقف العمل المختلفة (انظر الجدول 3.2).
عوائق الإدراك الصحيح للآخرين | |
---|---|
العائق | تعريفه |
القولبة النمطية | الميل لتطبيع سمات للأشخاص على أساس مستواهم أو فئتهم فقط |
الإدراك الانتقائي | هو العملية التي نتجنب من خلالها المعلومات التي لا نرغب في سماعها بشكل منهجي ونركّز عوضًا عنها على المعلومات الأهم والأبرز |
الدفاع الإدراكي | الميل إلى عدم تصديق أو تجاهل المعلومات التي تشكل تهديدًا شخصيًا أو الغير مقبولة ثقافيًا |
القولبة النمطية
إحدى العوائق الأكثر شيوعًا عند إدراك الآخرين في العمل هو القولبة النمطية، وهي تعميم صفة معينة أو انطباع خاص على مجموعة من الأشخاص على نطاق واسع، وهي عملية يُمنح فيها سمات لأشخاص على أساس مستواهم أو فئتهم فقط. يمكن أن تحدث بشكل خاص عند مقابلة المرء لأشخاص جدد، ولا يعرف إلّا القليل عنهم. نحن نميل إلى تصنيف الأشخاص في فئات معمّمة معدودة على أساس بعض الخصائص البارزة مثل الجنس أو العرق أو العمر، ونسند إليهم مجموعة من الصفات المسبقة بناءً على سمات الفئة التي وضعناهم فيها. فنفترض مثلًا أنّ كبار السن ذوو طرازٍ قديم ومحافظ وطبع عنيد وربما يعانون من بعض الخرف. ونرى الأساتذة على أنّهم شاردي الذهن وغير عمليين ومثاليين، أو غريبي الأطوار.
اقترح جين وتريانديس وويك (Jain, Triandis, and Weick) تفسيرًا لوجود القوالب النمطية، إذ قالوا أنّ القوالب النمطية يمكن أن تستند إلى حدٍّ ما إلى الواقع نفسه. إذ يميل الأشخاص إلى مقارنة المجموعات الأخرى بمجموعتهم الخاصة، مما يجعلهم يضعون فروقات صغيرة من أجل قولبة الفئات الأخرى وتصنيفها في قالب مختلف عن فئتهم. فمثلًا يمكن أن نقول أن كبار السن بالعموم يشكلون فئة أكثر تحفظًّا أو أكثر تقليديّة، عندها تعمل القولبة النمطية على معاملة جميع أفراد هذه الفئة وفقًا لذلك التعميم.
يمكننا ملاحظة ثلاثة أنواع من القوالب النمطية في المؤسسات: العمر والعرق والجنس. إنّ القوالب النمطية المرتبطة بالعمر موجودة في جميع المؤسسات. وجدت دراسة حديثة15 أنّه لا يزال هناك قوالب نمطية واضحة عن الموظفين الأكبر سنًا، إذ يُعتقد أنّهم (1) أكثر مقاومة للتغيير في المؤسسة، (2) أقل إبداعًا، (3) أقل قدرةً على المخاطر أو المجازفة، (4) ذوو قدرات بدنية أقل، (5) أقل اهتمامًا بتعلم التقنيات الجديدة، ( 6) أقل قدرة على تعلم التقنيات الجديدة. عندما طُلب من طلاب إدارة الأعمال اتخاذ قرارات متعلّقة بالموظفين الأكبر سنًا، اتّبعوا توجهات مختلفة لذلك. إذ أعطوا كبار السن ترشيحًا أقل في قرارات الترقية، وتلقى كبار السن أيضًا اهتمامًا أقل وموارد أقل للتدريب والتطوير، وأخيرًا نُقِل كبار السن إلى أقسام أخرى بدلًا من مواجهة رؤسائهم عند ظهور مشكلة في أدائهم.
تنشأ مشاكل مماثلة للأشخاص من خلفيات عرقية أو ثقافية أو جنسية مختلفة. هناك مشكلة في العديد من الشركات اليوم تتمثل في المواقف تجاه المرأة كمدير أو مدير تنفيذي. إنّ النجاح في منصب إداري صعبٌ دائمًا، وتزداد المهمة صعوبة إن لم يكن زملاء العمل أو الرؤساء أو المرؤوسين داعمين لك.
الإدراك الانتقائي
الإدراك الانتقائي هو الانتخاب المنهجي للمعلومات التي نرغب في سماعها واستبعاد تلك التي لا نريد سماعها مع التركيز بدلًا من ذلك على معلومات أكثر أهميّة. تُحدّد هذه الأهمية بناءً على خبراتنا واحتياجاتنا وتوجّهاتنا. إنّ دراسة سيمون وديربورن (Dearborn and Simon) المذكورة سابقًا عن المدراء تقدّم لمحة ممتازة عن الإدراك الانتقائي. إذ يُركّز مديرو خطوط الإنتاج بشكل أساسي على مشاكل الإنتاج مع استبعاد أو غض النظر عن المشكلات الأخرى، وكذلك الأمر مع المحاسبين، والعاملين في شؤون الموظفين، مديرو المبيعات. إذ يرى الجميع أن تخصّصه أكثر أهمية في الشركة من التخصّصات الأخرى.
يقدّم "ماينر" (Miner) مثالًا آخر عن الإدراك الانتقائي في المجموعات والمؤسسات، ويلّخص سلسلة من التجارب التي تتناول المجموعات المتنافسة في تمارين حل المشكلات، إذ قدّمت المجموعات باستمرار حلولها الخاصّة على أنّها أفضل من الحلول التي اقترحها الآخرون. تلخص هذه النتائج ظاهرة شائعة نراها في العديد من المؤسسات البحثيّة. إذ أنه هناك ميل مستمر لدى العلماء لرؤية الأفكار أو المنتجات التي تنشأ خارج مؤسّستهم أو إدارتهم على أنّها أقل شأنًا، والحكم على الباحثين الآخرين على أنّهم أقل كفاءة وإبداعًا منهم. يُشار إلى هذا غالبًا باسم متلازمة "غير مُخترَعٍ هنا" (Not-Invented-Here). يمكن العثور على أنماط مماثلة لهذا السلوك بين الإداريين وعاملي الخدمة وأمناء السر.
الدفاع الإدراكي
العائق الأخير للإدراك الاجتماعي هو الدفاع الإدراكي، والذي يعتمد على ثلاثة مبادئ، تتمثل بما يلي:
- تمتلك المنبّهات المزعجة أو المهدّدة عاطفيًا عتبة إدراك أكبر من المنبهات المحايدة الطبيعية.
- من المرّجح أن تثير هذه المنبهات استجابات إدراكية ثانوية تكون مُحرّفة لمنع التعرّف أو التأثر السلبي بهذه المنبهات (مثل الصدمات العاطفية).
- تثير هذه المنبهات الحرجة ردود أفعالٍ عاطفيّة رغم عدم إدراكها بشكل كامل.
بعبارة أخرى، نميل من خلال الدفاع الإدراكي إلى عدم تصديق أو تجاهل المعلومات التي إمّا تهدّدنا شخصيًا أو تكون غير مقبولة ثقافيًا. ونظرًا لأنّ للمنبهات المزعجة عاطفيًا عتبة أعلى تأثيرًا للتعرّف عليها (إدراكها)، يكون الأشخاص أقل عرضة لمواجهة التهديد أو الاعتراف به بشكل واضح، وبدلًا من ذلك يرون منبّهات مختلفة تمامًا أو حتى خاطئة لكنّها أكثر أمانًا بالنسبة لهم. مع ذلك فإن وجود المنبه الحرج غالبًا ما يؤدي إلى زيادة المشاعر السلبية رغم عدم التعرّف عليه أو الاعتراف به. لنفترض مثلًا أنّه وخلال التفاوض على عقد مع مصنع تجميع، تسرّبت كلمة مفادها أنّه وبسبب انخفاض الأرباح يمكن أن يضطر المصنع إلى الإغلاق بشكل دائم، قد يتجاهل العمال القلقون هذه الرسالة ويختارون بدلًا من ذلك الاعتقاد بأنّ إدارة الشركة تروّج شائعات كاذبة لترجح الكفة لصالحها (لصالح عدم زيادة الأجور) خلال مفاوضات الأجور. لكن حتى ولو تقبّل العمال ذلك الإدّعاء كحقيقة، يمكن توقّع ردود فعل عاطفية قويّة ضد الشركة من قبلهم.
أحد آثار الدفاع الإدراكي هو إبعادنا عن الأحداث التي تواجهنا مباشرة والتي لا نرغب في التعامل معها أو قد لا نكون قادرين على التعامل معها، فنبدّد عواطفنا من خلال توجيه انتباهنا إلى أشياء أخرى (بديلة) ونأمل أن يختفي الحدث الأصلي الذي أزعجنا في النهاية.
يكون الدفاع الإدراكي واضحًا خصوصًا عندما يواجه الأشخاص موقفًا يتناقض مع المعتقدات والمواقف والمبادئ التي يتبنونها. قدّم هير وغرونز (Haire and Grunes) في دراسة كلاسيكيّة عن الدفاع الإدراكي لطلاب الجامعات وصفًا لعمال المصانع. تضمنت هذه الأوصاف كلمة ذكاء (أي أن عمال المصانع على الرغم من طبيعة عملهم هم أذكياء)، ونظرًا لأن هذا الوصف يتعارض مع معتقدات الطلاب فيما يتعلق بعمال المصانع، فقد اختاروا رفض الوصف باستخدام الدفاع الإدراكي. ويمكننا تحديد أربع أنماط للدفاع الإدراكي في هذه الحالة 20:
- الإنكار: نفى عدد قليل من الأشخاص وجود الذكاء لدى عمال المصانع.
- التعديل والتشويه: كان هذا أحد أكثر أشكال الدفاع شيوعاَ. حيث كان النمط هو توضيح الصراع الإدراكي من خلال الربط بين الذكاء وبعض الخصائص الأخرى – مثلًا "إنّه ذكي لكنه لا يملك زمام المبادرة للارتقاء والتميز ضمن مجموعته".
- التغيير في وجهات النظر: غيّر الكثير من الطلاب نظرتهم للعامل بسبب خاصيّة الذكاء. ومع ذلك كان التغيير في معظمه حَذقًا للغاية.
- الاعتراف ولكن مع رفض التغيير: أدرك عدد قليل جدًا من الطلاب بوضوح التعارض بين وجهات نظرهم للعامل والوصف الذي كان يواجههم. ذكر أحدهم مثلًا "يبدو أنّ هذا الوصف متناقض، فمعظم عمال المصانع الذين سمعت عنهم ليسوا أذكياء للغاية."
إنّ الدفاع الإدراكي يصعِّب أي موقف من المرّجح أن يكون فيه صراع أو اختلاف، فهو يخلق بقعًا عمياء تجعلنا نفشل في سماع ورؤية الأحداث كما هي بالفعل. التحدّي الذي يواجه الإداريين هو تقليل الشعور بالخطر في مواقف معيّنة بحيث لا تظهر هذه الآليات الإدراكية الدفاعية الخاطئة لدى العمال. يمكن تحقيق ذلك من خلال طمأنة الأشخاص بأنّ الأشياء المهمة لهم ستبقى كما هي، أو من خلال التأكيد على إيجابية الحدث نفسه في المستقبل.
الإسنادات أو الدوافع: تفسير أسباب السلوك
كيف يعزو الأشخاص المديح واللوم للأحداث المؤسساتية؟
أحد المؤثرات الرئيسيّة على سلوك الأشخاص هو كيف يفسّرون الأحداث المحيطة بهم. الأشخاص الذين يشعرون بأنّ لديهم سيطرة على ما يحدث لهم هم أكثر قدرة على لتقبّل مسؤولية أفعالهم من أولئك الذين يشعرون بعدم سيطرتهم على الأحداث المحيطة بهم. تُدعى العملية المعرفية التي يفسر من خلالها الأشخاص أسباب سلوكهم نظرية الإسناد. تتعلق "نظرية الإسناد" على وجه التحديد بالعملية التي يفسّر من خلالها الفرد الأحداث على أنّها ناتجة عن جزء معين من بيئة أو ظروف مستقرة نسبيًا.
تستند نظرية الإسناد إلى حد كبير على عمل "فريتز هايدر" (Fritz Heider). والذي يقول أنّ السلوك يتحدّد من خلال مجموعة من قوى داخلية (مثل القدرات أو الجهد) وقوى خارجية (مثل صعوبة المهمة أو الحظ).
باتباع النهج المعرفي ل "لوين وتولمان" (Lewin and Tolman) الذي يؤكّد على أنّ ما يؤثر على السلوك هو عوامل مُدركة وليست فعلية. وبالتالي، إذا أدرك الموظفون أن نجاحهم هو نتيجة لقدراتهم وجهودهم، يُمكن أن يُتوقْع منهم أن يتصرفوا بطريقة مختلفة عن تصرفهم عند اعتقادهم أنّ ذلك ناتج عن الحظ.
عملية الإسناد
الافتراض الأساسي لنظرية الإسناد هو أنّ الأشخاص يُحفّزون لفهم بيئتهم والأسباب والغاية الكامنة في أحداث معينة. وإذا تمكّن الأفراد من فهم هذه الأسباب سيكونون في وضع أفضل للتأثير أو التحكم في تسلسل الأحداث المستقبلية. رسمت هذه العملية في الشكل 3.5.
تشير نظرية الإسناد على وجه التحديد إلى أنّ الأحداث السلوكية المحدّدة (مثل استلام ترقية) تُحلّل من قبل الأفراد لتحديد أسبابها. يمكن أن تؤدي هذه العملية إلى استنتاج مفاده أنّ الترقية نتجت عن جهد الفرد نفسه، أو عن سبب آخر عوضًَا عن ذلك، مثل الحظ. وبناءً على هذه التفسيرات المعرفية للأحداث، يقوم الأفراد بمراجعة بنيتهم المعرفية وإعادة التفكير في افتراضاتهم حول العلاقات السببية. قد يستنتج الفرد مثلاً أنّ الأداء الجيّد يؤدي بالفعل في نهاية المطاف إلى الترقية، وبناءً على هذا يتخذ الفرد اختيارات حول السلوك المستقبلي، إذ يمكن أن يقرر مواصلة بذل مستويات عالية من الجهد على أمل أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الترقيات. ومن ناحية أخرى، إذا استنتج الفرد أنّ الترقية نتجت في المقام الأول عن الصدفة دون أن يكون لها علاقة كبيرة بالأداء، قد تنشأ بنية معرفية مختلفة، وقد يكون هناك دافع أقل لمواصلة بذل مستويات عالية من الجهد. بمعنى آخر، تؤثّر الطريقة التي نتصور ونفسر بها الأحداث من حولنا بشكل كبير على سلوكياتنا المستقبلية.
الشكل (3.5): عملية الإسناد العامة (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
الأسباب الداخلية والخارجية للسلوك
حاول "هارولد كيلي" (Harold Kelley) تحديد العوامل الرئيسية السابقة للصفات الداخلية والخارجية بناءً على عمل "هايدر"(Heider) . فدرس كيف يحدّد الأشخاص - أو بالأحرى كيف يدركون فعلياً - ما إذا كان سلوك شخص آخر ينتج عن أسباب داخلية أو خارجية. تشمل الأسباب الداخلية القدرة والجهد، بينما تشمل الأسباب الخارجية الحظ و سهولة أو صعوبة المهمة. يوضّح استنتاج "كيلي" في الشكل 3.6 أنّ الأشخاص يركّزون فعلياً على ثلاثة عوامل عندما يقومون بالإسناد السببي:
الشكل (3.6): أسباب الإسنادات الداخلية والخارجية مقتبس من Nyla Branscombe and Robert A. Baron. Social Psychology. Fourteenth Edition, 2016, Pearson (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
- الإجماع، والذي يشير إلى أي مدى تعتقد أنّ الشخص المُراقب يتصرف بطريقة تتوافق مع سلوك أقرانه في المجموعة. سيكون الإجماع كبيرًا عندما تعكس أو تشابه تصرفات الفرد تصرفات المجموعة؛ وبالمقابل يكون الإجماع منخفضاُ في الحالة المعاكسة.
- الثبات،أي إلى أي مدى تعتقد أنّ الشخص المُراقب يتصرّف بثبات - بطريقة مماثلة - عندما يواجه نفس المواقف أو مواقف مشابهة في ظروف مختلفة. ستكون درجة الثبات عالية عندما يتصرف الشخص بشكل متكرر بنفس الطريقة عند مواجهته لظروف ومحفّزات متشابهة.
- التميز، بمعنى إلى أي مدى تعتقد أنّ الشخص المُراقب سيتصرف بشكل متميّز (غير رتيب أو متكرر) عند مواجهته لمواقف مختلفة. يكون التميز منخفضاً عندما يتصرف الشخص بطرق متماثلة في ظروف مختلفة؛ وبالمقابل توجد درجة عالية من التميز عندما يغير الشخص استجاباته طبقًا للحالات أو الظروف المختلفة.
كيف تتفاعل هذه العوامل الثلاثة لتحديد ما إذا كانت صفات أو تصرفّات الشخص داخلية أم خارجية؟ وفقًا للشكل، في ظل ظروف الإجماع العالي والثبات العالي والتميز العالي، نتوقع من المراقب أن يقوم بتخصيصات خارجية حول أسباب السلوك. وهذا يعني أن الشخص سوف يعزي السلوك المرصود (الفوز في بطولة الغولف مثلًا) إلى الحظ الجيد أو إلى حدث خارجي آخر. ومن ناحية أخرى، عندما يكون الإجماع منخفضًا والثبات مرتفعًا والتميز منخفضًا، نتوقع من المراقب أن يعزو السلوك المرصود (الفوز في بطولة الغولف) إلى أسباب داخلية (مهارة الفائز).
وبعبارة أخرى، نحن نميل إلى أن نعزو الأسباب الكامنة وراء نجاح أو فشل الآخرين إما لأسباب داخلية أو خارجية ،وذلك وفقًا لطريقة تفسيرنا للقوى والعوامل الأساسية المرتبطة بسلوك الآخرين.
على سبيل المثال، لنناقش حالة أول مديرة مبيعات في شركة تُرقّى إلى رتبة مدير تنفيذي، كيف ستفسر ترقيتها - الحظ والعلاقات أم القدرة والأداء؟- لمعرفة ذلك، اتبع النموذج. إذا كانت قد ساهمت في بيع وتسويق المنتجات بشكل أكبر من نظرائها (الذكور) بصفتها مندوبة مبيعات (إجماع منخفض في السلوك)، وباعت المُنتجات في مناطق مبيعات مختلفة (ثبات عالي)، وكانت أيضًا قادرة على بيع المنتجات المختلفة ( المنتجات الأساسية والثانوية للشركة) في خطوط إنتاج الشركة (منخفضة التميز)، سنعزو ترقيتها أكثر إلى قدراتها الذاتية. ومن ناحية أخرى، إذا كان نظرائها الذكور مندوبي مبيعات جيدين (أي سيصبح عامل الإجماع للموظفة عالٍ) وكان سجل مبيعاتها للمنتجات الثانوية غير مستمر أو مستقر (تميز عالٍ)، فمن المحتمل أن يعزو الناس ترقيتها إلى الحظ أو الاتصالات، بغض النظر عن أدائها في المبيعات في خط الإنتاج الأساسي (الثبات العالي).
الانحياز في الإسناد
ينبغي أن ننتبه إلى نقطة أخيرة في عملية التأويل ونسب التصرّفات إلى سببيات معيّنة، وهي أنه يميل الأشخاص إلى الوقوع بأخطاء معيّنة عند تفسير أو تأويل أسباب السلوك، ينبغي ملاحظة نوعين من هذه الأخطاء أو التحيزات. يُسمّى أولها خطأ النسب الجوهري أو الأساسي، وهو الميل إلى التقليل من شأن تأثيرات أسباب السلوك الخارجية أو الحالية وزيادة شأن تأثيرات الأسباب الشخصية أو الداخلية، وبالتالي عند حدوث مشكلة معينة في قسم ما من الشركة فإننا نميل إلى لوم الناس عوضًا عن لوم الأحداث أو المواقف.
أما الخطأ الثاني في عملية النسب تسمى بشكل عام الانحياز الذاتي، إذ ليس من المفاجئ أن يكون هناك ميل لدى الأشخاص لينسبوا نجاح حدث أو مشروع لأفعالهم الخاصة بينما ينسبون الفشل للآخرين، وبالتالي غالبًا ما نسمع مندوبي المبيعات يقولون: "أنا كنت السبب في نجاح هذه الصفقة" عند نجاحهم أو "سرقوا هذه الصفقة مني" عوضًا عن قوله "خسرتها" في حالات الفشل.
إن هذين النوعين من الانحياز في تفسير رؤيتنا للأحداث من حولنا يساعدنا في فهم سبب اختلاف رؤية الموظفين للحدث ذاته.
ترجمة -وبتصرف- للفصلين Barriers to Accurate Social Perception و Attributions: Interpreting the Causes of Behavior من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.