اذهب إلى المحتوى

الحماية من الشدة في مكان العمل


يمان نعساني

رأينا كيف تؤثّر مجموعة متنوعة من العوامل المؤسّساتيّة والشخصيّة على مدى تعرّض الأفراد للشِدّة في العمل. على الرغم من تحديد العديد من العوامل أو مسبّبات الشِدّة، إلا أن تأثيراتها النفسيّة والسلوكيّة لا تكون ذا وقعٍ شديدٍ دائمًا (ذا أثرٍ سلبي على الفرد أو على إنتاجيّة المؤسسة).

يشير هذا النقص في العلاقة المباشرة بين الشِدّة والنتائج إلى وجود متغيّرات وسيطة محتملة تخفّف من آثار مسبّبات الشِدّة المحتملة على الأفراد والمؤسسات. حدّدت الأبحاث الحديثة عاملين من شأنهما تقويض وكبح النتائج السلبيّة للتوتّر على الأفراد، وهما: درجة الدعم الاجتماعيّ الّذي يحصل عليه الفرد والدرجة العامّة لما يسمى بصلابة الفرد. وكلاهما مذكور في الشكل 18.2 في مقال الشدة والرفاه في العمل.

الدعم الاجتماعي

سنناقش أوّلًا الدعم الاجتماعيّ. الدعم الاجتماعي (social support) هو ببساطة مدى شعور أعضاء المنظّمة بالثقة بأقرانهم والاهتمام برفاهية بعضهم واحترام بعضهم وبأنّ لديهم نظرة إيجابيّة لبعضهم. يشعر الأفراد عند وجود الدعم الاجتماعيّ أنّهم ليسوا وحيدين الذين يواجهون مسبّبات شدّة منتشرة.

الدعم الاجتماعيّ هو الشعور بأنّ من حولك يهتمّون حقًا بما يحدث لك وهم على استعداد للمساعدة في تخفيف حدّة الضغوطات المحتملة، هذا الدعم يُساهم في تخفيف حدّة النتائج السلبيّة للتوتّر. يمكن أن يكون دعم الأسرة مثلًا بمثابة حاجز حماية للمديرين التنفيذيّين في مهمّة في بلد أجنبيّ ويمكن أن يقلّل من الضغط المرتبط بالتكيّف مع الثقافة الجديدة.

استهدفت العديد من الأبحاث الآثار الوقائيّة للدعم الاجتماعيّ من وجهة نظر الطب بشكل متّصل بالسلوك المؤسّساتيّ. عُثِر باستمرار في سلسلة من الدراسات الطبيّة على أنّ دعم الأقران العالي يُقلّل من النتائج السلبيّة المُحتملة للتوتر في العمل (عمليّة جراحيّة وفقدان الوظيفة والاستشفاء) وزيادة النتائج الإيجابيّة.

تشير هذه النتائج بوضوح إلى أهميّة الدعم الاجتماعيّ بالنسبة للفرد. تشير هذه النتائج أيضًا إلى أنّ المديرين يجب أن يكونوا على دراية بأهميّة بناء مجموعات عمل متماسكة ومتقاربة اجتماعيًّا، خاصّة بين الأفراد الأكثر تعرّضًا للشِدّة أو في مجموعات العمل التي تعمل باستمرار تحت وطأة عملٍ شديد.

القيادة الإدارية

الانفصال عن ثقافة العمل الدائم

من النادر جدًا أن تبتعد عن هاتفك الذكيّ. تشعر بالقلق عندما لا تكون هناك شبكة إنترنت في غرفة الفندق وتستشيط غضبًا إذا كانت بطاريّة هاتفك منخفضة مُتخيّلًا ما يمكن أن يفوتك. ترتبط مسبّبات الشِدّة هذه، الناتجة عن ضرورة بقائك مرتبطًا بالعمل عن طريق هاتفك طوال الوقت، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالشِدّة المرتفعة والآثار الصحيّة الأخرى.

تُولي العديد من أماكن العمل اهتمامًا كبيرًا بسرعة استجابة موظّفيها لنداء العمل (مثل المهن الطبيّة). قد تتطلب مهنٌ أخرى (مثل فرق المبيعات) أوقات استجابة معيّنة للرسائل الإلكترونيّة أو المكالمات أو الرسائل النصيّة مع شرح سبب عدم تحقيق هذه الأوقات.

وفقًا للدراسة الأخيرة التي أجرتها أكاديمية الإدارة (The Academy of Management) يُخصِّصُ الموظّفون في المتوسّط 8 ساعات أسبوعيًّا للردّ على رسائل البريد الإلكترونيّ المتعلّقة بالعمل بعد مغادرتهم المكتب. يمكن أن يشمل ذلك أيضًا إنجاز بعض الأعمال بانتظام في المنزل أو العمل أثناء الإجازات والعُطل، ويمكن أن يسبّب كلّ هذا بالإجهاد وقلّة النوم ويقلّل من التركيز والتفاعل خلال ساعات العمل.

كشفت الاستطلاعات في المملكة المتحدّة عن تأثير التكنولوجيا على العمل، حيث اعترف 72.4% من المشاركين بأنّهم كانوا يؤدون مهامّ عمل خارج ساعات العمل العاديّة .

تزداد الشِدّة والتأثيرات السلبيّة المحتملة عندما تُستَخدم الهواتف الذكيّة قبل النوم ومباشرة عند الاستيقاظ. قد يكون سبب الشعور بالإرهاق في الصباح وعدم الحصول على قسط جيد من النوم ليلاً هو استخدام الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفاز خلال آخر ساعتين قبل النوم. كما أظهرت دراسات أخرى أنّ الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة يمكن أن يعطّل الإيقاعات اليوميّة والساعة البيلوجيّة الداخلية والّتي تساعد على تحديد ساعات النوم والاستيقاظ.

غيّرت العديد من الدول طرقها وطبّقت سياسات لمواجهة القاعدة الثقافيّة "العمل الدائم" المنتشرة في بيئة العمل الحديثة. أصبح لدى الموظفين الفرنسيين ابتداءًا من عام 2017 قانون جديد هو "الحقّ في قطع الاتصال". يسمح هذا القانون للموظّفين بالابتعاد عن هواتفهم الذكيّة ولا يسمح لأصحاب العمل بفصل الأفراد الذين لا يستجيبون للاستفسارات المتعلّقة بالعمل خارج أوقات الدوام.

الصلابة

ثاني عوامل الحماية والتعديل للشِدّة هو الصلابة. تمثّل الصلابة (Hardiness) مجموعة من الخصائص الشخصيّة التي تشمل قدرة المرء على تحويل مسبّبات الشِدّة السلبية، إدراكيًّا أو سلوكيًّا، إلى تحدّيات إيجابيّة. تتضمّن هذه الخصائص شعورًا بالالتزام بأهميّة ما يقوم به المرء، ومحرّكها مركزُ تحكّمٍ داخليّ (كما هو مذكور أعلاه) وإحساس بالتحدّي في الحياة. وبعبارة أخرى، فإنّ الأشخاص المتميّزين بالصلابة لديهم إدراك واضح لوجهتهم وهدفهم ولا يمكن أن تردعهم العقبات بسهولة. لا يردعهم عدم وصولهم لهدفهم لأنهم يستغلّون الوضع ويندفعون إلى الأمام. هؤلاء ببساطة هم الأشخاص الّذين يرفضون الاستسلام.

تدعم العديد من الدراسات أهمية عامل الصلابة لكونه حاجزًا حاميًا من الشِدّة. وجدت إحدى الدراسات بين المديرين أن من يتميّز بالصلابة كان أقلّ عرضة للإصابة بالمرض بعد ضغوط العمل الطويلة. ووجدت دراسة أخرى بين الطلاب الجامعيّين أن الصلابة ترتبط ارتباطًا إيجابيًا بتصوّرات شخصيّة مفادها أن الشِدّات المحتملة كانت في الواقع، من منظور الأفراد العازمين، مجرّد تحدّيات يجب عليهم تجاوزها. يجب بالتالي مراعاة عوامل أخرى مثل الصلابة الفرديّة ودرجة الدعم الاجتماعيّ في أيّ نموذج لعملية الإجهاد.

تبعات ضغوط العمل ذات الصلة

عند حديثنا عن المؤثّرات أو المسبّبات الرئيسيّة للشِدّة، أشرنا إلى أنّ مدى معاناة الشخص من الشِدّة يتعلّق بعوامل مؤسّساتيّة وعوامل شخصية ويؤثّر عليها ويضبطها درجة الدعم الاجتماعيّ في بيئة العمل والصلابة. نأتي الآن إلى فحص العواقب الرئيسية للشِدّة في العمل. هنا سنحاول الإجابة على سؤال "ماذا إذًا؟". لماذا يجب أن يهتمّ المديرون بالشِدّة والإجهاد الناتج عنه؟

سنميّز ثلاثة مستويات من الشِدّة: لا شِدّة - شِدّة منخفضة - وشِدّة عالية، وسندرس نتائج كلّ مستوى. تظهر هذه النتائج بشكل تخطيطيّ في الشكل 18.6. سنُسلّط الضوء على أربع فئات رئيسية لنتائج التوتّر، وهي: (1) الشِدّة والصحة (2) الشِدّة والسلوك المُضاد للإنتاجيّة (3) الشِدّة والأداء الوظيفي ، (4) الشِدّة والإنهاك الوظيفي.

Exhibit 18.6.png

الشكل 18.6 التبعات الرئيسيّة للشِدّة في مكان العمل (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).

الشدة والصحة

تترافق الدرجات العالية من الشِدّة عادةً مع القلق الشديد و/أو الإحباط وارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستويات الكوليسترول. تساهم هذه التغيّرات النفسيّة والفيزيولوجيّة في تدهور الصحّة العامّة بُطرق مختلفة. والأهم من ذلك، تساهم الشِدّة المرتفعة في الإصابة باضطرابات القلب والأوعية الدموية.

العلاقة بين الشِدّة الوظيفيّة المرتفعة وأمراض القلب حقيقة مُسلّمة أثبتها الكثير من الدراسات. وفي ضوء وفاة أكثر من نصف مليون شخص سنويًّا بسبب أمراض القلب فإنّ تأثير الشِدّة على ذلك أمر مهمّ وعاملٌ جوهري يجب أخذه في الحسبان في بيئة العمل المؤسساتيّة.

تساهم الشِدّة المرتفع في العمل أيضًا في مجموعة متنوّعة من الأمراض الأخرى بما في ذلك القرحة الهضمية والتهاب المفاصل والعديد من الاضطرابات النفسية والسلوكيّة. على سبيل المثال في دراسة أجراها كوب (Cobb) وكاسل (Kasl) وُجد أنّ الأفراد ذوي التحصيل العلميّ العاليّ ولكن منصبهم الوظيفيّ منخفض أظهروا مستويات عالية غير طبيعيّة من الغضب والتهيّج والقلق والتعب والاكتئاب وقلّة تقدير الذات.

في دراسة أخرى، فحص سلوت (Slote) آثار إغلاق مصنع في ديترويت على الشِدّة ونتائجها. وعلى الرغم من أنّ إغلاق المصانع شائع إلى حد ما، إلّا أنّه نادرًا ما تُدرس آثار وتبعات هذا الإغلاق على الأفراد العاملين فيه. وجد سلوت أن إغلاق المصنع أدى إلى "زيادة مُقلقة في القلق والمرض" حيث عانى نصف الموظّفين على الأقل من القرحة والتهاب المفاصل وارتفاع ضغط الدم الشديد والإدمان والاكتئاب، وحتّى تساقط الشعر. من الواضح أنّ هذا الحدث أثّر سلبًا على الصحّة النفسيّة والجسديّة للقوى العاملة.

أخيرًا، أجرى كورنهاوزر (Kornhauser) دراسة كلاسيكيّة للصحّة النفسيّة للعمّال الصناعيّين على عيّنة من عمّال خطّ تجميع السيّارات. من بين الموظّفين في الدراسة وُجد أن 40% منهم أظهر أعراضًا واضحة لمشاكل نفسيّة. يمكن تلخيص نتائج الدراسة الرئيسيّة على النحو التالي:

  • تفاوَتَ الرضا الوظيفيّ مع تفاوت مستويات مهارة الموظّف. أظهر العمال اليدويّون الّذين يعملون في وظائف عالية المستوى (تتطلّب مهارةً عالية) صحّة نفسيّة أفضل من أولئك الذين يشغلون وظائف منخفضة المستوى.
  • كان عدم الرضا عن العمل والتوتّر والتغيّب مرتبطين ارتباطًا مباشرًا بخصائص وطبيعة الوظيفة نفسها. ارتبطت الوظائف الرتيبة والمتكرّرة التي لا تتّحدى الذات بتدهور الحالة النفسيّة.
  • انتشرت مشاعر اليأس والانسحاب والاغتراب والتشاؤم في جميع أنحاء المصنع. لاحظ كورنهاوزر مثلًا أنّ 50% من عمال خطّ التجميع شعروا بأنّ تأثيرهم ضئيل على المسار المستقبليّ لحياتهم. هذا مقارنةً بـ17% فقط للموظّفين غير العاملين في المصنع.
  • يميل الموظّفون ذوو الصحّة العقليّة الأقلّ إلى أن يكونوا أكثر سلبية في أنشطتهم غير العمليّة عادةً، فهم لم يصوّتوا أو يشاركوا في أي أنشطة أو فعاليّات اجتماعيّة.

يقول كورنهاوزر في الخلاصة:

اقتباس

"تسوء الصحّة النفسيّة عندما تؤدّي ظروف العمل والحياة إلى استمرار الإحباط بسبب عدم تحقيق تقدّم ملحوظ نحو تحقيق الأهداف المرغوبة، والتي أصبحت عناصر لا غنى عنها في احترام الفرد لذاته ورضاه عن الحياة، وغياب هذين العُنصرين (احترام الذات والرضا النفسي) يترافق غالبًا مع القلق والاغتراب والانسحاب الاجتماعيّ وتضييق الأهداف وتقليص التطلّعات، باختصار… سوء الصحة النفسيّة ".

يجب أن يُعير المديرون مشاكل الصحة الجسديّة والنفسيّة لموظّفيهم انتباهًا مضاعفًا؛ بسبب عواقبها الوخيمة على كل من الفرد والمؤسسة. غالبًا ما ترتبط الصحّة بالأداء، وبقدر ما تعاني الصحة تعاني كذلك العديد من العوامل المرتبطة بالأداء. ونظرًا لأهمية الأداء للكفاءة المؤسّساتيّة، سندرس الآن كيف يتأثر أداء العمل بالشِدّة والتوتّر.

الشِدّة والسلوك المضرّ بالإنتاجيّة

من المفيد من وجهة نظر إداريّة دراسة وتحرّي السلوك المضرّ بالإنتاجيّة، الناتج عن الشِدّة لفترات طويلة، من عدّة زوايا. وتشمل هذه السلوكيّات معدّل الدوران والتغيّب الوظيفيّ والإدمان والعدوانيّة والتخريب.

الدوران الوظيفيّ والتغيّب. يمثّل معدل دوران الموظفين وغيابهم شكلًا واردًا من أشكال انسحاب الفرد من الوظيفة المرهقة للغاية. أشارت نتائج العديد من الدراسات إلى وجود علاقة ثابتة -وإن كانت ضعيفة- بين الشِدّة وما ينتج عنها من معدّل دوران وغياب الموظّفين.

قد يمثّل الانسحاب إحدى أسهل الطرق للتعامل مع بيئة العمل المسبّبة للشِدّة (على المدى القصير على الأقلّ). يمثّل الدوران الوظيفيّ والتغيّب اثنتين من العواقب الأقلّ سوءًا للشِدّة، خاصّة عند مقارنتهما بالعواقب الأخرى، مثل الإدمان أو العدوانيّة. على الرغم من أنّ معدل الدوران والتغيّب المرتفعين قد يؤثّران سلبًا على الإنتاجية، إلّا أنّهما لا يلحقان أيّ ضرر جسديّ يذكر بالفرد أو زملاء العمل. ومع ذلك هناك العديد من الحالات الّتي لا يتمكّن فيها الموظّفون من المغادرة بسبب الالتزامات العائليّة أو الماليّة أو عدم توفّرُ فُرص العمل البديلة وما إلى ذلك. من الممكن حينها رؤية المزيد من السلوك المضادّ للإنتاجيّة.

العدوانيّة والتخريب. يمكن أن يؤدّي الإحباط الشديد أيضًا إلى العدائيّة الصريحة، والتي تتظاهر على شكل عدوانيّة تجاه الآخرين وتجاه الأشياء الجامدة. يحدث العدوان عندما يشعر الأفراد بالإحباط ولا يتمكّنون من العثور على حلول مقبولة. قد يُطلب مثلًا من السكرتيرة المشغولة كتابة مجموعة من الرسائل، ليَعزها المدير لاحقًا بأنه غيّر رأيه ولم يعد بحاجة إلى الرسائل المكتوبة. قد تتفاعل السكرتيرة المُحبطة من خلال الإساءة اللفظيّة السريّة أو التباطؤ المتعمّد في العمل اللاحق. يمكن رؤية مثال أسوأ للعدوانيّة في مقالات كثيرة تُنشر بشكل مستمر في الصحف عن العامل الذي "يهتاج" (عادة بعد التوبيخ أو العقوبة) ويهاجم زملائه الموظفين.

التخريب هو أحد الأشكال الشائعة للسلوك العدوانيّ في العمل. كما وجدت إحدى الدراسات أنّ جذور التخريب -وهو شكل متكرر من العنف المقصود في بيئة العمل- موضّحة في الاقتباس التالي عن عامل في صناعة المعادن :

اقتباس

"في بعض الأحيان وبدافع من اللؤم النقيّ، عندما أصنع شيئًا أُعيبه (أصنع ثقبًا يمثّل عيبًا واضحًا في المُنتج). أحبّ أن أفعل شيئًا لجعله فريدًا حقًا، حتى لو كان تميّزًا سلبيًّا. أضربه بمطرقة عن عمد فقط لأستطيع القول أنّي فعلت ذلك."

في عالم المنتجات حيث كل شيء متساوٍ، يكون التخريب انتهاكًا لقوانين النقابة أو المؤسسة، وهذا السلوك يمثّل طريقة لتأكيد الفرديّة في بيئة العمل، الطريقة الوحيدة ليقول العامل ‘هذا ملكي‘ أ, "هذا العمل عملي وإن لم أكن راضيًا عن العمل فلي أن أجعله كما أشاء". وقد تكون أيضًا طريقة للرد على الأشياء المعادية الجامدة الّتي تتحكّم في وقت العامل وعضلاته ودماغه. قد يكون كسر الآلة من أجل الحصول على قسط من الراحة سلوكًا منطقيًّا للعامل المُنهك.

يتأثّر مدى تحوّل الإحباط إلى سلوك عدوانيّ بعدة عوامل تكون، في معظم الأحيان، تحت سيطرة المديرين. يميل العدوان إلى أن يكون هادئًا عندما يتوقّع الموظفون أنه سيُعاقبون عليه أو أنه سترفضه مجموعة الزملاء أو أنه كان ذا نتائج سلبيّة في الماضي (أي عندما فشل السلوك العدواني في تحقيق نتائج إيجابيّة).

يتعين بالتالي على المديرين تجنّب تعزيز السلوك غير المرغوب فيه، وفي الوقت نفسه توفير منافذ بنّاءة للأفراد لتنفيس ضغوطهم النفسيّة دون اللجوء إلى التخريب. وفرت بعض الشركات في هذا الصدد قنوات رسميّة لتصريف الميول العدوانية. جرّبت العديد من الشركات مثلًا توظيف أفراد بمنصب** أُمناء المظالم**، والّذين تتمثّل مهمّتهم في أن يكونوا وسطاء محايدين في نزاعات الموظفين وكانت النتائج إيجابية. هذه الإجراءات أو المنافذ مهمّة خاصّةً للأفراد غير النقابيّين الّذين ليس لديهم إجراءات تظلّم في عقودهم.

الشِدّة والأداء الوظيفي

من الشواغل الرئيسيّة للإدارة هي آثار الشِدّة على الأداء الوظيفيّ. العلاقة ليست بسيطةً كما يُفترض. يشبه منحنى العلاقة بين الشِدّة والأداء حرف (J) المقلوب كما هو موضّح في الشكل 18.7. عند مستويات منخفضة جدًا من الشِدّة أو بدون شِدّة يحافظ الأفراد على مستويات أدائهم الجيّدة. لا يتنشّط الأفراد في ظلّ هذه الظروف ولا يعانون من أي إجهاد جسديّ مرتبط بالشِدّة وربّما لا يرون أي سبب لتغيير مستويات أدائهم. لاحظ أنّ مستوى الأداء بحدِّ ذاته قد يكون مرتفعًا أو منخفضًا (تبعًا لخبرة الفرد في مجال عمله). على أيّ حال، عدم وجود شِدّة لن يسبب أيّ تغيير في مستوى الأداء.

من ناحية أخرى، تشير الدراسات إلى أنّه في ظل ظروف الشِدّة المنخفضة يُنَشَّط الأشخاص ويُحفّزون ذاتيًّا على رفع الأداء. يكون مندوبو المبيعات والعديد من المديرين مثلًا أفضل أداء عندما يشعرون بقلق أو إحباط خفيف. تعمل الشِدّة بكميات خفيفة كونها دافعًا للفرد عندما يكون لدى المدير مشكلة صعبة الحلّ. غالبًا ما تدفع شدّة المشكلة المديرين إلى حدود أدائهم. ويمكن بالمثل أن تكون الشِدّة الخفيفة مسؤولةً عن الأنشطة الإبداعيّة لدى الأفراد أثناء محاولتهم حلّ المشكلات الصعبة (المسبّبة للشِدّة).

Exhibit 18.7.png

الشكل 18.7 العلاقة بين الشِدّة والأداء الوظيفيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).

أخيرًا، في ظل الشِدّة المرتفعة ينخفض الأداء الفرديّ انخفاضًا ملحوظًا. هنا تستهلك الشِدّة انتباه وطاقة الفرد، ويركّز الأفراد عندها جهودًا كبيرة على محاولة تقليل الشِدّة (غالبًا ما يستخدمون مجموعة متنوعة من السلوكيّات العكسية كما هو موضّح أدناه). والنتيجة كمّق ضئيل من الطاقة تتبقّى لتكريسها لأداء العمل مع تراجع ملحوظ في حصيلة الأداء.

الشِدّة والإنهاك الوظيفيّ

ينتقل الأداء الوظيفيّ الضعيف الموصوف أعلاه إلى مرحلة أكثر خطورة عندما تطول مدّة الشِدّة في العمل، تُعرف هذه المرحلة باسم الإنهاك الوظيفيّ. الإنهاك الوظيفيّ (Burnout) هو شعور عامّ بالإرهاق يمكن أن يتطوّر عندما يعاني الشخص من الكثير من ضغط العمل وقلة مصادر الرضا في آنٍ معًا.

الأفراد الذي يتعرضون لظاهرة الإنهاك الوظيفيّ يُظهرون خصائص متماثلة؛ أي أنّ العديد منهم هم من أصحاب الإنجازات المثاليّة والدوافع الذاتيّة وغالبًا ما يبحثون عن أهداف لا يمكن تحقيقها ولديهم قليل من آليّات الحماية ضدّ الشِدّة. ونتيجةً لذلك فإنّ هؤلاء الأشخاص يطلبون الكثير من أنفسهم؛ ولأنّ أهدافهم عالية جدًا غالبًا ما يفشلون في الوصول إليها.

كما تؤثّر عليهم مسبّبات الشِدّة مباشرةً لأنّهم لا يملكون آليّات حماية كافية. ويظهر ذلك في الشكل 18.8. يُطوّر ضحايا الإنهاك الوظيفيّ مجموعة متنوّعة من المواقف السلبية والمعادية في كثير من الأحيان تجاه المنظمة وأنفسهم نتيجة للشِدّة والضغوط التي يقعون تحت وطأتها في العمل، بما في ذلك الملل والسخط والسخريّة والشعور بانعدام الكفاءة. ويقلّل الشخص نتيجةً لذلك من مستوى طموحه وأدائه في العمل ويفقد الثقة بذاته ويحاول الانسحاب من العمل تدريجيًّا أو بخطوة أو سلوكٍ واحد (مثل الاستقالة أو حتى التخريب والطرد).

تشير الأبحاث إلى أنّ الإنهاك الوظيفيّ منتشر على نطاق واسع بين الموظّفين، بما في ذلك المديرين والباحثين والمهندسين الذين يصعب استبدالهم عادةً في المؤسسات الكبيرة. ويُقدَّر أنّ 70% من أكبر الشركات الأمريكيّة لديها شكل من أشكال التدريب على مكافحة الإنهاك الوظيفيّ /الشِدّة.

Exhibit 18.8.png

الشكل 18.8 المؤثّرات المؤدّية للاحتراق الوظيفيّ (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Stress and Well Being) من كتاب Organizational Behavior


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...