هل تتذكر موقفًا تلقيت فيه ملاحظة لم تعجبك، وسرعان ما بدأت تدافع عن نفسك رافضًا ذلك؟ أو موقفًا وجهت فيه انتقادًا لفظيًا لموظف أحبطك تَصرف بَدرَ منه، مما أضرّ بعلاقتكما؟ لقد طُرِح هذا السؤال التالي على مجموعة منَ المديرين في دراسة أجريناها حديثًا حول العواطف في مكان العمل:
اقتباسهل شعرتم مرةً بالاستياء من الطريقة التي تعاملتم بها مع عواطفكم، أو التي مثَّلتْ ردة فعلكم على موقف حصل معكم في العمل؟
لا بد أنك خمنت الإجابة الصحيحة على السؤال السابق؛ فقد أجاب جميع من طرحناه عليهم بالإجابة "نعم". ولكن الهدف أن يسهم الشغف الذي يشعر به الناس أثناء العمل في نجاح فريق موظفيك، وليس إعاقة تحقيقه، فمِن شأن تعلُّم التعامل مع عواطفك وعواطف موظفيك أن يساعدك في دعم كل فرد منهم بطريقة أفضل.
دور العواطف في مكان العمل
تشجّع ثقافات العمل الحديثة الأشخاص على التصرف على طبيعتهم، لأنها الطريقة المثلى لتحفيزهم على تقديم أفضل الأفكار لديهم، وتفتح الباب أمام إظهار ما لديهم من إمكانات. لا شك في أن ذلك يبدو أمرًا بالغ الإيجابية، ولكنه يعني أيضًا أنّ تعلُّم كيفية التحكم بالعواطف، والتعامل مع عواطف الآخرين، أصبح يُصنَّف من المهارات الإدارية الرئيسة. تَصِفُ ليز فوسلين، ومولي ويست دافي في كتابهما بعنوان لا ضَغائِن: القوة الخفيّة لِتَقبُّلِ المشاعر في العمل:
اقتباسبعيدًا عن علاقة المدير بموظفيه، نلاحظ أنّ الديناميكيات العاطفية تؤثّر في تحفيزنا، وصحتنا، وتواصلِنا، وفي اتخاذنا للقرارات، وغيرها من الأمور. ومع ذلك، ما يزال معظمنا يتجاهل هذه المشاعر. لِمَ تخطر ببالنا الفكرة القائلة إنّ علينا كَبْتُ كل ما نشعر به عندما نفكر في الاحترافية؟
تأججت المشاعر بعد انتشار جائحة فيروس كورونا، واضطرار الناس إلى ترك مكاتبهم والعمل من منازلهم. فباتوا يشعرون بالتوتر، والاغتراب، والاحتراق النفسي، وبأنهم مغلوبون على أمرهم. ومن الصعب عليك قياس المشاعر التي تنتاب أعضاء فريقك من وراء الشاشة. يُعَدّ توفير مُتنفّس للعواطف أثناء العمل مهمةً ينبغي إنجازها بقدر منَ المسؤولية، لأن العواطف تؤثّر في المواقف، وفي معنويات الموظَّفين، وإدماجهم؛ ويمتد تأثيرها على الأداء الوظيفي في نهاية المطاف.
أنواع العواطف الإيجابية والسلبية
سألنا مجموعة من المديرين حول العواطف السائدة في مكان العمل، فجاءت إجاباتهم سلبية بمعظمها:
- الغضب.
- الدفاعية.
- الإحباط .
- نفاد الصبر.
- التوتر.
- القلق.
- انعدام الثقة بالنفس.
- فقدان الأمان.
تنصرف أفكار العديد من الناس إلى السلبية لدى سؤالهم عن العواطف التي تنتابهم أثناء العمل. ولكننا نمرّ بكثير من العواطف الإيجابية في العمل، مثل:
- الحماس.
- الرضى.
- الشعور بالإنجاز.
- السعادة.
- الثقة.
- الإلهام.
- الفضول.
- التمكين.
تؤثّر جميع تلك العواطف في طريقة أداء الأشخاص لأعمالهم، وتَعاونِهم، ومساهمتهم في تحقيق أهداف فريقهم ومؤسستهم. عندما تتعلم كيف تستغل الإيجابي والسلبي من عواطفك، فأنت بذلك تعزّر الذكاء العاطفي لديك. ويعني هذا أنه بوسعك البدء بتلمّس كيف يمكن للبشر استثمار عواطفهم لتحقيق النتائج، والوصول إلى عملية اتخاذ قرارات، أفضل.
كيف تستغل عواطف الموظفين في مكان العمل
كيف بوسعك استثمار المشاعر الإيجابية لموظفيك، والتعامل مع السلبية منها؟ إليك بعض النصائح والتكتيكات لتكريس ثقافة عاطفية مفيدة لهم.
حدد مبادئ فريق موظفيك وقيمَه
تساعد مجموعة واضحة من مبادئ توجيه فريق الموظفين كل فرد منهم على مواءمة نفسه مع القيم المشتركة للمجموعة التي يمثلون، كما توفّر لهم الأمان النفسي. لهذا رتِّب لاجتماع، أو أفسِح مجالًا، يتمكن فيه أفراد الفريق من مشاركة أفكارهم، كلٌّ على حِدة، واحرص على أن يشارك كل موظف ما لديه من أفكار على قصاصات لاصقة (أو جرّب السبورة الافتراضية)، ثم اجمع النقاط المشتركة.
أسئلة العصف الذهني الرئيسة بالنسبة لفريق الموظفين
- ما الذي نُحسِن إنجازه معًا بوصفنا فريقًا؟
- ما الذي لا نُبلي حَسنًا بإنجازه؟
- ما الأفكار التي لدينا لتعزيز طريقة عملنا معًا؟
- ما قيمنا المشتركة؟
- ما مبادئ الفريق التي يمكننا وضعها لتجسيد نتاج هذا العصف الذهني؟
مثال تطبيقي: بوسعك الاستعانة بتلك المبادئ عند حدوث انفعال عاطفي يتسبب بحدوث خلاف أو يعيق الإنتاجية؛ أو يمكن للمبادئ المذكورة أعلاه تشجيع الأشخاص على تبنّي عاطفة إيجابية وتعزيزها. فمثلًا، لو رأيت أحد موظفيك يلقي باللوم على زميل له بسبب خطأ ارتُكب، يمكنك التوجه له بالقول: "نخسر معًا بوصفنا فريقًا". أو يمكنك القول: "نكسب معًا بوصفنا فريقًا"، وذلك بخصوص قرار للترتيب لاجتماع غداء طويل احتفاءً بتحقيقكم إنجازًا ما.
اعقد باستمرار لقاءات فردية مع موظفيك
كلما ازداد تواصلك الفردي بكل موظف لديك، ازدادت قدرتك على قراءة تعابيرهم العاطفية؛ فضلًا عن أنّ تلك اللقاءات الفردية تجعلك مواكِبًا لكل ما يحفزهم، أو يعيق نجاحهم، وتعطيك تصوّرًا عن مستوى رضاهم الوظيفي. كما تساعدك تلك الحوارات في إدراك عواطفهم، وتفسح لهم مجالًا للتعبير عن صحتهم النفسية وحياتهم الشخصية.
أسئلة تطرح في اللقاءات الفردية بالموظفين لمعرفة عواطفهم
- ما الذي يحفزك للمجيء إلى العمل؟
- ما الذي يجعلك غير مرتاح في العمل، فيمنعك بالنتيجة من التركيز على مهمة محددة؟
- هل لديك أمثلة ملموسة عن مواقف تشعرك بالتوتر تمر بها أثناء العمل؟
- ما الذي يروق لك في عملنا الحالي عن بُعد؟
خطِّط لجداول لقاءات فردية بسرعة وبساطة باستخدام الأسئلة المذكورة أعلاه، والعشرات من المحادثات الأخرى، ليُشارَك التخطيط لتلك الجداول مع الموظفين بحيث يمكنهم التعبير عن أفكارهم أو مشاعرهم في مكان العمل.
اجمع تقييم أداء شامل وشاركه
يساعد تقييم النظير للنظير، أوالتقييم الشامل (المحيطي)، أعضاءَ فريقك الوظيفي على فهم أكثر ما يُقدّره زملاؤهم حول عملهم. كما يلقي الضوء على النواحي التي يرى فيها زملاؤهم فرصةً لهم للتقدّم. حيث يسهم ذلك في كبح الافتراضات التي تتكون لدى الموظفين حول الطريقة التي يُنظَر إليهم وفقًا لها، ويمكِّنهم مِن زيادة نقاط قوتهم وتحدي أنفسهم. اجمع تقييم أداء شامل مقترن بأسماء المعنيين به، أو بإبقائهم مجهولين، وشارك النتيجةَ مع كل فرد في فريق الموظفين أثناء الاجتماع بكلٍ منهم على حدة.
أسئلة التقييم الشامل:
- ما الذي على فلان أن يستمر في فعله؟
- ما الذي على فلان أن يكفّ عن فعله؟
- ما الذي على فلان أن يبدأ بفعله؟
- كيف أسهم فلان إيجابيًا في ثقافة الفريق؟
- ما الذي بوسع فلان تطويره خلال إسهامه في ديناميكيات الفريق؟
- هل من أفكار أخرى تريد مشاركتها؟
أمثلة عن توقيت التعامل مع عواطفك أثناء العمل
قد تكون إدارة الأشخاص مهمةً صعبة. ووفقًا لدراستنا حول تجارب المديرين العاطفية أثناء العمل، وجدنا أنّ المشاعر السلبية تأتي من:
- الضغط الذي تُثقِل به كاهلك بوصفك مديرًا.
- المواقف العصيبة مع الموظفين.
- المواقف العصيبة مع رئيسك في العمل.
- المواقف العصيبة مع المديرين الآخرين.
إليك بعض التكتيكات التي تساعدك في التحكم بعواطفك في مواقف مثل تلك.
الضغط الذي تثقل به كاهلك بوصفك مديرا
من الطبيعي أن تمرّ ببعض الضغط بوصفك مديرًا، ولكن ذلك الضغط ينبغ من داخلك في أغلب الأوقات. حاوِل تقويةَ نفسك بدلًا من ممارسة ضغط عليها؛ لأنك عندما تفعل ذلك ستتغلب على الشعور بعدم الأمان، أو على ما يُعرَف بمتلازمة المحتال، وتفسح مجالًا للنجاح على الصعيد المهني.
نصائح لتقوية نفسك في الدور الذي تؤدي
- اعثر على مرشدين لك في مجال عملك.
- ابدأ عَقْد جلسات تطوير مشتركة مع مديرين آخرين تتشاركون فيها الخبرات والتعلم.
- اطلب تقييمات لأدائك من المديرين والموظَّفين. قد يفاجئك ذلك التقييم إيجابيًا؛ أما الانتقاد، فسيكون حافزًا لك للتطور.
اجمع التقييمات مِن فريقك باستمرار مستخدِمًا أداة تقييم مجهول المصدر، بحيث تساعدك هذه الأداة في الحصول على آراء صادقة حول شعور موظفيك تجاه القيادة التي تمارس عليهم وفي إلقاء الضوء على المشاكل، بحيث تتخذ إجراءات لحلها عندما يقتضي الأمر ذلك.
المواقف العصيبة مع الموظفين
يواجه كل مدير مواقف عصيبة مع موظفيه، ومنها التعامل مع سلوك بعضهم المُخلّ بالنظام، أو السماح بترك أحدهم للوظيفة. من الطبيعي أن يتكون لديك ولدى أعضاء فريقك ردة فعل عاطفية عند حدوث ذلك، ولكن سيكون من الأسهل التعامل مع مناقشة يسودها التوتر باستخدام أدوات للتنظيم العاطفي.
إطار العمل المكون من الموقف والتصرف والتأثير
يساعدك إطار العمل هذا -المبني على الصراحة الخالصة- في مناقشة المواقف بموضوعية. ويكون مفيدًا خصوصًا عندما تتأجج العواطف خلال النقاشات المُحتَدمة. قسِّم المعلومات التي تحتاج إليها باستخدام إطار العمل التالي:
- الموقف: أعطِ وصفًا للظروف يكون وافيًا قدر الإمكان، مثل أن تقول: "كان الخميس الماضي الموعدَ النهائي لتسليم التقرير".
- التصرف: وصِّف التصرفات التي لاحظت، بدون افتراضات، مثل: "سلَّمتَ تقريرك يوم الجمعة، وكان ناقصًا".
- التأثير: وصّف التأثير الذي تركه التصرف عليك وعلى فريق الموظفين، مثل: "أصاب تصرّفكَ عملاءَنا بالإحباط، وأدى إلى فشل الفريق بتحقيق أهدافه".
المواقف العصيبة مع رئيسك في العمل
من أصعب المواقف التي قد تمر بها هي أن تكون وسيطًا بين رئيسك في العمل من جهة، وفريق موظفيك من جهة أخرى. فقد تتعارض الاتجاهات التي لديك مع الأولويات أحيانًا، وهذا ما يقتضي منك الدفاع عن موظفيك، ولعِبَ دور الوسيط الذي يهمه أن يسير العمل على ما يرام.
كيف تحسن لعب دور الوسيط بين رئيسك في العمل وموظفيك؟
- أدرِك اللغة التي يفهمها رئيسك في العمل، سواءً كانت تقديم أرقام، أو إعطاء أمثلة، أو طرح أسئلة، أو إجراء تسويات، أو عرض خيارات.
- ادخل النقاش بذهن منفتح، واحترِم خبرة رئيسك العملية والتجارب التي مرّ بها في العمل، وتذكّر أنكما في الفريق ذاته.
- فكّر في الطريقة التي تريد من موظفيك أن يقاربوك وفقًا لها. اجعل من ذلك مُنطلَقًا للتعامل مع رئيسك في العمل.
- وصِّف احتياجاتك، وتلك الخاصة بموظفيك، بوضوح وموضوعية، واشرح كيف يمكن أن تساعد تلبيةُ تلك الاحتياجات، وما الذي قد يحدث إذا لم تُلبّ.
المواقف العصيبة مع المديرين الآخرين
لكل مدير أهدافه ومحفزاته ومشاكله الخاصة، والتي قد تسبب له التوتر. إليك هذه النصائح للحفاظ على هدوئك:
كيف تحافظ على هدوئك عند التوتر الشديد
- تذكَّرْ أنّ الآخرين قد لا يمرون بالظروف ذاتها التي لديك.
- رغِّبْ نفسك في تقديم شرح أوفى للأفكار، أو أعطِ مزيدًا من التفاصيل حول الأهداف وتحلَّ بالصبر.
- ابحث عن مُتنفَّس، كأن تذهب في رحلة قصيرة، أو تبلل وجهك بالماء، أو تتناول وجبة طعام خفيفة.
- وسِّع نظرتك، ثم عد إلى المحادثة بمنظورٍ متجدد.
- إذا قلت شيئًا ندمت عليه، توقّف واعتذِر، كأن تقول: "آسف! يبدو أني لم أوفَّق في التعبير، دعني أُعيده بصيغة أخرى".
فكر فيما بدر منك وأصلحه
إذا لم تنجح في ضبط نفسك بلحظة انفعال، خذ وقتك للتفكير فيما فعلت، ولتُقرّ بخطئك، إذ لم يفت الأوان لأخذ العِبرة مما حدث، خصوصًا إذا كان ذلك نمطَ تصرف متكرر لديك.
أسئلة التفكير العميق
- ما الذي دفعك إلى ذلك حقًا، ولماذا؟ حلِّل الأمر.
- كيف قد تنظر إلى أمر مشابه لهذا في المستقبل؟
- ما الطريقة الأخرى التي ربما كان بإمكانك التصرف وفقًا لها؟ دوِّنها بحيث يكون لديك هدف للمحادثة المقبلة.
يمكن توقُّع العواطف لدى أفراد فريق قوامه موظَّفون متّقدون شغفًا، يقدِّمون كل ما لديهم، ويتصرفون على طبيعتهم. حيث تُمثّل الاستفادة من هذه العواطف، وإيجادُ سبل لجعلها مُنتِجة، الطريقةَ التي يقود فيها أفضلُ المديرين نجاحَ فريقهم.
ترجمة وبتصرّف للمقال Managing emotions in the workplace (employees’ and yours) لكل من Alison Robins، وNora St-Aubin.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.