سنتابع سلسلتنا الفريدة عن السلوك التنظيمي بمواضيع ذات أهمية بالغة في هيكلة المؤسسات هيكلة تنظيمية صحيحة. سنستعرض خلال مقالاتنا التالية كيف يختار الإداريون والمؤسسات الموظفين المناسبين لكل عمل، وآلية تنظيم فريق عمل ناجح يضم أفرادًا بمهارات وإمكانيات وحتى شخصيات مختلفة، وسنتطرّق أيضًا إلى طريقة التعامل مع الاختلافات الفردية في الشركة ودور السلوك الأخلاقي في الإدارة وتأثيره، وأخيرًا سنذكر بعض الخطوات المميزة للإدارة والعمل مع أشخاص من ثقافات مختلفة.
استكشاف المهن الإدارية
إعادة بناء ثقة العملاء
تُعدُ المصارف أولى المؤسسات التي عرفتها البشرية و أنشأتها منذ القدم إحدى المؤسسات الموجودة منذ أجيال هي المصارف، لكن خسر الكثير من الأفراد الأشخاص إيمانهم بالنظام المصرفي، ومن يلومهم على ذلك؟ فقد خذلت البنوك الكبرى المستهلك بانتهاكات أمنية وفضائح لا تعد ولا تحصى. وأحد الأمثلة الصارخة شركة الخدمات المالية Wells Fargo & Co التي لا زالت تعمل على استرداد علامتها التجارية بعد إقدامها قبولها على إنشاء ما يقارب مليوني حساب لعملائها دون إذنهم. هذه المشكلة ليست جديدة، لكن بدأ النهج المتبّع لتعزيز عامل الثقة باتخاذ منحى منظور جديد، عن طريق مع بعض من التكيف السريع والبصيرة الإدارية.
عملت المديرة التنفيذية للاتحاد الوطني للنقابات للاتحادات الائتمانية التنموية لتنمية المجتمع، كاثي ماهون (Cathie Mahon)، على إظهار التباينات ما بين الاتحادات الائتمانية والمصارف الكبرى. لطالما عملت النقابات الاتحادات الائتمانية بطريقة مختلفة عن المصارف الكبرى، وأحد الفروق الرئيسية هو أنّها غير ربحيّة في حين أنّ نظرائها من المصارف الكبرى هي مؤسسات ربحية، والذي يعني أيضًا أنّها تقدّم فوائد أكبر على الودائع نتيجة لحجمها. بدأت ماهون بالعمل على تعليم تمكين السكان ذوي الدخل المنخفض وتثقيفهم حول تفاصيل عن الموارد المالية وآلية عمل البنوك، وأحدث مساعيها هو تأمين منصة تدعى CU Impact والتي تُبقي العملاء على اطّلاع دائم تُطلع العملاء بشكل أفضل على أرصدتهم وتقدّم ميزات جديدة للدفع التلقائي، بالإضافة إلى توفير تقديم المزيد من المعلومات في أجهزة الصراف الآلي. إنّ التحسينات التي طرأت على موثوقية العملاء في نظام النقابات الاتحاد الائتمانية حافظت على انتمائه ووجوده في المجتمع، من خلال تأمين أنظمة موثوقة جديرة بالثقة وقوية وقادرة على إعادة بناء ثقة العملاء الإيمان بهم. استعداد ماهون لضمّ واستيعاب التكنولوجيا واختلافات العملاء والموظفين وهيكلة الشركة هو ما جعلها مفتاح النجاح لمستقبل عملهم.
العوامل الفردية والثقافية المؤثرة على أداء الموظفين
كيف يختار المديرون والمؤسسات الموظفين المناسبين لكل دور؟
كما يمكننا أن نرى من مثالنا عن كاثي ماهون، صفاتنا الشخصية أن تمتلك تأثيرًا كبيرًا على كل من سلوكنا الفردي وسلوك من حولنا، ولتحقيق النجاح في أي منصب إداري من المهم امتلاك المهارات والقدرات المناسبة لهذه الوظيفة، سيّما عند اختيار المديرين للموظفين. باختصار ، يمكن للاختلافات الشخصية والثقافية الفردية أن تلعب دورًا كبيرًا في كيفية تأدية الفرد لعمله، ويمكنها أن تؤثّر حتى على فرصة حصول الفرد على هذا العمل منذ الأساس، ولذلك سنبدأ هذا القسم بنظرة عامّة على الاختلافات الشخصية الفردية في مكان العمل.
يمكن تحديد عدة عوامل تؤثر على سلوك وأداء الموظفين، اقترح أحد النماذج القديمة أنّ الأداء في العمل ينجم ويتأثر بشكل كبير بالقدرة والتحفيز. باستخدام هذا النموذج البسيط كدليل، يمكننا تقسيم نقاشنا عن العوامل الفردية المؤثرة على الأداء إلى مجموعتين: العوامل المؤثرة على قدرتنا على الاستجابة، والعوامل المؤثرة على رغبتنا بالاستجابة. تتضمن المجموعة الأولى عوامل مثل القدرات العقلية والجسدية، والميول الشخصية والقدرات الإدراكية، والقدرة على تحمل الضغوطات. تشمل المجموعة الثانية المتغيرات التي تتعلق بالدافع الشخصي للموظفين. سنستعرض في هذا القسم من الكتاب مناقشةً ومقارنةً مفصّلة بين المجموعتين السابقتين، بحيث تكون قاعدةً وأساسًا للتحليلات الأكثر تعقيدًا لأداء الشركات والتي سنتطرّق إليها لاحقًا في كتابنا.
سنبدأ تحليلنا في هذا الفصل تحديدًا بإلقاء نظرة على الاختلافات الفردية، ويشمل ذلك مهارات وقدرات الموظفين، والخصال الشخصية وقيم العمل. سندرس كذلك المعالم العامة المفهوم الثقافة والتنوع الثقافي كونهما يؤثران على السلوك داخل المؤسسات وخارجها. ثم سنتطرّق إلى قيم وتوجّهات العمل المتنوّعة للموظفين، وسنراجع بعض تقنيات التعلم والتعزيز الأساسية. سنتعرف بعدها على النظريات الأساسية عن تحفيز الموظفين، بما في ذلك احتياجات الموظفين، وسندرس نماذج أكثر تعقيدًا عن التحفيز. وأخيرًا سنتحدث عن الأساليب المعاصرة لتحسين الأداء وأنظمة المكافئة في المؤسسات. تهدف تغطية جميع هذه المواضيع إلى تعريف القارئ على الجوانب البارزة من السلوك الفردي كونه يرتبط بالسلوك المؤسساتي وفعالية المؤسسة.
قدرات ومهارات الموظفين
كيف يبني أشخاص ذوو قدرات ومهارات وشخصيات مختلفة فرق عمل فعّالة؟
سنبدأ بنظرة على قدرات ومهارات الموظفين، والتي تمثّل بشكل عام الصفات والمهارات الجسدية والعقلية الثابتة مع مرور الوقت وتساعد على تحديد قدرة الموظف على الاستجابة. إنّ تحديدها مهم لفهم السلوك المؤسساتي لأنها تعطي مؤشرًا عن قدرة الموظف على القيامبعملٍ محدّد. على سبيل المثال، إذا كان كاتب على الآلة الكاتبة لا يملك البراعة الكافية لإتقان أساسيات الطباعة أو استخدام لوحة المفاتيح، فإنّ أداءه في العمل لن يكون جيدًا بالتأكيد، وكذلك الأمر في حالة مندوب المبيعات الذي يواجه صعوبة في إجراء العمليات الحسابية البسيطة، فإن عمله لن يسير على قدمٍ وساق.
القدرات العقلية
من الممكن تقسيم حديثنا عن القدرات والمهارات إلى قسمين: القدرات العقلية والقدرات الجسدية. القدرات العقلية هي قدرات الفرد الفكرية وإمكانيّاته الذهنية وترتبط بشكل وثيق بكيفية اتخاذ الشخص للقرارات وتحليله للمعلومات. من العوامل التي يمكن شملها هنا: الفهم اللفظي والاستنتاج الاستقرائي والذاكرة. يرد ملخص عنها في الجدول (2.1).
معالم القدرات العقلية |
---|
الفهم اللفظي: القدرة على فهم معاني الكلمات وعلاقتها مع بعضها البعض. |
طلاقة الكلمات: القدرة على تسمية الأشياء أو استخدام الكلمات لتشكيل جمل للتعبير عن الأفكار. |
الكفاءة الحسابية: القدرة على إجراء العمليات الحسابية بسرعة وبشكل صحيح. |
الاستنتاج الاستقرائي: القدرة على اكتشاف قاعدة أو مبدأ وتطبيقها لحل مشكلة. |
الذاكرة: القدرة على تذكر قوائم من الكلمات والأرقام والتفاصيل المهمّة الأخرى. |
الكفاءة المكانية المرئية: القدرة على إدراك وتذكّر مواقع الأشياء الثابتة وعلاقتها مع الأشياء أو الأجسام الأخرى المجاورة لها في المكان أو الصورة نفسها. |
سرعة الإدراك الحسي: القدرة على فهم التفاصيل المرئية بسرعة ودقة. |
الجدول (2.1) (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
أحد الجوانب الأساسية لقدرات العقلية من المنظور الإداري هو التعقيد المعرفي. يمثل التعقيد المعرفي قدرة الشخص على الحصول على معلومات متنوعة من البيئة المحيطة وفرزها وتنظيمها وتحويلها إلى بيانات ومُخرجات منطقية. يميل الأشخاص ذوي التعقيد المعرفي العالي إلى توظيف وربط المعلومات بشكل أفضل من الأشخاص ذوي التعقيد المعرفي المنخفض، بالإضافة إلى قدرتهم على رؤية وفهم العلاقات بين عناصر هذه المعلومات بشكل أدق. على سبيل المثال، إذا أوكل إلى مدير ما مهمة حل مشكلة معينة، هل سيكون قادرًا على تحليل جوانبها المختلفة وفهم كيفية ارتباط هذه الجوانب ببعضها بعضًا؟ يميل المدير ذو التعقيد المعرفي المنخفض إلى رؤية جانب أو جانبين بارزين فقط من المشكلة، في حين يستطيع المدير ذو التعقيد المعرفي العالي تحليل وتمحيص فروق وجوانب المشكلة المتنوّعة وارتباطها بالمشاكل الأخرى.
يظهر الشخص ذو التعقيد المعرفي المنخفض عادة الصفات التالية:
- يميل إلى أن يكون قطعيًا وإلى اتّباع القوالب النمطية، حيث تحتاج الهياكل المعرفية المعتمدة على قواعد ثابتة بسيطة درجات أقل من التفكير.
- الصراع والتردّد الداخلي يكون في حدّه الأدنى من خلال اتّباع أنماط تفكير بسيطة، بمعنى آخر، عند توليد عدد أقل من الخيارات والعلاقات والاحتمالات الممكنة للمشكلة فإنه بالإمكان الانتهاء من العمل عليها في وقت سريع..
- تأثير السلوك بالظروف والعوامل الخارجية، إذ تُساهم شخصية الفرد بشكلٍ أقل في نمط التعقيد المعرفي البسيط.
- تُحكم الظواهر والمواقف المتنوّعة بعدد قليل من القوانين والدوافع المنطقية، بالتالي يكون التمييز والفصل بين المواقف المختلفة أقل فعاليّة لديهم.
من الجهة الأخرى، يتصف الشخص ذو التعقيد المعرفي العالي بما يلي:
- نظامه المعرفي أقل قطعية، يُنشئ العديد من العلاقات البديلة ويفكر فيها.
- تُحلَّل البيئة بطرق عديدة، وهناك تقسيم أقل للبيئة.
- يستخدم عمليات تفكير داخلية أكثر، حيث تلعب شخصيّته دورًا بارزًا في المواقف التي تتطلّب تفكيرًا مُختلفًا..
تركّز الأبحاث المتعلّقة بالتعقيد المعرفي على مجالين مهمين من وجهة نظرٍ إداريّة: أسلوب القيادة واتخاذ القرارات. في مجال القيادة، وُجد أنّ المديرين ذوو التعقيد المعرفي العالي هم أكثر قدرة على التعامل مع المواقف المعقدة، مثل التغيرات السريعة في بيئة العمل المحيطة. بالإضافة إلى ذلك، وجد أنّهم يميلون إلى استخدام الموارد والمعلومات المُتاحة بشكل أفضل عند حلّهم للمشكلة،بالإضافة إلى أنهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر مراعاةً وتشاورًا في أسلوبهم المتّبع لإدارة موظفيهم "4". في مجال صناعة القرار، تظهر النتائج أنّ الأفراد ذوي التعقيد المعرفي العالي:
- يبحثون عن المزيد من المعلومات قبل اتخاذ القرار
- يعالجون أو يستخدمون المعلومات بشكل أفضل
- أكثر قدرة على دمج وتجميع مصادر المعلومات المختلفة
- ينظرون إلى عدد أكبر من الحلول الممكنة للمشكلة
- يوظّفون استراتيجيات أكثر تعقيدًا ودقّةً في اتخاذ القرار من الأفراد ذوي التعقيد المعرفي المنخفض.
القدرات الجسدية
ترتبط المجموعة الثانية من المتغيرات بقدرات الفرد الجسدية، يشمل ذلك كلًّا من القدرات الجسدية الأساسية (مثل القوة) والقدرات الحركية (مثل البراعة اليدوية والتنسيق بين اليد والعين ومهارات التلاعب)، وهي مُلخّصة في الجدول (2.2). "6" أخذ كل من القدرات العقلية والجسدية في الحسبان يساعدنا على فهم سلوك الأشخاص في العمل وكيفية إدارتهم بالشكل الأفضل. تمييز هذه القدرات وإدراك أن الأشخاص يمتلكون قدرات مختلفة له تأثيرات واضحة على قرارات اختيار وتوظيف الأفراد، فهو يسلط الضوء على أهمية مطابقة الأشخاص مع الوظائف المناسبة. على سبيل المثال، تمتلك محطة وشركة فلوريدا لتوليد الطاقة الكهربائية (Florida Power) اختبار أداء وتقييم خاص للتوظيف يستغرق حتى 16 ساعة ومؤلف من 12 اختبار القدرات. على مدار بضع سنين بعد تطبيق هذا الاختبار تقدّم 640 شخص لوظائف في خط الإنتاج الأول، ووظِّف 259 منهم. نتيجةً لإختبارات الأداء الجديدة، تراجعت نسبة ترك العمل من 43% إلى 4.5%، ووفّر البرنامج 1 مليون دولار. بالإضافة إلى عملية الانتقاء المناسبة للوظائف، فإنّ معرفة متطلبات الوظيفة والاختلافات الفردية تلعب دورًا جوهريًّا في تقييم احتياجات التدريب والتطوير. تُعدُّ الموارد البشرية مفتاحًا أساسيًّا للإدارة الجيّدة، لذلك فإنّه من المهم أن يكون المديرون على دراية وإلمامٍ جيّدين بالسمات والخصائص الرئيسية لموظفيهم.
معالم القدرات الجسدية |
---|
القدرات الجسدية |
القوة الديناميكية، القدرة على استخدام القوة العضلية استخدامًا متكررًا أو مستمرًّا لمدة معينة من الزمن. |
قوة منطقة الجذع، القدرة على ممارسة القوة العضلية باستخدام عضلات البطن والظهر. |
القوة الثابتة، مقدار القوة التي يستطيع الفرد تطبيقها باستمرار على هدف خارجي. |
القوة الحرجة،مقدار القوة التي يستطيع الفرد تطبيقها في المواقف الحرجة أو المفاجئة. |
مدى المرونة، القدرة على تحريك الجذع وعضلات الظهر بحركات واسعة ومرنة. |
المرونة الحركية، القدرة على القيام بحركات ثني سريعة ومتكررة. |
تنسيق الحركي المتناغم للجسم ، القدرة على تنسيق حركات متزامنة في أجزاء مختلفة من الجسم. |
التوازن، القدرة على الحفاظ على التوازن على الرغم من وجود قوى خارجية معرقلة. |
قدرة تحمل مرتفعة، القدرة على مواصلة الجهد بأقصى ما يمكن، والتي تتعلّق بدرجة تكيف الجهاز القلبي الوعائي وقوّة تحمّله. |
القدرات الحركية |
دقة التحكم، القدرة على القيام بحركات عضلية دقيقة ومضبوطة بدرجة عالية لإنجاز عملٍ فنيّ دقيق. |
تنسيق الأطراف، القدرة على تنسيق الحركات المتزامنة بين اليدين والقدمين. |
توجيه الاستجابة، القدرة على الاستجابة بشكلٍ سريع وبصورة مناسبة لإشارات بصرية تشير إلى اتجاه معيّن. |
السيطرة على المعدل، القدرة على إجراء تعديلات حركية مستمرة على السرعة والاتجاه للحاق بهدف متحرك باستمرار. |
البراعة اليدوية، القدرة على القيام بحركات يدوية ماهرة ومضبوطة من أجل التعامل الدقيق والسريع مع الأشياء الكبيرة. |
براعة الأصابع، القدرة على القيام بحركات ماهرة ومضبوطة عند التعامل مع الأشياء الصغيرة. |
ثبات اليد والذراع، القدرة على القيام بحركات يدوية دقيقة وثابتة، سيّما في الأعمال التي يلعب فيها الثبات والهدوء دورًا مهمًّا للغاية، والسرعة والقوة غير مهمين نسبيًا. |
سرعة الاستجابة، سرعة استجابة الشخص لمنبه واحد باستجابة واحدة. |
التصويب، القدرة على القيام بحركات يديوية دقيقة ومضبوطة بدرجة عالية ، والتي تتطلب تنسيقًا جيّدًا مع العين. |
الجدول (2.1) (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
ترجمة -وبتصرف- للفصلين Individual and Cultural Factors in Employee Performance و Employee Abilities and Skills من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.