من السهل أن ترى نتائج استخدام السلطة عندما تُلقي نظرةً على المؤسّسات في كلّ مكان تقريبًا. هناك طيف واسع من طرق استخدام السلطة للتأثير على الآخرين. سنذكر فيما يلي ثلاث توجّهات لاستخدام السلطة، وهي: استراتيجيّات استخدام السلطة الشائعة في المؤسّسات، وعلامات السلطة الإداريّة، وأخيرًا الاستخدام الأخلاقيّ للسلطة.
استراتيجيات استخدام السلطة الشائعة في المؤسسات
تتوفر العديد من استراتيجيّات السلطة كما ذكرنا لاستخدام المديرين. ومع ذلك فإن بعضها أخلاقيّ أكثر من الآخر. سنلقي نظرة على بعض استراتيجيّات السلطة الأكثر استخدامًا في كل من الشركات والمؤسسات العامة.
التحكم في الوصول إلى المعلومات (Controlling Access to Information). تعتمد معظم القرارات على توفر المعلومات ذات الصلة. لذا يلعب الأشخاص المتحكّمين في الوصول إلى المعلومات دورًا رئيسيًّا في اتّخاذ القرارات. من الأمثلة الجيّدة على ذلك السياسة الشائعة في الشركات الخاصّة بسريّة الأجور. عادةً ما تقتصر معلومات الأجور وقرارات تعيين الموظّفين على قسم شؤون الموظفين وكبار المديرين فقط.
التحكم في الوصول إلى الأشخاص (Controlling Access to Persons). التحكّم في الوصول إلى الأشخاص هو استراتيجيّة أخرى من استراتيجيات السلطة. من العوامل المعروفة التي ساهمت في سقوط الرئيس الأمريكيّ السابق نيكسون (الرئيس الأمريكيّ الوحيد عبر التاريخ الّذي استقال من منصبه) هي عزلته عن الآخرين. امتلك كبار مستشاريه السيطرة الكاملة على من يمكنه رؤية الرئيس. ووُجّهت انتقادات مماثلة ضدّ الرئيس السابق ريغان.
الاستخدام الانتقائي للمعايير الموضوعيّة (Selective Use of Objective Criteria). تمتلك قلّة من المسائل المؤسّساتيّة إجابة واحدة صحيحة. يجب بدلاً من ذلك اتّخاذ قرارات بشأن المعايير المُتّبعة لتقييم النتائج. يمتلك بذلك من يمكنه ممارسة الاستخدام الانتقائي للمعايير الموضوعية سلطة كبيرة، والّتي تمكّنه من اتّخاذ قرارات وفقًا لهواه. وفقًا لهيربرت سيمون (Herbert Simon): إذا سُمح للفرد بتحديد معايير القرار، فلن يهمّه من الّذي يتّخذه. يمكن رؤية محاولات التحكم في معايير القرار الموضوعي في مناقشات أعضاء هيئة التدريس في جامعة أو كليّة ما حول من يتمّ تعيينه أو ترقيته. تميل إحدى المجموعات إلى التركيز على التدريس وستحاول وضع معايير للعمل تتعامل مع كفاءة المعلّم والعلاقات بين الأشخاص وغيرها. قد تركز مجموعة أخرى على البحث وستحاول وضع معايير تتعلّق بعدد المنشورات والسمعة في المجال وغيرها.
السيطرة على جدول الأعمال (Controlling the Agenda). إحدى أبسط الطرق للتأثير على القرار هي عدم طرحه للتداول في المقام الأوّل. هناك مجموعة متنوّعة من الاستراتيجيات المستخدمة للسيطرة على جدول الأعمال. يمكن إعادة ترتيب المواضيع في الاجتماعات بحيث يصبح الموضوع غير المرغوب فيه هو الأخير في القائمة. في حال فشل ذلك، قد يثير المعارضون عددًا من الاعتراضات أو النقاط المتعلّقة بالموضوع والتي لا يمكن الإجابة عليها بسهولة، وبالتالي تأجيل الموضوع ليوم آخر.
الاستعانة بخبراء خارجيين (Using Outside Experts). وسيلة أخرى للحصول على أفضليّة في العمل هي الاستعانة بخبراء خارجيين. قد تأخذ الوحدة الراغبة في ممارسة السلطة زمام المبادرة وتجلب خبراء معروفين بتعاطفهم مع قضيّتهم. وعندما ينشأ خلاف حول إنفاق المزيد من الأموال على البحث مقابل الإنتاج الفعلي، نتوقع إجابات مختلفة من مستشاريّ البحث الخارجيّين ومستشاريّ الإنتاج الخارجيّين. يواجه معظم المستشارين مواقف زوّد فيها عملاؤهم بالمعلومات والتحيّزات التي كانوا يأملون في تكرارها في الاجتماع.
فنّ البيروقراطية (Bureaucratic Gamesmanship). توفر السياسات والإجراءات الخاصة بالمنظّمات في بعض الحالات ذخيرةً لصراعات السلطة أو فنّ البيروقراطية. قد تتعمّد مجموعة ما الإبطاء في إجراء تغييرات في مكان العمل من خلال إنشاء روتين أو تعمّد تأخير العمل أو اتبع سياسة "العمل وفق القواعد (work to rule)". (يحدث العمل وفق القواعد عندما يتبع الموظفون كلّ قاعدة وسياسة عمل اتّباعًا حرفيًّا ويؤدي هذا عادةً إلى عرقلة عمل المؤسسة نتيجة للقواعد الكثيرة والمتضاربة في كثير من الأحيان.) توضّح المجموعة بهذا أنّ سير العمل سيستمر في التباطؤ إن لم تسر الأمور وفقًا لمصلحتها.
التآلفات والتحالفات (Coalitions and Alliances). آخر استراتيجيّة من استراتيجيّات السلطة هنا هو التآلفات والتحالفات. يمكن لوحدة عمل زيادة سلطتها بفعاليّة من خلال التحالف مع مجموعات أخرى تشترك في مصالح مماثلة. تُستخدم هذه الآليّة غالبًا عندما تتّحد نقابات عماليّة متعدّدة في نفس الشركة للحصول على امتيازات تعاقديّة لعمالها. كما يمكن رؤية هذه الآليّة في توجّه الشركات ضمن صناعة واحدة لتشكيل جمعيّات تجاريّة للضغط من أجل مواقفها. على الرغم من عدم وجوب اتّفاق مختلف أعضاء الائتلاف على كل شيء - بل قد يكونوا متنافسين - إلا أن الاتفاق على المشكلة المطروحة ضروريّ للعمل.
على الرغم من إمكانية مناقشة استراتيجيّات السلطة الأخرى إلّا أن هذه الأمثلة توضّح تنوّع الآليّات المتاحة للراغبين في اكتساب وممارسة السلطة في المؤسّسات. يقول بفيفر (Pfeffer):
اقتباسإذا كانت هناك خلاصة مّما سبق فهي أنّ تصرّف المديرين مثل السياسيّين هو أمر طبيعيّ للغاية وفعّال غالبًا. ومن الجيّد أن بعضهم متمرّسٌ حقًّا في ذلك. قد يكون نموذج السياسي الفعال مناسبًا للفرد وللمنظمة على المدى الطويل في المواقف التي تكون فيها الاستراتيجيات الناجعة غير واضحة والتفضيلات متضاربة والتصورات انتقائيّة ومنحازة وقدرات معالجة المعلومات مقيّدة.
علامات السلطة الإدارية
كيف نعرف أن المدير يمتلك السلطة في البيئة المؤسّساتيّة؟ حدّدت الأستاذة في جامعة هارفارد روزابيث موس كانتر (Rosabeth Moss Kanter) العلامات الأشيع للسلطة الإدارية. يتمتّع المديرون مثلًا بالسلطة الّتي تمكّنهم من التوسّط لصالح شخص في مشكلة مع المؤسّسة. هل لاحظت من قبل أنه عندما يرتكب العديد من الأشخاص نفس الخطأ، لا يُعاقب بعضهم؟ ربما يعتني بهم أو يدافع عنهم شخص ما.
نرى أيضً أنّ المديرين يتمتّعون بالسلطة عندما يتمكّنون من تأمين منصب مرغوب فيه لمرؤوس موهوب أو الحصول على موافقة للنفقات التي تتجاوز الميزانيّة المُتاحة لهم. وتشمل مظاهر السلطة الأخرى القدرة على تأمين علاوات أعلى للمرؤوسين والقدرة على إدراج بنود على جدول الأعمال في الاجتماعات.
ويمكننا أن نرى مدى السلطة الإداريّة عندما يصل شخص ما بسرعة إلى كبار صانعي القرار أو يحصل على معلومات حول القرارات والتغيّرات السياسيّة مبّكرًا وقبل الجميع. بعبارة أخرى، من يستطيع الوصول إلى الرئيس ومن لا يستطيع ذلك؟ من "لديه صلاحيّة الوصول" ومن ليس لديه؟
أخيرًا، تتجلّى السلطة أيضًا عندما يسعى كبار صناع القرار إلى الحصول على آراء مدير معيّن فيما يخصّ الأسئلة المهمّة. من الذي يُدعى إلى الاجتماعات المهمّة ومن لا يُدعى؟ من الّذين يحيّيهم الرئيس عندما يدخل الغرفة؟ ترسل المنظمة من خلال هذه الأفعال إشارات واضحة بشأن من يمتلك السلطة ومن لا يمتلكها. و تعزز المؤسّسة بهذه الطريقة أو تتغاضى على الأقل عن هيكل السلطة الموجود.
الاستخدام الأخلاقي للسلطة
غالبًا يكون نقاش موضوع السلطة غير مريح للمشاركين فيه، ممّا يعني ضمنيًا أنّهم بطريقة ما يرون ممارسة السلطة أمرًا غير لائق. لا يكمن السؤال فيما إذا كانت استراتيجيّات السلطة أخلاقيّة أم لا بل السؤال الحقيقيّ هو أيّ من الاستراتيجيّات ملائمة وأيّها غير ملائم. إنّ استخدام السلطة في المجموعات والشركات هو حقيقة وواقع في الحياة المؤسّساتيّة يجب على جميع الموظفين قبولها. ومع ذلك، يحقّ لجميع الموظّفين أن يعرفوا أن ممارسة السلطة داخل المنظمة يجب أن تخضع للمعايير الأخلاقية التي تمنع الإساءة أو الاستغلال.
يمكن تحديد العديد من المبادئ التوجيهيّة للاستخدام الأخلاقي للسلطة. يمكن ترتيب هذه المبادئ وفقًا لقواعد السلطة الخمس كما هو موضّح في الجدول 13.1. هنالك العديد من التقنيات الّتي تحقّق أهدافها دون أن تتخلّى عن المعايير الأخلاقية. يمكن للمدير الذي يستخدم سلطة المكافأة مثلًا أن يضمن امتثال المرؤوسين لتوجيهات العمل وأن يتأكد من كون جميع الطلبات مجدية ومعقولة وأن يطلب طلبات أخلاقية وملائمة فقط وأن يقدّم مكافآت عادلة للموظفين وأن يتأكّد من أن جميع مكافآت الأداء الجيد ذات مصداقية ويمكن الحصول عليها بالعمل الجادّ.
الاستخدام الأخلاقيّ للسلطة | |
---|---|
قاعدة السلطة | مبادئ الاستخدام |
السلطة المرجعيّة |
|
سلطة الخبير |
|
السلطة الشرعيّة |
|
سلطة المكافأة |
|
السلطة القسرية |
|
المصدر: مقتبسة من Gary A. Yukl, Leadership in Organizations, 8th edition 2013 (Englewood Cliffs, N.J.; Pearson), pp. 44–58. |
الجدول 13.1 (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).
حتى السلطة القسرية يمكن استخدامها دون الحطّ من الكرامة الفرديّة. يستطيع المدير مثلًا التأكد من أنّ جميع الموظّفين يعرفون القواعد والعقوبات وأن يقدّم تحذيرات قبل العقاب وأن يدير العقوبات بشكل عادل وموحّد وغير ذلك. فالمديرون يمتلكون تحت تصرّفهم العديد من السبل الّتي يمكن استخدامها دون أن يكون سلوكهم مشكوكًا فيه. وفي ضوء العدد المتزايد من الدعاوى القضائيّة المرفوعة من قِبَل الموظّفين بسبب الممارسات غير الأخلاقيّة لرؤسائهم يبدو من الحكمة أن يتأمّل المدير سلوكه ويدرس قراراته قبل تنفيذها من أجل ضمان أعلى المعايير الأخلاقيّة.
ممارسة الأخلاقيات
استثمار كارثة تشالنجر
حُلّل انفجار مكوك الفضاء تشالنجر (Challenger) في يناير من عام 1986 (مخلّفًا سبع ضحايا) من عدّة وجهات نظر إداريّة: أُلقي اللوم على سوء اتّخاذ القرار وضعف الرقابة الإداريّة والقيادة السيئة. يمكننا أن نرى في هذه المأساة مثالًا للاستخدام غير الأخلاقيّ للسلطة المؤسّساتيّة.
تقرَّرَ أنّ الانفجار الذي قضى على مكوك الفضاء سببه الأقفال سيّئة التصميم على الصواريخ الداعمة. صُنّعت هذه الصواريخ من قبل مورتون ثيوكول (Morton Thiokol)، متعاقد هامّ مع وزارة الدفاع الأمريكيّة. عندما بدأ الكونغرس الأمريكي تحقيقاته في أسباب الكارثة، وجد العديد من الحقائق المُقلقة. أوّلًا، حذّر العديد من مهندسي مورتون ثيوكول من أن الصواريخ الداعمة كانت غير آمنة في وقت مبكّر من مرحلة التصميم، ولكنّ أحدًا لم يستمع. وحالما دخلت الصواريخ الداعمة في مرحلة الإنتاج حذّر المهندسون مرّة أخرى من المشاكل المحتملة ولكن دون جدوى. أبقت الشركة على هذه المعلومات مخفيّة.
والمثير للقلق أيضًا هو نقل مهندسَين من الشركة إلى مواقع غير مرغوب بها بعد أن أدليا بشهادتهما في جلسة استماع الكونغرس. عندما سألهم الكونغرس عما إذا كانوا يعتقدون أن عمليات النقل الخاصّة بهم كانت انتقامًا بسبب الإبلاغ عن المخالفات، أجاب المهندسون بنعم. قال أحدهم : "أشعر أنني نُحّيت جانباً لكيلا أتّصل بأشخاص من وكالة ناسا." استخدمت الشركة سلطتها في الحقيقة لمحاولة عزل أولئك الّذين تحدّثوا بحريّة مع محقّقي الكونجرس. ردّت مورتون ثيوكول في دفاعها بأنّها لم تعاقب أيّ شخص نتيجة للتحقيق. قال أحد ممثّلي الإدارة: "لقد قمنا بتغيير الكثير من المواقع ضمن الشركة، نحن نعيد التنظيم فقط".
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Organizational Power and Politics) من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.