اذهب إلى المحتوى

بعد أن تطرّقنا في الجزء السّابق إلى مجموعة من الأخطاء التي تُعجّل بالقضاء على شركتك النّاشئة، نواصل اليوم مع مجموعة أخرى من هذه الأخطاء.
إن لم يسبق لك قراءة الجزء الأول، فمن الأفضل أن تشرع في قراءته أوّلا.

7- اختيار المنصة (Platform) غير المُناسبة

إحدى المشاكل المُرتبطة بتوظيف مبرمج سيء هو اختيار منصة غير مناسبة. فعلى سبيل المثال أعتقد أنّ العديد من الشركات الناشئة خلال تلك الفترة قضت على نفسها عندما قرّرت بناء تطبيقات تعتمد على خواديم Windows. ما لا يعلمه الكثيرون هو أن خدمة البريد الإلكتروني Hotmail واصلت العمل على نظام FreeBSD سنوات عديدة بعد شراء Microsoft لها وذلك لأن خواديم Windows لم تستطع التّعامل مع الحمل، فلو اختار مؤسسو Hotmail نظام Windows فلربمّا قد يكون ذلك سبب فشلهم.

كانت PayPal على وشك أن تواجه هذه المشكلة، لكنّها تجّنبتها. فبعد أن اندمجت مع X.com أراد المدير التنفيذي الجديد أن ينتقل إلى خواديمWindows ولكن لحسن حظهم بعد أن بيّن ماكس ليفشن المؤسس الشّريك لخدمة PayPal أن أداء تطبيقهم على نظام Windows لن يتجاوز 1% من أداء التّطبيق على نظام Unix قامت Paypal باستبدال المدير التنفيذي عوضًا عن نظام التشغيل.

تُعتبر كلمة "منصّة" غامضة بعض الشّيء، فيُمكن أن تعبّر عن نظام تشغيل أو لغة برمجة أو إطار عمل مبني على لغة برمجة ما، لكنّها تدّل على "أمر" يدعم ويكبح في نفس الوقت وهو أمر شبيه جدًا بأساس المنزل.

ولكن الأمر المخيف في المنصات هو أن بعضها يبدو لغير المحترفين جيّدًا وخيارًا معقولًا ومع هذا سوف يقضي عليهم إن اختاروه مثل Windows في تسعينيات القرن الماضي. تُعتبر Java applets مثالًا آخر عن الأمر حيث كان يُفترض بها أن تكون الطريقة الجديدة في نشر التطبيقات، ولكنها بالعوض عن ذلك قامت بالقضاء على 100% من الشركات الناشئة التي آمن أصحابها بذلك.

وهنا يأتي السؤال: كيف تختار المنصة الأنسب؟ الطّريقة الأفضل هي توظيف مبرمجين جيدين وترك لهم حرّيّة الاختيار، ولكن هناك خدعة صغيرة يمكنك القيام بها إن لم تكن مبرمجًا وهي زيارة أحد أشهر الأقسام المختصة بعلوم الحاسوب و معرفة أي منصّة يستخدمون في مشاريع البحث العلمي.

8- البطء في إطلاق الشركة الناشئة

تعاني الشركات بمختلف أحجامها من صعوبة إنهاء برمجياتها، فالأمر له علاقة وثيقة بطبيعة البرمجيات في حدّ ذاتها، فأغلب البرمجيات التي يعمل المُبرمجون عليها ستصل مع بعض الجهد إلى نسبة 85% منها، لكن يتطلّب إنهاؤها وإيصالها إلى المستخدمين إلى عزيمة قويّة وإلى جُهد مُضاعف (3).

تؤخّر الشركات الناشئة تأجيل إطلاق مُنتجاتها متذرّعة بأسباب شبيهة بالأعذار التي يُطلقها البشر في حياتهم اليوميّة. “هناك ما يجب القيام به قبل إطلاق المُنتج" هذا ما يقوله الجميع. لكن هناك من الشّركات النّاشئة من قد تؤجّل الانطلاق حتّى ولو كانت كل الأمور الضرورية قبل الانطلاق جاهزة.

إحدى إيجابيات الإطلاق المبكر للمُنتجات هو أنّه يدفعك دفعًا إلى إنهاء أعمال يتوجّب القيام بها. فما يجب أن تأخذه في الحسبان هو أنه لا يُمكن للمُنتج أن يُصبح "جاهزا" أو أن يُصبح العمل مُنتهيّا ما لم يتم الإطلاق أولًا. ويمكنك ملاحظة ذلك من خلال كميّة الأعمال الواجب القيام بها قبل إطلاق أي شيء أو مشروع مهما صغر حجمه وذلك بغض النّظر عن الجاهزيّة التي تظنّ أنك قد حصّنت مشروعك بها. الأمر الآخر الذي يقتضي إطلاق شركتك الناشئة مبكرًا هو أنك لن تتمكن من فهم فكرتك بشكل كلّي دون مشاركتها مع المستخدمين.

تظهر بعض المشاكل بشكل جلّي كمُسبّبات للتأخير في عملية الإطلاق نذكر منها العمل البطيء جدًا، عدم فهم صلب المشكلة، الخوف من التعامل مع المستخدمين، الخوف من الانتقاد السلبي، العمل على الكثير من الأشياء في وقتٍ واحد، وأخيرًا سعيك إلى الكمال المطلق. ولحسن الحظ يمكنك محاربة هذه المشاكل عن طريق دفع نفسك إلى إطلاق شركتك الناشئة بشكل سريع نسبيّا.

9- إطلاق الشركة بشكل مُستعجل (سابق لأوانه)

من المرجّح أنّ إطلاق الشركات الناشئة ببطء قضى على المئات من الشركات مقارنّة بالإطلاق المبكر السّابق لأوانه، ولكن في المقابل عليك الحذر من إطلاق شركتك بسرعة أيضًا وذلك لأنّ خطورته تكمن في القضاء على سمعتك. فعندما تقوم بإطلاق شركتك الناشئة بشكل مُبكّر وسابق لأوانه فإنّك ستخسر أوائل المُستخدمين الذين سيجرّبون المُنتج الذي لن يرتقي إلى مُستوى تطلّعاتهم.

وهنا يطرح السؤال نفسه، ما هو الحد الأدنى الذي يُمكن للشّركة النّاشئة الانطلاق به، بمعنى ما هو الحدّ الفاصل (من حيث بناء المُنتج، خصائصه ونضجه) الذي ينقل المُنتج من مرحلة الإطلاق السّابق لأوانه إلى مرحلة الإطلاق المُناسب؟ ما أقترحه هو أن تُحدّد الشّركة النّاشئة نواة ما ترغب في القيام به والذي يُفترض به أن يكون مُفيدًا في حد ذاته (يعني النّواة صالحة للاستخدام لوحدها) ويُمكن البناء عليه والتّوسع لاحقًا للوصول إلى كامل المشروع، ومن ثم العمل على إنهاء تطوير هذه النّواة في أقرب فرصة مُمكنة.

وهذا هو المنهج الذي أتبعه أنا ويتّبعه العديد من المبرمجين الآخرين في كتابة البرمجيات. ابدأ بالتفكير بالهدف المنشود ومن ثمّ ابدأ بكتابة أصغر وأقصر شيفرة مُمكنة تجعل البرنامج يُنفّذ مهمّة مُعيّنة، وبحكم أن الأمر يتعلّق بجزء صغير من المشروع فإنّك لن تُضيّع أي وقت مع ذلك بحكم أن كتابة هذا الجزء ضروري لكتابة كامل التّطبيق. كتابة هذا الجزء الصّغير يلعب دورين: سيرفع من معنوياتك بحكم أنّك كتبت برنامجًا صغيرًا يُنفّذ مهمّة مُحدّدة، كما أنه سيُساعدك على رؤية الأمور بشكل أوضح ومعرفة الطّريقة التي يجب على باقي أجزاء البرنامج أن تعمل عليه.

ما يجب أن تضعه في الحسبان هو أن أوائل المُستخدمين الذين سيهرعون إلى تجربة مُنتجك عادة ما يكونون "مُتسامحين" جدًا، فبحكم طبيعتهم التي تدفعهم إلى تجربة المُنتجات الجديدة فهم يعرفون بأنه لا يُفترض بمُنتج القيام بكل شيء وأن يحتوي على جميع الخصائص التي يُمكن التّفكير فيها، لكن في المُقابل يجب على المُنتج أن يقوم على الأقل بوظيفة واحدة وبشكل جيّد.

10- عدم وجود فئة مُحدّدة من المُستخدمين المُستهدفين

لا يمكنك بناء مُنتجات ستنال إعجاب المستخدمين إذا لم تفهمهم أوّلًا. مثلما أشرت إليه سابقًا، معظم الشركات الناشئة نجحت بسبب انطلاقها من مُحاولة إيجاد حل لمشكلة واجهت المؤسسين أنفسهم. يُمكننا أن نلخّص الأمر في هذه القاعدة: مقدار النّجاح/ الثروة التي تبنيها تتناسب طردًا مع مقدار فهمك للمشكلة التي تحاول حلّها، والمشاكل التي تفهمها بالشكل الأفضل هي المشاكل التي تواجهك شخصيّا.(4)

وتبقى هذه القاعدة مجرد نظرية ولكن ما يُقابلها ليس مُجرّد نظرية بل هو واقع ملموس، فإن بادرت إلى حل مشاكل لا تفهمها فبالتأكيد لن تفلح.

وما يُثير الدّهشة أن عددًا كبيرًا من المؤسسين يعتقدون أو يفترضون بأن أحدًا ما (دون أن تكون لهم فكرة واضحة عن هذا الشّخص) سيكون مُهتمّا بما يقومون ببنائه بالرّغم من أن المؤسّسين أنفسهم لن يرغبوا في استخدام مُنتجهم الخاص، لأنهم ليسوا ضمن الفئة المُستهدفة من طرف المُنتج، ولكن يبنون افتراضات، فقد يكون هذا الشّخص مُراهقًا، أو أحد المهتمين بالأحداث العامة أو المؤتمرات، أو قد يكون رجل أعمال. لكن أيّ فئة من رجال الأعمال تقصد؟

من المُمكن بناء مُنتجات لا تستهدفك أنت شخصيّا، وقد قمت بذلك بنفسي، ولكن يتوجّب عليك أن تبقى حذرًا لأنك بذلك تكون قد دخلت منطقة محفوفة بالمخاطر. ويجب أن تبقى حذرًا لأنه لا يُمكنك الاعتماد على حدسك في هذه المنطقة.

في هذه الحالة يجب أن تبقى قريبًا من مُستخدميك. يجب عليك أن تنتهج أسلوبًا تجريبيّا عندما تبني مُنتجًا لأشخاص مختلفين عنك، فلن يكون بإمكانك تخمين ما قد ينجح وما قد يفشل، وإنما سيتحتّم عليك إيجاد مستخدمين وقياس ردود أفعالهم. وعليه فإن قرّرت أن تبني مُنتجًا يستهدف المراهقين أو رجال الأعمال أو غيرهم عليك أن تجد بعضهم وتقنعهم باستخدام مشروعك وإن لم تتمكّن من ذلك فأنت على الطريق الخاطئ.

11- الحصول على تمويل صغير جدًا

تلجأ معظم الشركات الناشئة إلى التمويل الخارجي في إحدى مراحل حياتها. مثلما هو عليه الحال مع فكرة إطلاق الشّركة النّاشئة بأكثر من مُؤسّس شريك فإن الأمر يبدو صائبًا من الناحية الإحصائية، ولكن يبقى السؤال الأعم هو: ما هو مقدار الاستثمار الذي يجب الحصول عليه؟

يُقاس تمويل الشركات الناشئة بالزمن، حيث أنه لدى الشركات التي لا تكون مُربحة بعد (أغلب الشّركات النّاشئة في بداياتها تكون غير مُربحة) فترة مُحدّدة قبل انتهاء مواردها الماليّة واضطرارها للتّوقّف ويُطلق على الأمر عادة مُصطلح "runway” أو ما يُمكن ترجمته بـ "المدرج" (نسبة إلى مدارج الطّائرات مثلا). والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالات هو "كم تبقّى لك في مدرجك الخّاص" حيث أنّه لدى وصولك إلى آخر المدرج فيجب عليك إما أن ترفع جناحين مُحلّقا أو أن تتوقّف نهائيًا.

الحصول على تمويل قليل يعني بأنّك لن تُحلّق بعيدًا، والتّحليق هنا قد يختلف حسب وضعك.فبشكل عام عليك الانتقال إلى مستوى أعلى بشكل وبشكلٍ ملحوظ: فإن كانت لديك فكرة فالتّحليق يتمثّل في تطوير نسخة أوّلية، وإن كانت لديك نُسخة أوّلية فإن تحليقك يعني إطلاقك للمشروع، وإن كنت قد أطلقت المشروع فإن التّحليق يتمثّل في تحقيق نمو مُعتبر. كما أن للأمر علاقة وطيدة بالمُستثمرين، حيث أنه ما لم تُصبح شركتك النّاشئة مُربحة فإن مثل هذا الأمر هي الطّريقة الوحيدة لإقناعهم.
فإذا حصلت على تمويل فيجب عليك أن تأخذ ما يكفي كي تنتقل إلى المرحلة المقبلة أيًّا كانت(5). ولحسن الحظ فإنّك أنت من سيُقرّر كم ستصرف وماهية الخُطوة القادمة. ننصح الرّياديين عادة في جعل كلا هذين العاملين مُنخفضين: إنفاق أقل قدر مُمكن من المال وبناء نسخة أوّلية تجريبية صلبة ومُتماسكة ما سيمنح لهم مرونة عالية.

12- التبذير

من الصعب جدًا التفريق ما بين التبذير والحصول على استثمار محدود. فإن استهلكت كامل التّمويل الذي حصلت عليه فإنه يُمكنك تسمية الأمر مثلما يحلو لك. لكن أفضل أسلوب لمعرفة السّبب الحقيقي لاستهلاكك لكامل التّمويل هو أن تقارن نفسك بباقي الشّركات النّاشئة، فإن حصلت على تمويل يُقدّر بـ 5 ملايين دولار واستهلكتها كلّها فمن المُرجّح جدّا بأنّك تُبذّر.

من المُلاحظ بأن استهلاك التّمويل بشكل سريع لم يعد شائعًا مثلما كان عليه الأمر في السّابق، وقد يرجع الأمر إلى تعلّم المُؤسّسين من أخطاء من سبقهم. كما أن عدم القيام بذلك (أي استهلاك التّمويل بشكل سريع) يُخفّض تكلفة إطلاق شركة ناشئة بشكل كبير. لدى كتابة هذه السّطور لم نشهد ذلك في أيّ من الشّركات النّاشئة التي موّلناها، وهذا ليس راجعًا إلى كوننا نستثمر مبالغ صغيرة فيهم فهناك العديد من الشّركات التي استطاعت الحصول على المزيد من الاستثمار.

الطريقة التقليدية لإنفاق المال بشكل سريع هي عن طريق توظيف العديد من الأشخاص، الأمر الذي سوف يؤذيك مرّتين في الوقت ذاته، حيث تزيد مصاريفك كثيرًا وستُصبح الشّركة النّاشئة أبطأ. وكقاعدة عامة: المال الذي يُستهلك بسرعة يجب أن يبقى أثره طويلًا، وهي القاعدة التي يعيها الكثير من الرّياديين الحذقين ونجد تفصيل ذلك في كتاب The Mythical Man-Month لكاتبه Fred Brooks.

هناك ثلاث اقتراحات عامّة متعلقة بالتوظيف:

  1. لا توظف أحدًا إن لم تكن بحاجة له.
  2. ادفع للمُوظّفين بأسهم في الشّركة وليس برواتب، وذلك ليس فقط لتوفير المال وإنما لأنك سوف تحتاج لهذا النوع من المُوظّفين الملتزمين بشكل كافٍ والذين يُناسبهم هذا العرض.
  3. لا توظّف سوى من يستطيع البرمجة أو جلب المُستخدمين لأن هذا كل تحتاجه في البداية.

الهوامش:

[3]:حاول ستيف جوبز أن يحفزّ موظفيه عبر مقولته "الفنّانون الحقيقيون ينهون أعمالهم ويُطلقونها" (Real artists ship)، ولكن لسوء الحظ هذه المقولة غير صحيحة لأن الكثير من الأعمال الفنية المشهورة غير مكتملة. قد تكون هذه الجملة صحيحة في بعض المجالات التي يتم فيها تحديد موعد نهائي للعمل مثل العمارة وصناعة الأفلام، ولكن حتى في مجالات كهذه يسعى الأشخاص إلى العمل على مشاريعهم إلى أن تسحب من بين أيديهم.

[4]:هناك عامل آخر غالبًا، وهو أنّ مؤسسي الشركات الناشئة يسعون إلى أن يكونوا في طليعة التكنولوجيا الحديثة، وعليه فإن المشاكل التي يواجهونها تكون قيّمة بشكل خاص.

[5]:عليك أن تأخذ أكثر من حاجتك بنسبة زيادة تصل إلى 50 أو 100% لأن كتابة البرمجيات وإتمام الصفقات يأخذ وقتًا أكثر مما يتوقع.
 

ترجمة -وبتصرّف- للجزء الثاني من مقال The 18 Mistakes That Kill Startups لصاحبه Paul Graham


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...