في فترة الأسئلة والأجوبة بعد أحد المُحاضرات التي ألقيتها سألني أحدهم: ما الذي يجعل الشركة الناشئة تفشل، وبعد ثوانٍ من التفكير استنتجت أن هذا السؤال هو فخ، وليس من الأسئلة التي يسهل الإجابة عنها بسرعة، لأنه مرتبط تمامًا بكيفيّة جعل انطلاقة شركتك الناشئة ناجحة للغاية. فإن ابتعدت عن كلّ أسباب الفشل ببساطة سوف تحقق النجاح، والإجابة على مثل هذا السؤال أكبر من أن يتم بشكل مُتسرّع
بعد ذلك، تبيّن لي بأنه من الأفضل معالجة المشكلة من هذه الزاوية: إنّ كان لديك قائمة من الأشياء التي لا ينبغي عليك فعلها عندئذٍ يمكنك أن تقوم بعكسها والحصول على وصفة نجاحك، والتي سيكون تطبيقها أسهل، حيث أنّ تذكر الأشياء التي لا يجب فعلها يكون أسهل مقابل ما يجب فعله. (1)
منطقياً هناك خطأ قاتل واحد يمكن أن ترتكبه ويقضي على شركتك الناشئة وهو أن تصنع أمرًا لا يرغب فيه المُستخدمون. فإن التزمت بتوفير ما يرغب فيه المُستخدمون فإنك غالبًا ستكون بأمان، بغضّ النظر عن باقي الأشياء التي تفعلها أو لا تفعلها، ولكن بالمقابل إن لم تقم بصنع ما يريده المُستخدمون لن تنجح بغضّ النظر أيضًا عمّا تقوم به أو لا تقوم به.
إليك قائمة تحتوي على 18 من الأشياء التي تجعل الشّركات تُطوّر مُنتجات لا يرغب فيها المُستخدمون، وغالبًا ما يكون ذلك هو سبب الفشل.
ملاحظة: تم تقسيم هذا المقال لأجزاء نظرًا لطوله.
1- مؤسس وحيد
هل سبق ولاحظت قلّة الشركات الناشئة التي تنجح والتي قام بتأسيسها مُؤسّس واحد فقط؟ حتى الشركات التي تظن أنّ مؤسسها شخص واحد مثل Oracle من المرجح أنّ لها عدّة مؤسسيين، وبالطبع هذا الأمر ليس مصادفة إطلاقًا. إن كنت تتساءل ما المشكلة إن كان هناك مؤسس واحد؟ يوجد هنالك العديد من الأسباب. بدايةً، يعدّ أمرٌ كهذا مُثيرًا للشّكّ، وذلك لأنه من المرّجح ألا يكون المؤسس قد استطاع إقناع أيّ من أصدقائه بإطلاق شركة ناشئة معه وهو أمر مريب لأنّهم أفضل الأشخاص الذين يعرفونه.
وحتى إن كان أصدقاؤه مخطئين والشركة تعدّ رهانًا جيدًا فإنه ما يزال في منطقة الخطر وذلك لأن البدايات هي دومًا الأصعب فكيف لو كان شخص واحد فقط هو المسؤول؟. وحتى إن كنت قادرًا على القيام بالعمل لوحدك فأنت ما تزال بحاجة إلى أصدقاء كي تتشاركوا الأفكار سويةً، ولكي يُثنوك عن الأفكار السّاذجة و أيضًا كي يخففوا عنك عندما تسوء الأمور.
وقد تكون الفكرة الأخير هي الأهّم حيث أنّ المراحل السيئة التي تصيب المشروع في بدايته قد تكون قاسية جدًا، الأمر الذي يصعب أن يتحمله شخصٌ واحد. فعندما يكون هناك عدد من المؤسسين سوف تُخلق بينهم حالة من التعاضد التي تتغلب على كل الأمور السلبية التي قد تحصل، حيث أنّ كل فرد من أفراد الفريق سيسعى كي لا يخذل الآخرين وتعدّ هذه من أعظم القوى في الطبيعة البشرية والتي بالمقابل سيفقدها من يعمل وحيدًا.
2- الموقع الجغرافي السيّئ للشركة الناشئة
تزدهر انطلاقة الشركات الناشئة في بعض الأماكن دون غيرها، فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يأتي في المرتبة الأولى من حيث جودة المكان وادي السيليكون تليه بوسطن ومن ثمّ سياتل وأوستن ودينفر وأخيرًا نيويورك، أما بقية المدن فلا تكاد تذكر. ولا تتجاوز نسبة الشّركات النّاشئة إلى عدد السّكان في نيويورك جزءًا من عشرين جزءًا من نفس النسبة في وادي السيليكون، وأما في المدن مثل هيوستن وشيكاغو وديترويت فالنّسبة صغيرة جدًا بشكل لا يسمح بحسابها.
لماذا يعدّ الاختلاف ما بين المُدن كبيرًا جدًا؟ غالبًا ما يكون السبب نفسه في كل الصناعات على اختلافها. هل تساءلت يومًا ما هو سادس أكبر مركز للموضة في الولايات المتحدة الأمريكيّة؟ سادس أكبر مركز للنفط، للتمويل، أو للنشر؟ أينما كان هذا المركز فهو لا يرتقي لوضعه في مصافي المراكز الأولى ومن المعرض للخطأ تسميتها بمراكز.
من المثير للاهتمام كيف تصبح المدن محاور مهمة للشركات الناشئة ويعود السبب إلى أنّ غالبية الخبراء يتواجدون في هذه الأماكن وهذا سبب نجاح مختلف الصناعات الأخرى أيضًا. بالإضافة إلى أنّ المعايير تكون أعلى والأشخاص يكونون متعاطفين بشكل أكبر مع عملك، بالإضافة إلى أنّ الأشخاص الذين قد ترغب بتشغيلهم معك سيرغبون بالعيش في مدن كهذه، داعمي الصّناعات يتواجدون في هذه الأماكن، ناهيك عن أن إمكانية التقائك بمن يشاركونك في مجال عملك كبيرة هناك. بالحقيقة لا يمكن لأي أحد أن يعرف بشكل دقيق كيف يمكن لكل هذه العوامل أن تجتمع معًا لتعزز انطلاقة شركتك في وادي السيليكون أو كيف لها أن تسحقها في ديترويت. لكن في المُقابل تؤكد نسب أعداد الشّركات مُقارنة بعدد السّكّان ذلك.
3- سوق مُستهدفة ضيّقة جدًّا
معظم الفِرق التي تتقدّم إلى حاضنة Y Combinator تعاني من هذه المشكلة الشائعة: اختيار استهداف سوق صغيرة وغير معروفة من أجل تجنب المنافسة.
إن راقبت بعض الأطفال وهم يلعبون بالكرة، فستلاحظ أنّهم يخافون منها تحت سن معيّنة، فعندما تقترب منهم سوف يبتعدون عنها غريزيًا. فبالنسبة لي لم أمسك الكرة كثيرا عندما لعبت البيسبول في الثامنة من عمري، فكلما اقتربت مني الكرة كنت أغمض عينيّ وأرفع القفاز طلبًا للحماية أكثر من رغبتي بإمساك الكرة.
عندما تختار مشروعًا هامشيًا كبداية لشركتك الناشئة سيكون بمثابة إستراتيجيتي التي اتبعتها في الثامنة من عمري. حقيقةً إذا صنعت مُنتجًا جيّدًا فمن الطبيعي أن تخلق لك منافسين وسيتوجب عليك مواجهتهم، الطريقة الوحيدة لتجنب المنافسة هي بتجنب الأفكار الخلّاقة.
أظن أنّ التنّصل من هذه المشاكل غالبًا ما يتمّ دون وعي، وذلك لأنّ الأشخاص لا يسعون لتطبيق الأفكار الصغيرة عوضًّا عن الكبيرة منها لأنها أأمن ولكن اللاوعي لديهم لا يسمح لهم بالتفكير حتى بالعظيمة منها. ويعدّ الحل الأمثل لهذه المشكلة هو أن تضع نفسك خارج الصورة وتفكر ماذا يمكن أن تكون الفكرة العظيمة لشركة ناشئة لأحد ما غيرك.
4- الأفكار المشتقّة
معظم طلبات الانضمام إلى تردنا في YC هي تقليد لشركات موجودة أصلًا، ويعدّ هذا أحد منابع الأفكار ولكنه ليس الأفضل. فإن تتبعت أصل الشركات الناشئة الناجحة فسوف ترى أن قليلًا منها نجح مقلدًا غيره من الشركات. فمن أين أتَتهم تلك الأفكار؟ غالبًا ما تنبع من المشاكل غير المحلولة التي تعرّف عليها المؤسسون.
فعلى سبيل المثال شركتنا الناشئة صنعت برمجيات لإنشاء المتاجر الإلكترونية، فعندما بدأنا بهذه الفكرة لم يكن هناك أيّ من هذه المتاجر، والمواقع القليلة المتوافرة للطلب منها آنذاك كانت مصنوعة يدويًّا و ذات كلفة عالية. وتأكدنا في ذاك الوقت أنّه إذا توسّع مجال التّسوّق على الإنترنت فإنه يُفترض إنشاء هذه المواقع برمجيًا، وهو ما دفعنا بكل بساطة إلى كتابة تطبيق للقيام بذلك.
غالبًا ما تكون أفضل المشاكل لحلها هي التي تواجهك بشكل شخصي، فشركة Apple على سبيل المثال تم إطلاقها لأن صاحبها ستيف وزنيك أراد حاسوبًا، وGoogle أطلِقت لأن لاري وسيرجي لم يستطيعا إيجاد المعلومات على شبكة الإنترنت، وتم إطلاقHotmail لأن سابير بهاتيا وجاك سميث لم يستطيعا تبادل البريد الإلكتروني أثناء العمل.
فبدلًا من نسخ فيس بوك مع إضافة بعض الاختلافات التي تجاهلها مؤسسوه، يمكنك البحث عن أفكار أُخرى. وعوضًا من البدء من شركات والوصول إلى المشاكل التي حلًوها، ابحث عن مشكلات وتخيل الشّركة التي يمكن أنً تقوم بحلها (2). ما الأمور التي يشتكي منها الأشخاص؟ ما الذي تتمنى الحصول عليه؟
5- العناد
في بعض المجالات يكون امتلاكك لرؤية عما تودّ إنجازه هو السبيل للنجاح بالإضافة إلى الإيمان به والسعي لتحقيقه بكافة السبل بغضّ النظر عن العقبات التي قد تواجهك، ولكن لا يُعدّ إطلاق شركة ناشئة إحدى هذه المجالات. التشبّث بالهدف والرؤية يصلح لأمور مثل الفوز بالميدالية الذهبية للألعاب الأولمبية حيث تكون المشكلة محددة بشكل جيّد، الشركات الناشئة هي أقرب إلى البحث العلمي، حيث يتوجب عليك متابعة الأثر التي تقتفيه أينما أوصلك.
وعليه لا يجب أن تبقى مُتعلّقًا بخطتك الأصلية لأنها غالبًا ما ستكون خاطئة، فمعظم الشركات الناجحة انتهت بها المطاف بفعل شيء مختلف تمامًا عمّا خَططت له في البداية، وغالبًّا ما يكون مختلفًا لدرجة كبيرة بحيث أنها لا يُمكن أن تعرف بأنّها نفس الشّركة. عليك أن تكون مستعدًا لرؤية الفكرة الأفضل عندما تعرض نفسها عليك، وسيكون الجزء الأصعب هو التّخلص من فكرتك السابقة.
لكن الانفتاح على الأفكار الجديدة عليه أن يتمّ بشكل معقول ومدروس، حيث أنّ الانتقال من فكرة لأخرى بشكلٍ أسبوعيّ سيكون كارثيًّا بالقدر نفسه. هل هناك اختبار ما يمكنك الاعتماد عليه؟ يمكنك أن تسأل نفسك إن كانت في هذه الأفكار نوع من التّطّور. فإن كنت قادرًا على مُواصلة بناء مشروعك اعتمادًا على ما سبق بناؤه فيمكن القول بأنك على طريق يُمكن أن تؤدّي إلى نتيجة صحيحة. لكن إن كنت في بداية كل فكرة تبدأ من الصفر فهذا دليل سيّئ.
ولكن لحسن الحظ هناك من يمكنك سؤاله وهم مُستخدموك. فإن قررت الانتقال إلى منحى جديد وأبدى المستخدمون الحماسة له فهو غالبًا ما سيكون رهانًا جيدًا.
6- توظيف مبرمجين سيئين
لقد نسيت إدراج هذه الفكرة في النسخ الأوليّة من القائمة وذلك لأنّ معظم المؤسسيين الذين أعرفهم هم مبرمجون ولهذا لن يشكل هذا الأمر مشكلة لهم، وعلى الرغم أنّهم قد يوظفون مُبرمجًا غير كفؤ إلا أنّ ذلك لن يقضي على الشركة، حيث أنهم سوف يستطيعون القيام بكل المتطلبات لوحدهم بكل سهولة.
ولكن عندما أفكر بالأمر الذي سبب فناء معظم الشركات الناشئة المتخصصة في التجارة الإلكترونية في التسعينات من القرن الماضي أستنتج أن المشكلة كانت في المبرمجين السّيّئين. العديد من تلك الشركات أطلقها رجال أعمال ظنّوا أن مبدأ عمل الشركات الناشئة يقتصر على وجود فكرة ذكيَة ومن ثمّ توظيف أحد المبرمجين كي ينفذها. ولكن بالحقيقة الأمر أصعب بكثير مما يبدو لأنّ رجال الأعمال لا يستطيعون تمييز المبرمجين الجيدين من غيرهم، ولن يتمكنّوا أصلًا من توظيف أفضل المبرمجين، وذلك ببساطة لأنه لا يوجد مبرمج جيّد يقبل بتطبيق رؤية رجل أعمال.
ولهذا يقوم رجل الأعمال باختيار أحد المبرمجين الذين يظنون أنهم جيدين ولنقل أنّ سيرته الذاتية تحتوي على شهادة كمطوّر من شركة Microsoft ولكنه بالحقيقة ليس بالمستوى المذكور. حينها فقط يتفاجؤون بتعثّر شركاتهم النّاشئة وبمرور منافسيهم السّريع بجانبهم.ويشابه هذا النوع من انطلاقات الشركات الناشئة لانطلاقات الشركات الضخمة ولكن من دون أيّ من الأفضليات التي تتمتع بها الأخيرة.
وهنا يأتي السؤال كيف تقوم باختيار مبرمجين محترفين في حال لم تكن مبرمجا؟
للأسف لا يوجد جواب على هذا السّؤال. كنت أودّ أن أقول لك أنّه عليك إيجاد مبرمج جيّد لكي يساعدك في توظيف مُبرمجين جيّدين. ولكن إن كنت لا تستطيع تمييزهم فكيف لك أن تفعل ذلك؟
الهوامش:
(1) هذه ليست لائحة كاملة بكل أسباب الفشل، وإنما فقط بتلك التي يمكنك السيطرة عليها. فهناك العديد من الأسباب التي لا يمكنك السيطرة عليها ومنها عدم ملائمة الوضع والحظ السيئ.
(2) من المُفارقات أن إحدى تفرعات Facebook التي يمكن أن تنجح هو Facebook حصري لطلاب الجامعة.
ترجمة -وبتصرّف- للجزء الأول من مقال The 18 Mistakes That Kill Startups لصاحبه Paul Graham
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ freepik
تم التعديل في بواسطة يوغرطة بن علي
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.