اذهب إلى المحتوى

يمكن للشّركات العمل دون أن تكون مثالية، تمامًا مثل دروب بوكس Dropbox، فقد قدّمت هذه الشركة في البداية وصف فيديو قصيرًا لمنتج دروب بوكس دون الحاجة إلى برمجته في البرنامج الفعلي أولاً. وبهذه الطريقة، أمْكنهم اختبار الفكرة وتلقي تعقيبات العملاء دون إضاعة للوقت أو المال على المنتجات التي لن تنجح، فإذا كانت هناك حاجة إلى أيّ تغييرات، فلديهم المرونة في إجرائها لأنها كانت مجرد نموذج أولي مبكر لم يكلّفها استثمارا كبيرًا، وقد كانت العديد من التغييرات المبكرة مركّزة على تصميم الواجهة بإضافة أزرار واختصارات يسهل إضافتها، وقدرات التخزين التي قدّم العملاء ملاحظات بشأنها باستمرار.

تحتاج الشركات الجديدة إلى وقت لتطوير هوياتها، وإشراك السوق المستهدفة، وإنشاء وتطوير المنتجات المناسبة، وصقل استراتيجياتها، إذ لا تمتلك الشركات الناشئة نماذج أعمال مطوّرة ومثبتة تمامًا مثل الشركات القائمة. لكن قد تتطوّر الفكرة الأوليّة لشركة ما إلى شيء مختلف تمامًا إذا دفعته التّعقيبات على النّموذج الأوليّ في اتّجاه مختلف.

أدرك هيوستن وفردوسي أنّهما لا يمتلكان منتجًا مثاليًّا، لهذا لجآ إلى استخدام نظام الشّركة النّاشئة الليّنة أو Lean Startup، وهي منهجية يستخدمها رواد الأعمال لمساعدتهم على الابتكار من خلال اختبار منتجاتهم باستمرار، والحصول على تعقيبات من العملاء في الوقت الفعلي، حيث تدعو هذه المنهجية إلى مشاركة المنتج مع المستخدمين الأوائل في مراحل تطويره الأولى والحصول على تعقيبات فوريّة، وهذا يضمن محبة الناس الفعلية للمنتج، واستعدادهم لشرائه. لكن حتى مع الإعلان عن أرباح دروب بوكس التي تبلغ مليار دولار أمريكي و500 مليون مستخدم، لا تزال رحلة هيوستن تشهد أوقاتًا عصيبةً من وقت لآخر.

تستخدم شركات التقنية عادةً نفس طريقة دروب بوكس في المقام الأول، لإدراكها بأنّ العمل على منتج لسنوات عديدة دون قياس إمكانية نجاحه يمثّل مخاطرةً كبيرة، خاصةَ في بيئة تقنية سريعة التغير، لكنّ الاستراتيجيّة ليست حكرًا على المجال التّقنيّ فحسب، فهي قابلة للتّطبيق في كلّ الأعمال والصّناعات تقريبًا.

تعلّم أنّ وظيفة الرئيس التنفيذي تتغيّر مع تقدُّم المشروع، إذ تختلف احتياجات الشركة عبر دورة حياتها، ويتعيّن على الرئيس التنفيذي تحويل التركيز، فمن بناء النماذج الأولية، إلى اختبار المستخدمين، فاستكشاف أفضل قنوات التوزيع، ثمّ إدارة التدفق النقدي. ويجب معالجة هذه العقبات عند ظهورها.

Houston.jpg

الشكل 2.10: يؤمِن آندرو هيوستن بأنّ على المدير التّنفيذي تحويل تركيزه كلّما احتاجت شركته إلى التّغيير. حفظ الحقوق: Drew Houston / DropBox من Financial Times / مشاعات ويكيميديا تحت ترخيص CC BY 2.0

الشركة الناشئة اللينة

طوَّر المؤلف ورائد الأعمال إريك ريس منهجية الشركة الناشئة اللينة بعد إنفاقه للكثير من الوقت والجهد والمال، فعندما اضطرت شركته التقنيّة الأولى إلى الإغلاق، قادَه إحباطه إلى دراسة الشركات الناجحة الأخرى وبرامج التصنيع الليّن، بما في ذلك شركة تويوتا Toyota، فتعلّم كيف يتحلّى بالمرونة والسرعة أثناء بناء المنتجات، حيث تعلم عدم حاجته إلى منتج مصمَّم بالكامل ناتج عن سنوات من التطوير، وبدلاً من ذلك قد يكون لديه شيء عمليّ غير مثالي يمكن للناس اختباره وتقديم ملاحظات عليه بمرور الوقت.

دعَا ريس إلى اتباع نهج تدريجي حول كيفية المناورة في إدارة شركة ناشئة، وكيفية تغيير مسارها إذا لزم الأمر، مع المثابرة وتسريع توسُّعها. ويُطلق على هذا أيضًا حلقة البناء والقياس والتعلُّم، ممّا يعني الانتهاء من بناء النموذج الأولي، أو كتابة فكرته على الأقل، لتُعرض على العملاء الذين يقدمون التّعقيبات، حتى تتعلّم الشركة ما يجب الاحتفاظ به وما يجب تغييره. فتُجري التغييرات اللازمة على النموذج الأولي وتبدأ من جديد، ثمّ تُكرّر العملية حتى يصبح النموذج الأولي جيدًا بما يكفي لدخول السوق. يوضِّح الشّكل 3.10 هذه الحلقة التي قد تستمرّ حتّى بعد وصولها إلى السوق الشامل بُغيَة تحسين المنتج.

BML.png

الشكل 3.10: حلقة البناء والقياس والتعلم إطار عمل يساعد روّاد الأعمال على تطوير فكرتهم إلى الحد الأدنى من المنتج، وقياس أثرها على الناس، وتعلُّم ما ينبغي تغييره وما ينبغي الحفاظ عليه.

حفظ الحقوق: تصميم مسجّل لجامعة رايس، OpenStax، تحت ترخيص CC BY 4.0

بعد إثبات شركة ريس الناشئة عدم نجاحها، أنشأ شركةً ثانيةً أسماها IMVU وهي اختصار Instant Messaging Virtual Universe بمعنى الكون الافتراضي للرّسائل الفوريّة. وهي منصّة افتراضيّة للأشخاص الذين يرغبون في التسوق لشراء الملابس والأثاث والإكسسوارات في مجتمع عبر الإنترنت، مع الحفاظ على هويتهم آمنة. عمِل ريس وشركاؤه لساعات طويلة طوال ستة أشهر لإنشاء نموذج أولي من الصوَر الرمزية ثلاثية الأبعاد التي اكتشفوا لاحقًا عدم رغبة أحد بها، فخلال شهرهم الأول، حقّقوا ما مجموعه 300 دولار، أمّا في الشهر التالي فقد كسبوا 400 دولار بعد ترجّيهم للأصدقاء والعائلة لتجربتها.

بعد رؤية ريس لاختفاء زبائنه المخلصين الأوائل، قرّر هو وشركاؤه المؤسّسون التحول من الشعور بالإحباط إلى التحدث إلى العملاء المحتملين فاختبروا منتجاتهم مع المراهقين ومهووسي التقنية، وكذلك مع العملاء العاديين، ورأوا عدم فهم العملاء العاديين لكيفية استخدام المنتج. في حين كان مهووسو التّكنولوجيا، والمستخدمون الأصغر سنّا أكثر انفتاحًا في استخدامه، وقدّموا الكثير من التّعقيبات الّتي أفضت إلى إنشاء نسخةٍ أفضل من مجتمع الأفاتار.

كانت المنصّة الأوليّة عبارة عن الحدّ الأدنى من المنتج MVP، وهو نموذج أوليّ مبكّر جدًا من المنتج. وفقًا لريس، قد يكون MVP هو الحد الأدنى لمساعدة الأشخاص على فهم ماهية المنتج، ولا يجب بالضّرورة بناء المنتج ليكون الحد الأدنى، بل يمكن تمثيله في رسومات ومقاطع فيديو لشرحه، كما قد يتضمّن الـ MVP أيضًا على إصدار قاعديّ من المنتج، تمامًا مثل موقع IMVU الذي لم يكن جيدًا في البداية.

الهدف هو أن يكون لديك منتج قاعدي لعرضه على المستخدمين المحتملين، مع محتوى كافٍ لاستنباط التعليقات حول ما يجده الناس مفيدًا، وما هي السمات المهمة دون الحاجة إلى استثمار الكثير من المال والوقت، فليس هناك نوع صحيح أو خاطئ من MVP، بل الأمر متروك للمالك ليقرّر كيفية عرض الفكرة واختبارها لمعرفة ما يحبه الناس وما لا يحبونه، وكيفية نقل الفكرة إلى المستوى التالي.

من خلال تجربة MVP هذه، أدرك ريس أنّ منصته الأولى تعاني من أخطاء ومشاكل قد تعطّل أجهزة الحاسوب الخاصة بالمستخدمين. ورغم هذا كان مصممًا على الحصول على ملاحظات العملاء دون إنفاق الكثير من المال أو الوقت، وبمجرد بدئه هو وشركائه المؤسسون في تشغيل النظام الأساسي منخفض الجودة، فقد قرروا فرض رسوم على الخدمة، مع نيّة إرسال عشرات التغييرات إلى عملائهم المخلصين حتى يطوّروا منتجًا من شأنه العمل مع قاعدة عملاء أكبر، وقد تضمنت هذه التغييرات تعديلات، مثل: إضافة صور رمزية جديدة، وحركات أفاتار جديدة، وخيارات من الملابس، وعوالم جديدة لاستكشاف الصور الرمزية. وبهذا كانت IMVU رائدةً في هذا النهج البسيط لبدء التشغيل، والذي تستخدمه الآن المشاريع الجديدة في جميع أنحاء العالم. حيث باتت اليوم IMVU مؤسسةً ناجحةً مع أكثر من 55 مليون دولار من العائدات و50 مليون مستخدِم.

IMVU.jpg

الشكل 4.10: إريك ريس يتحدّث في محاضرة حول عملية الشركة الناشئة اللينة الّتي طوّرها عند إنشائه شركته الثانية. حفظ الحقوق: تعديل على Eric Ries TechCrunch Disrupt من kawanet / مشاعات ويكيميديا، تحت ترخيص CC BY 4.0

تبدأ الشركة الناشئة الليّنة بالمرحلة الأولى من بناء النسخة القاعدية من منتجها أو ما يرمز له بـ MVP اختصارًا لـ Minimum Viable Product الّتي تعني المنتج ذو الحد الأدنى، حيث تُقدّم هذه النّسخة الفوائد الأساسيّة دون الميزات الإضافيّة. وعلى هذا المبدأ، أنشأ هيوستن ومطوروه منصّةً أساسيةً للمستخدمين الأوائل لاختبارها، حيث كان المتبنّون الأوائل هم الأشخاص الذين يحبّون تجربة المنتجات الجديدة بمجرّد طرحها، فهم لا يمانعون على سبيل المثال في استخدام البرامج كثيرة الأخطاء، أو ذات التّصاميم غير المكتملة لأنهم مبتكِرون ويحبّون اختبار أشياء جديدة. لم ينشئ دروب بوكس منتجًا مثاليًا في البداية لأنّ المطورين لم يعرفوا ما سيكون حتى حصلوا على تعليقات المستخدمين، وبعد عمليات الاشتراك المبكّرة والتعليقات على النموذج الأولي الأول، تمكنوا من إنشاء الإصدار الأول من المنتج، ثمّ طوّروا نسخًا أخرى، أو إضافات، أو تغييرات على النّسخة ذاتها مستعينين بأفكار المستخدمين واقتراحاتهم.

زابوس Zappos هو مثال آخر لمشروع تطوير MVP، حيث أطلق نيك سوينمورن، مبتكر شركة الأحذية عبر الإنترنت، الفكرة في عام 1998 من خلال إنشاء موقع ويب بار بونس bare bones لبيع الأحذية، ثمّ حساب زيارات الموقع. وقد جاءته الفكرة بعدما فشل في العثور في مركز تجاريّ على أحذية من أنماط وألوان يُحبّذها، حيث توقّع خوض آخرين التجربة ذاتها، فكانت فرضيته الأولى هي اهتمام الناس بشراء الأحذية عبر الإنترنت، لذلك طلب من توني شيه، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة زابوس، الاستثمار في هذا المشروع الجديد. حيث قدّم شيه نصف مليون دولار لبدء الشركة، وبعد ذلك أنشأ سوينمورن صفحة ويب عادية بدأت بالصور الأساسيّة للأحذية وأسعارها، كما عمل أيضًا على تشغيل حملات إعلانية، وقياس زيارات الموقع، وضبط صفحاته، بدلاً من قضاء الكثير من الوقت في بناء خطة مفصّلة حول عمله، وقد ساعدته هذه الطريقة في إجراء تعديلات سريعة على المنتج، والسوق المستهدف، والإستراتيجيات باستخدام حلقة البناء والقياس والتعلم والبدء بـ MVP، تمامًا كما فعلت هيوستن.

بالتعمق في مرحلة البناء هذه، يمكننا ملاحظة أنّ الخطوات تأخذ رائد الأعمال من خلال دورة أو حلقة، تبدأ بتحديد المشكلة المطروحة وبناء MVP لإظهار عيّنة من المنتج للمستهلكين المحتملين ومعرفة كيفية تفاعله. كما قد يساعد بيع هذا المنتج منخفض الجودة أيضًا في قياس ردود فعل المستخدم في كثير من الحالات. يعمل مطوّرو البرنامج أيضًا على تطوير المقاييس أو القياسات الّتي تختبر افتراضاتهم، والهدف هو اختبار MVP مع السوق المستهدف من خلال طرح أسئلة حول التصميم، وقابليّة الاستخدام، والجوهر، أو مجموعة الفوائد والسّمات الأخرى التي تعزّز تجربة العميل.

على سبيل المثال، يمكن قياس مزايا التصميم المختلفة عن طريق سؤال العملاء عما إذا كانوا يحبون ميزةً أو مجموعةً من ميزات المنتج الذي يختبرونه، ويمكن تسجيل عدد الإعجابات أو عدم الإعجاب، كما يمكن جمع التعليقات حول الميزات الإضافية التي يجب إضافتها أو حذفها، وبمجرّد ورود التعليقات، يمكن للمصمّمين إجراء التّغييرات اللازمة. ليكونوا قادرين بعدها على الانتقال إلى المرحلة التالية، وهي قياس ما إذا كانت التغييرات الجديدة تساعد بالفعل في إحراز تقدّم.

يدعو ريس -بالإضافة إلى تقديم الحدّ الأدنى من المنتج- إلى استخدام مفهوم الحدّ الأدنى من التقييم المالي، والّذي يُسمّيه المحاسبة الابتكاريّة innovation accounting لتقييم ما إذا كانت التغييرات المبنيّة على اقتراحات العملاء تؤدّي إلى النتائج المرجوة، وهو ما يعني أنّ على رواد الأعمال ألّا ينظروا أولاً إلى المقاييس المالية الأساسية التقليدية للشركات - مثل المبيعات والأرباح وعائد الاستثمار - فهذه القياسات التقليدية ليست الأهمّ في هذه المرحلة، وبدلاً من ذلك يجب عليهم قياس التقدّم بطريقة مختلفة.

قد تشمل القياسات اختبار الافتراضات حول النشاط التجاري، والسمات التي يحبّها العملاء، والاشتراكات، ومعدّلات الاحتفاظ التي يمكن فصلها إلى مجموعات ، واختبارها أسبوعيًّا مثلًا، بينما تدخل تغييرات على المنتجات.

خلال مرحلة التعلم، يستخدم رائد الأعمال تعقيبات العملاء لتقييم تقدّم المنتج بطريقة موضوعية، حيث يُجري رائد الأعمال تغييرات على MVP ويبدأ الدورة مرةً أخرى حتى تصل العملية إلى نقطة، حيث تتسارع أو تحتاج إلى التحوّل.

وبما أنّّها مكوّن تعليميّ للشركة، تُعَدّ التّعقيبات مهمّة جدًا في العملية الليّنة، فهي تساعد الشركات على تصميم منتجات أفضل، وإطلاق نُسَخ أو إصدارات أحدث تخدم قاعدة العملاء بصورة أفضل، إذ تعمل الشركات مع المتبنّين الأوائل لفترة من الوقت قبل توسُّع تسوقها بمنتج أفضل وأقدَر على جذب المزيد من الناس لاستخدامه.

رائد أعمال في الميدان

جينيرال إليكتريك General Electric شركة كبيرة ولينة

شركة جينيرال إلكتريك هي شركة قائمة منذ سنوات عديدة، وتحمل ملفًّا تعريفيًّا ممتازًا من الشّركات تحت جناح الشّركة الأمّ، وقد أقنع إريك ريس هذا العملاق باستغلال حركة الشّركة النّاشئة الليّنة عبر التّعاون معه على برنامج جديد أسماه فاست ووركس Fast Works أو أعمال سريعة، وهو برنامج أنجزه لإضفاء مبادئ الابتكار الليّن على منهجيّة تطوير المنتجات في الشّركة، وذلك عبر تدريب الآلاف من الموظّفين على المنهجيّة، ومساعدتهم على تطوير المنتجات المرغوبة بوتيرة أسرع.

على سبيل المثال ، قامت جنرال إليكتريك بتحسين التوربينات باستخدام نهج ليّن من خلال طلب ملاحظات العملاء. احتاج العديد من العملاء إلى ميزات مختلفة، مثل الموثوقية المحسّنة، وكفاءة الوقود الأفضل، والتشغيل الأسرع. قرّر الفريق العامل في هذا المشروع استخدام فاست ووركس لتلبية جميع طلبات العملاء، حيث سيسمح لهم هذا النهج بتقصير عملية التطوير وتوفير أموال العملاء. عرف 300 عضو من فريق GE للتوربينات أنّ هذه ستكون مهمةً صعبةً، نظرًا لانتشارهم حول العالم وضرورة انتظار الموافقة قبل كلّ عمليّة. لذلك بدؤوا العمل باكرًا، وقد ركز البعض على تبسيط عملية الموافقة، بينما عمل البعض الآخر على نقاط الاختناق، وشجعوا المهندسين ذوي المستوى المنخفض على اتخاذ قرارات صعبة دون طلب الإدارة العليا، وبهذا سمح لهم هذان التغييران بالتحوّل بسرعة، مع جمع الملاحظات وإجراء التغييرات على التوربين بفعاليّة، وبعد استخدام فاست ووركس، خفّض الفريق وقت التطوير بمقدار الربع - من أربع إلى ثلاث سنوا، وبهذا وفّروا 5 ملايين دولار من الوقود سنويًّا لعملائهم، مع زيادة إيراداتهم بمقدار 6 ملايين دولار سنويًّا.

التكرار والعرض التقديمي والتحول

تستثمر العديد من الشركات وقتًا وجهدًا كبيرين في المشاريع التي تبدو أفكارها عظيمةً من الناحية النظرية، ولكنها تتخبّط عند طرحها في السوق، لذا تُعدّ طريقة بدء التشغيل الليّن طريقةً جديدةً لتطوير وإدارة المنتجات التي يريدها الأشخاص في فترة زمنية أقصر، فالشركات قادرة على التعلم من اكتشاف العملاء، والتحقق من صحة عدم عمل عرض أو قيمة المنتج وحاجته إلى تعزيز أو تغيير، فبعد معاناة ريس من أوّل خسارة تجارية له أدرك مشكلة الشركات التي تكرّس الوقت والمال على المشاريع التي رفضها المستهلكون، وأراد تحديد حلّ، لذا فعندما بدأ مجتمع الصور الرمزية لشركته الجديدة، مكّن فِرقه من وضع المنتج من خلال التكرارات وهي تغييرات صغيرة في إصدار واحد من المنتج، بحيث تجعله أكثر ملاءمةً لاحتياجات المستهلك، وباستخدام الدروس المستفادة من فشله الأول، فقد سعى إلى إنشاء نسخة أساسية من منتج يعمل جيّدًا بما يكفي لتوفير قِيمة أساسية للعميل، والحصول على تعقيبات العملاء، وإجراء تعديلات صغيرة حول ما يراه المستخدمون أكثر أهميةً، وبهذا سمح ذلك لـ IMVU بتعزيز المنتج بطريقة جعلت الشركة خطوةً بخطوة، أقرب إلى تقديم أفضل قيمة.

كانت إحدى التكرارات التي أثبتت نجاحها الهائل هي تعديل كيفية تحرك الصورة الرمزية عبر عالم الواقع الافتراضي الخاص بها، إذ لم يكن لدى الصور الرمزية الأصلية القدرة على التجول كما تفعل في ألعاب الفيديو الشائعة متعدّدة اللاعبين على سبيل المثال. وعلى الرغم من إدراكه لكون هذا عيبًا، فقد أرسل الإصدار إلى المستخدمين الأوائل وطلب التعقيبات، حيث أجاب العملاء بأنّ قلّة الحركة تشير إلى انخفاض جودة البرنامج، لكن مع ذلك رفض ريس وفريقه إجراء استثمار تقني كبير لهذه الحركة، لذا قرّروا تجربة تكرار صغير جدًا مثل بديل، فجعلوا الصورة الرمزية تختفي من نقطة البداية وتعاود الظهور في موقعها الجديد، وهنا استجاب العملاء بطريقة إيجابية، ورؤوا أنّ هذا أعلى جودة وأفضل مما كان موجودًا. فتبيّن أن التكرار السريع والمنخفض التكلفة هو أفضل طريق للنجاح.

بالإضافة إلى ذلك، وأثناء متابعة هذه العملية، يُروّج رائد الأعمال الفكرة للمستهلكين والمستثمرين المحتملين باستمرار، فقد يكون عرض الإعلانات مخيفًا لرواد الأعمال، إذ من الممكن إصابتهم بالتوتر عند التحدث أمام الناس، ومع ذلك فقد يكون الترويج بنفس أهمية بناء المنتج المناسب للهدف الصحيح، ولهذا يجب التدرّب عليه وإتقانه.

العرض التّقديميّ عمليّة يشرح فيها رائد الأعمال لفظيًّا فكرة أو خطّة عمل، مع تقديمه طلبًا موجّهًا إلى مجموعة من المستثمرين، أو العملاء، أو شركاء الأعمال المحتملين، وبصفتك رائد أعمال، فمعرفة كيفية عرض مفهوم عملك على المستثمرين هو أحد مفاتيح النجاح، ومع ذلك فإذا كنت تستخدم نهج الشّركة النّاشئة الليّنة، فمن المحتمل أن يكون عرضك التقديمي مختلفًا تمامًا عن العرض التقديمي العادي.

يتطلّب العرض التقديمي الليّن صياغة مقدم العرض لقصة مثيرة ومتطوّرة عن الشركة ومنتجها وما يجعلهما فريدين، مع عرض تفاصيل كافية لإظهار أنّ الشركة هي أكثر من مجرّد قصة في ذهن مقدّم العرض. ويتمحور النهج الليّن حول العميل، فيحاول معالجة مشاكله والخروج بحلول عمليّة، كما يقيس منتجه مرارًا وتكرارًا حتى يُصبح مناسبًا، ويجب للقصة توضيح عملية فهم العملاء بالإضافة إلى مشاكلهم وقضاياهم، وبعد ذلك يجب أن يكون هناك شرح للتكرار واختبارات التصميم والتعلّم من ملاحظات العملاء التي توضّح النهج الذي يركّز على العميل، كما يجب إظهار التجارب والبيانات والإحصاءات لإثبات تقدّم الشركة؛ في حين يقدّم رائد الأعمال في العرض التّقديمي الاعتياديّ تفاصيل المنتج، وعمليّة إطلاقه المستقبليّة، ثمّ يطلب استثمارًا دون اختبار للافتراضات أو امتلاك للكثير من البيانات أو التجارب لإظهار أنّ الفكرة ستنجح. تتطلّب العروض التقديمية الليّنة الناجحة على نحو متزايد توفُّر نوع من الأدلّة لدى المقدّمين تُثبت صحّة نموذج أعمالهم فهذا يدعم رؤية المشروع.

يبحث العديد من المستثمرين عن الشركات التي استثمرت وقتًا وكسبت قاعدة عملاء معتبرة، فهم مهتمّون خصوصًا بأولئك الذين يعرفون أرقام مبيعاتهم، وتكاليفهم، وتوقّعات مبيعاتهم، ولديهم سجل حافل من زيادة المبيعات والعملاء والأرباح. يوضح الجدول 1.10 تفصيلا بالخطوة للترويج للمستثمرين والشركاء المحتملين.

العرض التّقديمي للشّركة النّاشئة الليّنة

الخطوة النّصائح
اسرد قصّة محمّسة تنتقل بسرعة إلى نتائج ملموسة. لا تقدّم عرض بيع. كن نفسك بالانفتاح والمصداقيّة، واحبِك قصّةً محمِّسةً ومُحكَمة السّرد لتشُدّ جمهورك، وقدّم فكرتك على أنّها نشاط قائم ونشيط ليعرف المستثمرون من البداية استخدامك لتقنيات الشّركة النّاشئة الليّنة.
صف المشكلة والحلّ المقَدّم، وما يفرّدك عن سواك. عرّف المشكلة الّتي تحاول حلّها بوضوح، وكيف تعمل على حلّها بأفضل الحلول قياسًا واختبارًا.
صف السّوق المستهدف وكيف سيستفيد من منتجك. أظهر فهمك لعميلك المحتمل بإظهار تعقيبات العملاء الّتي حصلت عليها، وأعط أمثلةً عن تطوير منتجات مبكّرة، وشارك تعقيبات العملاء الّتي ساعدت على إدماج فوائد جديدة، مع إظهار المنتج مركّزا على الفوائد لا الميزات.
أظهر مكانتك عبر الحقائق والنّتائج المحقَّقة. أظهِر بحوثًا إضافيّةً، واختبارات، وتعقيبات العملاء، وأيّ شيء يمكنه دعم ادّعاءاتك، مع إظهار معطيات واقعيّة. ركّز على الحقائق المدعومة والتوقّعات المثبتة، مع وصف التحدّيات المبكّرة وكيف تكيّفت َمعها دون استسلام.
كن بسيطًا. لا تستخدم لغةً معقّدة، واشرح الفكرة كما لو كنت تسردها على غريب يجلس إلى جانبك في مقهى.
أظهر التقدّم الحاليّ. أظهر ما حقّقته إلى الآن من مبيعات وأرباح.
أَنْهِ العرض بالطّلب. أَنْهِ عرضك التقديميّ بتحديد ما تطلبه سواء كنت تبحث عن استثمار، أو شريك، أو فرد جديد ينضمّ إليك، أو مستشار. المهمّ أَنْهِ بالطّلب.

الجدول 1.10

بعد الانتقال بعناية خلال حلقة البناء والقياس والتعلم، تأتي نقطة حيث تتّجه الشركة إمّا للتسارع، أو إدراك أنّ الوقت قد حان للتحوّل، والتحوّل أو Pivoting هو تغيير غالبًا ما يكون صعبًا وحاسبًا، تنتهجه الشّركة لاختبار فرضية تتعلّق بالمنتج الأساسي، وإمكانات نموّه ونموذج العمل، وبعد اختبار المنتج وإعادة اختباره للتغيرات إمّا في سلوك المستهلك، أو في أيّ مقياس تختاره الشّركة، فإذا كان المنتج لا يحقق النمو، فالخطوة التالية هي التحوّل بدلاً من الاستمرار في المسار الحالي.

هذا هو الوقت المناسب لاتخاذ قرارات صعبة، فهل يجب عليك الاستمرار في العمل في هذا النّشاط، أو المنتج، أو المشروع؟ أم عليك التّغيير؟ هل تُحرز الشركة تقدمًا نحو أهدافها؟ أم أنّ الإستراتيجيات تحتاج إلى تعديلات كبيرة؟ بينما تُجمع البيانات القابلة للقياس، مثل: إبداءات الإعجاب وعدم الإعجاب، أو عدد الاشتراكات خلال مرحلة نُسمّيها ببساطة مرحلة القياس. كما تحتوي عملية الشّركة النّاشئة الليّنة أيضًا على مكوّن إبداعي، وبديهي، وبصيريّ، فمعرفة وقت التغيير لا يمكن تحديده فقط من خلال تحليل الأرقام، بل يتطلّب أيضًا حُكمًا بشريًا قد ينتشل الشركة من أدائها السيّء عند اقترانه بصيغة البناء - القياس - التعلم.

إذا كان العمل التجاري لا ينمو، فهو يتقلص أو يركد، وهنا سيتطلّب التحوّل وجود قدم على الأرض وأخرى متحرّكة، ما يعني احتفاظك بما تعلّمته من العملاء مثل أساس، لكنك تختبر اتجاهًا مختلفًا للتحرك فيه. وفيما يلي أمثلة على تحوّلات شهيرة:

  • تحوُّل تويترTwitter إلى عملاق وسائط اجتماعية من شركة تدعى أوديو Odeo، وهي منصّة بث أُنشئت في البداية لنقل الفيديو والصوت والبودكاست، ومع ذلك فقد هزمتها آبل Apple من خلال إطلاق بودكاست iTunes، ولم يكن من المنطقي بالنسبة لمؤسّسي الشركة متابعة هذا المسار، لذلك قرّروا إنشاء تويتر بدلاً من ذلك.
  • سمحت بايبال PayPal (المعروفة سابقًا باسم كونفينيتي "Confinity") للأشخاص بإرسال مدفوعات إلكترونية أو مدفوعات "بيم"، من بالم بيلوتس Palm Pilots وهو أوّل مساعد رقميّ أنشأته شركة بالم كومبيوتينج Palm Computing، وكذلك من أجهزة أخرى. في ذلك الوقت، سجل مستخدمو بايبال رقم بطاقة، ونزّلوا تطبيق الحُزمة، وتمكّنوا من إجراء مدفوعات التحويل من جهاز إلى آخر، ولكن مع تغيّر التقنيّة، اندمجت مع إكس دوت كوم X.com لتُصبح طريقة الدفع المفضّلة على الكثير من المواقع، ممّا يساعد الشركة على الانتقال إلى الاتجاه السائد.

قد تتساءل، كم مَرّةَ قد تتحول الشركة فيها؟ يُحبّ ريس استخدام تشبيه مدرج الطّائرة، بمعنى يجب عليك قياس المدة التي لديك حتى تتمكن شركتك من تحقيق أهدافها، وما إذا كنت ستفشل في التّحليق (استنفاد جميع مواردك النقدية) أو تنجح فيه (توليد المبيعات، الاشتراكات، استقطاب عملاء جدد)، ويمكن حساب المدرج بأخذ المبلغ النقدي الموجود في البنك وقسمته على المبلغ الذي يُنفق أو يُستنزف على هذا الرصيد، ولذلك فإذا كان لدى شركتك 550 ألف دولار في البنك، وكانت تستنزف أو تستهلك 50000 دولار شهريًا، فلديك وقت متوقَّع قدره 11 شهرًا (550.000 / 50000)، وتتمثل إحدى طرق إبطاء استنزاف السيولة - وتمديد المدرج - في خفض بعض التكاليف أو مطالبة المستثمرين بنقود إضافية.

هناك أيضًا أنواع مختلفة من التحوّلات لتلبية الاحتياجات المختلفة، ويوضّح الجدول 2.10 عشرة تحوّلات يمكن لرائد الأعمال القيام بها وفقًا للتّعقيبات.

أنواع التحول

استراتيجية التحوّل الوصف
التّكبير ميزة واحدة في المنتج تصبح منتجًا بأكمله.
التّصغير عكس الأولى، إذا لم تكفِ ميزة واحدة العميل، فينبغي إضافة ميزات أخرى إلى المنتج.
قسم العملاء حاجة إلى تغيير قسم العملاء في حالة كان القسم المدروس غير موافق لمن سيشتري المنتج على نطاق واسع.
حاجة العميل تظهر التّعقيبات عدم أهمية المشاكل المحلولة، لذا ينبغي إعادة خلق مكانة المنتج، أو تصنيع غيره ليَحلّ مشكلةً حقيقيّة.
المنصّة ضرورة الانتقال من منصة إلى تطبيق أو العكس، حيث تبدأ الشّركات النّاشئة عادةً منصّتها بما يسمّى "التّطبيق القاتل" الّذي يصبح لاحقًا طريقةً للشّركات الأخرى لإنتاج منتجاتها الخاصّة.
بنية العمل هذا تغيير من هامش عال مع حجم صغير إلى هامش منخفض مع حجم كبير.
جذب القيمة هذه تغييرات في كسب المال، أو كسب القيمة (رفع رأس المال).
محرّك النموّ عندما تُغيّر شركة ناشئة محرّك نموّها، وتتطلّب الشركة عادةً تغييرًا في الطّريقة الّتي تجمع بها إيراداتها.
القناة تُغيّر قنوات التّوزيع عندما يتطلّب المنتج بدائل أسرع أو أوسع للوصول إلى المستهلكين. وقد أصبحت الإنترنت مخرّبًا ممتازًا للقنوات.
التّقنية تحقيق حلّ في بعض الأحيان يخدم العملاء بطرائق أرخص عبر استخدام التقنيّة. وهذا أشهر في الشّركات القائمة لمدّة من الزّمن.

الجدول 2.10

رائد أعمال في الميدان

نينتندو Nintendo

كان من الممكن ضياع نينتندو في عالم الألعاب لولا تحوُّلها في وقت حسّاس جدًّا، لقد بدأت الشّركة المنشأة سنة 1889 في كيوتو باليابان أعمالها بتصنيع هانافودا أو بطاقات الزّهرة (الشّكل 5.10)، حيث ازدهرت كثيرًا إلى حين تراجُع صناعة أوراق اللّعب في ستّينيّات القرن الماضي، فحاول فوساجيرو ياماوشي مؤسِّس الشّركة التحرّك إلى أسواق أخرى بتقديم خدمات فنادق وسيارات أجرة، لكن فشلت هذه التحوّلات وكادت الشّركة تقفل أبوابها، ومع ذلك واصلت تصنيع بطاقاتها مع إضافة غطاء بلاستيكيّ، وبفضل عقد مع ديزني Disney، دخلت نينتدو سوق أوراق الشّخصيّات.

صارعت الشّركة الفشل، إلى حين إنشاء أحد مهندسي خطوط الإنتاج جهازًا أعاد إحياء المبيعات، حيث صمّم لعبةً تسمّى The Ultra Hand بمعنى اليد القصوى، والّتي يمكن للأطفال استخدامها للوصول إلى أشياء بعيدة، وبعد بيع مليون نسخة منها، غيّرت الشّركة تسمية نفسها إلى نينتندو للألعاب Nintendo Games ودخلت سوق الألعاب المتنامي.

حقّق اقتحام الشّركة سوق ألعاب الفيديو أول نجاحاته بنشر لعبة التّلفزيون الملوّن بلوك بريكر Block Brealer بمعنى كاسر اللّوح، سنة 1977 (صورته في الشّكل 5.10). وفي 1981، عندما كانت التّكنولوجيا تُغيّر صناعة الألعاب، أنتجت نينتندو لعبة دونكي كونج Donkey Kong، ثمّ تبعتها لاحقًا باللّعبة الأشهر الأخوان ماريو Mario Brothers، وبفضل هذا التحوّل الكبير، تبلغ قيمة نينتندو الآن 22 مليار دولار، وتُواصل الازدهار على رأس شركات الألعاب العالميّة.

Nintendo.png

الشكل 5.10: بدأت نينتندو شركةً صغيرة أنتجت بطاقات هانوفادا، وكاسر الألواح. وهي الآن إحدى أكبر الشّركات في مجال الألعاب بقيمة تفوق 22 مليار دولار. حفظ الحقوق: أ) تعديل على Koi-Koi Setup من Aldaron / Wikemedia Commons, CC BY-SA 3.0. ب) تعديل على Nintendo-Color-TV-Game-Blockbreaker-FL من Evan-Amos / Wikemedia Commons، Public Domain

ترجمة -وبتصرف- للفصل Launching the Imperfect Business: Lean Startup من كتاب Entrepreneurship.

اقرأ ايضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...