منذ بضعة أيام توصلت إلى نتيجة مهمة، وهي أن نجاحك كمؤسس شركة ناجحة يتوقف على كلمتين: الدهاء العنيد.
حتى ذلك الحين كان أفضل ما استطعت الوصول إليه هو الكلمة المقابلة لكلمة: قليل الحيلة hapless، والتي تترجمها معظم القواميس بمعنى "قليل الحظ"، لكن القواميس لا تُترجم بشكل صحيح هنا، فإنه إذا كان فريقٌ ما يستطيع التغلب على خصمه في الملعب لكن يخسر المباراة بسبب قرار خاطئ للحكم فهذا يمكن تسميته سيء الحظ، لكن ليس قليل الحيلة.
قليل الحيلة تعني السلبية، فكونك قليل الحيلة يعني انهزامك تحت وطأة الظروف من حولك، وأن تجعل العالم يتحكم فيك بدلاً من أن تتحكم أنت فيه [1].
لسوء الحظ فإنه لا يوجد كلمة مضادة لـ "قلة الحيلة"، مما يجعل من الصعب أن تخبر مؤسسي الشركات عما يجب أن يطمحوا له، فعندما تقول لهم "لا تكونوا قليلي الحيلة" فقد أوحيت لهم بأمر سلبي فقط..
ليس من الصعب التعبير مجازًا عن المهارة التي نبحث عنها، وأفضل تعبير عن ذلك هو مثال "running back" في كرة القدم الأمريكية، لتشغل هذا المنصب بشكل جيّد لا يكفي فقط أن تكون عنيدًا، لكن أن تكون مرنًا كذلك، تريد أن تصل إلى مرمى الخصم، لكن تستطيع أن تغير خططك في الطريق.
للأسف هذا مجرد مجاز، وليس ذا معنى مع غالبية الناس خارج الولايات المتحدة الأمريكية، فقولك لأحدهم "كن running back" ليس أفضل من قولك "لا تكن قليل الحيلة".
لكن أخيرًا، استطعت أن أصل إلى التعبير المناسب لهذه الكلمة مباشرة، فعندما كنت أكتب كلمة لألقيها أمام بعض المستثمرين، وكنت مضطرًا أن أشرح لهم ما الذي ينبغي أن يبحثوا عنه في مؤسسي الشركات الناشئة، توقفت عند سؤال: ما هو المعني المقابل لكلمة "قلة الحيلة"؟ إنه "الدهاء بلا هوادة" relentlessly resourceful، ليس مجرد الجَلَد الذي يُرافق الأمر، فهذا ليس كافيًا لجعل الأمور تجري لصالحك إلا في بعض المجالات الرتيبة، أما في أي مجال ممتع آخر فستكون الصعوبات جديدة، ما يعني أنه لا يمكنك ببساطة أن تتجاوزها لأنك لا تدري من البداية كم هي صعبة، إنك لا تدري إن كنت ستصطدم بلوح من الفلين أو من الجرانيت، لذلك لابد أن تكون ذا دهاءٍ وحسن تصرف، وينبغي عليك أن تجرب دائمًا حلولاً جديدة.
باختصار..كُن داهيةً عنيدًا.
يبدو ذلك صحيحًا، لكن هل هذا وصفٌ دقيق لكيفية أن تكون ناجحًا بشكل عام؟ لا أظن ذلك، فهذه ليست وصفة للنجاح في الكتابة أو الرسم مثلًا، ففي أنواع كهذه من العمل فإن وصفة النجاح تعتمد أكثر على كونك شغوفًا ومبادرًا بشدة. الدهاء في التصرف يعني أن المشاكل هي من مصادر خارجية، وهذا هو نوع المشاكل الذي نجده عادةّ في الشركات الناشئة، لكن في الكتابة والرسم فإن المشاكل غالبيتها داخلية، والعائق الحقيقي هو ما تضعه أنت لنفسك من مثبّطات[2].
ومن المحتمل أن يكون هناك مجالات أخرى تصلح فيها وصفة النجاح هذه، لكن بالرغم من أن مجالات أخرى قد تشترك فيها، إلا أني أرى أنها أدق وأصغر وصف ممكن لما يُمكن أن يجعلك مؤسس شركة ناشئة ناجح، وأشك أيضًا في إمكانية اختصارها وجعلها أكثر دقّة من ذلك.
والآن لقد عرفنا ما نبحث عنه، مما يدفعنا لأسئلة جديدة، مثلا: هل يمكن تعليم هذه المهارة؟ بعدما أمضيت أربع سنوات في محاولة تعليمها للناس، أستطيع القول أنه بالفعل يمكن تعليمها، ولغالبية الناس أيضًا، ليس للجميع، لكن للغالبية منهم [3]. بعض الناس سلبيون بالفطرة، لكن البقية لديهم قدرة كامنة ليكونوا أصحاب دهاء وحسن تصرف ويكفي فقط أن نُخرج ذلك للنور.
وهذا صحيح خاصة مع الشباب حديثي السن الذين لا يزالون بشكل أو بآخر تحت نوع من أنواع السيطرة، فصفة الدهاء العنيد ليست بالطبع وصفة النجاح للشركات الكبيرة، ولا في معظم المدارس، لكني لم أرِد حتى التفكير في ماهية وصفة النجاح في الشركات الكبيرة، لكنها بالتأكيد ستكون وصفة أكبر وأكثر تشويشًا، متضمنة فيها خليطًا من الدهاء، الطاعة، وبناء الأحلاف.
إن تحديد هذه المهارة يقربنا أيضًا من إجابة سؤال يحتار الناس فيه: ما هو العدد الشركات الناشئة التي يُمكن إطلاقها؟ لا يوجد في الحقيقة –كما يظن بعض الناس- حدًٌ أقصى لهذا العدد اقتصاديًا، ولا يوجد سبب لنؤمن أن هناك حدًا أقصى لأكبر عدد ممكن من مستهلكي الرفاهية، تمامًا مثلا أنه لا يوجد حدّ أقصى لعدد النظريات الرياضية التي يمكن إثباتها، لذلك فإن العامل المُحدِّد لعدد الشركات الناشئة هو عدد المؤسّسين المُحتملين في السوق، فبعض الناس يمكنهم أن يكونوا مؤسسين جيّدين، والبعض الآخر لا يُمكنهم ذلك، والآن يمكننا القول بما يصنع المؤسس الجيد، ونستطيع أن نضع حدًا أقصى لحجم السوق الذي يحتويهم.
هذا الاختبار يصلح أيضًا للأفراد، فإذا أردت أن تعرف إذا كنت الشخص الأنسب لإنشاء شركة، فاسأل نفسك إن كنت ذا دهاءٍ عنيد أم لا، وإذا أردت أيضًا أن تعرف إذا كان ضمّ شخص ما كمؤسس شريك، اسأله إذا كان لديهم هذه الصفة أيضًا أم لا.
تستطيع أيضًا استخدام هذه الحيلة في خططك الداخلية، فإذا كنت أدير شركة ناشئة، فستكون هذه هي الجملة التي سأعلقها على المرآة.
"أن تصنع شيئًا يريده الناس" هذا هو المقصد، أما "أن تكون داهية عنيدًا" فهو كيفية الوصول إلى هناك.
هوامش:
أعتقد أن سبب خطأ القواميس هو أن معنى الكلمة قد تغير، فلا يستطيع من يكتب قاموسًا من الصّفر في عصرنا هذا أن يُعرّف قلة الحيلة بأنها سوء حظ، لكن منذ بضع مئات السنين قد يكون هذا صحيحًا، فقد كان الناس في الماضي تحت رحمة الظروف، وكنتيجة لذلك فإن كثيرًا من الكلمات التي نستخدمها للتعبير عن النتائج الإيجابية أو السلبية كان لها أصول مرتبطة بالحظ.
عندما كنت أعيش في إيطاليا كنت أحاول أن أخبر إحداهم أني لم أحظ بالنجاح في عملٍ ما، لكني لم أستطع العثور على كلمة بالإيطالية تعني النجاح، وأمضيت معظم الوقت أحاول إيصال المعنى الذي أريده، وأخيرًا قالت هي: "نعم، تقصد الحظ".
هناك بعض الجوانب في الشركات الناشئة تكون فيها وصفة النجاح هي الشغف والمبادرة، وهنا بعض الحالات التي يكون ما تفعله فيها هو ببساطة اكتشافًا جديدًا، لكن للأسف هذه الحالات تمثل نسبة ضئيلة من الكل. على جانب آخر نجد نفس الأمر في البحث أيضًا
كنت أقول ذلك لمعظم الناس، لكن أدركت التالي:
أولًا: أنا لا أعرف طبيعة أغلب الناس.
ثانيًا: أنا مؤمن بشكل مَرَضي بقدرة الناس على التغيير.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال: Relentlessly Resourceful لصاحبه Paul Graham (بول جراهام) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اطّلع على باقي مقالات بول جراهام المترجمة إلى العربية
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.