اذهب إلى المحتوى

إنّ رأي المرء في نفسه، وتصوّره عن حدود إمكانيّاته، كلاهما يؤثّران في مدى نجاحه الفعلي. والعقليّة التي يملكها هي ما يصنع الفرق في رؤيته للكوب نصف ممتلئ أو نصف فارغ.

اشتهرت فكرة "العقليّة السّاعية إلى النّموّ" ضدّ "العقليّة الثّابتة" بفضل عالمة علم النفس في ستانفورد كارول دويك في كتابها "العقلية: سيكولوجيّة النجاح الجديدة" الّذي يلخّص سنوات بحثها العديدة حول فكرة أنّ تغيير معتقداتنا -حتى تلك الصّغيرة منها- يمكن أن يغير حياتنا تمامًا. يفترضُ ذو العقلية الثابتة أن كل شيء عنا (ذكاءنا، قدراتِنا الإبداعيةَ …إلخ) ثابتٌ ولا يمكن تغييره مهما رغبنا في ذلك. الأشخاص الذين لديهم هذا النوع من العقليات يفعلون أي شيء لتجنب الفشل، وهم يركّزون بشدة على الظّهور بمظهر الأذكياء العارفين بكلّ شيءٍ. لذا يتجنّبون التحدّيات، ويشكّكون في أنفسهم كثيرا، ويستسلمون بسهولة.

العديد من النّاس ذوي عُقد النّقص يمتلكون هذه العقلية (بما في ذلك أنا - يقول كاتب المقال-). ونتيجةً لعُقد النّقص وتلك العقلية الثّابتة، تراهم يَثبطون بسرعة، ونادرًا ما يبلغون الاستغلال الأمثل لإمكانياتهم الكامنة.

على النّقيض، ترى ذوي العقلية السّاعية للنمو، مقبلين على التحدّيات بحماس، متعطّشين للتعلّم، ورافضين للاستسلام. هم يركّزون على النموّ الشّخصي، والتحسّن المستمر. ونتيجةً لذلك، ينتهي بهم المطاف بنجاحاتٍ أكبرَ في الحياة.

تتشكّل هذه العقليات فينا في سنٍّ مبكّرة، وتؤثّر على علاقاتِنا، الشّخصية منها والمهنية. وكذا على مواقفنا في مواجهة الفشل، وعلى سعادتنا.

FixedVsGrowth.png

هكذا تشرح دويك الأمر في كتابها:

اقتباس

على مدار عشرين عاما، أظهر بحثي أنّ الرّؤية الّتي تتبنّاها لنفسك تؤثّر بعمق في طريقة تسييرك لحياتك. كما يمكنها تحديد إذا ما كنت ستصبح الشّخص الّذي تسعى أن تصبح، وإذا ما كنت ستحقّق الأشياء الّتي تقدّرها. فالإيمان بأنّ مزاياك محفورة في الصّخر - العقلية الثّابتة - يدفعك لمحاولة إثبات نفسك مرارًا وتكرارًا. فتفترضُ أنّ امتلاكَكَ قَدْرًا من الذّكاء، وملمحَ شخصية متفرّدة، وشيئا من الأخلاق الحميدة، يوجبُ عليك إذن إثبات أنّك تمتلك قدرا كافيا منها جميعا.

وهكذا، كلّ موقف يدعو إلى إثبات ذكاء ذوي العقلية الثّابتة، وتأكيد قوّة شخصيتهم أو حسن أخلاقهم. فتراهم يقيّمون كلّ موقف: هل سأنجح أم سأفشل؟ هل سأبدو ذكيًّا أم غبيًّا؟ هل سأُقبَل أم أُرفَض؟ هل سأشعر بأنّني ناجح أم فاشل؟

هناك عقليَّةٌ أخرى لا ترى أنّ هاته السّمات قدَرٌ محتوم يتعيّن عليك التّعايش معه، ومحاولةُ إقناع نفسك والآخرين أنّك تمتلك منه ما يكفي، بينما حظّك منه في الحقيقة قليل. أصحاب هذه العقلية يرون أنّ ما تمتلكه ليس سوى نقطة الانطلاق على مضمار التطوّر. عقلية النّموّ هذه مبنيَّةٌ على الإيمان بأنّ خصائصك الأساسية أشياء يمكنك تطويرها باجتهادك… هل يؤمن هؤلاء بأنّ بإمكان أيّ شخصٍ أن يصبح ما يشاء؟ أو أنّ امتلاكَ أيٍّ كان للحافزِ أو التّعليم المناسب يخوّلُهُ أن يصبح آينشتاين أو بيتهوفين؟ بالطبع لا. لكنّهم يؤمنون أنّ حدود إمكانيات المرء غير معروفة (وغيرُ قابلةٍ لأن تُعرف)، وأنّه من المستحيل توقّع ما يمكن تحقيقه مع سنواتٍ من الشّغف والجدّ والتّدرب.

الفرق الرئيسي هو أنّ الأُلَى يمتلكون عقليَّةً ساعيةً للنّموّ لا يعُدّونَ إخفاقهم فشلا، بل يرونه تعلّمًا. ذلك الخوف الدّائم من الفشل هو ما يُحبِط تقدّم ذوي العقليّة الثّابتة. وكذا عقدة النّقص تلك الّتي تجعلك تتساءل دوما كيف يراك النّاس. كما قد يؤثّر امتلاك عقلية ثابتة تأثيرًا عميقا في محيط العمل، ويؤثّر حتّى على كيفية تلقّي تعقيبات الموظّفين.

تأثير العقليتين على تعقيبات الموظفين

يصبح بحث الدّكتورة دويك أكثر إثارة للاهتمام حين يتعلّق الأمر بتعامل هاتين العقليّتين مع تعقيبات الموظّفين. إذ استدعت عيّنات بحثها من الموظّفين إلى مختبرها مجدّدا لدراسة تفاعل الدّماغ مع تلقّي التّعقيبات بعد إجابتهم على أسئلة صعبة.

خرجَتْ من ذلك بنتيجة أنّ ذوي العقليات الثّابتة تجاهلوا المعلومات الّتي يمكن أن تساعدهم على التحسّن. بل والأسوء أنّهم لم يستمعوا إلى الإجابة الصّحيحة للأسئلة الّتي أخطأوا فيها إجابةً خطأ، لأنّهم صنّفوها مسبقا في خانة "الفشل". لقد أذعنوا بالاستسلام بالفعل.

أمّا من ناحية أخرى، فإنّ أولئك الّذين يحملون عقليّةً ساعيةً للنموِّ اهتمّوا بالمعلومات التي يمكن أن تساعدهم على توسيع معارفهم، وسعوا في أثر التّعقيبات حتى وإن أجابوا خطأً، لأنّهم رأوا في ذلك فرصة للتعلّم والتطوّر.

إنّ تركيز ذوي العقليّة السّاعية للنموّ ينصبّ على النموّ وحده، بينما كان ذوو العقلية الثّابتة مركّزين على الفشل.

إنّ هذا مثيرٌ عندما يتعلّق الأمر بتلقّي موظّفٍ للتّعقيب، ولكن ماذا عن المديرين؟

ماذا يحصل إذا كانت عقليّتك ثابتةً، وكنتَ مسؤولاً عن تنميةِ وتطويرِ فريقِ عملٍ؟

يمكنني -يقول الكاتب- أن أرى أنّ هذه مشكلة كبيرة في العديد من الشركات، أين لا يتلقّى الموظّفون التّوجيه الّذي يستحقّونه. وهذا يذكّرني بتجربة روبرت روزنتال النّقسية الشّهيرة سنة 1964 الّتي أشرك فيها معلّمي مدرسةٍ ابتدائيةِ. كان الهدف من التّجربة معاينة ما يحدث إذا أُخبِر المعلّمون بأنّ طلاّبًا معيّنين يمتلكون مقوّمات النّجاح.

جاء روزنتال باختبار ذكاء اعتيادي (IQ test)، وزيّف عنوانه إلى "فحص هارفرد للاكتساب غير الطبيعي". ثمّ قال للمعلّمين بأنّ هذا الفحص يمكّن من توقّع الأطفال الّذين كانوا سيشهدون تطوّرا في مقياس ذكائهم. اختار بعدها عيّنة عشوائية من الطلاّب وأوهم المعلّمين بأنّ أولئك الطلاّب يختبرون نموّا في مستوى الذّكاء.

اقتباس

"إذا توقّع المعلّمون اكتساب الأطفال معدّلات ذكاء أعلى، فإنّ الأطفال يكتسبون تدريجيا مستويات ذكاء أعلى." - روبرت روزنتال.

وجد بحثه أنّ تلك التوقّعات تؤثّر في تعامل المعلّمين اليومي مع الأطفال. فهم يعطون أولئك الّذين يتوقّعون نجاحهم وقتا أطول للإجابة وتعقيبات أكثر تحديدًا. وهذا درسٌ مهمّ لكلّ المديرين.

Attention.png

إذن فالسّؤال الّذي يطرح نفسه هو: كيف تكتسب عقليَّةَ نمو؟ سأشارككم بعض النّصائح، ولكنّ أهمّ شيء هو أنّ البداية هي رفع المرء من ثقته بنفسه.

الثقة هي البداية

نشرتُ -يقولُ الكاتب- منذ بضعة أشهر مقالا بعنوان "لماذا الثّقة هي سرّ النّجاح في الحياة؟ أين شرحتُ كيف يمنعنا نقص الثّقة من الكثير في الحياة.

إذا تعلّمتَ رفع ثقتك بنفسك فإنّك ستجهّز نفسك لاكتساب عقلية نموّ. والمفتاح هو أن تنتشل نفسك من عقلية عقدة النّقص. والقول هنا أسهل من الفعل، ولكنّك إن تعلّمت أنّ الفشل أمرٌ مسموح به، فأنت جاهز.

تبيّن لي بعد كلّ البحث الّذي قمتُ به تحضيرًا لهذا المقال، أنّ جذور تلك العقلية الثّابتة هو عدم تقديرك لنفسك. لذا فمن المهمّ أن تصبح قادرا على بناء تلك الثّقة بالنّفس عبر القيام بأشياء لتحسّن من نفسك، كالتّمارين الرّياضية، والتّفكير الإيجابي، والتأمّل …إلخ.

خمسة طرائق لاكتساب عقلية نمو

كما ذكرت آنفا، أنا أؤمن أنّ كلّ هذا يبدأ برفع ثقتك بنفسك. لكنّ ثمّة طرائقَ أخرى تمكّنك من اكتساب عقلية نموّ.

1. حادث نفسك

أصحابُ العقلية الثّابتة غالبا ما يناقشون أنفسهم: "هل يمكنني فعلا القيام بهذا؟ ماذا إذا فشلت؟ هل سيسخر مني الجميع؟". تعلّم كيفَ تُخرسً ذلك الصّوت. رُدّ عليه وأقنع نفسك: "بالطّبع يمكنني القيام بهذا، ولا أحد سيسخر منّي، هذا سخيف."

2. اعتبر الكوب نصف ممتلئ (فكر بإيجابية)

تذكّر دوما أنّ إخفاقَك في شيءٍ ما يفتح أمامك خيارين: إمّا أن تعتبره فشلاً، أو فرصة. الأمر عائد إليك. لذا حاول دومًا إيجادَ شيءٍ إيجابي في كلّ انتكاسة.

3. افرح بالانتصارات الصّغيرة

افهم أنّ كلّ شيءٍ عبارةٌ عن عمليّة تعلّم، لذا احتفل بانتصاراتك الصّغيرة، وذكّر نفسك بأنّك تتعلم كثيرًا. هكذا ستدرّب نفسك ببطءٍ على اكتساب عقليّة تعلّمٍ ونموٍّ دائم.

4. سطر لنفسك أهدافًا واقعية

من المهمّ أن تحدّد لنفسك توقّعاتٍ قابلة للتّحقيق. لعلّ الأهداف الّتي تضعها حاليا ليست مناسبةً لك، أو لعلّها طموحةٌ فوق اللاّزم، ما يهيّئك للفشل. لكنّك عندما تحقّق بعض الانتصارات السّريعة، ستواصل رفع ثقتك بنفسك.

5. مرن عقلك

ممارسةُ التّمارين مثل اليوغا أو التأمّل طريقةٌ رائعةٌ لتهدّئ نفسَك وتقوّي ذهنك. وهذا بدورهِ يساعدك على رفع الثّقة بالنّفس، ورؤية الأشياء أوضح، مما يساهمُ في اكتساب عقليّةِ نموّ.

هل لديك أيّة نصائح تساعد على اكتساب عقليّةِ نموّ؟

ترجمة -وبتصرّف- للمقال Why You Need To Develop A Growth Mindset لكاتبه: Jacob Shriar


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...