اذهب إلى المحتوى

في آخر عامين أو ثلاث، أستيقظ كلّ يوم صباحًا، أفتح حاسوبي المحمول وأنقر على الحرف "g" في شريط بحث مُتصفح جوجل كروم، وأضغط "enter" فيقوم المتصفح بتكملة الرابط إلى "growth.bufferapp.com" تِلقائيًا، كانت هذه عادةً يومية أتابع فيها إحصائيات Buffer من عدة جوانب، كالدخل، الأرباح، عدد الزوار، نشاطهم اليومي والشهري.

النُّمو، مضاعفة الأرباح، وتوسيع قاعدة بيانات زبائننا كانت من أولى أولوياتي، لكن مُؤخرًا ومنذ حوالي 4 أشهر بدأت أتساءل بِجدّية طارحًا ذاك السؤال البسيط: "لماذا النُّمو؟".

وادي السيليكون، ومبدأ النُّمو Traction

في صيف عام 2011، سافرت إلى مدينة سان فرانسيسكو برفقة جوال (مؤسس Buffer)، حينها لم تكن لدينا أدنى فكرة عن طريقة عمل الشّركات النّاشئة في وادي السيليكون، هناك أمضينا وقتًا رائعًا ومُشوِقًا، توسعت فيه نظرتنا عن عالم الشّركات النّاشئة في هذا الوادي، واكتسبنا الكثير من المعارف والمفاهيم الجديدة، وكان مفهوم "النُّمو" أبرز تلك المفاهيم.

كان مما تعلمناه كمبدأ يجِبُ اتباعه، أنه وضمن حديثك مع أي مُستثمر، شريك أو أي شخص آخر عن مشروعك جديد النشأة وعن عدد الزبائن كرقم أولي مثلًا، وجب اجتناب الحديث عن الرقم الأول (عدد الزبائن) دون تضمين نسبة النُّمو كرقمٍ ثانٍ وحتمِيّ، وكمثال حاليًا نتعامل مع 100 زبون مع نسبة زيادة شهرية تُقدر بـ 50 في المِئة، كما تبلغُ إيراداتنا مليون دولار سنويًا مع ارتفاع شهري يُقدر بـ 20 في المِئة. ومنه يُمكننا القول إن عدم الإشارة لنسبة النُّمو يجعلُ الرقم الأول تقريبًا بدونِ معنى.

عندما دخلت Buffer إلى حاضنة مشاريعAngelPad حينها بدأنا الاهتمام أكثر بمفهوم النُّمو، حيث كُنا نُركز على إبراز مُنحنى النُّمو خلال تقديم عُروضنا إلى المستثمرين، لأننا التمسنا منهم اهتماما كبيرًا بهذه المسألة، فإن لم نكن قد أعددنا واحدًا فكُنا شديدي الحرص على إنشاءه، ففي حالة عدم امتلاكنا لزبائن كُثر، كنا نعمل على إيجاد حُلول أخرى وتجريب شيء آخر كوقت بقاء الزبون مُتصلًا بالموقع مثلًا، بالإضافة إلى أن إبراز نسبة النُّمو واحدة من أهم المقاييس التي بفضلها تجعل المستثمرين يُؤمنون أن مشروعك يسلُك الطريق الصحيح، طريق التطور والنجاح وليس مُجرد فكرة عقيمة وجوفاء.

النُّمو، بين المحدُودية واللامحدُودية

خلال الأشهر القليلة الماضية تغيرت نظرتي ومفهومي لمُصطلح النُّمو، من نظرةٍ سطحيةٍ ومُجردة إلى أخرى أكثر شُموليًة وجِدية.

عندما نُلقي نظرة من حَولِنا، نلحظُ أن الكائنات الحية في تكاثُرٍ ونمُوٍ مُستمرٍ باستمرار الوقت، ولَعل أفضل مثال لذلك النباتات، فهي تبدأ بذُورًا ثم تراها تنمُو وتكبِر لتُصبح شيئًا عِملاقًا كأشجار الخشب الأحمر فارِعة الطُول.

من بين الأشياء المُلفتة للانتباه في مسألة النُّمو، تلك التي تتعلق بالمحدُودية، فبيولوجيًا، لا شيء ينمُو للأبد، فالنباتات والأشجار تتوقف عن النُّمو، وكذلك أجسامُنا، لكن هناك حالة واحدة استثنائية تتجسدُ فيها لنا لامحدودية النُّمو: مرض السرطان. فمن خلال فهمِي المحدود لهذه الظاهرة، أن الخلايا تستمِر في الانشطار والتكاثر وكأنها بذلك قد "تناست" بطريقة ما التوقف عن النُّمو.

من أروع الاقتباسات التي تُساعد على فهم أعمق لمعنى النُّمو:

"الرغبات الغريزية محدودة، لكن تلك المُستمدة من أفكار وآراء خاطئة من الممكن أن تكون لا محدودة،لا يملك الخطأ حدودًا له، فعندما تُسافر فمن المُؤكد أن تتوقّف رحلتك في مكان ما، لكن عندما تتُوه وتضيع، تُصبح طرقك غير محدودة. ... ولما تتساءل إن كان ما تصبو إليه يعتمد على رغبة طبيعية أولا اسأل نفسك إن كان بإمكانك التّوقّف عند حدّ ما أو لا. إن أنت اكتشفت بعد رحلة سفرٍ طويلة أنه لا يزال هناك هدف آخر يلوح في الأُفق، هنا، تأكد أنك تسير عكس الفِطرة" -سينيكا

فلو أسقطنا هذه المقولة، وبالأخص المقطع " إن أنت اكتشفت بعد رحلة سفرٍ طويلة أنه لا يزال هناك هدف آخر يلوح في الأُفق، هنا، تأكد أنك تسير عكس الفِطرة" على عالم الأعمال، الشّركات والمشّاريع النّاشئة لوجدنا بأنها ستخبرنا بالكثير. أيا كان المجال الذي تنشط فيه شركتك الناشئة فإنه وبغض النّظر عن الحجم الذي نمت إليه الشركة فإنك ترغب دائما في النّموّ أكثر. فلم يعد يبدو من المُمكن أن تُعلن آبل أو جوجل بأنهم قد نميتا بشكل كبير وأنمهما ستتوقّفان هنا.

تسريع عجلة النُّمو

المُثير للانتباه في هذه القضية بأننا في أغلب الحالات نُحاول تصنيع هذا النّمو، فالحُكومات ترغب في مُضاعفة الناتج المحلي الإجمالي والشّركات النّاشئة تود إبراز مدى تطورها ونجاحها، شخصيًا أفعل أي شيء مُمكن لتسريع وتيرة نُمو Buffer شهريًا.

اتضح لي مؤخرًا أنه في كل مرة أحاول العمل فيها على نُمو Buffer بشكل أكبر، أنني لا أركز فِعلًا على الأمور التي تُهم حقًا والتي لا أقوم بها والتي تُعتبر الأهم والتي يجب التركيز عليها. فُكل كل شيء يُصبح ذا هدف واحد ووحيد سواء تعلق الأمر باختبار ميزة أو مُنتج جديد، وحتى عند التسويق وتوظيف المزيد من الكفاءات، حيث أكتشفُ أن الهدف منها في الأخير هو تحقيق نُمو أكبر. بناء خاصية جديدة تهدف فقط إلى تسريع آلية النُمو يُعتبر من أكبر الطّرق التي تُلحق بها الشركات الناشئة الضّرر بأنفسها في عالم الشركات النّاشئة اليوم. المُشكل هو أننا لا نشعر بذلك إلا لمّا نتحدّث عن المُنتجات التي تحوّلت إلى وحوش (وهو أمر شبيه بفكرة السرطانات آنفة الذكر).

يُعتبر الابتعاد بشكل تدريجي عن دورة تصنيع النّمو اللامُتناهية من بين أكثر التّحدّيات سحرًا التي أخوضها، حيث أنني أشعر وكأنني بدأت أخفف قبضتي على أمر لم أكن أرغب بالإمساك به منذ البداية.

لا أزال مُؤمنًا بأهمية النُّمو، وأنه امتداد طبيعي لأي عمل مُنظم، لكني كُنت مُخطئًا بجعله النُقطة المركزية لكل ما أقوم به ولجعله "غير قابلًا للتّوقف في نقطة ما".

ملاحظة : هناك مصدران ساعداني على تغيير نظرتي إلى مسألة النّمو هذه : كتاب Reinventing Organizations والوثائقي The Economics of Happiness.

وأنتم كيف ترون وتيرة النُّمو في شركتكم؟ وهل تملكون مُنحنى يُبرز هذا النُّمو؟ وهل أنتم راضون عنه؟


 

ترجمة –وبتصرف-للمقال Why We Stopped Trying to Manufacture Growth at Our Startup لصاحبهLeo Widrich


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...