ما الذي يجعل من شركةٍ ما محطَّ احترامٍ وإعجاب ويُنظَر إليها كمسؤولةٍ اجتماعيًا؟ تنطبق تلك النظرة على الشركات التي تفي بالتزاماتها تجاه أصحاب المصلحة. وأصحابُ المصلحة هم الأفراد أوِ الجماعات التي على الشركة مسؤولياتٌ تجاههم، وأصحاب المصلحة في شركةٍ ما همُ موظفوها، وزبائنها، والعامّة من الناس، والمستثمرون فيها.
المسؤولية تجاه الموظفين
تتجسد المسؤولية الأولى لشركةٍ ما في توفير عملٍ للموظفين؛ إذ إنَّ أجمل ما يمكن للشركة أن تقدم للمجتمع هو إبقاء الناس موظفين وإفساحُ المجال والوقت أمامهم لقطف ثمار ما يؤدونه من عمل. وإضافةً إلى تلك المسؤولية الأساسية الملقاة على عاتق الشركات، على أربابِ العمل توفير بيئةٍ سليمة وآمنة تخلو من كل أشكال التمييز. وعلى الشركات كذلك أن تسعى إلى توفير الأمن الوظيفي قدر المستطاع.
وتمكِّنُ الشركاتُ الرائدة موظفيها منِ تخاذ قرارتٍ بأنفسهم، واقتراحِ حلولٍ لمشاكلها؛ إذ يعززُ ذلك التمكينُ القيمةَ الذاتية للموظف، والتي بدورها ترتقي بالإنتاجية وتقلل من التغيب عن العمل.
وتُجري مجلة فورتشين مرة كل عام، بالتعاون مع منظمة غريت بليس تو وورك (Great Place to Work)، تُجري بحثًا استقصائيًا، يستهدف الموظفين، حول أفضل الأماكن للعمل فيها في الولايات المتحدة. وقد تصدَّرَ القائمة لعام 2017 الشركاتُ التالية:
- جوجل (Google)
- ويغمان فود ماركتس (Wegmans Food Markets)
- إدوارد جونز (Edward Jones)
- جين تك (Genetech)
- سيلز فورس (Salesforce)
- أكيويتي (Acuity)
- كويكن لونز (Quicken Loans)
وتوفر بعض الشركات مزايا غير اعتيادية لموظفيها، فشركة التكنولوجيا الحيوية جين تك (Genentech)، مثلًا، تمنحُ موظفيها تعويضًا عنِ استخدامهم وسائل مواصلاتٍ بديلة للعمل في مقرها الواقع جنوب سان فرانسيسكو، إذ يمكن للموظفين هناك كسبُ اثنتي عشر دولارًا يوميًا مقابل القدوم إلى العمل مشيًا على الأقدام أو على الدراجة الهوائية. كما يكسب الموظفون الذين يأتون إلى العمل بسيارة أحد زملائهم، بدلًا من أن يستقل كلٌّ منهم سيارته الخاصة، ثمانية دولارات، أما من يأتون بشاحنة أحد زملائهم، فيكسبون اثنتي عشر دولارًا. وتوفر تلك الشركة بالإضافة إلى ذلك حافلة لنقل موظفيها ضمن سبعٍ وعشرين طريقًا حول منطقة خليج سان فرانسيسكو.
المسؤولية تجاه الزبائن
على الشركة لتغدوَ ناجحةً في بيئة الأعمال في يومنا هذا إرضاءُ زبائنها؛ إذ عليها أن تقدّم ما تعِدُ به، وأن تكون صادقة وصريحة في تعاملاتها اليومية مع الزبائن، والمورّدين، وغيرهم. وتكشف دراسةٌ حديثةٌ أن العديد من الزبائن، وخصوصًا المنتمينَ إلى جيل الألفية، يفضلون التعامل مع شركاتٍ وعلاماتٍ تجاريّة تتبنى مسؤوليّة اجتماعيًة في خدماتها، وتستخدم عملياتِ تصنيعٍ مستدامة (توظّف الطاقة النظيفة والمتجدّدة وتعتمد تقنيات إعادة التدوير)، وتطبق معايير عملٍ تجاري أخلاقية.
المسؤولية تجاه المجتمع
على الشركة أن تكون مسؤولة تجاه المجتمع كذلك؛ فهي ترفد المجتمع بالوظائف، والسلع، والخدمات، وتدفع الضرائب التي تذهب لصالح المدارس والمستشفيات وبناء الطرق وتحسينها. وقد خطَتْ بعض الشركات خطواتٍ إضافية للتعبير عنِ التزامها تجاه أصحاب المصلحة والمجتمع ككل بأن أصبحت تنتمي إلى ما يسمى سيرتيفايد بينيفت كوربوريشنز (Certified Benefit Corporations) أو بي كوربس (B Corps) اختصارًا؛ وهي الشركات التي يجري التحقق من أدائها وسياستها من قبل منظمة B Lab، وهي منظمة عالمية غير ربحية، تمنح مصدّقاتٍ تبيّن تبنّي المؤسسات لأخلاقيات العمل والتزامها بالمسؤولية الاجتماعية. وتُمنحُ تلك المصدّقة للشركاتُ التي تحقق أعلى معايير الأداء الاجتماعي والبيئي، والشفافيةِ تجاه العامّة من الناس، والمحاسبة القانونية، بالإضافة للشركات التي تجهد في توظيف مجال أعمالها وخدماتها مِن أجل حل المشكلات الاجتماعية والبيئية، وتعتمد في منحها لتلك المصدّقة على تقييمٍ للتأثير يصنِّف كلَّ شركة على مقياسٍ من 200 نقطة. ولتحصل شركةٌ ما على مُصدّقةٍ بوصفها Benefit Corporation، فعليها أن تصل إلى رقمٍ لا يقل عن 80 وأن تخضع لذلك التقييم مجددًا كل سنتين. وهناك ألفا شركة على مستوى العالم نالت هذا الترخيص بوصفها B Corps ومن بينها الشركات التالية:
ميثود (Method)، ودبليو إس بادجر (W.S Badger)، وفيش بيبول سي فود (Fishpeople Seafood)، وليب أورجانيكس (LEAP Organics)، ونيو بيلجم بروينغ (New Belgium Brewing)، وبن آند جيري (Ben & Jerry)، وكابوت كريميري كو-أوب (Cabot Creamery Co-op)، وكوميت سكيتبوردس (Comet Skatboards)، وإتسي (Etsy)، وباتاغونيا (Patagonia)، وبلام أورجانيكس (Plum Organics)، و واربي باركر (Warby Parker).
حماية البيئة
تعد الشركاتُ مسؤولةً عن حماية بيئة العالم الهشة وتحسينها؛ إذ تتعرض غاباتُ العالم إلى تدميرٍ سريع، فمع كل ثانية تمر، تُجرّد مساحةٌ تعادل ملعب كرة قدم من الأشجار، وتنقرض أنواعٌ من النباتات والحيوانات بمعدل 17 نوعًا كل ساعة. وهناك حاليًا ثقبٌ بحجم قارّةٍ في طبقة الأوزون، التي تشكّل الغلافَ الجوي الحاميَ للأرض. وكل يوم نرمي من القمامة أكثر بثمانين بالمئة مما كنا نرمي في العام 1960؛ ونتيجة ذلك، أصبح أكثر من نصف مطامر النفايات في الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة، مملوءًا تمامًا.
وبهدف إبطاء استنزاف موارد العالم الطبيعية، فقد غدتِ العديد منَ الشركات أكثرَ مسؤوليةً تجاه البيئة؛ فشركة تويوتا على سبيل المثال تستخدم حاليًا مصادر طاقة متجددة، مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الجوفية، وطاقة المياه، لتوليد الكهرباء التي تشغّل بها منشآتها. وعندما افتتحت شركة تويوتا مقرات جديدة لها تساوي مليار دولار في مدينة بلانو، التابعة لولاية تكساس في الولايات المتحدة، صرحت بأن مكان تلك المنشآت، البالغَ مساحته 2.1 مليون متر مربع، سيزوَّدُ بالطاقة النظيفة بنسبة 100%. ومن شأن ذلك مساعدة عملاق السيارات في تحقيق هدفه المتمثل في خفضِ انبعاثاتِ الكربون في عملياتها الإنتاجية كافّة.
أعمال الشركات الخيرية
تُظهِر الشركات مسؤوليتها الاجتماعية عبر الأعمال الخيرية أيضًا. وتتضمن الأعمالُ الخيريةُ للشركات المساهماتِ المالية، والتبرع بالتجهيزات والمنتجات، ودعم الجهود التطوعية لموظفيها. وتكشف إحصاءاتٌ حديثة أن قيمة الأعمال الخيرية للشركات في بعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة تتجاوز 19 مليار دولار سنويًّا. وتبرز شركة أمريكان إكسبريس كداعمٍ رئيس لمنظمة الصليب الأحمر الأمريكي، التي تعتمد كليًّا على ما تتلقاه من عطاءات خيرية تمكّنها من تنفيذ برامجها وتقديم خدماتها، التي تتضمن عمليات الإغاثة في الكوارث وإنقاذ عناصر القوات المسلحة في حالات الطوارئ، والخدمات المتعلقة بنقل الدم والأعضاء الحيوية، والإجراءات الخاصة بالسلامة والأمان. وقد مكّنتِ الأموالُ التي قدّمتها شركة أمريكان إكسبريس لمنظمة الصليب الأحمر الأمريكي هذه الأخيرةَ من تقديم الغوث الإنساني لعدد كبير من ضحايا الكوارث حول العالم.
وبعد إعصار كاترينا الذي ضرب منطقة ساحل الأمريكي، أرسلت شركة الدواء الألمانية (Bayer) خمسًا وأربعين ألف جهاز قياس مستوى سكر الدم لمرضى السكري دعمًا لجهود الإغاثة هناك. وخلال الأسابيع التي تلت كارثة الإعصار، ساهمت شركات أبوت (Abbott)، و ألكوا (Alcoa)، و ديل (Dell)، و ديزني (Disney)، و يو بي إس (UPS)، و والغرينز (Walgreens)، و وول مارت (Walmart)، وغيرها من الشركات بأكثر من 550 مليون دولار لصالح جهود الإغاثة في حالات الكوارث.
الصورة 2.5: تلفتُ السياراتُ الهجينة والكهربائية بالكامل، مثل سيارات تيسلا، الأنظار نحوها وتغير من طريقة قيادة السيارات في العالم. فتلك السيارات صديقة للبيئة أكثر من السيارات التقليدية، ولكنها أعلى سعرًا منها. إذ يوضح خبراءٌ أنه بعد الانتهاء من دفع تكاليف شحن تلك السيارات الهجينة بالكهرباء، ومصاريف التأمين، والصيانة، فإنها تكلّف آلاف الدولارات زيادةً عنِ السيارات التقليدية. هل تبرر الفوائد البيئية المترتبة على السيارات الكهربائية كلفةَ امتلاكها العالية؟ (المصدر: ستيف جرفيستون/فليكر/مشاع إبداعي)
مسؤوليات الشركة تجاه المستثمرين
إنَّ علاقة الشركات بالمسثمرين تتضمن كذلك مسؤوليةً اجتماعية. وبالرغم من أن مسؤولية الشركة الاقتصادية المتمثلة في تحقيق الربح قد تبدو الالتزام الرئيس الملقى على عاتقها تجاه حَمَلة الأسهم فيها، إلا ان بعض المستثمرين بات يشدد أكثر على أوجهٍ أخرى للمسؤولية الاجتماعية.
ويَقصُرُ بعضُ المستثمرين استثماراته حاليًا على السندات (مثل الأسهم) في الشركات التي تتوافق رسالتها وأهدافها مع عقائدهم ونظرتهم تجاه المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية؛ ويسمى هذا بالاستثمار الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، قد يستثني صندوقُ استثمارٍ اجتماعي سنداتِ كل الشركات التي تصنع منتجات التبغ أو المُسكِرات أو الأسلحة، أو تلك التي لديها تاريخ منِ انعدام المسؤولية تجاه البيئة. تختلف استراتيجيات الاستثمار الاجتماعي عن بعضها البعض؛ فبعض صناديق الاستثمار الاجتماعي الأخلاقية المشتركة لن تستثمر في السندات الحكومية لأنها تساعد في تمويل الجيش. وفي المقابل يشتري بعضها الآخر سنداتٍ حكومية بعيدًا عن تلك التحفظات، إذ يرى مديروها أن الأموال الفدرالية تدعم الفنون وتموِّل الأبحاث المتعلقة بمرض الإيدز على سبيل المثال. واليوم تساوي الأصولُ المستثمرة تحت مظلة استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية في الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة أكثر من 7 تريليون دولار.
وقد حاولتِ الشركاتُ خلال السنوات العديدة الأخيرة الالتزام بمسؤولياتها تجاه المستثمرين فيها وتجاه أصحاب المصلحة أيضًا، وربما يعود سبب ذلك جزئيًا إلى الركود العالمي الذي ساد بين عامَي 2007 و 2009. وتكشف دراسة حديثة أن الرؤساء التنفيذيين اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، يُطلَب منهم تحقيق معايير أعلى من قِبل مجالس الإدارة، والمستثمرين، والحكومات، ووسائل الإعلام، وحتى الموظفين، فيما يتعلق بمُساءلة الشركات والسلوك الأخلاقي. وقد كشفت دراسةٌ عالمية حديثة أجرتها شبكة بي دبليو سي (PwC) أنَّ السنوات العديدة الأخيرة قد شهدت ارتفاعًا كبيرًا في عدد المديرين التنفيذيين الذين جرى إقصاؤهم من مناصبهم بسبب بعض التصرّفات غير الأخلاقية في مؤسساتهم. ويجب أن تتضمن الاستراتيجياتُ الرامية إلى تجنُّب مثل تلك الأخطاء تكريسَ ثقافةِ نزاهةٍ لمنع أيٍّ كان من خرق القواعد، مع ضمانِ ألا تشكِّلَ أهدافُ الشركات ومعاييرها ضغطًا مُفرِطًا على الموظفين لغرض تسهيل الأمور واختصار الطريق، بالإضافة إلى ضرورة تطبيق إجراءاتٍ وقيود فعالة تقلل من احتمال الإتيانِ بسلوك غير أخلاقيّ.
الاتجاهات الحديثة في الأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية للشركات
هناك ثلاث استراتيجيات رئيسة خاصة بالأخلاقيات والمسؤولية الاجتماعية للشركات، وهي: التغيرات الاستراتيجية في أعمال الشركات الخيرية، وعقد اجتماعي جديد بين الموظفين وأرباب العمل، ونمو الأخلاقيات العالمية والمسؤولية الاجتماعية للشركات.
التغيرات في أعمال الشركات الخيرية
فيما سبق انخرطت العديد من الشركاتُ في الأعمال الخيرية، وكان مسعاها المعتادُ العثورُ على جماعاتٍ خيرية والتبرع لها بأموال، أو منحُ بعضٍ من منتجاتها وخدماتها. أما اليوم، فقد تحوَّل التركيزُ إلى ما يُعرَف بمفهوم العطاء الاستراتيجي، الذي يربط بين الأعمال الخيرية والجهودِ التي تندرج تحت المسؤولية الاجتماعية للشركات وبين مهمة الشركة أوِ االهدف من التبرعات التي تقدمها تجاه المجتمعات التي تعمل في ظلها. ومن بين أكثر الشركات المشهودِ لها بجهودها التي تستهدف رد الجميل لتلك المجتمعات عملاقُ التكنولوجيا شركةُ سيلز فورس (Salesforce)، ونيوستار إنرجي (NuStar Energy)، وشركةُ التأمين والخدمات المالية فيتيرانز يونايتد (Veterans United) ورائد البرمجيات، شركةُ إنتويت (Intuit).
عقد اجتماعي بين الموظف وربّ العمل
يبرزُ اتجاهٌ حديث في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركة مفاده أن هناك جهودًا تبذلها الشركات لإعادة صياغة علاقتها بالموظفين. ولا يزال العديد من الناس ينظرون إلى المسؤولية الاجتماعية بوصفها ذات اتجاهٍ واحدٍ يركز فقط على الالتزامات الملقاة على عاتق الشركات تجاه المجتمع، والموظفين، وغيرهم من الأطراف. أما اليوم، فباتتِ الشركات تدرك أن العقد الاجتماعي بين الموظف وربّ العمل هو أحد النواحي المهمة في بيئة العمل، وأن على كليهما الالتزام بالعمل معًا لتحقيق الازدهار للشركة. إذًا، يمكن تعريف العقد الاجتماعي من أربع نواحٍ مهمة، وهي: التعويض، والإدارة، والثقافة، والتعلم والتطوير.
أما فيما يخص التعويض، فعلى الشركاتِ اليومَ إدراكُ أن معظم الموظفين لا يبقون في شركةٍ واحدة لفترات طويلة. لذا، على تلك الشركات تغيير نظام التعويض لتقرّ بأهمية الأداء قصير الأمد، ولتحدَّث طرقَ تحديدِها التعويضَ الذي تمنحه لموظفيها، بما في ذلك المزايا غير التقليدية، مثل زيادة مدة الإجازة بلا راتب وتوسيع خيارات العمل عن بعد.
وفي ظل بيئة العمل الحالية، التي يُرجَّحُ فيها انتقال الموظفين إلى وظائف جديدة كل عدة سنوات، على المديرين اتباع نهجٍ أكثرَ نشاطًا وملامَسَةً للواقع الحالي في الإشراف على الموظفين، وربما عليهم تغيير كيفية إدراكهم لمفهوم الولاء، وهما أمران صعبان بالنسبة للمديرين الذين يتولَّون الإشرافَ على المجموعة ذاتها من الموظفين لفترةٍ طويلة. فالتعامل والتعاون مع الموظفين باستمرار، ووضع توقعاتٍ معقولة، وتحديد مساراتِ تطويرٍ بعينها، قد يساعد في الاحتفاظ بالموظفين المهمين.
وبسبب صعوبة العثور على موظفين في سوق العمل في يومنا هذا، يشعر بعضهم بأهمية ذاتية تشجعهم على طلب المزيد من الشركات التي يعملون لصالحها، وهي مَطالبُ تطال ثقافة العمل ككل ضمنها؛ مثل زيادة المرونة، والشفافية، والعدالة من قِبل تلك الشركات. ومن شأن تلك الأهمية المتزايدة للدور الذي يلعبه الموظفون، والذي يطال ثقافة الشركة، أن تساعدهم في البقاء منخرطين في مهمة الشركة، وأن تجعلهم يعزفون عنِ التفكير في الانتقال للعمل لدى شركاتٍ أخرى.
وأخيرًا، لا تنفكُّ التكنولوجيا، سريعةُ التغير، والمستخدمةُ في أماكنِ العمل في يومنا هذا، تُغيِّر في عنصر التعلم والتطوير الخاص بالعقد بين الموظَّف والشركة، والتي تولّد تحدّياتٍ كبرى تواجه كُلًّا من الموظفين والشركات. وقد يغدو من الصعب تحديدُ مهاراتِ الموظفين التي ستكون الأكثر أهميةً خلال السنوات العديدة القادمة، وهو ما من شأنه دفعُ الشركات إما إلى زيادة تدريب الموظفين الحاليين أوِ البحثُ خارج الشركة عن أشخاصٍ يتمتعون مُسبقًا بالمهارات الفنية اللازمة لتنفيذ العمل.
الأخلاقيات العالمية والمسؤولية الاجتماعية
على شركات الدول الكُبرى، مثل الولايات المتحدة، والتي تتوسع باتجاه السوق العالمية، أن تحمل معها مدونات الأخلاقيات والسياسات الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات حيثما حلَّت. ويقع على عاتق الشركاتِ متعددة الجنسيات مسؤولياتٌ عديدة، من بينها احترام التقاليد والعادات المحلية، وضمان وجود تناغمٍ بين فريق عمل الشركة وبين المجتمع السكاني المضيف، وتوفير قيادة إدارية، والعمل على تأهيل مجموعة يُعوَّلُ عليها من المديرين المحليين الذين يمثلون مصدر فخرٍ وثقة لمجتمعاتهم. وعندما تستثمر شركةٌ متعددة الجنسيات في بلدٍ أجنبي، فعليها بناء علاقةٍ طويلة الأمد؛ ويعني ذلك إشراكُ كافة أصحاب المصلحة في البلد المضيف في عملية صنع القرار. وأخيرًا، إنَّ من الخطوات التي تتخذها الشركات متعددة الجنسيات، التي تتمتّع بالمسؤولية الاجتماعية، هي تطبيق المبادئ التوجيهية الأخلاقية داخل الشركة في البلد المضيف. وعبر التزامها الناجح بتلك المسؤوليات، ستعزز الشركةُ احترامَ كلٍّ من القوانين المحلية والدولية.
وغالبًا ما يكون على الشركات متعددة الجنسيات تأسيس توازنٍ بين المصالح المتعارضة لأصحاب المصلحة عند اتخاذها قراراتٍ خاصة بالمسؤولية الاجتماعية، وخصوصاً بما يتعلق منها بحقوق الإنسان، إذ قد تمثل المسائل المتعلقة بعمالة الأطفال، والعمل القسري، وتدني الأجور، والأمان في مكان العمل، مشاكل يصعب التعامل معها. ومؤخرًا قررت شركة الألبسة غاب ( Gap, Inc). أن تنشر قائمة بالمصانع التي تتبع لها حول العالم، في مسعىً منها إلى تحقيق الشفافية حول الموردين الخاصين بها وحول الجهود التي لا تنفكّ تبذلها لغرض تحسين ظروف العمل حول العالم. وقد دخلت في شراكةٍ مع منظمة فيريتي (Verité)، وهي منظمة غير حكومية تركز على ضمان أن الناس يعملون تحت ظروفٍ آمنة، وعادلة، وقانونية. وتأمل شركة Gap، من خلال طلب تقييماتٍ ممن يعملون في مصانعها، أن ترتقيَ بظروف العمل، وأن تساعد تلك المصانع لكي يصبحوا رائدين في مجتمعاتها المحلية.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Making Ethical Decisions and Managing a Socially Responsible Business) من كتاب introduction to business
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.