من بين السلاسل الجديدة للمقالات التي نعرضها عليكم في مجال ريادة الأعمال، السلسلة التالية بعنوان مدخل إلى عالم الأعمال والتي سنتطرق في أول باب لها من إلى أهم ما يتعلق بالأنظمة الاقتصادية والأعمال التجارية. انطلاقا من طبيعة العمل التجاري، ومقوماته، ومميزاته. ثم بيئة العمل التجاري بما فيها من عوامل تؤثر فيه. لننتقل لاحقا للحديث عن الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم، لنتعرف بعدها على مفهومَي الاقتصاد الكلي والجزئي والفرق بينهما. وفي الأخير سنشير إلى مصطلح المنافسة في السوق الحرة، كما سنتعرف على أهم أنواعها، وكذا أهم التوجهات الحديثة في بيئة الأعمال والمنافسة.
استكشاف المهن التجارية
مؤسسة تيم روبيكون (Team Rubicon): الإغاثة في الكوارث والشعور بوجود الهدف
تمثل المؤسسات غير الربحية قوة لا يمكن تجاهلها في عالم الأعمال كونها تشغل حيّزًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي في العديد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، وذلك بالرغم من أنها تهدف إلى تحقيقَ أهدافها أكثر من تركيزها على جني الأرباح، وهي بذلك تخرج عن النمط التقليدي لعالم الأعمال، الذي يعد الربحُ الهدفَ الأول للمنخرطين فيه. وهذا بالذات ما يتيح لها السعي نحو تنفيذ مهماتٍ تفضي إلى تطويرٍ اجتماعي وإسهاماتٍ تطالُ تأثيراتُها المجتمعَ ككل. وكي يصبح الفردُ وليكون شخصٌ مُوظّفًا مساهمًا ومؤثرًا بحقٍّ في مؤسسة غير ربحية، فعليه أن يُشارك تلك المؤسسة رؤيتها ويتبنّى أهدافها ورسالتها.
وإذا ما انتقلنا إلى الحديث عن الرؤية الخاصة بمؤسسة تيم روبيكون، فقد صاغها مؤسساها؛ جيك وود ووليم مكنولتي (Jake Wood & William McNulty) بعد ما شاهدا الدمار الذي خلّفه الزلزالُ الذي ضرب دولة هايتي في العام 2010، فهرعا إلى العمل. وكِلا الرَّجُلين من جنود البحرية، وقد أدركا أن بوسعهما فعل شيءٍ للمساعدة في ذلك الوضع المأساوي. وفي غضون أربعٍ وعشرين ساعة، كانا قد أمَّنا مساعدةً من ستة رجال آخرين من الجنود السابقين والذين كانوا من أوائل المستجيبين لتلك المبادرة؛ فجمعا تبرعاتٍ وإمدادات من عائلتيهما وأصدقائهما وحملاها إلى هايتي لتقديم المساعدة الإغاثية لأهلها، وهكذا بدأت وأبصرت مؤسسة تيم روبيكون (Team Rubicon) النور.
الصورة 1.2: مؤسسة تيم روبيكون(Team Rubicon): (حقوق الصورة محفوظة ل مكتب إدراة الأراضي في أوريغون وواشنطن (Bureau of Land Management Oregon and Washington/ فليكر)
وقدِ اشتُقَّ اسم هذه المؤسسة من نهر روبيكون؛ وهو نهر يجري في شمال إيطاليا كان قد عبره يوليوس قيصر بجنوده خلال زحفهم الملحمي نحو روما، في وقتٍ كان يمثّلُ فيه ذلك النهر نقطة اللاعودة، إذ كان عبوره قرارًا لا يمكن الرجوع عنه. ويشير هذا الاسمُ إلى التجارب التي مر بها هذان الرجلان خلال الكارثة التي أعقبت زلزال هايتي؛ فلم يلقيا بالًا لنصائح مسؤولي الحكومة ومؤسساتٍ إغاثية أخرى حاولت ثنيهما عن المضي قُدُمًا في مسعاهما للمساعدة، إذ عبَرَ الفريقُ الصغير الذي كانا يقودانه نحو هايتي عبر جمهورية الدومينيكان حاملًا أفرادُه مسلتزماتٍ وإمداداتٍ طبيةً أساسية لآلافٍ من ضحايا الزلزال.
وبعد مرور سبع سنوات، باتت مهمةُ مؤسسة تيم روبيكون ذاتَ شقين؛ وهما الجمعُ بين خبرات الجنود السابقين ومهاراتهم مع جهود أوائل المستجيبين لمهمة تلك المؤسسة من الذين يبدأون العمل لديها بحماسٍ وشغف تجاه أي نوعٍ كان من الكوارث، وإيصالُ رسالةِ الإحساس بالانتماء إلى المجتمع والشعور بالإنجاز لأولئك الجنود السابقين ممن خدموا وطنهم بفخر، ولكنهم باتوا يعانون من تبعات ما مروا به من تجارب خلال الحرب.
ووفقًا للبيان الخاص بمهمة تلك المؤسسة، فإنها تسعى إلى تقديم ثلاثة أمور للجنود السابقين قد يحرمون منها أحيانًا بعد تركهم الحياة العسكرية، وهي: الهدف؛ المتمثل في الإغاثة أثناء الكوارث، والشعور بالانتماء إلى المجتمع الذي يُستمَد من الخدمة مع الآخرين؛ والشعور بالقيمة الذاتية الذي يولّده الاعترافُ بالتأثير الذي يمكن للشخص أن يُحدِثهُ عند التعامل مع الكوارث الطبيعية.
يتكون فريق مؤسسة تيم روبيكون، ومقرها مدينة لوس أنجلوس، من أكثر من ستين موظفًا يعملون في عشر مناطق على امتداد البلاد، ويرفدهم أكثرُ من 40 ألف متطوعٍ على أُهبة الاستعداد للانتشار خلال أربع وعشرين ساعة. وكما هو الحال بالنسبة للمؤسسات الربحية، تتضمن المناصب الوظيفية في تلك المؤسسة مديرين إقليميين، وعملياتٍ ميدانية (بما في ذلك العضوية والتدريب)، وتسويقًا، ووسائل اتصال، وتواصلًا اجتماعيًا، وجمع تبرعاتٍ، وتطوير شراكاتٍ، وشؤونًا مالية ومحاسبية، وتطوير الموارد البشرية عبر الارتقاء بإنتاجية الفرد.
ويوظف أفراد فريق تلك المؤسسة ما لديهم من خبراتٍ عسكرية أو مهنية، أو كليهما معًا، في أعمالهم اليومية، وتوحدهم الرؤية الخاصة بالمؤسسة. وقد بدأ العديد من أفراد تلك المؤسسة متطوعين لديها في وقتٍ كانوا يمارسون فيه مهنًا ربحية، بينما استفاد آخرون من برنامج الشراكة القوية للمؤسسة ليتعرفوا على مهمتها ويركزوا على الإغاثة في الكوارث.
وفي العام 2016 دربت مؤسسةُ تيم روبيكون ثمانية آلاف من الجنود السابقين والمُسعفين المُختصين بالكوارثالأفراد الذين سارعوا إلى الانضمام إلى المهمة التي تضطلع به، كما استجابت لستٍّ وأربعين كارثة، والتي استغرق التعامل مع آثارها أكثر من 85 ألف ساعة تطوع. وإلى جانب التبرعات التي تتلقاها من الأفراد والشركات، تعتمد تلك المؤسسة على الشراكة التي تقيمها مع مؤسسات أخرى، مثل شركة الطيران ساوث ويست (Southwest)، التي توفر سنويًا لمتطوعي تلك المؤسسة مئاتٍ من رحلات الطيران المجانية بغية تأمين وصولهم إلى مناطق الكوارث.
وتنخرط مؤسسة تيم روبيكون بفعالية في أنشطةٍ على الصعيد الوطني، وتشمل هذه المشاركة كافّة مستوياتها، من المتطوعين إلى أعضاء مجلس الإدارة، وتشمل كذلك كل الإمكانيّات والموارد التي توفّرها؛ من التدريب مرورًا بالتخطيط والتطبيق والسعي لجمع تبرعاتٍ واستقطاب متطوعين للمساعدة في كل ما يخص الإغاثة في الكوارث. وخلال السنوات القليلة الماضية، اعتُرف بمؤسسة تيم روبيكون على أنها إحدى أفضل المؤسسات غير الربحية للعمل لديها من قِبَل صحيفة ذا ننبروفيت تايمز (The NonProfit Times)، وذلك بناءً على استقصاءاتٍ شملت الموظفين، وعلى المعلومات والمُدخَلات حول بيئة العمل لديها والواردة من شركاء العمل.
وبالرغم من أن مجال اللاربحية قد لا يعود بالنفع على الجميع، ولكن لو أخذنا نموه بالحسبان ضمن الاقتصاد ككل، فسنجده مصدر اهتمامٍ وتعاطفٍ من قبل العديد من الناس. فعزمُ مؤسسة تيم روبيكون على مساعدة من هم في حاجة إلى المساعدة، بمن فيهم ضحايا الكوارث والعسكريين الذين انتهت خدمتُهم، يتيح فرصًا للمهتمين بالمهن غير الربحية إضافة إلى الشغوفين بمساعدة الآخرين.
يستشكف هذا المقالُ ماهية العمل التجاري، لتمييزه عن سواه من أنشطة تتشابه معه في نواحٍ، وتختلف في أخرى، ثم ينتقل إلى الإضاءة على البيئة التي تسود العملَ التجاري، والعوامل الذي تؤثّر فيه.
طبيعة العمل التجاري
كيف تساعد الشركات التجارية والمؤسسات غير الربحية في تحديد مستوى معيشتنا؟
هل فكرتَ للحظةٍ في العدد الكبير من المؤسسات التجارية المختلفة التي تحتك بها خلال يوم عادي. فمثلًا، وأنت في طريقك إلى الجامعة، تقف عند محطة وقود لتملأ خزان سيارتك، وتلك المحطة ما هي إلا جزءٌ من شركة وقود كبرى على مستوى البلد. ثم تشتري طعام الغداء من أحد متاجر سلسلة وجبات سريعة، مثل تاكو بل، أو ماكدونالدز، أو من أحد متاجر البيتزا الموجودة القريبة منك. وفي كثير من الأوقات قد لا تملك نقودًا ورقيّة للدفع، عندها يمكنك الدفع من رصيدك المصرفي باستخدام هاتفك الذكي أو تطبيقٍ على أي جهازٍ آخر يتيح ذلك. كما أنك لم تعُد بحاجة إلى زيارة المتجر؛ فمن شأن التسوق على الإنترنت أن يجلب المتجر إليك ويوفر لك كل ما تحتاج من ملابس، أو طعام، أو فرش منزل، أو بطاقات حضور الحفلات…إلخ.
فالشركة التجارية (Business) هي مؤسسة تسعى إلى الربح عبر توفير السلع والخدمات التي يرغب بها زبائنها. وتلبي تلك الشركات احتياجاتِ زبائنها بتوفير الرعاية الطبية لهم ووسائل النقل وغيرها من السلع والخدمات التي لا حصر لها. أما السلع (Goods)، فهي المُنتجات الملموسة التي تُصنّعها الشركات، مثل الحواسيب المحمولة. بينما تُعرَّف الخدمات (Services) بأنها ما تقدمه الشركات من أمورٍ غير ملموسة، لا تُمسَك باليد، ولا تُلمَس، ولا تُخزَّن؛ فما يقدمه الأطبّاء والمحامون ومصففو الشعر وغاسلو السيارات وشركات الطيران يُعرَف بالخدمات. كما توفر الشركاتُ التجارية ما تحتاجه مؤسساتٌ أخرى، مثل المستشفيات ومحلات البيع بالتجزئة والحكومات، وذلك عبر إمدادها بالآلات، والسلع، والحواسيب، وآلاف السلع الأخرى.
وبذلك نرى أن الشركات تنتج السلع وتوفر الخدمات التي تشكّل أساسَ مستوى المعيشة (Standard of Living) خاصتنا؛ إذ يُقاس مستوى المعيشة لأي بلد بحصيلة السلع والخدمات التي يمكن للأفراد شراؤها بالمال الذي يملكون. ومستوى المعيشة في بعض الدول ذات الاقتصادات القويّة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية يُعد واحدًا من أعلى مستويات المعيشة في العالم؛ فالبرغم من أن دولًا عديدة أخرى، مثل سويسرا وألمانيا، لديها متوسط أجورٍ أعلى من مثيله في الولايات المتحدة، إلا أن مستوى المعيشة لديها أدنى مقارنة بالولايات المتحدة، لأن الأسعار فيها أعلى بكثير من تلك السائدة في الولايات المتحدة؛ بمعنىً آخر، إن كمية الأموال ذاتها تشتري في تلك الدول أقل مما يمكنها شراؤه في الولايات المتحدة؛ فمثلًا يمكنك شراء وجبة إضافية من ماكدونالدز بخمسة دولارات في الولايات المتحدة، بينما ستضطر إلى دفع عشرة دولارات للحصول على وجبة مماثلة في دول أخرى.
وتلعب الشركات التجارية دورًا أساسيًا في تحديد جودة حياتنا عبر توفير الوظائف والسلع والخدمات للمجتمع. ويشير اصطلاح جودة الحياة (Quality of Life) إلى المستوى العام لسعادة الفرد الذي يقوم على أمورٍ مثل متوسط الأعمار، ومعايير مستويات التعليم، والنظافة، والصحة، ووقت الفراغ. ويقتضي تكريسُ مستوى جودة حياةٍ عالٍ تضافرَ جهود الشركات والحكومات والمؤسسات غير الربحية. في العام 2017، صُنِّفَت مدينة فيينا النمساوية الأعلى من ناحية جودة المعيشة في العالم، بينما حلَّت مدينة زيوريخ السويسرية ثانيًا، وبعدها مدينة أوكلاند في نيوزيلندا، ثم ميونيخ في ألمانيا. وقد يبدو مفاجئًا أنْ ليس من ضمن الدول العشر الأولى أي مدينة من مدن الولايات المتحدة الأمريكية. فسبعٌ من أول عشر دول من ناحية جودة الحياة واقعةٌ في أوروبا الغربية؛ واثنتان في أستراليا ونيوزيلندا، وواحدة في كندا. وعلى الطرف الآخر من ذلك المقياس، جاءت مدينة بغداد العراقية متذيلة الترتيب كأسوأ مدينة من ناحية جودة الحياة.
ولكن تحقيق جودة حياة لا يخلو من مخاطر؛ والمخاطر (Risks) هي احتمال وقوع خسارةٍ في المال أو الوقت أو عدم القدرة على تحقيق أهداف المؤسسة. فعدمُ وجود عدد كافٍ من المتبرعين بالدم، سيجعل الصليب الأحمر الأمريكي، على سبيل المثال، عاجزًا عن تلبية الطلب على الدم الناجم عن بعض الكوارث. وتواجه شركاتٌ، مثل مايكروسوفت، خطر عدم تحقيق العائدات المرجوة والأهدافِ الربحية؛ فالعائدات (Revenues) هي المال الذي تتحصل عليه الشركات من بيع السلع وتقديم الخدمات للزبائن. أما التكاليف (Costs)، فهي ما تنفقه شركةٌ ما من أموال على الإيجار، والرواتب، والمستلزمات، ووسائل النقل، وغيرها من المواد التي تستخدمها لإنتاج السلع وتقديم الخدمات. فعلى سبيل المثال، تشمل بعضُ النفقات التي تتكبدها شركة مايكروسوفت في تطوير برمجيات الحاسوب الخاصة بها، نفقات الرواتب والمنشآت والإعلانات. وفي حال تبقّى لدى مايكروسوفت مالٌ بعد دفعها كافة نفقاتها، فتكون قد حققت ربحًا (Profit)، وبذلك فإن أي شركة تزيدُ نفقاتُها على عائداتها تكون قد وقعت في خسارة.
وعندما تستخدم شركةٌ ما مثل مايكروسوفت مواردها بذكاء، فيمكنها زيادة مبيعاتها، وتقليل نفقاتها، وتحقيق ربح، ولكن لا تحقق كل الشركات ربحًا، وهذا هو الخطر الأكبر عند الدخول في عالم الأعمال. ففي عالم الأعمال في الدول الكُبرى مثل في الولايات المتحدة اليوم، ثمة عمومًا علاقة مباشرة بين المخاطر والأرباح، فكلما زادتِ المخاطر، يزداد احتمال تحقيق أرباح (أو تكبُّدُ خسائر). فالشركات التي تتخذ مواقف وقرارات حذرة وخطوات بطيئة قد تجد نفسها خلف الرَّكب وتخسر لصالح منافسين أكثر براعة ممن يتكيفون بسرعةٍ مع التغير في بيئة الأعمال التي لا تستقر على حال.
خذ شركة سوني على سبيل المثال، عملاقَ الإلكترونيات الياباني، والتي كانت ذات يومٍ رائدة صناعة مشغلات الموسيقى المعروفة بلقب ووكمان إلى جانب تلفزيونات ترينتونترينيترون. فقد خرجت من المنافسة رويدًا رويدًا وخسرت الأرباح على مدى عقدين من الزمن لصالح شركات أخرى منافسة، وكان مردُّ ذلك إلى عدم توظيفها التقنيات الحديثة، مثل الصيغة الموسيقية الرقمية وشاشات التلفاز المسطحة، إذ أخطأت تلك الشركة في الحكم على ما يرغب به المستهلكون وتتطلبه السوق المُعاصرة فأبقت على التقنيات التي كانت تملكها بدلًا من أن تقدم لهم خياراتٍ تقنيةً قابلة للتشغيل على أجهزة مختلفة. وفي المقابل، حازت شركة آبل، التي سطع نجمُها في تلك الفترة في مجال أجهزة الموسيقى الشخصية، على حصة الأسد في سوق الموسيقى الرقمية، بعد تقديمها خدمة البث الموسيقي عبر مشغّل الموسيقى آي بود وتطبيق آي تيونز. وبحلول العام 2016، أعادت شركة سوني هيكلة محفظة الأعمال (الميزانية العامة ) خاصتها وشهدت نجاحًا باهرًا بفضل أجهزة الألعاب بلي ستيشن 4 ومحتوى الألعاب الأصلية.
المؤسسات غير الربحية
لا تسعى كل المؤسسات إلى الربح؛ فالمؤسسة غير الربحية (Non-for-Profit Organization) تسعى إلى تحقيق هدفٍ يختلف عن الهدف المعتاد للأعمال التجارية (تحقيق الأرباح). فالمؤسسات الخيرية، مثل هابيتات فور هيومانيتي (Habitat for Humanity) ويونايتد واي (United Way) وذي أميريكان كانسر سوسايتي (The American Cancer Society) وذا وورلد وايلدلايف فاند (The World Wildlife Fund)، كلها مؤسسات غير ربحية، كما هو الحال بالنسبة للمستشفيات، وحدائق الحيوان، ومؤسسات الفنون، والمجموعات المدنية، والمؤسسات الدينية. وعلى مدار الأعوام العشرين الماضية، ازداد عدد المؤسسات غير الربحية، إلى جانب عدد الموظفين والمتطوعين لديها، بشكل ملحوظ. وتعد الحكومة المجموعة غير الربحية الأكبر والأكثر هيمنة، وبالإضافة إلى ذلك؛ ينشط أكثر من مليون ونصف المليون من الهيئات اللاربحية غير الحكومية في دول كُبرى، مثل الولايات المتحدة حاليًا، والتي تساهم بأكثر من 900 مليار دولارٍ أمريكي سنويًا في اقتصاد الولايات المتحدة.
وكمثيلاتها من المؤسسات الربحية، تحدد المؤسسات غير الربحية أهدافًا وتحتاج إلى موارد لتحقيق تلك الأهداف. ولكن أهدافها تلك لا تركز على جني الأرباح، فمثلًا قد يكون هدف مؤسسة غير ربحية هو توفير الطعام للفقراء، أو حماية البيئة، أو زيادة الحضور في حفلات الباليه، أو منع القيادة تحت تأثير الكحول. ولا تتنافس المؤسسات غير الربحية مباشرة مع بعضها بالطريقة ذاتها التي تتنافس فيها شركتا صناعة السيارات فورد (Ford) وهوندا (Honda) مثلًا، ولكنها تتنافس على أمورٍ مثل جمع التبرعات، واجتذاب الموظفين الموهوبين، والمتطوعين، الذين ليس لديهم عادةً سوى وقت قصير يمكنهم المساعدة خلاله.
الصورة 1.3: قارب الإنقاذ: عقب إعصار إيرما الذي ضرب جزيرة بورتوريكو، قدّم خفر السواحل التابع لولايتي كنتاكي وهاواي المساعدة للضحايا عبر التبرعات لصالح جهود الإغاثة. وقد وجهت بعض الجمعيات الخيرية غير الربحية جهود المساعدة نحو سكان المنطقة المنكوبة. بينما قدمت جمعيات أخرى مماثلة الرعاية لمجموعة أخرى من الناجين وهي الحيوانات بنوعيها البرية والأليفة. وبالرغم من أن مستشفيات الحيوانات لا تُستخدم عادة بوصفها ملجأً لها، ولكن العديد منها فتح أبوابه أمام مالكي الحيوانات الأليفة ممن تأثروا بالأمطار الغزيرة. لماذا يجري التعامل مع مهام من قبيل إنقاذ الحيوانات بشكل رئيس من قبل المؤسسات غير الحكومية؟ (حقوق الصورة محفوظة ل خفر السواحل التابع لولايَتَي هاواي وكنتاكي ((Credit: Hawaii and Kentucky National Guard)/ فليكر)
ولم تعُدِ الحدود التي ميزت سابقًا بين المؤسسات الربحية وغير الربحية بذلك الوضوح الذي كانت عليه فيما مضى، وقد أدى ذلك إلى تبادلٍ في الأفكار بين القطاعات كافة. وكما سنناقش في الفصل المتعلق بالأخلاق، فقد باتتِ المؤسساتُ الربحية تنخرط في مسائل اجتماعية أكثر فأكثر. كما بدأت المؤسسات غير الربحية الناجحةُ تطبّق المبادئَ السائدة في مجال الأعمال التجارية للعمل بفعالية أكبر، كما يُعنى مديرو المؤسسات غير الربحية بالمفاهيم ذاتها التي يعتمد عليها نظراؤهم في المؤسسات الربحية، ومنها تطوير الاستراتيجية، وإعداد الميزانية بتأنٍّ، وقياس الأداء، والتشجيع على الابتكار، والارتقاء بالانتاجية، وتعزيز الأخلاق التي تسود بيئة العمل ومكانه.
وعلى سبيل المثال، إلى جانب السعي نحو تحقيق الأهداف الفنية لمتحفٍ ما، يتولى كبار المديرين التنفيذيين لذلك المتحف تسيير الجانب الإداري والتجاري له من ناحية الموارد البشرية، والمالية، والشؤون القانونية. فَعائدات المتحف التي تأتيه من بيع التذاكر تغطي جزءًا يسيرًا من نفقات تشغيله، وهذا ما يحدو المديرين إلى تكريس وقتٍ كبير سعيًا منهم وراء الحصول على تبرعات ضخمة واشتراكات عضوية فيه. واليوم نجد أن من ضمن أعضاء مجلس الإدارة في المتاحف رُعاةً فنيين ومديرين تنفيذيين ممن يودون رؤية عمليةِ اتخاذ قراراتٍ مالية سليمة ضمن بيئة هذه المؤسسة غير الربحية. ولذا، على مدير المتحف أن يحقق توازنًاً بين الهدف الفني لهذه المؤسسة وبين سياساتها المالية. وبحسب دراسةٍ أجرتها مجلة ذي إيكونوميست (The Economist)، ستضطر متاحف كبرى إلى البحث عن مديرين جدد مع اقتراب حوالي ثلث الحاليين من سن التقاعد.
عوامل الإنتاج: لَبِناتُ بناء العمل التجاري
لتغدوَ المؤسساتُ قادرةً على إنتاج سلع وتقديم خدمات، وسواء كانت تعمل في قطاعٍ ربحي أم غير ربحي، فهي تحتاج إلى موارد تُسمى عوامل الإنتاج (Factors of Production). وثمة أربعة عوامل إنتاجٍ تقليدية مشتركة بالنسبة للنشاطات الإنتاجية، وهي:
الموارد الطبيعية، والقوى العاملة (الموارد البشرية)، ورأس المال، وريادة الأعمال. ويُدخِل العديد من الخبراء المعرفة على أنها العامل الخامس؛ من باب الاعتراف بدورها في نجاح العمل التجاري. وباستخدام عوامل الإنتاج تلك بفعالية، يمكن للشركة إنتاج سلعٍ وتقديم خدمات أكثر بالموارد ذاتها.
وتُعرَف المواد التي تمثل مُدخَلاتٍ مفيدة بالموارد الطبيعية كالأراضي الزراعية، والغابات، ومناجم المعادن وآبار النفط، والمياه. وأحيانًا تُطلَق على الموارد الطبيعية تسميةُ الأرض فقط، بالرغم من أن ذلك يعني أكثر من مجرد أرض، كما هو واضح. وتستخدمُ الشركاتُ المواردَ الطبيعية بطرقٍ مختلفة؛ فشركة صناعة الورق إنترناشنال بيبر كومباني (International Paper Company) تستخدم لباب الخشب لتصنّع منه الورق. وشركة باسيفيك غاز & إليكتريك (Pacific Gas & Electric) قد تستخدم الماء، والوقود، أوِ الفحم لتوليد الكهرباء. ولكن، وبسبب التمدد العمراني، والتلوث، ومحدودية الموارد، بات استخدام الموارد تلك يثير علاماتِ استفهام، وتتعالى الآن أصوات مناصري الحفاظ على البيئة وداخل الهيئات الحكومية مطالبةً بسنّ قوانين تنظم استخدام الموارد الطبيعة وتحافظ عليها.
أما القوى العاملة، أوِ ما يُعرَف بالموارد البشرية، فتعني الإسهامات الاقتصادية للناس العاملين بعقولهم وعضلاتهم. ويتضمن هذا العامل مواهب الجميع؛ بدءًا من الطباخ في مطعم حتى عالم الفيزياء النووية، والذين يضطلعون بمهام التصنيع وإنتاج السلع وتقديم الخدمات.
أما الأدوات، والآلات، والتجهيزات، والمباني المستخدمة في إنتاج السلع وتقديم الخدمات وإيصالها إلى المستهلكين، فتُسمى رأس المال. كما يُشار أحيانًا بهذه التسمية إلى المال الذي تُشترى فيه الآلاتُ والمصانع وغيرها من منشآت الإنتاج والتوزيع. ولكن، طالما أن المال وحدَه لا يُنتج شيئًا، فلا يُعد بوضعه هذا واحدًا من عوامل الإنتاج الرئيسة؛ بل هو بالأحرى وسيلة للحصول على المُدخلات التي تحتاجها الشركات. ولذا، ليس المال بهذا المعنى جزءًا من رأس المال الذي نتحدث عنه.
أما رواد الأعمال فهُم الذين يدمجون مُدخَلات الإنتاج من موارد طبيعية، وقوى عاملة، ورأس مال لإنتاج سلعٍ وتقديم خدمات بقصد جني أرباح أو بلوغ هدف غير ربحي. وهم بذلك يتخذون القراراتِ التي ترسمُ الطريق لشركاتهم؛ فيصنعون منتجاتٍ أو يأتون بعمليات إنتاج أو يطورون خدمات. ولكون الربح غير مضمونٍ الحصولُ عليه في مقابل الوقت والجهد الذَين يبذلان، فلا بد أن يكون روّادُ الأعمال أولئك مجازفين، وفي حال نجحت شركاتهم، فقد يحصلون على مكافآت عظيمة.
ويرغب العديد من الناس في يومنا هذا في تأسيس شركات خاصة بهم، يحدوهم في ذلك فرصةُ أن يكونوا أسيادَ أنفسِهم وأن يحصدوا العائداتِ المالية لشركاتهم الناجحة. ويبدأ العديد منهم أعمالهم الخاصة من غرف نومهم كحال مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك، أو في وقتٍ مايزالون خلاله يسكنون في منازلهم حيث التكلفة تكاد تكون معدومة.
ومن الأمثلة على رواد الأعمال نذكر بيل غيتس (Bill Gates)، مؤسسَ مايكروسوفت (Microsoft)، الذي حاز لقب أغنى رجل في العالم عام 2017، ومنهم أيضًا مؤسسا غوغل (Google)، سيرجي برين (Sergey Brin) و لاري بايج (Larry Page). وهناك آلاف الشركات التي أسسها أفراد، والتي بالرغم من أنها لا تزال صغيرة، لكنّ مساهمتها في اقتصاد الولايات المتحدة كبيرة جدًا.
أما الآن، فننتقل إلى الحديث عن بيئة العمل التجاري.
استيعاب بيئة العمل التجاري
ما هي قطاعات بيئة الأعمال التجارية، وكيف تؤثر التغييرات التي تطرأ عليها في القرارات الخاصة بتلك الأعمال؟
لا تمارس الشركاتُ أعمالها ضمن فراغ، بل تحيطُ بها بيئة تسودها الديناميكية، والتي تؤثر مباشرة على طريقة عملها وعلى ما إذا كانت ستحقق أهدافها أم لا.
وتتكون بيئةُ الأعمالِ التجارية الخارجيةُ تلك من عدد هائل من المؤسسات، وكمٍّ كبير من القوى، والتي يمكننا تجميعها في سبع بيئاتٍ فرعية، وهي كما هو مبيَّن في الصورة رقم (1.4): اقتصادية، وسياسية، وقانونية، وديموغرافية، واجتماعية، وتنافسية، وعالمية، وتكنولوجيّة. ومن شأن كل واحدة من تلك البيئات أن تولّد مجموعة فريدة من التحديات والفرص للشركات.
ويمتلك أصحابُ الشركات ومديروها سيطرة واسعة على البيئة الداخلية للشركة، والتي تشمل القرارات التي تُتَّخَذ يوميًا؛ فهُم من يختار المواد التي يشترون، والأشخاص الذين يوظفون، والمنتجات التي يبيعون ومكانَ بيعها. كما يوظفون مهاراتهم وما لديهم من موارد لإنتاج السلع وتقديم الخدمات التي تُرضي زبائنهم الحاليين والزبائن المتوقَّعين. ولكنّ الظروف الخارجية، التي تشكل جزءًا من البيئة المؤثرة في الشركة، تكون خارج سيطرة إدارتها، كما أنها تتغير باستمرار. وعلى أصحاب الشركات ومديريها دراسة تلك البيئة باستمرار والتكيف مع تغيراتها حسب مصالحها.
ويمكن لقوىً أخرى، مثل الكوارث الطبيعية، أن تكون ذات تأثير كبير على الشركات؛ فشركة النفط الأمريكية غالف كوست (Gulf Coast)، التي كانت في مرحلة إعادة البناء بعدما دمّرها إعصارُ كاترينا في العام 2005، قد مُنيَت بكارثة أخرى في نيسان من العام 2010، بعد وقوع انفجار في منصة استخراج النفط ديبووتر هورايزن (Deepwater Horizon) تسبّب بمقتل أحد عشر عاملًا وتسرُّبِ أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفظ في خليج المكسيك. وكان لهذا الحادث، الذي استمرت تبعاتُه الكارثيةُ لأكثر من سبعة وثمانين يومًا، كان له تأثير بالغُ الشدة على البيئة والشركات والسياحة ومعيشة الناس الموجودين في نطاقه. وقد أنفق تكتل النفط العالمي بي بي (BP)، المسؤولُ عنِ التسرب الحاصل، أكثر من ستين مليار دولار تعويضًا عما تسببت به الكارثة ومقابل أعمال التنظيف الذي نُفّذت في مكان الكارثة. واليوم، وبعد سبع سنوات على الكارثة، بدأت تتعافى السياحة وتنشط الشركات، ولكنه تعافٍ بطيءٌ في ظل عدم تأكُّدِ العلماء من العواقب البيئية طويلة الأمد جرّاء ذلك التسرب النفطي.
الصورة 1.4: بيئة الأعمال الديناميكية: (حقوق الصورة محفوظة ل جامعة رايس (Rice) / أوبن ستاك (OpenStax))
ولا توجد شركة تمتلك من القوة ما يمكّنها من إحداث تغييرات كبرى في البيئة الخارجية المحيطة بها. إذًا، ليسَ المديرون سوى مُتكيفين مع التغيير، وليسوا هم من يقودونه، كما أن المنافسة العالمية هي أساسًا عاملٌ في البيئة الخارجية لأي شركة، والذي لا يمكن السيطرة عليه. ولكن بوسع شركة ما أن تؤثر في الأحداث الخارجية أحيانًا بفضل الاستراتيجيات التي تتبناها. فقد نجحت شركاتُ دواءٍ أمريكيةٌ كبرى في حثّ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إف. دي. إي (FDA) على تسريع عملية منح الموافقة لها على أنواع دواءٍ جديدة. وفي السنوات الأخيرة، أنفقت أكبرُ الشركات على مؤشر إس و بي (S&P)، وهي غوغل، وفيسبوك، وأمازون، ومايكروسوفت، وآبل، حوالي 50 مليون دولار لصالح أنشطةِ ضغطٍ على صُنّاع القرار في العاصمة واشنطن، وذلك في مسعىً منها إلى مساعدة السّاسة على فهم الصناعة التقنية، وإدراك أهمية الابتكار، والإنترنت المفتوح في مجال الأعمال هذه.
فلنلقِ الآن نظرة موجزة على العوامل المتنوّعة المؤثّرة في بيئة العمل.
المؤثرات الاقتصادية
يمثل هذا النوع واحدًا من أهم المؤثرات الخارجية التي تطال الشركات. إذ تنتج التقلباتُ في مستوى النشاط الاقتصادي دوراتٍ تجاريةً تؤثر في الأفراد والشركات بطرقٍ شتى. فمثلًا عندما يكون الاقتصاد في نموٍّ مستمر، ينخفض مستوى البطالة، وترتفع مستويات الدخل، كما يمثل التصخم ومعدلات الفائدة جوانبَ أخرى تتغير وفقًا للنشاط الاقتصادي. وتحاول الحكومات عبر السياسات التي تتبعها، مثل السياسات المتعلقة بالضرائب ومعدلات الفائدة، أن تحفّز عجلة النشاط الاقتصادي أو تبطّئها. وإلى جانب ذلك، تحدد قوى العرض والطلب الأسعارَ وكمية السلع والخدمات في سوق حرة.
المؤثرات السياسية والقانونية
يشكّل المناخ السياسي لبلدٍ ما عاملًا آخر على المديرين أخذه بالحسبان بخصوص ما يؤدونه في شركاتهم من عمليات تجارية. ويتكون المناخ السياسي من عناصر ثلاثة، هي حجم النشاط الحكومي، ونوع القوانين التي تصدر، والاستقرار السياسي العام الذي يسود الحكومة. فشركةٌ متعددة الجنسيات مثل شركة جنرال إلكتريك (General Electric) لا تُقدِم على إنشاء مصنع في بلد ما إلا بعد تقييم الوضع السياسي فيه؛ ويتضمن ذلك دراسة عدد من المسائل وطرحَ مجموعة من الأسئلة مثل: هل الحكومة مستقرة أم إن انقلابًا قد يُطيحُ بها ويُدخِل البلاد في حالة من اللاستقرار؟ وإلى أي مدىً تعد الأنظمة السائدة في ذلك البلد مُقيِّدةً للشركات الأجنبية، بما في ذلك ملكيّة الأجانب لوسائل الإنتاج ومستويات الضرائب؟ ويجب أن تؤخذ أمور أخرى بالحسبان في هذا السياق، ومنها تعريفات الاستيراد، والحصص المسموح باستيرادها أو تصديرها، والقيود المفروضة على التصدير.
في الولايات المتحدة، تغطي القوانين التي يمررها الكونغرس وغيره من الهيئات التنظيمية جوانب عديدة، مثل المنافسة، والحد الأدنى للأجور، وحماية البيئة، وسلامة العمال، وحقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع. فمثلًا أصدر الكونغرس الأمريكي قانون الاتصالات لعام 1996 بهدف تخفيض مستوى التدخل الحكومي في قطاع الاتصالات. ونتيجة لذلك، ازادتِ المنافسة وظهرت فرص جديدة مع تلاشي القيود التقليدية التي كانت تُفرض على مزودي الخدمة. وحاليًا، أدى النمو الدراماتيكي في تقنية الهواتف المحمولة إلى تغيير وجهة تركيز قطاع الاتصالات، الذي يواجه اليومَ تحدياتٍ متعلقة بالسرعة والوصول ضمن النطاق العريض لنقل الإشارات متعددة التردد، وبث المحتوى، والتطوير المُلحّ في البنية التحتية لشبكة الاتصالات للتعامل مع عمليات نقل البيانات المتزايدة.
وتلعب الهيئات الفدرالية دورًا محوريًا في العمليات الخاصة بالشركات التجارية؛ فعندما تريد شركة الدواء فايزر (Pfizer) إصدار دواءٍ جديد لأمراض القلب في السوق، فعليها اتباع الإجراءات التي تفرضها إدارة الغذاء والدواء إف. دي. إي من فحصٍ وتجارب سريرية، ثم عليها بعد ذلك الحصول على موافقة الإدارة المذكورة. وفي حال قررت إصدار أسهم، فعلى شركة فايزر أن تسجل أوراقها المالية لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية. كما تُعاقب هيئة التجارة الفدرالية شركةَ فايزر في حال استخدمت معلوماتٍ مضلِّلةً حول فوائد دواءٍ جديد تصدره في إعلاناتها المروِّجة له. وليس ما سبق ذِكرُه سوى غيضٍ من فيض حول التأثير الذي يطال القرارات التي تصدرها الشركات بسبب البيئة السياسية والقانونية المحيطة بها. كما تمارس الولاياتُ والحكومات المحلية سطوةً على الشركات؛ فتفرض الضرائب، وتصدر النظام الأساسي للشركات، وتمنح تصاريح السماح لها بالعمل، وأنظمة استخدام الملكية ضمن منطقة ما، وسواها من الأنظمة المشابهة. وسنتحدث عنِ البيئة القانونية بمزيد من التفصيل في مُلحَق خاص.
العوامل الديموغرافية
تتّصف العوامل الديموغرافية بأنه لا يمكنُ السيطرة عليها، وذات أهمية كبرى بالنسبة لمديري الشركات. وتُعرَّف الديموغرافيا بأنها دراسة الإحصاءات الحيوية للناس، مثل عمرهم، وجنسهم، وعِرقهم، وإثنيتهم، وأماكن انتشارهم. وتساعد الديموغرافية، أو الخصائص السكانية، المديرين في تحديد حجم القوى العاملة وتركيبها. وستصادف موادَ متعلقة بدراسة الخصائص السكانية في حال تابعتَ دراستك في مجال الأعمال.
وتلعب الخصائص السكانية دورًا محوريًا في عديد من القرارات التي تتخذها الشركات؛ فعلى هذه الشركات اليوم أن تتعامل مع التفضيلات التسوّقية التي لدى الأجيال والأذواق المختلفة لهم، والتي يتطلب كلٌّ منها اتباع منهجيةً تسويقية وإنتاج سلع وتقديم خدماتٍ تلبّي احتياجات الزبائن. فعلى سبيل المثال، في أحد أبرز الاقتصادات العالمية، الولايات المتّحدة، وُلِد ما يزيد على 75 مليون شخص، والذين يمثلون جيل الألفية بين عامَي 1981 و 1997. وفي العام 2017، تجاوز عددُ أفراد جيل الألفية الأفرادَ المولودين في فترة طفرة المواليد بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا بين عامي 1946 و 1964، فمثَّلوا بذلك أكبر جيلٍ عرفته أمريكا. ولا يزال التأثيرُ التسويقي الذي يُحدِثُه جيلُ الألفية مستمرًّا وفي تزايد؛ فأفرداه شبابٌ ناجحون وحذِقون تكنولوجيًَّا ومستعدّون لإنفاق مئات مليارات الدولارات على اهتماماتهم. كما إنهم ينفقون أموالهم بحرية، بالرغم من عدم وصولهم بعدُ إلى العمر الذي يكون فيه دخلُهم وإنفاقهم في ذروته.
وهناك فئات عمرية أخرى مثل الجيل X، وهم المولودون بين عامي 1965 و 1980، وكذلك المولودون في فترة طفرة المواليد بين عامي 1946 و 1964؛ ولدى أفراد ذلك الجيل أنماط إنقاقٍ خاصة بهم، ومعظم أفراد طفرة المواليد لديهم المال والرغبة في إنفاقه على صحتهم، ووسائل الراحة، والسعي وراء الترفيه، وعلى شراء السيارات. ومع تقدم السكان في العمر، نجد الشركات توفر مزيدًا من المنتجات التي تروق للمستهلكين الذين في متوسط أعمارهم، ولأولئك الذين تجاوزا الستين.
وإلى جانب ذلك، تمثّل الأقليات أكثر من 38% من تعداد السكان، إذ جاءتِ الهجرةُ بملايين السكان الجدد على مدى العقود العديدة الماضية. ويتوقع مكتب تعداد سكان الولايات المتحدة (United States Census Bureau) ازدياد أعداد الأقليات إلى 56% من مجموع التعداد السكاني للولايات المتحدة بحلول العام 2060. وتقر الشركات بأهمية توظيف قوى عاملة متنوعة. وقدِ ازدادت القوة الشرائية للأقليات بشكل ملحوظ أيضًا، كما أن الشركات أضحت تطور منتجاتٍ وحملاتٍ تسويقية تستهدف الجماعات الإثنية المختلفة.
العوامل الاجتماعية
تؤثر مواقفُنا، وقيمنا، وأخلاقنا، ونمط حياتنا، والتي تمثل معًا المؤثراتِ الاجتماعيةَ، في ما نشتري من سلعٍ وخدمات، وفي طريقة الشراء، ومكانه، وزمانه. وهي عوامل يصعبُ التنبؤ بها، وتحديدها، وقياسها لكونها تأخذ طابعًا شخصيًّا. كما أنها تختلف مع اختلاف مراحل حياة الأفراد. ولدى الناس من مختلف الأعمار طيفٌ واسعٌ من الاهتمامات التي لا تطابق مواصفات المستهلك التقليديةَ، كما يعاني أولئك الناس من "ضيقٍ في الوقت"، فتجدهم يسعَون إلى سُبُلٍ تُكسِبهم سيطرة أكبر على وقتهم. وقد ساهمت الظروف المتغيّرة في استجلاب المزيدٍ من النساء إلى صفوف القوى العاملة، فكان هذا تطورًا زاد من مداخيل الأُسَر، مما أدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات التي من شأنها توفير الوقت، وتغيير أنماط التسوق الأُسَرية، والتأثير في قدرة الأفراد على تحقيق توازنٍ بين العمل والحياة. وبفضل التشديد المستمر والمتزايد حول موضوع السلوك الأخلاقي ضمن المؤسسات، على كافة المستويات، بفضل ذلك بات المديرون والموظفون في بحث دائب عن المنهج الصحيح للتعامل مع بعض العوائق والنقاط الأخلاقيّة الحسّاسة مثل التمييز علىه أساس الجنس، والتحرش الجنسي، وما سوى ذلك من السلوكيات الاجتماعية التي تؤثر في إمكانية تحقيق نجاح مستدام في الشركة.
التكنولوجيا
من شأن الاستعانة بالتكنولوجيا أن يحفّز النمو في النظام الرأسمالي أو في أي نظام اقتصاديٍّ آخر. فالتكنولوجيا (Technology) هي تطبيق المعرفة والمهارات العلمية والهندسية بغرض حل المشاكل المتعلقة بالإنتاج وبالمسائل التنظيمية ضمن المؤسسة؛ فالمعدات والبرمجيات الجديدة، التي تعزز الإنتاجية وتخفّض التكاليف، من ضمن أكثر الوسائل الإنتاجية قيمةً لأي شركة. وتُعرَّف الإنتاجبة (Productivity) بأنها كميةُ السلع التي يمكن للعامل أن يُنتجها، وعددُ الخدمات التي بوسعه أن يقدِّمها. وإلى جانب ذلك، تعتمد قدرتنا على بناء ثروةٍ والحفاظِ عليها بشكل كبير على السرعة والإنتاجية اللتين نستخدم التكنولوجيا في ظلهما بغرض ابتكارِ معدات أكثر فعالية والتكيف معها للارتقاء بالإنتاجية التصنيعية، وتقديم منتجاتٍ جديدة، ومعالجة البيانات بجعلها متاحة بشكل آني ضمن المؤسسة، وللمورّدين والمستهلكين كذلك.
ويستخدم العديدُ من الشركات الكبيرة والصغيرة في الولايات المتحدة التكنولوجيا للتغيير، وتطوير الكفاءات، وضمان انسيابية عمليات الإنتاج. فمثلًا، يمنح التقدمُ المُنجَز في تقنية التخزين السحابي الشركاتِ القدرة على الوصول إلى البيانات وتخزينها من دون تكلُّف عناء تشغيل تطبيقاتٍ أو برامج تُخزَّن على مخدّماتٍ أو أجهزة حاسوب تَشغُل حيّزًا ضمن مكاتبها، إذ يمكن حاليًا الوصول إلى تلك البرامج والتطبيفات عبر الإنترنت. وتسمح التقنيات المُستخدَمة في الهواتف الذكية للشركات بالتواصل مع الموظفين والزبائن والمورّدين عبر شاشة الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية. كما تساعد الروبوتاتُ الشركاتِ في أتمتة المهام المتكررة بما يخفف الحِملَ عن الموظفين ويتيح لهم التركيز على المهام المبنية على المعرفة، والتي لا غنىً للشركات عنها في سياق عملياتها الإنتاجية.
سنتحدث في المقال التالي عن الأنظمة الاقتصادية الرئيسة في العالم التي تتنوع بتنوع البلدان، إلى جانب الحديث عن الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي والمسائل المرتبطة بكل منهما.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding Economic Systems and Business) من كتاب introduction to business
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.