اذهب إلى المحتوى

استراتيجيات التسعير واتجاهاتها الحديثة والمستقبلية وتطوير المنتجات


مجد اسماعيل

في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال سنتوجه للحديث عن الاستراتيجيات التي يمكن اتبعها من قبل الشركات في تسعير منتجاتها، وكذا أهم التوجهات الحديثة والمستقبلية المتوقعة لها، ولعملية تطوير المنتجات؛ من أجل المواصلة في طرح منتجات ذات قيمة للمستهلك.

ما هي الاستراتيجيات المستخدَمة لتسعير المنتجات والتوجهات المستقبلية ذات الصلة؟

يعد تحديدُ السعر المناسب جزءًا مهمًا من الاستراتيجية التسويقية، فالسعر هو القيمة المُدرَكة، أوِ المحسوسة؛ التي يُستَبدَلُ بها شيءٌ ما بآخَر، ويُعبَّر عن القيمة في الولايات المتحدة مثلًا بالدولار والسنت؛ وبذلك، يكون السعر: هو مقدار المال المتبادل لقاء الحصول على منتج ما، فلكَ أن تلاحظ أنَّ القيمة المُدرَكة Perceived Value تشير إلى إدراك قيمة المنتج، عند إنجاز المعاملة المالية (الشراء)، إذ قد يقرر المستهلكٌ، بعد أن يستخدمَ المنتج الذي كان قد اشتراه، أن قيمته الفعلية كانت أقل من القيمة التي تخيَّلها وقت شرائه، ويعتمد السعر المدفوع للمنتج على الرضا المتوقَّع Perceived Satisfaction الذي سيحصل عليه المستهلك، وليس بالضرورة على رضاه الفعلي.

ومع أنّ السعر عادة ما يكون مبلغًا ماليًا بالدولار، أو بعملةٍ أخرى؛ إلا أنه يمكن -كذلك- أن يكون أي شيء له قيمة ملموسة، فعندما يجري تبادل منتجٍ لقاء الحصول على منتج آخر، ُتسمَّى هذه العمليةُ؛ مُقايضة Barter؛ فلوِ استبدل طالبٌ بهذا الكتاب كتابَ رياضيات في نهاية الفصل الدراسي، يكون قدِ انخرطَ في عملية مقايضة.

أهداف التسعير

يعد السعر عاملًا مهمًا في تحديد مقدار ما تكسبه الشركة، فالسعر الذي يدفعه المستهلكون مضروبًا بعدد الوحدات المبيعة؛ يعادل إيرادات الشركة الإجمالية، واﻹيرادات Revenues هي ما يُدفَع لكل نشاط من أنشطة الشركة (اﻹنتاج، والتمويل، والمبيعات، والتوزيع وما إلى ذلك)؛ أما ما يتبقى من أموالٍ (إن حصل ذلك)، فيمثل الربح الذي حققته تلك الشركة، ويسعى المديرون جاهدين لتحصيل سعرٍ يسمح للشركة بالحصول على عائدِ استثمارٍ عالٍ، ويضاعف ذلك العائد إلى أقصى حد، مع الحفاظ على مردودٍ عادل.

ويجب ألا يكون السعر المختار مرتفعًا جدًا، ولا منخفضًا جدًا، كما يجب أن يكون السعر معادِلًا لقيمة المنتج الملموسة، وذلك لاستهداف المستهلكين، فإذا شعر المستهلكون بأنَّ السعر مرتفع جدًا، لن تحقق الشركة أيَّ مبيعات، وهو ما سيؤدي إلى حرمانها من اﻹيرادات، وإذا كان سعر منتج ما منخفضًا جدًا، فقد يرى المستهلكون أنَّ ذلك المنتج يمثل قيمةً كبيرة، ولكن الشركة قد لا تحقق أهداف الربح الخاصة بها، وفي بعض اﻷحيان -كما في حالة الخدمات- يؤدي السعر المنخفض للغاية إلى النظر للمنتج من قبل المستهلكين، بوصفه يفتقر إلى المصداقية، ويؤدي إلى حرمان الشركة من تحقيق مبيعات.

تسعير المنتجات

يستخدم مديرو الشركات استراتيجيات تسعير مختلفة عند تحديد سعر المنتج، وسنشرح ذلك في هذا القسم؛ فتسعير كشط السوق، وتسعير اﻻختراق، هما استراتيجيتان تستخدمان في تسعير المنتجات الجديدة، ويمكن استخدام استراتيجيات تسعيرية أخرى، مثل: التسعير الجاذب، والتجميع، بالنسبة للمنتجات العريقة.

كشط السعر

تُعرَف ممارسةُ تقديم منتج جديد في السوق بسعر مرتفع، ثم تخفيض ذلك السعر بمرور الوقت بكشط السعر Price Skimming، إذ يُخفَّضُ السعرُ -عادةً- بالتزامُن مع حركة المنتج خلال دورة حياته، بسبب دخول منافسين إلى السوق، ومع انخفاض السعر، يمكن لعدد أكبر من المستهلكين شراء المنتج، ومن الأمثلة المعاصرة على كشط السعر؛ مشغلات دي في دي DVD التي كان سعرها حوالي 500 دولار عندما طُرحت للمرة الأولى في السوق، وشاشات التلفاز المسطحة التي كان سعرها في البداية يتجاوز 1000 دولار، وبمرور الوقت، انخفض سعر تلك المشغّلات إلى ما دون 100 دولار، كما أصبحَ ممكنًا شراءُ شاشات التلفزيون المسطحة قياس 40 بوصة من الصنف إنسجنيا Insignia بسعر أقل من 220 دولارًا.

ولكشط السعر أربع مزايا مهمة: أولًا- يمكن أن يكون السعر اﻷولي المرتفع طريقة لمعرفة ما ينوي المشترون دفعه. ثانيًا- إذا وجد المستهلكون أن السعر التمهيدي مرتفع جدًا، فيمكن تخفيضه. ثالثًا- يمكن أن يُكرِّسَ السعرُ التمهيدي المرتفع صورةً للجودة، والمكانة Prestige. رابعاً- عندما ينخفض السعر لاحقًا، قد يعتقد المستهلكون أنهم يحصلون على صفقة رابحة، أما سلبيات كشط السعر، فتتمثل في أنَّ اﻷسعار المرتفعة تجذب المنافسين ليدخلوا بأسعارأكثر انخفاضًا.

ويمكن استخدام كشط السعر لتسعير أي منتجات جديدة افتراضيًا، مثل: أجهزة التلفزيون عالية الدقة، وأدوية جديدة للسرطان، وطابعات كمبيوتر ملونة، فعلى سبيل المثال: أطلقت مؤخرًا شركةُ ذا ريببلك أوف تي وتُتَرجَم إلى جمهورية الشاي The Republic of Tea،شاي اﻹمبراطور الأبيض Emperor’s White Tea، الذي تقول: إنه من أندر أنواع الشاي، وبسبب خضوعه لمعالجة طفيفة -فقط- يُقال: إن الشاي اﻷبيض يحتفظ بأعلى مستوى من مضادات اﻷكسدة، وأنَّه يحتوي على نسبة كافيين أقل مما يحتويه الشاي اﻷسود واﻷخضر، وتقول الشركة -أيضًا- إنّ قطاف ذلك الشاي يجري -فقط- لبضعة أيام من كل عام، قبل تَفتُّحِ الورقة تمامًا، وينتج عن ذلك محصولٌ صغير، ويُباع منتج الشاي ذاك (شاي الإمبراطور الأبيض) بالتجزئة مقابل 16 دولارا لكل علبة من 50 ظرفًا، فليسَ شرطًا أن تكلف المنتجاتُ مئات الدولارات ﻻستخدام استراتيجيات كشط السعر.

التسعير الاختراقي

إنّ الشركة التي لا تستخدم كشط السعر Price Skimming، ستستخدم على الأرجح التسعير الاختراقي Penetration Pricing. وبهذه الرؤية، تقدم الشركةُ منتجاتٍ جديدة بأسعار أكثر انخفاضًا، على أمل تحقيق كميات كبيرة من المبيعات، وهذا ما فعلته شركة بروكتر وغامبل Procter & Gamble بالنسبة لفرشاة الأسنان الدوّارة سبين براش SpinBrush؛ ويتطلب التسعير الاختراقي تخطيطًا أوسع مما يتطلبه كشط السعر، لأن الأول يقتضي من الشركة الاستعداد لإنتاجٍ، وتسويقٍ شاملَين، فعندما دخلت شركة تكساس إنسترومنتس Texas Instruments سوق الساعات الرقمية، كان باستطاعة منشآتها في مدينة لوبوك Lubbock بولاية تكساس إنتاج 6 ملايين ساعة في السنة، وهو عدد كافٍ لتلبية الاحتياج العالمي كاملًا من الساعات رخيصة الثمن، ولو كانت الشركة مُخطئةً في تقديرها للطلب على ساعاتها، فستكون خسائرها كبيرة جدًا.

وهناك فائدتان، أو ميزتان للتسعير الاختراقي، الأولى: هي أنَّ السعر المبدئي المنخفض قد يحثّ المستهلكين على تغيير العلامات التجارية، أو الشركات، والتعامل مع تلك التي تقدم ذلك النوع من التسعير. ومن الأمثلة على ذلك: عندما استهلت سلسلة مطاعم ماكدونالدز العام 2018 بمجموعة من العروض الجديدة تسمى "قائمة الدولار، والدولارين، وثلاثة الدولارات"، التي تتيح للزبائن الاختيار بين مكونات مختلفة، ضمن تلك القوائم الثلاث، وربما تكون ماكدونالدز قد أقدمت على تخفيض الأسعار لجذب المزيد من الزبائن، بعد أن أشارت تقديراتٌ إلى أن عدد زائري فروع ماكدونالدز قد تراجع بنسبة 11% تقريبًا في الفترة من 2012 إلى 2016. أما الميزة الثانية للتسعير الاختراقي، فهي أنه قد يجعل المنافسين يُحجمون عن دخول السوق ذات الصلة، لأن التكاليف التي سيتكبدونها ستكون أعلى؛ مما سيجبرهم على بيع المزيد بالسعر ذاته؛ للوصول إلى نقطة التعادل أي تعادُل التكلفة، والإيرادات.

التسعير الجاذب

تطلق تسمية التسعير الجاذب Leader Pricing على تسعير المنتجات بأقلَّ من المستوى الطبيعي للتسعير، وهو سعر المنتَج بعد حساب التكلفة، وإضافة هامش الربح، أو بأقل حتى من سعر التكلفة لجذب المستهلكين إلى أحد المتاجر التي لم يكونوا ليتسوقوا فيها لولا ذلك التخفيض الكبير في السعر، وُيشار إلى المنتج المُسعَّر بأقل من سعر التكلفة باسم: رائد الخسارة، أو السعر الجاذِب Leader Loss، ويأمل بائعو التجزئة أنَّ هذا النوع من التسعير سيزيد من كمية مبيعاتهم الإجمالية، وبالتالي سينعكس ذلك بزيادة هامش أرباحهم.

وعادة ما تكون المواد المُسعَّرة تسعيرًا جاذبًا، معروفةً جيدًا، ويكون سعرُها مخفَّضًا بما يكفي لجعلها مرغوبة من قبل العديد من المستهلكين، وهي -أيضًا- المواد التي سيشتريها المستهلكون بسعر أقل، حتى ولو كان عليهم شراؤها من غير تلك الأصناف التي اعتادوا على شرائها، وتُعدُّ القهوة، واللحم المُقدَّد، من المنتجات التي غالبًا ما تطرحُها المتاجر، بوصفها مُسعَّرةً تسعيرًا جاذبًا، كما تعتمد المتاجر ذات الأقسام المتنوعة، والمتاجر المتخصصة، على التسعير الجاذب اعتمادًا كبيرًا.

تسعير الخدمات

يعدُّ تسعير الخدمات أكثر تعقيدًا من تسعير السلع، فقد تُسعَّرُ الخدمات بوصفها نمطية (قياسية)، ومنها السعر الذي يتقاضاه الحلّاق -مثلًا- مقابل قصة شعر، أو قد يكون التسعير مبنيًا على الخدمات المصممة بشكل مخصص لمشترٍ محدد، ومنها الأسعار التي يتقاضاها مهندس معماري مقابل تصميم مبنىً جديد.

التسعير قبل الأعاصير وخلالها وبعدها

شهدت أواخر صيف العام 2017 أعاصير مدمِّرة طال تاثيرها مناطق واسعة من تكساس وفلوريدا، وبورتوريكو، وجُزُر العذراء، ومثلما يحدث -غالبًا- في ظروف مشابهة لتلك، وردت تقارير عديدة حول قيام متاجر، وفنادق، ومنشآت خدمية، برفع أسعارها رفعًا جنونيًّا، علمًا بأنه لدى العديد من الولايات قوانين ضد رفع الأسعار خلال الكوارث الطبيعية، ولكنّ صورةً انتشرت على نطاقٍ واسع في تطبيق تويتر، لأحد متاجر شركة البيع بالتجزئة بست باي Best Buy الذي كان قد سعَّرَ صندوق زجاجات ماء، يحتوي على 24 زجاجة ب 42 دولارًا، بينما كان يُباع ذلك الصندوق بسعر يتراوح بين 5 إلى 8 دولارات؛ ولذلك فقد بدا أنَّ سعر 42 دولارًا مقابل ذلك الصندوق مثالًا على الرفع الجنوني للأسعار، وبعدها قامت شركة بست باي بمعالجة أمر ذلك السعر الباهظ، وأصدرتِ اعتذارًا، مُصرِّحةً بأنها لا تبيع صناديق زجاجاتِ ماءٍ -عادةً- وأنَّ موظفًا لديها أراد أن يُقدِّم خدمةً قبيل وصول الإعصار، فقام ببساطة بضرب سعر الزجاجة الواحدة، التي تبيعها متاجر الشركة -عادةً- برقم 24 الذي يمثل عددَ الزجاجات التي يحتويها صندوق الزجاجات الواحد، وكان هدفُ الشركة من ذلك نزعَ فتيل أي ردَّةِ فعلٍ سلبية تجاه "الخطأ" في التسعير.

ومن الأمثلة الأخرى على كيفية تعرُّضِ شركةٍ ما، إلى اتهاماتٍ برفع السعر رفعًا جنونيًّا؛ ما يحدث مع الشركات التي تستخدم التسعير المرن الديناميكي Dynamic Pricing، وهو تسعيرٌ تُستخدَم فيه خوارزميات حاسوبية تحلل الطلب Demand، ثم ترفع الأسعار بالتوازي مع ارتفاع ذلك الطلب، ومن الشركات التي تستخدم التسعير المرن (الديناميكي) شركةُ أمازون Amazon، عملاقُ التجزئة الإلكتروني، فقد شهدَ المستهلكون ارتفاعًا في أسعار منتجاتٍ مثل: المولدات الكهربائية، والماء، خلال الأيام التي سبقت أعاصير هارفي، وإيرما، وسان خوان في العام 2017.

ويعتقد بعض الاقتصاديين، وقادة الفكر، أنَّ ارتفاع الأسعار خلال أحداثٍ مثل: الأعاصير؛ هو أمرٌ جيد، ويصرَّحُ اقتصاديون من مدرسة شيكاغو للاقتصاد Chicago School of Economics أنَّ تنظيم الأسعار الأكثر انخفاضًا خلال الكوارث الطبيعية؛ يجعل المستهلكين لا يشترون المستلزمات الأساسية، مثل: الماء، والبنزين، إلا عند حلول الكارثة، لأنَّ بوسعهم توقُّع ما ستكون الأسعار في حال كانت مضبوطةً، أو منظَّمة، وبالإضافة إلى ذلك، فلنفترض أنَّ أحد الفنادق يؤجِّرُ الغرفة مقابل 50 دولار لليلة واحدة عادةً، ثم قرر رفع السعر خلال الإعصار إلى 100 دولار للغرفة، فالذي سيحصل هو أنَّ العائلة الواحدة قد تقرر النزول في غرفة واحدة، بدلًا منِ استئجار اثنتين، مما يمكنها من توفير بعض المال من جهة، ويؤدي إلى زيادة عرض الفندق من الغُرَف للناس الذين هم بحاجة ماسّة لها.

أسئلة التفكير الناقد:

  • ما هي المخاطر التي تواجه شركاتٍ، مثل بست باي، وأمازون، عندما يحدثُ أن تبيع منتجًا لا تبيعه -عادةً- ثم تُتَّهَم برفع الأسعار، أو عندما تستخدم التسعير المرن (الديناميكي)؟
  • لِمَ يُنظَرُ إلى التسعير المرن (الديناميكي) على أنه مقبول لبيع تذاكر الأحداث الرياضية، وغير مقبول خلال الكوارث الطبيعية؟
  • هل تتفق مع الحجج التي يسوقها اقتصاديّو السوق الحرة؛ تأييدًا للأسعار المرتفعة؟

التجميع

ويعني ضمَّ نوعين، أو أكثر، من المنتجات المرتبطة ببعضها، وتسعيرها جميعًا، بوصفها منتجًا واحدًا، فعروض مجموعة ماريوت الفندقية Marriott غالبًا ما تتضمن الغرفة، والفطور، إضافة إلى خدمة واي فاي Wi-Fi مجانًا، كما قد تقدم المتاجرُ متعددة الأقسام غسّالةً، ونشَّافةً -معًا- بسعر أكثر انخفاضًا، مما لوِ اشتُريَت كلًّا منهما منفصلين.

ويتمثّل الهدف من التجميع في الوصول إلى شريحة من المستهلكين، لا تصلها المنتجات التي تُباع منفصلةً بشكل فعّال، ويكون بعض المشترين على أتمّ استعدادٍ لشراء منتجٍ ما، ولكنَّ نسبة حاجتهم، أو استخدامهم للآخر أقل بكثير منها بالنسبة للأول، وبذلك يكون من شأن تجميع المنتج الثاني مع الأول بسعرٍ أقلّ بقليل؛ أن يساهم في تنشيط مبيعاتٍ؛ لم تكن لتنشط؛ لولا عملية التجميع تلك، فمثلًا، يُجمَعُ شامبو أوسي 3 دقائق ميراكل Aussie-3 Minutes Miracle عادةً مع البَلْسَم (مُنعِّم الشعر) الخاص به؛ لأن معظم الناس يستخدمون الشامبو أكثر من البلسم، لذا فلا حاجة بهم إلى شراء زجاجة جديدة من الأخير.

التسعير الكسري

يلعب علمُ النفس -غالبًا- دورًا كبيرًا في نظرة المستهلكين إلى الأسعار، وكذلك بالنسبة لتلك التي سيدفعونها، فالتسعير الكسري Odd-Even Pricing أو التسعير النفسي Psychological Pricing هو رؤية اقتصادية تهدف إلى وضع أسعار برقمٍ شاذّ، أو فردي؛ للإيحاء بصفقةٍ ما، وبرقمٍ زوجي للإيحاء بالجودة، وقد لجأ بائعو التجزئة لسنواتٍ إلى تسعير سلعهم بأرقامٍ فردية (مثلًا: 99.95 دولارًا، أو 49.95 دولارًا) لإيهام المستهلكين بأنهم يدفعون سعرًا أقل؛ لقاء حصولهم على المنتَج.

التسعير المفخم

يطلق مصطلح التسعير المُفخَّم، أو أسعار المكانة Prestige Pricing على استراتيجية رفعِ سعرِ منتجٍ ما؛ بحيث ينظر إليه المستهلكون على أنه ذو جودةٍ، أو صفةٍ، أو قيمةٍ عالية، ويشيع استخدامُ هذا النوع من التسعير، عندما يدل السعر المرتفع لمنتجٍ ما، على جودة حالته، ففي المتاجر المتخصصة في حي التسوق روديو درايف Rodeo Drive، الواقع في مدينة بيفرلي هيلز Beverly Hills بولاية كاليفورنيا الأمريكية، التي تلبي احتياجات أثرياء هوليوود، يبلغ سعر القميص الذي يُباع بـ 65 دولارًا في الأماكن الأخرى؛ بسعر 150 دولارًا هناك، وإذا كان سعر ذلك القميص أقل من ذلك، فقد يُنظَر إليه من قبل المستهلكين على أنه منخفض الجودة، كما يشيع استخدام التسعير المفخَّم بكثرة في مجال الخدمات، لأن هناك طلبًا مرتفعًا على مقدِّمي الخدمات المميزين؛ ذوي السمعة الحسنة، والذين لا يمكنك الحصول على خدماتهم إلا بعد أن توضَع على قائمة انتظار، ويعود سبب ذلك إلى أنَّ الخدماتِ مرتبطة بالجهات التي تقدمها؛ والتي يكون وقتها محدودًا؛ بسبب انشغالها الدائم بتقديم تلك الخدمات، فبمجرد امتلاء قائمة طالبي تلك الخدمات، يزداد الطلب، فتتحول أسعار تلك الخدمات إلى أسعار مفخّمة.

التوجهات الحديثة في تطوير المنتجات والتسعير

معَ ازديادِ طلبات المستهلكين، واحتدامِ المنافسة، سيبتكر المديرون؛ ذوو البصيرة استراتيجيات لإرضاء أولئك المستهلكين، وطرحِ منتجاتٍ متميزةٍ في السوق، ولكنَّ إرضاءَ المستهلكين يتطلبُ وجود أسعارٍ تناسبهم، إذ بات الإنترنت يوفّرُ مرجعيةَ تسعيرٍ لكل من البائعين والمشترين، ومن التوجهات الحديثة الأخرى، استخدامُ التسويق الشخصي لإنشاءِ مزيجٍ تسويقيٍّ مخصص لكل مستهلك.

تأثير الإنترنت على التسعير

لقد بات الإنترنت، والشبكات ضمن الشركات، والاتصالات اللاسلكية تربط بين الناس، والشركات، والآلات؛ كما ينطبق ذلك على البائعين، والمشترين، وهو أمرٌ لم يحدُث من قبل، ومن شأن هذا الارتباط؛ تمكينُ المُشترين من الموازنة بين الأسعار، والمنتجات بسهولة، ووضعهم في وضعٍ تفاوضيٍّ أفضل، وبالإضافة إلى ما سبق، تُمكِّنُ التقنية الحديثة البائعين من جمع بياناتٍ تفصيليةٍ، حول العاداتِ الشرائية للمستهلكين، وتفضيلاتهم، بل وحتى حدود الإنفاق الخاصة بهم؛ بحيث يمكن لأولئك البائعين المواءمة بين منتجاتهم وأسعارهم في ضوء ما سبق ذكره من عوامل، وقد غيرت شركة أمازون Amazon -إلى جانب شركاتٍ أخرى تعمل عبر الإنترنت من شركات التجزئة التقليدية، مثل وول مارت Walmart -غيرت مشهد قطاع البيع بالتجزئة، كما أنّ برنامج الاشتراك السنوي أمازون برايم Amazon Prime التابع لشركة أمازون، قدِ انتزعَ الحصة السوقية من المتاجر الكبيرة؛ التي تبيع بأسعار منخفضة مثل كوستكو Costco وسامز كلوب Sam's Club.

وتستمر محركاتُ موازنة الأسعار عبر الإنترنت، المعروفة بمواقع موازنة الأسعار Shopbots، في إضافة ميزات، وسِماتٍ جديدة، فموقع ShopSmarter مثلًا، يتضمن حاليًا قسائم (كوبونات)، وخصومات إضافية على الأسعار، من قبل متاجر التجزئة في نتائج الأسعار التي يُظهِرُها ذلك الموقع، ففي السابق، كان على المتسوق البحث عميقًا داخل الموقع الإلكتروني لمتجر التجزئة؛ ليكتشف مثل تلك التوفيرات، أو التخفيضات الإضافية في الأسعار، وتوفر شركة فينديو إي كوميرس Vendio eCommerce للتجارة الإلكترونية، أحد أشرطة الأدوات؛ التي بوسع المستهلكين تحميلها لديهم، فعندما يكون شخصٌ ما يتصفح صفحة الويب الخاصة بأحد المنتجات، مثل هاتف آيفون iPhone أو كاميرا رقمية صنف كانون Canon، يقوم شريط الأدوات ذاك بإظهار تنبيهٍ ذي وميض، عندما يكتشف سعرًا أقلَّ لذلك المنتج ذاته في مكان آخر، وعندها يمكن للشخص الذي يبحث عن المنتج فتحُ نافذة على جانب صفحة الموقع؛ ليطَّلِع على تفاصيل السعر الآخر؛ الأقل من ذاك المعروض في صفحة المنتَج، كما يمكنه ببساطةٍ تجاهل ذلك التنبيه الذي يرسله شريط الأدوات المذكور، وقد طرحت شركة باي سيف BuySAFE موقعًا إلكترونيًا يتيح للمستهلكين البحثَ بين حوالي 1.5 مليون منتجٍ مع ضماناتٍ ضد الاحتيال، فإذا اشترى شخصٌ أحد المنتجات، ولكن البائع لم يسلّمه إياه، فبإمكانِ الأول الحصول على تعويض عن كامل التكلفة بما يصل إلى حد 25.000 دولار، ومن بين الجهات التجارية على ذلك الموقع تلك التي تبيع على موقِعَي eBay.com وOverstock.com.

ولقدِ ازدهرَ استخدامُ تلك المواقع في السنوات القليلة الأخيرة، بالتوازي معَ ازدياد اعتماد الناس على الإنترنت؛ إما بوصفه أداة بحث، أو منصّةً للتسوق، وبحسب دراسة حديثة، تبيَّن أنّ 90% من المستهلكين قدِ استخدموا الهواتف الذكية للموازنةِ بين الأسعار خلال التسوق في المتاجر، ويعود الفضل في كثيرٍ من النمو إلى مواقع إلكترونية عريقة مثل Shopify، وBizrate، وNexTag، بالإضافة إلى أقسام التسوق في مواقع أمازون Amazon، ومايكروسوفت إم إس إن Amazon MSN، وغوغل Google. ويتمثل الجاذب الأكبر لخدمات موازنة الأسعار -بلا شك- في السعي نحو الظَّفَر بصفقة أفضل، كما أن التجار يفضلون تلك المواقع؛ لما لها من دورٍ في تنشيط إنفاق المستهلكين، إذ إن الذين يستخدمون منهم مواقع موازنة الأسعار الإلكترونية أثناء التسوّق للحصول على معلوماتٍ حول المنتجات، أو على قسائم شرائية تتضمن تخفيضاتٍ على الأسعار ضمن المتاجر؛ ينفقون أموالًا أكثر من أولئك الذين لا يستخدمونها.

التسويق الشخصي

يُعرَّف التسويق الشخصي One-to-One Marketing بأنه إنشاء مزيجٍ تسويقي فريد، وخاص بكل مستهلك، وتعد قاعدة البيانات الجيدة، السبيل الأنسب إلى تحقيق ذلك؛ لأن المعلومات التي تتضمنها قاعدة البيانات تلك، تساعد المديرين في التعرف إلى المستهلكين الحاليين، والمحتمَلين، وفهمهم، وذلك على أساسٍ فردي، أما قاعدة البيانات التسويقية، أو قاعدة بيانات التسويق Marketing Database، فهي ملفٌّ مُحَوسَب خاص بالمستهلكين الحاليين، والمحتمَلين، وأنماطهم الشرائية.

في ستينات القرن العشرين، مكَّنت شبكاتُ التلفزة أصحابَ الإعلاناتِ من "إيصال الرسالة ذاتِها إلى الجميع بشكل متزامن"، وبوسع التسويق على أساس قاعدة البيانات Database Marketing اليوم إيصالُ رسالة فردية، ومخصصة إلى الجميع عبر البريد الإلكتروني المباشر، أو عبر الإنترنت، وهذا هو سبب تسمية التسويق على أساس قاعدة البيانات بالتسويق على المستوى الجزئي Micromarketing. ويمكن للتسويق على أساس قاعدة البيانات، إنشاءُ صيغة مُحَوسَبة للعلاقة القديمة؛ التي اعتاد الناسُ على نسجها مع المتاجر القريبة من منازلهم، ومع القصّاب والخبّاز.

يقول ريتشارد. جي. بارلو Richard G. Barlow، رئيسُ شركة فريكوينسي ماركتنغ Frequency Marketing، وهي شركة استشاراتٍ، مقرها في مدينة سينسيناتي Cincinnati بولاية أوهايو الأمريكية، يقول: "قاعدة البيانات هي نوع من الذاكرة الجمعية، وتتعامل معك مثل متاجر البقالة الصغيرة؛ التي ترتادها -عادة- حيث يعرفك أصحابُها بالاسم، ويخزنون سلعًا أنت بحاجة إليها".

ولابد من أنك سمعتَ بمصطلح البيانات الضخمة Big Data؛ إذ إنّه بوسع شركات مثل فيسبوك Facebook وغوعل Google معالجةُ معلوماتٍ، واستخدامها لتزويد المسوِّقين بأهدافٍ ذات ربحية عالية، فمثلًا: تخيل أنك، وأصدقاءك تناقشون قضاء عطلة في فصل الربيع، ثم بدأت تبحث عن بعض المواقع في منطقة خليج فلوريدا الأمريكية، فالبيانات في هذه الحالة، بالتوازي مع تلك المتعلقة بالمجموعة الاجتماعية التي تناقش قضاء تلك العطلة، يمكن أن تُباع للشركات التي توفر خدماتِ سفر، ورحلات طيران، وحجوزاتٍ فندقية، وهكذا، ثم تتفاجأ، وأصدقاؤك برؤية عروضِ سفرٍ، ووجهاتٍ بديلة على صفحتك الشخصية في فيسبوك. أو تخيل أنك تبحث عن روايات غامضة لتقرأها خلال رحلة طيران طويلة، أو تبحث عن طريقة لإزالة بقع صدأ من على سُترتك، ثم عندما تفتح موقع أمازون Amazon، تجد عدة روايات جديدة غامضة، وحلولَ تنظيف، معروضة عرضًا يسهل تمييزه على صفحتك في ذلك الموقع، يجري كل ذلك عبر استخدام البيانات الضخمة، والتحليلات الإحصائية؛ لتزويد المستهلكين بحلول يبحثون عنها، بالإضافة إلى منتجات لم يكونوا يعلمون حتى أنهم بحاجة إليها.

صورة 11.9 فصل 11.png

الصورة 11.9: الإعلان، والتسويق التقليديان والموجه باستخدام البيانات الضخمة. حقوق الصورة محفوظة لجامعة رايس Rice Universityـ أوبن ستاك OpenStax.

إنَّ حجم بعض قواعد البيانات مذهل: فلدى شركة فورد موتورز Ford Motors حوالي 50 مليون اسم، و30 مليونًا لدى شركة كرافت جنرال فودز Kraft General Foods، و 30 مليونًا -كذلك- لدى شركة سيتي كورب Citicorp، و10 ملايين اسمٍ لأهالي الأطفال، لدى شركة كمبرلي كلارك Kimberly Clark؛ وهي مُصنِّعة حفاضات هجيز Huggies، وبإمكان شركة أميركان إكسبريس American Express أن تسحب من قاعدة البيانات الخاصة بها حاملي البطاقات كافة؛ الذين أجرَوا عمليات شراء من المتاجر الرياضية في الأشهر الستة الأخيرة، والذين حضروا حفلات موسيقية، أو الذين سافروا إلى أوروبا أكثر من مرة خلال السنة الماضية، إضافة إلى القلة منهم الذين فعلوا تلك الأمور الثلاثة معًا.

وتستخدم الشركاتُ قواعد البيانات الخاصة بها؛ لتطبيق التسويق الشخصي One-to-one Marketing، فشركة نوفارتيس سيدز Novartis Seeds Inc.؛ وهي شركة زراعية؛ مقرها مدينة مينيابوليس Minneapolis بولاية مينيسوتا الأمريكية، تنتج نشرات مخصصة، وملونة، لسبعة آلاف مزارع، وتُظهر كل قطعة من تلك النشرات المنتجاتِ المختارة من قبل وكلاء شركة نوفارتيس سيدز لكل مزارع بذاته، بناءً على المعلومات التي جرى جمعُها حول عملية الإنتاج في المزرعة، وأنواع المحاصيل المزروعة، وبدلًا من الدليل المؤلف من 30 صفحة، الذي اعتادت الشركة على إرساله للمزارعين، يحصل المستهلكون على نشرة واحدة مؤلفة من صفحة واحدة، تتضمن خمسة، أو ستة منتجات يحتاجون إليها -فقط- بالإضافة إلى منتجاتٍ تكميلية أخرى؛ يشعر وكلاء الشركة بأن على المزارعين أخذُها بالحسبان.

ترجمة -وبتصرف- للفصل Creating Products and Pricing Strategies to Meet Customers Needs من كتاب introduction to business.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...