قد تكون القفزة التي تتخذها من كونك مطوّر ووردبريس يعمل في وقت الفراغ أو لصالح رئيسك في العمل باتجاه العمل كمستقل بدوام كامل خطوةً صعبة، لكنها مثيرة في نفس الوقت. وإذا كنت شخصًا مثلي فستجد تفكيرك منصبًا على العمل نفسه دون أن تلتفت للجانب المادي من الموضوع.
إلا أنّ هذا التفكير قد يُشكّل خطأ كبيرًا، ففي الوقت الذي تُقرّر فيه أن تصبح مستقلًا ستبدأ بإدارة أمورك المالية بشكل مباشر، فأنت المدير والموظف معًا في هذه الحالة، بل ولعلك تؤسس شركتك الخاصة وحينها ستجد نفسك مضطرًا لتدبير الأمور المالية والتجارية بشكلٍ أكبر. قد لا يكون ذلك أمرًا مثيرًا لكنه ضروري وهام.
يتّجه أغلب المطورين للعمل بشكلٍ مستقل، لذا إن أرت أن تحقق النجاح في كسب معيشتك وأن تبقى مرتاح البال، فهناك بعض الجوانب التجارية الأساسية التي ينبغي عليك كمستقل أن تتعامل معها بشكلٍ صحيح.
سنتحدّث في هذا المقال عن أربعة أخطاء شائعة يقع فيها المستقلون مع انطلاقتهم في العمل، سأعطيك بعض الأمثلة المؤلمة من تجاربي وأخطائي في هذا الصدد علّك تستفيد منها، كما سأقتبس تجارب بعض من استطاعوا التعامل مع هذه الجوانب بشكلٍ صحيح، بالإضافة لنصائح قد تساعدك في تجنّب ارتكاب الأخطاء.
الخطأ الأول: التسعير المُنخفض
دعنا نقول بأنك قد عملت فعلًا لصالح شركة ما لبضع سنوات، وأنك قد اكتسبت بعض الخبرة والمهارات العملية، ولربما تستخدم ووردبريس يوميًا في عملك بشكلٍ جزئي أو كليّ.
تبعًا لوكالة التوظيف فإن متوسط أجور مطوري الوِب في المملكة المتحدة يبلغ حوالي 40324£ وهو ما يعادل 62500$ بسعر صرف اليوم.
وعلى افتراض أن المستقل سيعمل 40 ساعة أسبوعيًا فهذا يعني بأن أجر الساعة سيقارب 30$. وبالتالي ينبغي عليك البدء بالعمل الحرّ وأنت تعلم حاجتك لرقم أعلى من ذلك لتغطية النفقات الجانبية العامة. لنقل إذًا أنك ستضيف 50% إلى ما سبق ليصل الأجر النهائي لقرابة 45$ في الساعة.
“45 دولارًا في الساعة، يبدو هذا مبلغًا جيدًا" ستخبر نفسك مسرورًا. وإذا عملت لبضعة ساعات إضافية (لعلك كنت تؤديها مجانًا فيما سبق كموظف) فقد يصل مجمل عملك الأسبوعي إلى 50 ساعة مُحققًا 117،000$! هل تشعر الآن بأن أبواب الثروة تنتظرك وبدأت تخطّط لعطلةٍ مُذهلة.. مهلًا لنتوقّف لبرهة.
الأمور ليست بهذه البساطة.
دعنا نعود خطوةً إلى الوراء ونفكّر مُجددًا بشكلٍ واقعي في عدد الساعات المُنتجة التي يمكنك أن تنجزها في عامك الأوّل كمستقلّ. في الحقيقة فإنه لن يمكنك كمبتدئ أن تعمل لأكثر من 30 ساعة منتجة أسبوعيًا، ولعلّها أقل لا سيما في الأسابيع الأولى حيث تمضي وقتك وأنت تتصيّد المشاريع وتُقدّم العروض. حتى إن كنت محظوظًا وتلقيت الكثير من العمل فستجد بأن يومك يتضمن ساعات عمل غير منتجة كالتسويق لنفسك، دفع الفواتير، إدارة سير العمل، والوقت الذي تمضيه على تطوير نفسك مهنيًا.
رغم ذلك لنكن متفائلين ولنقل بسخاء أنك ستعمل لثلاثين ساعة منتجة أسبوعيًا.
علاوةً على ذلك أنت بحاجة لبعض العطل والإجازات وكذلك سيكون هناك أيام للمرض، ففي حال مرضك لن تكون قادرًا على كسب أي دولار. سنقدّر أنك بحاجة لخمسة أسابيع سنويًا كعطلة، وأسبوع راحة بسبب المرض.
إلى الآن أنت تعمل 30 ساعة منتجة في الأسبوع، 46 أسبوع في السنة، بأجر 45$ للساعة الواحدة، وهذا يعني بالمحصلة 62100$! وهو أقل بكثير من أحلام الـ 117000$ سنويًا.
بل أكثر من ذلك، لا تنسَ تكاليف العمل والضرائب الحكومية؛ إذ ستحتاج في سنتك الأولى لشراء حاسوب جديد على الأرجح، وإلى حضور دورة أو أكثر، بالإضافة لتكاليف استضافة النطاق الخاص بك، وشراء رخص البرمجيات، وما تنفقه كاشتراك في مساحات العمل أو المقاهي، حيث ستتراوح هذه التكاليف ما بين 3 آلاف إلى 15 ألف دولار تبعًا لاحتياجاتك، لنقل 8000$ بشكلٍ متوسط، والآن لديك أرباح تساوي 54100$.
لا تنسَ الضرائب أيضًا، والتي تتفاوت قيمتها تبعًا لمكان إقامتك وفيما إذا كنتَ تعمل كشركة أو سجّلت نفسك كمستقل. في المملكة المتحدة فإن أرباح 54100$ سنويًا تكلّف 13100$ من الضرائب للأشخاص المسجلّين كمستقلين. وهكذا سيتبقى لك 41100$ فقط!
كما ترى فهذا أقل بـ 21400$ مما كنت تكسبه كموظف رغم أنك كنت تتقاضى 50% أقل كأجر ساعة، ودون توتر وقلق العمل الحرّ.
تخلّص من حساباتك القديمة
حسنًا، ماذا تعني تلك الحسابات؟
إنها تخبرك أن تنسى ما كنت تتقاضاه سابقًا كموظف، عندما تجري حساباتك لتحديد الأجر الملائم لساعة عملك. بدلًا من ذلك استخدم هذه الصيغة البسيطة:
- قرر كم تحتاج لتكسب شهريا واضربه في 12 لمعرفة الراتب السنوي. فكر فيما تحتاجه للإيجار، الفواتير، الغذاء، النقل، ونفقات المعيشة...الخ.
- أضف نسبة مئوية تتلاءم مع الضرائب التي يتوجب عليك دفعها، بناءً على معدلات الضريبة في مكان إقامتك.
- أضف تقديرًا سخيًا للتكاليف الأخرى، لا تعتمد على مجرّد التخمين فقط بل احسب بالضبط النفقات التي سوف تدفعها على كلّ من: الأجهزة، البرمجيات، الاشتراكات، الهواتف، الدورات وما إلى ذلك ولا تنسَ تكاليف التأمين الصحي ومعاش التقاعد.
- الرقم الذي لديك الآن هو ما عليك كسبه سنويًا. قد تلاحظ في عامك الأوّل أن هذا أقل مما كنت تجنيه مع الوظيفة، وهو شيء متوقع في البداية.
- قسّم هذا الرقم على عدد أسابيع العمل سنويًا، دون أن تهمل احتساب أيام العطل الرسمية وأيام للمرض.
- أخيرًا قسّم الرقم مرةً أخرى على عدد ساعات العمل المُنتجة في كل أسبوع (أقترح كحد أقصى30 ساعة، لكن ربما25 ساعة في السنة الأولى رقم أكثر من واقعي).
- الآن أنت تعرف معدّل أجر الساعة الخاص بك.
كمثال؛ فإذا كنت تنوي أن تكسب 62500$ سنويًا، فهذا يكافئ أجر 73$ للساعة الواحدة، والأرقام تختلف تبعًا لظروفك واحتياجاتك، لكن وفق مثالنا السابق فنحن نتحدّث عن الضعف تقريبًا بالنسبة لمطوّر الوِب (45$ VS 73$).
جرّب استخدام آلات حاسبة مثل yourrate أو motivapp لمساعدتك في حساب المعدّل الخاص بك.
الخطأ الثاني: إهمال العقود
ها أنت ذا قد حدّدت أجر ساعة عملك بشكلٍ واقعي، الآن سيتوجب عليك البحث عن بضعة عملاء ممن هم مستعدون للدفع لك مقابل إنجاز مشاريعهم.
البحث عن عميلك الأول أمر مثير للغاية؛ إنها بداية حياتك المهنية الجديدة ولديك مقدار كبير من الحماسة والثقة. إذ لا أزال أذكر تلك المكالمة التي حصلتُ فيها على عميلٍ جديد في نهاية يوم عمل متعب للغاية في وظيفتي القديمة، يومها لم أملك الصبر ريثما أعود للمنزل وأشرع في العمل، حتى أن مديرتي القديمة في العمل سرّت من أجلي ولم تبدي انزعاجها من خسارة عملي معهم!
لكن مهلًا، مرةً أخرى أنت بحاجة للتوقّف قليلًا قبل أن تسترسل في تخيّل حماسة إيجاد العميل الأول الذي سيدفع لك، لنؤكّد على بعض النقاط.
مهما كنت معجبًا بعميلك الأول ومهما كان يبدو شخصًا جديرًا بالثقة فأنت بحاجة إلى توقيع عقدٍ معه. فحتى أفضل العملاء معرضون لمشاكل بالسيولة المالية، بل قد يتعرض أحدهم للإفلاس أثناء تعاملك معه. وفي هذه الحالة فأنت بحاجة إلى وسيلة قانونية كي يدفع لك، أو على الأقل ليُحدد موعدًا مُلزمًا للدفع.
سيخبرك أي رجل أعمال أو أي مستقل خبير بأن مشاكل السيولة المالية هي القاتل الأكبر للمستقلين الجدد المتحمسين، بل وأخطر من معدّل دخلك، إذ يمكنك أن تكسب الكثير من المال في سنتك الأولى، ولكن في حال لم تتوفر لديك سيولة مالية منتظمة بشكل شهري فلن تعود قادرًا على دفع فواتيرك، وبالتالي ستجد نفسك قد خسرت التجربة في بداياتها.
لذا تأكد من أنّ عملائك سيدفعون لك في الوقت المحدد، من خلال التوقيع على عقود عمل ملائمة قبل كل مشروع جديد، بل لا تبدأ العمل حتى تتفقا على صيغة العقد وتوقعا عليه. وإذا احتاج عميلك البدء سريعا بالعمل، فهذا يوجب عليه أن يوقّع تلك العقود سريعا أيضًا.
لقد وقعتُ مرةً بهذا الخطأ في بداية انطلاقي مع العمل الحرّ، وقتها كنت لا أزال في وظيفتي بينما أعمل كمستقل في وقت الفراغ، ولذا لم أكن قلقًا حيال الجوانب المالية للعمل الحرّ على اعتبار أن دخلي الأساسي كان ثابتًا ومنتظمًا. في ذلك الوقت قبلت إنجاز مشروع لعميل كان يعاني صعوبات مالية (دون أن أعلم ذلك)، كان المشروع عبارة عن تطوير موقع، وقد تقابلنا وجهًا لوجه لمرة واحدة ثم تواصلنا عبر البريد الإلكتروني، ولم يتسنّ لنا توقيع عقد.
ظهرت المشكلة عندما حان وقت الدفع، إذ لم يكن لدى العميل سيولة مالية، وكنتُ في آخر قائمة الدائنين تمامًا، إذ كان وشركاؤه قد اقترضوا المال من بعض الشركات الكبيرة والمحمية قانونيًا، وهكذا استغرق الأمر مني الكثير من رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية (والتي لم يكن يُردّ عليها). أخيرًا قرّرت الذهاب إلى مكان عملهم علّي أستطيع تحصيل مستحقاتي بشكلٍ مباشر، وقتها حصلت على بعض الأجر فقط وليس كامل المبلغ المتفق عليه.
يقول Heather Burns أحد المتخصصين في القانون الرقمي، مُشددًا على أهمية العقود:
"من الضروري أن توقّع عقدًا مع العميل بعد الاتفاق اللفظي، وفي الحقيقة لا تقم بما قيمته نقرة واحدة من المشروع قبل ذلك. فالعقد هو ما يجعل علاقتك التجارية مع العميل ذات طابع رسمي، وهو ما يضمن المسؤولية المهنية والقانونية لك ويحميك من العملاء المماطلين. كما ينبغي أن يشمل العقد طبيعة العلاقة التجارية، ووصفًا للمشروع المتفق عليه، والمسؤوليات المترتبة على كل طرف".
اليوم لدي نموذج عقد قياسي جاهز، يشمل تفاصيل الأسعار، المُنتج النهائي المتوقع، مراحل سداد الأجور، والاتفاق على ماذا سيحدث في حال لم تسر الأمور وفقًا للخطّة المتفق عليها. ودائمًا ما أكون مُلحًا بتوقيعه من طرف العميل قبل أن أبدأ بالعمل.
ضع ذلك ضمن أولوياتك، وكن حريصًا على توقيع العقد قبل البدء بالمشروع. تذكّر أنّ التعلّم من أخطاء الآخرين أفضل من تكرارها.
الخطأ الثالث: إهمال وصف المشروع
ها أنت ذا وقد حصلت على عميلٍ جديد يبدو رائعًا، تحادثتما وجهًا لوجه حيث شرح لك ما يريده، اتفقتما على السعر، ووقعتما على العقد. أنت على أتم الاستعداد للشروع بالعمل بناءً على التصور الذي حصلت عليه من المحادثة السابقة، لقد انطلقت إلى محرر الأكواد الخاص بك أو إلى برنامج التصميم، أو لتعديل برمجية جاهزة، أيًا يكن فالعمل يمضي قدمًا إلى الأمام، وكل شيء على ما يرام حتى يعود العميل ليلقي نظرة على ما تمّ إنجازه، ويفاجئك بالقول أن هذا ليس ما كان يريده، أو ليس ما كان يتوقعه، بل وقد يخبرك أحد العملاء أنه لا يعرف ما يريد ولكنه سوف يعرفه عندما يراه!
عندما يكون المشروع غامضًا إلى هذه الدرجة فستجد أن العمل يأكل وقتك ويضرّ بعلاقتك مع الطرف الآخر، وغالبًا ما سينتهي المطاف بأحد السيناريوهات التالية:
- يستمر العميل بمطالبتك بالمزيد من التعديلات والتغييرات أكثر فأكثر، وبما أنك لم تُحدّد مسبقًا بشكل رسمي ومكتوب ما الذي سوف تنجزه في العقد فإنه يصعب عليك قول لا.
- السيناريو الآخر هو تغيير العميل لطبيعة المشروع بالكامل أو إضافة الكثير من العمل بما يدفعك للرفض، وحينها ستحصل على عميل مستاءً للغاية يقرّر فسخ العقد وأخذ مشروعه إلى مستقلّ آخر.
وبالطبع أنت لا ترغب في أن ينتهي بك الحال إلى أيٍّ من هذه النتائج، ولذا فإن الاتفاق بشكلٍ واضح ومكتوب على وصف المشروع أو المنتج النهائي أمرٌ في غاية الأهمية.
يقول Claire Brotherton وهو مصمم مستقلّ؛ أن أفضل المشاريع هي تلك التي تملك وصفًا واضحًا:
“الاتفاق على وصف دقيق للمشروع هو عملية تعاونية بين المصمم والعميل، تتطلّب طرح الأسئلة الصحيحة في وقتٍ مبكّر. أفضل المشاريع التي عملت عليها كانت تلك التي تملك وصفًا واضحًا منذ البداية يشرح المُنتج المتوقع، ويضع فترة زمنية معقولة للإنجاز، مع التعاون المستمر والبنّاء من طرف العميل العميل والتواصل الجيّد معه طوال وقت التنفيذ".
لذا ينبغي أن يشمل ملف المشروع ما يلي:
- شرح موجز للمشروع.
- مواعيد التسليم، وماذا سيحدث في حال فشل أحد الطرفين بالوفاء بها. على سبيل المثال سيدفع لي العميل على الوقت الذي ظللت أنتظر أن يُسلّم لي المُحتوى الذي سأعمل عليه.
- المزيد من التفاصيل حول ما ستُنجزه بالضبط بالأسلوب الذي تمّ الاتفاق عليه في المحادثة الأولية، يشمل ذلك ما سيتم تقديمه من ملفات، الجداول الزمنية، مراحل المشروع، وملخص لأية أفكار تخصّ التصميم.
- اكتب توضيحًا لما يتوقّع العميل إنجازه ومتى. على سبيل المثال يتخلل مراحل المشروع لديّ مواعيد متكررة لأخذ رأي العميل feedback بما تمّ إنجازه خلال كل مرحلة، ودائمًا ما أوضّح أنه لا يمكنني متابعة العمل دون الحصول على هذه التغذية.
- حدّد الأجهزة التي سيتم اختبار العمل عليها، والبرامج واللغات المتوافقة معه. على سيبل المثال وضّح ما هي المتصفحات والأجهزة التي سيختبر الموقع عليها.
- اشرح ماذا سيحدث في حال غيّر العميل طبيعة المشروع، أو احتاج إلى المزيد من العمل، يجب أن يشمل ذلك تكاليف العمل الإضافي وتأثيرها على مواعيد التسليم. وضّح كذلك طبيعة التعديلات الرئيسية والإضافية التي يُمكن دمجها ضمن المشروع في مرحلة لاحقة بعد التسليم.
- اذكر مَن وكيف سيتحمل مسؤولية وتكاليف استضافة موقع العميل ونشره.
قد تحتاج إلى توضيح تفاصيل أكثر أو أقل، هذا يعتمد على طبيعة عملك والمشروع. المهم أن يكون واضحًا للطرفين مَن سيفعل ماذا ومتى.
يرغب بعض المستقلين في دمج وصف المشروع مع العقد، لكنني لا أفضل ذلك على اعتبار استخدامي لنموذج قياسي موحد لجميع المشاريع، بينما ستتفاوت بالتأكيد تفاصيل كل مشروع. لكن من ناحية أخرى فأنا أشير في العقد صراحةً إلى مُلحق وصف المشروع وأشمله في الاتفاق وأطلب من العميل أن يوقّع على كلا المستندين قبل بدء العمل.
الخطأ الرابع: أن لا تستلم دفعةً أولى من قيمة المشروع
لقد حدّدت أجر ساعة العمل الخاصة بك، وجدت عميلك الأول، وقّعت معه عقدًا واتفقتما بشكلٍ مكتوب على وصف المشروع، الآن أنت جاهز للبدء بالعمل، أليس كذلك؟
في الحقيقة لا، إذ لا يزال هناك مرحلة أخرى مهمة تحرص عليها الشركات والمستقلين من ذوي الخبرة، بل ويضمنها البعض في عقد العمل، أقصد الدفعة الأولى أو العربون.
قد تختلف نسبة الدفعة الأولى تبعًا لطبيعة المشروع وطول فترته الزمنية، لكنها في العموم تتراوح بين 20% إلى 50%، وعادةً يمكن للمشاريع قصيرة الأجل أن تأخذ عربونًا أكبر من غيرها، أما إذا كان العمل سيستمر لمدة عام مثلًا فلا تتوقع أكثر من 50%.
الدفعة الأولى ستحميك فيما لو قرّر العميل إلغاء المشروع قبل إنجازه، أو أنك أنهيت بعض المراحل التي يجب أن يدفع لك العميل مُقابلها.
لا تكن مثلي
في أيامي الأولى من العمل الحر لم أكن أستلم دفعةً أولى بشكل مُسبق، بدلًا من ذلك كنتُ أتقاضى نصف الأجر المتفق عليه عند إنهاء المرحلة الأولى من المشروع، والنصف الآخر عند التسليم. لكن خمّن ماذا؟ لقد تعاملت مع عملاء كانوا جيدين، حيث وقعنا عقدًا، اتفقنا على تفاصيل المشروع، وبدأت بالعمل، ثم اختفى العميل تمامًا بشكلٍ غامض! رغم أنني أنجزت نصف المتفق عليه وأرسلت لهم النماذج الأولى إلا أنني لم أعد أسمع شيئًا منهم، حاولت الاتصال بالعميل وقمت بمراسلته عبر البريد مرارًا وتكرارًا لكن أحدًا لم يجب. وهكذا ضاع الوقت الذي أمضيته على المشروع بشكلٍ كامل.
أما اليوم فأنا لا أبدأ أي عمل حتى يتم توقيع العقد، الاتفاق على وصف المشروع وتسليم دفعة سلفًا.
قد يأتيك أحد العملاء ممن لا يستطيع دفع جزء من قيمة المشروع بشكل مُسبق بسبب طبيعة دورة المحاسبة في شركته، فأغلب مكاتب الحسابات تدفع الفواتير في نهاية كل شهر فقط، لكنه يلحّ على ضرورة لبدء العمل قبل ذلك الموعد. في هذه الحالة ينبغي أن يكون ردك في الرفض مهذبًا ولكن حازمًا أيضًا. قل لهم بأنّ هذه هي الطريقة التي تتعامل بها، وهذه هي الطريقة المتبعة في مجال عملك وفي العقد الذي تمّ توقيعه (تأكّد من تضمين مراحل الدفع في العقد).
وفي حال تأخر المشروع لأن العميل لم يدفع العربون بالوقت المناسب فهذه ليست مشكلتك بل مشكلته. قد تلوم نفسك في حال فقدت المشروع لكن في الحقيقة فهو لم يكن مشروعًا جديًا منذ البديل، فإذا رفض العميل دفع جزء من المبلغ بشكل مُسبق قبل بدء العمل فمن الأسلم افتراض أنه لن يكون مستعدًا لدفع باقي الفواتير في المراحل اللاحقة أيضًا، وفي هذه الحالة لتتجنب ضياع الجهد والتوتر النفسي ولتوفّر على نفسك مشكلة في السيولة المالية، وبدلًا من ذلك تحرّك وابحث عن عميل متعاون وجاهز للدفع.
كونك مستقلًا فهناك المزيد
أن تكون مستقلًا فهذا أمرٌ رائع، لقد عملتُ لسنوات كمستقل وحصلت على الكثير. لكن هذا لا يمكنه أن ينجح ما لم تكن مستعدًا للتعامل بمهارة مع الجانب المالي والتجاري من الموضوع، لذا تجنب الأخطاء السابقة واحمِ نفسك من مشاكل السيولة المالية المنتظمة وغيرها من المشاكل الشائعة. وحينها ستتمكّن من تحقيق حياة مهنية ناجحة ومديدة ومليئة بالسعادة.
شاركنا تجاربك في حماية نفسك كمستقل والأخطاء التي تعلّمتها من ذلك.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Four Freelancing Mistakes That Are Costing You Cash and How to Avoid Them لكاتبته Rachel McColline
تم التعديل في بواسطة يوغرطة بن علي
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.