كنتُ حالِمًا عندما ظهر فرانك بعد ميلاد شركتي، Smart Bear، بثمانية عشر شهرًا . تخيَّل الأمر: كان فرانك ذو الشَعر الرّمادي نائب مدير قسم المبيعات السابق بإحدى الشركات الكبيرة الناجحة، وحقَّق له اكتِتابٌ أوَّلي عام ثراءً يسيرًا؛ فأصبح يريد الآن الارتباط بشركة ناشئة جديدة واعدة. كان بإمكانه أن يكون انتقائيًّا مُدقِّقًا بمثل تلك السيرة الذاتية، وما يكفيه من المال لكي لا يضطر إلى العمل ثانيةً.
وقد اختارني أنا!
وكنتُ حقَّا (على الأقل كنت أظنّ ذلك) أحتاج إليه. شرحتُ الأمر لجيري؛ الذي كان قد رسَّخ دوره كمُرشِدي بالفعل دون أن يعرف ذلك، قائلًا: «أنا مُجرَّد مُطوِّر برامج. لا أعلم شيئًا عن المبيعات؛ فأنا مُجرَّد مهندس صغير جاهل بسِحر طلبات الشراء ذات الأرقام الستِّ الغامض، وأنا حتَّى لا ألعب الجولف، أمَّا فرانك فقد مرَّ بكل ذلك.»
حاول جيري التوضيح قائلًا: «ليس في الأمر سحر. لقد بعتُ شركات مقابل مائة مليون دولار دون أن تطأ قدمي ملعب جولف. لديكَ مُنتج جيِّد، ولديكَ بعض العُملاء، فقط استمرّ.» ولكنَّني بالطبع لم أستمِع إليه.
وهكذا اتَّجهتُ وفرانك نحو الشراكة،.كانت لدى فرانك الكثير من الأفكار التي «علينا تطبيقها، وإلَّا لن تمنحنا أي شركة كبيرة مالًا»، فكان علينا على سبيل المثال تغيير اسمنا؛ إذ كان اسم Smart Bear يبدو لفرانك مُعبِّرًا عن موقعٍ برمجيات أحمق يعمل عليه شخصٌ واحد. كنا بحاجةٍ إلى اسم رزين واعتباري، كان اقتراحه «شركة أنظمة اختبار البرامج ونشرها» أو STDS كاختصارٍ. وأوضح أن الشركات الكبيرة تُحبّ الاختصارات، وكأن «الشركات الكبيرة» كيان يمكنه التعبير عن رأيه.
كان هناك المزيد؛ إذ كنَّا بحاجة إلى براءات اختراع (لإبعاد المنافسين)، وفريق للمبيعات (فالبرنامج لن يبيع نفسه)، وكنَّا بحاجة إلى التّخفيف قليلًا (يقول فرانك: «أحبّ أن أستريح يوم الجمعة باكرًا»). بدا الأمر في الحقيقة وكأنَّني لم أكن أسير في الطّريق الصّحيح.
استطاع جيري أخيرًا إقناعي، نصحَني بحقٍّ للمرَّة الرابعة فقال: «دعني أوضِّح لك الأمر. يريد هذا الرجل أن يمتلك 50% من الشركة، ويريد راتبًا بينما لا تحصل أنت على أي شيء، سيعمل 35 ساعة في الأسبوع بينما تعمل أنت حتى في عطلة نهاية الأسبوع، لن يستثمر أي مال في الشركة، وفكرته الكبيرة لجذب المزيد من العُملاء هي تغيير اسمك؟ هل يبدو ذلك عادلًا؟ هل تعتقد أنَّه سيساهم حقًّا بذلك القَدْر؟» كان نقد جيري لفرانك قاسيًا -كقسوة نقد فرانك لي- ولكن جيري كان مُحقًّا ومن حسن حظِّي أنَّني اكترثتُ لرأيه.
عقدتُ بعد أسبوعين صفقةً بمبلغ 50 ألف دولار مع «شركة كبيرة»، بعد بضعة سنوات أصبحنا نجني عوائد تُقدَّر بالملايين مع «شركات كبيرة»، وما يزال اسمنا Smart Bear، وما زلنا لم نحصل على براءات اختراع، وما زلنا لم نُعيِّن فريق مبيعات. من كان ليتوقَّع ذلك؟ (توقَّعه حيري). لكن عليكَ أن تفهم أنّ رفض فرانك كان صعبًا، فكانت لديه خبرةً بينما لم تكُن لديَّ خبرة. كنتُ مقتنعًا أنه على حق وأنَّني مُخطئ. كنتُ سأستمرّ في الأمر لَولا إرشاد جيري.
إذًا كيف تُفرِّق بين النصيحة الجيِّدة والسيِّئة؟ أو بين جيري وفرانك؟ كان كلٌ منهم يُقدِّم ما يبدو كنصيحة ونقد، وكان كلٌ منهم ذا خبرة، وقوي الإرادة، ويؤمن حقًّا بما يقول.
هذه هي بعض الأمور التي ساعدتني على تنقية النصائح
- لا تكون أفضل النصائح عبارة عن سلسلة من العبارات وإنما عن سلسلة من الأسئلة يطرحها شخصٌ يلعب دور محامي الشيطان. نادرًا ما سيعرف الناصح عن نطاق خبرتك أكثر منك، ولكن لا يعني ذلك أنَّ صوتًا من خارج هذا النطاق لن يكون مفيدًا. تجبِرُك الأسئلة المُوجَّهة على الدفاع عن خياراتك، ويتحدَّى الجدال الصحي افتراضاتك دون الإيحاء إلى كَونها خاطئة. تُطرَح الأفكار الجديدة من خلال العصف الذهني ولا تُقدَّم باعتبارها كلامًا مُقدَّسًا. في حالتي، عرض فرانك رؤيته على شكل سلسلةٍ من العبارات، بل مُسلَّمات، أمَّا جيري فعبَّر عن وجهة نظره من خلال أسئلة مُوجَّهة تستلزم إمَّا موافقةً أو تفنيدًا. إنَّ لعب دور محامي الشيطان في الحقيقة تمرين رائع يمكن ممارسته دوريًا على أيَّة حال. ابحث عن ند ذكي، واصطحبه للغداء، واتبع نصيحة Scott Brekun بشأن الأسئلة والإجابات الفظَّة.
- بشكل عام «هذه هي الطريقة المُتَّبَعة» ليس سببًا مُقنعًا ولا صحيحًا . إذا كان الأساس الوحيد الذي تقوم عليه النصيحة هو «التقاليد» فربَّما تكون مُحقًّا في كَسر الاتجاه السائد. فشركة Smart Bear على سبيل المثال تنشر أسعارها على الإنترنت بدلًا من التفاوض، نادرًا ما تتِّم مبيعات البرامج المُوجّهة للشّركات بتلك الطريقة، ولكن نشر أسعارك أمرٌ أمين ومنطقيّ في مجال العمل، لذا نفعله على أي حال.
- من السهل هدم الأفكار، ولكن من الصعب خلقها وتنفيذها، أخبرني بأي فكرة وسأجد شخصًا ما يعتقد أنَّها غبية، ماذا إذًا؟ النَقد «البَنَّاء» يعني البِناء وليس الهدم فقط. ابحث عن نصيحةٍ ذات طريقة واضحة للتطبيق ومسارًا واضحًا نحو النتائج.
- هل يتطوَّع الناقِد بذِكر طريقةٍ لقياس نجاح فكرته الجديدة؟ إذا كان قد فعل، فيكون السبب الوحيد لعدم تجربتها إمَّا الوقت أو المال. هذا هو المبدأ التوجيهي وراء جهودنا التسويقية.إذا لم يكُن قد فعل، فكيف ستعرف إذا ما كانت فكرته حكيمة أو لا؟
- كوِّن شبكةً من الناصحين الموثوق بهم. قد يكونون روَّاد أعمال محليِّين، أو منتديات إلكترونية، أو حتَّى مُدوِّنين تُحبِّهم. يحتاج كل شخصٍ إلى أحد أو اثنين من أمثال جيري. لن يتَّفق الناصحون دائمًا مع بعضهم البعض بالتأكيد، ولكن ليس هناك ما هو أفضل من عرض الأفكار على أشخاص تحترمهم ويهتمُّون بصدقٍ لمصلحتك، حتى إذا اتَّضح أن نصيحتهم كانت خاطئة.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Distinguishing constructive criticism from bad business advice لصاحبه: Jason Cohen
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.