كونك نجوت في لعبة الروليت الروسية لا يعني أن اللعب بالأساس كان قرارًا صائبًا. وعلى الجانب الآخر يمكنك أن تخسر في لعبة الورق رغم أنك متأكد من أنّ الخيارات التي اتخذتها كانت صحيحة في الظروف التي اتخذتها فيها.
اقتباسالروليت الروسية هي لعبة حظ مميتة حيث يضع اللاعب رصاصة في المسدّس ويُدوّر أسطوانة الرصاصات مرات عدّة بحيث لا يعرف أين توجد الرصاصة، ثم يضغط الزناد على نفسه فإن صادف الرصاصة أصابته وربما قتلته.
بعبارة أخرى، النجاح الباهر لا يبرّر السلوك الغبي كما أن الإخفاق في النهاية لا يجعل من خيار حكيم اختيارًا خاطئًا.
لدى رواد الأعمال مهارة فيما يخص اتخاذ قرارات جريئة من حصيلة معلومات قليلة. إذا حدث وجاءت نتائج سيئة من القرارات الجريئة فإن لوم أنفسنا والتحول إلى وضع بيروقراطي يحدّ من سرعة اتخاذ القرارات، سيكون تصرفًا خاطئًا. فإذا كان القرار الذي اتخذته سليمًا بفضل المعلومات التي كانت لديك آنذاك ،كان ذلك هو القرار الصحيح إذًا، حتى وإن لم تكن النتيجة مرضية في نهاية المطاف .. فلا داعي للإحساس بالذنب ولا تعذب نفسك جرَّاء ذلك.
في حال لو كُنْتَ مهندسًا تشيّد الجسور والأبراج، فإن أي إخفاق سيكون مريعًا، وربما دليلًا على الإهمال، فبناء الجسور هو مجال واضح المعالم، حيث تكون المتغيرات معروفة. ولكن إن كنت فنانًا مثلًا فالفشل هنا لا بأس به، لأنك في إطار تلك الشخصية لا تحاولُ أن تكرّر تمامًا ما هو معروف بالفعل؛ فأنت تحاول أن تبدع رائعة جديدة. وأن تكون مؤسسًا فأنت أقرب لنموذج الفنان من نموذج المهندس. فمن المفترض أن تحدث الأخطاء طالما أنك تقوم بأمر ما، وتلك الأخطاء أقل أهمية حيث إنه من حقك أن تخطئ ألف مرة طالما أنك في النهاية ستصل للصواب ولو مرة. لكن ما يرغب الفنان فيه هو تحفة أو رائعة واحدة ليخلد في ذاكرة الناس، أما المؤسس فيحتاج لمنتَج مربح ليغير حياته.
من الطبيعي أن يدوم الإحساس الناتج عن الخطأ في القرارات المهمّة مدة طويلة، ولكن ليس هناك ضرورة لزيادة ذلك الألم بجلد الذات. دعني صديقي أحكي لك قصة حدثت معي؛ منذ عامين غامرت بمبلغ مالي كبير باستثماره في شراكة مع شركة أخرى، وكان أني تعرضتُ تمامًا للخديعة من تلك الشركة. لقد تكلف قراري ذاك حصة ضخمة من إيرادات شركتي، وإني لأتمنى لو كانت الأمور سارت على خلاف ذلك، ولكني لا أندم على ذلك لأنه كان القرار السليم حسب المعطيات التي كانت لدي آنذاك.
يمكنك مواجهتي، في المثال السابق، بحجة مضادة قائلًا أني ما زلت مسؤولًا حيث إنه كان باستطاعتي جمع المزيد من المعلومات لاتخاذ قرارٍ أفضل. لكن هذه الحجة لا تفيد إلا إذا كنت لم تصل بعد لنقطة من مسيرتك في ريادة الأعمال يكون الهوس فيها بالتحقّق من خيار معيّن مكلفًا جدًّا، نظرًا لوجود عشرات اﻷمور الأخرى التي تنتظر منك قرارًا بشانها. أعرف صديقًا استغرق وقتًا طويلًا في اتخاذ أول قرار مالي كبير، بعد حصوله على الجولة الثانيّة من التمويلات الاستثمارية، حتى وصل الأمر بالمستثمر أن قال “لا يهمني ما الذي تقوم به، ولكن أسرع في إنجازه! فلن يتطور مشروعك التجاري وأنت غارق في نقاش الخيارات!”. كان الصديق مركّزًا للغاية على التكلفة الظاهرة لاتخاذ قرار خاطئ لدرجة أعمته عن تكلفة الفرص التي فُقِدت أثناء انشغاله بدراسة الخيارات.
كن مسؤولًا في البحث قدر استطاعتك من أجل اتخاذ أفضل القرارات، الأمر الذي يعطيك شعورًا أفضل؛ لكن لا تكن مهووسًا بأن تكون دومًا على صواب، فهؤلاء الذين لم يخطئوا على الإطلاق هم أولئك الذين لم يتخذوا قرارًا قط.
ترجمة - بتصرف - للمقال Losing while being right, winning while being wrong لصاحبه Rob Fitzpatrick.
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.