يحتاجُ كلُّ نوعٍ من أنواع مؤسسات الأعمال التجارية -تقريبًا- إلى إيجاد الوسائل الأكثر كفاءةً، وفاعلية لإنتاج السلع، وتقديم الخدمات للزبائن، وتُجبِرُ التطوراتُ التقنية، والمنافسةُ المستمرة، وتوقعاتُ الزبائن -الشركاتِ، على إعادة التفكير في المكان، والزمان اللذيَن ستُنتج فيهما السلع، وتقدّم الخدمات، وفي طريقة قيامها بذلك.
يدرس هذا الباب من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال كيفية إدارة شركات التصنيع، والخدمات، وعمليةَ الإنتاج، وتقديم الخدمات، وسنناقش فيه تخطيط الإنتاج، بما في ذلك الخياراتُ التي على الشركات اتخاذها بخصوص نوع العملية الإنتاجية التي ستستخدم، والموقع الذي سيجري فيه الإنتاج، وتصميم المنشأة، وإدارة الموارد المطلوبة لعملية الإنتاج، ثم سنشرح التوجيه، والجدولة اللتين تُعَدَّانِ مَهمتين أساسيتين لضبط كفاءة الإنتاج والعمليات، ثم سنطّلع على الطريقة التي يمكن للشركات فيها تطوير الإنتاج، والعمليات، عبر توظيف إدارة الجودة، وأساليب التصنيع الرشيق، كما سنراجع أخيرًا بعضَ التوجهات الحديثة التي تؤثر في الإنتاج، وإدارة العمليات.
وفي هذا المقال سنلقي نظرةً عامة حول الإنتاج وإدارة العمليات، مراحل الإنتاج، والقرارات الواجب اتخاذها عند كل مرحلة
لم يعد الإنتاج وإدارة العمليات مهمين بالنسبة لكل من شركات التصنيع والخدمات؟
يُعَدُّ الإنتاج Production، الذي هو صنعُ المنتجات، وإنشاء الخدمات، وظيفةً رئيسة في كل شركة، فهو يحوِّلُ المُدخَلات Inputs، مثل: موارد الغاز الطبيعي، والمواد الأولية، والموارد البشرية، ورأس المال -إلى مُخرَجات Outputs، وهي المنتجات، والخدمات. وتُبيِّنُ الصورةُ 10.3 هذه العملية، أما إدارة عملية التحويل تلك، فتجري بموجب إدارة العمليات Operations Management.
باتتِ الولايات المتحدة اليوم تنافس المملكة العربية السعودية، بفضل الاحتياطات الجديدة من النفط؛ التي يمكن الوصول إليها عبر التصديع الهيدرولي Fracking، ويُتوقّعُ أن تصبح أحد مزوِّدي النفط الكبار على مستوى العالم؛ وبعكس البترول الذي يُستخرج بسلاسةٍ، والذي يندفع من الآبار في المنطقة العربية اندفاعًا، بينما يحتاجُ النفط الأمريكي في موقعي مارسيلوس Marcellus وباكين Bakken، وغيرهما من المناطق التي تحوي نفطًا صخريًا، إلى الاستخراج عن طريق الحفر أفقيًا؛ بواسطة تقنيات جديدة؛ وهي عملية دقيقة جدًا، إذ تحفر شركات النفط، والغاز في باطن الأرض؛ لاستخراج النفط الخام، والغاز الطبيعي من الطبقات الصخرية المدفونة على عمق آلاف الأقدام تحت سطح الأرض، وحالما يجري الوصول إلى تشكيلات النفط، يُملأُ بئرُ النفط بآلاف الغالونات من الماء، والرمال، وبتشكيلة واسعة من المواد الكيماوية من صنع الإنسان تحت ضغطٍ عالٍ، وتؤدي تلك المواد -التي تدخل البئر النفطي- إلى تصديع الصخور؛ فيتحرر منها النفط، والغاز الطبيعي، ويُتوقَّعُ أن الغاز الموجود ضمن تلك التشكيلات، قد يكفي حاجة الولايات المتحدة لأجيال قادمة، بالتوازي مع تطور تقنيات الحفر تحت سطح الأرض.
لا شك إنَّ هدفَ إرضاءِ المستهلك هو جزءٌ مهمٌ من العمليات، والإنتاج الفاعلَين؛ ففي الماضي، كانتِ الوظيفة الخاصة بالتصنيع -في معظم الشركات- متجهةً نحو الداخل بشكل رئيس، فلم يكُنِ القائمون على عملية التصنيع يحتكون كثيرًا بالزبائن، ولم يفهموا -دائمًا- احتياجاتهم ورغباتهم، وفي ثمانينات القرن العشرين؛ خسرت العديد من الشركات في الولايات المتحدة -التي تعمل في قطاعاتٍ مثل: السيارات، والصُّلب، والإلكترونيات- خسرت زبائنها لصالح منافسين أجانب؛ لأن أنظمتها الإنتاجية فشلت في تقديم الجودة التي طلبها زبائنها، ونتيجة لذلك، باتت معظم الشركات في الولايات المتحدة، كبيرِها، وصغيرها، تَعُدُّ التركيزَ على الجودة عنصرًا رئيسًا في الإدارة الفاعلة للعمليات.
تُشجِّعُ الصِّلاتُ القوية بين التسويق، والتصنيع، مديري الإنتاج على التركيز أكثر نحو التوجُّه خارج الشركة، وعلى أن يفكروا فيما يتخذون من قرارات في ضوء تأثيرها على رضا زبائنهم، كما تجدُ شركاتُ الخدمة أنَّ اتخاذ قراراتٍ تشغيلية -مع أخذ رضا الزبائن بالحُسبان- يمكن أن يُمثِّلَ ميزةً تنافسيةً.
هذا ويلعبُ مديرو العمليات -وهم المسؤولون عن إدارة عملية التحويل، والإشراف عليها- دورًا حيويًا في شركات اليوم، فهم يتحكمون في حوالي ثلاثة أرباع أصول الشركة، وموجوداتها، بما في ذلك المخازن، والأجور، والمزايا، كما يعملون عن كثب مع الأقسام الأخرى الكبرى في الشركة، مثل: قسم التسويق، والقسم المالي، والمحاسبة، والموارد البشرية؛ لضمان ربح الشركة في إنتاج تلك السلع، وتُرضي زبائنها، ويساعد أعضاءُ فريق التسويق مديري العمليات في اتخاذ القرارات المتعلقة باختيار المنتجات التي سيصنعون، والخدمات التي سيقدمون؛ أما أعضاء فريق المحاسبة، والموارد البشرية، فيساعدونهم في مواجهة التحديات المتعلقة بالجمع بين الأشخاص، والموارد؛ لإنتاج سلعٍ بجودة عالية في الوقت المحدد، وبتكلفةٍ معقولة، كما يُعنى مديرو العمليات بتطوير السلع، وتصميمها، وتحديد أيٍّ من عمليات الإنتاج سيكون الأكثر فاعلية.
وتتضمن إدارة الإنتاج، والعمليات، ثلاثة أنواعٍ رئيسة من القرارات، تُتَّخَذُ عادةً خلال ثلاث مراحل مختلفة، وهي:
-
تخطيط الإنتاج Production Planning: إنَّ أُولى القرارات التي على مديري العمليات اتخاذُها، تأتي في مرحلة تخطيط الإنتاج؛ وهي مرحلةٌ يقرر فيها أولئك المديرون المكان الذي سيجري فيه الإنتاج، وزمانه، وكيفيته؛ فيحددون المواقع المخصصة لذلك الهدف، ويحصلون على الموارد الضرورية.
-
ضبط الإنتاج Production Control: تركِّزُ عمليةُ اتخاذ القرارات في هذه المرحلة على ضبط الجودة، والنفقات، وعلى وضع جداول زمنية، وعلى العمليات اليومية الخاصة بإدارة مصنع، أو منشأةِ خدمة.
-
تطوير الإنتاج، والعمليات Improving Production and Operations: تُركِّزُ المرحلةُ الأخيرة من إدارة العمليات على تطوير وسائل أكثر فاعلية؛ لإنتاج سلع الشركة، أو تقديم خدماتها.
وجميع القرارات السابقة ذاتُ طبيعة مستمرة، وقد تُتَّخَذُ -أحيانًا- بشكل متزامن، وفي الأقسام التالية، سنلقي نظرة أقرب على القرارات، والاعتبارات، التي تواجه الشركةَ في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، وإدارة العمليات.
الاستعداد: تخطيط الإنتاج
يُعَدُّ تخطيط الإنتاج جزءًا مهمًا من إدارة العمليات، إذ يتيحُ للشركة أن تأخذ بحسبانها البيئة التنافسية المحيطة، وأن تدرك أهدافها الاستراتيجية؛ للعثور على أفضل الأساليب الإنتاجية، وعلى تخطيط الإنتاج الجيد؛ أن يحقق توازنًا بين الأهداف التي قد تتعارض مع بعضها، مثل: تقديم خدمة ذات جودة عالية، مع إبقاء نفقات التشغيل منخفضةً، أو المحافظة على الأرباح عاليةً، مع إبقاء مخزونات المنتَج النهائي كافيةً، وقد يصعبُ -أحيانًا- تحقيق جميع تلك الأهداف.
ارتبطت سُمعة دراجة فيسبا Vespa الإيطالية بالرومنسية، والثورة، والأناقة منذ ظهور أولى الروايات التي تحدثت عن صنعها في إيطاليا بعد الحرب؛ وصولًا إلى تخليدها على الشاشة بعد ظهورها في فيلمَي عطلة رومانية Roman Holiday، وكوادروفينيا Quadrophenia. وتُشاهَد تلك الدراجة، التي أنتجتها مجموعة بياجيو Piaggio Group، ذاتُ الهيكل الرشيق المصنوع من معدن ستاينليس ستيل Stainless-Steel المقاوم للصدأ، والتصميم المُستوحى من الملاحة الجوية، في كل مكان في أوروبا، وبشكل متزايد في الولايات المتحدة الأمريكية. وتشغّلُ مجموعة بياجيو المصنّعة لتلك الدراجة معاملَ في كل من إيطاليا، وفيتنام، والهند، والصين.
يتضمن تخطيط الإنتاج ثلاث مراحل، فلتخطيط الإنتاج بعيد المدى إطارٌ زمني يستغرق من ثلاث سنوات إلى خمس، ويركز على السلع التي ستُنتَج، وعددها، وعلى مكان إنتاجها، أما القرارات الخاصة بالتخطيط متوسط المدى، فيمتد إطارُها الزمني لمدة سنتين تقريبًا، وتتعلق بمخطط المعمل، أو منشأة الخدمة، وبمكان الحصول على الموارد اللازمة للإنتاج، وطريقته، وبالمسائل الخاصة بالعمالة، وبالوصول إلى التخطيط قصير المدى؛ الذي يمتد لسنة واحدة، فهو يحوِّلُ تلك الأهداف الكبيرة إلى خطط إنتاجٍ محددة، واستراتيجيات إدارة مواد.
وهناك أربعة قرارات مهمة يجب اتخاذُها خلال عملية تخطيط الإنتاج، وهي: نوع عملية الإنتاج التي ستُجرى، واختيار الموقع، ومخطط المنشأة، وتخطيط الموارد.
ترجمة -وبتصرف- للفصل Achieving World-Class Operations Management من كتاب introduction to business
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.