الخبر الذي أعلن عنه موقع Reddit (وهو مجتمع لمشاركة الأخبار والروابط والتصويت عليها) بعد أيام قليلة من بداية العام الجديد هو النتيجة القياسية التي حققها الموقع خلال شهر ديسمبر المنصرم: أكثر من ملياري مشاهدة لصفحات الموقع، حوالي 35 مليون زائر فريد يتصفحون حوالي 13 صفحة في كل زيارة ويقضون في الموقع 16 دقيقة، في المتوسط.
هذه نتيجة ممتازة لموقع كان يقبع بعيدا خلف منافسه الشهير Digg، لكن الآية قلبت خلال السنة المنصرمة وبدأ ديج في التراجع في حين إرتفع مجموع الزيارات لموقع Reddit بأكثر من الضعف.
السؤال الذي ما زال يؤرقني: في الوقت الذي نجح فيه ديج ورديت، ومواقع أخرى مشابهة في أمريكا، لماذا فشلت كل النماذج العربية التي حاولت الاعتماد على نفس الفكرة لنقل ثقافة مشاركة الروابط وفلترة المحتوى؟
لماذا فشل المرقاب؟
كان المرقاب أول مشروع جدي لي على الإنترنت، بدأته سنة 2010 وكان يهدف إلى لملمة المحتويات العربية المميزة المشتتة في مجاهل الويب العربي. بعت الموقع لاحقا وحول المشتري إسمه إلى "أعجبني".
قبل المرقاب ظهرت مواقع مشابهة أخرى، لكن -على ما يبدو لي- لم يكن حظها أفضل من المرقاب، ولم تحقق النجاح الذي كان مأمولا منها. وهو ما يدفعنا للتساؤل: لماذا لا ينجح هذا النوع من المواقع عربيا؟
أول سبب قد يخطر على البال هو أن المستخدم العربي سلبي بطبيعته، في حين أن هذه المواقع الاجتماعية تتطلب بعض النشاط من المستخدمين وإلا فإنها ستبقى خاوية على عروشها. لكن برأيي ليس هذا هو السبب. أوضحت سابقا أن مسألة سلبية المستخدم ليست حالة عربية إنما هي حالة عالمية وطبيعية، فعدد المنتجين والمتفاعلين في مواقع الإنترنت هم أقل كثيرا من العدد الاجمالي للمستخدمين.
إنما السبب الحقيقي الذي يجعل مشكلة سلبية المستخدم تبرز للسطح هو قلة مستخدمي الإنترنت العرب. فالعدد الإجمالي لمستخدمي الإنترنت في العالم العربي يبقى في حدود 70 مليون مستخدم. هذا رقم ضئيل في حد ذاته، وبالضرورة سيكون عدد المستخدمين النشيطين لمواقع وخدمات ويب العربية متدنيا جدا.
السبب الآخر لفشل مثل هذه المواقع قد يكون تواضع المحتوى العربي. فتلكم المواقع بدأت بهدف أساسي هو مساعدة القراء على الوصول إلى المحتويات الأفضل. لكن كيف نتوقع أن تكون هذه الموقع نشيطة إذا كان المحتوى الذي يفترض أن تقوم على أساسه هذه المواقع غير موجود؟
الآن بالنسبة للمرقاب تحديدا، لماذا فشل؟ مؤكد أن مشكلة نقص المحتوى أثرت كما أثر العدد القليل لمستخدمي الإنترنت العرب. لكني الآن بعد أزيد من عام ونصف من بيع المرقاب، أرى أنني تسرعت في قرار البيع، ولو احتفظت بالموقع وواصلت تطويره ولو ببطئ، لكانت النتيجة النهائية مختلفة.
لكن الحكمة طبعا لا تأتي بأثر رجعي. آنذاك كانت معلوماتي شبه منعدمة عن مشاريع الإنترنت وجوهر ريادة الأعمال. يمكن أن أقول بأن السبب الأول لفشل المرقاب هو قلة معلوماتي وجهلي بقواعد اللعبة. أما السبب الثاني فهو مادي محض. لو كنت بدأت المرقاب كمشروع جانبي في وقت الفراغ بجانب وظيفة أخرى بدوام كامل، أو لو كنت قد حصلت على تمويل استثماري لتطوير المرقاب، لربما كانت النتيجة النهائية ستكون مختلفة.
ما يمكنني أن أقوله الآن للمبادرين الشباب في مجال الإنترنت: ريادة الأعمال مبنية أساسا على المخاطرة، لكن حجم الويب العربي ما يزال صغيرا، ونجاح مشاريع الإنترنت لن يتحقق بذات السهولة التي نقرأ عنها في قصص النجاح الأمريكية. لذلك، من يريد أن يبدأ مشروعا ناشئا فليبدأه كمشروع جانبي موازي لدراسته أو وظيفته. وإلا فليبحث بسرعة عن تمويل يسمح له بالتفرغ لتطوير المشروع والصبر على النجاح البطيء دون أن يقلق على أموره المادية الشخصية.
لماذا نجح Reddit؟
بدأ موقع رديت، سنة 2005، بعد فترة قصيرة من بداية ديج، لكنه لم يكن محظوظا مثله، ففي الوقت الذي أصبح فيه موقع Digg أبرز أيقونات الويب 2.0، بقي رديت في الخلف. لا أقول بأن Reddit كان فاشلا، فبفضل عدد الكبير لمستخدمي الإنترنت في الولايات المتحدة وعدد الناطقين بالانجليزية حول العالم، استطاع الموقع أن يحصل على عدد كاف من المستخدمين ليوصف بأنه ناجح. خاصة أنه منذ أيامه الأولى حصل على احتضان واستثمار من حاضنة YCombinator.
نقطة التحول في تاريخ رديت ستأتي مع بداية سنة 2010، حين بدأ موقع Digg حملة تغيير شاملة في نظام عمله جلبت عليه نقمة الكثيرين من الأعضاء الذي خرجوا من الموقع غاضبين نحو منافسه رديت. إضافة إلى خطأ برمجي في ديج آنذاك تسبب في إظهار كثير من الروابط المؤدية إلى رديت في الصفحة الرئيسية لديج.
بالتأكيد هذا ليس سبب نجاح رديت، بقدر ما كان سببا في خلق نقطة التحول وإعادة موقع رديت لواجهة الأضواء، هو الذي كان متميزا منذ بدايته بخوارزميات ترتيب الروابط مختلفة -وأكثر عقلانية- من خوارزميات ديج. كما أن نقطة تميز رديت الأبرز هي المجتمعات الفرعية، فالموقع لم يكن محددا بنظام تصنيفات جامد، يلزم المستخدمين بالنشاط داخلها، بل يمكن لأن مستخدم أن ينشئ نسخته المصغرة من رديت (Sub Reddit) حول أي موضوع يشاء. الآن تجاوز عدد هذه المجتمعات الفرعية الرقم 100 ألف، من بينها أكثر من ثمانية آلاف ينشط فيها أكثر من 100 عضو، وقد غذت هذه المجتمعات نقطة جذب حقيقية للمستخدمين إلى رديت وتحفيزهم على المشاركة.
هل يمكن أن ينجح موقع عربي مثل رديت مستقبلا؟
كما قلت أعلاه، لو لم أبع المرقاب لكان قد قد حقق الآن نجاحا ملموسا. مشكلة الويب العربي أنه بطيء النمو، من الناحية الانتاجية، لذلك فإن الفترة المقدرة لنجاح أي مشروع تكون أطول من المعدل العالمي. نعم يمكن أن ينجح موقع عربي مثل رديت مستقبلا، فالمحتوى العربي بدأ يتحسن تدريجيا، ولا ينقصنا الآن إلا الصبر.
ملاحظة أخيرة: صيغة المقارنة في العنوان بلاغية محضة، فلا وجه للمقارنة بين الموقعين.
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.