رغم أن أكثر الوظائف طلبًا حول العالم في وقتنا الحالي هي من فروع البرمجة والتخصصات الناتجة عنها، إلا أنها لا تعتمد في تعيين الأشخاص بتلك الوظائف على الدراسات الجامعية وشهاداتها حصرًا كغيرها من الوظائف الأساسية! فأيًا كان تخصصك أو شهادتك الجامعية، بإمكانك إن أردت أن تبدأ مسارًا مهنيًا من الصفر ودون سابق خبرة في مجال البرمجة أن تبدأ بتعلمها بنفسك خارج الإطار الجامعي، لتحصل بعدها على فرص العمل الفعلية دون الحاجة إلى شهادة جامعية بها. ورغم الحماس وطاقة الأمل الكبيرة التي قد تراودك الآن، فالجدير بالذكر أن تدرك أيضًا أن هذه الحرية وما تقدمه من فرص كبيرة للرخاء والثراء لها ثمن.
في هذه السلسلة وثقنا قصص مجموعة من المطورين من طلاب أكاديمية حسوب كانوا مثلك تمامًا في يوم من الأيام، بعضهم كان مترددًا بشأن قدرته في أن يكون مطورًا من الأساس، وبعضهم كانت لديه مخاوف حول تمكّنه من المنافسة في هذا المجال سريع التطور، ومنهم من كانوا طلابًا في هندسة الحاسوب تنقصهم الخبرة العملية، لكنهم جميعًا في لحظة ما، قرروا بذل جهود حقيقية في التعلّم فحصدوا ثمارها.
قصة اليوم من المغرب، يرويها لنا صاحبها عبد الواحد الحدادي الذي أصبح مطورًا لمواقع الويب بعد حصوله على دورة تطوير واجهات المستخدم من أكاديمية حسوب. يعمل الحدادي في الوقت الحالي مطور واجهات أمامية لمواقع الويب، وقد أنجز حتى الآن أكثر من 29 مشروعًا على موقع مستقل، إضافةً إلى بيعه عددًا كبيرًا من الخدمات على منصة خمسات.
مرحبًا عبد الواحد، حدثنا قليلًا عنك؟
أنا عبد الواحد الحدادي من مواليد 1999 ميلادية بمدينة زاكورة جنوبي المغرب، حاصل على شهادة البكالوريا في الآداب والعلوم الإنسانية، ثم حصلت على الإجازة العالية في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في شعبة الدراسات الإسلامية؛ وفي عام التخرج نفسه حصلت على شهادة إتمام وإتقان دورة تطوير واجهات المستخدم المقدمة من أكاديمية حسوب.
حاليًا أسكن في مدينة الدار البيضاء وأهتم بالتصميم الجرافيكي وتصميم الويب، وأطور مهاراتي في هذا المجال عبر دورات أكاديمية حسوب الأخرى وغيرها من مصادر التعلّم الذاتي.
ما الذي جعلك تتجه لتعلم البرمجة عمومًا وتعلم تطوير واجهات المستخدم على وجه الخصوص؟
اهتمامي بالبرمجة والتطوير بدأ في العام 2020 عندما اختبر العالم جائحة كورونا. في هذه السنة، لم أستطع متابعة الدروس في الجامعة، إذ توقفنا في شهر مارس، وكان الموعد المقرر للامتحانات في شهر سبتمبر، وهذه مدة كبيرة جدًا، أتاحت لي وقت فراغ عريض أردت استغلاله في البدء في العمل الحر.
وبدايتي الأولى كانت على منصة خمسات، حيث كنت أقدم خدمات كتابة مقالات في مجال العلوم الشرعية التي هي جزء من تخصصي الدراسي، لكن بعد فترة من الزمن، وجدت أن كثيرًا من الطلبات على خمسات متعلقة بالتصميم والبرمجة. ومع أن هنالك كثير من خدمات الكتابة على المنصة والتي تتساوى كثرة العرض مع الطلب عليها، إلا أن طلبات خدمات التصميم والبرمجة أيضًا عليها طلب كثير، لكن بالمقابل العرض المتوفر بها متوسطٌ أو قليل عما هو في خدمات الكتابة.
عند هذه المرحلة، بدأت البحث عن البرمجة والتصميم عبر يوتيوب، إذ لم تكن لدي أي خلفية عن هذه المجالات، وفي أثناء بحثي، وقعت عيني على إعلان لإحدى دورات أكاديمية حسوب، ثم دخلت على موقع الأكاديمية ووجدت فيها دورات متعددة، وأجمل ما وجدته أن الدورات باللغة العربية، فلم أكن أحسن اللغات الأجنبية وقتها وكنت لا أزال مبتدئًا في هذا المجال فأحببت أن أتعلمه بلغتي التي أعرفها.
بالنسبة للدورة التي لفتت انتباهي، كانت دورة تطوير واجهات المستخدم، فكما ذكرت أنني كنت أبحث عن طريق لتعلم البرمجة والتصميم، لذلك كانت بدايتي بها، فقررت أن أعمل قليلًا حتى أوفّر مبلغها، وبعد أن حصّلته اشتريت الدورة.
ما الشيء المختلف في تجربة التعلم الذي وجدته عندما بدأت في دورة أكاديمية حسوب؟
كانت لي تجارب في تعلم البرمجة عبر يوتيوب قبل الاشتراك في دورة أكاديمية حسوب، فقد كنت أشاهد فيديوهات أسامة الزيرو على يوتيوب، لكني صراحة لم أستوعب كثيرا مما يشرح بسبب أنك لا تجد من يقدم لك المساعدة عندما تقع في أي خطأ، وكمبتدئ لن أستطيع البحث في جوجل عن كل خطأ أقع فيه، بل أحتاج في المراحل الأولى إلى توجيه من محترفين في هذا المجال دون أن أتيه في نتائج جوجل المتعددة التي تسبب الحيرة أكثر من تقديمها الحل.
وفي أثناء بحثي أيضًا تعرفت على منصة يودمي، ووجدت فيها دورات تقدم باللغة العربية لكنهم كانوا يقتصرون على بعض اللهجات المحلية للدول العربية وهذا ما قلل من نسبة استيعابي لبعض الأمور في هذه الدورات.
فكان أول ما لفتني في دورات أكاديمية حسوب أنها باللغة العربية الفصحى، إضافةً إلى أنك ستجد فريقًا متكاملًا من المدربين والمدرسين يتابعون معك ويوجهونك ويصححون أخطاءك ويشجعونك على المتابعة والتعلم بنفسك، ومن هنا بدأت التعلم مع الأكاديمية وأستمر معها إلى ما لا نهاية إن شاء الله.
كيف وجدت الوقت للتعلم، وما هي أفضل وصفة للتعلّم حسب تجربتك؟
ترافقت دراستي في أكاديمية حسوب التحضير للاختبارات النهائية للجامعة، فكان يومي مقسمًا إلى قسمين؛ فترة الصباح وفترة المساء. وفترة الصباح هى الوقت الذي يلي الفجر مباشرة إلى العاشرة صباحًا، فكنت أخصصها لمراجعة دروسي الجامعية والتحضير لمشروع التخرج، وهي الفترة المفضلة عندي إذ يكون الدماغ نشطًا والذهن فارغًا.
وبعد وجبة الفطور، ابتداءً من الساعة الحادية عشر، كنت أدرس مع الأكاديمية لنحو ساعتين ونصف. والجزء الذي راجعته في هاتين الساعتين أعيد تطبيقه مساءً؛ تحديدًا من بعد صلاة العصر إلى السابعة وقت الزوال. وطبعًا فترة التطبيق هذه كنت لا أتنازل عنها أبدًا، لأن دراسة البرمجة دون تطبيق لا معنى لها!
وفي أثناء التطبيق كنت منتبهًا إلى ألا أعود إلى مصادر الأكاديمية لأربي في نفسي حس المسؤولية والقدرة على الاستقلال بالبحث عند الوقوع في الخطأ، وهذه المهارة حصّلتها بطبيعة الحال بعد فترة، فلا مفر من السؤال والتوجيه في البدايات. وهذا المعنى كان ينميه ويدفعنا إليه الأساتذة في الأكاديمية، فكانوا دائمًا يقولون: السر في تعلم البرمجة البحث عن الحلول وعلاج الأخطاء بنفسك.
وبهذا كانت مجمل ساعات الدراسة 5 ساعات يوميًا، وقد أخذت عهدًا على نفسي ألا أنقص من هذه الساعات أو أزيد عليها، إلى أن أنهيت الدورة وحصلت على الشهادة في غضون 3 أشهر.
ما هي التحديات التي واجهتك في أثناء التعلم، وكيف تغلبت عليها؟
التحدي الأول الذي كنت أواجهه متعلقٌ باستقرار الإنترنت في المنطقة التي أسكن فيها، ففيديوهات الأكاديمية بجودة مرتفعة، وهو ما أدى إلى بطء في تشغليها فكانت تنقطع بعد كل جملة، وهو ما يعني انقطاع وصول معناها لدي، فكنت اضطر إلى إعادة الفيديو أكثر من مرة. فكان الحل عندي هو الخروج من المنزل والدراسة في مكان يستقطب الإشارة على وجه أفضل، وإن تعذر عليّ الخروج من المنزل خفضت جودة الفيديوهات قليلًا كحل أخير.
أما التحدي الثاني فيتمثل في المشكلات البرمجية التي كنت أواجهها في أثناء كتابة الشيفرات، ففي البداية كنت لا أكتب سطرًا برمجيًا واحدًا إلا وبه خطأ! مع أنني كنت أتابع مع المدرب لحظة بلحظة، لا أعرف ما السبب في ذلك صراحة وهل يقع للجميع بالبداية أم لا.
لكن بفضل الله وبفضل تشجيع الأساتذة وتحفيزهم تجاوزت هذه المشكلة سريعًا، إذ كانوا يبينون لي مواضع الغلط ويطلبون مني الاستماع جيدًا قبل البدء بكتابة الشيفرة والتركيز على أشياء بعينها لتجنب الوقوع في مثله مستقبلًا، وهذه النصائح كنت أدوّنها جميعها وأبذل وسعي للالتزام بها.
لو عاد بك الزمن إلى الوراء قليلًا، ما الذي كنت تتمنى معرفته أو تصحيحه في خلال رحلتك السابقة؟
الأشياء التي يمكن أن أنصح به غيري ممن يريد البدء في المسار نفسه، هو الاستعانة بجوجل لاستيضاح كل ما يقف أمامه، فلو شرح المدرس شيئًا لم تستوعبه تمامًا فيمكنك الرجوع إلى موقع مثل موزيلا إم دي إن من أجل أن تفهم وظيفة هذا الرمز في محرر الشيفرات، وطبعًا أنصح بالرجوع إلى موسوعة حسوب ففيها معلومات كافية ووافية في هذه المسألة.
كما أنني أميل قبل البدء في تعلم تطوير واجهات المستخدم إلى دراسة فيجما Figma وأدوبي إكس دي Adobe XD لأن تصميم موقع الويب يكون على مراحل تبدأ بالتخطيط والرسم وصولًا إلى مرحلة التطوير، ودائمًا تكون النتيجة النهاية أفضل إن مررت بهذه المراحل جميعها قبل البدء في تطوير واجهات المستخدم مباشرة.
كيف حصلت على أول عمل لك في البرمجة؟
بعد أن حصلت على شهادة دورة تطوير واجهات المستخدم من الأكاديمية، قامت إدارة مستقل مشكورة بوضع وسام (حاصل على الشهادة) في حسابي فبدأت أقدم عروضًا على المشروعات التي تتعلق بما درست، وفي هذه الأثناء كنت أقدم خدمات لبناء صفحات هبوط على منصة خمسات التي كنت أعمل عليها سابقًا.
وبعد أن تطورت مهاراتي قليلًا، أذكر أن أول مشروع لي على مستقل كان لعميل من المملكة العربية السعودية طلب تصميم موقع لبرنامج تخطيط موارد المؤسسة، وكان لدي بطبيعة الحال قليل من التخوف؛ يعني في النهاية هذا أول مشروع سأتكسب منه لمجال درسته حديثًا، لكنني أعطيت المشروع الوقت الكافي من العمل، وكل صفحة أصممها كنت أرسلها إلى العميل لكي أحصل على موافقته ولكي أدوّن ملاحظاته وأطبقها، وصراحة كان المشروع سهلًا جدًا بالنسبة لي فأنا كنت قد عملت على 10 مشروعات متنوعة بعضها كان من التطبيقات الخاصة بالدورة وبعضها كان باجتهاد مني لتطوير قدراتي.
وبعد أسبوع أو 10 أيام أرسلت للعميل الملفات الخاصة بالموقع، وبعد يوم أو يومين استلم المشروع وأعطاني تقييمًا جميلًا.. في هذه اللحظة؛ راودني شعورٌ لا مثيل له، فقد درست لمدة 3 أشهر داخل الأكاديمية وبعدها بفترة وجيزة حصلت على مشاريع وتعرفت على الكثير من العملاء، وهذا الشعور بالنجاح شعور مرضي جدًا ويستحق كل التعب الذي بذلته.
بم تنصح المطورين الجدد من المستقلين للحصول على مشروعهم الأول؟
السر في الحصول على مشاريع على موقع مستقل هو في معرض الأعمال لأنه الذي يعطي الصورة المعبرة عنك وعن جدارتك بالعمل على هذا المشروع أو غيره، فكما يقولون: أعمالك من تتحدث عنك. وليس معنى هذا كثرة الأعمال وإنما جودتها.
وأنصحك ألا تقدم عرضًا على مشروعٍ لم تقرأه جيدًا، وعند كتابة العرض وضح ما يلي:
- مهاراتك التي تؤهلك للتقديم على هذا المشروع.
- أعد صياغة متطلبات المشروع بالتفصيل في عرضك لتظهر لصاحب المشروع اهتمامك بما يطلب ووعيك به.
كيف تطور من مهاراتك البرمجية في الوقت الحالي؟
حاليًا أدرس جافاسكربت وأتعلم مهارات الـ Sass والـ CSS والتحريك، وتعلمت الووردبريس أيضًا، وعندما أردت تعلمه، اشتريت مجددًا من أكاديمية حسوب دورة PHP لأن ووردبريس مبني باستخدام هذه اللغة.
ما الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه في المستقبل بعد أن أصبحت مصمم ويب مستقل؟
أنا أدور بين المهارات الثلاثة؛ التدوين والتصميم والتطوير والمشترك بينهم هو الكتابة، فأي شيء تعمل على تصميمه أو تطويره ستحتاج بالنهاية إلى محتوى له.
مع ذلك، هدفي الأساسي هو أن أصبح مدرسًا لطلاب الثانوية في تخصصي، وكما تعلمون، التدريس هذه الأيام يعني أن تكون قادرًا على استخدام التكنولوجيا في توصيل المعلومة وفي التعليم عمومًا، لذا فمهاراتي في التصميم والبرمجة ستجعل مني مدرسًا أفضل ولن يضيع الوقت الذي بذلته في تعلمهما والعمل بهما؛ فبناء درس معين لطلاب الثانوية يتطلب الخروج عن الإطار التقليدي المعتاد، ولهذا سأستعين بهذه المهارات لكي أصنع طريقةً فريدةً ولائقةً بالطلاب الذين أدرّسهم.
هذا إلى جانب عملي الحر، فبجانب عملي في مستقل وخمسات فأنا أعمل مستقلًا مع إحدى الشركات هنا بالمغرب.
- 3