لوحة المتصدرين
المحتوى الأكثر حصولًا على سمعة جيدة
المحتوى الأعلى تقييمًا في 10/10/19 في كل الموقع
-
Python هي لغةٌ سهلة القراءة للغاية ومتنوعة ومتعددة الاستخدامات، واسمها مستوحى من مجموعة كوميدية بريطانية باسم «Monty Python»، وكان أحد الأهداف الأساسية لفريق تطوير بايثون هو جعل اللغة مرحةً وسهلة الاستخدام، وإعدادها بسيطٌ، وطريقة كتابتها مباشرة وتعطيك تقريرًا مباشرًا عند حدوث أخطاء، وهي خيارٌ ممتازٌ للمبتدئين والوافدين الجدد على البرمجة. لغة بايثون هي لغة متعددة الاستعمالات، وتدعم مختلف أنماط البرمجة مثل كتابة السكربتات والبرمجة كائنية التوجه (object-oriented)، وهي مناسبةٌ للأغراض العامة، واستعمالها يتزايد في سوق العمل إذ تعتمدها منظماتٌ مثل «United Space Alliance» (شركة في مجال إرسال مركبات فضائية وتتعاقد معها ناسا) و «Industrial Light & Magic» (أستوديو للتأثيرات السينمائية وللرسوم المتحركة)، وتوفِّر بايثون قدراتٍ كثيرةٍ لمن يريد تعلم لغة برمجة جديدة. طوِّرَت اللغة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ونُشِرَت أوّل مرة في عام 1991، طُوِّرَت بايثون من قِبل Guido van Rossum، وهو عضوٌ نشطٌ للغاية في المجتمع. وتعتبر بايثون على أنَّها بديلٌ عن لغة ABC، وأوّل إصدار منها كان يتضمن التعامل مع الاستثناءات (exception handling) والدوال والأصناف (classes) مع إمكانية الوراثة فيها. وعدما أُنشِئ منتدى محادثة في Usenet باسم comp.lang.python في 1994، فبدأت قاعدة مستخدمي بايثون بالنمو، مما مهّد الطريق لها لتصبح واحدة من أكثر لغات البرمجة شيوعًا وخصوصًا لتطوير البرمجيات مفتوحة المصدر. لمحة عامة قبل أن ننظر إلى إمكانيات إصدارَي بايثون 2 وبايثون 3 (مع الاختلافات البرمجية الرئيسية بينهما)، فلننظر إلى لمحة تاريخية عن الإصدارات الرئيسية الحديثة من بايثون. بايثون 2 نُشِرَ هذا الإصدار في أواخر عام 2000، وأصبحت بايثون 2 لغة برمجة شاملة مقارنةً بالإصدارات التي تسبقها وذلك بعد تطبيق اقتراح PEP (Python Enhancement Proposal)، وهو مواصفةٌ (specification) تقنيةٌ التي توفِّر معلومات إلى أعضاء مجتمع بايثون أو تصف ميزاتٍ جديدة في اللغة. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت بايثون 2 ميزاتٍ برمجية جديدة مثل «cycle-detecting garbage collector» لأتمتة عملية إدارة الذاكرة، وزيادة دعم يونيكود لتدعم اللغة جميع المحارف المعيارية …إلخ. وأثناء عملية تطوير بايثون 2 أضيفت ميزات جديدة بما في ذلك توحيد الأنواع والأصناف في بايثون في بنية هيكلية وحيدة (وذلك في إصدار 2.2 من بايثون). بايثون 3 تُعتَبر بايثون 3 هي مستقبل لغة بايثون وهي النسخة قيد التطوير من اللغة، وهذا إصدارٌ رئيسيٌ نُشِر في أواخر عام 2008 لإصلاح بعض المشاكل الجوهرية في تصميم الإصدارات السابقة من اللغة، وكان التركيز أثناء تطوير بايثون 3 هو تحسين الشيفرات التي تبنى عليها اللغة وحذف التكرارات، مما يعني أنَّ هنالك طريقة وحيدة فقط لإنجاز مهمّة معيّنة. التعديلات الأساسية التي حدثت في بايثون 3.0 تتضمن تغير العبارة print إلى دالة مُضمَّنة باللغة، وتحسين قسمة الأعداد الصحيحة، وتوفير دعم إضافي ليونيكود. في البداية، انتشرت بايثون 3 ببطء نتيجةً لعدم توافقيتها مع بايثون 2، مما يعني أنَّ على المستخدمين اختيار ما هو الإصدار الذي عليهم استخدامه. بالإضافة إلى ذلك، كانت الكثير من المكتبات البرمجية متاحةً فقط لبايثون 2، لكن بعد تقرير فريق تطوير بايثون 3 أنَّه يجب أن التخلي عن دعم بايثون 2، فبدأت عملية تحويل المكتبات إلى بايثون 3. يمكننا معرفة زيادة الاعتماد على بايثون 3 من خلال عدد الحزم البرمجية التي تدعم بايثون 3، والتي هي (في وقت كتابة هذا المقال) 339 من أصل 360 من أشهر الحزم. بايثون 2.7 بعد إصدار بايثون 3.0 في 2008، أُصدِرَت نسخة بايثون 2.7 في تموز 2010 وهي آخر إصدار من سلسلة 2.x، الغرض من إصدار بايثون 2.7 هو جعل الطريق ممهدًا أمام مستخدمي بايثون 2.x لتحويل برامجهم إلى بايثون 3 بتوفير بعض التوافقية بينهما. وهذه التوافقية تضمنت دعم بعض الوحدات المُحسّنة في 2.7 مثل unittest لأتمتة الاختبارات، و argparse لتفسير خيارات سطر الأوامر، وبعض الفئات في collections. ولخصوصية بايثون 2.7 ولكونها جسرًا واصلًا بين الإصدارات القديمة من بايثون 2 وبين بايثون 3.0، فأصبحت خيارًا شائعًا بين المبرمجين بسبب توافقيتها مع الكثير من المكتبات. عندما نتحدث اليوم عن بايثون 2، فنحن نشير عادةً إلى إصدار بايثون 2.7 لأنَّه أكثر إصدار مستخدم؛ لكنه يُعتَبَر أنَّه إصدارٌ قديم، وسيتوقف تطويره (التطوير الحالي هو إصلاح العلل فقط) تمامًا في 2020. الاختلافات الأساسية بغض النظر أنَّ بايثون 2.7 وبايثون 3 تتشاركان في الكثير من الأشياء، لكن لا يجدر بك أن تظن أنَّهما متماثلتان ويمكن تبديل الشيفرات بينهما. وعلى الرغم من أنَّك تستطيع كتابة شيفرات جيدة وبرامج مفيدة في أيّ إصدار منهما، لكن من المهم أن تفهم أنَّ هنالك بعض الاختلافات في بنية الشيفرات وفي طريقة تفسيرها. سأعرض هنا بعض الأمثلة، لكن عليك أن تعلم أنَّك ستواجه المزيد من الاختلافات أثناء مسيرة تعلمك لبايثون. print في بايثون 2، تُعامَل print كتعبيرٍ برمجيٍ بدلًا من كونها دالة، وهذا كان يثير ارتباكًا لأنَّ الكثير من الأمور داخل بايثون تتطلب تمرير وسائط (arguments) بين قوسين، إذا فتحتَ مُفسِّر بايثون 2 لطباعة «Sammy the Shark is my favorite sea creature»، فستكتب تعبير print الآتي: print "Sammy the Shark is my favorite sea creature" أما في بايثون 3، فستُعامَل print() كدالة، لذا لطباعة السلسلة النصية السابقة، فيمكننا استخدام شكل استدعاء الدوال التقليدي كما يلي: print("Sammy the Shark is my favorite sea creature") هذا التعديل جعل من البنية اللغوية في بايثون موحدةً وسهَّلَ من التبديل بين مختلف دوال الطباعة فيها. يجدر بالذكر أنَّ الدالة print() متوافقة مع بايثون 2.7، لذا ستعمل شيفرات بايثون التي تستعمل print() بشكلٍ صحيحٍ في أيّ الإصدارَين. قسمة الأعداد الصحيحة في بايثون 2، أيُّ عددٍ تكتبه دون فواصل عشرية سيُعامَل على أنَّه من النوع integer، تأتي الإشكالية عندما تحاول قسمة الأعداد الصحيحة على بعضها، فتتوقع في بعض الأحيان حصولك على عددٍ عشري (تسمى أيضًا بالأعداد ذات الفاصلة العائمة float) كما في التعبير الرياضي: 5 / 2 = 2.5 لكن الأعداد الصحيحة في بايثون 2 لن تتحول إلى أعداد عشرية عندما تتطلب العملية التي تُجرى عليها ذلك. عندما يكون العددان الموجودان على جانبَي معامل القسمة / عددين صحيحين، فإن بايثون 2 ستجري عملية القسم وستُنتِج عددًا عشريًا إلا أنها ستُعيد العدد الصحيح الأصغر أو المساوي للناتج، وهذا يعني أنَّه لو كتبتَ 5 / 2 فستُعيد بايثون 2.7 العدد الصحيح الأصغر أو المساوي للعدد 2.5، وهو في هذه الحالة 2: a = 5 / 2 print a 2 لإعادة عدد عشري، فيجب إضافة فواصل عشرية إلى الأرقام التي ستُجري عليها عملية القسمة كما في 5.0 / 2.0 لكي تحصل على النتيجة المنطقية 2.5. أما في بايثون 3، فقسمة الأعداد الصحيحة أصبحت كما نتوقع: a = 5 / 2 print a 2.5 يمكنك استخدام 5.0 / 2.0 لإعادة 2.5، لكن إن أردتَ تقريب ناتج القسمة فاستخدم المعامل // الموجود في بايثون 3، كالآتي: a = 5 // 2 print a 2 هذا التعديل في بايثون 3 جعل من قسمة الأعداد الصحيحة أمرًا سهلًا، لكن هذه الميزة غير متوافقة مع بايثون 2.7. دعم محارف يونيكود عندما تتعامل لغات البرمجة مع السلاسل النصية (strings، والتي هي سلسلةٌ من المحارف)، فهي تفعل ذلك بطرائق مختلفة لكي تتمكن الحواسيب من تحويل الأعداد إلى أحرف ورموز. تستعمل بايثون 2 محارف ASCII افتراضيًا، لذا عندما تكتب "Hello, Sammy!" فستتعامل بايثون 2 مع السلسلة النصية كمجموعة من محارف ASCII، والتي هي محدودةٌ لحوالي مئتَي محرف، أي أنَّ محارف ASCII هي طريقة غير عملية لترميز المحارف خصوصًا المحارف غير اللاتينية (كالعربية مثلًا). لاستخدام ترميز محارف يونيكود (Unicode) الذي يدعم أكثر من 128000 محرف تابع للكثير من اللغات والرموز، فعليك أن تكتب u"Hello, Sammy!" حيث تُشير السابقة u إلى Unicode. تستعمل بايثون 3 محارف يونيكود (Unicode) افتراضيًا، مما يوفِّر عليك بعض الوقت أثناء التطوير، ويمكنك كتابة وعرض عدد أكبر بكثير من المحارف في برنامجك بسهولة. يدعم يونيكود الكثير من المحارف بما في ذلك الوجوه التعبيرية (emojis)، واستعمالها كترميز محارف افتراضي يعني أنَّ الأجهزة المحمولة ستكون مدعومةً في مشاريعك تلقائيًا. إذا كنت تحب أنَّ تكون شيفرات بايثون 3 التي تكتبها متوافقةً مع بايثون 2، فأبقِ على حرف u قبل السلاسل النصية. استمرار التطوير الفارق الرئيسي بين بايثون 3 وبايثون 2 ليس في البنية اللغوية وإنما في أنَّ إصدار بايثون 2.7 سيتوقف دعمه في 2020، وسيستمر تطوير بايثون 3 بميزاتٍ جديدة وإصلاحٍ لمزيدٍ من العلل. التطويرات الأخيرة في اللغة تتضمن تخصيصًا أبسط لإنشاء الأصناف، وطريقةً أوضح للتعامل مع المصفوفات… الاستمرار بتطوير بايثون 3 يعني أنَّ المطورين يمكن أن يعتمدوا على اللغة، وسيطمئنون أنَّ المشاكل التي قد تحدث فيها ستُحَل في فترةٍ قريبة، ويمكن أن تصبح البرامج أكثر كفاءة بإضافة المزيد من الميزات للغة. نقاط أخرى يجب أخذها بالحسبان عليك أن تضع النقاط الآتية بعين الاعتبار عندما تبدأ مشوارك كمبرمج بلغة بايثون، أو عندما تبدأ بتعلم لغة بايثون بعد تعلمك لغيرها، وهنا ننصحك بتعلمها أكاديميًا باحترافية، من خلال الانضمام إلى دورة تطوير تطبيقات باستخدام لغة بايثون المقدمة من أكاديمية حسوب. إذا كنتَ تأمل بتعلم اللغة دون أن تفكِّر بمشروعٍ معيّن، فأنصحك بالتفكير بمستقبل بايثون، فسيستمر تطوير ودعم بايثون 3 بينما سيوقف دعم بايثون 2.7 عمّا قريب. أما إذا كنتَ تُخطِّط للانضمام لفريق تطوير أحد المشاريع، فعليك أن تنظر ما هو إصدار بايثون المستخدم فيه، وكيف يؤدي اختلاف الإصدار إلى اختلاف طريقة تعاملك مع الشيفرات، وإذا ما كانت المكتبات البرمجية المستعملة في المشروع مدعومةً في مختلف الإصدارات، وما هي تفاصيل المشروع نفسه… إذا كنت تُفكّر ببدء أحد المشاريع، فيجدر بك أن تنظر ما هي المكتبات المتوفرة وما هي إصدارات بايثون المدعومة. وكما قلنا سابقًا، الإصدارات الأوليّة من بايثون 3 لها توافقية أقل مع المكتبات المبنية لبايثون 2، لكن الكثير منها قد جرى تحويله إلى بايثون 3، وسيستمر ذلك في السنوات الأربع المقبلة. الخلاصة لغة بايثون كبيرة جدًا وموثقة توثيقًا ممتازًا وسهلة التعلم، ومهما كان اختيارك (بايثون 2 أو بايثون 3) فستتمكن من العمل على المشاريع الموجودة حاليًا. صحيحٌ أنّ هنالك بعض الاختلافات المحورية، لكن ليس من الصعب الانتقال من بايثون 3 إلى بايثون 2، وستجد عادةً أنَّ بايثون 2.7 قادرة على تشغيل شيفرات بايثون 3، خصوصًا في بدايات تعلمك للغة. من المهم أن تبقي ببالك أنَّ تركيز المطورين والمجتمع أصبح منصبًّا على بايثون 3، وسيصبح هذه اللغة رائدةً في المستقبل وستلبي الاحتياجات البرمجية المطلوبة، وأنَّ دعم بايثون 2.7 سيقل مع مرور الزمن إلى أن يزول في 2020. ترجمة -وبتصرّف- للمقال Python 2 vs Python 3: Practical Considerations لصاحبته Lisa Tagliaferri اقرأ أيضًا المقالة التالية: تثبيت بايثون على مختلف أنظمة التشغيل وإعداد بيئتها البرمجية المرجع الشامل إلى تعلم لغة بايثون كتاب البرمجة بلغة بايثون مميزات لغة بايثون1 نقطة
-
كم مرّةً حاولت التّركيز على شيء واحد مهم، وانتهيت بأنْ أصبح عقلك مُشتّتًا في ألْف شيء؟ مهما حاولت الحفاظ على تنظيم أفكارك، تبدأ الأفكار تلحُّ على عقلك فكرة بعد أخرى من حين لآخر مُشتِّتةً بذلك انتباهك المحدود. فعلى سبيل المثال أثناء عملك على مشروع ما، يُلحُّ عليك فجأة التّفكير فيما ستأكله على العشاء أو ربما تُفكّر في حوار دار مع صديق لك منذ عدّة أيام! العقل كثير التّقلّب، ولكن لحسن الحظ هناك طرق فعّالة للسّيطرة على أفكارك والحفاظ على تنظيمها وحمايتك من التّشتّت بالأفكار الخارجيّة وذلك عن طريق خاصيّة إدراكيّة واحدة، وهي ذاكرتك العاملة. لكن ربما تساءلت ما هي الذّاكرة العاملة؟ هذا ما سنعرفه في السّطور القادمة. ما هي “الذّاكرة العاملة”؟ عندما تتلقّى المعلومات ومن ثَمّ تقوم بمعالجتها في عقلك لأيّ مدة زمنيّة، فإنك حينها تستعمل ما يُسمّيه علماء الأعصاب الإدراكيّين “الذّاكرة العاملة”. مثال ذلك عندما تحتاج مثلًا لتذكّر رقم هاتف في المدة الزمنيّة بين سماع الرقم وكتابته، أو مثلًا عندما تتذكّر الاتجاه الذي يُفترَض أن تسير فيه بسيارتك بينما تبحث عن مَعالِم مُعيّنة (انعطف أوّل يمين، ثمّ استمر مستقيمًا حتى ترى لافتة صفراء كبيرة، ومن ثَمّ ثالث مبنى على اليسار…). في مواقف كهذه لا تحتاج فقط إلى أن تَحتفظ ببعض المعلومات حاضرة وجاهزة في عقلك، وإنما تحتاج أيضًا أن تتعامل معها في سياق الواقع من حولك. لكن الذّاكرة العاملة ليست مختصّة بالمعلومات الأساسيّة التي على هيئة تعليمات فقط، فمثلا آخر مرّة كتبت منشورًا أو مقالًا في منصة ما، كانت الذّاكرة العاملة حاضرة معك أيضًا؛ فهي التي ساعدتك على الاحتفاظ بالمعلومات التي تلقّيتها أثناء بحثك ثمّ اختيار ما يناسب منشورك أو مقالك منها. باختصار، الذّاكرة العاملة تعمل كسُبّورة في دماغنا نكتب عليها معلومات مُعيّنة في أثناء استعمالها. لكنّ المشكلة هي أنّ الذّاكرة العاملة لا تستطيع الاحتفاظ سوى بكمّيّة محدودة من المعلومات في المرّة الواحدة، كما أنها يتم طرقها باستمرار بالأفكار والتجارب الحِسّيّة الجديدة مُستبدِلة بذلك أفكارك الأصليّة المهمّة. بالرغم من ذلك هناك بعض الطّرق لزيادة القدرة الاستيعابيّة لذاكرتك العاملة. كيفيّة الاحتفاظ بالأفكار أثناء العمل بالرغم من معرفتنا عن الذّاكرة العاملة منذ ثمانينيّات القرن الماضي، إلّا أنّ فهمنا لكيفيّة عملها قد تغيّر مع الوقت. وُضِعت أحدث نظرية في تفسير عملها بواسطة العالِمَيْن النفسيَّيْن آلان باديلي و جراهام هيتش، وتقترح النّظريّة أنّ هناك عدّة مخازن للاحتفاظ بالمعلومات والتي يتمّ التّحكم بها بواسطة جهاز إشرافي يُطلَق عليه “المدير المركزي”. وقبل أن نحاول فهم كيفيّة تقوية الذّاكرة العاملة، يجب أوّلا فهم كيفيّة عملها. الخطوة الأولى: الدّورة الصّوتيّة هل تذكر حديثنا حول محاولة تذكّر رقم هاتف؟ غالبًا أثناء محاولتك لحفظ الرقم تقوم بترديده في نفسك مرّة بعد مرّة فيما يُعرف بالدّورة الصّوتيّة. عندما نسمع أيّ معلومة فإنّنا نحوّلها مباشرة إلى ما يشبه الشّفرة الصّوتيّة، ثم بعد ذلك لمنع هذه المعلومة من التّبخّر فإننا نقوم بترديد شفرتها “التحدّث” بصوت عقلنا الداخلي و”استماعها” بأذن عقلنا في دورة مستمرّة كما لو أنّ بداخل عقلنا جهازًا يصنع صدًى للصوت. ولكنْ للأسف تسقط المعلومات من هذه الدّورة بشكل سريع، وهذا يفسّر لماذا تكون الأرقام الأطْول أصعب في التذكّر، فبمجرّد وصولك إلى نهاية الرّقم تجد نفسك قد نسيت أوّل عدّة أرقام. وقد قام العالم النّفسي الأمريكي جورج ميلر بتحديد مدى القدرة الاستيعابيّة لذاكرتنا العاملة في بحثه المسمَّى “معجزة الرّقم 7، بزيادة أو نقص 2”، وقد اقترح في هذا البحث أنّ الإنسان العادي يستطيع الاحتفاظ بسبعة عناصر من المعلومات في الذّاكرة العاملة في المرّة الواحدة. الخطوة الثّانية: دفتر الإبصار المكاني تصوّر في عقلك شكل غرفة تعرفها جيّدًا (يمكن أن تكون غرفتك نفسها التي أنت فيها الآن)، والآن أغلق عينيْك وقم بعدّ الأشياء المجاورة للحائط من اليسار إلى اليمين. بينما تتفحّص المكان بعين عقلك الداخليّة فإنّك حينها تستخدم ما يُسمّى بدفتر الإبصار المكاني، والذي هو عبارة عن جزء من الذّاكرة العاملة يُمَكّنك من تخزين صورة في عقلك ومِن ثَمّ الرجوع إليها وتفحّصها بعد ذلك. فبينما تتعامل الدّورة الصّوتيّة مع الأصوات والأوامر الكلاميّة، فإن دفتر الإبصار المكاني مُختص بالذّاكرة البصريّة. الخطوة الثّالثة: الذّاكرة الحلْقيّة بالرّغم من أنّها ليست جزءًا من النّموذج الأساسي للنّظريّة، إلّا أنّ باديلي في سنة 2000 قام بإضافتها كجزء جديد إلى نظريّته وأطلق عليها “الذّاكرة الحلقيّة”، وهي التي تقوم بوظيفة ربط المعلومات ببعضها في حلْقة واحدة وتكوين وحدات متكاملة من المعلومات البصريّة والمكانيّة والصوتيّة بتسلسل زمني. وهي التي تتيح لنا تذكّر واستعادة قصّة رواية أو فيلم ما بتسلسل أحداثه، وكذلك وضع أجزاء المعلومات في السّياق المناسب. التّحكّم التّنفيذي: تنظيم الأمور ودمجها مع بعضها وضع العمل في الذّاكرة العاملة هو من اختصاص نظام التّحكّم التّنفيذي، وهو النّظام الذي يجمع كل العمليّات ويقوم بترتيبها ويقرّر ما هي المعلومات التي سيتم الاحتفاظ بها، وفي أيّ مخزن من مخازن الذّاكرة سوف يتم تخزينها. ويقوم نظام التّحكّم التّنفيذي أيضًا بدمج وتوفيق المعلومات مع بعضها في مخازن الذّاكرة الثّلاث، وكذلك يقوم هذا النّظام بما هو أكثر أهمّية، وهو توفير مساحة مناسبة في العقل للتّعامل مع المعلومة ومعالجتها والاستفادة منها. فإذا كانت المخازن الثّلاث يمكن تمثيلها بالبروز الموجود في مكعّبات الليجو الذي يربط المكعبات ببعضها، فإن التّحكّم التّنفيذي هو اللوحة التي تضع عليها المكعّبات وتبني عليها هيكلًا جديدًا ذا معنى. كيف تُعزّز ذاكرتك العاملة؟ تُعتبَر الذّاكرة العاملة من أهمّ الوظائف الإدراكيّة التي لدينا؛ فهي التي تساعدنا في العديد من العمليّات العقليّة من تعلّم لحروف الهجاء إلى استيعاب المواقف الاجتماعيّة وترتيب أولويّات الأنشطة المختلفة وكذلك الالتزام بالمواعيد. وقد ظهر حديثًا أنّ الذّاكرة العاملة أفضل من أداة قياس الذّكاء (IQ) في قياس النّجاح الأكاديمي المستقبلي، حيث أنّ 98% من الأطفال الذين لديهم ذاكرة عاملة ضعيفة حصلوا على معدّلات منخفضة في اختبارات استيعاب القراءة والحساب التقليديّة، وبالتالي فالذّاكرة العاملة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقدرة العقليّة. إذًا فما هي الطّرق التي يمكن من خلالها تعزيز قوّة ذاكرتنا العاملة؟ قلّل التّوتّر في حياتك تظهر الدّراسات بشكل متزايد أنّ التّوتّر يمكن أن يكون له تأثير سلبي على ذاكرتنا العاملة؛ فكلما زاد التّوتّر في حياة الفرد، كلما قلّت كفاءة ذاكرته العاملة في القيام بأبسط العمليات الإدراكيّة. الأمر للأسف عبارة عن حلقة مستمرّة، ففقدان التّركيز الذي يؤدّي إلى التّأخر في إنهاء مشروعِ ما سوف يُولّد قلقًا بطبيعة الأمر، والذي يقوم بدوره في تقليل كفاءة ذاكرتنا العاملة وبالتّالي تقليل تركيزنا، ومِنْ ثَمّ تعيد الحلقة نفسها. بالرّغم من ذلك هناك طريقة لمساعدتنا في كسر هذه الحلقة، وهي أن نصبح أكثر تركيزًا. “أظهر الطّلّاب الذين تلقّوْا تدريبًا على الانتباه والتّركيز زيادةً في القدرة الاستيعابيّة للذّاكرة العاملة، وأحرزوا درجات في المتوسط أكبر من غيرهم بـ16% في اختبارات استيعاب القراءة” أُقِيمَت دراسة في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا في 2013 على 48 طالبًا جامعيًا ممّن قاموا بحضور تدريب على الانتباه والتّركيز أو اتّبعوا نظامًا في التّغذية لمدّة أسبوعيْن. ومع نهاية وقت الدّراسة، أظهر الطّلّاب الذين حضروا تدريبًا على الانتباه والتّركيز كفاءةً أعلى لذاكرتهم العاملة وحصلوا في اختبارات استيعاب القراءة على درجات أعلى بـ16% مقارنة بمستواهم قبل بدء الدّراسة، بل وأعلى أيضًا من أقْرانهم ممّن اتبعوا نظامًا غذائيًا. فالخلاصة هي أنّك عندما تشعر بالأفكار المُشتِّتة تزحف إلى عقلك، قم فورًا بأخذ استراحة ولو حتّى لدقائق معدودة وأفرغ عقلك من كلّ شيء؛ فإنّ هذا سيساعدك على استرجاع صفاء ذهنك وتركيزك عندما تعود مرّةً أخرى إلى عملك. قم ببعض التّمارين الرّياضيّة يمكن أيضًا تعزيز قوّة الذّاكرة العاملة عن طريق التّمارين الرّياضيّة. قامت عالمة التّمارين د.كريستين لوبوإستس مع زملائها بإجراء تجربة لتوضيح أثر التّمارين على الذّاكرة العاملة قبل وأثناء وبعد القيام بتمارين شاقّة. وقد أظهرت النّتائج أنّ القدرة الاستيعابية للذاكرة العاملة قلّت أثناء القيام بتمرين بدني شاقّ وكذلك بعده بفترة وجيزة، إلّا أنّها بالرّغم من ذلك ارتفعت بعد فترة راحة قصيرة مقارنةً بأولئك الذين لم يقوموا بأيّ نشاط. وكما أنّ التّمارين الشّاقّة مفيدة في رفع كفاءة العقل بشكل عام، فإنها أيضًا وبشكل خاص يمكنها تعزيز القدرة الاستيعابيّة للذّاكرة العاملة. اهتمّ بهواياتك ومهاراتك في كتاب لطبيب الباطنة السّويدي توركل كلينجبرج يُسمّى “العقل المتدفّق”، أوضح أنّه يمكن تعزيز قوّة الذّاكرة العاملة عن طريق تعريضها للكثير من الإثارة العصبيّة. وبيّن بحث الدّكتور كلينجبرج أيضًا أنّه كلما مارسنا مهارة أو هواية معيّنة، كلما زادت المساحة الدّماغيّة المُحفَّزة بالإثارة العصبيّة المرتبطة بتلك المهارة أو الهواية. على سبيل المثال، المساحة الدماغيّة المُحفَّزة بلعبة الأحجية أو مكعب روبيك في دماغ شخص يلعبها ستكون أكبر من تلك الموجودة في دماغ شخص لا يلعبها. ممارسة هواية أو مهارة جديدة لن تساعدك فقط على الاحتفاظ بكميّة معلومات أكثر في ذاكرتك العاملة، وإنّما ستساعدك أيضًا في التّمرّن على تجاهل المُشتِّتات المحيطة بك والحفاظ على تركيزك، وذلك سيفيدك في مهماتك وأعمالك الأخرى. من الجدير بالذّكر أنّ الذّاكرة العاملة ككثير من أجزاء عقلنا لاتزال مجالًا لم نسبر أغواره بشكل كامل ولم نصل إلى فهم مكتمل حول جميع علاقاته المتعدّدة مع مُختلَف الوظائف الإدراكيّة الأخرى. ولكن ما نعرفه الآن هو أنّ عقلنا لديه قدرة استيعابيّة محدودة في حفظ المعلومات أثناء القيام بمهمّة مُعيّنة، وكذلك يصعب عليه مقاومة جميع المُشتّتات (وكلّنا جرّب ذلك من قبل في أيّ مهمّة قمنا بها وكنّا نحاول إنهائها قبل انتهاء وقتها). في النّهاية أيًا كانت الطريقة التي ستستخدمها في زيادة قدرة ذاكرتك العاملة، فإنها سوف تفي بالغرض وتساعدك في المحافظة على تركيزك وإبعاد كل تلك المُشتّتات التي تحاول صرف انتباهك. ترجمة -وبتصرّف- للمقال How to regain focus and increase your working memory in 3 steps لصاحبه Jory MacKay حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik1 نقطة