هذه كلمة ألقيتها أثناء عشاء Y Combinator للصائفة الأخيرة. عادة لم يكن لنا متحدّث في العشاء الأخير، فهو أقرب ما يكون من الحفلة. لكن يبدو أنّ الأمر يستحق العناء إن استطعتُ إنقاذ بعض الشركات الناشئة من الميتات التي يمكن تجنّبها. ولذلك في الدقيقة الأخيرة أعددتُ هذا الخطاب القاتم. لم أقصد أن يتحّول هذا إلى مقال، فلم أكتبه سوى لأنّه كانت لدي ساعتان فقط قبل العشاء وأنا أفكّر بشكل أسرع لمّا أكتب.
منذ أيام قلت لأحد المراسلين إنّنا نتوقّع لثلث الشركات التي نموّلها أن تنجح. في الواقع كُنت متحفّظا حينها. أنا على أمل أنّه قد يكون بمقدار النصف. ألن يكون من المدهش لو حقّقنا نسبة نجاح في حدود الـ 50%؟
طريقة أخرى لوصف الوضع هو أنّ نصفكم مُتّجهون نحو الفناء. أن يوصف الوضع بهذه الطريقة، فلن يبدو جيّدا على الإطلاق. في الواقع، إنّه من الغريب حين تفكّر في الأمر، لأنّ تعريفنا للنجاح هو أن يحقّق المؤسسون الثروة. إذا نجحت نصف الشركات الناشئة التي نموّلها، معناه أنّ نصفكم سيصبحون أثرياء بينما لن يحصل النصف الآخر على شيء.
إذا كان فقط بمقدورك تجنّب الفناء، ستصبح ثريًّا. هذا يبدو شبيها بالنكتة، لكنّه في الواقع وصف جيّد لما يحدث لشركة ناشئة أنموذجيّة. أنّه يصف بالتأكيد ما حدث مع Viaweb. قاومنا الفناء حتّى أصبحنا أثرياء.
كان ذلك وشيكًا حين كنا في زيارة إلى "ياهو" للحديث عن إمكانية شرائها لشركتنا الناشئة، كان علينا أن نوقف كلّ شيء لاستعارة واحدة من قاعات عرضهم للحديث مع مستثمر كان على وشك التراجع عن دورة تمويليّة كنا بحاجة إليها للبقاء على قيد الحياة. إذن حتى في وسط الثراء كنا نقاتل قابض الأرواح.
ربما سمعتم تلك المقولة التي تنص على أن الحظ يحدث لدى التقاء الفُرص مع الإعداد الجيّد لها. أنتم الآن قمت بواجب الإعداد. العمل الذي قمتم به حتى الآن يضعكم في وضعية تسمح لكم بالظفر بالحظّ: يمكنكم تحقيق الثراء الآن من خلال عدم السماح بموت شركاتكم. هذا أكثر مما لدى معظم الناس. إذن دعونا نتحدّث حول كيفية مُقاومة الفناء؟
قمنا بذلك خمس مرات للآن (دورات حاضنة المشاريع). ورأينا عددًا من الشركات الناشئة تموت. حوالي 10 منهم حتى الآن. لا نعرف بالضبط ما الذي يحدث عندما يموتون، لأنهم عادة لا يموتون بشكل ثقيل أو بطولي. في الغالب ينكفئون خارجا ويموتون.
بالنسبة لنا المؤشر الرئيس للموت الوشيك هو عندما لا نسمع منك شيئا. عندما كنا لا نسمع من أو عن شركة ناشئة لبضعة أشهر، فهذا مؤشّر سيئ. عندما نرسل لهم رسالة إلكترونية نسألهم ما الخطب ولا يردّون فهذا حقيقة مؤشّر سيّئ. وحتى الآن، هذا يمثل تنبّؤا دقيقا 100% عن الوفاة.
في حين عندما تنجز الشركات الناشئة صفقات جديدة أو إصدارات جديدة أو ترسل لنا رسائل إلكترونية أو تحضر فعاليات Y Combinator فإنها ربما سائرة نحو البقاء.
أنا أدرك أنّ هذا سيبدو ساذجا، لكن الربط ربما يعمل في كلي الاتجاهين. ربما إن كنت قادرًا على التواصل معنا بشكل مُستمر فقد تتجنّب الفناء.
قد لا يكون الأمر ساذجا كما يبدو. لعلّك لاحظت أنّ حضورك للعشاء كل يوم ثلاثاء معنا ومع المؤسسين الآخرين يجعلك تنجز أكثر ممّا يمكنك أن تنجز في حالات أخرى، لأنّ كلّ عشاء هو بمثابة يوم تجريبي مصغّر. كلّ عشاء هو بمثابة موعد نهائي. إذن مجرّد البقاء على اتصال دائم معنا سيدفعك لجعل الأشياء تحدث، لأنّه بخلاف ذلك ستكون محرجا في أن تخبرنا بأنك لم تنجز شيئا منذ المرة الأخيرة التي تحدثنا فيها.
إذا نجح هذا، فسيكون حلّا عظيما. وسيكون من الرائع جدًا أنّه بمجرد البقاء على اتصال دوريّ بنا يمكنك أن تصبح ثريّا. يبدو الأمر جنونيًّا، لكن هناك فرصة جيّدة من شأنها أن تنجح.
صيغة أخرى هي أن تبقى على اتصال بالشركات الناشئة المموّلة من قبل Y Combinator. يوجد الآن أحياء كاملة لها في سان فرانسيسكو. حين تنتقل إلى هناك فإن ضغط نظرائك الذي سيدفعك للعمل بجدّ طوال الصيف سيجعلك تستمرّ في النشاط.
عندما تتعرض الشركات الناشئة للفناء، فإن السبب الرسمي يكون عادة نفاد التمويل أو انسحاب أحد المُؤسّسين، وعادة ما يحدث الأمران في آن واحد. ولكن أعتقد أنّ السبب الكامن هو عادة حين تصاب بالإحباط. نادرًا ما تسمع عن شركات ناشئة تعمل على مدار الساعة وتبرم الصفقات وتُضيف ميزات جديدة ثم تزول بسبب عدم قدرتها على سداد الفواتير أو لأنّ مزوّدي خدمات الإنترنت فصلوا الخطّ عن خواديمهم.
الشركات الناشئة نادرًا ما تفنى في منتصف ضغطة زرّ. إذن واصلوا الرقن.
إن دلّت إصابة عدد من الشركات الناشئة بالإحباط (بالرّغم من أنه إمكانها إدراك الثروة لو لم تيأس ولم تفشل) على شيء فإنها تدلّ على أنّ إدارة شركة ناشئة يمكن أن يكون مُحبِطا. هذا صحيح بالتأكيد. لقد جرّبت ذلك بنفسي، وهذا هو السبب في أنّي لم أطلق شركة ناشئة أخرى من جديد. الحضيض الذي يُمكن لإدارة الشركات الناشئة أن توصلك إليك منخفض بشكل لا يصدّق. أراهن أنه حتى "غوغل" عايشت فترات كانت فيها الأمور مدعاة لفقدان الأمل.
معرفة ذلك يمكن أن يساعد. إذا كنت تعلم أنّ الأمور ستكون كارثيّة في بعض الأحيان، إذن عندما تبدو لك الأمور كارثيّة، فلن تقول: "أوف، الأمور كارثيّة وسوف أستسلم". الجميع يشعرون هكذا. لكن إذا تشبّثت فالأمور قد تسير على ما يرام. التشبيه الذي يستعمله الناس لتصوير مزاج الشركات الناشئة هو roller coaster حيث أنك لست أمام خيار الغرق لوحده وإنّما هناك فرص كثيرة للصعود بعد الهبوط.
شعور آخر قد يبدو مقلقا لكنّه في الواقع عادي بالنسبة للشركات الناشئة هو إحساسك أنّ ما تقوم به غير فعّال. السبب الذي يدفعك للشعور بهذا الإحساس هو إمكانية فشل ما تقوم به. من النّادر أن تصيب الشركات الناشئة هدفها منذ المُحاولة الأولى، وفي الكثير من الحالات يُمكن أن تُطلق مُنتجًا دون أن يوليه أحد أيّة اهتمام. لا تعتبر حين يحدث هذا أنّك أخفقت فهو أمر هذا عاديّ بالنسبة للشركات الناشئة. ولكن لا تبق مكتوف الأيدي، أعد الكّرة من جديد (Iterate).
يعجبني اقتراح "بول بكهايت" Paul Buchheit المتعلق بإنجاز شيء ينال إعجاب شخص واحد على الأقل ما بحق. طالما كنتم تقدّمون أشياء مُفيدة للبعض فأنتم على الطريق الصحيح. وسيكون من المفيد لكم معنويا أن تجدوا على الأقل مجموعة من المُستخدمين الذي يحبّون مُنتج حقيقة، خاصّة وأن غذاء الشركات الناشئة هو الرّوح المعنويّة. ولكن أيضا سيبيّن لك ذلك ما الذي ينبغي عليك التركيز عليه، وما الذي يحبّونه فيك. وهل بإمكانكم أن توفّروا المزيد منه؟ وأين يمكنكم أن تجدوا المزيد من الناس الّذين يحبون هذا النوع من الأشياء؟ طالما لديك بعض المستخدمين المحوريّين الّذين يحبّونكم، كلّ ما عليكم القيام به هو توسيع دائرة ما تقومون به. قد يستغرق ذلك بعض الوقت لكن طالما واصلتم فتفوزون في النهاية. كلّ من "بلوغر" و"ديليشيوس" مرّا بذلك. كلاهما استغرقا سنوات لتحقيق النجاح. ولكن كليهما بدآ مع مجموعة من المستخدمين المخلصين بشدة. وكلّ ما كان على "إيفان" و"جوشوا" فعله هو تنمية هذه المجموعة تدريجيا. "ووفو" (Wufoo) هي في هذا المسار نفسه الآن.
لذلك عندما تقوم بشيء ما ويبدو أن لا أحد يهتمّ به، انظر عن كثب. هل هناك صفر من المستخدمين الذين يحبّونك أو هل هناك على الأقل مجموعة صغيرة تحبك؟ من الممكن جدا أن يكون هناك صفر. في هذه الحالة عدّل على منتجك وحاول مرّة أخرى. كلّ واحد منكم يعمل في مجال يحتوي على مُعادلة مُعيّنة لتحقيق النّجاح. وإذا واصلت المُحاولة فستتوصّل إليها.
اسمحوا لي بذكر أشياء لا ينبغي عليك فعلها. الشيء الأول الذي لا ينبغي فعله هو "الأشياء الأخرى". إذا وجدت نفسك تتلفّظ بعبارة تنتهي بـ: "ولكننا سنواصل العمل على الشركة الناشئة"، فأنت في ورطة كبيرة. جُمل من قبيل : "سيرجع بوب إلى الدراسة ولكننا سنواصل العمل على الشركة الناشئة". "نحن عائدون إلى مينيسوتا ولكننا سنواصل العمل على الشركة الناشئة". "سنقوم ببضعة مشاريع جانبية/استشارية ولكننا سنواصل العمل على الشركة الناشئة". في حقيقة الأمر كل الجُمل السّابقة تعني أمرًا واحدًا : " لقد رفعنا الرّاية البيضاء لكنّنا لسنا على استعداد للاعتراف بذلك لأنفسنا". العمل على المشاريع الناشئة صعب جدًا، لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن يكون في الجزء الثاني من جُملة بعد "لكن".
على وجه الخصوص، لا ترجع إلى الجامعة، ولا تبدأ مشاريع أخرى، التّشتت هو قاتل للمشاريع الناشئة. الذهاب إلى (أو العودة إلى) الجامعة مؤشّر كبير على فناء الشّركة النّاشئة، لأنّه بالإضافة إلى التشتّت فإنّه يقدّم لك "شيئا" لتقول إنّك تقوم به. إذا كنت تعمل على شركتك النّاشئة فقط وفشلت هذه الشّركة النّاشئة فهذا فشلك أنت أيضًا. أمّا ولو كنت في الجامعة وفشلت شركتك النّاشئة فيمكنك أن تقول لاحقا: "أوه، نعم كان لدينا مشروع شركة ناشئة كُنّا نعمل عليه على الهامش حين كنت في الجامعة، لكنّه لم يصل إلى أية نتيجة"
لا يمكنك استعمال عبارات ملطفة مثل: "لم يصل إلى أية نتيجة" عن شيء يُعتبر نشاطك الوحيد لأنه وبكل بساطة لن يُسمح لك بالقيام بذلك.
واحدة من الأشياء المهمة التي اكتشفناها من خلال العمل في Y Combinator أنّ المؤسسين يكونون أكثر حماسة بدافع الخوف من أن تسوء الأمور ويظهرون في موقف لا يُحسدون عليه أكثر من تحمّسهم بدافع الأمل في الحصول على ملايين الدولارات. إذن إذا كنت ترغب في الحصول على ملايين الدولارات فضع نفسك في وضعيّة حيث سيكون الفشل معلنا ومهينا.
عندما التقينا لأوّل مرّة بمؤسسي "اوكتوبارت" (Octopart) بدا لنا أنهما ذكّيان جدًا ولكن لم يظهرا في مظهر الرهان الحقيقي الذي يُمكن أن يُكلّل بالنجاح، لأنهم لم يبدوا ملتزمين بالخصوص. أحد المؤسِّسَيْنِ كان لا يزال في الجامعة. وكانت القصة المعتادة: سينقطع عن الدراسة إذا أقلعت الشركة الناشئة. منذ ذلك الحين لم يتوقّف عن الدراسة فحسب ولكنه ظهر على صفحات "نيوزويك" مع عبارة "ملياردير" مطبوعة على صدره. لم يعد بإمكانه أن يفشل الآن. كان يعلم أنّ الجميع شاهدوا الصورة. الفتيات اللاّئي أسأن إليه في الجامعة شاهدن الصورة. أمّه ربّما علقتها على الثلاجة. سيكون من المهين أن يفشل الآن. عند هذه النقطة فقد صار ملتزما بالقتال حتى الموت.
أتمنى لو تظهر كلّ الشركات الناشئة التي نموّلها في مقالات الـ "نيوزويك" واصفين إياهم بأنهم الجيل القادم من المليارديرات، لأنه حينها لا أحد سوف يستسلم منهم. لن أكون مازحًا لو قلت بأن نسبة النجاح حينها ستكون في حدود الـ90%.
عندما تعرفنا على الـ "أوكتوبارت" (Octopart) لأول مرة كانوا مرحين مبتهجين. الآن حين نتحدّث إليهم يبدون مصمّمين متجهّمين. موزعو القطع الإلكترونية يحاولون سحقهم لفرض أسعارهم الاحتكارية. (إذا كان يبدو لك من الغريب أن الناس كانول لا يزالون يطلبون القطع الإلكترونية اعتمادًا على كاتالوجات ورقية سميكة في 2007 فهناك سبب لذلك. الموزّعون يريدون منع الشفافية التي تأتي من وجود الأسعار على شبكة الإنترنت). أحس بشيء من الأسى لأنّنا حوّلنا هؤلاء الناس المرحين خفيفي الرّوح إلى أشخاص متجهّمين مصمّمين. ولكنّ ذلك يحدث مع الواقع. إذا نجح مشروع ناشئ فستحصل على ملايين الدولارات ولكنّك لن تحصل على هذا النوع من المال بمجرّد الطلب. عليك أن تقبل أنّه سيكلّف قدرًا من الألم.
وأيّا كانت الصعوبات التي ستواجه"أوكتوبارت" فأتوقع لهم النّجاح. ربّما سيتحّوّلون إلى شيء مختلف تمامًا لكنهم لن ينكفئوا جانبا ويزولون. هم أذكياء؛ ويعملون في مجال واعد ولن يستسلموا.
كلّكم لديكم المُكوّنين الأولين. كلّكم أذكياء وتعملون على أفكار واعدة. النقطة التي ستُحّدد ما إذا ستكونون في نهاية المطاف مع الأحياء أو في عداد الأموات هي المكوّن الثالث: عدم الاستسلام.
لذا، سأقول لكم الآن: المصاعب قادمة. إنها ملازمة للشركات الناشئة. احتمال إطلاق شركة والوصول إلى بيعها دون حدوث كوارث ضئيل جدًا. يجب عليكم أن لا تصابوا باليأس. فقط قولوا لأنفسكم "طيّب هذا ما كان 'بول' (Paul Graham) يتحدّث عنه. ماذا قال لنا أن نفعل؟ ألاّ نستسلم".
ترجمة -وبتصرّف- للمقال How Not to Die لصاحبه بول جراهام (Paul Graham) مُؤسس حاضنة مشاريع واي كومبيناتور (Y Combinator). اقرأ المزيد من مقالات بول جراهام بالعربية
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.