اذهب إلى المحتوى

هيفاء علي

الأعضاء
  • المساهمات

    79
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ آخر زيارة

  • عدد الأيام التي تصدر بها

    1

كل منشورات العضو هيفاء علي

  1. هناك عدد من المهارات اللازمة لإدارة التكنولوجيا والابتكار في المؤسسات بنجاح، وبغض النظر عن طبيعة المؤسسة التي تعمل فيها، فإنَّ هناك نوعين من المهارات التي يجب تطويرهما على مستوى المؤسسة من أجل تحقيق النجاح، وهما: القدرة على إدارة عمليات التعلُّم والمعرفة، والقدرة على تحليل التوجُّهات المستقبلية والتنبُّؤ بها. بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض المهارات المهمة لنجاح المؤسسة والتي ينبغي أن يتمتَّع بها أفراد المؤسسة، وتتضمَّن تلك المهارات: القيادة/ التبعية الفعَّالة، والتفكير الإبداعي. سنبيِّن فيما يلي كلًّا من هذه المهارات بشيءٍ من التفصيل. مهارات إدارة التكنولوجيا والابتكار القدرة على إدارة عمليات التعلُّم والمعرفة ترتبط المهارات اللازمة على مستوى المؤسسة بالطريقة التي تنتهجها الشركة من أجل التنسيق بين الأفراد والموارد من أجل بناء قيمة لها وتطوير وإمكانياتها، وتستطيع المؤسسة من خلال الإمكانيات والاستراتيجيات المناسبة بناء ميزة تنافسية لها. تُعدُّ عمليات إدارة المعرفة والتعلُّم التنظيمي شديدة الأهمية في عالم التكنولوجيا والابتكار؛ إذ تحتاج المؤسسات إلى وجود أنظمة تُتيح لها جمع البيانات ومن ثمَّ تحليلها للخروج بالمعلومات المطلوبة للنجاح او التميذز بمُنتج أو خدمة ما، وينبغي الاستفادة من المعلومات من أجل اكتساب المعارف والخبرات، وهذا يؤدِّي إلى حدوث عملية تعلُّم عند كل خطوة تخطوها المؤسسة. يُعرَّف التعلُّم التنظيمي (organizational learning) بأنَّه عملية اكتساب المعرفة من خلال جمع البيانات وتحليلها تحليلًا مُمنهجًا بهدف استخلاص المعلومات التي تُنقل وتُشارَك بعد ذلك عبر التواصل بين أعضاء المؤسسة. تُشكِّل عملية التواصل هذه الأساس لاكتساب المعرفة وتعزيزها داخل الشركة، وهناك نوعان من المعرفة التي يجب إدارتها: المعرفة الصريحة (المدوَّنة أو المكتوبة على هيئة قواعد أو إرشادات)، والمعرفة الضمنية (التي تنتج عن تجربة الفرد). يمكن أن تتحوَّل المعرفة الضمنية عند مرحلة ما إلى معرفة صريحة إذا كان الشخص الخبير قادرًا على تدوين المعرفة للآخرين، ولكن ليس من الممكن دائمًا تدوين المعرفة الضمنية. على سبيل المثال، رُفعت دعوى ضد المخترع هنري بيسمر (Henry Bessemer) من قِبل الجهات والمؤسسات التي اشترت براءة الاختراع لم تتمكن من النجاح في استخدام طريقته في تصنيع الفولاذ. أنشأ بيسمر بعد ذلك شركة خاصة به لتصنيع الفولاذ، وذلك لأنَّه أصبح يعرف كيفية تحديد الوقت المناسب لرفع درجة الحرارة وخفضها بناءً على الشوائب التي توجد في الحديد الخام، على الرغم من أنَّه لم يتمكَّن من نقلها (المعرفة الضمنية) إلى مستخدمي براءات الاختراع الخاصة به. لقد أصبحت شركة بيسمر في الثمانينيات من القرن العشرين من كُبرى الشركات في العالم وأحدثت نقلة نوعية في مجال صناعة الفولاذ؛ فقد أصبح الحديد المطاوع والفولاذ متماثلين في الأسعار بعد انتشار عملية بيسمر، واتجه بعض مستخدمي الحديد، وخصوصًا مُصنِّعي السكك الحديدية، إلى استخدام الفولاذ عِوضًا عن الحديد. إنَّ المعارف والخبرات المكتسبة من جمع البيانات وتحويلها إلى معلومات ضرورية للنجاح في إدارة التكنولوجيا والابتكار، ومن الجدير بالذكر أنَّ المعرفة التنظيمية تتكوَّن نتيجةً لمشاركة نتائج عمليات التعلُّم التي تحدث داخل الشركة والاستفادة منها. يظهر في الصورة بن فريد (Ben Fried) وهو مدير قسم تكنولوجيا المعلومات في شركة جوجل. لا يكفي أن يمتلك مديرو تكنولوجيا المعلومات في عالم التقنيات المتطورة المُعاصر الذكاء التقني اللازم لتأسيس البنى التحتية العالمية لتكنولوجيا المعلومات، ودمج أنظمة الاتصالات مع الشركاء، وحماية بيانات الزبائن من المخترقين الماكرين فحسب؛ بل يجب أيضًا أن يتمتَّعوا بفطنة إدارية قوية. يُدير بن فريد التقنيات اللازمة لإجراء أكثر من تسعة مليارات عملية بحث يوميًا، كما يحرص أيضًا على زيادة كلّ من كفاءة العمل ونمو الشركة والأرباح. لماذا ينبغي على مديري تكنولوجيا المعلومات امتلاك الخبرتين التقنية والإدارية في الوقت نفسه؟ (مصدر الصورة: حساب Enterprise 2.0 Conference/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) القدرة على تحليل التوجُّهات المستقبلية تُعدُّ القدرة على التنبُّؤ بالمستقبل من المهارات الأساسية اللازمة لإدارة التكنولوجيا والابتكار على مستوى المؤسسة، وتنطوي على دراسة وتحليل بيئة وسوق العمل تحليلًا مُعمّقًا من أجل تحديد التوجُّهات والمجالات التي يُمكن أن تتضمَّن فُرصًا للابتكار وبناء قيمة جديدة في المستقبل، وتنطوي أيضًا على إدراك المخاطر التي قد تُصاحب إحداث التجديد في الشركة، بالإضافة إلى المخاطر التي قد تُصاحب عدم السعي نحو التجديد والتطوير. قد يؤدِّي كلا النوعين من المخاطر إلى فقدان الشركة للقيمة التي تُقدِّمها لزبائنها. في الواقع، تقترن جميع أساليب التنبُّؤ بمجموعة من القيود التي تتضمَّن ما يلي: نتائج أساليب التنبُّؤ -بطبيعتها- ليست مؤكَّدة، لذلك غالبًا ما تضع الشركات سيناريوهات تتعلَّق بأفضل النتائج وأسوأها وأكثرها احتمالًا في الحدوث، وبواسطة هذه المعلومات يُمكن تقييم المخاطر المُتوقّعة. التنبُّؤات يعتريها النقص؛ إذ لا تستطيع الشركات التنبُّؤ بجميع العوامل المؤثِّرة في السوق التنافسي. على سبيل المثال، كان بيسمر يُدرك أنَّ لديه عملية تصنيع أفضل، ولكنَّه لم يتنبَّأ بالمشكلات التي قد تنتج عن ترخيص براءة اختراعه. التنبُّؤات ما هي إلَّا تخمينات مدروسة؛ فالعديد من أساليب التنبُّؤ تعتمد على التحليل الإحصائي، ولكن حقيقة الأمر هي أنَّ الأرقام المستخدمة في عمليّة التحليل هي تنبُّؤات بحد ذاتها أو تعتمد على أنماط السلوك السائدة في السوق. على الرغم من جميع المشكلات المتعلِّقة بالتنبُّؤ، فإنَّ الشركة التي تضع تنبُّؤات ممتازة غالبًا ما تتمكَّن من صياغة استراتيجية أفضل وتحقيق قيمة أكبر. يُمكن أن يُساهم نظام إدارة المعرفة الخاص بالشركة في تعزيز قدرتها على التنبُّؤ، كما أنَّ اكتساب الخبرة ودراسة توجُّهات السوق وبيئة العمل يُمكن أن يُساعد الأفراد وفرق العمل على التنبُّؤ بدقة أكبر. مهارات مهمة إضافية لنجاح المؤسسة بالإضافة إلى ما سبق، ينبغي أن يمتلك أفراد المؤسسة أيضًا مهارات معينة لتحسين عمليات إدارة التكنولوجيا والابتكار، وتتضمَّن هذه المهارات: القدرة على تحقيق التوازن بين القيادة والتبعية، والقدرة على التفكير الإبداعي. المهارات اللازمة لإدارة التكنولوجيا والابتكار (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) يُدرك معظم أفراد المؤسسة معنى القيادة، ومن المهم أن يكون الشخص المناسب في موقع القيادة عند الحاجة لإدارة التكنولوجيا والابتكار بنجاح. على سبيل المثال، عند تطوير منتج جديد، قد يكون القائد أثناء مرحلة التصميم مهندسًا، وفي مرحلة تطوير النموذج الأولي مهندسًا أو موظف إنتاج، وعند طرح المنتج في السوق مُسوِّقًا. ينبغي أن يتواصل هؤلاء الأفراد معًا، وقد يكونون جميعًا ضمن فريق مشروع واحد يخضع لإشراف أو تنسيق مدير مشروع معين، ومع ذلك تتغيَّر القيادة المسؤولة عن المشروع خلال مراحله المختلفة من الإنشاء إلى مرحلة التسويق، كما اتَّضح من المثال السابق. لا شكَّ أنَّ القيادة في غاية الأهمية، وكذلك التبعية. إنَّ التبعية (followship) هي انعكاس للقيادة، ولا يُمكن أن يكون هناك قادة بدون وجود أتباع، كما أنَّ تصرُّفات الأتباع هي التي تُحدِّد نجاح القائد. يُمكن القول أنَّ نجاح المؤسسات هو نِتاج التبعية الجيِّدة أكثر من كونه نِتاج القيادة العظيمة. إنَّ القيادة هي القدرة على التأثير في الآخرين، والتبعية هي الانقياد للتأثير أو قبوله. وعلى الرغم من أنَّ هناك مجموعة مهارات متعلِّقة بالقيادة وأخرى متعلِّقة بالتبعية أيضًا، إلَّا أنَّ الواقع يُشير إلى أنَّ معظم الناس لن يُقدموا على أخذ دروس في التبعية، بخلاف مهارات القيادة التي تُدرس جيدًا وتحظى باهتمام مُتزايد. في مثال تطوير المنتج الجديد الذي ذكرناه سابقًا، كان كل فرد من فريق العمل قائدًأ خلال مرحلة ما من المشروع، وتابعًا في مراحل أخرى أثناء تنفيذ المشروع. يقضي الأفراد كثيرًا من الوقت في محاولة اكتساب مهارة القيادة وتعلُّمها، ولكن امتلاكهم أيضًا لمهارة التبعية مهم جدًّا لنجاح المؤسسة. غالبًا ما يتولَّى قيادة الشركات الابتكارية شخصان يقودان ويتبعان بعضهما بعضًا. على سبيل المثال، تأسَّست شركة مايكروسوفت بواسطة بيل غيتس وبول ألين، ومن الشركات المشهورة الأخرى التي أقامها شخصان: سيرز وروبوك، وبروكتر وغامبل، وماركس وسبنسر. خصائص الأتباع إنَّ هناك مجموعة من الخصائص التي يتميَّز بها الأتباع الجيِّدون، وهذه الخصائص تتضمَّن ما يلي: صادقون؛ فالأتباع الذين يقولون الصدق ويُفصحون عن آرائهم بصدقٍ وشفافيّة والقادة الذين يُحسنون الاستماع يُشكِّلان معًا فريقًا ناجحًا. داعمون؛ لا يُلقون اللوم على رؤسائهم في العمل بسبب قرار أو سياسة غير مرغوبة؛ بل يثقون برؤسائهم. يُتيحون لرؤسائهم الاستفادة من معارفهم وخبراتهم؛ لأنَّهم يُدركون أنَّ مهمتهم هي تحقيق النجاح للمؤسسة. يُبادرون بمعالجة المشكلات من خلال تقديم الحلول؛ ولا يقتصرون على طرح القضايا فقط. يُطلعون القائد على المستجدات بانتظام. يُشير الواقع إلى أنَّه كلَّما كان المدير في مستوى أعلى في المؤسسة، قلَّ ميل أفراد المؤسسة إلى التحدُّث معه بصراحة، ولكنَّ الأتباع الرائعين يحرصون على تقديم المعلومات والمعارف والخبرات الجيِّدة والسيئة لمديريهم، بغض النظر عن المستوى الإداري الذي يكون فيه. الاستعداد لمواكبة مستقبل التكنولوجيا والابتكار يجب على أفراد كل مؤسسة في الوقت الحاضر مراعاة عدة أمور داخل المؤسسة وخارجها من أجل مسايرة التغيُّرات التكنولوجية العصريّة المُتسارعة ومواكبة عمليات الابتكار اللازمة. تشتمل الأمور الخارجية التي ينبغي مراعاتها على دراسة بيئة العمل من خلال متابعة ما يُنفِّذه المنافسون، بالإضافة إلى معرفة كل المستجدّات حول الاختراعات والاكتشافات التي قد تحتل مكانًا بارزًا في السوق، وينبغي أن تُسهم المعلومات التي تُجمع أثناء عملية دراسة بيئة العمل الخارجية في إبقاء المؤسسة على اطلاع فيما يتعلَّق بالتوجُّهات العامة والفرص المتاحة أمامها من أجل تطوير وبناء قيمة جديدة لها. في المقابل، تتضمّن الأمور الداخلية التي ينبغي مراعاتها الإلمام بالمهام والعمليات والمهارات الموجودة حاليًا في المؤسسة. عند تحديد السيناريوهات المستقبلية المحتملة في بيئة العمل الخارجية، بالإضافة إلى الإلمام بالموارد والإمكانيات التي تمتلكها المؤسسة، تُصبح وظيفة المسؤولين عن إدارة التكنولوجيا والابتكار هي الإجابة عن الأسئلة الرئيسية التالية: أين نحن الآن؟ إلى أين نريد الوصول؟ ما الذي نحتاجه للانتقال من هنا إلى هناك؟ ترجمة -وبتصرف- للفصلين Skills Needed for MTI و Managing Now for Future Technology and Innovation من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال السابق: تطوير التكنولوجيا والابتكار في المؤسسات
  2. هناك عدة أساليب يُمكن للمؤسسات من خلالها تطوير وإدارة التكنولوجيا والابتكار. سوف نُركِّز في هذا القسم على الأنشطة التي تُطبَّق على مستوى المؤسسة، والعمليات الاستراتيجية الثلاث التي تنضوي في ذلك المستوى. لكي تتمكَّن الشركة من تطوير استراتيجية ناجحة لإدارة التكنولوجيا والابتكار، فإنَّها يجب أن تكون على استعداد لبذل الجهود اللازمة لذلك، ويتطَّلب ذلك أن تتّسم بالمرونة؛ إذ إنَّ التغيير والتعديل على المنتجات والعمليات محفوفٌ بالمخاطر وعدم اليقين، ومع ذلك فإن اعتماد المؤسسة للمرونة في التفكير واتخاذ القرار قد تؤدِّي إلى تقليل الكفاءة على الرغم من أنَّها تُحقِّق الفعالية، لذلك يجب أن تحرص الشركة عند إدارة التكنولوجيا والابتكار على أن تُحقِّق التوازن بين الكفاءة على المدى القصير والفعالية على المدى الطويل في السوق المستهدفة إذا كانت ترغب في أن تُضيف قيمة وتزدهر وتنافس في بيئة العمل المتغيِّرة. المحافظة على المرونة في بيئة العمل في الواقع، يجب على المؤسسة أن تتمتّع بديناميكية قوية في اتخاذ القرارات لكي تكون قادرة على مواجهة التحديات المتعلّقة بالابتكار والمنافسة المستمرة. هناك أربعة أمور ينبغي على الشركة تنفيذها لتحقيق التوازن بين العوامل المتعارضة التي تواجهها من أجل الحفاظ على مرونتها في بيئة العمل المتغيِّرة. وهذه الأمور هي: تصميم الأنظمة والعمليات التي يمكنها اقتناص وتطوير الفرص التكنولوجية وتقييمها (أو حماية المؤسسة من تهديدات التكنولوجيا الجديدة)، وينبغي أن تكون هذه الأنظمة والعمليات قادرة على استشعار أو التنبؤ بما قد يحدث مستقبلًا. تحديد متطلَّبات عمليات التواصل، والكفاءة في تحويل البيانات إلى معلومات بحيث تكون المعلومات المناسبة متوفِّرة في الوقت المناسب لاتخاذ القرار الأفضل. إنَّ الاهتمام الحالي بالبيانات الضخمة والفوائد التي يُمكن أن تُقدِّمها للشركات مرتبط بفكرة أنَّ تكنولوجيا الحاسوب أدَّت إلى توفُّر كميات هائلة من البيانات والتي قد لا تُستخدم بفعالية أو بكفاءة كافية. تطوير الموظفين من خلال توفير فرص التدريب والتعلُّم. تبرزُ أهميّة هذا الأمر عندما تزداد وتيرة تغيُّر البيئة التنافسية للمؤسسة. إنَّ إدارة التكنولوجيا والابتكار تتطلَّب مشاركة جميع المستويات الإدارية في المؤسسة وبذل الجهود اللازمة لإتاحة المجال أمام الموظفين لتطوير مهاراتهم بما يعود بالنفع على أنفسهم والمؤسسة التي يعملون فيها، ومن الجدير بالذكر أنَّه كلما كانت بيئة العمل أكثر تغيُّرًا، ازدادت أهمية تطوير المهارات والقدرات الإبداعيّة للأفراد. إجراء عمليات إدارة تغيير جيِّدة لكي تنجح الشركة في تجديد طريقة عملها. لقد تعلَّمت العديد من الشركات دروسًا قاسية عندما شاع استخدام الحواسيب المكتبية في أماكن العمل؛ إذ لم يُحسنوا التعامل مع هذا التغيير الذي دخل على بيئة العمل. لا شكَّ أنَّ الحواسيب المكتبية تُعدُّ في الوقت الحاضر من الأدوات المهمة في المؤسسات، ولكنَّ النقاط التالية تبيِّن ما قد يحدث عند عدم تنفيذ عملية إدارة تغيير جيِّدة نتيجةً لعدم توفير أنظمة دعم مناسبة أو عمليات تواصل فعَّال أو تدريبات ملائمة. أولًا: لم يكن معظم المديرين يستخدمون الآلات الكاتبة، لذلك لم يُقدموا على تبنّي هذه التكنولوجيا الحديثة. ثانيًا: كان الموظفون الأصغر سنًا أكثر تقبُّلًا للحواسيب الجديدة (حتى أنَّهم كانوا مسرورين لأنَّها تُسهِّل عليهم إنجاز العمل)، لذلك انقلبت قوة المعرفة في التنظيم الهرمي وأصبحت لا تستند إلى الأقدمية. ثالثًا: أدخلت العديد من الشركات الحواسيب المكتبية إلى أروقتها دون توفير التدريب اللازم (لأنَّها عدَّت الحواسيب "نسخة متطورة من الآلات الكاتبة")، ولكنَّها تركت الآلات الكاتبة في متناول الموظفين، وكانت النتيجة هي أنَّ بعض الشركات رأت أنَّ الحواسيب المكتبية عديمة الجدوى وباعت هذه الأجهزة خاسرةً جُزءًا كبيرًا من ثمنها. أنشطة إدارية مهمة لإدارة التكنولوجيا والابتكار (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) إنَّ هناك ثلاث عمليات تنظيمية أساسية لتطوير التكنولوجيا والابتكار، وهي: الشراء والشراكة (المصادر الخارجية)، وإحداث تجديد داخل الشركة (المصادر الداخلية)، والمبادرات الريادية. يوضِّح الشكل التالي هذه الأنواع الثلاثة. تتضمَّن عمليات الشراء والشراكة: الاندماج والاستحواذ، والمشاريع المشتركة، والاتفاقيات وعقود العمل، وغيرها من أشكال حيازة التقنيات أو الابتكارات من مصادر خارجية. في المقابل، تتضمَّن المصادر الداخلية للتقنيات والابتكارات الجديدة في المؤسسة: عمليات البحث والتطوير لمنتجات جديدة، بالإضافة إلى تعديل العمليات الحالية أو تطوير عمليات جديدة؛ أي إدخال تغييرات على طرق وأساليب العمل، مثل: إجراء تعديلات على الهيكل التنظيمي أو إعادة تصميم خط التجميع. قد تُضاف الروبوتات إلى عملية التصنيع على سبيل المثال عن طريق عمليات داخلية في الشركة، أو قد تشتري شركة التصنيع روبوتات صناعية لكي تتمكَّن من إضافة الروبوتات إلى عملية التجميع. طرق تطوير تقنيات وابتكارات جديدة (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) ينطوي النوع الثالث من عمليات تطوير التكنولوجيا والابتكار على تنفيذ مبادرات ريادية أو تطوير مشاريع جديدة. على سبيل المثال، أسَّس مايكل ديل شركته الخاصة، ديل (Dell)، من مسكنه في جامعة تكساس، وذلك عندما كان يرغب في امتلاك حاسوب أفضل من الحواسيب المتوفِّرة للشراء آنذاك، الأمر الذي دفعه إلى شراء مجموعة من القطع والمكونات ثمَّ تجميعها لصناعة جهازه الخاص. طلب منه أصدقاؤه بعد ذلك صناعة أجهزة خاصة بهم، ممَّا جعله يُدرك أنَّ هناك عملية مبتكَرة تتمثَّل في تخصيص الحواسيب حسب الطلب وتقديمها مباشرة من الشركة المصنعة إلى الزبون، وقد أدَّى تطبيق مايكل ديل لهذه العملية إلى بناء شركة تُقدَّر إيراداتها بمليارات الدولارات في الوقت الحالي. يُبيِّن الجدول التالي مزايا وعيوب أساليب تطوير التكنولوجيا والابتكار. مزايا وعيوب أساليب تطوير التكنولوجيا والابتكار الأسلوب المزايا العيوب العمليات الخارجية: عمليات الاندماج والاستحواذ المشاريع المشتركة العلاقات وعقود العمل المشاريع التعاونية بين المؤسسات العلاقات غير الرسمية تتميَّز بالسرعة تعتمد على دمج واستغلال الابتكارات القائمة بدلًا من التوصُّل لابتكارات جديدة غالبًا ما تكون أقل تكلفة تتطلَّب تحقيق الانسجام بين ثقافات عمل لشركات مختلفة غالبًا ما يؤدِّي إلى تصوُّر وجود فئة رابحة وأخرى خاسرة متلازمة "لم يُصنع هنا" العمليات الداخلية: البحث والتطوير ملكية كاملة للتكنولوجيا أو الابتكار قد توفِّر للشركة حماية قانونية قوية غالبًا ما تستغرق وقتًا أطول قد يرحل الموظفون الأساسيون في مرحلة حرجة قد تكون مكلفة جدًّا مشاريع جديدة / مبادرات ريادية غالبًا ما تكون أكثر مرونة في الأسواق قيادة متفانية (يحرصون على نجاح الشركة الناشئة وكأنَّها مُلكيّة خاصّة لهم) أكثر عُرضة للمخاطر نقص المهارات المطلوبة داخل الشركة لتأدية مهام إلى جانب الابتكار غالبًا ما تكون فترات الاستقرار قليلة جدًّا table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } المصادر الخارجية للتكنولوجيا والابتكار تتضمَّن العمليات الخارجية لتطوير وحيازة التكنولوجيا والابتكار خيارات متنوعة، ويكون استخدام هذه العمليات أكثر نجاحًا في ظل الظروف التالية: تراجع عدد أو كفاءة خطوط الإنتاج أو العمليات الخاصة بالشركة مقارنةً بتلك الخاصة بمنافسيها. دخول منافس جديد إلى السوق الذي تستهدفه الشركة وتغييره أو استحواذه على طبيعة بيئة العمل التنافسية ومُعطياتها. عندما ترى الشركة أنَّ مجموعة المنتجات التي تُقدِّمها أو أسلوب عملها لن تُحقِّق نجاحًا على المدى الطويل. الميزة الأساسية لاستخدام العمليات الخارجية هي السرعة؛ إذ غالبًا ما يكون الوقت الذي تستغرقه الشركات في دمج التقنيات أو الابتكارات القائمة أقصر بكثير من الوقت الذي قد تستغرقه في محاولة التوصُّل إلى ابتكارات جديدة وطرحها في السوق أو إنجازها داخل الشركة. تتميَّز العمليات الخارجية أيضًا بأنَّها غالبًا ما تكون ذات تكلفة أقل. في المقابل، تتمثّل عيوب العمليات الخارجية في الحاجة إلى تحقيق الانسجام بين شركات مختلفة أو إشراك أطراف من خارج الشركة في الأنشطة التي تُنفِّذها الشركة. على سبيل المثال، قد تنشأ صراعات أو خلافات ثقافية داخل الشركة عند استحواذها على شركة أخرى أو قد تواجه الشركة ذاتها (بعناصرها الإدارية المختلفة) مقاومةً للتجديد الذي تحاول إدخاله. تتضمَّن العمليات الخارجية الأكثر شيوعًا والتي تُستخدم في تطوير التكنولوجيا والابتكار في الشركة ما يلي: عمليات الاندماج والاستحواذ: تقتضي تغيير الملكية عبر الشركات؛ فالاستحواذ هو عملية شراء شركة لشركة أخرى، في حين أنَّ الاندماج هو اتحاد شركتين معًا لتشكيل شركة جديدة. الهدف من هاتين العمليتين هو تشكيل كيان تنظيمي جديد أكبر، ومن المفترض أن تتمتَّع الشركة الجديدة بقوة سوقية أكبر وأن تكتسب معرفة و قدرة إنتاجية وتكنولوجيا أفضل، بالإضافة إلى استمرارها بالأنشطة الخاصة بالشركة التي استحوذت عليها أو اندمجت معها. من القضايا التي تواجه الشركات التي تُقدِم على إجراء عمليات اندماج أو استحواذ هي تحقيق الانسجام بين ثقافات العمل أو العمليات أو الهياكل التنظيمية بين الشركات المُندمجة أو بين الشركة الأصل والشركة المُستحوذ عليها. المشاريع المشتركة: هي تحالفات طويلة الأجل تقتضي إنشاء كيان جديد من أجل تطوير منتجات أو عمليات مبتكرة، وعادةً ما يخضع هذا الكيان لعلاقة تعاقدية تُحدِّد إسهامات والتزامات جميع أطراف الشراكة. قد تؤدِّي المشاريع المشتركة إلى خلافات ثقافية بين الأطراف المتحالفة، أو إلى ما يُعرف بالانجراف الاستراتيجي (فقدان التركيز الاستراتيجي على أهداف إقامة المشروع المشترك نفسها). اتفاقيات الامتياز: غالبًا ما تكون اتفاقيات طويلة الأجل تقتضي دفع رسوم دورية مقابل مشاركة الخبرات والقدرات التكنولوجيّة. تُبرم مطاعم الوجبات السريعة، مثل ماكدونالدز، اتفاقيات امتياز مع أصحاب المتاجر، وتتيح شركة ماكدونالدز المجال للبحث والتطوير لابتكار عمليات ومنتجات جديدة. يدفع أصحاب المتاجر (متلقي الامتياز) رسومًا مقابل استخدام اسم الشركة المانحة للامتياز وتسويق منتجاتها. تُعدُّ تكلفة العقد وتكلفة المراقبة المصاحبة لاتفاقيات الامتياز من العيوب الجوهرية لهذا النوع من التحالفات. اتفاقيات الترخيص: تقتضي حيازة التكنولوجيا دون إتاحة المجال للبحث والتطوير فيها. على سبيل المثال، تتعاقد شركة (دولبي) مع شركات إنتاج مختلفة لمعدات الصوت مُتيحةً لهم استخدام تقنية الصوت التي ابتكرتها لكي يحصلوا على جودة صوت أفضل. اتفاقيات الترخيص شائعة جدًّا في المجالات التقنية المتطوِّرة، ولكن من عيوبها تكلفة العقد والقيود التي تفرضها. العقود الرسمية وغير الرسمية: تتُيح هذه العقود للشركات مشاركة الميّزات التكنولوجيّة فيما بينها. تتميَّز العقود الرسمية بطول مدة سريانها، وكلَّما ازداد الطابع الرسمي للعقد، كان فترة فعاليّته أطول، ويتضمَّن المزيد من التفاصيل المتعلِّقة باستخدام التكنولوجيا وقيود الاستخدام. في المقابل، يتميَّز العقد غير الرسمي بأنَّه من السهل إنهاءه إذا أصبح العمل به غير ذي جدوى أو نفع لأحد الأطراف. يُمكن أن تستفيد الشركات الصغيرة والكبيرة من جميع العمليات السابقة، وقد وضَّحنا في بداية هذا الفصل كيف استخدمت شركة (آيسر) عددًا منها من أجل حيازة التكنولوجيا من مصادر خارجية. المصادر الداخلية للتكنولوجيا والابتكار تُعدُّ عملية البحث والتطوير من العمليات الداخلية الأكثر شيوعًا لتطوير التكنولوجيا والابتكار في المؤسسات، وتنطوي على اكتشاف تقنيات أو منتجات أو استراتيجيات عمل جديدة وتطويرها من خلال الجهود الإبداعية التي تُبذل داخل الشركة. من مزايا العمليات الداخلية أنَّها تُتيح للشركة التمتُّع بملكية كاملة للتكنولوجيا أو الابتكار؛ ممَّا يوفِّر لها حمايةً قانونية (براءات الاختراع، والعلامات التجارية). بالإضافة إلى ذلك، قد تُشكِّل الخبرات والمعارف التي تكتسبها الشركة من عملية البحث والتطوير محطة انطلاق لتطوير الجيل القادم من التكنولوجيا. على سبيل المثال، أتاح المركز الرائد الذي احتلته شركة (أبل) في مجال تكنولوجيا الحواسيب المحمولة والهواتف الذكية لها إحراز ميزة تنافسيّة وحضور قوي في سوق العمل العالمي لعدة سنوات. في المقابل، من عيوب البحث والتطوير أنَّه غالبًا ما يستغرق وقتًا أطول ويكون أكثر تكلفة ويُمكن أن يتعرقل بسبب رحيل الموظفين الأساسيين. على سبيل المثال، يرى العديد من المستهلكين أنَّ وفاة (ستيف جوبز) تسبَّبت في إبطاء العمليات والمُنتجات المُبتكرة في شركة (أبل). .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } الأخلاقيات في الحياة العملية الكشف عن الخفايا تزايدت معدلات الجرائم الإلكترونية في عصرنا الحالي، الذي باتت تُسيِّره التكنولوجيا تييسرًا شبه كاملٍ، فعلى سبيل المثال، هناك جرائم انتحال الشخصية والمواد الإباحية وإمكانية وصول المغتصبين إلى الضحايا وغيرها، وقد أكَّد فريق الاستجابة للتحليل الحاسوبي التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي أنَّ حجم القضايا التي يُبلَّغ عنها يوميًا وصل إلى 800 حالة في عام 2017. لقد لجأت المؤسسات والوكالات الحكومية المعنية من أجل تطبيق القانون إلى استخدام أدوات جديدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية من أجل مواكبة التغييرات الحاصلة في العالم الذي نعيش فيه، وتُعدُّ الأدلة الجنائية الرقمية واحدة من الأدوات الهصريّة المُبتكرة في ذلك الصدد. الشركة الرائدة في هذا المجال التكنولوجي هي شركة غايدانس للبرمجيات (Guidance Software) التي تأسَّست عام 1997 لتطوير حلول برمجية في مجال البحث عن المعلومات الرقمية واكتشافها واسترجاعها وتقديمها بأسلوب سليم جنائياً و مُجدٍ من حيث التكلفة. يقع المقر الرئيسي لهذه الشركة في مدينة (باسادينا) التي توجد في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وتوظِّف الشركة 391 شخصًا في مكاتبها ومرافقها التدريبية في شيكاغو وواشنطن وسان فرانسيسكو وهيوستن ونيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى المكاتب الموجودة في البرازيل وإنكلترا وسنغافورة. يبلغ عدد زبائن الشركة البارزين ما يزيد عن 20000، وأبرز هؤلاء العملاء هم أجهزة الشرطة ووكالات التحقيق الحكومية والهيئات المسؤولة عن إنفاذ القانون، بالإضافة إلى الشركات المصنَّفة ضمن قائمة فورتشين 1000 التي تعمل في مجالات الخدمات المالية والتأمين والتقنيات المتطورة والاستشارات والرعاية الصحية وقطاع المرافق. تُعدُّ حزمة حلول إين كايس (EnCase) التابعة لشركة (غايدانس) للبرمجيات أول أداة للتحاليل الجنائية الحاسوبية تتمكَّن من تقديم قدرات استخباراتية إلكترونية عالية المستوى للتحقيقات المعقَّدة واسعة النطاق. يستطيع الآن ضباط إنفاذ القانون والمحقِّقون الحكوميون ومحقِّقو الشركات والمستشارون حول العالم الاستفادة من التحاليل الجنائية الحاسوبية التي فاقت كل ما كان متوفِّرًا في السابق. يُقدِّم البرنامج بنية تحتية استخباراتية توفِّر تحقيقات مفعلة على الشبكة ودمج أنظمة المؤسسة مع تقنيات أمان أخرى، بالإضافة إلى أدوات فعَّالة في عمليّات البحث وجمع البيانات. تُوفّر حزمة إين كايس (EnCase) للمستخدمين إجراء تحقيقات رقمية، والتعامل مع الحالات التي تتطلّب جمع البيانات واسعة النطاق، بالإضافة إلى التصدي للهجمات الخارجية. من الجدير بالذكر أنَّ الهيئات المسؤولة عن إنفاذ القانون استخدمت هذا البرنامج في قضية مقتل (كايسي أنتوني) وقضية الاختراق الأمني الذي حصل في شركة سوني بلاي ستايشن، وقد استُخدم البرنامج أيضًا لفحص البيانات المسترجعة من قِبل القوات الخاصة الأمريكية أثناء عملية مداهمة أسامة بن لادن. تساعد شركة غايدانس للبرمجيات أيضًا على تقليص المسؤولية الشخصية عند التحقيق بعمليات الاحتيال الحاسوبية وسرقة الملكية الفكرية وسوء سلوك الموظفين، وتُساهم في توفير الحماية من تهديدات شبكة الانترنت، مثل: الاختراقات والبرمجيات والفيروسات الرقمية الخبيثة، بالإضافة إلى التهديدات الخفية، مثل الشيفرات الخبيثة. لقد طوَّرت شركة غايدانس للبرمجيات حزمة إي ديكسوفيري سيوت (eDiscovery Suite) استجابةً لتزايد الطلب على خدمات الاكتشاف والتحليل البياني، تُسهم هذه الحزمة البرمجية في تحسين عمليات الاكتشاف واسعة النطاق، والتي تنطوي على تحديد الأدلة وجمعها وتصنيفها وحفظها، وذلك مطلوب تقريبًا في كل قضية قانونية كُبرى في أيامنا هذه. تتكامل حزمة إي ديكسوفيري سيوت مع برامج الدعم القضائي الأخرى للتقليل إلى حدٍّ كبير من الوقت الذي تحتاجه المؤسسات لإتمام هذه المهام، وتعزِّز أيضًا الامتثال للّوائح التنظيمية وتحدُّ من الاضطرابات، ممَّا يؤدِّي إلى توفير ملايين الدولارات من النفقات. تجدر الإشارة إلى أنَّ شركة أوبين تيكست (OpenText) المتخصِّصة في إدارة معلومات المؤسسات والتي تضمُّ أكثر من 10000 موظف حول العالم، قد استحوذت على شركة غايدانس للبرمجيات في أواخر عام 2017 . المهارات الريادية المرتبطة بإدارة التكنولوجيا والابتكار غالبًا ما تتضمّن الأنشطة الريادية إحداث تجديد على منتج أو عملية في سوق العمل، وتُعدُّ القيمة المقترحة (value proposition) عاملًا مهمًا من عوامل الشركات الريادية؛ إذ تُجيب عن السؤالين التاليين: كيف ستجني الشركة المال من جرَّاء المنتجات أو الخدمات التي تُقدِّمها؟ كيف سيتحدَّد مركز الشركة في سوق التنافس؟ عادةً ما تكون الكيانات التجارية الجديدة الناتجة عن الأنشطة الريادية أكثر مرونة في السوق؛ إذ يكون رائد الأعمال متفانيًا وحريصًا جدًّا على نجاح الشركة التي أسَّسها، لأنَّه يعدُّها كأنَّها "مُلكيّته الخاصّة". إنَّ تأسيس مشروع جديد لتقديم منتجات وعمليات جديدة هو الأسلوب الأكثر عرضةً للمخاطر، كما أنَّ معدل فشل روَّاد الأعمال مرتفع. غالبًا ما تكون فترات استقرار الشركات الناشئة قليلة جدًّا بسبب قلة الموارد المتاحة؛ فالموارد شحيحة، والأيدي العاملة محدودة (قد تقتصر على مؤسسي الشركة فقط في بعض الحالات)، والوقت يمرُّ بسرعة؛ وهذا يدفعنا إلى أن نستنج بأنَّ فرصة نجاح الأنشطة الريادية تكون أكبر إذا كان من الممكن استخدام منهجية الشركة الناشئة الرشيقة (lean start-up). يُمكن تطبيق هذه المنهجية عندما تكون تكاليف التطوير منخفضة والتعديلات المطلوبة قليلة التكلفة، وهذا الأمر نستطيع أن نراه على أرض الواقع، إذ إنَّ من أهم أسباب وجود الكثير من الشركات الناشئة في مجال تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة هو انخفاض التكاليف المرتبطة بهذا السوق وسهولة تحسين المنتج (بعد نجاحه). بإمكان روَّاد الأعمال تعديل خططهم تدريجيًا، لا سيّما عندما يستخدمون منهجية الشركة الناشئة الرشيقة، كما أنَّ مقدرتهم على استشعار الفرص وانتهازها وإجراء التعديلات اللازمة يُمكن أن تعود عليهم بالنفع إذا حافظوا على مرونتهم وتجنَّبوا المبالغة أو الصرامة في الالتزام بمسار عمل محدَّد، وبطبيعة الحال فإنَّ المشاريع الريادية أكثر مرونة من المؤسسات الأكثر استقرارًا. تتوفّر هذه المرونة أيضًا لدى الشركات الكبيرة التي تودُّ الاستمرار في تنفيذ أنشطة ريادية وابتكار منتجات مميزة وجديدة، إذ تسمح بعض الشركات، مثل جوجل و3M، لموظفيها بالعمل على مشاريع مبتكرة خلال ساعات عملهم. لقد صاغت شركة جوجل سياستها المتمثِّلة في إتاحة وقت للموظفين لكي يُجرِّبوا استحداث منتجات وعمليات جديدة، وذلك اقتداءً بسياسة شركة ثري أم (3M) المعمول بها منذ فترة طويلة. من المعروف أنَّ هاتين الشركتين هما من الشركات الابتكاريّة الرائدة والمُبدعة في مجالها؛ ويرجع سبب ذلك إلى أنَّهما تُشجِّعان الموظفين على التفكير في مقترحات مبتكرة وقيِّمة وتجربتها، كما أنَّ المرونة التي تتيحها كلًا من شركة جوجل وشركة ثري أم للموظفين تُساهم في إيجاد طرق جديدة ومُختلفة لإنجاز الأعمال. ترجمة -وبتصرف- للفصول (Developing Technology and Innovation) و (External Sources of Technology and Innovation) و (Internal Sources of Technology and Innovation) و (Management Entrepreneurship Skills for Technology and Innovation) من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: المهارات اللازمة لإدارة التكنولوجيا والابتكار في المؤسسات المقال السابق: إدارة التكنولوجيا والابتكار في المؤسسات
  3. مع وصولنا إلى نهاية رحلة مقالاتنا الفريدة عن مبادئ الإدارة سنختتم بأحد أهم أركان نجاح المؤسسات في وقتنا الراهن ومستقبلنا القادم، ألا وهو إدارة التكنولوجيا والابتكار. جميع المؤسسات بلا استثناء منذ بداية نشوئها ومع استمرار تقدّمها ونجاحها ستصل إلى حافّة لا مجال للتقدّم بعدها سوى بابتكار شيء جديد وتقديم أمر فريد لسوق العمل، وفي سبيل الوصول لذلك التميّز لا بُدَّ من استثمار التكنلولوجيا العصريّة مع إدارة مثاليّة لعناصر الابتكار والابداع المرتبطة بأي مُنتج أو خدمة ستقدّمها المؤسّسة. سنستعرض في المقالات التالية مفهوم إدارة التكنولوجيا والابتكار وما مصدر أهميتها في نجاح المؤسسات، سنسلّط الضوء أيضًا على كيفية تطوير المؤسسات للتكنولوجيا والابتكار في بيئة عملها، وسنتطرّق إلى المصادر الداخلية والخارجية لتطوير التكنولوجيا، بالإضافة إلى ذلك سنقدّم شرحًا مفصّلًا عن دواعي تطوير مهارة إدارة التكنولوجيا والابتكار لدى روّاد الأعمال وما هي المهارات المطلوبة للنجاح في هذا المجال، وسنختتم مقالاتنا بنقاط ذهبيّة حول التخطيط للمستقبل من أجل مواكبة التطوّرات التكنلوجيّة المتسارعة. استكشاف المهن الإدارية: شركة آيسر كيف أصبحت شركة آيسر منافسًا عالميًا في مجال الأجهزة والبرمجيات والخدمات الحاسوبية؟ هل تظنُّ أنَّه سيُعجبك الحصول على وظيفة في المجال التقني؟ إليك نبذة عن تاريخ شركة آيسر (Acer) من شأنها أن تزوِّدك برؤية عميقة عن هذا المجال. لقد تأسَّست مجموعة آيسر في عام 1976، وتضمُّ قائمة العلامات التجارية التابعة لمجموعة آيسر كلًّا من آيسر، وجيت واي (Gateway)، وباكارد بيل (Packard Bell)، وإيماشينز (eMachines). من الجدير بالذكر أنَّ استراتيجية شركة آيسر في تعدُّد العلامات التجارية أتاحت لكل واحدة من هذه العلامات التجارية استهداف احتياجات مختلفة للزبائن في سوق الحواسيب الشخصية على مستوى العالم، وقد كانت شركة آيسر في عام 2008 ثالث أكبر مُصنِّع للحواسيب الشخصية (وثاني أضخم مُصنِّع للحواسيب الدفترية) بعائدات تجاوزت 16 مليار دولار، وقد احتلت في عام 2017 المركز السادس في صناعة الحواسيب الشخصية وتجاوزت عائداتها 70 مليار دولار. أثبتت هذه الشركة التايوانية أنَّها أهلٌ للمنافسة في السوق العالمية للحواسيب الشخصية واقتحمت أيضًا مجال الألعاب ومجالات عمل أخرى مرتبطة بالتكنولوجيا، وقد حقَّقت هذه المكانة من خلال حُسن استغلال التحالفات وعمليات الاستحواذ، بالإضافة إلى التخطيط والتطوير المستمر داخل الشركة. تاريخ الشركة تأسَّست شركة آيسر في عام 1976 تحت اسم مالتيتيك (Multitech)، وقد كانت تُركِّز على التجارة وتصميم المنتجات (الابتكار الداخلي)، وصمَّمت بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيسها أول حاسوب أُنتج بكميات كبيرة في تايوان. كان تركيز الشركة منذ البداية يتمحور حول تصميم منتجٍ قابل للتصدير؛ إذ كانت تدرك أنَّها بحاجة إلى إثبات وجودها في سوق الحواسيب على مستوى العالم؛ لأنَّ تايون ما هي إلَّا سوقٌ صغيرة لا تتّسع لعملاقٍ تكنلوجي مستقبلي. تتمثَّل رسالة شركة مالتيتيك (Multitech) -التي تحوَّل اسمها إلى آيسر في عام 1987- في السماح لأي شخص باستخدام التكنولوجيا والاستفادة منها، وقد عملت على بناء سمعتها من خلال تطوير وتصنيع منتجات متطوِّرة وسهلة الاستخدام. الابتكارات الأولى استحوذت شركة آيسر في عام 1990 على شركة التوس بيرفيرالس (Altos Peripherals)، وكانت هذه الخطوة بداية انطلاقة لعقدين ناجحين من التحالفات والاستحواذات؛ إذ أدَّى نجاح شركة آيسر في تطوير عدد من الابتكارات إلى رغبة الشركات الأخرى في إقامة أنواع مختلفة من التحالفات معها، وقد مهَّدت بعض تحالفاتها الأولى لها الطريق لإقامة شراكات مع كُبرى الشركات الرائدة في مجال تكنولوجيا الحاسوب في عصرها، على سبيل المثال: في عام 1996، وقَّعت شركة آيسر على اتفاقية ترخيص براءات اختراع مشتركة مع شركة أي بي إم (IBM) وشركة إنتل (Intel) وشركة تكساس إنسترومنتس (Texas Instruments)، وتتيح هذه الاتفاقية لكلّ من هذه الشركات استخدام التقنيات المسجلة باسم الشركات الأخرى. في عام 1999، اتفقت شركة آيسر وشركة آي بي إم على سبع سنوات من الحيازة والتحالف التقني. -استمرَّت استراتيجية التحالفات والشراكات التي تنتهجها شركة آيسر على النحو التالي: في عام 2010، وقَّعت شركة آيسر مع شركة فاوندر تكنولوجي (Founder Technology) مذكرة تفاهم مشترك لتعزيز تعاونهم طويل الأمد في مجال تجارة الحواسيب الشخصية. في عام 2016، وافق مجلس إدارة شركة آيسر على إقامة مشروع مشترك مع شركة آي بي ستاربريزر (Starbreeze AB) من أجل تصميم شاشات الواقع الافتراضي المحمولة على الرأس ستار في آر "StarVR" وتصنيعها والترويج والتسويق لها ودعمها. بالتزامن من تنامي وتزايد قوة آيسر وحصّتها في السوق التجارية العالمية، فإنَّها عمدت إلى البدء بإجراء عمليات استحواذ. كانت هذه الاستحواذات تهدف إلى تعدُّد العلامات التجارية، إلى جانب الحصول على الابتكارات التقنية التي طوَّرتها الشركات الأخرى، على سبيل المثال: في عام 1998، استحوذت شركة آيسر على شركة تكساس إنسترومنتس. في عام 2007، اندمجت شركة آيسر مع شركة جيت واي. في عام 2008، اندمجت شركة آيسر مع شركة باكارد بيل. في عام 2008 أيضًا، استحوذت شركة آيسر على شركة أي تين (E-TEN). في عام 2015، استحوذت شركة آيسر على شركة إكسبلوفا (Xplova) المتخصِّصة في إنتاج أجهزة تتبُّع راكبي الدراجات عن طريق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). في عام 2016، استحوذت شركة آيسر على شركة باوبو (Pawbo) التي تُنتج كاميرا لاسلكية لمراقبة الحيوانات الأليفة. من الدلائل على فعالية الاستراتيجية التي تنتهجها شركة آيسر أنَّها اشترت في عام 2011 شركة أي جي وير (iGware) مقابل 320 مليون دولار في محاولة منها لدخول سوق الحوسبة السحابية الذي بدا مربحًا، ونتيجةً لذلك تمكَّنت شركة آيسر في عام 2012 من إنتاج برمجيات سحابية ومعدات بنية تحتية للأجهزة الخاصّة بها. أقامت شركة آيسر أيضًا شراكات قائمة على المساهمة، وفيما يلي أمثلة عن هذه الاستراتيجية: في عام 2009، استحوذت شركة آيسر على 29.9% من أسهم شركة أوليداتا (Olidata). في عام 2015، استثمرت شركة آيسر في شركة جيبو (Jibo) الناشئة المتخصِّصة في تصنيع الروبوتات. في عام 2016، استثمرت شركة آيسر في أسهم شركة غراند باد (GrandPad)، وهي شركة تُقدِّم حلولًا تقنية مصمَّمة لخدمة كبار السن. في عام 2017، أصبحت شركة آيسر من أكبر المساهمين في شركة أي أوبين (AOPEN). دخول شركة آيسر إلى حلبة المنافسة العالمية سعت شركة آيسر إلى تغيير نموذج عملها من كونها شركة قائمة على الابتكار والتصنيع الداخلي إلى شركة قائمة على التطوير والتسويق، كما أنها استمرَّت في الوقت نفسه في التوسُّع عالميًا، وذلك من خلال إقامة العديد من الشراكات، إلى جانب تطوير المنتجات المبتكرة مع شركائها وضمن مجالات البحث والتطوير الخاصة بها. على سبيل المثال، أطلقت شركة آيسر في عام 2003 منصة التمكين التقني (Empowering Technology Platform) للدمج بين الأجهزة والبرمجيات والخدمات، بهدف تقديم تقنيات متكاملة للزبائن، وفي عام 2008 أُطلق جهاز أسباير وان (Aspire One) وهو أول حاسوب محمول متصل بالإنترنت تابع للشركة. بالإضافة إلى ذلك، اقتحمت شركة آيسر مجال الألعاب المتطورة بقوة من خلال طرحها لسلسلة أسباير بريداتور (Aspire Predator). كان الهدف من الخطوات التي اتخذتها شركة آيسر هو تعزيز مركزها على مستوى العالم وزيادة حصّتها في السوق التكنولوجيّة العالميّة، وتشتمل مجموعة المنتجات التي تُقدِّمها على حواسيب شخصية دفترية وصغيرة الحجم، وحواسيب مكتبية، وأنظمة تخزين، وأجهزة طرفية، وتلفزيونات بتقنية LCD، وحلول الأعمال الالكترونية. تُعدُّ شركة آيسر رائدة في العديد من أسواق المنتجات المتنوعة، وتُعدُّ سوق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا سوقًا أساسيّة تحتضن حلول الحوسبة المتنقلة والمُنتجات التي تُقدِّمها الشركة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ شركة آيسر هي أضخم مزوِّد للتلفزيونات التي تعمل بتقنية LCD في أوروبا الغربية، وهي الشركة الأولى في سوق الحواسيب الدفترية في إيطاليا وإسبانيا والنمسا وهولندا وسويسرا وروسيا وبلجيكا وهنغاريا وبولندا وجمهورية سلوفاكيا. نجحت شركة آيسر في الانتشار في الولايات المتحدة وكندا من خلال نموذج العمل التجاري الخاص بها (Channel Business Model)؛ إذ طوَّرت هذا النموذج أثناء توسُّعها خارج تايوان واستمرَّت في تحسينه، بينما عملت على تصفية مرافق التصنيع الخاصة بها. يُتيح هذا النموذج لشركة آيسر أن تكون أكثر مرونة في التأقلم مع توجُّهات سوق تكنولوجيا المعلومات، إذ يقتضي التعاون مع الشركاء و المزوِّدين من أجل تطوير أفضل المنتجات والخدمات وتسويقها. استخدمت الشركة في عام 2003 هذا النموذج لإنتاج جهاز حاسوب دفتري بالتعاون مع شركة فيراري الإيطالية المتخصِّصة في صناعة السيارات. كشفت شركة آيسر في عام 2009عن هواتفها الذكية (F900) و (M900) في المؤتمر العالمي للهواتف النقالة (Mobile World Congress)، وبدؤوا بالشحن إلى شركائهم في أوروبا و الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. تمتلك هذه المنتجات شاشة عرض رسومية كبيرة نسبيًا يبلغ عرضها 3.8 بوصة، بالإضافة إلى تقنية (HSPA) بسرعة 3.75 غيغا لنقل البيانات بسرعة عالية، وتُعدُّ هذه أولى المنتجات ذات واجهة المستخدم الجديدة التي توفِّر تنقُّلًا سهلًا وصورًا متحركة واضحة ثلاثية الأبعاد. لقد كان الاستحواذ على شركة باكارد بيل العامل الأساسي الذي أتاح لشركة آيسر دخول هذا السوق وطرح هذا المنتج المتطوِّر. كان هدف شركة آيسر، منذ عام 2008 وحتى عام 2013، هو تعزيز وجودها عالميًا من خلال اتباع استراتيجية جديدة قائمة على تعدُّد العلامات التجارية. عندما نجحت شركة آيسر في إتمام الاندماج مع شركتي جيت واي وباكارد بيل، فإنَّها شدَّدت تركيزها على هدفها لزيادة ترسيخ وجودها عالميًا بواسطة استراتيجية تعدُّد العلامات التجارية والشراكات المتينة، ومن ثمَّ بدأ التخطيط لتحويل شركة آيسر ابتداءً من عام 2014 إلى شركة عالميّة تُقدِّم أفضل الأجهزة والبرمجيات والخدمات للعملاء. كانت شركة آيسر بحاجة إلى فصل أو تصفية بعض الوحدات لتحقيق هذه النقلة، ونتج عن ذلك الأمرين التاليين: توفير السيولة النقدية اللازمة لإجراء عمليات الاستحواذ وتطوير أعمال جديدة أخرى. عدَّلت محور تركيز استراتيجية شركة آيسر. من الأمثلة عن عمليات الفصل والتصفية: في عام 2000، فصلت شركة آيسر عملية التصنيع من أجل التركيز على تطوير حلول متقدِّمة تقنيًا وسهلة الاستخدام. في عام 2000 أيضاً، فصلت شركة آيسر وحدة تصنيع المعدات الأصلية (Original Equipment Manufacturing) التابعة لها بهدف إنشاء شركة ويسترون (Wistron)، وهي شركة مستقلة متخصِّصة في التصميم وصناعة تقنيات المعلومات. استمرَّت شركة آيسر في تصدّرها وريادتها لتقنية الحواسيب الدفترية، وعملت في الوقت ذاته على توسيع خطوط إنتاجها بهدف زيادة حصّتها السوقيّة وتلبيّة كافّة طلبات العملاء حول العالم، ومن الحواسيب الدفترية التي أنتجتها الشركة: حاسوب فيراري 4000 ذو الألياف الكربونية (2005) الحواسيب الدفترية الصديقة للبيئة (2010) سلسلة حواسيب أسباير الأخف وزنًا وذات البطارية الأطول عمرًا (2012) جهاز كروم بوك الذي يتميَّز بشاشة حجمها 15.6 بوصة (2015) بالإضافة إلى ذلك، ازدادت خطوط إنتاج شركة آيسر وأصبحت تشتمل على الحوسبة السحابية والألعاب وتقنيات أخرى من شأنها أن تضيف قيمة إلى حياة الزبائن. الخلاصة لقد اتخذت شركة آيسر خطوات استراتيجية متنوعة لكي تظل قادرة على المنافسة في مجال التقنيات الحاسوبية الذي يتّسم بالتغيُّر المستمر وعدم الثبات، فانتهجت في البداية استراتيجية نمو قائمة على الابتكار داخل أسوار الشركة من أجل بناء سمعتها وإثبات وجودها في هذا المجال، ثمَّ استفادوا من التقنيات والابتكارات الخارجية من خلال عمليات الدمج والاستحواذ، والتحالفات والمشاريع المشتركة والاستثمارات مقابل حقوق الملكية وغيرها. تسعى شركة آيسر دائبةً إلى تعزيز نقاط قوتها في البحث والتطوير وتواصل التنقيب عن فرص جديدة للاستحواذ وبناء التحالفات الاستراتيجيّة العالميّة. أهمية إدارة التكنولوجيا والابتكار في الحاضر والمستقبل تُعدُّ إدارة التكنولوجيا والابتكار عُنصرًا أساسيًا من عناصر نجاح المؤسسات. لقد شهدنا على مرّ التاريخ ظهور هياكل تنظيمية مبتكرة وطرق جديدة لأداء العمل، وذلك نتيجةً للابتكارات والتقنيات الحديثة. على سبيل المثال، أدّت الثورة الصناعية إلى ظهور الهيكل الوظيفي في المؤسسات؛ فمع تحوُّل الأعمال من حِرف صغيرة مثل الحدادة إلى أعمال أوسع مثل السكك الحديدية، نشأت الحاجة لاستخدام هيكل عمل أكثر تعقيدًا لإنجاز تلك الأعمال. نستطيع أن نرى في الوقت الحالي أنَّ الابتكارات في مجال تكنولوجيا المعلومات جعلت الهياكل التنظيمية معتمدةً على الشبكات التي يعمل الأفراد من خلالها عن بعد. حقيقة الأمر هو أنَّ التغييرات في الهياكل التنظيمية ما هي إلَّا ثمرة ونتيجة للابتكارات التكنولوجية المرتبطة بكيفية إنجاز العمل؛ إذ تؤثِّر الابتكارات الناجمة عن اختراع منتجات جديدة على التكنولوجيا التي نستخدمها وطريقة استخدامنا لها. تعريفات التكنولوجيا والابتكار (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) هناك عدة تعريفات للتكنولوجيا، ولكنَّنا سنورد تعريفًا واحدًا يستند إلى حقيقة أنَّ الغرض الأساسي من أي نظام (مثل نظام المؤسسة) هو عبارة عن تحويل المدخلات إلى مخرجات، وبناءً على ذلك يُمكننا تعريف التكنولوجيا بأنَّها: العمليات التي تحدث داخل المؤسسة والتي تُساهم في تحويل المدخلات إلى مخرجات، بالإضافة إلى آليات التقييم والرقابة المُسانِدة. تنطوي إدارة التكنولوجيا على التخطيط والتنفيذ والتقييم والرقابة على موارد المؤسسة وإمكانياتها من أجل بناء قيمة وميزة تنافسية، ومن المفاهيم الأساسية المرتبطة بها ما يلي: إدارة التكنولوجيا (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) استراتيجية التكنولوجيا (Technology strategy): المنطق وراء كيفية استخدام التكنولوجيا والدور الذي ستؤدِّيه التكنولوجيا في المؤسسة. على سبيل المثال، هل سيكون التركيز على ابتكار منتجات جديدة تُطرح لأول مرة في السوق (استراتيجية الأسبقية)، أم هل ترغب الشركة في تقديم خدمات تكنلوجيّة أفضل من خدمات المنافسين للاستحواذ على حصة وقيمة سوقية أكبر (ترك الشركات الأخرى تجازف وتتحمَّل المخاطر الأولية)؟ التنبؤ بالتكنولوجيا (Technology forecasting): استخدام مجموعة من الأدوات لدراسة بيئة العمل من أجل التعرُّف على التغيُّرات التكنولوجية المحتملة التي قد تؤثِّر إيجابيًا أو سلبيًا على القيمة المقترحة للشركة. لقد أدَّت رقمنة العديد من المنتجات، مثل الساعات والكاميرات، إلى توفير فرص عظيمة لبعض الشركات وإفلاس شركات أخرى، ويدلُّ ذلك على أنَّ التنبؤ (أو على الأقل الانتباه إلى التغيُّرات التكنولوجية في سوق المنافسة) مهم جدًّا في إدارة التكنولوجيا. التخطيط للتكنولوجيا (Technology roadmapping): عمليّة دراسة الابتكارات أو التقنيات القائمة ومحاولة تعزيز قيمتها من خلال إيجاد طرق مُبتكرة لاستخدامها في أسواق وأماكن مُختلفة. حافظة مشاريع التكنولوجيا (Technology project portfolio): إنَّ استخدام تقنيات الحافظة (أو الحاضنة) في تطوير التكنولوجيا واستغلالها يُعزِّز من القيمة المحتملة للتقنيات قيد التطوير والتقنيات التي تُشكِّل جزءًا من حافظة الشركة في الوقت الراهن. على سبيل المثال، شركة ديزني هي شركة رائدة في إنتاج أفلام الرسوم المتحركة، ولكنَّها لم تتوقَّف عند ذلك الحد؛ إذ أصبحت في الوقت الحالي تُسوِّق لمجموعة من الشخصيات التي ظهرت في أفلامها على هيئة منتجات وتعرضها أيضًا في مدن الملاهي التابعة لها، وتحرص شركة ديزني بشدة على إدارة توفُّر أفلام الرسوم المتحركة وتمنحها الاحترام والتقدير في نفوس العملاء. تُعدُّ أنشطة الابتكار مجموعة فرعية مهمة من أنشطة التكنولوجيا، وينطوي الابتكار على التجديد في عمليات تطوير واستخدام المنتجات أو العمليات داخل الشركة وداخل مجال العمل، ومن أشكال الابتكار: الاختراع، وتطوير منتجات جديدة، وأساليب تحسين العمليات الحاليّة. تتضمّن إدارة الابتكار كلًّا من إدارة التغيير وإدارة العمليات التنظيمية التي تدعم الابتكار، ولا تقتصر إدارة الابتكار على التخطيط لمنتجات أو خدمات معيّنة، أو توسيع العلامات التجارية، أو إنجاز اختراعات تقنية جديدة؛ بل إنَّها تسعى وتخطط باستمرار لإطلاق الخيال العلمي وطرح الأفكار الإبداعيّة والمُنافسة التقنيّة بطرق جديدة. تنطوي إدارة الابتكار في المؤسسات أيضًا على إنشاء أنظمة وعمليات تُفسح المجال للتجديد الذي ينتج عنه قيمة إضافية للمؤسسات. من الجدير بالذكر أنَّ بعض الشركات، مثل جوجل و3M، تمنح بعض الموظفين وقتًا معينًا خلال أسبوع لكي يعملوا على تطوير أفكارهم الخاصة على أمل إطلاق أفكار جديدة ذات قيمة إضافية، ومن المنتجات التي نشأت نتيجةً لذلك: "أخبار جوجل"، والأوراق اللاصقة التي تُنتجها شركة 3M، والتي تُعرف باسم "Post-it". يجب على الشركة إجراء العديد من الأنشطة من أجل إدارة عمليات الابتكار بنجاح (وقد يتطلَّب ذلك دراسة التقنيات المستخدمة في الوقت الراهن)، وتتضمَّن هذه الأنشطة ما يلي: إدارة الابتكار (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) التفكير في خيارات عديدة وحلول مُبتكرة أثناء محاولة مجاراة التغيُّرات التي قد تحدث في الشركة والأسواق والشركات المنافسة وغيرها،التفكير في الخيارات بأسلوب مُختلف هو عُنصرٌ مهم جدًّا للإبداع والنجاح. من الأمثلة على الشركات التي فشلت بسبب عدم تنفيذ هذه الخطوة هي شركة كوداك التي كانت مهيمنة في مجال تصنيع الكاميرات. لقد فوَّتت هذه الشركة في العديد من المرَّات فُرصًا ذهبيّة لاستغلال الابتكارات المرتبطة بخط إنتاجها ومجال عملها، ولم تُفكِّر في الخيارات الجديدة المتاحة. على سبيل المثال، لقد ذهب إدوين لاند، مؤسِّس شركة بولارويد (Polaroid)، إلى شركة كوداك واقترح عليها الاستفادة من اختراعه للصور الفورية، ولكنَّها رفضت اقتراحه. بالإضافة إلى ذلك، لم تنظر شركة كوداك إلى الهواتف التي تتيح التقاط الصور على أنَّها منافس محتمل إلَّا بعد فوات الأوان، وأصبحت شركة ضعيفة لأنَّها دخلت متأخِّرةً إلى سوق الكاميرات الرقمية، وقد أفلست في عام 2012 نتيجةً لعدم التفكير في استغلال الخيارات الممكنة لمواكبة التوجُّهات السائدة والابتكارات الحديثة. إضفاء التجديد على المنتجات الحالية ممَّا قد يُسهم في إضافة قيمة جديدة لهذه المنتجات. على سبيل المثال، لقد طبَّقت شركة ثري أ/ (3M) هذه الخطوة على جميع أصناف الأشرطة اللاصقة وأنواع مختلفة من الأوراق اللاصقة التي تُدعى (Post-it). من المهم جدًّا طرح السؤال «كيف يمكن تغيير المنتج أو استخدامه بُطرق جديدة مختلفة؟» من أجل تطوير سلسلة المنتجات. بناء ثقافة عمل قائمة على تقبُّل التجديد أمر مهم جدًّا لتنمية الأفكار؛ فإذا كانت قيادة الشركة تتقبَّل الأفكار الجديدة من جميع مكوّنات المؤسسة، فإنَّ هذا سيجعل الشركة أكثر ابتكارًا. تُشجِّع بعض الشركات الكبيرة، مثل شركة تكساس إنسترومنتس، الموظفين على بدء أعمال أو شركات جديدة إذا كانت لا ترغب في الاحتفاظ بأحد منتجاتها داخلها، وغالبًا ما تكون شركة تكساس إنسترومنتس هي المستثمِر الأول في هذه الشركات الصغيرة وأحد زبائنها. نشر المعرفة في جميع أرجاء الشركة هو أمر مهم أيضًا. قد تبدو المعرفة والمعلومات الجديدة أخبارًا جيِّدة أو سيئة للوهلة الأولى، ولكنَّ شركة ثري أم استفادت من نشر المعلومات المتعلِّقة بمحاولاتها الفاشلة لتصنيع مادة لاصقة قوية تنافس ما تنتجه شركة إيلميرز (Elmer’s)؛ إذ أدَّى ذلك إلى إنتاج الأوراق اللاصقة التي تُدعى (Post-it). من الواضح أنَّ نتائج التجارب لم تُحقِّق الهدف الأصلي المنشود، ولكن نشر المعلومات المتعلِّقة بخصائص المادة الجديدة (لزجة ولا تترك أي رواسب) ترتَّب عليه استخدام المادة الناتجة لغرضٍ آخر. امتلاك الشجاعة الكافية للتغيير ضروري إذا كانت الشركة ترغب في إدارة الابتكار والحفاظ على قدرتها على المنافسة. غالبًا ما تُفضِّل الشركات البقاء في منطقة آمنة ومستقرة من سوق المنافسة الذي تُشارك وتتخصّص به، وحصر تركيزها على نطاق ضيِّق من بيئة العمل، والتركيز على تعزيز قوتها في الأسواق الحالية التي تستهدفها، ولكن يؤدِّي هذا إلى ما يُعرف بالجمود الاستراتيجي (strategic inertia)، والذي يُشير إلى تجنُّب الابتكار ومن ثمَّ خسارة زبائن الشركة وحصتها في السوق نتيجةً لتفوُّق الشركات الأكثر ابتكارًا. لقد فشلت شركة آي بي إم في التغيير -مثلما حدث في شركة كوداك-؛ إذ ذاع أنَّ الرئيس التنفيذي لشركة آي بي إم كان يقول: «من يرغب في أن يكون لديه جهاز حاسوب على مكتبه؟!»، وذلك عندما كانت شركة آي بي إم مستمرَّةً في تصنيع الحواسيب الكبيرة (mainframes) على الرغم من بداية انتشار الحواسيب المكتبية ثمَّ الحواسيب المحمولة. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } إدارة التغيير مراكز التبادل التجاري الإلكترونية حلقة وصل للتجارة العالمية بفضل التقدُّم التكنولوجي، فإنَّ التبادل التجاري الإلكتروني العالمي المُعاصر أصبح ينطوي على ما هو أكثر من البيع بالتجزئة والتبادل عبر الإنترنت الذي نعرفه جميعًا. هناك مواقع إلكترونية معينة تُعرف باسم مراكز التبادل التجاري أو الأسواق الإلكترونية، وتُسهِّل هذه المواقع التجارة الإلكترونية بين الشركات في قطاعات معينة، مثل: صناعة السيارات، والبيع بالتجزئة، والاتصالات، والطيران، والمنتجات والخدمات المالية، وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، تُجرى جميع عمليات الفوركس (تداول العملات الأجنبية) تقريبًا من خلال مراكز التبادل التجاري التي توفِّر سوقًا مفتوحًا لتداول مجموعة متنوعة من العملات، وغالبًا ما يكون من السهل اكتشاف أسعار هذه العملات، كما أنا هذه الأسواق الإلكترونيّة تتسم بالشفافية؛ وذلك بسبب كثرة مقايضة العملات. في المقابل، يجري تداول العملات الرقميّة (البيتكوين) بكميات أقل، وغالبًا ما تكون هناك فروق كبيرة في أسعار هذه العملة الإلكترونية المشفرة في مراكز التداول المختلفة. تُساهم مراكز التبادل التجارية في تحقيق التعاون الإلكتروني بين خدمات الأعمال المختلفة، ويوفِّر كل مركز نماذج موحَّدة للتبادل الإلكتروني للمستندات التي تُستخدم في قطاع عمل معين، بالإضافة إلى مجموعة من الخدمات لدعم التجارة الإلكترونية بين الشركات في ذلك القطاع، وتتضمَّن هذه الخدمات: التنبؤ بالطلب، وإدارة المخزون، وأدلة الشركاء، وخدمات تسوية المعاملات. تجني المؤسسات أرباحًا وفوائد كبيرة عند استغلالها واستفادتها من هذه المراكز، مثل: تقليل التكاليف، وتقليل مستويات المخزون، وتقليل الوقت المخصَّص للتسويق؛ ممَّا يؤدِّى إلى زيادة الأرباح وتعزيز القدرة التنافسية. على سبيل المثال، يمكن أن يُكلِّف شراء مستلزمات عملية التصنيع بكميات كبيرة مليارات الدولارات في الواقع، ولكن إذا تغيَّرت آلية الشراء وأصبحت تتمُّ بواسطة مراكز التبادل الإلكتروني في الوقت المطلوب، فإنَّ ذلك سيؤدِّي إلى تقليل نسبة كبيرة من هذه التكاليف. تتضمَّن عمليات التبادل التجاري الإلكتروني عبر مراكز التبادل الربط بين العمليات التجارية الفردية، والمزادات، وتبادل البضائع (المقايضة الإلكترونية)، وغيرها. تُعدُّ إدارة المحتوى العالمي عاملًا أساسيًا في تعزيز اتفاقيات التبادل التجاري الإلكتروني بواسطة مركز التبادل، ويجب أن يُعرض محتوى مركز التبادل للجميع بطريقة موحّدة عالميًا. بإمكان كل شركة انضمَّت للمركز إدارة محتواها الخاص، وهناك مجموعة من البرامج المرتبطة بالمركز، مثل مدير المحتوى الذي يحتفظ بقوائم السلع التي يُوفِّرها جميع أعضاء المركز ويُحدِّثها باستمرار، بالإضافة إلى مدير المعاملات (transaction manager) الذي تتمثَّل وظيفته في أتمتة إجراءات عملية التبادل التجاري بين الشركات، الأمر الذي يُتيح للمركز تقديم خدمات التجميع والتسوية. أخيرًا، يمكن ربط مراكز التبادل التجاري التابعة للعديد من القطاعات مع بعضها بعضًا في شبكة تجارة إلكترونية عالمية (مركز شامل يربط جميع مراكز التبادل التجاري حول العالم)، وقد بيَّن أحد المفكرين المبدعين ذلك بقوله: «لقد انتهى عصر سلسلة التوريد التقليدية الخطية التي تُنفِّذ خطوة واحدة في الوقت الواحد، وسوف تُستبدل بعمليات اتخاذ قرارات فورية ومتوازية وغير متزامنة فيما يخصُّ السوق. على سبيل المثال، يمكن للشركات عرض سعتها الإنتاجية الفائضة عبر مركز التبادل التجاري الإلكتروني العالمي، وتدفعُ عروضُ شراء السِّعةِ البائعَ إلى طرح مبلغ معيّن لشراء القطع اللازمة من الموردين الذين يُقدِّمون في المقابل طلبات إلى موردين آخرين، وستحدث كل هذه العملية في غضون بضع دقائق!» المجالات المؤثرة على قطاع الأعمال هناك ست مجالات مهمة تؤثِّر على المجتمع وقطاع الأعمال، لذلك يجب على الشركات الانتباه إليها جيِّدًا عند إدارة التكنولوجيا والابتكار من أجل بناء القيمة الشركة وسمعتها، وتشمل هذه المجالات الستّ ما يلي: 1- إدارة الموارد البشرية تختلف بيئة العمل (الآليات والهياكل التنظيمية) في العصر الحالي اختلافًا كبيرًا عمَّا كانت عليه في مطلع الألفية الجديدة. على سبيل المثال، ظهر هاتف الآيفون لأول مرة في عام 2007. لم تكن تقنية الهواتف النقالة في عام 2000 متاحة للجميع، وكان معظم الناس لا يزال لديهم هواتف أرضية. لقد أدَّى ظهور تقنية الهواتف النقالة واستخدامها في قطاع الأعمال إلى شعور العديد من الموظفين بأنَّهم تحت الطلب على مدار 24 ساعة؛ إذ يمكن الاتصال بهم أو إرسال رسالة نصية أو إلكترونية إليهم في أي وقت؛ وذلك لأنَّهم غالبًا ما يحملون معهم هواتفهم في كل مكان. لقد أصبح توفير فرص التعلُّم (سواءً عبر الإنترنت أم من خلال التدريب والتطوير التقليدي) عنصرًا أكثر أهميةً من عناصر إدارة الموارد البشرية؛ فالموظفون يحتاجون إلى أن يُمنحوا وقتًا للتكيُّف مع أساليب العمل الجديدة والبرمجيات الحديثة وهكذا. على سبيل المثال، من النادر أن نجد مديرًا يبلغ عمره 45 عامًا قد امتلك أو استخدم حاسوبًا محمولًا قبل تخرُّجه في الجامعة، فلم تكن تلك الحواسيب مُتاحة في بداية مسيرته المهنيّة. 2- توسيع النموذج التعاوني كلما ازدادت وتيرة الابتكار، ازدادت وتيرة التكنولوجيا في الشركات والصناعات والاقتصادات. تتطلَّب هذه التغيُّرات التعاون بين عدة أطراف، ويمكن أن يحدث ذلك بعدة طرق داخل الشركة وخارجها. سنتطرق فيما بعد إلى المصادر الداخلية والخارجية لإدارة التكنولوجيا والابتكار، بالإضافة إلى الأنشطة الريادية المرتبطة بإدارة التكنولوجيا والابتكار. 3- التدويل (Internationalization) ازدادت فرص تدويل (نقل السلع أ والخدمات إلى السوق العالميّة) المنتجات والأسواق في العصر الحالي، وأحيانًا تنتشر وتُشتهر الابتكارات الجديدة بطرق غير متوقَّعة. على سبيل المثال، أرادت شركة (جنرال إلكتريك) تطوير جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي لاستخدامه في البلدان الأقل تقدُّمًا، ويتميَّز هذا الجهاز بأنَّه مُتنقل ويعتمد على واجهة حاسوب محمول لإرسال الصور من أجل التشخيص، ونجحت الشركة في ذلك وأنشأت مصنعًا خارجيًا، ثمَّ اكتشفت أنَّ هناك أسواقًا لم تأخذها بالحسبان في بلدان أكثر تقدُّمًا؛ إذ رغب الأطباء البيطريون الذين يُعالجون الحيوانات كبيرة الحجم في استخدام هذا الجهاز في المزارع والحظائر. لقد أصبح اكتشاف أفضل الأسواق وأفضل خيارات الإنتاج جزءًا مهمًا من إدارة التكنولوجيا والابتكار. 4- القضايا البيئية يُعدُّ الاهتمام بالقضايا البيئية مهمًا طوال دورة حياة المنتج، لذلك تهتم إدارة التكنولوجيا والابتكار بعمليات التطوير والتصنيع والاستخدام وحتى التخلُّص من المنتج بشتى الطُرق المُحافظة والبيئية. على سبيل المثال، يشغل مجال إنتاج الطاقة حيِّزًا كبيرًا من الاهتمام؛ إذ يؤثِّر استخدام الوقود الأحفوري (مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي) على مستويات الكربون في الغلاف الجوي مسبِّبًا العديد من المشكلات البيئية (في مقدّمتها ثقب طبقة الأوزون)، لذلك يُفكِّر الأفراد والشركات في استخدام البدائل، مثل الطاقة النووية والطاقة المتجدِّدة، ولكن هذه الأخرى لا تخلو أيضًا من المخاطر والمشكلات. لا يؤثِّر استخدام الطاقة النووية على الغلاف الجوي، ولكنَّ الحوادث التي قد تحصل في مرافقها كارثية. وبالمثل فإنَّ استخدام الرياح والمياه والأمواج وأشعة الشمس لإنتاج الطاقة لا يؤدِّي إلى انبعاثات كربونية، ولكن قد يترتَّب عليه مشكلات بيئية أخرى، كما أنه قد يكون مُكلفًا جدًا، فعلى سبيل المثال، أصبح بناء السدود الكبيرة (مثل سد هوفر في الولايات المتحدة) أكثر صعوبة في العصر الحالي، وذلك بسبب تنامي إدراك المجتمعات للتأثيرات والتداعيات السلبيّة التي قد تُحدثها هذه المشاريع الكبيرة على النظام البيئي المائي. 5- نمو القطاعات الخدماتية مع تزايد اعتماد الاقتصادات المعاصرة على المعرفة والمعلومات، فإنَّ القطاعات الخدماتية سوف تواصل نموها، كما أنَّ الخدمات التي يُقدِّمها مزوِّدو الإنترنت والمتخصِّصون في أمان الشبكات والعاملون في مجال تكنولوجيا المعلومات سوف تؤثِّر تأثيرًا واضحًا على آلية نمو الأعمال في المستقبل القريب، سيّما في الاقتصادات النامية. في الواقع، إنَّ نشوء اقتصاد عالمي أكثر اعتمادًا على المعرفة والمعلومات سيزيد من أهمية الخدمات، ومن ثمَّ ستستمر القطاعات الخدماتية في النمو بوتيرة أسرع من القطاعات الإنتاجية. 6- استخدام حقوق الملكية الفكرية موردًا استراتيجيًا أصبحت العديد من المنتجات والخدمات الحديثة تعتمد على حقوق الملكية الفكرية (براءات الاختراع وحقوق النشر والعلامات التجارية)، ولذلك من المهم أن تنظر المؤسسات إلى حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها على أنَّها أصل قيِّم من أصولها، ويتطَّلب ذلك الإفصاح عن القيمة التي تقدِّمها من خلال تحويل هذه القيمة وترجمتها ونقلها. على سبيل المثال، حصلت مختبرات دولبي (Dolby Laboratories) على براءة اختراع لابتكارها تقنية تقليل الضجيج والتي تُرجمت إلى تقنية صوت ستيريو للأفلام (stereo film sound technique) محمية ببراءة اختراع يُمكن نقلها إلى براءات اختراع جديدة لحماية الأصوات التناظرية. لقد استمرَّ نمو مؤسسة دولبي لفترة طويلة نتيجةً لابتكاراتها التي حصلت على براءات اختراع، وقد حصدت 80% من إيراداتها من التراخيص التي تمنحها لاستخدام تقنياتها المبتكرة، وليس من إنتاج المنتجات المنافِسة بحدِّ ذاتها. تُعدُّ شركة إيديو (IDEO) من الشركات التي تعتمد على الابتكار وتوليد الأفكار الإبداعية، وقد شاركت في عام 1999 في عملية تطوير عربة تسوُّق مبتكرة آخذةً بالحسبان القضايا التالية: سهولة الاستدارة، وسلوك التسوُّق لدى الزبائن، والحفاظ على سلامة الأطفال، وتكلفة الصيانة. لقد عُرضت عملية التصميم التي نفَّذتها شركة إيديو (IDEO) لتطوير هذا المنتج في حلقة تلفزيونية سجَّلت ما فعله الفريق متعدد التخصُّصات من عمليات ابتداءً بالعصف الذهني وصولًا إلى البحث ووضع النماذج الأولية، وانتهاءً بجمع التقييمات من المستخدمين حول التصميم، الذي انتقل من مجرَّد فكرة إلى نموذج عملي خلال أربعة أيام. (مصدر الصورة: حساب David Armano/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) ينبغي أن يكون لدى المؤسسات مرونة في إدارة التكنولوجيا والابتكار. على سبيل المثال، استخدمت شركة (آيسر) -التي تحدَّثنا عنها في بداية هذا المقال- أساليبًا متنوعة لاستغلال التكنولوجيا الحديثة وابتكار تقنيات جديدة وتوسيع نطاق عملها. لقد أدركت إدارة شركة آيسر منذ لحظة تأسيسها أنَّ نجاح الشركة سيكون محدودًا إذا اقتصرت على كونها شركة محلية في تايوان، لذلك سعت إلى الاستفادة من مختلف الخيارات المتاحة واعتمدت في البداية على عمليات البحث والتطوير داخل أسوار الشركة من أجل تحقيق النمو، ثم عملت على توسيع أسواقها وخطوط إنتاجها من خلال عمليات الدمج والاستحواذ، وقد زادت عروض منتجاتها في سوق الحواسيب المحمولة عندما رأت أنَّ هذا السوق وصل إلى مرحلة كافية من النضج، واتجهت في الوقت الحاضر إلى مجال تقديم الخدمات (مثل الحوسبة السحابية) من أجل مواصلة توسُّعها ونموها. ترجمة -وبتصرف- للفصل MTI—Its Importance Now and In the Future من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: تطوير التكنولوجيا والابتكار في المؤسسات المقال السابق: الإدارة بالأهداف: أسلوب للتخطيط والرقابة
  4. عندما يكون لدى الأفراد التزام شخصي تجاه الخطط التي تضعها مؤسساتهم، فإنَّ تلك الخطط تُنجز على أكمل وجه وتتحوَّل إلى واقع؛ هذه الحقيقة البديهية هي الفلسفة التي يستند إليها أسلوب الإدارة بالأهداف. تُعدُّ الإدارة بالأهداف (Management by objectives) فلسفة إدارية، وأسلوبًا للتخطيط والرقابة، وطريقة تتيح مشاركة أكبر وأعمق للموظفين. تعتمد الإدارة بالأهداف بوصفها فلسفة إدارية على نموذج إدارة الموارد البشرية ونظرية Y التي تفترض أنَّ الموظفين يستطيعون توجيه أنفسهم والتحكُّم بإمكانيّاتهم ذاتيًّا، وترتكز أيضًا على نظرية ماسلو للاحتياجات. الفكرة هي أنَّ مشاركة الموظفين في عمليات التخطيط والرقابة تتيح لهم الانخراط في أنشطة العمل، وتزيد من إدراكهم لأهمية العمل، وتُلبِّي لهم احتياجات إنسانية أعلى (مثل احترام الذات وتقديرها)، ممَّا يؤدِّي إلى زيادة دافعيتهم وتحسين أدائهم الوظيفي (انظر الشكل التالي). بالإضافة إلى ذلك، هناك افتراض ينصُّ على أنَّ مشاركة الموظفين تُسهم في تعزيز التزامهم بخطط العمل وزيادة رضاهم الوظيفي. تأثيرات الإدارة بالأهداف على الموظفين (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) على الرغم من وجود طرق عديدة لتطبيق الإدارة بالأهداف، إلَّا أنَّها ببساطة عمليةٌ يتعاون خلالها المديرون وموظفوهم من أجل تحديد أهداف المؤسسة وخططها وأنظمة الرقابة الخاصة بها؛ إذ يُحدِّدون معًا الأهداف المشتركة والنتائج المتوقَّعة من كل فرد، ويستخدمون هذه المعايير في توجيه سير عمل المجموعة وتقييم إنجازات الأفراد. يُمكن من خلال هذه العملية الاستفادة من معارف ومهارات مُختلف أفراد المؤسسة، يطلب المديرون من الموظفين المشاركة في تحديد الأهداف الخاصة بهم، بدلًا من أن يفرضوا على الموظفين الأهداف التي يجب عليهم تحقيقها (أسلوب الإدارة التقليدية). بعد وضع مجموعة من الأهداف المقبولة لكل موظف من خلال المُشاورة والمناقشة، يُشارك الموظفون مشاركةً فاعلةً في صياغة خطط العمل لتحقيق تلك الأهداف، ثمَّ يشرعون في تنفيذ هذه الخطط، وفي المرحلة الأخيرة من عملية الإدارة بالأهداف يُحدِّدون كيف سيُطبِّقون عمليات الرقابة ويُتابعون أداءهم ويقترحون إجراء تصحيحات إذا حدثت أية انحرافات عن الخطط المحدَّدة، وعند اكتمال هذه المرحلة تبدأ عملية الإدارة بالأهداف مرة أخرى. يوضِّح الشكل التالي المراحل الرئيسية لعملية الإدارة بالأهداف. عملية الإدارة بالأهداف (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) نظرية الإدارة بالأهداف يُمكن أن تُسهم عملية الإدارة بالأهداف في تعزيز فعالية المؤسسة؛ لأنَّها تتألف من العناصر الأربعة الرئيسية التالية: وضع أهداف محدَّدة: إنَّ أداء الموظفين الذين لديهم أهداف يعملون من أجل تحقيقها أفضل من أداء الموظفين الذين يعملون بدون أهداف، كما وضَّحنا سابقًا. وضع أهداف واقعية ومقبولة: إنَّ تحديد أهداف واقعية ومقبولة ضروريٌ لتحقيق نتائج ناجحة، وما يزيد من دافعيّة الفرد أيضًا أن يُشكّل الهدف تحدّيًا جيّدًا لقدراته وإمكانيّاته. التعاون المشترك في تحديد الأهداف، وفي عمليتي التخطيط والرقابة: يُفترض أن يُسهم التعاون المشترك في تحديد أهداف واقعية تحظى بتقبُّل الموظفين والتزامهم تجاهها. التغذية الراجعة: تُعدُّ التغذية الراجعة مهمة للغاية؛ فبدونها لن يَعرف الموظفون ما إذا كان يتوجَّب عليهم الاستمرار في بذل الجهود في نفس المسار أو إعادة توجيهها بُغية الوصول إلى هدفهم المنشود، وبدونها لن يعرفوا ما إذا كانت الجهود التي يبذلونها كافية أم لا. من الناحية النظرية، هناك العديد من الأسباب التي توضِّح لماذا تؤثِّر الإدارة بالأهداف تأثيرًا إيجابيًا على أداء الموظفين ودافعيتهم والتزامهم ورضاهم الوظيفي. سوف نتناول فيما يلي باختصار نتائج الدراسات حول فعالية برامج الإدارة بالأهداف. نتائج الدراسات حول فعالية الإدارة بالأهداف يُستخدم أسلوب الإدارة بالأهداف على نطاق واسع في كلٍّ من القطاعين العام والخاص. يظهر لنا من خلال الاطلاع على الدراسات التي أُجريت حول الإدارة بالأهداف صورة واضحة لتأثيرات برامج الإدارة بالأهداف. لقد درس روبرت رودجرز (Robert Rodgers) وجون هنتر (John Hunter) 70 حالة، وقد أظهرت 68 حالة وجود تحسُّن في الإنتاجية، بينما كشفت حالتان فقط عن وجود خسائر، كما بيَّنت الدراسة التي أجراها رودجرز وهنتر أنَّ التحسُّن في الأداء كان كبيرًا؛ إذ أشارا إلى أنَّ متوسط التحسُّن تجاوز 40%. على الرغم من أنَّ النتائج إيجابية عمومًا، إلَّا أنَّه تبيَّن أنَّ التأثير الإيجابي للإدارة بالأهداف على الأداء يختلف حالة إلى أخرى ويرتبط بمدى التزام الإدارة العليا، إذ غالبًا ما يكون تأثير أسلوب الإدارة بالأهداف على الأداء أقوى عندما تكون الإدارة العليا ملتزمة تجاهه وُجدانيًّا وفكريًّا (أي أن تُؤمن الإدارة العليا بأهمية الإدارة بالأهداف) وسلوكيًّا (أي أن تُطبِّق الإدارة العليا الإدارة بالأهداف ذاتيًا)، في حين يكون تأثير أسلوب الإدارة بالأهداف ضعيفًا عندما يكون اهتمام الإدارة العليا به ضئيلًا أو وعندما لا تُبادر بالالتزام به انطلاقًا من نفسها، على الرغم من أنَّها قد تُطبِّقه إذا طلبت جهات أخرى ذلك منها. تُخبرنا هذه المعلومات أنَّ الطرق المستخدمة لتطبيق الإدارة بالأهداف قد تُحوِّل برنامج الإدارة بالأهداف الذي يمكن أن يكون فعَّالًا إلى برنامج غير فعَّال، لذلك يتوجَّب على المديرين ألَّا يهتمُّوا باستخدام الاستراتيجيات التي تُسهِّل عمليتي التخطيط والرقابة (مثل الإدارة بالأهداف) فحسب؛ بل يجب أن يهتمُّوا أيضًا بكيفية تطبيقهم للاستراتيجيات والخطط. تتطلَّب الإدارة بالأهداف التزامًا من الإدارة العليا، وينبغي أن تبدأ من أعلى الهرم الإداري إلى أسفل. تُبيِّن الدراسات أنَّ برنامج الإدارة بالأهداف يمكن أن يُسهم إسهامًا كبيرًا في التزام أفراد المؤسسة بمسار العمل وفي تحسين الأداء، وفي الواقع هناك دراسات تُوثِّق بوضوح حالات أدَّى فيها استخدام برامج الإدارة بالأهداف إلى زيادة فعالية المؤسسة، ومع ذلك كانت هناك حالات فشل أيضًا، إلا أنها كانت قليلة. لقد استنتج أحد الباحثين، بعد مراجعة 185 دراسة حول برامج الإدارة بالأهداف، أنَّ الإدارة بالأهداف تكون فعَّالة في ظل ظروف معينة ولا تُثمر في كلّ الظروف. على سبيل المثال، تميل الإدارة بالأهداف إلى أن تكون أكثر فاعلية إذا طُبّقت لفترة قصيرة (أقل من عامين)، وفي القطاع الخاص، وفي المؤسسات التي لا تتواصل مباشرةً مع الزبائن. تؤثر العوامل الآتية أيضًا في نجاح برنامج الإدارة بالأهداف: شدة التزام المديرين الذين يعملون في مستوى الإدارة العليا: يكون معدل فشل نظام الإدارة بالأهداف أعلى إذا لم يكن التزام المديرين به قويًا. عنصر الوقت: هل هناك وقت كافٍ لكي يتعلَّم الموظفون كيف يُشاركون في عملية الإدارة بالأهداف؛ أي أن يتعلَّموا كيفية تحديد أهداف جيّدة، ووضع خطط عمل مناسبة، ووضع أنظمة رقابة فعَّالة؟ هل هناك وقت كافٍ لكي يتعلَّم الموظفون كيف يتحمَّلون المسؤولية في سياق خطّة عمل جديدة؟ هل هناك وقت كافٍ لكي يتعاون الموظفون والمديرون معًا في التخطيط والرقابة؟ شرعية النظام: هل يندرج نظام الإدارة بالأهداف ضمن فلسفة إدارية شاملة؟ أم هل هو مجرَّد وسيلة لتشجيع الموظفين لكي يُصبحوا أكثر إنتاجية؟ تكامل أهداف الموظفين: هل تتكامل أهداف كل موظف جيِّدًا مع أهداف وحدة العمل أو المؤسسة؟ لكي تكون برامج الإدارة بالأهداف فعَّالة على المدى الطويل؛ يجب أن تُصاحبها برامج مشاركة المكاسب (برامج تنظيميّة تتقاسم المؤسسات من خلالها بعض المكاسب المالية التي حصدتها نتيجةً لمشاركة الموظفين في طرح الأفكار وتحسين الإنتاجية وتوفير التكاليف). يشير إدوارد لولر الثالث (Edward E. Lawler III)، بناءً على دراسته المستفيضة للمؤسسات القائمة على المشاركة، إلى أنَّ المعلومات والمعارف والسلطة والمكافآت هي أربعة عناصر أساسية للمشاركة الفعَّالة والمستمرة. غالبًا لا توفِّر أنظمة الإدارة بالأهداف آليات تُمكِّن الموظفين من أخذ نصيبٍ مُرضٍ من المكاسب الاقتصادية التي قد تجنيها المؤسسة بفضل إسهاماتهم وأفكارهم واقتراحاتهم. في حقيقة الأمر، يواجه المديرون تحديًا في سبيل توفير الظروف المناسبة لوضع نظام إدارة بالأهداف فعَّال والمحافظة على كفاءته. الموازنة بين أساليب التخطيط والرقابة القائمة على السيطرة وتلك القائمة على المشاركة تختلف أساليب تنفيذ عمليتي التخطيط والرقابة في ظل كلٍّ من الإدارة القائمة على السيطرة والإدارة القائمة على المشاركة. في المؤسسات ذات الهياكل التنظيمية الميكانيكية، غالبًا ما يُحدِّد المديرون في مستويات الإدارة العليا في التسلسل الهرمي التنظيمي أنشطة التخطيط والرقابة التي سوف يُنفِّذها الأفراد الأقل منهم مستوىً؛ إذ إنَّ التسلسل الهرمي للإدارة في هذه المؤسسات هو الذي يحكم مسار عمليتي التخطيط والرقابة، وغالبًا ما يكون دور الموظفين مقتصرًا على تنفيذ ما يُوجَّه إليهم من تعليمات بشأن أنشطة التخطيط والرقابة. في حين تمنح المؤسسات ذات الهياكل التنظيمية العضوية، والتي تتبنَّى الإدارة القائمة على المشاركة، تمنح الموظفين دورًا نشطًا في عمليتي التخطيط والرقابة ويتولَّون مسؤولية تنفيذ كلا العمليتين؛ ومن ثمَّ يُصبح دور المديرين في هذه المؤسسات إمَّا مستشارين أو مُيسِّرين أو داعمين أو مفكِّرين أو مرشدين أو مدرِّبين ومزوِّدي موارد. يتحمَّل المديرون الذين يعملون في مستوى الإدارة العليا مهمة التخطيط والرقابة في الوحدات التي يكونون مسؤولين عنها، في حين يتولّى الموظفون مسؤولية التخطيط والرقابة في نطاق المستوى الذي يعملون فيه. بالإضافة إلى ذلك، يحصل المديرون الذين يعملون في مستوى الإدارة العليا على المعلومات التي تُفيدهم في تنفيذ أنشطة التخطيط والرقابة من الأفراد الأقل منهم رتبةً في التسلسل الهرمي التنظيمي. يكثُر استخدام أنظمة التخطيط والرقابة، المماثلة لنظام الإدارة بالأهداف، في المؤسسات القائمة على المشاركة، ويقل استخدامها في المؤسسات القائمة على السيطرة. إنَّ الرقابة في المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين على نطاق واسع تتوزَّع على العديد من المجموعات، ويتمحور تركيزها عمومًا حول إنجاز المهام وتجاوز العقبات، وتبتعد عن إلقاء اللوم على فرد معين إذا حدث فشل في الأداء. في المقابل، فإنَّ مسؤولية الرقابة في العديد من المؤسسات القائمة على السيطرة تتركَّز في يد الإدارة العليا، وتُراقَب الأنشطة التي يؤدِّيها أفراد هذه المؤسسات بدقة، ولذلك يُحمَّل أفراد هذه المؤسسات مسؤولية تقصيرهم في الأداء. في النهاية، غالبًا ما تُنشئ المؤسسات ذات الهياكل التنظيمية الميكانيكية أقسامًا كبيرة للتخطيط، وتتركَّز مهمة التخطيط في هذه المؤسسات في يد المتخصصين، ولكن عندما تواجه المؤسسات حالات من عدم اليقين والغموض بسبب المُتغيّرات التكنولوجية وسرعة تبدّل بيئة العمل وعدم استقرارها، فإنَّها تتجه إلى السماح للأفراد، الذين يعملون يوميًا على تنفيذ الخطط، بالمشاركة في عمليتي التخطيط والرقابة، ويزداد اعتمادها على الموظفين المحترفين وفرق العمل الماهرة في مراقبة أعمالهم بأنفسهم أثناء تنفيذهم للخطط التنظيمية. تظهر في الصورة سفينة (ميرسك لاين). ستُساعد حلول تقنية (البلوك تشين) الجديدة التي تُقدِّمها شركة آي بي أم (IBM) بالتعاون مع شركة ميرسك (Maersk) في إدارة المعاملات الورقية لعشرات الملايين من حاويات الشحن في مختلف أنحاء العالم وتعقُّبها من خلال أتمتة عملية سلسلة التوريد.(مصدر الصورة: حساب Kees Torn/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } إدارة التغيير تقنية البلوك تشين وإدارة تقلبات أسعار العملات عندما تقرِّر شركة الانتقال من كونها شركة محلية -حتى لو كان ذلك يعني أنَّها تخدم دولة بأكملها- إلى أن تصبح شركة عالمية، فإنَّها ستواجه مجموعة جديدة من العقبات التي يجب عليها التخطيط لمواجهتها وتخطّيها. غالبًا ما تكون تقلبات أسعار العملات من التحديات المثيرة للاهتمام والصعبة التي تواجه الشركات العالمية، ولكنَّها ازدادت صعوبةً مع ظهور التقنيات الحديثة. لقد تحدَّثت العديد من كتب الاقتصاد والتمويل والمحاسبة عن تأثيرات تقلُّبات أسعار العملات على الربحيّة لدى الشركات العالميّة. إنَّ هناك مجموعة من الأسئلة التي يجب أن يأخذها مديرو الشركات بالحسبان عند اتخاذ خطوة الدخول إلى الأسواق العالمية، ومن هذه الأسئلة: ما هي العملة التي ينبغي استخدامها لشراء المخزون؟ وما هي العملة التي ينبغي استخدامها لبيع المخزون؟ كيف تقلِّل خيارات البيع والشراء للأسهم من تقلبات أسعار العملات؟ هل سيؤدِّي فرض تكاليف إضافية إلى تغطية الخسارة المحتملة؟ على سبيل المثال، تُعدُّ شركة (تاتا) للخدمات الاستشارية (Tata Consultancy Services) أكبر مُصدِّر للخدمات البرمجية في الهند، وعندما أعلنت هذه الشركة عن نتائج أرباح الربع الأول للعام 2017 والتي كانت أقل من التوقُّعات، أُلقي جزء كبير من اللوم على تقلبات أسعار العملات؛ إذ أدَّت إلى انخفاض الربحية بمقدار 80 نقطة أساس (basis points). لقد أصبحت المعاملات المالية، بما فيها المعاملات المالية العالمية، منذ عام 2009 أكثر تعقيدًا؛ فقد ظهرت العملة الرقمية التي تُدعى البيتكوين (Bitcoin) في ذلك العام من مصدر غير معروف يُطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو (Satoshi Nakamoto). تعتمد عملة البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية المشفَّرة على تقنية البلوك تشين (والتي تُعرف أيضًا بسلسلة الكتل)، وما زال مستقبلها غير معروف في مجال التبادل والتمويل. إنَّ آلية عمل تقنية البلوك تشين ومجالاتها التطبيقية معقَّدة إلى حدٍّ ما، ولكن يُمكن الإلمام بالآثار التي قد تترتَّب عليها دون الاضطرار إلى فهمها. في الواقع، تُعرَّف البيتكوين بأنَّها: «نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ الند للند ويعتمد مبدأ تقنية السجل الموزّع (تقنية دفتر الأستاذ الموزع distributed ledger) لتخطي أنظمة الرقابة المركزية على المعاملات». بما أنَّ العملات الرقمية تعتمد على مبدأ الند للند، فإنَّها تتجاوز القنوات الوسيطة المعتادة، مثل: البنوك وشركات بطاقات الائتمان، وهذا يُقلِّل من تكاليف المعاملات لكلٍّ من المشتري والبائع. لا يقتصر مجال تطبيق تقنية البلوك تشين على العملات الرقمية فقط؛ بل تتيح هذه التقنية أيضًا للشركات جمع الأموال مباشرةً من المستثمرين دون الحاجة للتعامل مع البنوك الاستثمارية وأصحاب رأس المال المخاطر. وفقًا لما نُشر على الموقع الإلكتروني لصحيفة فاينانشيال بوست (Financial Post)، فإنَّ مستويات التشفير العالية تحمي المعاملات المالية عن طريق التحقُّق من صحة أطراف المعاملة وتمنع اختراق البيانات أو محوها أو تعديلها. تَستخدِم البيتكوين تقنية البلوك تشين للاحتفاظ بسجل العمليات التي تحدث عبر نظام العملة الخاص بها، ولكن يجب إدراك أنَّ تقنية البلوك تشين في حد ذاتها ليست سببًا لتقلبات أسعار عملة البيتكوين التي شهدت ارتفاعًا (وانخفاضًا) هائلًا؛ فالأسباب الحقيقية لهذه التقلبات الهائلة هي عمليات تبادل عملة البيتكوين غير الواضحة، بالإضافة إلى حدوث تغييرات على التنظيمات المعمول بها نتيجةً لرغبة الحكومات في فرض قيود على وسائل التبادل. لكن على الرغم من تقلب العملات الجديدة، فإنَّ تقنية البلوك تشين أصبحت تُستخدم في تطبيقات أخرى مستقرة نسبيًا. على سبيل المثال، استخدمت إيزابيل كوك (Isabel Cooke) التي تعمل في شركة باركليز (Barclays) تقنية البلوك تشين (التي تُعرف أيضًا بتقنية دفتر الأستاذ الموزع)، من أجل إجراء معاملة تمويل تجاري حقيقية، ووصفت هذه التجربة قائلةً: ميزة إجراء الأعمال باستخدام تقنية دفتر الأستاذ العام (غير القابل للتعديل)، ميزتها هي توفير مسار تدقيق شديد الوضوح في المؤسسات، سواء فيما يتعلَّق بمعاملات تسجيل الأراضي أو بالتمويل التجاري. الفكرة الأساسية هي أنَّه إذا كان بإمكان جميع الأطراف المعنية مشاهدة نفس البيانات على دفتر الأستاذ العام، فإنَّ هذا النظام يُصبح موثوقًا، ويمكن استخدامه في تطبيقات أخرى، مثل: مقايضات أسعار الفائدة أو العقود الذكية في البنوك الاستثمارية. حسنًا، هل سوف تُصبح تقنية البلوك تشين والعملات الرقمية المشفرة التوجُّه السائد في المستقبل أم أنَّها مجرد فقاعة مالية عابرة أو أنَّها في الواقع تهديد للأمن المالي العالمي؟ يُشير بعض المؤلفين في هذا المجال إلى أنَّ لامركزية التقنية وانخفاض تكاليفها سيُحوّلانها إلى ضرورةٍ مستقبليّة، وأنَّ ذلك سيؤدِّي إلى استخدامها في المزيد من المجالات. من المثير للاهتمام أنَّه حتى الحكومات والبنوك المركزية بصدد دراسة الفوائد التي قد تترتَّب على استخدام العملات الرقمية وما يُصاحبها من وفورات في التكاليف. على سبيل المثال، يظنُّ أليكس تابسكوت (Alex Tapscott)، الذي يعمل في إحدى المؤسسات الاستثمارية، أنَّ الناتج المحلي الإجمالي البريطاني سيرتفع بمقدار 3% إذا استبدل بنك إنجلترا 30% من العملة البريطانية التقليدية بالعملات الرقمية؛ فمن المتوقع أن يؤدِّي استخدام العملة الرقمية إلى خفض أسعار المستهلك وزيادة أرباح البائعين، وستحمي تقنية التشفير من حدوث أيَّ تزوير أو احتيال أو تلاعب. في الوضع المثالي قد يحدّ التبادل باستخدام عملة عالمية، مثل العملات الرقمية القائمة على تقنية البلوك تشين، من تقلبات أسعار العملات، ولكن الواقع عكس ذلك؛ فالتقلُّبات الهائلة في قيمة العملات الرقمية المشفرة يدلُّ على أنَّ تقنية البلوك تشين ما زال أمامها الكثير لكي تصل إلى حالة الاستقرار، والذي قد لا يحدث إطلاقًا. ترجمة -وبتصرف- للفصلين Management by Objectives: A Planning and Control Technique وThe Control- and Involvement-Oriented Approaches to Planning and Controlling من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: إدارة التكنولوجيا والابتكار في المؤسسات المقال السابق: تأثير التخطيط والرقابة على الموظفين
  5. لا شكّ أنَّ المديرين يرغبون في أن يعمل موظفوهم بجد، ولكن من المهم إدراك أنَّ بذل الجهود لا يكفي لوحده؛ بل يجب أن تكون جهودهم موجهة نحو تحقيق الهدف المناسب وأن تُنفَّذ المخططات بطريقة صحيحة. التساؤل الذي سوف نتناوله في هذا المقال هو: هل يؤثِّر التخطيط وصياغة الأهداف وتحديد مسار العمل تأثيرًا إيجابيًا في دافعية الموظفين وأدائهم ورضاهم الوظيفي؟ table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } سوف نستند في إجابتنا عن التساؤل السابق إلى نظرية الهدف (goal theory). تقدِّم لنا الدراسات صورة واضحة وجلية لما ينتج عن تحديد الأهداف من تأثيرات على أعضاء المؤسسة. تُشير نظرية الهدف إلى أنَّ هناك أنواعًا معينة من الأهداف تُحفِّز الموظفين، ومن ثمَّ تؤثِّر على مستوى أدائهم، وتُعدُّ هذه النظرية -على الرغم من محدوديذة مجالات تطبيقها- نظرية التحفيز الأكثر تلقيًا للدعم من قبل المؤسسات. سوف تتعرَّف فيما يلي على الآثار المترتبة على وضع الأهداف؛ كونها جزءًا أساسيًا من عملية التخطيط ومعيارًا للرقابة على دافعية الموظفين وأدائهم. هناك بعض الخصائص التي يجب أن تتصف بها الأهداف لكي تكون فعَّالة، إذ يجب أن تكون الأهداف الفعَّالة مُتحدّية ومحدَّدة وتحظى بتقبُّل الموظف المعني بها وأن تُنفَّذ تحت إشراف المديرين. غالبًا ما يعمل أصحاب المصانع على تحفيز الموظفين بواسطة أهداف الإنتاج. خصائص الأهداف التي تحفِّز الإنتاجيّة تُسلِّط نظرية الهدف (والدراسات المتعلّقة بها) الضوء على العديد من الخصائص المهمة للأهداف التي تُعزِّز من أداء الأفراد، هذه الخصائص هي: صعوبة الهدف ووضوح الهدف وتقبُّل الهدف والالتزام بالهدف والتغذية الراجعة للهدف. يوضِّح الشكل التالي أنَّ أداء الموظفين الذين لديهم أهداف، ولو كانت عامّة جدًا، غالبًا ما يكون أفضل من أداء الموظفين الذين ليس لديهم أي هدف في عملهم. لكن على الرغم من ذلك، فإنَّ بعض الأهداف تكون أكثر فعالية من غيرها، وهناك ميزتان أساسيتان للأهداف التي تُحسِّن دافعية الموظفين، وهما: وضوح الهدف وصعوبة الهدف. إذا نظرنا إلى الهدفين التاليين: «يجب على الموظف تحسين أدائه» أو «يجب على الموظف بذل قصارى جهده»، فسوف نجد أنَّ وضوح الهدف (الميزة الأولى) لا ينطبق عليهما، ومن ثمَّ فإنَّهما ليسا هدفان فعَّالان لأنَّهما عامَّان للغاية ولا يوجّهان الفرد إلى كيفية الوصول إلى النتيجة المرغوبة. على سبيل المثال، لاحظت شركة ويرهاوزر (Weyerhaeuser) أنَّ مستوى أداء سائقي الشاحنات الذين ينقلون جذوع الأشجار ازداد كثيرًا عندما كان الهدف المطلوب منهم هو تعبئة شاحناتهم بحوالي 94% من الوزن القانوني المسموح للحمولة، بدلًا من أن يكون «بذل قصارى جهدهم». لقد شعر السائقون أنَّ الهدف المحدَّد والواضح يُحفِّزهم على الأداء، وغالبًا ما تنافسوا مع بعضهم بعضًا في تحقيق الهدف المحدَّد، وقد قدَّرت شركة (ويرهاوزر) ما وفَّرته خلال الأشهر التسعة الأولى التي تلت تحديد ذلك الهدف بحوالي 250 ألف دولار. تأثيرات تحديد الأهداف على أداء الأفراد (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) السمة الثانية للهدف الفعَّال هي صعوبة الهدف. غالبًا ما يكون أداء الأفراد الذين لديهم أهداف صعبة أفضل من أداء الأفراد الذين لديهم أهداف سهلة (كما هو موضَّح في الشكل السابق)، ولكن إذا كانت الأهداف شديدة الصعوبة أو شبه مستحيلة، فإنَّها ستفقد فاعليتها في تحفيز الأفراد على الأداء وقد تؤدي إلى سلوك انعكاسي سلبي لدى الفرد. إنَّ أفضل الأهداف هي التي تكون واضحة وصعبة في الوقت نفسه، ولذلك تتحسَّن فعالية التخطيط والأداء التنظيمي عند صياغة أهداف واضحة وصعبة مع توفير المكافآت المناسبة للعمل، وتصبح المؤسسة في وضع أفضل من الوضع الذي يُمكن أن تكون عليه لو اختارت العمل بدون وجود هدف، أو لو كان هدفها هو «بذل قصارى الجهد». لكن هناك حقيقة مهمة يجب الانتباه إليها، وهي أنَّ الهدف حتى لو كان صعبًا وواضحًا، فإنَّه لن يكون فعَّالًا ما لم يتقبَّله الشخص الذي سوف يعمل على تحقيقه. يُشير تقبُّل الهدف إلى مستوى قبول الأفراد للهدف وشعورهم بأنَّه أحد أهدافهم الخاصة (مثل قول الموظّف: أجل أنا أرى أيضًا أنَّه يجب إتمام العمل على هذا التقرير قبل الساعة 5 مساءً). في المقابل، يُعدُّ الالتزام بالهدف أشمل من مجرد تقبُّل الهدف، ويشير إلى مستوى ارتباطنا بالهدف أو تصميمنا على تحقيقه (مثل: أريد أن أنجز هذا التقرير في الوقت المحدَّد). لا تؤدِّي الأهداف في بعض الأحيان إلى تحفيز الأفراد، وذلك عندما يُسند المديرون تلك الأهداف للموظفين دون التأكُّد من تقبُّل الموظفين لها أو التزامهم بها. يُلخِّص الشكل التالي الظروف التي تؤدِّي إلى زيادة الجهد المبذول لتحقيق الهدف (زيادة مستوى الدافعية)، والتي تُسهم في نهاية المطاف في تحسُّن الأداء. أمَّا الشكل الذي يليه، فهو يُلخِّص مجموعات العوامل الثلاث التي تُسهم في الالتزام بالهدف. نموذج لوضع الأهداف عوامل الالتزام بالهدف تُعدُّ التغذية الراجعة للهدف خاصية مهمة من خصائص الأهداف الفعَّالة؛ فهي تقدِّم لنا معلومات عن نتائج جهودنا. يمكن الحصول على هذه المعلومات من مصادر متنوعة، مثل: المشرفين والزملاء والمرؤوسين والزبائن وأنظمة مراقبة الأداء التقليدية والتقييمات الذاتية، وأيًا كان مصدر هذه المعلومات، فإنَّ للتغذية الراجعة الجيِّدة فائدتين مهمتين، هما: تُخبر الموظفين ما إذا كانوا على المسار الصحيح باتجاه الهدف أو ما إذا كانوا بحاجة إلى تصحيح المسار. تجعل الموظفين يُدركون ما إذا كان مستوى الجهد الذي يبذلونه كافيًا أم غير كافٍ. سلبيات تحديد الأهداف على الرغم من إيجابيّات وفوائد تحديد الأهداف، إلَّا أنَّ هناك بعض السلبيات المصاحبة لذلك أيضًا. يُحذِّر (ويليام ديمنج)، رائد إدارة الجودة الشاملة، من أنَّ تحديد الأهداف قد يؤدِّي إلى تضييق رؤية الفرد الذي سيعمل على إنجازها ويحدُّ من قدراته الإبداعيّة، وقد يدفع الأفراد إلى التراخي بعد تحقيق الهدف. في الواقع، تُركِّز إدارة الجودة الشاملة على طريقة العمل (الوسائل) أكثر من تركيزها على النجاح في تحقيق الأهداف (النتائج). يُعدُّ التعلُّم التنظيمي والتحسين المستمر عنصرين أساسيين في إدارة الجودة الشاملة، وهما يُركِّزان على اكتشاف المشكلات التي قد تعرقل عملية الإنتاج من أجل التخلُّص منها؛ الأمر الذي سينعكس إيجابًا على الأداء. في المقابل، عادةً ما تُوجِّه أهداف العمل وتقودُ اهتمامَ الفرد، الذي سيعمل على إنجاز الأهداف، نحو النجاح في تحقيق مستوى معين من الأداء في وقتٍ معين في المستقبل. تكشف الدلائل أيضًا عن بعض السلبيات المصاحبة لالتزام الموظفين بأهداف صعبة؛ إذ غالبًا ما تقل مشاركة أفراد المؤسسة في مبادرات تصبُّ في مصلحة المؤسسة عندما يكون لديهم التزام شديد على العمل من أجل تحقيق الأهداف الصعبة المُناطة بهم، وتؤثِّر هذه العلاقة العكسية تأثيرًا سلبيًا على المؤسسات التي تعمل في البيئات التي تتسم بالتغيّرات السريعة وعدم الاستقرار والتنافس والغموض؛ مما يجعل نظام عمل هذه المؤسسات هش وضعيف المرونة تجاه مُتغيّرات وطوارئ العمل الخارجيّة. إنَّ شعور الموظفين بالالتزام والانتماء للمؤسسة التي يعملون فيها هو الذي يدفعهم إلى المبادرة بتنفيذ أعمال تُسهم في نجاح المؤسسة وازدهارها، على الرغم من أنَّ توصيفات وطبيعة وظائفهم لا تتطلّب أو تستوجب عليهم ذلك العبء. هناك العديد من الآثار السلبية الأخرى التي ترتبط بتحديد الأهداف، منها: قد تُصبح الأساليب والوسائل التي وُضعت لتحقيق أهداف المؤسسة هي الهدف في حد ذاتها. قد تتعارض أهداف المؤسسة مع الأهداف الشخصية أو المجتمعية. قد تحدُّ الأهداف الدقيقة جدًّا من الإبداع والابتكار. قد تؤدِّي الأهداف الغامضة إلى عدم وضوح الوجهة. غالبًا ما يكون هناك تناقض بين الأهداف والمكافآت. على سبيل المثال، غالبًا ما تُشجِّع الجامعات أعضاء هيئة التدريس على أن يُصبحوا مدرِّسين أفضل، في حين أنَّ أنظمة المكافآت الخاصة بهذه الجامعات تُركِّز في الأساس على تعزيز إجراء البحوث الجيِّدة ولا تتطرّق إلى مكافئة أسلوب التعليم أو فعاليّته. العلاقة بين تحديد الأهداف والرضا الوظيفي يُقال أنَّ تحديد الأهداف يُعزِّز الرضا الوظيفي، ولكنَّ ذلك ليس صحيحًا تمامًا؛ فالعلاقة بين تحديد الأهداف والتخطيط والرضا الوظيفي أكثر تعقيدًا. إنَّ تحديد الأهداف، الذي يُعدُّ جزءًا من عملية التخطيط، لا يؤثِّر على الرضا الوظيفي بطريقة مباشرة؛ بل يؤثِّر عليه بناءً على مستوى أداء الموظف ومستوى طموحه، وهذا يعني أنَّ الرضا الوظيفي يعتمد كثيرًا على مستوى الأداء وليس على الأهداف المحدَّدة بذاتها. في الواقع ما يُحدِّد استجابة الموظف الشعورية للأداء ليس مستوى الأداء بحدِّ ذاته، ولكن ما يُحدِّدها هو مستوى الأداء مقارنةً بمستوى طموح الموظف، ولذلك ينشأ الرضا الوظيفي عن تقدير الموظف لأدائه الفعلي بمقارنته بمستوى طموحه (أو الأداء الذي يهدف إلى تحقيقه). يوضِّح الشكل التالي أنَّه عندما يصل أداء الموظف إلى المستوى المطلوب أو يفوقه، فمن المتوقَّع أن يشعر الموظف بشعور إيجابي (الرضا الوظيفي). في المقابل، عندما لا يرقَ الأداء إلى الطموحات، فإنَّ ذلك يُنتج شعورًا سلبيًا (عدم الرضا الوظيفي). بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الموظف يسعى إلى تحقيق أداء عالٍ من أجل الحصول على المكافآت الخارجية المرتبطة بالأداء، فإنَّ تحقيق الأداء العالي لن يؤدِّي إلى شعور الموظف بالرضا الوظيفي إلَّا إذا نتج عن ذلك حصوله على تلك المكافآت القيِّمة. نسنتج ممَّا سبق أنَّ تحديد الأهداف يرتبط ارتباطًا غير مباشر بالرضا الوظيفي؛ فإذا ساهم تحديد الأهداف في وصول الموظفين إلى مستويات الأداء التي يطمحون إليها أو تحقيق النتائج المرتبطة بهذا الأداء، فمن المتوقَّع أن ينتج عن ذلك شعورهم بالرضا الوظيفي. العلاقة بين الأداء ومستوى الطموح والرضا الوظيفي (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) إدارة الموظفين عن طريق تحديد الأهداف ما الذي يستطيع المديرون فعله من أجل تحفيز الموظفين عن طريق تحديد الأهداف؟ من المهم في البداية أن يُشجِّع المديرون أفراد المؤسسة على تقبُّل الأهداف التي تُسند إليهم والالتزام بها، ويمكن ذلك من خلال إشراكهم في وضع هذه الأهداف الصعبة والتي يجب أن تكون واضحة ومعقولة، والتأكُّد من أنَّهم يرونها معقولة وغير مستحيلة، بالإضافة إلى توفير التدريبات وكل أشكال الدعم اللازمة لتسهيل تحقيق تلك الأهداف إذا لزم الأمر، وتقديم الملاحظات والتغذية الراجعة التي تتيح للأفراد معرفة ما إذا كانوا على المسار الصحيح نحو تحقيق ذلك الهدف، وتجنُّب استخدام التهديدات أو العقوبات. تجدر الإشارة إلى أنَّ التغذية الراجعة السلبية التي تتضمَّن انتقادات للأفراد دون تقديم أية أفكار حول كيفية تحسين أدائهم غالبًا ما تكون مُحبِطة وغير فعَّالة. إنَّ من القضايا التي نبَّه إليها (ديمنج) هي أنَّ تحديد الأهداف قد ينشأ عنه شعور الخوف لدى الموظفين؛ الخوف من الفشل في تحقيق الأهداف، ويرى ديمنج أنَّ الخوف بمثابة مرض خطير يؤدِّي إلى ضعف أداء المؤسسة، ولذلك ينبغي حث الموظفين على التخلُّص من هذا الخوف وتشجيعهم على تبنِّي نظرة إيجابية تجاه النجاح لكي يكونوا أكثر فاعلية. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان يتوجَّب على المديرين تقديم تغذية راجعة سلبية للموظفين من أجل تصحيح الأخطاء، فيجب أن تكون انتقاداتهم للموظفين بنَّاءة وموضوعية وذات مصداقية، وألا تأخذ طابعًا شخصيًّا أو فرديًّا، ومن المهم أن يتذكَّروا دائمًا أنَّه ليست هناك أية فائدة من التغذية الراجعة التي تقتصر على تقديم الانتقادات ولا تقدِّم أية أفكار حول كيفية إجراء التصحيحات اللازمة. أخيرًا، ينبغي أن يضع المديرون في الحسبان أنَّ تقبُّل الهدف يحدث قبل أن يبدأ الموظفون في العمل على المهمة المطلوبة منهم، وأنَّه يمكن تشجيعهم على تقبُّل الهدف من خلال تقديم الوعود لهم بأنَّهم سوف يحصلون على مكافآت ودعمٍ كافيَيْن، وأنَّه يُمكن تعزيز ودعم التزامهم بالهدف أثناء فترة تأديتهم له من خلال مدّهم بالإمكانيات اللازمة ومكافأتهم على تقدُّمهم نحو تحقيق الهدف. يستطيع المديرون أيضًا أن يضعوا مجموعة من القواعد التي تُسهم في التزام الموظفين بالأهداف، وأن يستخدموا سلطتهم الشرعية لتشجيع الموظفين على تحديد أهداف واضحة وصعبة، وأن يُحفِّزوا الموظفين على الشعور بأنَّ أهداف المؤسسة ما هي إلَّا جزء من أهدافهم الخاصة، ومن ثمَّ تحفيزهم على تقبُّل الأهداف والالتزام بها. إنَّ هناك من يرى أنَّه يمكن تعزيز تقبُّل الموظفين للأهداف والتزامهم بها إذا شعروا أنَّهم أفراد عائلة واحدة يعملون معًا لتحقيق أهداف مشتركة تُثبت جدارتهم ويُكافئون عليها في الوقت نفسه. الرقابة في المؤسسات اكتشفت إدارة شرطة مدينة (دولوث) التي تقع في ولاية (مينيسوتا) الأمريكية قبل بضع سنوات أنَّها تعاني من تدنّي الروح المعنوية لدى موظّفيها؛ فبعد انقضاء فصل الصيف تبيَّن أنَّها سمحت لموظفيها بالحصول على الكثير من الإجازات ولكن الثمن كان كمًّا كبيرًا من المهام الصيفية التي من المفترض أن يُنفِّذها القسم، ولذلك ارتأت إدارة قسم الشرطة أنَّ عليها تقليل الإجازات المسموح بها عند وضع خطتها للصيف المقبل، ولكنَّها سُرعان ما علمت أنَّ الطلب على الإجازات الصيفية سوف يكون أكثر ممَّا كان عليه في الصيف السابق. لقد كان من الواضح أنَّ اتخاذ ذلك الإجراء سيؤدِّي إلى نشوء نزاع "حتمي" بين إدارة القسم ونقابة الشرطة. قرَّرت إدارة القسم بعد ذلك استخدام التفكير الإبداعي لحل المشكلة، وبزغت خلال هذه العملية فكرة التحويل من نظام الأسبوع المكوَّن من سبعة أيام إلى نظام الأسبوع المكوَّن من ثمانية أيام. لقد كان ضباط الشرطة بموجب جدول العمل القديم يعملون خمسة أيام في الأسبوع لمدة ثماني ساعات في اليوم الواحد؛ أي أنَّهم يعملون 40 ساعة أسبوعيًا، ويحصلون على يومي إجازة خلال الأسبوع. في المقابل، سيعمل الضباط بموجب جدول العمل الجديد لمدة 12 ساعة في اليوم الواحد وبمجموع 48 ساعة في الأسبوع، ويقتضي نظام العمل الجديد أن يعمل الضباط أربعة أيام، ثمَّ يحصلون بعدها على أربعة أيام إجازة، وهكذا. في الواقع، يُتيح النظام الجديد للضباط قضاء نصف فترة الصيف القادم في إجازة دون أن يطلبوا الحصول على أي يوم إجازة. لقد وافق كل من نقابة الشرطة ومجلس المدينة على هذه الخطة الجديدة، وقد وضعت إدارة القسم بعد حصولها على الموافقة خطةً لمراقبة فعالية حطّة العمل الجديدة، وجمعت أيضًا بيانات أساسية يُمكن بواسطتها مقارنة نتائج تطبيق جدول العمل الجديد بنتائج تطبيق جداول العمل القديمة عند إجراء عملية التقييم. بدأ تنفيذ جدول العمل المضغوط الجديد في شهر يناير، وترافق ذلك مع تطبيق نظام رقابة مناسب لمتابعة فعالية هذا الجدول الجديد. لقد كانت إدارة القسم شديدة الاهتمام بمعرفة تأثير جدول العمل الجديد على مستويات الإجهاد والرضا الوظيفي والفعالية الإجمالية لقسم الشرطة؛ أي تحديد ما إذا كان يوم العمل المكوَّن من 12 ساعة سيؤثِّر سلبيًا على الأداء، ولذلك راقبت إدارة القسم خلال العامين التاليين النتائج التي ترتَّبت على تنفيذ جدول العمل الجديد. لقد تبيَّن أنَّ الجدول الجديد أدَّى إلى العديد من النتائج الإيجابية؛ إذ انخفضت مستويات الإجهاد بالتزامن مع زيادة ساعات العمل والرضا عن أوقات الراحة الطويلة، ولم تكن هناك أية آثار سلبية على الأداء. في الوقت الحاضر، وبعد عدة سنوات من تنفيذ الجدول الجديد، يبدو أنَّه لا توجد أي رغبة في العودة إلى جدول العمل التقليدي القديم. تتداخل أنشطة التخطيط وأنشطة الرقابة تداخلًا معقَّدًا؛ إذ يجب تصميم وتنفيذ نظام لمراقبة فعالية الخطط المهمة أو الجوهريّة في سير عمل المؤسسة. سوف نبيِّن في سياق مقالنا هذا طبيعة عملية الرقابة وآثارها على المؤسسة وأفراد المؤسسة. عملية الرقابة الرقابة هي أحد الأنشطة الإدارية الأساسيّة، وتُعرَّف بأنَّها عملية مراقبة فعالية المؤسسة وتقييمها واتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على مستوى الفعالية المُراد أو تحسينه. تتضمَّن مهام المديرين المسؤولين عن الرقابة: الملاحظة والتقييم، بالإضافة إلى اقتراح الإجراءات التصحيحية عند الحاجة. تُعدُّ الرقابة نشاطًا معقَّدًا يُنفَّذ ضمن عدة مستويات إدارية في المؤسسة، شأنُّها شأن الأنشطة الإدارية الأخرى والتي تضمُّ التخطيط والتنظيم والتوجيه. على سبيل المثال، يُراقِب المديرون الذين يعملون في مستوى الإدارة العليا الخطط الاستراتيجية الشاملة الخاصة بمؤسساتهم، والتي لا يمُكن تنفيذها إلَّا إذا كان المديرون الذين يعملون في مستوى الإدارة الوسطى بدورهم يُراقبون خطط الأقسام والوحدات المختلفة في المؤسسة، وترتكز الأخيرة من جانبها على مراقبة المديرين الذين يعملون في مستوى الإدارة الدنيا للموظفين جماعاتٍ وأفرادًا. (راجع التسلسل الهرمي للأهداف الذي تطرقنا إليه سابقًا في مقالاتنا لهذا الباب.) حاجة المؤسسات إلى الرقابة على الرغم من الحاجة المُتزايدة إلى الرقابة في المؤسسات، إلا أنَّ أهمية الرقابة ومقدار الحاجة إليها وأنماطها تختلف باختلاف ظروف المؤسسة نفسها. إنَّ أهم ما يؤثِّر على طبيعة أنظمة الرقابة الخاصة بالمؤسسات هو مقدار تغيُّر بيئة العمل وتعقيدها. غالبًا ما تكون الحاجة إلى التغيير قليلة جدًا في المؤسسات التي تعمل في ظل بيئات عمل تتسم بالاستقرار النسبي، لذلك يتمكَّن مديرو هذه المؤسسات من مراقبة مؤسساتهم بواسطة مجموعة من الإجراءات الروتينية. لكن عندما تكثُر التغيُّرات التي تحدث في بيئة العمل وما يُصاحب ذلك من عدم اليقين والغموض، فإنَّه يتوجَّب على المديرين في هذه الحالة إيلاء اهتمام دائم بعملية الرقابة، كما أنَّ الإجراءات الروتينية وأنظمة الرقابة الصارمة لا تصلُح في مثل هذه الظروف. يؤثِّر تعقيد بيئة العمل أيضًا على طبيعة أنظمة الرقابة. تحتوي بيئات العمل البسيطة على عدد محدود من عناصر العمل (المُتشابهة عادةً) والتي يكون من السهل إلى حدٍّ ما مراقبتها بواسطة مجموعة موحَّدة من القواعد والإجراءات. على سبيل المثال، يمكن استخدام نظام الرقابة البيروقراطية نفسه في معظم المكاتب الفرعية التابعة لواحدٍ من البنوك الكبرى. لكن عندما يتزايد تعقيد بيئة العمل بسبب نمو المؤسسة أو تنوُّع منتجاتها أو ما إلى ذلك، تشتدُّ حاجة المديرين إلى معرفة آخر المستجدات في سوق العمل وإلى التنسيق بين أنشطة المؤسسة المتنوعة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ التعقيد -الذي يقتضي زيادة في الرقابة- يتطلَّب أيضًا وجود أنظمة مفتوحة وهياكل تنظيمية عضوية يُمكنها الاستجابة لبيئات العمل المعقَّدة بسرعة وبفعالية. غالبًا ما تُحدِّد المؤسسات التي تعمل في ظل ظروف معقَّدة هدفًا وسيطًا (means goal) وهو تطوير أنظمة مرنة: «لكي نتمكَّن من إدارة التعقيدات في مؤسستنا، يجب أن نبقى مرنين ومنفتحين.»، ويؤدِّي ذلك إلى نقل محور اهتمام أنشطة الرقابة إلى متابعة تحقيق الأهداف النهائية، مثل: «نريد زيادة حصة كل قسم من أقسامنا في السوق بنسبة 10%». تُتيح صفة المرونة للمؤسسات الكثير من الخيارات المتعلِّقة بكيفية تحقيق الأهداف النهائية، إذ يُحدِّد كل قسم الطريقة التي تُناسبه لتحقيق الهدف النهائي. يُوضِّح الشكل التالي مقدار الرقابة الذي تحتاجه المؤسسات في ظل ظروف بيئات العمل المختلفة. الحاجة إلى الرقابة (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) نموذج لخطوات عملية الرقابة تؤثِّر الرقابة بطبيعتها على كل جزء من أجزاء المؤسسة، ومن الأمثلة على بعض الأمور الرئيسية التي تُفرض عليها الرقابة في المؤسسة: الموارد التي تحصل عليها، والمخرجات التي تتنج عنها، وعلاقاتها ببيئات العمل، وعملياتها التنظيمية، وجميع الأنشطة الإدارية. بالإضافة إلى ذلك، من الأمور الأساسية التي يجب مراقبتها أيضًا ضمن بيئة المؤسسة: عمليات التشغيل والمحاسبة والتسويق والتمويل وإدارة الموارد البشرية. تقترح نماذج الرقابة التقليدية أربعَ خطواتٍ لعمليّة الرقابة (انظر الشكل التالي). نموذج الرقابة التقليدية (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) تحديد المعايير: المعايير هي الأهداف الوسيطة والنهائية التي حُدِّدت أثناء عملية التخطيط؛ وهذا يعني أنَّ عمليتي التخطيط والرقابة متداخلتان بطريقة معقَّدة في هذه المرحلة؛ إذ يشكِّل التخطيط الأساس لعملية الرقابة من خلال توفير معايير الأداء التي يُقارن المديرون بها أنشطة المؤسسة، كما أنَّ المعلومات الناتجة عن عملية الرقابة تُعدُّ مدخلات مهمة لعملية التخطيط التالية. مراقبة السلوك الجاري في المؤسسة ورصد النتائج: بعد تحديد الأمور التي ينبغي ملاحظتها وضبطها، ومن سيكون مسؤولًا عن تنفيذ عمليّة الرقابة ومتى وكيف، يفحص المسؤولون ويدرسون ما يحدث فعليًا في المؤسسة. مقارنة السلوك الفعلي والنتائج بالمعايير: وذلك من خلال تقدير الإنجازات الفعليّة للمؤسسة استنادًا إلى الأهداف المُخطَّط لها (ما تحاول المؤسسة تحقيقه) والوسائل المستخدمة (كيف تنوي المؤسسة تنفيذ الأعمال). تزوِّد النتائج الصادرة عن هذه المقارنة المديرين بالمعلومات التي سوف يقيمونها في الخطوة النهائية. التقييم واتخاذ الإجراءات اللازمة: يضع المديرون استنتاجات بشأن العلاقة بين النتائج المتوقَّعة والنتائج الفعلية بالاستفادة من المعلومات الناتجة عن الخطوة السابقة، ثمّ يقرِّرون ما إذا كانوا سيُتابعون وفق النهج الذي بدأوا به في المخطط السابق، أم أن عليهم تغيير المعايير واتّخاذ بعض الإجراءات التصحيحية. الاختلافات بين أنظمة الرقابة على الرغم من أن جميع أنظمة الرقابة الجيدة تنتهج خطوات الرقابة التقليدية السابقة، إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّ جميع أنظمة الرقابة متماثلة؛ إذ تختلف أنظمة الرقابة من حيث درجة إدارتها ذاتيًا (مقابل إدارتها من جهات خارجية)، والمرحلة الزمنية التي تُنفَّذ فيها عند إجراء العمل. الأنظمة السيبرانية وغير السيبرانية تختلف أنظمة الرقابة من حيث مقدار الاهتمام الخارجي الذي تحتاجه لكي تعمل بفعالية، وتنقسم وفق ذلك إلى نوعين اثنين: أنظمة الرقابة السيبرانية وأنظمة الرقابة غير السيبرانية. تعتمد أنظمة الرقابة السيبرانية (cybernetic control systems) على أسلوب التنظيم الذاتي الذي يكشف الانحرافات عن الأنشطة المخطَّط لها وعن معايير الفعالية المطلوبة ويصحِّحها تلقائيًا. في الواقع، إنَّ القليل فقط من أنظمة الرقابة هي أنظمة سيبرانية تمامًا، فمعظمها يعتمد على الأنظمة شبه السيبرانية. على سبيل المثال، يستخدم نظام الرقابة الموجود في محطة توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم التابعة لشركة ديترويت إديسون (Detroit Edison) أجهزة حاسوب لمراقبة تدفق الفحم المطحون إلى غرفة الاحتراق، وتعمل أجهزة الحاسوب على تسريع التدفق أو تقليله حسب الضرورة للحفاظ على وجود قدر كافٍ من الوقود. إنَّ مجرَّد أتمتة نظام العمل لا يعني بالضرورة أن يكون نظام الرقابة الخاص به سيبرانيًا بالكامل. على سبيل المثال، كانت الغواصة التي أُرسلت للبحث عن سفينة تايتانيك الغارقة وتصويرها غواصة مؤتمتة بالكامل، ولكن كان هناك أشخاص على السطح يُراقبون فعالية عمل الغواصة ومدى نجاحها في تطبيقها للمهمة المخطَّط لها. يجب أن يتضمَّن نظام العمل إمكانيات للرقابة الذاتية حتى نصنِّفه بأنَّه نظام سيبراني، ولا يُشترط أن تكون هذه الإمكانيات آلية أو محوسبة؛ ففريق العمل الذي يُراقِب الأنشطة الخاصة به دون مساعدة خارجية يُشكِّل نظامًا سيبرانيًا. في المقابل، فإنَّ أنظمة الرقابة غير السيبرانية (noncybernetic control systems) هي الأنظمة التي تُنفَّذ باستقلال تام عن أنظمة العمل، وتعتمد على المراقبة الخارجية، على سبيل المثال، تستعين بعض شركات التصنيع بوحدة منفصلة متخصِّصة في ضمان الجودة من أجل مراقبة معايير الجودة والتأكُّد من تطبيقها بدلًا من ترك هذه المهمة لفِرق الإنتاج نفسها. لا تعتمد هذه الأنظمة على التنظيم والرقابة الذاتية، بخلاف أنظمة الرقابة السيبرانية. تقسيمات الرقابة حسب الزمن يمكن للمؤسسات إجراء عملية الرقابة في ثلاث مراحل من العمل: قبل تنفيذ العمل أو أثناءه أو بعده، وفي الواقع العملي يستخدم معظم المديرين نظام رقابة هجين يدمج عملية الرقابة في كل مراحل العمل لكي يتمكَّنوا من الاستعداد للعمل، وتوجيه تقدُّمه، وتقييم نتائجه. يُطبِّق المديرون الرقابة المُسبقة (precontrol) لمنع الانحراف عن خطة العمل المنشودة قبل البدء بالعمل. على سبيل المثال، يفحص بوتش ليدوروفسكي (Butch Ledworowski)، مالك شركة ليل أميريكا لمقاولات البناء (Lil’ America Building Contractors)، جميع مواد البناء للتأكُّد من أنَّها تلبِّي المعايير المطلوبة. يستخدم المديرون الرقابة المتزامنة (concurrent control) لمنع الانحراف عن مسار العمل المخطَّط له أثناء تنفيذ العمل، وهناك نوعان من الرقابة المتزامنة، هما: الرقابة التوجيهية (steering control): هي رقابة متزامنة تفاعلية تحدث بعد الشروع في تنفيذ خطة العمل وقبل الانتهاء منها. على سبيل المثال، يزور (بوتش) جميع مواقع البناء ويُراقب النجارين الذين يعملون لديه ويقدِّم لهم المشورة والتوجيه أثناء عملهم. الرقابة الفاحصة أو التمحيصية (screening control): هي رقابة متزامنة وقائية، ويستخدمها المديرون عند اكتمال إحدى المراحل الأساسيّة في خطّة العمل، من أجل تقييم العمل المُنجز حتى تلك النقطة وتحديد ما إذا كان من المناسب المضي قدمًا وفق الخطّة ذاتها أو في حال وجود ضرورة لإجراءات بعض التعديلات على الخطّة الأساسيّة. إذا كان الأمر كذلك، يتخذ المديرون قرارًا بالانتقال إلى المرحلة التالية. على سبيل المثال، دائمًا ما يتفقَّد (بوتش) أعمال النجارة بعد هيكلة الجدران، ولا يسمح لفنيّ الكهرباء البدء في توصيل الأسلاك عبر هياكل الجدران إلَّا إذا أقرَّ بجودة عمل النجَّارين. يُطبِّق المديرون الرقابة التالية (postaction control) بعد الانتهاء من تنفيذ خطذة العمل والحصول على المنتج أو الخدمة من أجل تفحُّص المُخرجات وتقييمها. على سبيل المثال، بعد كل عملية تجديد أو إعادة تصميم يُقيِّم (بوتش) العمل لتحديد ما إذا كان يُطابق المواصفات، ويتأكد بأن العمل أُنجز وفق الجدول الزمني المُحدّد ، وأنه لم يتجاوز حدود الميزانية الموضوعة مُسبقًا. تُسهم الرقابة البعدية إسهامًا مهمًا في التخطيط للمستقبل، ولكنَّ فائدتها الأساسية هي تقديم التغذية الراجعة عن طريق توضيح مستوى نجاح أنشطة العمل وفق خطة العمل الأساسيّة. خصائص أنظمة الرقابة الفعَّالة تشترك أنظمة الرقابة الناجحة في خصائص معينة. أولى خصائص نظام الرقابة الفعَّال هي أنَّه يتتبّع خطوات نموذج الرقابة الذي وضَّحناه سابقًا ويُتابع مُتابعةً جيّدة جميع الأهداف التنظيمية. الخاصية التالية لنظام الرقابة الفعَّال هي أن يكون هجينًا قدر الإمكان من أجل مراقبة الأنشطة وتصحيحها في جميع مراحل سير العمل في المؤسسة باستخدام أنواع الرقابة الثلاث: المُسبقة والمتزامنة والتالية. من الخصائص الأخرى التي يتميَّز بها نظام الرقابة الفعَّال هي حُسن استغلاله للمعلومات المتوفِّرة، وملاءمته لاحتياجات المؤسسة، وإمكانية تطبيقه، وسنوضِّح هذه الخصائص الثلاث في الفقرات التالية. لا شكَّ أنَّ عملية الرقابة نفسها وجميع أنظمة الرقابة الفعَّالة تعتمد على المُعطيات والمعلومات المُتوفرّة والمُستجدّة؛ فبدون توفُّر المعلومات الجيِّدة، لا يتمكَّن المديرون من تقييم ما إذا تحقَّقت الأهداف النهائية، ولا يتمكَّنون من تحديد العلاقة بين تلك الأهداف أو تقديم التغذية الراجعة الجيِّدة لواضعي الخطط. يجب أن تكون المعلومات دقيقة وموضوعية وأن تتوفَّر في الوقت المناسب وأن تُوفّر للأشخاص المناسبين في الوقت المناسب لكي تكون فعَّالة، لذلك تتأكَّد المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين على نطاق واسع من إمكانية الوصول إلى جميع المعلومات المتعلِّقة بالمؤسسة من قِبل أي موظف يحتاج إليها من أجل اتخاذ قرارات جيِّدة. على سبيل المثال، تتابع شركة أوتيكون (Oticon)، وهي شركة دنماركية متخصِّصة في تصنيع أجهزة تحسين السَّمَع، جميع المعلومات المتبادلة عبرها وتضعها في نظام المعلومات الخاص بها، والذي يستطيع جميع الموظفين الوصول إليه. يظهر في الصورة مبنى شركة أوتيكون (Oticon building)، وهي شركة دنماركية لتصنيع المعينات السمعية. أحد الإجراءات الرقابية التي تتخذها شركة أوتيكون (Oticon) هو متابعة جميع المعلومات المتبادلة عبرها ووضعها في نظام المعلومات الخاص بها، والذي يستطيع جميع الموظفين الوصول إليه. (مصدر الصورة: حساب News Oresund/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) من خصائص نظام الرقابة الجيِّد أيضًا أنَّه يُركِّز على ما هو ضروري للمؤسسة. يُبيِّن الواقع أنَّ المديرين الذين يُراقبون جميع أنشطة العمل ونتائجه يُهدرون الموارد، وقد يؤدِّي نظام الرقابة الذي يتبِّعونه إلى توليد مشاعر وردود فعل سلبية لدى الأفراد في مختلف المستويات الإدارية في المؤسسة. الخاصية الأخيرة لنظام الرقابة الجيِّد هي قابليته للتطبيق؛ إذ لا يجوز استخدام أي نظام يعمل جيِّدًا في مؤسسات أخرى أو يبدو رائعًا على الورق إلَّا إذا كان ملائمًا للتطبيق في المؤسسة المعنيّة. تتضمَّن الأمور التي ينبغي مراعاتها في نظام الرقابة: الجدوى، والمرونة، وتقبُّل أعضاء المؤسسة له، وسهولة دمج النظام مع أنشطة التخطيط. تأثيرات الرقابة على أعضاء المؤسسة لقد أصبحتَ مُدركًا الآن أهمية وظيفة الرقابة. سوف نتناول فيما يلي المنافع التي تجلبها الرقابة للمؤسسة أو أعضاء المؤسسة، إذ إنَّ هناك العديد من التأثيرات الإيجابية لأنظمة الرقابة على كلٍّ من المؤسسات والأفراد الذين يعملون فيها إذا صُمِّمت هذه الأنظمة تصميمًا جيّدًا. لكن من المؤسف أيضًا أنَّ أنظمة الرقابة تؤدِّي في بعض الأحيان إلى عدة آثار سلبية. يُبيِّن الجدول التالي كلًّا من التأثيرات الإيجابية والسلبية للرقابة على أعضاء المؤسسة. تأثيرات الرقابة على أعضاء المؤسسة التأثيرات الإيجابية المُحتملة للرقابة التأثيرات السلبية المُحتملة للرقابة توضيح الأعمال أو النتائج المتوقَّعة استنزاف الموارد تقليل الغموض توليد مشاعر الإحباط والعجز تقديم التغذية الراجعة إضفاء حالة من الروتين في بيئة عمل المؤسسة تسهيل تحديد الأهداف وضع أهداف غير مناسبة تعزيز الرضا الوظيفي تعزيز السلوكيات غير الملائمة تحسين الأداء تقليل الرضا الوظيفي زيادة التغيُّب عن العمل زيادة معدل دوران الموظفين التسبُّب بالتوتر والإجهاد التأثيرات الإيجابية قد تُسهم أنظمة الرقابة المؤسسية في العديد من التأثيرات الإيجابية على دافعية أعضاء المؤسسة وأدائهم ورضاهم، ويحدث ذلك في حالة توفُّر هيكل عمل ملائم وتغذية راجعة مناسبة وبرامج فعَّالة لتحديد الأهداف. عندما يرغب الموظفون في أن يستوضحوا عن طبيعة الأعمال التي يُتوقَّع منهم تأديتها، فإنَّ بإمكان القادة تحسين الأداء والرضا الوظيفي عن طريق تقديم هيكل ومخطط واضح للعمل، إلى جانب تقديم التوجيهات اللازمة عند تطبيق أنظمة الرقابة المُسبقة والمُتزامنة، ويترتَّب على مثل هذه الأمور التأثير إيجابيًا على الموظفين. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ نظام الرقابة الجيِّد يُقلِّل من الغموض، الأمر الذي يعود بالنفع على الموظفين الذين يميلون إلى تجنُّب حالات عدم اليقين أو لا يُحسنون التصرُّف في المواقف التي يكتنفها الغموض وعدم الوضوح. يُقدِّم نظام الرقابة الجيِّد أيضًا تغذية راجعة بنَّاءة للموظفين. يتفاعل معظم الموظفين إيجابيًّا مع التغذية الراجعة الدقيقة المتعلِّقة بفعاليتهم والتي تُقدَّم لهم في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب، إذ تساعدهم التغذية الراجعة على تصحيح سلوكياتهم غير الفعَّالة؛ بل والأهم من ذلك أنَّها تُسهم في تعزيز الرضا الوظيفي، ويتضِّح ذلك من أنَّ الأفراد الذين لديهم رغبة كبيرة في النجاح والإنجاز يشعرون بالسرور عندما يُدركون من خلال التغذية الراجعة أنَّهم على المسار الصحيح للنجاح. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تُحسِّن التغذية الراجعة من الأداء الوظيفي إذا استفاد منها الموظفون واستغلوها في تقويم أهدافهم أو أساليبهم أو مستويات الجهد التي يبذلونها على النحو الملائم. إنَّ كلًّا من الرقابة المتزامنة والرقابة البعدية تُقدِّم تغذية راجعة للموظفين بشأن مدى ملاءمة سلوكياتهم ومدى إسهام أعمالهم التي يؤدّونها في تحقيق نتائج ناجحة. يُسهم نظام الرقابة الجيِّد إسهامًا كبيرًا في تحديد الأهداف المناسبة، ولقد وضَّحنا خلال المقالات السابقة أنَّ تحديد الأهداف هو عامل مهم من عوامل الإدارة الفعَّالة. على سبيل المثال، يفرض نظام الرقابة الذي تُطبِّقه إحدى شركات المبيعات على الموظفين استخدام طريقة محدَّدة للبيع (هدف وسيط) يساعدهم على العمل نحو تحقيق هدف مبيعات محدَّد وصعب (الهدف النهائي). تساعد الرقابة المُسبقة الموظفين على فهم كيفية تحقيق مستوى المبيعات المطلوب من خلال الأهداف الوسيطة، مثل: إجراء مكالمات مبيعات معينة أو تقديم عروض ترويجية خاصة، بمعنى آخر المخطط للوصول إلى الأهداف واضح للأفراد وما عليهم إلا بذل جهد في سلوك هذا المخطط. تقدِّم الرقابة المتزامنة والرقابة التالية تغذية راجعة تساعد الموظفين على مراقبة تقدُّمهم في العمل. يتّضح ممَّا سبق مدى قوة التأثيرات المترتِّبة على تحديد الأهداف المناسبة، إلى جانب التغذية الراجعة التي تبيِّن مستوى التقدُّم نحو تحقيق الأهداف المنشودة. التأثيرات السلبية للأسف ليست جميع أنظمة الرقابة تترك الآثار الإيجابية السابقة؛ فالرقابة الزائدة تهدر المال والجهد. على سبيل المثال، يحتاج دونالد بيمبل (Donald Pemble) إلى ميزانية سفر أكبر لأنَّه يجب عليه فحص الجسور شخصيًا في ظل نظام الرقابة الجديد، ويقضي المفتشون الذين يعملون تحت قيادته أوقات العمل في تسجيل البيانات وكتابة الأرقام والتذمُّر بشأن هذا الوضع غير العادل، في حين كان من الممكن أن يستثمرو ذلك الوقت في تفقُّد الجسور والتحقّق من مراحل بناءها. لا تؤدِّي الرقابة الزائدة إلى إهدار الأموال بسبب فشلها في تعزيز الفعالية فحسب؛ بل يمكن أيضًا أن تؤدِّي إلى مشكلات إضافية. على سبيل المثال، تغيَّر حال (شانون) وزملائها في العمل من كونهم موظفين جيِّدين يُحافظون على دقة السجلات ويُجرون عمليات تفتيش شاملة للجسور إلى موظفين متضايقين يُزوِّرون بيانات السجلات من أجل استدراك برنامج العمل بأي طريقةٍ ممكنة؛ والمشكلة الأكبر التي تترتَّب على ذلك هي أنَّ سائقي السيارات يسافرون وهم مطمئنون عبر الجسور التي قد تكون غير آمنة. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدِّي كثرة الأعمال المكتبية التي تقتضيها الرقابة الزائدة إلى شعور الموظفين بالإحباط والعجز. على سبيل المثال، تّهدُر الإجراءات الروتينية التي تفرضها أنظمة الرقابة في العديد من الجامعات أوقات الطلاب؛ إذ تضطرهم إلى الوقوف في طوابير لفترات قد تمتد إلى ساعات من أجل انتظار دورهم لدفع رسوم السكن الجامعي، أو شراء تذاكر وجبات الطعام، أو استئجار مواقف للسيارات، أو دفع الرسوم الدراسية، أو التسجيل للفصول الدراسية، وينعكس انزعاج الطلاب واستياؤهم على العديد من موظفي الجامعة الذين يُشكِّكون في كفاءة وعقلانية وذكاء المشرفين الذين يُصرُّون على على التمسُّك بإجراءات الرقابة الزائدة هذه. تؤثِّر أنظمة الرقابة السيئة تأثيرًا سلبيًا على تحديد الأهداف أيضًا. وضَّحنا سابقًا أنَّ نظام الرقابة الجيِّد يُساهم في تحديد أهداف فعَّالة ومتابعتها، ولكنَّ نظام الرقابة السيء يؤدِّي إلى عكس ذلك تمامًا؛ فنظام الرقابة الذي يُركِّز على وسائل وأهداف غير معقولة، أو غير منطقيّة، قد يدفع الموظفين إلى وضع أهداف شخصية غير مناسبة. على سبيل المثال، يُعدُّ الهدف النهائي الذي حدَّده (دونالد بيمبل) والذي ينص على فحص جميع الجسور خلال عامين هدفًا غير ممكنٍ، على الأقل بالإمكانيات التي المُتوفّر لدى الأفراد العاملين، كما أنَّ عمليات الفحص الشهرية (الأهداف الوسيطة) كانت غير قابلة للتحقيق أيضًا. كان تمسُّك (دونالد) بهذه الأهداف غير المعقولة مُبديًا ردود أفعاله المتعنتة عندما فشل المفتشون في تحقيقها، لذلك أصبح الهدف الأساسي لشانون وزملائها في العمل متمركزًا على الاحتفاظ بوظائفهم، بدلًا من الاهتمام بدقة عمليات الفحص وجودتها. بالإضافة إلى التأثير السلبي على تحديد الأهداف كما ذكرنا في الفقرة السابقة، فإنَّ أنظمة الرقابة غير المناسبة قد تُعزِّز أيضًا بعض السلوكيات التي تُقلِّل من الإنتاجية لدى الأفراد، على الرغم من أنَّ تلك السلوكيات قد تكون مناسبة. على سبيل المثال، الكثير من المديرين الذين يُركِّزون على مواظبة الموظفين على الحضور للعمل لا يُعزِّزون السلوكيات الأخرى المرغوبة، مثل الإبداع والتعاون والعمل بروح الفريق، يرى هؤلاء المديرون أنَّ متابعة الحضور أسهل من متابعة مستويات الإبداع، ولكن على الرغم من أنَّ تشجيع الموظفين على الحضور ليس خطأً، إلّا أنَّ نظام الرقابة الذي يُعزِّز الحضور عن طريق فرض عقوبة على التأخير يُؤدِّي إلى جمود الموظفين (الذين يبقون دائمًا في مكان العمل تقريبًا) ويحدّ من إبداعهم. على سبيل المثال، سوف تواجه وكالات الإعلانات التي تثعلّق على حضور الموظفين (إيجابًا أو سلبًا) ولكن لا تُعلّق أو تكافؤ إبداعهم، سوف تواجه عواقب وخيمة عاجلًا أم آجلًا. قد تنشأ بعض المشكلات الأخرى نتيجةَ للتقيُّد الصارم بالأهداف أو المهام المحدودة، حتى عندما تُسهم أنظمة الرقابة في تحديد أهداف مناسبة وتعزيز السلوكيات الملائمة. على سبيل المثال، قد تؤدِّي كثرة الأهداف المحدَّدة والدقيقة إلى الحد من الإبداع؛ فالوقت الطويل الذي يجب أن يقضيه أعضاء المؤسسة من أجل تحقيق الأهداف المحدَّدة لن يُتيح لهم سوى القليل من الوقت أو الجهد للإبداع. لا تحدّ هذه المشكلة من الإبداع فحسب؛ بل إنَّ كل دقيقة تُقضى في تسجيل الحضور في الفصل الدراسي تستهلك دقيقة من الوقت المتاح للتدريس، وكل ساعة يقضيها ضابط الشرطة في إنجاز الأعمال المكتبية تستهلك ساعة من الوقت المتاح للخدمات العامة. ما نستخلصه ممَّا سبق هو أنَّه يتوجَّب على المديرين الاقتصار على تحديد الأهداف الضرورية فقط ومراقبة التزام الأفراد بها. الحاجة إلى السيطرة الشخصية لا خلاف إطلاقًا على أنَّ المؤسسات بحاجة إلى الرقابة على أعضائها وعملياتها، ولكنَّ الأفراد في الوقت نفسه بحاجة إلى أن يكون لديهم قدرٌ من السيطرة الشخصيّة (حاجة إلى الإيمان بأنَّهم قادرون على إحداث تغيير إيجابي على بيئة العمل). أحيانًا تتسبَّب الهياكل التنظيمية والعمليات الإدارية التي تجري داخل المؤسسة في شعور الأفراد بأنَّهم لا يتمتَّعون إلَّا بقدر قليل جدًّا من السيطرة الشخصية، او أنهم مراقبون على الدوام ولا ثقة لدى المؤسسة أو الإدارة بقدراتهم الذاتيّة. على سبيل المثال، يُنفِّذ المديرون مهمة الرقابة عن طريق تحديد القواعد التنظيمية وإجراءات التشغيل القياسية ومطالبة أفراد المؤسسة بالالتزام الصارم بها، وهذا هو حال الكليات والجامعات التي تُحدِّد للطلاب المواد التي يُسمح لهم بدراستها ومواعيدها، والدرجات التي يتعيَّن عليهم تحصيلها، والطريقة التي يجب عليهم التصرُّف بها خارج الفصل الدراسي، وما إلى ذلك. ينطبق ذلك الحال أيضًا على الشركات التي تُحدِّد للموظفين موعد الذهاب إلى العمل، وعدد ساعات العمل، والزيَّ الذي يرتدونه في العمل، ومواعيد الاستراحات، وطريقة أداء الوظائف، والكثير من الأمور الأخرى. التحدي الذي يواجه المديرين هو تحقيق التوازن بين مقدار الرقابة الذي تحتاجها مؤسساتهم ومقدار السيطرة الشخصية التي يحتاجها أفراد المؤسسة. تشير الدراسات إلى أنَّه يمكن تعزيز الرضا الوظيفي لأعضاء المؤسسة وتحسين أدائهم عند الوصول إلى نقطة التوازن تلك. بالإضافة إلى ذلك، هناك دلائل تُبيِّن أنَّه قد يترتَّب على مستويات السيطرة الشخصية المنخفضة أو التي تكون أقل من المستويات المأمولة، يترتّب عليها عددٌ من العواقب التنظيميّة غير المرغوب فيها، مثل الانسحاب والآثار الصحية السلبية (الإجهاد والإحباط والاكتئاب). إنَّ إيجاد التوازن الأمثل بين الرقابة المؤسساتيّة والسيطرة الشخصية ليس مهمة سهلة، ويرجع سبب ذلك إلى أنَّ معظم الموظفين يرغبون في الحصول على قدرٍ من السيطرة الشخصية على عملهم أكبر ممَّا تتيحه المؤسسات التي يعملون فيها، وغالبًا ما يسعى الأفراد لاكتساب قدر أكبر من السيطرة على الرغم من العوائق والقيود التي تضعها المؤسسة للحد من ذلك. قد يؤدِّي الفشل المتكرر في الحصول على السيطرة الشخصية الكافية إلى تكوُّن ما يُعرف بالعجز المٌتعلَّم أو المٌكتَسب (learned helplessness) لدى الموظفين. إنَّ الأفراد الذين تُشعرهم تجاربهم السابقة أنَّهم عاجزون عن التأثير في بيئة عملهم غالبًا ما يكونون هم مصدر الإنتاجية المنخفضة والجودة القليلة والتغيُّب الزائد وعدم الرضا والدوران الوظيفي، وغالبًا ما تكون ردود أفعالهم على هيئة اكتئاب وقلق وتوتر وإحباط وعدائية وغضب، الذي قد يرقى إلى التخريب أو الأذى. بالإضافة إلى ذلك، عندما يتشكَّل العجز المُكتسب لدى الأفراد، فإنه يترك انطباعًا في أنفسهم، يستمر حتى لو حدثت تغييرات في بيئة العمل تُتيح لهم سيطرة أكبر، لذلك يجب على المديرين أن يمنعوا الموظفين من الشعور بالعجز المكتسب في بادئ الأمر، لأنَّ التخلُّص منه صعبٌ للغاية، ويجب عليهم أن يتيحوا للموظفين السيطرة على جوانب حياتهم العملية التي يستطيعون السيطرة عليها جيِّدًا وألَّا يفرضوا عليهم إلَّا القدر الضروري من الرقابة الإدارية فقط. البحث عن التوازن يبدو للوهلة الأولى أن على المديرين الاستجابة لمطالب الموظفين المستمرَّة بخصوص الحصول على قدر أكبر من السيطرة، ولكن هناك عدد من الدراسات التي تُبيِّن أنَّ إعطاء الموظفين قدر أكبر من السيطرة عشوائيًا قد يؤدِّي في الواقع إلى نتائج سلبيّة عسكيّة وضعف الأداء، في حال تجاوزت السيطرة الممنوحة للموظفين قدرتهم أو كفائتهم على استخدامها. إذا كان نظام الرقابة الزائدة غير فعَّال، وإذا كان إعطاء الموظفين كامل السيطرة الشخصية التي يرغبون فيها غير فعَّال أيضًا، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا الذي يمكن للمديرين فعله لتحقيق التوازن المناسب؟ تتلخَّص إجابة هذا السؤال في النقاط التالية: أولًا: وضَّحنا أنَّ أفراد المؤسسة يحتاجون إلى قدر من السيطرة الشخصية؛ لذلك يتوجَّب على المديرين أن يمنحوهم قدر السيطرة المُؤهلين للتعامل معه. ثانيًا: التأكُّد من أنَّ الموظفين الذين حصلوا على السيطرة يشعرون بأنَّهم يستطيعون استخدامها بفعالية، ومساعدتهم على توجيه جهودهم وتحويلها إلى أداء ناجح. ثالثًا: الإدراك بأنَّ أنظمة الرقابة المؤسسية تؤثِّر على تصوُّرات أفراد المؤسسة حول السيطرة الشخصية، ومن ثمّ قد تؤدِّي إلى تغيير سلوكياتهم وتوجُّهاتهم. يستطيع المديرون معرفة المزيد عن حاجة الموظفين للسيطرة عن طريق إجراء المقابلات معهم واستطلاع آرائهم، ويستطيعون من خلال دراسة أوضاع المؤسسة تحديد مقدار الرقابة الموجود في المؤسسة والمجالات التي تخضع للرقابة، بالإضافة إلى المجالات الأخرى التي تحتاج إلى الرقابة. يصبح هدف المديرين بعد ذلك هو تحقيق الانسجام الأفضل بين احتياجات كلّ من الموظفين وبيئة العمل. ترجمة -وبتصرف- للفصل Employees' Responses to Planning من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: الإدارة بالأهداف: أسلوب للتخطيط والرقابة المقال السابق: التخطيط وصياغة الأهداف في المؤسسات
  6. يُعدُّ تحديد الأهداف خطوة أساسية من خطوات عملية التخطيط الإداري الفعَّال. تنقسم أهداف المؤسسة إلى نوعين مترابطين، هما: الأهداف الرسمية والأهداف التشغيلية. تُشير الأهداف الرسمية (official goals) إلى الأهداف العامة للمؤسسة، والتي يُعلنُ عنها في التصريحات العامة والتقارير السنوية والوثائق الخاصة بالمؤسسة. على سبيل المثال، قد يكون أحد الأهداف الرسمية لإحدى الجامعات هو: «أن تكون الاختيار الأول لمن يرغب في الدراسة الجامعية». عادةً ما تكون الأهداف الرسمية غامضة وعامّة وتركِّز على الحصول على استحسان الجهات المعنية. في المقابل، تُعبِّر الأهداف التشغيلية (operational goals) عن ما تعتزم إدارة المؤسسة تنفيذه، ويُقصد بها الأهداف العمليّة التي يسعى أعضاء المؤسسة إلى تحقيقها. على سبيل المثال، قد يكون الهدف التشغيلي لإحدى المستشفيات هو زيادة عدد المرضى المُعالَجين بنسبة 5% أو تقليل معدل إعادة الإدخال. تتضح أهمية الأهداف من الغايات التي تحقِّقها، وتتميَّز الأهداف الفعَّالة بأنَّها: ترشد وتوجِّه جهود الأفراد والمجموعات. تُحفِّز الأفراد والمجموعات، ومن ثمَّ تعزِّز كفاءتهم وفعاليتهم. تؤثِّر على طبيعة ومحتوى عملية التخطيط وفحواها. تشكِّل معيارًا يُمكن من خلاله الحكم على أنشطة المؤسسة ومراقبتها. مجمل القول هو أنَّ الأهداف تُحدِّد غايات المؤسسة، وتُشجِّع الأفراد ضمنها على الإنجاز، وتُقدِّم مقياسًا يُمكن من خلاله تتبُّعِ التقدُّم الذي تُحرزه المؤسسة. صياغة الهدف – كيف تنشأ أهداف المؤسسة؟ هناك وجهتا نظر مختلفتان تُفسِّران كيف تُصاغ أهداف المؤسسة. تُركِّز وجهة النظر الأولى على المؤسسة وبيئة عملها الخارجية؛ فمن المعلوم أنَّ هناك العديد من أصحاب المصلحة (مثل المالكين والموظفين والمديرين) الذين ينتفعون من المؤسسة. تنشأ أهداف المؤسسة وفق وجهة النظر هذه بينما يحاول المديرون الحفاظ على توازن دقيق بين احتياجات مؤسستهم واحتياجات بيئة عملها الخارجية. في المقابل، تُركِّز وجهة النظر الثانية على مجموعة القوى المحرِّكة للمؤسسة في بيئة عملها الداخلية؛ إذ تتكوَّن المؤسسة من الداخل من عدة أفراد وائتلافات ومجموعات، ويتفاعل هؤلاء باستمرار مع بعضهم بعضًا من أجل تحقيق مصالحهم واحتياجاتهم وأهدافهم الخاصة، وتتضمَّن التفاعلات التي تحدث بين الأفراد: التفاوض والتقايض والتشاور، والتي تنبثق منها أهداف المؤسسة في نهاية المطاف. لا يستطيع أي أسلوب من أسلوبي صياغة الأهداف السابقين بمفرده تحقيق نجاح للمؤسسة على المدى الطويل؛ إذ يجب أن تتوافق أهداف المؤسسة مع بيئة عملها الخارجية وأن تُلبيَ احتياجات مختلف الأطراف الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تُمكِّن هذه الأهداف عناصر المؤسسة الداخلية من العمل معًا بانسجام. على سبيل المثال، يجب أن تتوافق أهداف قسم التسويق مع أهداف قسمي الإنتاج والتمويل. التحدي الذي يبرز أمام المديرين في هذه الحالة هو العمل على تحقيق التوازن بين عناصر بيئة العمل الداخلية وعناصر بيئة العمل الخارجية، والحفاظ على استقرار نجاح المؤسسة في سوق العمل والظروف الداخلية والخارجيّة المتقلّبة. تعدُّد الأهداف والتسلسل الهرمي للأهداف بالتوافق مع وجهتي النظر السابقتين اللتين تُفسِّران كيفية نشأة أهداف المؤسسة، يرى الباحث في مجال الإدارة والمستشار والكاتب المشهور بيتر دراكر (Peter Drucker) أنَّه يجب على مديري المؤسسات الذين يرغبون في نجاح مؤسساتهم السعي إلى تحقيق أهداف متعددة في الوقت نفسه، ولا سيما فيما يتعلَّق بالعوامل التالية: مركز المؤسسة في السوق، والابتكار، والإنتاجية، وتحقيق الأرباح، والموارد المادية والمالية، وأداء المديرين وتطورهم، وأداء الموظفين وسلوكياتهم، والمسؤولية العامة. بناءً على ذلك، وضعت شركة هيوليت باكارد (Hewlett-Packard) سبعة أهداف للشركة، وهي موضَّحة في الجدول التالي. من الجدير بالذكر أنَّه قد تحاول الوحدات أو الأقسام التي توجد داخل المؤسسات تحقيق أهداف تتعارض مع أهداف الوحدات الأخرى؛ فمثلًا، قد يتعارض هدف الابتكار الذي يسعى قسم البحث والتطوير إلى تحقيقه مع هدف الكفاءة الذي يسعى قسم الإنتاج بدوره إلى تحقيقه، ويجب على المديرين في مثل هذه الحالات أن يعملوا جاهدين من أجل تحقيق الانسجام بين مجموعة الأهداف وتسوية النزاعات التي قد تنشأ داخل المؤسسة. أهداف شركة هيوليت باكارد الربح: تحقيق ربح كافٍ لتمويل نمو الشركة وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف الأخرى. الزبائن: تقديم أفضل المنتجات والخدمات للزبائن، ومن ثمَّ كسب احترامهم وولائهم. مجال الاهتمام: عدم الدخول إلى مجالات جديدة إلا عند التأكُّد من أنَّ الأفكار الموجودة لدى الشركة، إلى جانب المهارات التقنية والتصنيعية والتسويقية، يُمكن أن تقدِّم إسهامًا ضروريًا ومربحًا في هذا المجال. النمو: أن يتقيَّد نمو الشركة بمقدار أرباحها وقدرتها على تطوير وإنتاج منتجات تقنية تُلبِّي الاحتياجات الحقيقية للزبائن. الأفراد: تمكين الموظفين من المشاركة في نجاح الشركة، من خلال توفير الأمان الوظيفي لهم بناءً على أدائهم، وتقدير إنجازاتهم الفردية، ومساعدتهم على الشعور بالإنجاز والرضا عن أعمالهم. الإدارة: تعزيز روح المبادرة والإبداع من خلال إعطاء الفرد حرية ومرونة في العمل، بحيث يُشارك في تحقيق أهداف المؤسسة ويُلاحقُ طموحاته الشخصيّة في الوقت نفسه. المواطنة: الوفاء بالتزامات الشركة تجاه المجتمع من خلال كونها ذات منفعة اقتصادية وفكرية واجتماعية لجميع الدول والمجتمعات التي تعمل فيها. مقتبس من الدراسة التي بعنوان «New look at corporate goals». تأليف: Y. K. Shetty. الناشر: مجلة «California Management Review»، المجلد 22، الإصدار 2، ص 71-79. table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } في الواقع، غالبًا ما تُقسَّم أهداف المؤسسة العامة، مثل الإنتاجية والابتكار وتحقيق الأرباح، إلى أهداف فرعية على امتداد مستويات المؤسسة المختلفة. يُبيِّن التسلسل الهرمي للأهداف (goal hierarchy) التشعبات التي تُشكِّلها العديد من منظومات الأهداف والخطط الرئيسية المترابطة؛ إذ تضع المؤسسة أهدافًا في كافة المستويات: مستوى المؤسسة، ومستوى القطاعات، ومستوى الأقسام، بالإضافة إلى أهداف تتعلَّق بالوظائف. يجب على المديرين التأكُّد من أنَّ أهداف المستويات الدنيا تتضافر معًا لتحقيق أهداف المستويات العليا. واقع التخطيط الرسمي في المؤسسات أشارت بعض الدراسات إلى أنَّ حوالي 8.3% من مجموع الشركات الأمريكية الكبرى (1 من كل 12) في خمسينيات القرن العشرين عيَّنت شخصًا لتأدية وظيفة التخطيط طويل المدى بدوام كامل، وأنَّ نسبة الشركات الأمريكية الكبرى التي تستخدم التخطيط طويل المدى وصلت إلى 83% في أواخر الستينيات من القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، تُشير التقديرات الحالية إلى أنَّ جميع الشركات الأمريكية، التي تزيد مبيعاتها عن 100 مليون دولار، تضع خططًا رسمية طويلة المدى. وتمتدُّ معظم الخطط الرسمية لخمس سنوات مستقبلية، في حين أنَّ حوالي 20% منها تمتدُّ لعشر سنوات على الأقل. على الرغم من فوائد التخطيط، إلَّا أنَّ العديد من المديرين يرفضون منهج التخطيط؛ إذ يري بعضهم أنَّه لا يوجد وقت كافٍ للتخطيط أو أنَّ التخطيط معقَّد جدًّا ويستهلك الكثير من الوقت والجهد والمال، ويخشى آخرون من عواقب الفشل في تحقيق الأهداف التي يطمحون للوصول إليها. ما يحدث في الواقع هو أنَّ المديرين يميلون إلى ترك التخطيط المسبق (الذي يُطلق عليه أحيانًا اسم التخطيط التفصيلي؛ والذي يعني صياغة عبارات الأهداف وعبارات الإجراءات قبل المُضي في تنفيذ الأعمال) نهائيًا، أو قد يتّجهون -في أفضل الأحوال- نحو إجراء التخطيط الفوري (يدرسون الأحداث الراهنة ويُفكِّرون في الخطوة التالية، ولكن قبل البدء بتنفيذها مباشرةً). يكون استخدام التخطيط الفوري مناسبًا عندما يكون الأفراد مدركين تمامًا لما يُريدون تحقيقه ويستطيعون الارتجال والتقدُّم نحو ما يُريدون على الرغم من الظروف المُتغيّرة وكل ما يُحيط بهم من حالات عدم اليقين والاضطراب. يُمكن تشبيه هذا الموقف بلاعبي الهوكي الماهرين الذين يعتمدون على حدسهم، ويحاولون فهم أساليب الدفاع، ويرتجلون وهم يتحرَّكون على الجليد باتجاه شبكة الخصم، وغالبًا ما تكون هذه العملية أفضل من محاولة تنفيذ خطة تفصيلية مُعدَّة مسبقًا (كما هو الحال غالبًا في مباريات كرة القدم). عند الرغبة في تشجيع الأفراد على التخطيط المسبق، فإنَّ هناك وسائل معينة يُمكن أن تُشجّعهم على المُضي في تلك الخطوة، منها: تهيئة بيئة عمل تُشجِّع على التخطيط. دعم كبار المديرين في المؤسسة لأنشطة التخطيط التي يُجريها المديرون الذين يعملون في المستويات الأدنى، وذلك من خلال توفير ما يلزم من أيدي عاملة وإمكانيّات تقنيّة ودعم مالي وغيرها، وأن يكونوا قدوةً لغيرهم من خلال تنفيذ أنشطة التخطيط الخاصة بهم. تدريب أفراد المؤسسة على التخطيط. وضع نظام مكافآت يُشجِّع أنشطة التخطيط ويدعمها، والحرص على تجنُّب معاقبة الأفراد على فشلهم في تحقيق الأهداف المحدَّدة حديثًا. استخدام الخطط والعمل على تنفيذها بمجرد الانتهاء من صياغتها. لكن من المهم جدًّا قبل كل شيء أن يقتنع المديرون بالفوائد الحقيقية للتخطيط لكي يُكرِّسوا الوقت والجهد اللازمين للتغلُّب على مقاومة التخطيط. هل يعود التخطيط بالنفع على المؤسسات حقًا؟ قد يجد مديرو المؤسسات التي تعمل في بيئات معقَّدة وغير مستقرة صعوبةً في صياغة خطط فعَّالة، لكنَّ ظروف هذه البيئات المعقَّدة وغير المستقرة هي التي تولّد في الواقع إلى الحاجة إلى مجموعة من الخطط التنظيمية الجيدة، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: هل التخطيط يعود بالنفع على المؤسسات حقًّا؟ وضَّحنا فيما سبق أنَّ تحديد الأهداف يُعدُّ جزءًا مهمًا من عملية التخطيط، ويوجد في الوقت الحالي الكثير من المعلومات المتعلِّقة بخصائص الأهداف الفعَّالة التي يضعها الأفراد (سوف نتناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل لاحقًا في هذا مقالاتنا)، وعلى الرغم من أنَّه ليس هناك سوى القليل من الدراسات حول جدوى الأهداف التي تضعها المجموعات والمؤسسات، إلَّا أنَّنا نرى أنَّه لا بأس بالافتراض أنَّ معظم المعلومات المتوفِّرة عن الأهداف التي يضعها الأفراد تنطبق أيضًا على الأهداف التي تضعها المجموعات والمؤسسات. تُشير نتائج الدراسات إلى أنَّ الأهداف التنظيمية الفعَّالة يجب أن تتميَّز بما يلي: صعبة ولكن يمكن تحقيقها ببذل الجهد الكافي. محدَّدة وتُبيِّن ما هو مرغوب فيه. تحظى بقَبول الأفراد الذين سيُسهمون في تحقيقها وتدفعهم إلى الإلتزام بها. يُشارك الموظفون في صياغة هذه الأهداف إذا كان ذلك سيؤدِّي إلى تحسين جودتها وتقبُّلهم لها. يُراقَب مدى التقدُّم في إحرازها باستمرار. تُشير بعض الدراسات إلى أنَّ الشركات التي تُجري عملية التخطيط تُحقِّق نجاحًا ماليًا أكبر من الشركات التي لا تُخطِّط. على سبيل المثال، أشارت إحدى الدراسات إلى أنَّ متوسط العائد على الاستثمار لمدة خمس سنوات بلَغَ 17.1% في المؤسسات التي تُجري تخطيطًا استراتيجيًا، في حين أنَّه لم يتجاوز 5.9% في المؤسسات التي لا تضع أيَّ مخططٍ حقيقي لسير عملها. على نحوٍ مماثل، وجُد أنَّه من بين 70 بنكًا تجاريًا كبيرًا، كان أداء البنوك التي لديها أنظمة تخطيط استراتيجي أعلى من أداء البنوك التي لم يكن لديها مثل تلك الأنظمة. على الرغم من الفوائد الواضحة لعمليّة التخطيط، إلا أنَّه قد يكون مكلفًا؛ فالالتزامات المالية للمؤسسات التي تمتلك موظفين متخصِّصين في التخطيط قد تكون كبيرة، ولكنَّ الدراسات تشير إلى أنَّ ثمار عملية التخطيط تستحق ما يُبذل من أجلها من الدعم الماديّ والفنيّ. من المسؤول عن عملية التخطيط في المؤسسات؟ تحثُّ النظرية التقليدية في الإدارة على الفصل بين كلٍّ من سلوكي "التخطيط" و "التنفيذ"، إذ يُخطِّط المديرون وفق هذه النظرية للأعمال التي ينبغي أن يُنفِّذها الموظفون الأساسيون، ويضعون أيضًا معظم الخطط الخاصة بالمستويات العليا في المؤسسة، ولا يُتاح للمديرين والموظفين الذين يعملون في المستويات الأدنى المشاركة عادةً، سوى في مشاركاتٍ متواضعة في نقاط وأوجهٍ بسيطة فقط لا تكاد تُذكر. في المقابل، يدعو أصحاب النظريات السلوكية في الإدارة إلى إشراك أعضاء المؤسسة في وضع الخطط التي ترتبط بأعمالهم، ويُمكن، على سبيل المثال، تطبيق التخطيط القائم على المشاركة باستخدام أسلوب الإدارة بالأهداف (الذي سنوضِّحه لاحقًا في مقالاتنا). بالإضافة إلى ذلك، يُشجِّع الباحثون في مؤسسة تافيستوك (Tavistock Institute) التي تقع في إنجلترا فكرة مجموعات العمل المُدارة ذاتيًا، والتي تهدُفُ إلى زيادة مستوى اندماج الموظفين ومشاركتهم في القرارات المتعلِّقة بالمؤسسة؛ إذ تؤدِّي مجموعات العمل -وفق النموذج الاجتماعي والتقني الذي تبنّته شركة تافيستوك- دورًا رئيسيًا في التخطيط للأعمال الموكلة إليها (وكذلك في التنظيم والتوجيه والرقابة). من الجدير بالذكر أنَّ هناك العديد من المؤسسات التي لديها تجارب ناجحة فيما يتعلَّق بمشاركة الموظفين في التخطيط للأنشطة والرقابة عليها، مثل: (جون لويس) و(فولفو) و(موتورولا). المتخصِّصون في التخطيط تُوظِّف العديد من المؤسسات متخصِّصين في التخطيط من أجل مواكبة التعقيد التنظيمي والتطور التكنولوجي وعدم الاستقرار في بيئات العمل. يعمل المتخصِّصون في التخطيط على وضع الخطط التنظيمية ومساعدة المديرين على التخطيط. هناك العديد من المؤسسات التي تمتلك موظفين متخصِّصين في التخطيط، مثل شركة (بوينغ) للطيران وشركة (فورد) وشركة (يونايتد إيرلاينز)، ومن الجدير بالذكر أنَّ المتخصِّصين في التخطيط في شركة (يونايتد إيرلاينز) وضعوا خطة إدارة أزمات خاصة وفريدة لذه الشركة. هناك مجموعة متنوعة من الأسباب التي تدفع المؤسسات إلى توظيف متخصِّصين في التخطيط وإنشاء أقسام خاصة بعمليّة التخطيط. لقد ظهرت هذه الوظائف التخصُّصية لأنَّ التخطيط ازداد تعقيدًا، وأصبح يستغرق الكثير من الوقت ويتطلَّب اهتمامًا كبيرًا، يعجز المديرون عن تأديته. الأمر الآخر هو أنَّ التخطيط يكون أكثر تعقيدًا في بيئات العمل سريعة التغيُّر، وغالبًا ما ينتج عن ذلك الحاجة إلى وضع خطط للطوارئ، الأمر الذي يتطلَّب أيضًا وقتًا من أجل إجراء الأبحاث وجمع المعلومات، ويتطلَّب أيضًا امتلاك مهارات معينة في مجال التخطيط. بالإضافة إلى ذلك، يتطلَّب التخطيط الفعَّال في بعض الأحيان توخّي الموضوعية، والتي قد لا تتوفّر في المديرين والموظفين، وذلك بسبب طُغيان مصالح شخصية معينة من وراء بعض أنشطة المؤسسة. تتنوع أهداف فريق المتخصِّصين في التخطيط؛ ولكنَّ مسؤوليتهم الأساسية هي تقديم الاستشارات المتعلِّقة بالتخطيط للإدارة العليا، ومساعدة المديرين الذين يعملون في مستويات الإدارة الأدنى على وضع الخطط اللازمة لتحقيق الأهداف التنظيمية المتعددة والمتنوعة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يعمل فريق المتخصِّصين في التخطيط على التنسيق بين مجموعة متشابكة من الخطط التي تُوضع للمستويات الإداريّة المختلفة داخل المؤسسة، ويُقدِّمون التشجيع والدعم والمهارات اللازمة لصياغة خطط تنظيمية رسمية. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } إدارة التغيير الاستعانة بالتكنولوجيا لزيادة كفاءة الأعمال نشأت الحاجة إلى مراقبة التكاليف منذ أن بدأت عمليات التجارة والشراء والبيع، وتجدر الإشارة إلى أنَّه كلَّما ظهرت تقنية حديثة، نتج عن ذلك ظهور إمكانيات جديدة تُسهم في تحسين الإنتاج وتقليل التكاليف، مثلما أحدثت التقنيات التي ظهرت في السنوات الأخيرة ثورة في مجال الاتصالات وإدارة البيانات، الأمر الذي أثمر ابتكاراتٍ عديدة وأساليب جديدة لتحديد المشكلات وحلّها. تستخدم شركة إينوفيو (Innovu) التكنولوجيا الحديثة لمساعدة الشركات الصغيرة والناشئة على مراقبة تكاليف المزايا الصحية التي تقدِّمها للموظفين. تلجأ معظم الشركات الصغيرة الناشئة إلى التأمين الذاتي؛ أي أنَّ الشركة تدفع الفواتير الطبية الخاصة بالموظفين أو تُموِّل البرامج الصحية من خزينتها. أشارت ديان هيس (Diane Hess)، الرئيس التنفيذي لمجموعة سينترال بين التجارية (Central Penn Business Group)، إلى أنَّ ما يُنفقه أصحاب العمل على الرعاية الصحية يمثِّل 30% من إجمالي ما تُنفقه الولايات المتحدة على الرعاية الصحية، والذي يبلغ 2.9 تريليون دولار، وأنَّ تعويضات الموظفين كلَّفت أصحاب العمل 91 مليار دولار في عام 2014، وقد شملت هذه التكاليف 31.4 مليار دولار أمريكي للشؤون الصحية و30.9 مليار دولار للمدفوعات النقدية. تعمل شركة إينوفيو (Innovu) على استكشاف مطالب الموظفين من أجل تحديد التوجُّهات المناسبة لتلبيتها، وتُوفّر أيضًا بيانات عن التكاليف التي تنتج عن التغيُّب والإعاقات وتعويضات الموظفين. يسعى العديد من أصحاب العمل إلى توفير برامج صحية في مؤسساتهم من أجل تحسين الإنتاجية وتقليل تكاليف الرعاية الصحية، وتساعد شركة إينوفيو أصحاب العمل هؤلاء على التأكُّد من وجود تحسُّن في إدارة النفقات فيما يتعلّق ببرامج الرعاية الصحيّة التي تتكفّل بها شركتهم. وعلى نحوٍ مماثل، أصبحت شركة مارش وأم سي لينين (Marsh & McLennan Agency Michigan LLC) التي تُوجد في ولاية ميشيغان تساعد الشركات على الاهتمام بتحسين الصحة العامة للموظفين، بعد أن اقتصر دورها على تقديم خدمات التأمين والبرامج الصحية العامة. لقد كانت البرامج الصحية التقليدية تُركِّز على الصحة البدنية لتحسين الإنتاجية، ولكنَّ التوجُّه الجديد هو مساعدة الموظفين في الشؤون الأسرية والاجتماعية والمالية أيضًا. يعمل البرنامج الشامل الذي تُقدِّمه شركة (Marsh & McLennan) على توفير البرامج الصحيّة التقليدية، إلى جانب خدمات الدعم الصحية غير تقليدية، ويساعد هذا البرنامج الشامل أصحاب الشركات متوسطة الحجم على جذب أصحاب المواهب والاحتفاظ بهم، وتعزيز رضا الموظفين وتقليل التغيُّب. يُعدُّ توسيع مجال الاهتمام بصحة الموظفين خطوة مهمة نحو استثمار وإدارة ماليّة أفضل للموارد البشريّة في المؤسسة. لقد بيَّن بريت جاكسون (Bret Jackson)، رئيس التحالف الاقتصادي في ميشيغان (Economic Alliance for Michigan)، تأثير الاهتمام بالموظفين على الإنتاجية بقوله: «إذا كان الموظف سعيدًا وذا صحة جيِّدة، فسوف تزداد الإنتاجية». يُعدُّ تطبيق برانش ماسنجر (Branch Messenger) فكرة جديدة لحل مشكلة جدولة مناوبات الموظفين، ويتيح للموظفين عرض جداول العمل وتعيين المناوبات وطلب الإجازات؛ كل ذلك باستخدام تطبيق على هواتفهم. يُمكن دمج هذا البرنامج مع أنظمة الشركة الحالية ممَّا يسمح بتحليل البيانات ومزامنتها بين أقسام الشركة المختلفة، والأهم من ذلك هو أنَّه يتيح للموظفين التواصل مع بعضهم بعضًا. لقد تبنَّت العديد من الشركات الكبرى، مثل تارجت وماكدونالدز ووالغرينز، استخدام هذا البرنامج الحديث لكي تتيح للموظفين إمكانية تبديل المناوبات ببساطة عن طريق استخدام التطبيق عبر هواتفهم المحمولة؛ إذ يقلِّل الوقت والجهد الذي يستهلكه الموظفون في إجراء عملية تبديل المناوبات، ويسدّ فجوة التواصل بين الموظفين وأصحاب الشركات التي يعملون فيها. يستطيع الموظفون استخدام التطبيق مجانًا، ويعمل هذا التطبيق على أجهزة الأندرويد والآيفون (iOS و Android)، ويمكنه تحويل الجداول الورقية إلى جداول إلكترونية، ويتيح كذلك المراسلة بين الأفراد الذين يعملون في نفس مكان العمل. بالإضافة إلى سهولة ومرونة تبديل المناوبات، فإنَّ هذا التطبيق يتيح للشركات الاستعانة بقوى عاملة عند الحاجة بسهولة، ويُتيح لها أيضًا تحقيق استفادة أكبر من أنظمة إدارة الموارد البشرية الحالية دون أن تضطر لدفع أي تكاليف إضافية ناتجة عن التغيير إلى أنظمة أخرى. أُعجبت أليسون هاردن (Allison Harden)، مديرة المناوبات في أحد فروع سلسلة مطاعم (بيتزا هت)، بما يوفِّره البرنامج من إمكانية التواصل، وعبَّرت عن ذلك بقولها: قد يدلُّ مصطلح "آمن للعمل" إلى ما يحدث من مبالغة في مشاركة الحياة الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد اعتمدت أليسون وموظفيها على تطبيق برانش ماسنجر (Branch Messenger) خلال إعصار (إيرما) من أجل الاستعداد له؛ إذ نشرت بواسطته قائمة التأكد من السلامة وعدَّلت على المناوبات. بالإضافة إلى ذلك، أتاح هذا التطبيق للسائقين خلال الإعصار وبعده تبادل المعلومات مع بعضهم بعضًا بخصوص محطات الوقود التي تحتوي على الغاز، ومن منهم لم تنقطع عنه الكهرباء بعد، ومن منهم كان في مأمن. يظهر في الصورة رفوف موضوع عليها أقراص تايد (Tide Pods). لقد واجهت شركة بروكتر وغيمبلي (Procter & Gamble) التي تنتج أقراص تايد المعروفة مشكلتين متعلِّقتين بهذا المنتج، إذ تلقَّت الشركة بلاغات مفادها أنَّ 180 طفلًا ذهبوا إلى المستشفيات بعد أن تناولوا أقراص تايد الملونة ظانّين أنَّها حلوى، وتصرَّفت الشركة بسرعة لمعالجة هذه المشكلة عن طريق زيادة إحكام تغليف المنتج، الأمر الذي يزيد من صعوبة فتح الأطفال له، وأضافت الشركة على المنتج أيضًا نكهة غير سامة لكي تصرف الأطفال عن ابتلاع هذه الأقراص، وأطلقت حملة تهدف إلى إعلام الآباء والأمهات بمخاطر المنتج؛ كل ذلك ضمن خطة طوارئ مُعدَّة مُسبقًا إعدادًا جيِّدًا. حصلت المشكلة الثانية في عام 2017 عندما بدأت الشركة ذاتها تتلقَّى بلاغات تتحدّث عن ابتلاع المراهقين للمنتج عمدًا بسبب تحدٍ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وقرَّرت الشركة عندما علمت بذلك التواصل مع المراهقين مباشرة، بالإضافة إلى التواصل مع الشركات التقنية مثل فيسبوك ويوتيوب بهدف إزالة هذه المنشورات ومقاطع الفيديو دون الإعلان عن ذلك؛ خشية أن يتسبَّب ذلك في خوض المزيد من المراهقين للتحدي. (مصدر الصورة: حساب Mike Mozart/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) ترجمة -وبتصرف- للفصل Goals or Outcome Statements وFormal Organizational Planning in Practice من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: تأثير التخطيط والرقابة على الموظفين المقال السابق: أنواع الخطط المستخدمة في المؤسسات
  7. إذا نظرنا إلى المؤسسات من ناحية الأنشطة التي تؤدِّيها، فسنجد أن المؤسسات أنظمة معقدة نسبيًا لأنَّها تعمل على تنفيذ الكثير من الأنشطة في آنٍ معًا. تتطلَّب العديد من هذه الأنشطة اهتمامًا من المديرين من حيث التخطيط لها والرقابة عليها، لذلك يضع المديرون أنواعًا مختلفة من الخطط لتوجيه سير العمل ولمتابعة أنشطة المؤسسة المختلفة ومراقبتها. سنبيِّن في هذا المقال العديد من الخطط شائعة الاستخدام. تتضمَّن تصنيفات الخطط الرئيسية: الخطط حسب التسلسل الهرمي للإدارة، والخطط حسب تكرار الاستعمال، والخطط حسب المدى الزمني، والخطط حسب النطاق التنظيمي، وخطط الطوارئ. يُبيِّن الجدول العديد من أنواع الخطط التي تقع ضمن هذه التصنيفات. أنواع الخطط المستخدمة في المؤسسات الخطط حسب التسلسل الهرمي للإدارة الخطط الاستراتيجية (المؤسسية): تُحدِّد رؤية المؤسسة على المدى الطويل، وتوضِّح رسالة المؤسسة وقيمها، وتُحدِّد مجالات العمل الحالية للمؤسسة أو التي ترغب المؤسسة في دخولها، وتُوضِّح كيف ستندمج المؤسسة في بيئات العمل الخارجية. الخطط الإدارية: تبيِّن كيفية تخصيص الموارد التنظيمية للوحدات الداخلية في المؤسسة، وتُشكِّل حلقة الوصل بين أعمال المستوى المؤسسي (مثل صياغة الرؤية) وأعمال المستوى التنفيذي (مثل تنفيذ الرؤية)، وتُشكِّل أيضًا حلقة الوصل بين الوحدات المختلفة داخل المؤسسة الواحدة. الخطط التشغيلية (التنفيذية): تتضمَّن العمليات اليومية للمؤسسة. الخطط حسب تكرار الاستعمال الخطط الدائمة السياسات: تتضمَّن عبارات عامة عن الأمور المقرَّرة أو المتفق عليها، وتوجِّه عملية اتخاذ القرارات، وتُتيح قدرًا من حرية التصرُّف، وتوجِّه السلوك (على سبيل المثال، لا يجوز لأي موظف قبول أعطية أو هدايا قيِّمة -رشوة- من أي جهة خارجية تؤثِّر تأثيرًا غير مبرَّر على قرارات الموظف المتعلِّقة بالمؤسسة). القواعد: تُحدِّد مسار التنفيذ الذي لا يجوز الحياد عنه، وتحدِّد ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به (مقدار المرونة في اتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات). الإجراءات: تُشبه القواعد في أنَّها تُحدِّد مسار التنفيذ، كما أنَّها تُحدِّد مجموعة الخطوات التي يجب اتخاذها لأداء مهمة معينة. الخطط فريدة الاستعمال البرامج: مجموعة معقَّدة من السياسات والقواعد والإجراءات اللازمة لتنفيذ مسار عمل معيّن. المشاريع: خطط عمل محدَّدة تُوضع غالبًا من أجل إنجاز جوانب متعددة من برنامج عمل معين. الموازنات: خطط يُعبَّر عنها بالأعداد. الخطط حسب المدى الزمني تختلف هذه الخطط بناءً على طول مدة التخطيط للمستقبل: الخطط قصيرة المدى: من عدة ساعات إلى سنة. الخطط متوسطة المدى: من سنة إلى خمس سنوات. الخطط طويلة المدى: أكثر من خمس سنوات. الخطط حسب النطاق التنظيمي الخطط على المستوى القطاعي: تُركِّز على أعمال أحد الأقسام (أو القطاعات) في المؤسسة ومركزه التنافسي. الخطط على المستوى الوظيفي: تُركِّز على العمليات اليومية لوحدات المؤسسة في المستويات الدنيا، مثل خطط وحدات التسويق والموارد البشرية والمحاسبة والإنتاج. الخطط التكتيكية: هي خطط قد تكون على المستوى القطاعي أو على المستوى الوظيفي، وتُوضع لمساعدة المؤسسة على إنجاز خططها الاستراتيجيّة. خطط الطوارئ هي الخطط التي تُوضع للتعامل مع المُستجدّات غير المتوقَّعة التي قد تواجه المؤسسة (مثل الكوارث الطبيعية والبشريّة)، وهي تُحدِّد مسارات العمل البديلة التي سوف تُنفَّذ إذا عرقلت تلك الأحداث مسار العمل المخطَّط له. (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } الخطط حسب التسلسل الهرمي للإدارة تتكوَّن المؤسسات من ثلاث مستويات، ولكل مستوى احتياجاته التنظيمية الخاصة به، ويرتبط كل مستوى من المستويات الثلاثة (المؤسسي والإداري والتنفيذي) بنوع معين من الخطط. يُبيِّن الجدول السابق أنَّ الخطط تنقسم حسب التسلسل الهرمي للإدارة إلى: خطط استراتيجية، وخطط إدارية، وخطط تشغيلية. من المعلوم أنَّ هناك ترابطًا بين هذه الخطط الثلاث؛ إذ إنَّها تُسهم جميعًا في تلبية الاحتياجات التنظيمية للمستويات الثلاث، ويجري التخطيط للعمليات اليومية في المستوى التنفيذي من مستويات التسلسل الهرمي في المؤسسة. الإدارة الاستراتيجية هي أحد جوانب عملية الإدارة، وهي تُركِّز على تحقيق تكامل شامل بين الأقسام المختلفة داخل المؤسسة، وتحقيق التكامل بين المؤسسة وبيئة العمل الخارجية في الوقت نفسه. تُحدِّد الإدارة الاستراتيجية الأساليب التي يُمكن من خلالها زيادة انسجام المؤسسة مع بيئة عملها بُغية تحقيق أهدافها. توضِّح الخطط الاستراتيجية الاحتياجات التنظيمية على مستوى المؤسسة بكاملها، وتضع رؤية طويلة المدى للمؤسسة، وتبيِّن أيضًا سبب إنشاء المؤسسة وأهدافها الاستراتيجية واستراتيجياتها التشغيلية، وتتضمّن الخطط الاستراتيجيّة أيضًا عبارات الإجراءات (الخطوات العمليّة) التي تبيِّن كيفية تحقيق الأهداف الاستراتيجية الخاصة بالمؤسسة. من عناصر التخطيط الاستراتيجي صياغةُ رسالة المؤسسة؛ التي تبيِّن سبب إنشاء المؤسسة، والتي تجيب عن السؤال: «ما هي الأعمال التي ينبغي علينا تولِّيها؟» في الواقع، تُعدُّ رسالة المؤسسة وخطتها الاستراتيجية مستنداتٍ مهمة توجِّه مسار الأنشطة التي تُنفِّذها المؤسسة. تتميَّز الخطط الاستراتيجية بخصائص معينة، وتتضمَّن هذه الخصائص ما يلي: تُعدُّ من الخطط طويلة المدى، وتُحدِّد مركز المؤسسة في بيئة عملها الخارجية. واسعة وشاملة وتتضمَّن العديد من الأنشطة التنظيمية. تعمل على تحقيق التكامل بين أنشطة المؤسسة وتوجِّهها وتراقبها على المدى القريب والبعيد. تُحدِّد ضوابط عملية اتخاذ القرارات الإدارية. تُحدِّد الخطط التشغيلية مسارات العمل والإجراءات والأنشطة التي تُطبَّق في المستوى التنفيذي في المؤسسة. أمَّا الخطط الإدارية فهي تُشكِّل حلقة الوصل بين الخطط التي تُوضع على المستوى المؤسسي والخطط التشغيلية، وتربط أيضًا جميع الخطط التي تُوضع لمختلف وحدات المؤسسة. الخطط حسب تكرار الاستعمال تُصنَّف الخطط أيضًا حسب عدد مرَّات استعمالها. هناك بعض الخطط التي تُستعمل استعمالًا متكرّرًا، وهناك خطط أخرى تُستعمل مرة واحدة فقط. تُوضع الخطط الدائمة (standing plans)، مثل القواعد والسياسات والإجراءات، من أجل التعامل مع القضايا التي يواجهها المديرون مرارًا وتكرارًا. على سبيل المثال، قد يقلق المديرون بشأن تأخُّر الموظفين عن العمل، وهي مشكلة قد تحدث لدى جميع القوى العاملة وفي مختلف المؤسسات. قد يقرِّر هؤلاء المديرون وضع سياسة ثابتة لكي تُنفَّذ تلقائيًا في كل مرة يتأخَّر فيها الموظف عن العمل. يُطلق على الإجراءات التي تُنفَّذ بموجب الخطط الدائمة إجراءات التشغيل القياسية. تُوضع الخطط فريدة الاستعمال (Single-use plans) من أجل استعمالها في مواقف أو مشكلات استثنائيّة، وغالبًا ما تُستبدل بعد استعمالها لمرة واحدة. يستخدم المديرون عمومًا ثلاثة أنواع من الخطط فريدة الاستعمال، وهي: البرامج والمشاريع والموازنات. يحتوي الجدول السابق على وصف موجز للخطط الدائمة والخطط فريدة الاستعمال. الخطط حسب المدى الزمني تبيِّن الخطط التي تقع ضمن هذا التصنيف ما الذي ستفعله المؤسسة في المستقبل، وتعكس هذه الخطط حاجة المؤسسة إلى التخطيط والتفكير في الأمور المستقبلية، وتتضمَّن ثلاثة أنواع، هي: الخطط قصيرة المدى، والخطط متوسطة المدى، والخطط طويلة المدى. تجدر الإشارة إلى أنَّ طول المدة الزمنية التي تغطيها الخطط تختلف اختلافًا كبيرًا فيما بين المؤسسات في مختلف أنحاء العالم؛ وذلك بسبب تميُّز كل قطاع عمل عن القطاعات الأخرى في طبيعة عمله، إلى جانب اختلاف التوجُّهات الزمانية في المجتمعات المختلفة (يمكنك الاطلاع على الاختلافات التي حدَّدها هوفستد بين الثقافات حول العالم على أساس التوجُّه نحو المستقبل). من المثير للدهشة أنَّ رجل الأعمال الياباني (كونوسوكي ماتسوشيتا) الذي أسَّس شركة (ماتسوشيتا) التي تحمل اسمه (والتي أصبح اسمها باناسونيك فيما بعد) قد وضع خطة مدتها 250 عامًا، ومع ذلك لا تُعدُّ خطته نموذجًا شائعًا للخطط طويلة المدى في الشركات! لا يقتصر الاختلاف بين الخطط قصيرة المدى ومتوسطة المدى وطويلة المدى، لا يقتصرُ على طول المدة الزمنية التي تغطيها؛ بل هناك أوجه اختلاف أخرى بينها. في الواقع، كلَّما كانت مدة الخطة أطول، ازدادت حالات عدم اليقين أمام المخططين في معظم الأحيان. نتيجةً لذلك، غالبًا ما تكون الخطط طويلة المدى أقل وضوحًا من الخطط قصيرة المدى، كما أنَّها غالبًا ما تبتعد عن الطابع الرسمي وتكون ذات تفاصيل أقل ومرونة أكبر مقارنةً بالخطط قصيرة المدى، وذلك بهدف التعامل المناسب مع المواقف المُبهمة (التي لم تتضمّنها الخطّة). بالإضافة إلى ذلك، تميل الخطط طويلة المدى إلى أن تكون ذات طابع إرشادي وتوجيهي أكثر من غيرها. يظهر في الصورة برج تلفزيون (سابورو) الذي رُكِّبت عليه ساعات رقمية مقدَّمة من شركة (ماتسوشيتا)، وهي شركة يابانية تعمل في مجال تصنيع الإلكترونيات. اقترح مؤسس الشركة (كونوسوكي ماتسوشيتا) تركيب هذه الساعات؛ إذ رأى أنَّ هذه الساعات الرقمية ستلفت الانتباه إلى البرج. يحظى (ماتسوشيتا) بمكانة كبيرة بصفته رائدًا في الفكر الإداري في اليابان، ويُعدُّ من الداعمين للتخطيط طويل المدى، لدرجة أنَّه قد وضع خطة مدتها 250 عامًا. (مصدر الصورة: حساب Arjan Richerter/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) الخطط حسب النطاق التنظيمي تُصنَّف الخطط أيضًا حسب نطاقها التنظيمي، وتركِّز بعض هذه الخطط على المؤسسة بأكملها. على سبيل المثال، طوَّر رئيس جامعة (مينيسوتا) خطةً تهدف إلى جعل هذه الجامعة واحدة من أفضل خمس مؤسسات تعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية. في المقابل، هناك خطط أخرى ذات نطاق أضيق لأنَّها تركِّز على مجموعة جزئية من أنشطة المؤسسة أو وحدات العمل فيها، مثل وحدة الخدمات الغذائية في الجامعة. يُمكنك الرجوع إلى الجدول السابق لمعرفة المزيد من التفاصيل المتعلِّقة بالخطط المصنَّفة حسب النطاق التنظيمي. خطط الطوارئ غالبًا ما تُجري المؤسسات ما يُعرف بالتخطيط للطوارئ (الذي يُعرف أيضًا باسم التخطيط بالسيناريو أو تخطيط "ماذا لو"). ذكرنا سابقًا أنَّ عملية التخطيط تُبنى على افتراضات معينة حول الأمور التي يُتوقَّع أن تحدث في بيئة عمل المؤسسة. تُوضع خطط الطوارئ من أجل التعامل مع المُستجدّات والطوارئ التي لم تشملها عمليّة التخطيط أو التي لم تكن في حسبان المخطّطين أثناء وضعهم لمخطّطهم (تبيّن أن الافتراضات في المخطط غير صحيحة)؛ وهذا يعني أنَّ التخطيط للطوارئ يُحدِّد مسارات العمل البديلة التي سوف تُنفَّذ إذا عرقلت الأحداث غير المتوقَّعة مسار العمل المخطَّط له. تتيح خطط الطوارئ لإدارة المؤسسة اتخاذ إجراءات فورية إذا أصبحت الخطط الراهنة غير مناسبة أو غير قابلة للتنفيذ نتيجةً للأحداث غير المخطَّط لها، مثل حدوث إضرابات أو مقاطعة للمنتجات أو كوارث طبيعية أو تغيُّرات اقتصادية كبيرة. على سبيل المثال، تضع شركات الطيران خطط طوارئ للتعامل مع الهجمات الإرهابية والكوارث الطبيعية وحوادث الطيران المؤسفة. في الواقع، إنَّ معظم خطط الطوارئ لا تُنفَّذ أبدًا، ولكنَّها مهمة للغاية عند الحاجة لها. ترجمة -وبتصرف- للفصل Types of Plans من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: التخطيط وصياغة الأهداف في المؤسسات المقال السابق: كيف تجري عملية التخطيط في المؤسسات
  8. تتميَّز عملية التخطيط الفعَّال بأنَّها تُركِّز على المستقبل وتتمتّع بالشموليّة والمنهجية ويُمكن التشاور بشأنها، وتنطوي على بحثٍ واسعٍ عن البدائل وتحليل المعلومات ذات الصلة، وتتسِّم بأنَّها عملية منهجية بطبيعتها، وغالبًا ما تكون قائمة على المشاركة. يُقسِّم نموذج التخطيط المبيَّن في هذا القسم هذه الوظيفة الإدارية إلى عدة خطوات، كما هو موضَّح في الشكل التالي. إنَّ اتباع خطوات هذا النموذج يُساهم في تحقيق متطلَّبات التخطيط الفعَّال في المؤسسات. عملية التخطيط (المصدر: مقتبس من كتاب «Principles of management: An analysis of managerial functions»، هارولد كونتز وسيريل أودونيل، 1972. ص 113) الخطوة الأولى: إدراك الوضع الراهن يُشير الباحثان في مجال الإدارة هارولد كونتز (Harold Koontz) وسيريل أودونيل (Cyril O’Donnell) إلى أنَّ الخطوة الأولى في عملية التخطيط هي الإدراك. يعمل المديرون في هذه الخطوة على تكوين الأساس الذي سوف يبنون عليه خططهم، ويُحدِّد هذا الأساس الوضع الحالي للمؤسسة والتزاماتها ونقاط قوتها ونقاط ضعفها، ويُوضّح أيضًا رؤيتها المستقبلية. من المعلوم أنَّ للأحداث والوقائع الماضية دور مهم في تحديد سير عمل المؤسسة ووجهتها المستقبلية، لذلك يجب على المديرين في هذه المرحلة فهم طبيعة مؤسستهم وتاريخها، وكما يقولون: «كلما تأمَّلت فيما مضى، كُنتَ أشدَّ بصيرةً في المستقبل.» الخطوة الثانية: صياغة عبارات الأهداف الخطوة الثانية من خطوات عملية التخطيط هي تحديد وجهة المؤسسة أو غايتها النهائية، وغالبًا ما يتطلَّب ذلك تحديد الأهداف. يُحدِّد المديرون الذين يعملون في مختلف مستويات الهرم الإداري للمؤسسة عددًا من الأهداف، كما يضع كلٌّ منّا أهدافع الخاصة بك، مثل الحصول على درجة معينة في مادة دراسية ما. من الجدير بالذكر أنَّه لا بُدَّ من توافق الخطط التي تُوضع في مختلف المستويات الإداريّة مع بعضها بعضًا، وأن تصبَّ جميعًا في مصلحة المؤسسة ككل. على سبيل المثال، يجب أن تتوافق الخطط التي تضعها لجنة المناهج التابعة لقسم التسويق بالجامعة مع خطط القسم وتدعمها، والتي بدورها تُساهم في تحقيق أهداف كلية إدارة الأعمال، و يُفترض في الوقت نفسه أن تدعم الخطط التي تضعها هذه الكلية أهداف الجامعة. يتضّح ممَّا سبق أنَّ المديرين يُسهمون في بناء تسلسل معقَّد من الخطط التنظيمية (كما هو موضح في الشكل التالي)، وذلك من أجل تحقيق الأهداف العامة لمؤسستهم. مثال عن تسلسل الخطط التنظيمية (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) التخطيط للأهداف والتخطيط للمجال يُمكن صياغة عبارات الأهداف من خلال تحديد الغايات المنشودة أو تحديد المسار المطلوب نحو وُجهة معينة لتحقيق مجموعة من النتائج التي تعود بالنفع. يُقصد بالتخطيط للأهداف (goal planning) أن يضع الأفراد أهدافًا معينة ومن ثمَّ يُحدِّدون عبارات الإجراءات (الخطوات العمليّة) التي ستبيِّن كيفية تحقيق هذه الأهداف. على سبيل المثال، قرَّرت الطالبة الجامعية الجديدة نسرين أنّها تودُّ الحصول على درجة البكالوريوس في الكيمياء الحيوية (الهدف)، ثمَّ وضعت خطة دراسية مدتها أربع سنوات لكي تُعينها على تحقيق هذا الهدف. استخدمت نسرين في هذا المثال أسلوب التخطيط للأهداف؛ إذ إنَّها قد وضعت هدفًا في البداية ثمَّ حدَّدت الإجراءات والخطوات اللازمة لتحقيق ذلك الهدف. التخطيط للمجال/ للمسار (domain/directional planning) هو أسلوب آخر للتخطيط، يضع بواسطته المديرون مسار عمل يقود المؤسسة نحو مجال واحد محدَّد (ومن ثمَّ يصرفها عن المجالات الأخرى). قد يكون ضمن المجال المحدَّد عدة أهداف دقيقة ومناسبة. على سبيل المثال، قرَّر خريج المدرسة الثانوية نبيل أنَّه يودُّ التخصُّص في مجال متعلِّق بالأعمال التجارية في الجامعة، لذلك فهو سيعمل على اختيار مجموعة متنوعة من المواد الدراسية من منهج كلية إدارة الأعمال خلال السنوات الأربع القادمة، ولكنَّه لن يختار تخصصًا محدَّدًا. بعد أن يختار نبيل المواد التي سيدرسها بناءً على إمكانيّة دراسته لها وما إذا كان مهتمًّا بها، فإنَّه سيُحقِّق عددًا كافيًا من الإنجازات ضمن المجال الذي اختاره؛ الأمر الذي سيُمكِّنه من التخرُّج في تخصُّص التسويق مثلًا. استخدم نبيل في هذا المثال أسلوب التخطيط للمجال، ولم يستخدم تخطيطًا للأهداف إطلاقًا، ولكنَّه سيُحقِّق في النهاية واحدًا من الأهداف التي وضعها ضمن هذا المجال المعتمد. يُعدُّ تطوير الأوراق اللاصقة المعروفة باسم بوست-ايت (Post-it) التي تُنتجها شركة ثري أم (3M) من الأمثلة التي توضِّح كيفية حدوث التخطيط للمجال؛ إذ كانت تُبذل الجهود في مختبرات الأبحاث التابعة لشركة (3M) من أجل تطوير أنواع جديدة من المواد اللاصقة، وكانت إحدى النتائج مادة لاصقة لم تكن فائدتها معروفة بسبب انخفاض قدرتها على لصق الأشياء بقوة. أدرك آرثر فراي (Arthur L. Fry) الذي يعمل في أحد أقسام شركة (ثري أم) أنَّ هذه المادة اللاصقة -التي أنتجها سبنسر سيلفر (Spencer F. Silver) والذي يعمل أيضًا في نفس الشركة- يُمكنها الالتصاق بالورق لفترات طويلة ويُمكن إزالتها دون إتلاف الورق، وذلك بعد أن تضايق فراي بسبب سقوط مؤشرات الصفحات (page markers) من أحد الكتب الخاصة به وهو في الكنيسة. جرَّب فراي استخدام المادة اللاصقة الجديدة على مؤشرات الصفحات وأوراق الملاحظات، ومن هنا جاءت فكرة المنتج الذي يُدعى (Post-it) والذي حظي بشعبية كبيرة وأدرَّ لشركة (3M) الكثير من الأرباح. أشار جيف نيكولسون (Geoff Nicholson)، الذي كان له الفضل في رواج منتج (Post-it)، أشار إلى أنَّه بدلًا من الانخراط في عملية التخطيط لفترة طويلة، يجب تسريع عجلة الابتكار واتخاذ القرارات مبكرًا بشأن الاستمرار في تطوير المنتج المبتكَر أو الانتقال إلى تطوير منتجات أخرى. تظهر في الصورة أوراق الملاحظات (Post-it) التي تُنتجها شركة 3M، غالبًا ما يُستخدم هذا المُنتج عند إنشاء المستندات المشتركة والتعديل عليها، مثل الخطة الإستراتيجية للشركة. كيف يمكن أن تؤثِّر التكنولوجيا الحديثة التي تسمح لعدة أشخاص بمشاركة المستندات الإلكترونية، مثل ملفات Word أو PowerPoint، على مبيعات المُنتج (Post-it) من وجهة نظرك؟ (مصدر الصورة: حساب Kevin Wen/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) من المواقف التي قد يُجري المديرون فيها تخطيطًا للمجال: عندما تكون هناك ضرورة واضحة للمرونة. عندما لا يتمكَّن الأفراد من الاتفاق على الأهداف. عندما تكون بيئة العمل الخارجية للمؤسسة غير مستقرة وغامضة بدرجة كبيرة. عندما تكون المؤسسة في أولى مراحلها أو عندما تمرُّ بمرحلة انتقالية. بالإضافة إلى ذلك، يقتصر إجراء التخطيط للمجال غالبًا على مستوى الإدارة العليا في المؤسسة؛ إذ يكون المديرون مسؤولين عن التعامل مع بيئة العمل الخارجية وتكون المهام غير واضحة المعالم. في المقابل، يسود إجراء التخطيط للأهداف (صياغة أهداف متناغمة مع المجال المحدَّد) غالبًا في المستوى التنفيذي في المؤسسة، والذي تَقلُّ فيه حالات عدم اليقين. التخطيط الهجين أحيانًا يحدث دمج بين التخطيط للمجال والتخطيط للأهداف، وهذا يؤدِّي إلى تشكيل أسلوب ثالث يُسمَّى التخطيط الهجين. في هذا الأسلوب، يبدأ المديرون بدراسة مخطط سير العمل العام ويسعون إلى سلوك اتّجاه معين. في بداية العمل يسلك المديرون منهج التخطيط للمجال (الذي يكون أشمل وأوسع وأكثر مرونة) ويكتسبون المعلومات مع مرور الوقت، ومن ثمَّ تقل حالات الغموض وعدم اليقين، وتُصبح الأولويات والتفضيلات أكثر وضوحًا، ويُصبح المديرون قادرين على الانتقال إلى مرحلة التخطيط للأهداف، ويتمكَّنون من وضع أهداف أكثر تحديدًا في المجال المحدَّد. مجمل القول هو أنَّ الانتقال من التخطيط للمجال إلى التخطيط للأهداف يحدث عندما تتراكم المعرفة وتزداد الخبرات، ويُصبح هناك ميل لتحقيق هدف معين، وتُحدَّد عبارات الإجراءات. نتائج التخطيط للأهداف والتخطيط للمجال والتخطيط الهجين لا يؤثِّر تحديد الأهداف على الأداء مباشرةً فحسب؛ بل يُشجِّع المديرين أيضًا على التخطيط تخطيطًا أفضل، وهذا يعني أنَّه بعد تحديد الأهداف، يزداد ميل الأفراد إلى التفكير بطريقة منهجية بشأن كيفية تحقيق هذه الأهداف. لكن عندما تتَّسم الأهداف بالغموض وعدم الوضوح، كما هو الحال عند إجراء التخطيط للمجال، فإنَّ الأفراد يجدون صعوبة في وضع خطط عمل مفصَّلة وواضحة، ومن ثمّ يُصبح أداؤهم أقل فاعلية. تجدر الإشارة إلى أنَّ المقالات التي تحدّثنا فيها عن التحفيز تتطرَّق إلى نظرية الهدف (goal theory) والتي تعكس أهميّة تحديد الأهداف في زيادة فعاليّة وإنتاجيّة الأفراد. تُشير الدراسات إلى أنَّه ينتج عن التخطيط للأهداف مستويات أداء أعلى مقارنةً بالتخطيط للمجال وحده. الخطوة الثالثة: الافتراض يضع المديرون في هذه الخطوة الافتراضات التي سيحدِّدون بناءً عليها عبارات الإجراءات. إنَّ مدى جودة ونجاح أي خطة يعتمد على مدى جودة افتراضاتها الأساسية، لذلك يجب خلال عملية التخطيط وضع افتراضات بشأن الأحداث المستقبلية ومتابعتها وتحديثها تحديثًا دوريًا. يجمع المديرون المعلومات من خلال دراسة بيئات العمل الداخلية والخارجية لمؤسستهم، ثمَّ يستخدمون هذه المعلومات لوضع افتراضات حول الأحداث المستقبلية المُحتملة. لكي تتضِّح هذه الخطوة أكثر، دعونا ننظر إلى ما فعلته الطالبة نسرين التي أشرنا إليها في مثالٍ سابق. جلست نسرين تفكِّر في كيفية توفير المال الكافي الذي سيُمكنِّها من دفع الرسوم الدراسية المطلوبة لإكمال دراستها الجامعية، ومن ثمَّ الحصول على درجة البكالوريوس في الكيمياء الحيوية، وتوقَّعت أنَّها ستحتاج إلى العثور على وظيفة صيفية بدوام كامل على مدار عامين، بالإضافة إلى مدَّخراتها والأموال التي قدَّمها لها والديها. بناءً على ذلك، دوَّنت نسرين في خطتها التي تمتدُّ لأربع سنوات أنَّها بحاجة إلى إيجاد وظيفة صيفية بدوام كامل في الفترة ما بين الانتهاء من الدراسة الثانوية وبداية السنة الجامعية الأولى، وأخرى في الفترة ما بين نهاية السنة الجامعية الأولى وبداية السنة الجامعية الثانية. ستعمل نسرين في الصيف الذي يسبق بداية السنة الجامعية الثالثة والصيف الذي يسبق بداية السنة الجامعية الرابعة للحصول على التدريب المناسب والبحث عن فرص العمل المتاحة للخريجين؛ الأمر الذي سيُسعد والديها! تُعدُّ الخطة التي تُوضع لتحديد كيفية دفع الرسوم الدراسية وإكمال التعليم في غاية الأهمية، ولكن لا يقتصر استخدام مهارات التخطيط الفعَّال على الأمور المتعلِّقة بالعمل أو الدراسة فقط؛ بل يمكن لأي فرد استخدامها في شتّى المجالات والأنشطة الحياتيّة. الخطوة الرابعة: تحديد مسار التنفيذ (عبارات الإجراءات) يُحدِّد المديرون في هذه الخطوة كيفية الانتقال من وضعهم الحالي والتحرًّك نحو هدفهم (أو نحو مجالهم)، ويعملون على صياغة عبارات إجراءات ( خطوات عمليّة) تُوضِّح بالتفصيل ما يجب فعله ومن سيفعله ومتى وكيف سيفعلونه. يُبيِّن مسار التنفيذ كيف ستنتقل المؤسسة من وضعها الراهن إلى وضعها المستقبلي المنشود، وتتضمّن هذه الخطوة: تحديد البدائل استنادًا إلى البحث والتجريب والخبرة. تقييم البدائل بناءً على مدى إسهام كلٍّ منها في مساعدة المؤسسة على تحقيق أهدافها أو إحراز تقدُّم في المجال المحدَّد. اختيار مسار التنفيذ بعد معرفة مزايا كل بديل ودراستها بعناية. الخطوة الخامسة: صياغة خطط داعمة نادرًا ما تقتصر عملية التخطيط على تبنِّي خطة عامة؛ إذ غالبًا ما يحتاج المديرون إلى وضع واحدة أو أكثر من الخطط الداعمة أو الثانويّة من أجل تدعيم خطتهم الأساسية وتفصيلها. على سبيل المثال، افترض أنَّ إحدى المؤسسات ترغب في تقليل معدل دوران الموظفين، ولذلك قرَّرت تقليل عدد أيام العمل من خلال الانتقال من نظام أسبوع العمل الذي مدته 5 أيام وعدد ساعات العمل فيه 40 ساعة إلى نظام أسبوع العمل الذي مدته 4 أيام وعدد ساعات العمل فيه 40 ساعة أيضًا. تتطلَّب هذه الخطة الرئيسية وضع مجموعة من الخطط الداعمة، فقد يحتاج المديرون إلى تطوير سياسات شؤون الموظفين المتعلِّقة بأجور ساعات العمل الإضافي، وستكون هناك حاجة لوضع عدد من الخطط الإدارية الجديدة التي ترتبط بتحديد مواعيد الاجتماعات، وكيفية التعامل مع المكالمات الهاتفية، وكيفية التعامل مع الزبائن والمورِّدين، بمعنى آخر وضع خطط عمل ثانوية والتي ستحتاجها الشركة لتنظيم تداعيات تنفيذ الخطّة الرئيسية. العلاقة بين التخطيط والتنفيذ والرقابة بعد أن ينتهي المديرون من الخطوات الخمس لعملية التخطيط وبعد أن يضعوا ويُنفِّذوا خططًا معينة، فإنَّه يجب عليهم مراقبة تنفيذ هذه الخطط ومتابعتها. يضطلع المديرون بأداء مهمة الرقابة (التي سوف نتناولها بمزيد من التفصيل لاحقًا في مقالات هذا الباب من سلسلتنا) عن طريق ملاحظة سلوكيات الموظفين والأنشطة التي تجري داخل المؤسسة، ومن ثمَّ مقارنتها بعبارات الأهداف وعبارات الإجراءات التي وُضعت أثناء عملية التخطيط، ويتخذون على إذر هذه المراقبة إجراءات تصحيحية إذا لاحظوا أي انحراف عن المسار المُحدّد وأي نتائج غير متوقَّعة أو غير مرغوب فيها. نُلاحظ ممَّا سبق أنَّ هناك ارتباط وثيق بين عملية التخطيط وعملية الرقابة (فعملية التخطيط تتبعها عملية رقابة، ثمَّ تتبعها عملية تخطيط أخرى، وهكذا). تمدُّ عملية التخطيط عملية الرقابة بالمعايير التي سيُقيَّم السلوك بناءً عليها عند إجراء الرقابة. في المقابل، إنَّ مراقبة السلوك التنظيمي (عملية الرقابة) يُزوِّد المديرين بمجموعة من البيانات والمدخلات التي تُساعدهم على الاستعداد لعملية التخطيط القادمة (استدراك أخطاء وُضعت في سياق المُخطط السابق وتبيّن وجود نقاط ضعفٍ فيها بعد مراقبة خطوات تنفيذها)؛ أي أنَّ عملية الرقابة توفِّر معلومات تُسهم في تحسين إدراك الوضع الراهن (الخطوة الأولى من عملية التخطيط). انطلاقًا من أهمية إدارة الجودة الشاملة وإجراء تحسين مستمر على الإجراءات المطبَّقة وكذلك على السلع والخدمات، فإنَّ هناك عددًا من المؤسسات التي ربطت بين أنشطة التخطيط والرقابة التي تجري فيها من خلال تبنِّي وتطبيق دورة ديمنج (المعروفة أيضًا بدورة شيوارت)، ومن هذه المؤسسات فرع شركة أي بي ام (IBM) الموجود في مدينة روشستر في ولاية مينيسوتا. لقد لوحظ كثيرًا أنَّ العديد من المؤسسات التي تخطِّط لا تدرك حقيقةً أهمية التعلُّم المستمر والاستفادة من التجارب السابقة، إذ إنَّ خططهم إما تُوضع على الرف ويتراكم عليها الغبار أو تُصاغ وتُنفَّذ ويُلتزَم بها ولكن دون مراجعتها بانتظام وتعديلها. في الواقع، غالبًا ما تُنفَّذ الخطط دون تحديد الوضع الحالي للمؤسسة منذ البداية، ولذلك لا يُمكن إجراء مقارنات بين الوضع القديم والوضع الجديد أو تقييم فعالية الخطة الموضوعة. تُساعد دورة ديمنج (الموضحة في الشكل التالي) المديرين على تقييم آثار مسار التنفيذ المحدَّد من خلال دمج نتائج عملية التعلُّم التي تجري داخل المؤسسة في عملية التخطيط، وتتألَّف دورة ديمنج من أربع مراحل رئيسية هي: خطِّط: صياغة الخطة باتباع خطوات عملية التخطيط التي وضَّحناها سابقًا. نفِّذ: تطبيق الخطة. تحقَّق: متابعة نتائج مسار التنفيذ المحدَّد. يُصبح لدى المؤسسة معلومات تتعلَّق بفعالية الخطة في هذه المرحلة. صحِّح: التصرُّف بناءً على المعلومات الجديدة، وتعديل الخطة، والرجوع إلى المرحلة الأولى من مراحل دورة ديمنج، إذ تبدأ المؤسسة التي تسعى إلى التعلُّم والتحسين المستمر دورة تخطيط جديدة. دورة ديمنج (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) ترجمة -وبتصرف- للفصل The Planning Process من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: أنواع الخطط المستخدمة في المؤسسات المقال السابق: التخطيط والرقابة في المؤسسات
  9. سنستقبل الباب التالي من سلسلة مقالاتنا الفريدة عن مبادئ إدارة الأعمال في جُملة من المقالات التي تتمحور حول موضوعٍ آخر جوهري في مجال الإدارة المؤسساتيّة ألا وهو التخطيط والرقابة. يواجه المديرون في عالم إدارة الأعمال وبيئة العمل المؤسساتية الكثير من المفاجآت والعقبات ولا بُدُّ من التخطيط المُتأني والرقابة المناسبة لجميع العمليات التي تضطلع بها المؤسسة، سواءً في وقتها الراهن أم في مخططات العمل المستقبليّة. في مقالاتنا القادمة سوف نوضّح ماهيّة عملية التخطيط وأهميّتها وسبب احتياج المؤسسات إلى إجراء عمليّات التخطيط والرقابة باستمرار، وسوف نسترسل في تبيان أنواع الخطط المختلفة في المؤسسات وكيف يؤثر الأفراد والمؤسسات على وضع الأهداف والخطط، سنسلّط الضوء أيضًا على طبيعة عمليّة التخطيط في وقتنا الحاضر ودور عمليّة الرقابة وتأثيرها على أعضاء المؤسسة، وسنختتم مقالات هذا الباب بشرح مفهوم الإدارة بالأهداف بوصفها أسلوبًا إداريًا ناجعًا، ونوضّح الفرق بين تنفيذ إجراءات التخطيط والرقابة في ظل الإدارة القائمة على السيطرة والإدارة القائمة على المشاركة. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية إليزابيث شاربونييه مبتكرة ChezPastis.com شركة ChezPastis.com هي من بنات أفكار إليزابيث شاربونييه (Elisabeth Charbonnier)، وهذه الشركة متخصِّصة في بيع الأطعمة الفرنسية وغيرها من الأطعمة الشهية عبر الإنترنت. لقد كانت إليزابيث وشركاؤها من الطهاة المحترفين قبل تأسيس الشركة، وكان هدفهم من تأسيسها هو تقديم المنتجات الشهية للعالم أجمع. بدأت شركة ChezPastis.com بداية قوية، وسرعان ما أصبحت إليزابيث وشركاؤها منشغلين جدًّا، لدرجة أنَّهم لا يجدون الوقت اللازم للتخطيط للمستقبل، وكانوا يحاولون المحافظة على بقاء الشركة واستمرارها، ولكن بعد ستة أشهر واجهت الشركة الكثير من التحديات والصعوبات المصاحبة لمرحلة النمو والتطوُّر، مثلها مثل الشركات الناشئة الأخرى المتخصِّصة في مجال التجارة الإلكترونية. حاول أحد شركاء إليزابيث -والذي يُدعى زاك فورتونا (Zack Fortuna)- في أحد الأيام شراء بعض الكتب لإهدائها لابنته في يوم ميلادها، وقد انزعج من الرسالة التي تلقَّاها بعد محاولته تقديم طلب الشراء والتي كانت: «المعذرة، البضائع التي طلبتها غير متوفرة حاليًا، ولن تكون متاحة قبل شهرين». كان زاك يحتاج إلى الحصول على الكتب خلال أسبوعين وليس شهرين، لذلك قرَّر الذهاب إلى متجر الكتب وشراء الكتب الموجودة في المخزن بدلًا من إهدار الوقت في البحث عن بضائع قد لا تكون متوفرة على الإنترنت. أدرك زاك فجأةً أنَّ هذا الموقف يحدث في شركة ChezPastis.com أيضًا؛ إذ إنه في كثيرٍ من الأحيان تنفد بعض أنواع البضائع في المؤسسة وهذا يُعيق طلبات الزبائن ويؤخّرها. ما يُمكن استنتاجه هو أنَّ التحديات التي تواجه شركة ChezPastis.com أثناء نموها قد تكون مرتبطة بمشكلات في الإمداد والتوريد. تساؤلات: هل مشكلة المخزون في شركة ChezPastis.com تُعزى إلى سوء التخطيط أم ضعف الرقابة أم كليهما؟ كيف بإمكان إليزابيث وزاك وشركائهما الآخرين تحسين الوضع ومعالجة المشكلة؟ غالبًا ما يقول المديرون عبارات مثل: «إذا كان المرء جيدًا بما يكفي، فليس من الضروري أن يُخصِّص وقتًا للتخطيط الرسمي. في الواقع، الوقت الذي يُستغرق في التخطيط يُقلِّل من الوقت الذي يُستغرق في التنفيذ»، ومن المحتمل أنَّهم يقولون هذا لتبرير عدم وجود برنامج تخطيط رسمي. إنَّ هذه الأقاويل ليست صحيحة على الإطلاق؛ فالتخطيط يُعزِّز من فعالية المؤسسة بأكملها ويساهم في تجنّب الكثير من المشاكل والمفاجآت. لإدراك مدى أهمية التخطيط، تأمَّلوا هذه القصة: لقد أنتجت شركة كاليكو كاندي (Calico Candy) منذ بضع سنوات حلوى الطوفي "سانتا كلوز"، والتي حقَّقت مبيعاتها نجاحًا باهرًا. حدَّدت الشركة خطتها على إثر ذلك النجاح وأنتجت حلوى الطوفي "أرنب عيد الفصح" وأعادت إنتاج حلوى الطوفي "سانتا كلوز" في الكريسماس مرة أخرى، ولكن لم تُحقِّق حلوى الطوفي التي أنتجتها شركة كاليكو نجاحًا هذه المرة بسبب سوء التخطيط. لقد أظهرت دراسات السوق بوضوح أنَّ المستهلكين أصبحوا يُفضِّلون الشوكولاتة على حلوى الطوفي، ولكنَّ الشركة استمرَّت في التخطيط بناءً على نجاحها السابق، بدلًا من التخطيط لتقديم منتجات تُلبِّي تفضيلات المستهلكين الجديدة، وخسرت نتيجةً لذلك الكثير من الأموال. لا يُمكن لأحد أن يُنكر أنَّ التخطيط الجيّد هو أحد الأركان الأساسيّة للنجاح. الإجراءات والنتائج: ذهب زاك إلى العمل في اليوم التالي، بعد الموقف الذي مرّ به، وهو متحمِّس بشأن الاستنتاجات التي توصَّل إليها. لقد كان الشركاء يُدركون أنَّ المخزون يُمثِّل مصدر مشكلات دائم للشركة، ولكنَّهم لم يدركو الآثار التي يُمكن أن تترتَّب على انزعاج الزبائن المُحتملين من تأخُّر الطلبات وانتقالهم إلى متجر آخر، واكتشفوا بعد جمعهم للبيانات المتعلِّقة بطلبات الزبائن والبضائع غير المتوفِّرة أنَّ نسبة طلبات الزبائن التي تُلبَّى فورًا هي 50% فقط! على ضوء تلك النتائج قرَّر الشركاء، بعد أن صُدموا بهذه الحقيقة، عقد اجتماعات دورية للتخطيط الاستراتيجي من أجل دراسة الحقائق والمعلومات الشاملة والتخطيط للمستقبل. إن أول قرارٍ خرجوا به هو وضع أنظمة رقابة أفضل على عملية جرد المخزون وجمع البيانات المتعلِّقة بتجارب تسوُّق الزبائن إلكترونيًا عبر موقع الشركة ChezPastis.com. اقترحت إليزابيث أن يكون هدفهم الحالي هو عدم الاضطرار أبدًا إلى إخبار الزبائن بأنَّ البضائع المطلوبة غير متوفرة في الوقت الراهن، وهذا يعني العمل على توفير جميع البضائع التي يطلبها الزبائن مباشرةً. أقرَّ زاك أنَّ هذا الهدف ممتاز، ولكنَّه يرى أنَّه يجب عليهم تحديد هدف طموح يُمكن تحقيقه، وهو ألّا تقل نسبة طلبات الزبائن التي بإمكانهم تلبيتها فورًا عن 80%؛ إذ إنَّ شركتهم هي شركة صغيرة في بيئة متغيِّرة وغير مستقرة، وهم لا يُريدون تثبيط الموظفين بسبب هدف قد يكون من المستحيل تحقيقه. يتمثَّل جوهر التخطيط في الانتباه إلى الفرص والتهديدات المستقبلية، ومن ثمَّ استغلالها أو مواجهتها حسبما يقتضي الحال. يُمكن أن يُعَدَّ التخطيط بمثابة فلسفة، ليس بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن بالنظر إليه على أنَّه توجُّه أو أسلوب حياة. أهمية التخطيط التخطيط هو العملية التي يضع المديرون خلالها الأهداف ويحدِّدون كيفية تحقيق هذه الأهداف. تحتوي الخطط على عنصرين أساسيين، هما: عبارات الأهداف، وعبارات الإجراءات. توضِّح عبارات الأهداف (goal statements) الغايات النهائية والنتائج التي يأمل المديرون في تحقيقها، في حين أنَّ عبارات الإجراءات (action statements) تُبيِّن الأساليب التي سوف تنتهجها المؤسسات من أجل تحقيق أهدافها. اعتزمت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي تغيير الطريقة التي تتشكَّل بها مجالس إدارة الشركات العامة من خلال الحث على أن يكون الموظفون أنفسهم جزءًا من المجالس الإدارية، إذ شجَّعت من خلال عبارات الإجراءات التي وضعتها على وجود شخص ينوب عن الموظفين في كل مجلس إدارة، مثل ميك باركر (Mick Barker) الذي كان يعمل في السكك الحديدية منذ سبعينيات القرن العشرين، والذي كان يُساهم في عملية اتخاذ القرارات بوصفه عضوًا في مجلس إدارة شركة فيرست غروب (First Group) العملاقة المتخصِّصة في النقل. إنَّ التخطيط هو نشاط فكري، ومن الصعب ملاحظة أو رؤية المديرين يخطِّطون؛ وذلك لأنَّ معظم هذا النشاط يحدث داخل أذهانهم ولا يظهر في سلوكيّاتهم. يتوجَّب على المديرين أثناء عملية التخطيط التفكير في الأمور التي يجب فعلها، ومن سيفعلها، وكيف ومتى سوف يفعلونها. بالإضافة إلى ذلك، يُراجع المديرون عند وضعهم لمحططات المؤسسة الأحداث الماضية، وكذلك يدرسون الفرص المستقبلية والتهديدات المحتملة، ويتطلَّب التخطيط الإلمام بنقاط قوة المؤسسة ونقاط ضعفها، إلى جانب اتخاذ القرارات بشأن النتائج المرغوبة وكيفية تحقيقها. يجب أن تكون عملية التخطيط لما سيحدث في المؤسسات -سواء في بيئة العمل الداخلية أم الخارجية- دورية ومستمرة، وأن تكون جزءًا من مهام المدير اليومية والأسبوعية والشهرية، وأن تكون مهمة روتينية لجميع أعضاء المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، يجب متابعة الخطط باستمرار، ويجب على المديرين وأعضاء المؤسسة الآخرين مراجعة هذه الخطط لمعرفة ما إذا كانت بحاجة إلى تعديل لكي تُلائم الظروف المُستجدّة أو المعلومات الحديثة التي ستؤثِّر على مستقبل المؤسسة. يجب أن تتمتّع عمليّة إدارة التخطيط بشيءٍ من المرونة، وخاصةً في خضمّ الظروف الجديدة والمتغيِّرة في عصرنا الراهن، ولكن من الواضح أنَّ شركة (كاليكو كاندي) لم تعمل على متابعة خططها بهذا الأسلوب. عندما نقول أنَّ التخطيط نشاط مستمر، فإنَّنا نعني استحداث طرق للتعامل مع الفرص والتهديدات المستجدَّة وغير المتوقَّعة. إنَّ التخطيط هو عملية توجيه أنشطة المؤسسة المختلفة وجعلها ذات قيمة وفائدة. لماذا يتوجَّب على المديرين التخطيط؟ هناك عدة أسباب تدفع المديرين لإعداد الخطط لأنفسهم وموظفيهم ووحدات المؤسسة المختلفة، وتتضمَّن هذه الأسباب: تقليل تأثير الظروف المتغيّرة وحالات عدم اليقين. جعل أنشطة المؤسسة تتمحور حول مجموعة من الأهداف. تحديد مسار عمل منظَّم للأنشطة المستقبلية. رفع الكفاءة الاقتصادية. تسهيل عملية الرقابة من خلال وضع معايير للأنشطة اللاحقة. هناك عدة عوامل تُضفي الأهمية على عملية التخطيط في المؤسسات. العامل الأول يتعلَّق ببيئة العمل الداخلية؛ إذ إنَّ وظيفة الإدارة تزداد تعقيدًا مع اتساع حجم المؤسسات وزيادة تعقيداتها، وتكتسب عملية التخطيط أهميتها من أنَّها تربط الأنشطة المستقبلية بالأنشطة الأخرى في المؤسسة. العامل الثاني يتعلَّق بتزايد حالات عدم اليقين التي يواجهها المدير، وذلك نتيجةً لتزايد تعقيد بيئة العمل الخارجية واضطرابها، وتكتسب عملية التخطيط أهميتها في هذه الحالة من أنَّها تتيح للمؤسسات التعامل مع بيئة عملها الخارجية بطريقة منهجية ومنظمة. كشفت دراسة من جامعة كورنيل وجامعة إنديانا أنَّ تغيُّب الموظفين عن العمل يُكلِّف الشركات 40 مليار دولار سنويًا؛ وكان الافتقار إلى التخطيط من المشكلات الكُبرى التي تواجه تلك الشركات. إنَّ الشركات التي تتبع خطة محدَّدة وواضحة في أعمالها اليومية تكون أكثر نجاحًا من تلك التي لا تفعل ذلك، ويذكر مؤلفو الدراسة أنَّ الإجراءات التي تتخذها المؤسسات للسيطرة على عواقب التغيُّب من شأنها أن تمنع من حدوثه، ومن المثير للاهتمام أنَّ هذه الإجراءات قد تكون بسيطة، مثل مراجعة السياسات التنظيمية التي تُحدِّد القواعد المتعلِّقة بتغيُّب الموظفين. هل المديرون يُخطِّطون حقًّا؟ يتوجَّب على المديرين التخطيط رسميًا، ولكن هل هم يفعلون ذلك؟ يؤكِّد بعض الملاحظين إلى أنَّ المديرين غالبًا ما يكونون مشغولين جدًّا لدرجة أنَّهم لا يتمكَّنون من التخطيط بطريقة منهجية ومنظمة، ويُشير هنري منتسبرغ البروفيسور المتخصِّص في الإدارة بجامعة (مكغيل): لكن هناك باحثون آخرون لديهم ملاحظات مخالفة لما سبق، إذ إنَّ الأستاذين كارول وجيلين (Carroll and Gillen) المتخصِّصين في الإدارة، بعد اطلاعهما على عدد من الدراسات التي ركزَّت على مدى كون التخطيط والأنشطة الإدارية الأخرى أجزاءً جوهرية من عملية الإدارة، قد أشارا إلى أنَّ وظائف الإدارة التقليدية التي حدَّدها هنري فايول وليندل أوريك وغيرهما ليست عاداتٍ وسلوكيّاتٍ لا شعوريّة كما يدَّعى بعض الكُتَّاب الإداريين المعاصرين؛ بل تُمثِّل وصفًا تجريديًا لما يفعله المديرون في الواقع وما يتوجَّب عليهم فعله. بيَّنت باربرا ألين، رئيسة شركة سنبيلت (Sunbelt Research Associates)، أنَّها أجرت قدرًا كبيرًا من التخطيط قبل إطلاق مشروعها الجديد، وأنَّها تُراجع خططها وتُحدِّثها دوريًا، حتى بعد نجاحها في تسيير العمل. غالبًا ما يكون المديرون مشغولين جدًا، والبعض منهم يتصرَّف بدون خطة عمل منظمة، ومع ذلك فإن العديد منهم يُخطِّطون بطريقة منظمة ومنهجية. على سبيل المثال، يضع العديد من المديرين خططًا منهجية لكيفية تفاعل مؤسساتهم مع الأزمات. على سبيل المثال، شكَّلت شركة (يونايتد إيرلاينز) مجموعة متخصِّصة في التخطيط لمواجهة الأزمات، وقد وضعت المجموعة خطة الطوارئ للتصدي للأزمات التي تصادف شركة (يونايتد إيرلاينز)، وحدَّدوا فيها ما يجب على فريق إدارة الأزمات التابع للشركة فعله في حالة حدوث أزمة. لقد ذكرت كيري كالاجنا (Keri Calagna)، المستشارة في الشؤون المالية وإدارة المخاطر في شركة (ديلويت)، أنَّ حوالي 20.7% من قيمة الشركة ترتبط بسُمعتها، ولكنَّ الرؤساء التنفيذيين و77% من أعضاء مجلس الإدارة أشاروا إلى أنَّ سُمعة الشركة هي المجال الأكثر عُرضة للخطر عند حدوث أزمة وأنَّ 39% منهم فقط لديهم خطة للتعامل مع مثل هذه الأزمات. في الواقع لا يضع التساؤل عمّا إذا كان المديرون يُخطِّطون حقًّا والملاحظة التي تُشير إلى أنَّهم يكونون مشغولين جدًا في كثير من الأحيان -لدرجة أنَّهم لا يمكنهم الانعزال في قمة جبل لفترة من الزمن من أجل التفكير في الوجهة التي يتوجَّب على المؤسسة الوصول إليها وكيفية وصولها إليها- لا يضعان في الحسبان حقيقة أنَّ هناك أنواعًا مختلفة من التخطيط. ترجمة -وبتصرف- للفصل Is Planning Important من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: كيف تجري عملية التخطيط في المؤسسات المقال السابق: قنوات التواصل الإداري الأساسية: التحدث والاستماع والقراءة والكتابة
  10. إنَّ العديد من المؤسسات التي تحتاج إلى إدارة حالة الفوضى التي تعاني منها، أو إحداث تغيير في ثقافتها، أو تمكين أفرادها وتطوير قدراتهم، أو إعادة هيكلتها، العديد من هذه المؤسسات قد سعت ولا زالت تسعى إلى معرفة كيفية تعيين القائد المناسب لتصحيح كلِّ تلك الجوانب. لقد أصبح الكثيرون يرون بأنَّ القيادة التبادلية والتحويلية والكاريزمية هي الأساليب القيادية الأنسب لإخراج المؤسسات من حالة الفوضى ودفعها نحو الأمام. القيادة التبادلية والقيادة التحويلية يُوصف القائد الذي يُؤيِّد الفكرة القائلة "إذا كانت الأمور تسير على ما يُرام، فلا تحاول تغييرها" بأنَّه قائدٌ تبادليّ (transactional leader). يُركِّز هذا القائد كثيرًا على المهام وعلى تقديم التوجيهات والحوافز التي من شأنها أن تحثّ الأتباع على تأدية العمل المطلوب. تحدث التفاعلات بين القائد والتابع في هذا النوع من القيادة في سياق علاقة اعتماد متبادل بينهما، الأمر الذي يؤدِّي إلى زيادة وتمكين الترابط بين الأفراد؛ إذ يدفع القائد التبادلي أفراد المجموعة نحو إنجاز المهمة من خلال تحديد هيكل العمل وتقديم الحوافز مقابل تأدية أفراد المجموعة السلوكيات والمهام المنوطة بهم. في المقابل، يُغيِّر القائد التحويلي (transformational leader) الأمور ويُعدِّلها على نحو كبير! بخلاف القائد التبادلي، فإنَّ القائد التحويلي لا يعمل على إحداث التغييرات من خلال تقديم الحوافز؛ بل يعمل على إلهام الآخرين لتنفيذ أعمالهم من خلال تعزيز قيمهم الشخصية وشغفهم وإيمانهم والتزامهم بعملهم وبرؤية المؤسسة ورسالتها. يدفع القائد التحويلي الأفراد إلى اتِّباعه من خلال جاذبيته وقدرته الكبيرة على التأثير فيهم، واهتمامه بأتباعه وتركيزه على تطويرهم، واستثارة تفكيرهم عن طريق التشكيك في الافتراضات وتحدي الوضع الراهن، بالإضافة إلى تحفيزهم وإلهامهم عن طريق صياغة رؤية جذابة وتوضيحها لهم. يُطلق على القائد التحويلي أيضًا اسم القائد ذو الرؤية، فهو يؤثِّر على الآخرين من خلال انجذابهم عاطفيًّا أو فكريًّا إلى أحلامه وتأمُّلاته ورؤيته المستقبلية. تربط الرؤية الوضع المستقبلي بالوضع الحالي، وتُشجِّع على الالتزام، وتُعطي معنىً وقيمة للإجراءات المتبعة، وتُشكِّل معيارًا دقيقًا لتقييم الأداء، وتدلُّ الملاحظات على وجود ارتباط إيجابي بين الرؤية، وتوجُّهات الأتباع وسلوكياتهم ومستويات أدائهم. لقد أشار وارن بينيس (Warren Bennis) إلى أنَّ مدى فعالية الرؤية يعتمد على قدرة القائد على إيصالها للآخرين بطريقة تُشعرهم بأنَّ تلك الرؤية هي رؤيتهم الخاصة. يُعدُّ القادة التحويليون متفاعلين جيِّدين، ويتميَّزون بالقبول الاجتماعي والانفتاح على الخبرات، وهم يبثّون النشاط في نفوس الآخرين ويزيدون وعيهم بأهمية تحقيق النتيجة المنشودة، ويحثُّونهم على أن يكون اهتمامهم بمصلحة المجموعة أكبر من اهتمامهم بمصالحهم الشخصية، بالإضافة إلى أنهم يُلهمونهم ويُحفِّزونهم على الإدارة الذاتية (أي على أن يقودوا أنفسهم)، ويُشجِّعون الأفراد أيضًا على التركيز على الاحتياجات الانسانية الأسمى (تقدير الذات وتحقيق الذات). ليس بإمكان المديرين الاعتماد فقط على الهيكل التنظيمي للمؤسسة في تسيير أنشطتها وعملياتها عندما تكون هذه المؤسسات في صدد مواجهة بيئة عمل غير مستقرة ومنافسة شديدة ومنتجات قصيرة الأجل وضرورة مواكبة سرعة العصر؛ ولكن بإمكان القادة التحويليين في هذه المواقف أن يعملوا على تحفيز الأتباع على التفاعل والإبداع، وعلى الإيمان بقيم وأهداف المؤسسة والتقدُّم للأمام بهمّة عالية! ترتبط القيادة التحويلية ارتباطًا إيجابيًا برضا الأتباع وأدائهم وسلوكيات المواطنة التنظيمية لديهم، وتَحدُث هذه التأثيرات الإيجابية لأنَّ سلوكيات القائد التحويلي تغرِس الشعور بالثقة والإحساس بالعدالة في نفوس الأتباع، الأمر الذي يؤثِّر إيجابيًا على رضا الأتباع ومستويات أدائهم. لقد أشار الباحثون راجانانديني بيلاي (R.Pelai) وتشيستر شريسهايم (C.Schriesheim) وإريك ويليامز (E. Williams) إلى أنَّ تصوُّرات الأتباع بخصوص العدالة [والثقة] تتحسَّن عندما يدركون أنَّ بإمكانهم التأثير على نتائج القرارات التي تهمهم وأنَّ علاقتهم بالقائد قائمة على المشاركة والعدل. القيادة الكاريزمية تنبع فعاليّة العديد من القادة من الكاريزما التي يتمتَّعون بها، وهي جاذبية شخصية أخَّاذة تبعث الموظفين على الولاء والحماس، ويستطيع القائد الكاريزمي التأثير على الآخرين تأثيرًا كبيرًا في الأحداث الكُبرى عبر شخصيّته الجذّابة. إنَّ من الصعب التمييز بين القائد الكاريزمي والقائد التحويلي؛ فالقائد التحويلي قد يحقِّق النتائج المنشودة من خلال جاذبيته الشخصية، وفي مثل هذه الحالة يُعدُّ هذان النوعان من القادة وجهين لعملة واحدة، ولكن يجدر الانتباه إلى أنَّه ليس جميع القادة التحويليين لديهم جاذبية شخصية. أثبت عالم الاجتماع ماكس فيبر أنَّ هناك اهتمامًا متزايدًا بالقيادة الكاريزمية خلال العقدين الماضيين، ووصف القادة الكاريزميين بأنَّهم الأفراد الذين يمتلكون سلطة شرعية تنشأ عن مكانتهم الاستثنائيّة أو بطولتهم أو شخصيّتهم التي يُحتذى بها. يستطيع القادة الكاريزميون "بمفردهم" التأثير على مسار العمل وإحداث التغييرات حتى في المؤسسات الكبيرة جدًا؛ إذ إنَّ شخصيتهم تكون مؤثِّرة جدًّا ولها وقعٌ كبير في جميع المستويات الإداريّة بالمؤسسة، كما أنَّ علاقتهم مع أتباعهم تكون قوية للغاية. يظهر في الصورة ترافيس كالانيك الرئيس التنفيذي لشركة أوبر الذي نجح في زيادة قيمة الشركة إلى أكثر من 60 مليار دولار، وقد اضطر إلى الاستقالة بعد أخذه لإجازة واستقالة العديد من المسؤولين التنفيذيين الرئيسيين بسبب الادعاءات التي تقول بأنَّ بيئة عمل شركة أوبر عدائية وغير أخلاقية. تنطوي القيادة الكاريزمية على تفاعل معقَّد بين سمات القائد واحتياجات الأتباع وقيمهم ومعتقداتهم وتصوُّراتهم وثقافتهم، وتتميز العلاقات بين القائد الكاريزمي وأتباعه بالقَبول المطلق من قِبل الأتباع للقائد، بالإضافة إلى الثقة في معتقدات القائد والتعلُّق به وطاعته بإرادتهم والاحتذاء به والانصهار في بوتقة طموحاته ورؤيته والإيمان برسالته وتوجيه مهاراتهم وجهودهم نحو تحقيق هذه الرسالة. يمكن أن يُساهم القائد الكاريزمي في تحسين أحوال الأفراد مثلما حدث عندما استطاع (لي إياكوكا) الحفاظ على آلاف الوظائف من خلال النهوض بشركة (كرايسلر) العملاقة وإنقاذها من الفشل، ويمكن أن يكون أثر القائد الكاريزمي كارثيًّا مثلما حدث في مدينة (واكو) في ولاية تكساس الأمريكية عندما أدَّت قيادة (ديفيد كوريش) للعشرات من الرجال والنساء والأطفال إلى موتهم بالنيران. غالبًا ما تكون مستويات أداء أتباع القادة الكاريزميين أعلى، ورضاهم عن أعمالهم أكبر، والنزاع على الأدوار فيما بينهم أقل، مقارنةً بأتباع القادة الآخرين. لكن ما هي خصائص هؤلاء الأشخاص الذين يمكنهم ممارسة مثل هذا التأثير القوي على أتباعهم؟ إنَّ القادة الكاريزميين يمتلكون رغبةً كبيرةً في السلطة وغالبًا ما يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على استخدام القوة المرجعية للتأثير على الآخرين، كما أنَّهم يتمتَّعون بثقة كبيرة بالنفس ويوقنون بصحة معتقداتهم ومُثلهم العليا. إنَّ امتلاك القائد الكاريزمي لهذه الثقة بالنفس وقوة اليقين يدفع الناس إلى الثقة في آرائه والالتزام التام برسالته وتوجيهاته، وتكون نتيجة ذلك كلّه هي تشكُّل علاقة قوية بين القائد والأتباع، ترتكز في الأساس على شخصية القائد. على الرغم من وجود العديد من القادة الكاريزميين الفعَّالين، إلا أنَّ أكثرهم نجاحًا يجمعون بين ميّزاتهم الكاريزمية التي يتمتَّعون بها والسلوكيات القيادية الفعَّالة التي يتبعها غيرهم من القادة الفعَّالين. أمَّا الذين يقتصرون على قدراتهم الكاريزمية ولا يعملون على اكتساب مهارات قيادية أخرى، فإنَّهم يجذبون الأتباع ولكنَّهم لا يُحقِّقون الأهداف التنظيمية والمؤسساتيّة بأكبر قدر ممكن من الفعالية، ويُمكن أن يكون هؤلاء القادة عمالقة في عالم الأعمال (على الأقل لفترة من الزمن)، ويمكن أن يكون لديهم الكثير من الأتباع، ولكنَّهم قد لا يُقدِّمون توجيهات بنَّاءة لأولئك الأتباع. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } الأخلاقيات في الحياة العملية شركة أوبر بحاجة إلى قائد أخلاقي لا يزال الجدل حول شركة (أوبر) ملازمًا لها منذ بداية تأسيسها في عام 2009 عندما كانت تُقدِّم خدمة السيارات الفاخرة لمدينة (سان فرانسيسكو) في الولايات المتحدة الأمريكية، وتدور العديد من الشكاوى حول الإجراءات التي اتخذها مؤسِّس الشركة ورئيسها التنفيذي السابق (ترافيس كالانيك)، ولكن في الواقع امتدت آثار ذلك إلى مختلف جوانب الشركة وأعمالها. كانت الخدمة التي قدّمتها الشركة في عام 2009 تُدعى (UberBlack)، وهي عبارة عن خدمة قيادة رفيعة المستوى، يبلغ ثمنها أكثر من ثمن ركوب سيارة أجرة، ولكنَّه أقل من ثمن استئجار سائق خاص لليلة. أمَّا خدمة (UberX)، وهي خدمة سيارات الأجرة التي تتبادر إلى ذهن معظم الناس في الزمن الحالي عندما يقولون كلمة "أوبر"، فقد أطلقتها الشركة في عام 2012. تعاقد مقدِّمو خدمة (UberX) مع عدد من السائقين الخاصين الذين أتاحوا لطالبي الخدمة ركوب سياراتهم الخاصة من أجل توصيلهم إلى الوجهة التي يُريدونها. يستطيع الزبون استخدام تطبيق "أوبر" للهواتف الذكية لطلب الخدمة، وسيذهب إليه أقرب سائق خاص. أُطلقت هذه الخدمة في البداية في مدينة (سان فرانسيسكو) الأمريكيّة، ولكنَّها سرعان ما انتشرت في سائر الولايات الأمريكيّة، وأصبحت شركة (أوبر) تُقدِّم خدمتها في 633 مدينة بحلول عام 2017. وقد أشاد الكثير من الناس بهذه الخدمة ووصفوها بأنَّها مبتكرة وتُلبِّي احتياجات السوق الذي يُعاني من ارتفاع ثمن خدمات سيارات الأجرة، ومن عدم موثوقيتها في بعض الأحيان. لكن بطبيعة الحال لم تسلم شركة (أوبر) من الانتقادات، سواء من داخل الشركة أم خارجها. عندما ازداد انتشار خدمة (UberX)، احتج بعض السائقين المتعاقدين مع خدمة (UberBlack) في عام 2013 في مقر الشركة واشتكوا من قلة الامتيازات والأجور التي تُقدِّمها الشركة لهم، وادّعوا أنَّ خدمة (UberX) التي أُطلقت حديثًا تنافسهم وتقلِّل من مبيعاتهم وتقوِّض أمنهم الوظيفي. لقد زجر (كالانيك) هذه الاحتجاجات، ووصف الشكاوى وتراجع العمل في (UberBlack) بأنه ناتجة عن قلة حيلتهم؛ إذ إنَّ معظم المحتجين كانوا قد فُصِلوا من عملهم في وقت سابق بسبب سوء وضعف الخدمة التي يُقدِّمونها. نشأ أيضًا جدل حول تعامل شركة (أوبر) مع سائقين يعملون بنظام العقود بدلًا من توظيف سائقين بدوام كامل، وقد اشتكى السائقون المُتعاقَدِ معهم من قلة الامتيازات والأجور. بالإضافة إلى ذلك، اشتكت الشركات المنافِسة لأوبر، وخاصة التي تُقدِّم خدمات سيارات الأجرة من معاناتها من التنافس غير العادل مع شركة أوبر؛ إذ لم يكن على شركة (أوبر) الالتزام بنفس عملية الفحص ونفس التكاليف التي كانت تُلزَم بها الشركات ذات سيارات الأجرة الصفراء التقليدية، وقد أقرَّت بعض البلديات بذلك وأشارت إلى أنَّ عدم كفاءة عملية فحص السائقين في شركة (أوبر) يُعرِّض الركاب للخطر. سُرعان ما ذاع صيت شركة (أوبر) بأنَّها شركة تُمارس التنمُّر وأنَّ رئيسها التنفيذي (كالانيك) قائد غير أخلاقي، واتُهمت الشركة أيضًا بالتستُّر على حالات الاعتداء الجنسي. بالإضافة إلى ذلك، تعرَّضت شركة (أوبر) لانتقادات بسبب ممارسات وأسلوب التوظيف التي تنتهجه؛ إذ اتُهمت برشوة السائقين الذين يعملون لدى الشركات المنافسة من أجل تشجيعهم على الانتقال للعمل لصالح شركة (أوبر)، وتبيَّن أنَّ الشركة تُرسل طلبات ركوب كاذبة للسائقين الذين يعملون في الشركات المنافسة ثمَّ تُلغي الطلب، وكان يترتَّب على ذلك إضاعة وقت أولئك السائقين وزيادة صعوبة حصول الزبائن على خدمة الركوب من الشركات المنافِسة. لقد تحدَّثت سوزان فاولر -التي عملت سابقًا مهندسة موثوقية الموقع في شركة أوبر- علنًا عن حالات التحرش الجنسي التي تحصل داخل الشركة، ووصف موظفون سابقون ثقافة شركة (أوبر) بأنَّها ثقافة الغابة، حيث البقاء للأقوى، وذكر أحد الموظفين أن قيادة الشركة تُشجِّع على تطوير خدمات وأساليب غير أخلاقيّة وغير قانونيّة بهدف التغلُّب على الشركات المنافِسة في السوق. تُشبِّه (فاولر) تجربة العمل في شركة أوبر بـِ "صراع العروش"، ويعدُّ بعض الموظفين السابقين أنَّ عملهم فيها بمثابة نقطة سوداء في سيرتهم الذاتية. يُمكن القول أنَّ السُمعة التي حصلت عليها شركة (أوبر) كانت سيئة أكثر من كونها جيِّدة بسبب فظاظة قيادتها إلى جانب كوارث العلاقات العامة التي سبَّبتها. تصدَّر (كالانيك) عناوين الصُحف في شهر يونيو من العام 2017 ، وقرَّر التنحي عن منصب الرئيس التنفيذي للشركة على إثر الفضائح المنسوبة إليه. المتطلبات القيادية في القرن الحادي والعشرين تلفت العناوين التي يتكرَّر ذكرها في مجلات الأعمال الشهيرة، مثل مجلة (فورتشن) ومجلة (بيزنس ويك) انتباهنا إلى مجموعة من التوجُّهات المهمة الموجودة في عالم الأعمال، سيّما أن المؤسسات في وقتنا الحاضر أصبحت تخضع لعملية إعادة هيكلة بصورةٍ مُتزايدة، ويزداد ميل الشركات إلى استخدام الهيكل الشبكي والهيكل الافتراضي والهيكل القطاعي في أنظمة عملها. يتناقش الناس في العصر الحالي بشأن المؤسسات متعددة الجنسيات والشركات التي بلا حدود والمؤسسات ما بعد التسلسل الهرمي (post-hierarchical organization)، ومن المحتمل جدًّا أن تُصبح المؤسسات التي سنعمل فيها ونتنافس معها في المستقبل القريب مُختلفة تمامًا عن المؤسسات التي نعرفها حاليًا. لن تكون العملية الانتقالية سهلة؛ فغالبًا ما يولّد الغموض وجهل الإنسان بالنتائج المستقبلية مقاومةً لما هو جديد، ويحكمنا أيضًا التفكير الخطي والعقلاني الذي يقودنا إلى الاعتقاد بأنَّنا يُمكننا التقدُّم ومسايرة التطوُّرات من خلال إجراء بعض التغييرات التدريجية على أفكارنا وأفعالنا الحالية. إنَّ النماذج الحالية هي التي تُشكِّل تصوُّراتنا وتوجِّه تفكيرنا، كما أنَّ التخلِّي عن هذه النماذج التي خدمتنا جيِّدًا في الماضي لا يحدث بسهولة. من الملاحَظ أنَّ العقد الماضي تميَّز بالتغيُّرات السريعة والمنافسة الشديدة وثورة التقنيات الحديثة، إلى جانب الفوضى والاضطراب وارتفاع مستوى الغموض فيما يتعلَّق بظروف بيئة العمل. عند إلقاء نظرة سريعة لما يحدث في عالم الأعمال اليوم، نجد أنَّ التوجُّهات الحالية مستقرّة ولن تزول في الوقت القريب، ويُشير البروفيسور (جاي كونغر) من جامعة (مكغيل) الكندية إلى «أنَّ القيادة تُصبح مهمة للغاية عندما يكون هناك حاجة إلى إحداث تغيُّرات كبيرة؛ إذ يقدِّم لنا القادة الثقة والتوجيهات التي نحتاجها عندما نحاول المضي قدمًا خلال فوضى التغيير الجذري لأنظمة المؤسسة وهيكلها. إنَّ حجم التعيّر الهائل والمُتسارع الذي يحدث في عصرنا الحالي لن يتطلَّب المزيد من القيادة فحسب؛ بل أساليبًا قياديّة جديدة». يُشير (كونغر) أيضًا إلى أنَّ هناك عاملين رئيسيين يحدِّدان مستويات الموهبة والنبوغ الذي ينبغي توفُّرها في الجيل القادم من القادة.العامل الأول هو ظروف بيئة العمل الخارجية، إذ إنَّ المنافسة العالمية تولّد الحاجة إلى وجود قادة من نوع خاص. العامل الثاني هو التنوُّع المتزايد في بيئات العمل الداخلية، إذ سيُؤدِّي التنوُّع إلى حدوث تغييرات كبيرة في العلاقة بين كلّ من أفراد المؤسسة وطبيعة العمل والمؤسسة نفسها، وسُيصاحب هذه التغييرات العديد من التحديات والصعوبات والإيجابيات أيضًا. كيف سيكون قادة الغد؟ يُشير البروفيسور (كونغر) إلى أنَّه يتوجَّب على القادة الفعَّالين في القرن الحادي والعشرين أن يكونوا مسؤولين عن أمور كثيرة، إذ يجب عليهم أن يكونوا: منتهزين للفرص المتاحة وذوي تفكير استراتيجي؛ فالقادة ذوو الرؤية الجيّدة والبعيدة يستطيعون اقتناص الفرص الاستراتيجية قبل أن يقتنصها المنافسون. مدركين لما يحدث على مستوى العالم؛ إذ إنَّ 80%من المؤسسات الحالية تواجه منافسة خارجيّة كبيرة، لذلك من المهم جدًّا معرفة الأمور المرتبطة بالأسواق الخارجية والاقتصاد العالمي والسياسية. قادرين على إدارة المؤسسات ذات اللامركزية العالية؛ إذ سوف يتزايد الاتجاه مستقبلًا نحو المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين على نطاق واسع بالتزامن مع تزايد حاجة المؤسسات إلى السرعة والمرونة والمعرفة. مراعين للتنوع؛ إذ لن تقتصر الوظائف على لون أو عرق أو جنس معين، وستزداد نسبة الموظفين من النساء والأقليات والمهاجرين الذين يحملون مجموعة مختلفة ومتنوعة من الاحتياجات والاهتمامات والثقافات. متواصلين فعَّالين ومؤهلين للتعامل مع الثقافات المختلفة؛ إذ تحتاج القوى العاملة شديدة التنوع إلى قائدٍ واعٍ ومراعٍ للتطلعات والاحتياجات الثقافية المتنوعة. بناة لمجتمع منظَّم؛ ستكون بيئات العمل والمؤسسات بمثابة مصدر رئيسي لتلبية احتياجات المجتمع، وسيُساهم القادة في بناء هذا المجتمع بطريقة تُشعر أعضاء المؤسسة بالانتماء للمؤسسة ورسالتها. أخيرًا، من الجدير بالذكر أنَّ دراسة عملية القيادة ومحاولة فهمها ووضع النظريات التي تبيِّنها عمليّة مُستمرّة مع تواصل الدراسات والأبحاث التي تنظُر في مفهوم القيادة وتضع النظريات الجديدة. على الرغم من أنَّ نظرية السمات والنظريات السلوكية والموقفية التي تفسِّر القيادة تزوِّدنا بكمية كبيرة من المعلومات عنها، إلَّا أنَّ الصورة الكبيرة لم تكتمل بعد. لقد ظهرت عدة نظريات حديثة في القيادة خلال الخمس عشرة سنة الماضية، ومن ضمن هذه النظريات: نظرية التبادل بين القائد والعضو، ونظرية القيادة الضمنية، ونظرية القيادة الكاريزمية الجديدة (neocharismatic theory)، ونظرية القيادة القائمة على القيم، والقيادة الرؤيوية (أو المُتبصّرة)، والتي ستقدِّم كل واحدة منها بمرور الوقت معلومات جديدة حول القادة وعملية القيادة. سيواجه القادة في القرن الحادي والعشرين تحديات كبيرة والكثير من فرص تطوير الذات وتحقيق الذات، وستكون التحديات والمكافآت التي تنتظر القادة الفعَّالين مدهشة! ترجمة -وبتصرف- للفصل Transformational, Visionary, and Charismatic Leadership من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: دفع العمل ورفع الأداء المقال السابق: بدائل القيادة ومثبطاتها
  11. بدائل القيادة هناك العديد من العناصر التي يمكن أن تعوّض عن تأثيرات السلوكيات القيادية أو أن تُثبِّطها (انظر الجدول التالي)، إذ يُمكن لبدائل القيادة (substitutes for leadership) أن توضِّح المهام والأدوار المتوقَّعة من أفراد المؤسسة أو تحفِّزهم على العمل أو تُشعرهم بالرضا عن الذات (الأمر الذي يؤدِّي إلى عدم ضرورة أن يسعى القائد بنفسه لتحقيق ذلك). تُكمِّل هذه البدائل في بعض الحالات دور القائد؛ فعلى سبيل المثال، تُساهم خصائص أفراد المجموعة في بعض الأحيان في تقليل الحاجة إلى وجود قائد، كما هو الحال عندما يؤدِّي الحِرفي الخبير أو العامل ذو المهارات العالية عمله بمعايير عالية دون الحاجة إلى تعزيز أو موجّه خارجي. بالإضافة إلى ذلك، قد تستعيض خصائص المهمة في بعض الأحيان عن دور القائد أو تُكمِّله، كما هو الحال عندما تُسهم طبيعة العمل نفسه (مثل حل مشكلة مثيرة للاهتمام أو تأدية وظيفة مألوفة) في شعور الفرد بالرضا عن ذاته. قد تؤدي خصائص المؤسسة ذاتها في بعض الأحيان إلى تقليل الحاجة إلى وجود القائد، كما هو الحال عندما تكون قواعد العمل واضحة ومحدَّدة للغاية بحيث يكون الموظفون مُدركين تمامًا لما يتوجَّب عليهم فعله بدون الحاجة إلى توجيهات أو أوامر تصدر عن القائد. table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } بدائل ومُثبِّطات السلوكيات القيادية القيادة الداعمة القيادة التوجيهية أ‌. خصائص المرؤوسين 1. امتلاك الخبرة، والقدرة، والتدريب بديل 2. التوجه المهني بديل بديل 3. عدم الاهتمام بالمكافآت التي تُقدِّمها المؤسسة مُثبِّط مُثبِّط ب‌. خصائص المهمة 1. المهمة منظمة وروتينية وواضحة بديل 2. النتائج المترتبة على المهمة بديل 3. طبيعة المهمة مُرضية بديل ج. خصائص المؤسسة 1. ترابط مجموعة العمل بديل بديل 2. ضعف السلطة (ضعف تحكُّم القائد بالمكافآت التي تقدِّمها المؤسسة) مُثبِّط مُثبِّط 3. الرسميّة (وضوح الخطط والأهداف والمسؤوليات) بديل 4. ضعف المرونة في التعامل (قواعد وإجراءات صارمة وجامدة) مُثبِّط 5. بُعد القائد عن المرؤوسين ومحدودية التواصل بينهم مُثبِّط مُثبِّط مقتبس من «Leadership in organizations»، تأليف: غاري يوكل. مثبطات القيادة في المقابل، فإنَّ مُثبِّطات القيادة (Neutralizers of leadership) تكون ذات نتائج عكسيّة وسلبيّة؛ فهي تُعيق تصرُّف القائد وتأثيره على الأتباع بالطريقة التي يُريدونها. على سبيل المثال، يمنع خط التجميع المحوسب القائد من تحديد مُخطَّط سير العمل، كما أنَّ العقد النقابي الذي ينصُّ على دفع الأجور بناءً على الأقدمية يمنع القائد من صرف الأجور بناءً على جدارة الموظفين. لكن قد تكون المُثبِّطات مفيدة في بعض الأحيان؛ فعلى سبيل المثال، من فوائد العقود النقابية توضيح الإجراءات التأديبية وتحديد مسؤوليات الإدارة وطاقم العاملين. يجب على القادة الإلمام بالمثبِّطات الموجودة وتأثيراتها لكي يستطيعوا التخلُّص من مساوئها أو الاستفادة من المزايا المُصاحبة لها (مثل وضوح المسؤوليات التي ينصُّ عليها العقد النقابي على سبيل المثال). على سبيل المثال، إذا كان نظام الاتصال في المؤسسة ضعيفًا ويحُدُّ من فعاليّة القائد، فقد يحاول القائد إزالة هذا المُثبِّط عن طريق تطوير (أو إقناع المؤسسة بتطوير) نظام أكثر فاعلية. يختلف الموظفون اختلافًا كبيرًا من حيث مركزيّة انتباههم أثناء العمل، ويؤثِّر ذلك على فاعلية القيادة. تشير مركزيّة انتباه الموظف إلى توجُّهه الإدراكي أثناء العمل؛ فهو يعكس الأشياء أو الأحداث المتنوعة التي يُفكِّر فيها الفرد أثناء وجوده في مكان العمل وما درجة تفكيره فيها، إذ يُفكِّر بعضهم كثيرًا في وظيفته أو في زملاء العمل أو في القائد أو في عوامل خارجيّة ليس لها علاقة بالعمل، بينما يغرق البعض الآخر في أحلام اليقظة. تجدر الإشارة إلى أنَّ لمركزيّة انتباه الموظف خصائص "سمة" وخصائص "حالة". على سبيل المثال، تختلف مركزيّة انتباه الموظف اختلافًا كبيرًا من دقيقة لأخرى (من خصائص "الحالة")، في حين أن هناك ثبات نسبيّ في تنوّع بعض الأمور التي يُفكِّر فيها الموظفون أثناء العمل (من خصائص "السمة"). تشير الدراسات إلى أنَّه كلَّما زاد تركيز الأتباع على العوامل التي ليس لها علاقة بالعمل، قلَّت استجابتهم لتأثير القائد وسلوكه، وهذا يعني أنَّ شدة التركيز على أمور حياتية غير مرتبطة بالعمل (مثل قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء) من شأنه أن يُثبِّط من تأثير القائد على دافعية الأتباع أو مواقفهم أو سلوكياتهم. لوحظ أيضًا أنَّ شدة تركيز الأتباع على القائد -سواء كان إيجابًيا أم سلبيًا- يُعزِّز من تأثير القائد على الأتباع. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } القيادة الإدارية أنت الآن القائد! نصائح مهمة للمديرين الجدد القيادة والإدارة مفهومان مختلفان جدًّا، وكونك مديرًا لا يعني فقط أن تحصل على السلطة أو تصبح مسؤولًا عن زملائك السابقين أو أنك ستبدأ بفرض أوامرك وإطلاقها هنا وهناك. لا شك أنَّ تولي هذا المنصب يمنحك قدرة التأثير على مُخرجات الشركة ونتائجها والتحكّم في تصرّفات وسلوكيّات موظفيها، ولكنَّه أيضًا يمنحك القدرة على رسم معالم النمو المهني والشخصي للمرؤوسين أيضًا. يُشير ستيف كيتنغ -أحد كبار المديرين في شركة تورو- إلى أنَّه ينبغي على المرء ألا يظنّ بأنَّ تعيينه مديرًا سيجعله قائدًا تلقائيًّا؛ فالحقيقة هي أنَّ من يُصبح المدير تُتاح له فُرصة القيادة وقد لا يُصبح قائدًا بالضرورة. إنَّ الشركات بحاجة إلى مديرين من أجل توجيه وإدارة العمليات التي تحدث فيها، ولكنَّ الموظفين (العنصر البشري) بحاجة إلى قائد. يرى كيتنغ أنَّ القادة بحاجة إلى امتلاك عقلية تهتم بالأفراد، وأنَّ مهمة القائد هي مساعدة أفراد المؤسسة على النجاح، ويقول: «إذا كنت لا تهتم بالناس، فلا يمكنك قيادتهم». إنَّ من المهم وجود قواعد أساسية يلتزم بها الشخص الذي حصل على ترقية وأصبح مديرًا على أقرانه، إذ يُشير كيتنغ إلى أنَّ الترقية لا تعني انتهاء علاقات الصداقة مع الزملاء، على الرغم من أنّها تغيّر طبيعتها بعض الشيء. إذا حصل أحد زملائك على ترقية، فإنَّ عليك التفكير مليًّا وتأمُّل المدير الجديد بدلًا من التذمُّر والحسد؛ فكِّر مليًّا في الأسباب التي أدَّت إلى ترقيته والمهارات أو الخصائص التي حالت دون أن تكون أنت الشخص الأنسب للحصول على تلك الترقية. تنصح كارول ووكر -رئيسة شركة (Prepared to Lead) المتخصِّصة في تقديم الاستشارات الإدارية- المديرين الجدد بتطوير فلسفة قياديّة خاصّة في العمل، وتحثُّهم على وضع فلسفة أساسية تمدُّهم بالإرشادات اللازمة لتأدية مهام القيادة اليومية وتُساعدهم على تطوير قدرات مرؤوسيهم، وإرشادهم كيف يصبحوا قادةً خدومين ومتعاونين… والأهم إنسانيين. يجب أن يُركِّز المديرون على تطوير الموظفين ونجاحهم، وأن يُدركوا أنَّ الموظفين لا يعملون لصالحهم؛ بل لصالح المؤسسة ولخدمة أنفسهم. إنَّ مهمة المديرين هي تنسيق علاقات العمل، وعليهم أن يدركوا أنهم ليسوا محورها. يجب ألَّا تُسند الأعمال إلى الأفراد بطريقة عشوائية؛ بل يجب مراعاة مهارات الموظف ومستوى تطورهم وخبراتهم، وتؤكِّد ووكر على ذلك بقولها: «الموظف الذي يفهم لماذا طُلِب منه تأدية مهمة معيّنة غالبًا ما يَعدُّها مهمته الخاصة». يجب أن يُركِّز جدول أعمال القائد على إنجاح الموظفين، وليس على تألُّقه الشخصي؛ إذ تزداد استجابة الموظفين عندما يشعرون أنَّ قائدهم لا يعمل من أجل نجاحه الخاص؛ بل من أجل نجاح الموظفين. لقد بيَّنت دراسة استقصائية أجرتها شركة (HighGround) أنَّ هناك عنصرًا مهمًا يتجاهله معظم المديرين الجدد وحتى العديد من المديرين المتمرسين القُدامى، ألا وهو: سؤال الآخرين عن آرائهم بهم؛ فجميع الأفراد بحاجة للتطوُّر والتحسُّن، ومن ضمنهم المديرين. تفرض الإدارة التقليدية نظام تقييم من أعلى إلى أسفل؛ أي أنَّ المديرين يُقيِّمون مرؤوسيهم (الأقل منهم منصبًا)، ولكن اكتشفت العديد من الشركات أنَّ من المفيد تغيير مجرى الأمور من خلال طرحِ المديرين السؤال التالي على الموظفين: «كيف يمكنني أن أكون مديرًا أفضل؟». لا شكَّ أن التقييم من أسفل لأعلى لن يؤتي ثماره إلَّا إذا شعر الموظفون بأنَّ آراءهم مسموعة فعلًا، لذلك يتوجَّب على المديرين إقامة علاقة جيِّدة مع الموظفين لكي يتجنّبوا التعرُّض لآراء سلبية أثناء تقييمهم من قبل موظفيهم. إنَّ الاستماع إلى انتقادات المرؤوسين يبني الثقة ويساعد المديرعلى التأكُّد من أنَّ أسلوبه في القيادة يدفع الموظفين نحو النجاح. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هذا السؤال البسيط، الذي يظهر من خلاله اهتمام المدير بالموظفين واحترامه لهم، هذا السؤال يُعدُّ بمثابة مصدر إلهام لأولئك الموظفين، وممَّا لا شك فيه هو أنَّ الإلهام جانب مهم من جوانب عملية القيادة. يُمكن تلخيص مهام القائد الأساسية في: توجيه الموظفين أثناء تأديتهم لأعمالهم اليومية وبناء ثقافة عمل إيجابية ومساعدة الموظفين على تطوير مهاراتهم، بالإضافة إلى السعي المستمر لتحسين نفسه وفريق العمل الخاص به من خلال تبادل الآراء والتغذية الراجعة والحرص على وضع الموظف المناسب في المكان المناسب. ترجمة -وبتصرف- للفصل Substitutes for and Neutralizers of Leadership من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: القيادة التبادلية والتحويلية والكاريزمية المقال السابق: النظريات الموقفية في القيادة
  12. أشار رالف ستوجديل في عام 1948 إلى أنَّ الصفات والخصائص والمهارات المطلوبِ توفُّرها لدى القائد تتعلّق تعلّقًا كبيرًا بمتطلَّبات الموقف الذي يكون فيه القائد. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ أنَّ مجموعتي السلوكيات الرئيسية التي بيَّناهما في المقال السابق، وهي سلوكيات تحديد هيكل العمل وسلوكيات الاهتمام بفريق العمل، لوحظ أنهما لا تؤدِّيان دائمًا إلى نتائج إيجابية، وهذا يعني أنَّ هذه السلوكيات تؤدِّي في ظروفٍ معيّنة إلى تحسين الأداء ورضا الأتباع، وتؤدِّي في أحيان أخرى إلى عكس ذلك تمامًا. لقد دفعت هذه النتائج المتناقضة الباحثين إلى طرح السؤالين التاليين: «ما هي الظروف التي تؤدِّي إلى نتائج إيجابية؟» و«متى تكون النتائج سلبية ولماذا؟». يبدو أنَّ الاختلافات في المواقف والظروف تلعبان الدور الأهم في تباين النتائج. لقد تطرَّقت العديد من النظريات لهذه القضية، مثل: النظرية الموقفية لفيدلر، ونظرية المسار نحو الهدف، ونظرية هيرسي وبلانشارد، ونظرية الموارد الإدراكية، ونموذج فروم ويتون لاتخاذ القرارات. سوف نقتصر في هذا المقال على توضيح اثنتين من هذه النظريات الموقفية المشهورة، وهما: النظرية الموقفية لفيدلر ونظرية المسار نحو الهدف لروبرت هاوس. النظرية الموقفية لفيدلر من أولى النظريات الموقفية الأكثر شهرة والأكثر إثارة للجدل هي النظرية التي وضعها فريد فيدلر من جامعة واشنطن. يشير فيدلر إلى أنَّه يجب على المؤسسات التي تسعى إلى جعل فِرق العمل فعَّالة من خلال القيادة الفعَّالة تقييم القائد بناءً على سماته الأساسية، وتقييم المواقف التي قد يواجهها القائد، ومن ثمَّ تحديد أسلوب قيادة مناسب يتوافق مع كلّ من سمات القائد وظروف العمل. سمات القائد يُطلب من القادة وفق هذه النظرية الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلِّقة بأدنى الصفات والإمكانيات المُتوفّرة في الأفراد الذين يرغبون بالعمل معهم تحت قيادتهم، وذلك لتحديد ما إذا كان القائد يميل أكثر إلى الاهتمام بالمهام أم إلى الاهتمام بالعلاقات، وذلك باستخدام مقياس يُدعى زميل العمل الأقل تفضيلًا (Least-preferred-coworker أو LPC). يعكس مقياس LPC سلوك القائد مع الآخرين، على سبيل المثال: لطيف أو مزعج، قاسٍ أو رقيق، ودود أو غير ودود، جدير بالثقة أو غير جدير بالثقة. يُشير فيدلر إلى أنَّ القادة الذين يحصلون على درجات مرتفعة في مقياس LPC يهتمُّون بالعلاقات؛ إذ إنَّهم يُركِّزون على بناء علاقات وثيقة مع الآخرين والحفاظ عليها، ويميلون إلى تقييم زملائهم الأقل تفضيلاً تقييمًا إيجابيًا إلى حدٍّ ما، ويكون إنجاز المهام أمرًا ثانويًا بالنسبة لهذا النوع من القادة، كما ويهتمُّون بالمهام المنوطة بالمجموعة فقط بعد أن يتأكَّدوا من وجود علاقات عمل جيِّدة ضمن الفريق. في المقابل، يميل القادة الذين يحصلون على درجات منخفضة في مقياس LPC إلى تقييم الأفراد الذين تقل رغبتهم في العمل معهم تقييمًا سلبيًا إلى حدٍّ ما؛ فهم أشخاص يهتمُّون بالمهام، ولا يهتم هؤلاء القادة بإقامة علاقات اجتماعية جيدة مع الآخرين إلَّا بعد أن يتأكَّدوا من أنَّ المهام قد أُنجزت على النحو المطلوب. العوامل المرتبطة بالموقف تكون فاعلية القائد في بعض المواقف أكبر من فاعليته في غيرها. هناك بعض المصطلحات التي حدَّدها فيدلر فيما يتعلَّق بالموقف، وهي التوافق مع الموقف (situational favorableness) والتحكُّم في الموقف (situational control). المصطلح الأول الذي حدَّده فيدلر هو التوافق مع الموقف، والذي يُشير إلى مقدار السيطرة والتأثير اللذين يتمتَّع بهما القائد واللذين يُشعرانه أنَّ بإمكانه تحديد نتائج عمليات تفاعل المجموعة. استبدل فيدلر بعد عدة سنوات هذا المصطلح بمصطلح التحكُّم في الموقف، والذي يُشير إلى مدى قدرة القائد على التأثير في العمليات التي تُنجز داخل المجموعة. هناك ثلاثة عوامل تُحدِّد مدى توافق القائد مع الموقف، وهذه العوامل موضَّحة فيما يلي ومرتَّبة حسب أهميتها: العلاقة بين القائد والمرؤوسين: مدى قبول أفراد المجموعة للقائد، وقدرتهم على العمل معًا بشكل جيد، ومستوى ولائهم للقائد. هيكل العمل: مدى وضوح تفاصيل المهام والأهداف المطلوبة وكيفية إنجازها. سلطة القائد المستمدة من مركزه: قدرة القائد المباشرة على التأثير في أفراد المجموعة. يكون القائد أكثر توافقًا مع الموقف عندما تكون العلاقة بين القائد وأفراد المجموعة جيِّدة، وعندما تكون المهام محدَّدة ومنظمة للغاية، وعندما تكون سلطة القائد المستمدة من مركزه قوية (الخلية الأولى في الشكل التالي). في المقابل، يكون القائد أقل توافقًا مع الموقف عندما تكون علاقته بأفراد المجموعة ضعيفة، وعندما تكون المهام غير منظمة وغير واضحة، وعندما تكون سلطة القائد المستمدة من مركزه ضعيفة (الخلية الثامنة في الشكل التالي). نموذج فيدلر (المصدر: مقتبس من «Leadership and effective management»، فريد فيدلر ومارتن كيمرز، 1974.) التوافق بين القائد والموقف هناك مواقف يكون القائد متوافقًا ومسيطرًا عليها، وهناك مواقف أخرى لا يكون متوافقًا معها. لقد درس فيدلر عددًا كبيرًا من المواقف القيادية لكي يُحدِّد الظروف والحالات التي ينتج عنها توافق ممتاز بين القائد والموقف، وأشار إلى أنَّ معظم القادة يستخدمون أسلوب قيادة نمطيًّا واحدًا ولا يغيِّرونه، لذلك يرى بأنَّه يتوجَّب على المؤسسات أن تعمل على أن تتناسب مواقف العمل مع القائد. على الرغم من أنَّ هذا النموذج لم يُختبر من جميع جوانبه وأنَّ تجربته غالبًا ما نتج عنها نتائج متباينة أو متناقضة، إلَّا أنَّ الدراسات التي أجراها فيدلر تشير إلى أنَّ القادة الذين يهتمٌّون بالعلاقات (الذين يحصلون على درجات مرتفعة في مقياس LPC) تزداد فاعليتهم كثيرًا في الحالات التي يكون توافقهم مع المواقف معتدلًا مقارنةً بالحالات التي يكون التوافق فيها مع المواقف كبيرًا جدًّا أو قليلًا جدًّا، ويعزو فيدلر سبب نجاح هؤلاء القادة في الظروف المعتدلة إلى أسلوبهم الذي يتَّسم بالتساهل في الإدارة وفي تقديم التوجيهات؛ إذ إنَّ كثرة تقديم التوجيهات حتى في مواقف العمل معتدلة الصعوبة قد يؤدِّي إلى توتُّر الأتباع، وحدوث نزاعات بين أفراد المجموعة، ونقص التعاون. في المقابل، يكون القادة الذين يهتمُّون بالمهام (الذين يحصلون على درجات منخفضة في مقياس LPC) فعَّالين جدًّا في المواقف التي يكون توافقهم معها كبيرًا (الإيجابية) أو قليلًا (السلبية). يسمح هؤلاء القادة لأفراد مجموعتهم بتأدية مهامهم دون أن يفرضوا أيَّ توجيهات فيما يتعلَّق بهذه المهام، وذلك عندما تكون هذه المهام مُحدَّدة وواضحة؛ فليس هناك حاجة لتقديم التوجيهات في هذه الحالة. أمَّا في ظل الظروف السلبية ومواقف العمل الغامضة، فإنَّ القادة الذين يهتمُّون بالمهام يدفعون أفراد المجموعة نحو إنجاز المهمة من خلال السلوكيات والإجراءات والتعمليات التي يفرضونها، مثل: وضع الأهداف، وتحديد تفاصيل كيفية تنفيذ العمل، وتقديم الإرشادات، والرقابة على إجراءات سير العمل. إنَّ القادة الذين يحصلون على درجات متوسطة في مقياس LPC يمكنهم أن يكونوا أكثر فاعلية في عدد أكبر من المواقف مقارنةً بأولئك الذين يحصلون على درجات مرتفعة أو منخفضة في مقياس LPC. على سبيل المثال، يستطيع هؤلاء القادة في ظل الظروف السلبية توجيه اهتمامهم نحو المهام لإنجازها، ولكنَّهم في الوقت نفسه يُولون اهتمامًا بأفراد المجموعة ويتيحون لهم التصرُّف بمفردهم في ظل الظروف الإيجابية. الجدل القائم حول النظرية على الرغم من أنَّ نظرية فيدلر تحدِّد وتصف التوافق بين القائد والموقف وصفًا دقيقًا إلى حدٍّ ما وأنَّها حصلت على تأييد واسع، إلا أنَّها لم تسلم من الانتقادات. يشير البعض إلى أنَّ هذه النظرية تُحدِّد خصائص القادة من خلال معرفة وجهات نظرهم أو سماتهم الشخصية (بواسطة مقياس LPC)، ولكنَّها تربط فاعلية القادة بالسلوكيات التي يُمارسونها (الأفراد الذين يمتلكون سمة معينة سيتصرَّفون بطريقة معينة). لقد فشلت النظرية في تحديد العلاقة بين وجهة نظر القائد تجاه زملائه الذين تقل رغبته في العمل معهم وسلوكياته المترتِّبة على تلك النظرة السلبيّة، كما أنَّ بعض الاختبارات التي أُجريت لفحص نموذج فيدلر أسفرت عن نتائج متباينة أو متناقضة. أخيرًا، هناك بعض التساؤلات التي أُثيرت حول هذه النظرية، مثل: ما هي الفائدة الحقيقية من مقياس LPC؟ ما الذي يُمكن استنتاجه بالضبط بخصوص الشخص الذي ينظر إلى زملائه الذين تقل رغبته في العمل معهم نظرة إيجابية أو سلبية؟ لكن على الرغم من هذه الانتقادات، أشار روبرت هاوس (Robert House) ورام أديتيا (Ram Aditya) مؤخرًا إلى أنَّ نظرية فيدلر قد لاقت تأييدًا كبيرًا في الأوساط المؤسساتيّة. نظرية المسار نحو الهدف وضع روبرت هاوس ومارتن إيفانز أثناء عملهما في جامعة تورونتو نظرية مفيدة ومهمة في القيادة. بشكلٍ مشابهٍ لما بيَّنته نظرية فيدلر، فإنَّ هذه النظرية تؤكِّد أنَّ أسلوب القيادة الذي ينبغي استخدامه لتعزيز فاعلية المجموعة يعتمد على الموقف الذي يكون فيه القائد. ولكن بخلاف فيدلر، فقد ركَّز هاوس و إيفانز على سلوك القائد الذي يُمكن ملاحظته، وهذا يُتيح للمديرين إما إسناد الموقف إلى القائد المناسب أو العمل على تعديل سلوك القائد حتى يُناسب الموقف. يُطلق على النموذج الذي وضعه هاوس وإيفانز نظرية المسار نحو الهدف (path-goal theory) لأنَّها تشير إلى أن القائد الفعال يوفّر ويُهيّؤ لأفراد مجموعته مسارًا واضحًا للوصول إلى هدفٍ ذو قيمة، ويرى هاوس أنَّ مهمة القائد التحفيزية تتضمَّن رفع أجور أعضاء المجموعة لكي يرفع حافز العمل على تحقيق الهدف، وتسهيل حصولهم على هذه الأجور من خلال توضيح مسار العمل الذي يتوجَّب عليهم أن يسلكوه، وتقليل العقبات والصعوبات، وزيادة فرص شعورهم بالرضا الشخصي أثناء سيرهم نحو الهدف. يُقدِّم القائد الفعَّال مكافآت ذات قيمة بالنسبة لأفراد مجموعته، وقد تكون هذه المكافآت على شكل أجور أو تقدير أو ترقيات أو أيّ شيء آخر يُحفِّز الأفراد على الاجتهاد في العمل من أجل تحقيق الأهداف المنشودة، ويُقدِّم أيضًا تعليمات واضحة لكي يقلّل من الالتباس فيما يتعلَّق بطريقة العمل ولكي يُدرك الأتباع كيفية تأدية وظائفهم بفاعلية، كما ويُقدِّم القائد الفعَّال التوجيه والإرشاد والتدريب حتى يتمكَّن الأتباع من تأدية المهمة المطلوبة منهم على أكمل وجه، بالإضافة إلى إزالة العوائق التي قد تحول دون إنجاز المهام من خلال العمل على سد النقص في المواد اللازمة أو إصلاح الآلات المعطلة أو تعديل السياسات المتناقضة. اختيار الأسلوب الأنسب تشير نظرية المسار نحو الهدف إلى أنَّ هناك تحدِّيين أساسيين يواجهان القادة. التحدي الأول هو أنَّه يجب على القادة تحليل الموقف الذي يكونون فيه ومن ثمَّ تحديد أسلوب القيادة الأنسب لذلك الموقف. على سبيل المثال، لا يجب على القائد هدر الكثير من الوقت في إخبار موظفي خطوط الإنتاج ذوي الخبرة الذين يُنفِّذون مهام محدَّدة ومنظمة بكيفية تأدية أعمالهم، لأنَّهم يعرفون ذلك مُسبقًا، ولكن قد يحتاج قائد مجموعة استكشاف الآثار إلى تخصيص الكثير من الوقت في إخبار وتوجيه العاملين المبتدئين إلى كيفية التنقيب عن الآثار وكيفية العناية بالآثار التي يكتشفونها. التحدي الثاني هو أنَّه يجب على القادة أن يكونوا مرنين بحيث يستخدمون أساليب قيادة مختلفة باختلاف موقف العمل الذي يواجهونه، ويجب عليهم تنويع السلوكيات التي يُمارسونها لكي يكونوا فعَّالين؛ إذ إنَّهم إن لم يكونوا قادرين على ممارسة مجموعة كبيرة ومتنوعة من السلوكيات، فإنَّ فاعليتهم تكون محدودة. على سبيل المثال، لا ينبغي أن يتعامل القائد بنفس الطريقة مع جميع أفراد فريق العمل ولا ينبغي أن يمنحهم جميعًا نفس مقدار حرية التصرُّف. إنَّ أسلوب القيادة الذي يُجدي مع الأفراد الذين لديهم رغبة كبيرة في التمتع بالاستقلالية يختلف عن ذلك الذي يُناسب الأفراد الذين ليس لديهم رغبة في التمتع بالاستقلالية، فمن الأنسب استخدام أسلوب القيادة التشاركية مع الفئة الأولى، في حين أنَّه من الأنسب استخدام أسلوب القيادة التوجيهية مع الفئة الثانية. إنَّ مدى توافق أسلوب القيادة مع موقف وظروف العمل يؤثِّر على مقدار دافعية الأفراد ورضاهم وأدائهم (انظر الشكل التالي). نموذج المسار نحو الهدف (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) أبعاد سلوك القائد تشير نظرية المسار نحو الهدف إلى أنَّ هناك أربعة أبعاد مهمة لسلوك القائد، وكلّ واحدٍ من هذه الأبعاد يكون مناسبًا في خضمّ مواقف معينة. تتضمَّن هذه الأبعاد الأربعة ما يلي: القيادة الداعمة: يُولي القادة الفعَّالون في نمط القيادة الداعمة اهتمامًا بمنفعة أفراد المجموعة واحتياجاتهم الشخصية في بعض مواقف العمل، ويتَّصفون بأنَّهم ودودون واجتماعيون ويُراعون الآخرين في مكان العمل. تُعدُّ القيادة الداعمة فعَّالة خاصةً عندما يعمل أفراد المجموعة على تنفيذ مهمة مملة أو مرهقة أو مزعجة أو شاقة أو غير ممتعة؛ إذ تُسهم القيادة الداعمة في تقليل توتُّر الأفراد الذين يعملون على تنفيذ مهمة صعبة أو الأفراد ذوي التقدير المنخفض للذات، كما ويساعد هذا الصِّنف من القيادة الداعمة على زيادة ثقة هؤلاء الأفراد بأنفسهم ورضاهم وعزيمتهم. القيادة التوجيهية: يرّكز القادة الفعَّالون في أسلوب القيادة التوجيهيّة تركيزًا أكبر على الأهداف وتوقُّعات الأداء في بعض مواقف العمل، ويُخبرون أفراد المجموعة بما هو مطلوب منهم، ويُقدِّمون لهم التوجيهات، ويضعون القواعد والإجراءات لتحديد مسار العمل، ويُنظِّمون أنشطة أفراد المجموعة. تكون هناك حاجة إلى استخدام القيادة التوجيهية عندما تكون المهام المطلوبة غير واضحة؛ إذ إنَّ توضيح الأمور الغامضة وتقديم الإرشادات اللازمة يدفع الأفراد إلى بذل المزيد من الجهود ويرفع من مستويات رضاهم وأدائهم الوظيفي. القيادة التشاركية: يتشاور القادة الفعَّالون في نمط القيادة الإدارية مع أعضاء المجموعة بشأن الأنشطة والإجراءات المرتبطة بالمهام ويأخذون آراءهم واقتراحاتهم في الحسبان عند اتخاذ القرارات. تكون القيادة التشاركية فعَّالة عندما تكون طريقة تنفيذ المهام غير واضحة وغير محدَّدة، وتُعدُّ ذات فائدة كبيرة عندما يكون القادة بحاجة إلى من يُساعدهم في تحديد إجراءات العمل وعندما يمتلك الأتباع الخبرة اللازمة التي تُمكِّنهم من المساعدة في ذلك. القيادة المهتمة بالإنجاز: يضع القادة الفعَّالون في أسلوب القيادة المهتمة بالإنجاز أهدافًا مليئة بالتحديات في بعض مواقف العمل، ويسعون إلى تحسين الأداء، وتعزيز الإتقان، وإظهار الثقة في قدرة أعضاء المجموعة على بلوغ معايير عالية. يستثمر القادة الذين يهتمُّون بالإنجاز رغبة الأفراد في الإنجاز وتحقيق الذات، ويُحسنون استغلال نظرية "تحديد الأهداف" التي تنصُّ على أنَّ وجود الأهداف يُحفِّز الأفراد ويدفعهم إلى العمل. السياق متعدد الثقافات غابرييل بريستول (Gabriel Bristol) هو الرئيس التنفيذي لشركة (Intelifluence Live) التي تتألَّف من مركز اتصال يُقدِّم خدمات متكاملة بأسعار معقولة، مثل: استقبال مكالمات واستفسارات الزبائن، وتقديم عروض بيع، وجذب الزبائن المُحتملين، وتقديم خدمات استشارية للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. يشير غابرييل إلى أنَّ التنوع يُولِّد الابتكار، وهذا الأخير يساعد الشركات على تحقيق أهدافها والتعامل مع التحديات الجديدة. إنَّ تعدّد الثقافات أصبحت واقعًا مُعاشًا بيّنًا في وقتنا الحاضر؛ إذ أصبحت المجتمعات وبيئات العمل المعاصرة أكثر تنوعًا من أي وقتٍ مضى، الأمر الذي يطرح بين أيدينا التساؤل التالي: «هل أصبح هناك حاجة إلى استحداث أسلوب قيادة جديد ومختلف؟» لقد أُجريت العديد من الدراسات الهادفة المعاصرة لفهم القادة وعملية القيادة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية. لقد كانت نظرة الغربيين للقيادة نظرة مثالية ومُبالغًا فيها؛ إذ يرى الغربيون أنَّ القادة يؤدّون دورًا رئيسيًا في تنظيم مناحي الحياة المختلفة، وأنَّهم يُؤثِّرون على أداء المجموعات والمؤسسات والدول، وأنَّهم عناصر أساسية في النجاح التنظيمي وتحقيق الأرباح، الأمر الذي يجعلهم يتحمَّلون مسؤولية نجاح المؤسسات في سوق المنافسة الشديد أو فشلها وتراجعها. إنَّ الدور المهم للقادة والنظرة الغربية للقادة الناجحين يُثير التساؤل التالي: «إلى أي مدى ينطبق الفهم الغربي للقادة والقيادة على الثقافات الأخرى؟»؛ أي هل يمكن تعميم نتائج الدراسات التي تناولناها، والتي كانت في غالبيّتها ذات نتاجٍ غربيّ صريح، هل يمكن تعميمها على الثقافات الأخرى؟ يشير جيرت هوفستد إلى أنَّ هناك اختلافات كبيرة في القيم الثقافية بين المجتمعات، وقد تطرقنا إلى نظرية هوفستد للأبعاد الثقافية في مقالاتٍ سابقة، ووضَّحنا تلك الأبعاد الثقافية، والتي تضمّنت: الفردية والجماعية، ومسافة السلطة، وتجنُّب عدم اليقين، والذكورة والأنوثة، والتوجه الزمني. نستنتج من ذلك أنَّ قادة المجموعات المتنوعة ثقافيًا سيترتَّب عليهم التعامل مع الاختلافات في المعتقدات والقيم التي توجد بين الأتباع عمومًا، وبينهم وبين الأتباع على وجه الخصوص. يبدو أنَّ هناك إجماع على عدم وجود أسلوب قيادة فعَّال يُمكن تعميمه على مستوى العالم؛ فالاختلافات الثقافية تؤدِّي إلى زيادة أو تقليل تأثير أسلوب القيادة على أداء المجموعة وفاعليتها. لنأخذ على سبيل المثال، في الهند عندما يُفوِّض القائد بعض الأعمال لأتباعه فإنَّ ذلك يؤثِّر سلبًا على رضا الموظفين، في حين يكون تأثير ذلك إيجابيًا في الولايات المتحدة وبولندا والمكسيك. في الواقع، تشير الملاحظات إلى وجود تشابه واختلاف بين الثقافات المختلفة فيما يتعلَّق بالآثار التي تترتَّب على استخدام أساليب القيادة المختلفة، وتباينًا في مدى تقبُّل الأتباع لمحاولات التأثير، وتنوّعًا في مدى قرب العلاقات ورسميّتها. مع ذلك يبدو أنَّ هناك اختلافات كبيرة بين الثقافات فيما يتعلَّق بسلوكيات القائد المثاليّة والموجَّهة نحو المهام والموجَّهة نحو العلاقات. على الرغم من ذلك يُعدُّ القادة الذين يظهرون الدعم واللطف والاهتمام بالأتباع في سلوكياتهم قادةً فعَّالين وموقَّرين في الثقافات الغربية والآسيوية على حدّس سواء. تشير الملاحظات أيضًا إلى أنَّ نتائج السلوكيات الديمقراطية والتشاركية والتوجيهية (بالإضافة إلى المكافآت والعقوبات) على الأداء، تشير إلى أنها تختلف باختلاف الثقافات. على سبيل المثال، تختلف النتائج في الولايات المتحدة تمامًا عن النتائج في البرازيل وكوريا ونيوزيلندا ونيجيريا. خلاصة القول هو أنَّ القيادة الفعَّالة تتطلَّب دراسة الاختلافات الثقافية التي تؤثِّر على العلاقة بين القائد والتابع وفهمها بدقة. ترجمة -وبتصرف- للفصل Situational (Contingency) Approaches to Leadership من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: بدائل القيادة ومثبطاتها المقال السابق: نظرية السمات في القيادة
  13. كان العلماء اليونانيون والرومانيون والمصريون والصينيون القدماء مهتمين كثيرًا بمفهوم القادة والقيادة؛ إذ إنَّ كتاباتهم كانت تُصوِّر القادة على أنَّهم أبطال. على سبيل المثال، صوَّر هوميروس -في قصيدته الأوديسة- أوديسيوس أثناء حرب طروادة وبعدها على أنَّه قائد عظيم ذو رؤية وثقة بالنفس. ذُكر في الأوديسة أيضًا أنَّ تليماخوس (ابن أوديسيوس) قد اكتسب على يد معلمه- شجاعة ومهارات قيادية مثل والده. لقد نشأت من هذه القصص نظرية «الرجل العظيم» في القيادة والتي شكَّلت نقطة انطلاق للدراسات المعاصرة للقيادة. تنصُّ نظرية الرجل العظيم في القيادة على أنَّ بعض الناس يُولَدون وهم يحملون سِمات تُمكنِّهم من أن يصبحوا قادةً عظماء. يُعدُّ الخلفاء الراشدون وصلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح من القادة العظماء الذين كانوا يتمتَّعون منذ نعومة أظفارهم بمجموعة من السمات والمؤهّلات الشخصية التي ساهمت في أن يُصبحوا قادة مؤثِّرين. والجدير بالقول إنه ما يزال الاعتقاد بأنَّ القادة العظماء يُولدون كذلك (بمهاراتهم القياديّة الفطريّة) منتشرًا حتى يومنا هذا. على سبيل المثال، ذكر الكاتب كينيث لابيك في مجلة فورتشن: «يبدو أنَّ أفضل القادة يمتلكون هبة إلهية». لقد بذل العلماء والباحثون في أوائل القرن العشرين جهودًا لفهم القادة والقيادة، وسعوا إلى أن يعرفوا الخصائص المشتركة بين القادة بُغية تحديد الأشخاص الذين يتمتَّعون بهذه الخصائص وتعيينهم في مناصب رئيسية في المؤسسات، وقد نتج عن هذه الجهود البحثية واحدة من أوائل النظريات القيادية، وهي نظرية السمات في القيادة. لقد أدَّت نظرية الرجل العظيم في القيادة والرغبة في فهم ماهيّة القيادة إلى تركيز الباحثين على دراسة القائد وطرح عدد من التساؤلات مثل: من هو القائد؟ ما هي الخصائص التي تُميِّز القادة العظماء والمؤثِّرين؟ الأبحاث حول سمات القادة يُعدُّ الباحث رالف ستوجديل -الذي عمل في جامعة ولاية أوهايو- رائدًا للدراسات الحديثة في القيادة (أواخر القرن العشرين). حاول الباحثون الذين تبنّوا نظرية السمات تحديد الخصائص التي يتمتَّع بها القادة والتي تشمل: السمات الفسيولوجية، مثل: المظهر، والطول، والوزن. السمات الديموغرافية، مثل: العمر، والتعليم، والخلفية الاجتماعية والاقتصادية. السمات الشخصية، مثل: الميل إلى السيطرة، والثقة بالنفس، والقوة. السمات الفكرية، مثل: الذكاء، والحسم، وحُسن التقدير، والمعرفة. السمات المرتبطة بالمهام، مثل: الدافعية للإنجاز، وروح المبادرة، والإصرار. السمات الاجتماعية، مثل: الأُلفة والتعاون. اطّلع ستوجديل على بضع مئات من الدراسات المتعلِّقة بسمات القائد، ثمَّ وصف القائد الناجح في عام 1974 كما يلي: استمرَّت الدراسات خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين لتحديد العلاقة بين نشأة القادة وفعاليتهم من جهة والسمات التي يمتلكونها من جهة أخرى، ومن هؤلاء الباحثين إدوين لوك، من جامعة ميريلاند، وعدد من زملائه الذين لاحظوا أنَّ القادة الناجحين يمتلكون مجموعة من السمات الأساسية المُشتركة والتي تختلف عن سمات الآخرين. على الرغم من أنَّ هذه السمات لا تكفي لوحدها لتحديد ما إن كان الفرد مؤهّلًا ليغدوَ قائدًا ناجحًا أم لا، إلَّا أنَّها بمثابة أساسات تُزوِّد الأشخاص بمعرفة الإمكانيّات المطلوبة للقيادية الفعّالة، وتتضمَّن هذه السمات الأساسية ما يلي: الحافز: جهود كبيرة ورغبة شديدة في الإنجاز ومستويات عالية من الطموح والنشاط والمثابرة والمبادرة. الدافعية القيادية: رغبة شديدة في قيادة الآخرين. الأمانة والنزاهة: الالتزام بالحقيقة وتجنُّب الخداع بحيث تتطابق الأقوال مع الأفعال. الثقة بالنفس: إيمان الشخص بذاته وأفكاره وقدراته. القدرة الإدراكية: امتلاك مهارات فكرية وقدرة على إصدار الأحكام الصائبة وقدرة عالية على التحليل والتفكير الاستراتيجي الشامل. الإلمام بشؤون العمل: مستوى عالٍ من الفهم والخبرة في القضايا المتعلِّقة بالشركة ومجال العمل والقضايا التقنية. سمات أخرى: مثل الكاريزما والإبداع والمرونة في التعامل. على الرغم من أنَّ القادة هم أفرادٌ يمتلكون المؤهلات القياديّة المناسبة، إلَّا أنَّ القيادة الفعَّالة تتطلَّب أكثر من مجرَّد امتلاك الدوافع والسمات المناسبة؛ فامتلاك المعرفة والمهارات والقدرات اللازمة، وتحديد الرؤية والاستراتيجية وتنفيذها بطريقة فعَّالة، جميع هذه الأمور ضرورية للفرد الذي يمتلك المؤهلات المناسبة لكي يتمكَّن من الاستفادة من إمكانياته القيادية. لقد أشار إدوين لوك إلى أنَّ الأشخاص الذين يتمتَّعون بهذه السمات يُمارسون سلوكيات ذات طابع قيادي. ينجذب الناس (الأتباع) إلى الأفراد الذين يُظهرون سمات، مثل: الأمانة والنزاهة والثقة بالنفس والدافعية القيادية، ويميلون إلى اتّباع توجيهات هؤلاء الأفراد. يُنبِّهنا علماء النفس إلى أنَّ السلوك هو نتيجة التفاعل بين الشخص والموقف الذي يكون فيه، ويُضيف عالم النفس والتر ميشيل ملاحظة مهمة وهي أنَّ معالم شخصية الفرد تظهر على سلوكه في المواقف الضعيفة، في حين أنَّها تُحجب في المواقف القوية. يُقصد بالموقف القوي: الموقف الذي تتوفَّر فيه معايير وقواعد سلوكية ثابتة، وحوافز قوية، وتوقُّعات واضحة، ومكافآت على التصرُّف بطريقة معينة. على سبيل المثال،إنَّ الهياكل التنظيمية الميكانيكية التي تُحدِّد التسلسل الهرمي للسلطة والوظائف وإجراءات التشغيل القياسية في الشركة تُشكِّل موقفًا قويًا، في حين أنَّ الهياكل التنظيمية العضوية تُشكِّل موقفًا ضعيفًا. تجدر الإشارة إلى أنَّ سمات القائد تؤثِّر تأثيرًا كبيرًا على سلوكه القيادي ومن ثمَّ على فاعليته في المواقف التي تُتيح له التصرُّف وفق سجيته وطباعه، وهذا يعني أنَّ سمات الشخصية تتحكَّم بدرجة كبيرة في سلوك القائد في المواقف الضعيفة. فيما يتعلَّق بصحة نظرية الرجل العظيم في القيادة، فإنَّ الملاحظات التي جُمعت حتى الآن لا تدعم بقوة فكرة الصفات القياديّة الفطريّة للقادة (أي فكرة أنَّ الأفراد يمكتلكون سمات قياديّة معينة منذ ولادتهم)، ولكنَّ الدراسة التي أُجريت على التوائم في جامعة مينيسوتا تشير إلى احتمالية أن يكون الأمر متعلِّقًا جُزئيًا بالجينات. لقد وُجد أنَّ العديد من السمات الشخصية والاهتمامات المهنية (التي قد تكون مرتبطة برغبة الشخص في أن يكون مسؤولًا عن الآخرين وفي أن يقودهم) ترتبط بالجينات وبالتجارب والخبرات الحياتية أيضًا. يُرجع أصل نشأة معظم السمات الأساسية التي حدَّدها الباحث إدوين لوك وزملاؤه،يُرجع إلى التجارب الحياتية التي نمرُّ بها، وهذا يعني أنَّ الشخص لا يُولد وهو يحمل ثقةً قويّة بنفسه. الحقيقة هي أنَّ الثقة بالنفس يُمكن تطويرها، وإنَّ تحلِّي الفرد بالأمانة والنزاهة ينبع من اختياره الشخصي لسلوك الطريق القويم، وأنَّ الدافعية القيادية تنبثق من رغبة الفرد وتقع ضمن نطاق سيطرته، وأنَّ المعرفة بشؤون العمل يُمكن اكتسابها وتعلُّمها. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ القدرة الإدراكية التي ترتبط بالجينات بحاجة إلى التنمية والتطوير، كما أنَّ دوافع الفرد وميوله قد ترتبط أيضًا بالعوامل الوراثية، ويمكن أيضًا أن تتأثَّر بإرادة الشخص وتشجيع الآخرين له (الوسط الاجتماعي المحيط به). ومما لا شكَّ فيه أنَّ اكتساب تلك السمات أو تطويرها لا يحدث بين ليلة وضحاها. سمات أخرى مرتبطة بالقيادة تؤثِّر كلٌّ من أدوار الجنسين والميول والرقابة الذاتية على نشأة القادة وأساليبهم القيادية كما سنوضِّح فيما يلي. أدوار الجنسين لقد أُجريت العديد من الدراسات بهدف فهم أثر نوع الجنس على عملية القيادة، وقد تناولت الدراسات موضوعين أساسيين هما: تحديد العلاقة بين نشأة القادة ونوع الجنس أو الأدوار التي حدَّدها المجتمع لكل جنس، وتحديد ما إذا كانت هناك اختلافات في الأساليب القيادية التي يستخدمها كلا الجنسين. تؤكِّد الملاحظات أنَّ عدد الرجال الذين يُصبحون قادة أكثر من عدد النساء اللاتي يُصبحن قادة؛ إذ لم يكن على مرّ التاريخ سوى عدد قليل من النساء اللاتي تقلَّدن مناصب قيادية. تجدر الإشارة إلى أنَّ امتلاك النساء للخبرة في المجتمع المعاصر يُمكن أن يؤهلهنَّ للدور القيادي في البُنى المؤسساتيّة في الوقت الراهن. على الرغم ممَّا سبق، فإنَّ معرفة الأدوار الاجتماعية للجنسين تزيد من إمكانية التنبؤ بالأفراد الذين سيُصبحون قادة، إذ تزداد احتمالية أن يتولَّى الأفراد الذين يمتلكون خصائص ذكورية (مثل: الحزم، العدوانية، حب المنافسة، الاستعداد للتعبير عن الرأي بصراحة) مناصبًا قيادية، مقارنةً بالأفراد الذين يمتلكون خصائص أنثوية (مثل: المرح، الحنان، التعاطف، اللطف). في معظم المجتمعات تُبنى شخصيّة الذكور في العمليّة التربويّة على أساس امتلاك الخصائص الذكورية، بالمقابل تتعمد عمليّة التنشئة والتربية للإناث على امتلاك الخصائص الأنثوية. لقد حاول الباحثون معرفة ما إذا كانت هناك اختلافات بين الذكور والإناث من حيث استخدام الأساليب القيادية الموجَّهة نحو المهام أو الموجَّهة نحو العلاقات، وما إذا كانت هناك اختلافات جوهريّة بينهم من حيث استخدام الأساليب الاستبدادية أو الديمقراطية، ووجدوا أنَّ الاختلافات بينهم هامشية فيما يتعلَّق بالاهتمام بالعلاقات أو المهام؛ فالنساء أكثر اهتمامًا إلى حدٍّ ما بالتفاعل والعلاقات الاجتماعية، في حين أنَّ الرجال أكثر اهتمامًا إلى حدٍّ ما بإنجاز المهام وتحقيق الأهداف. أمَّا فيما يتعلَّق باستخدام أساليب القيادة الاستبدادية أو الديمقراطية، فهناك اختلافات كبيرة بين الرجال والنساء؛ إذ يميل الرجال إلى استخدام الأساليب القيادية الاستبدادية أو التوجيهية أثناء قيادة مجموعاتهم، في حين تميل النساء إلى استخدام الأساليب القيادية الديمقراطية أو التشاركية عند إدارة فرق العمل. في الحقيقة، قد يكون السبب في زيادة أعداد الرجال الذين يُصبحون قادة مقارنة بالنساء هو أنَّ الرجال أكثر ميلًا إلى تقديم التوجيهات أو إصدار الأوامر ومن ثمَّ يكون لهم دور كبير في تحقيق الأهداف المنشودة. الميول الفردية غالبًا ما يستخدم علماء النفس مُصطلحي الميول والمزاج لوصف حالات الأفراد وتمييزهم عن بعضهم بعضًا. على سبيل المثال، يميل الأفراد الذين يتصِّفون بحالة شعورية إيجابية إلى أن يكونوا نشيطين وأقوياء ومتحمِّسين ومفعمين بالحيوية ومبتهجين. إذا كان القائد يتصِّف بهذه الحالة المزاجية، فإنَّه سيبثُّ روح الثقة والتفاؤل لدى فريقه أو مجموعة عمله وسيستمتع ومن حوله من الأأفراد بالأنشطة المرتبطة بالعمل. بيّنت دراسة أُجريت حديثًا في جامعة كاليفورنيا بيركلي أنَّ القادة والمديرين ذوي الحالة المزاجية الإيجابية غالبًا ما يكونون أكثر كفاءة في التفاعل وتكوين العلاقات ضمن مجموعات العمل، ويُساهمون مساهمةً إيجابيّة في الأنشطة الجماعية، ويكونون أكثر فاعلية في تأدية مهامهم القيادية. يبدو أنَّ حماسهم ونشاطهم الكبير ينتقل منهم إلى الأتباع، لذلك فإنَّ هؤلاء القادة يعزِّزون من تماسك المجموعة وإنتاجيتها. تساهم هذه الحالة المزاجية أيضًا في انخفاض معدل دوران الموظفين، كما وترثّر في اندماج الأتباع وانخراطهم في المبادرات الذاتيّة التي تصبُّ في مصلحة المجموعة. الرقابة الذاتية الرقابة الذاتية هي سمة شخصية ترتبط بمدى قدرة الفرد على إدراك الإشارات اللفظية وغير اللفظية وتغيير سلوكه من أجل ضبط نفسه والمحافظة على الصورة التي يراه الآخرين بها. يُعدُّ الأفراد ذوو الرقابة الذاتية المرتفعة بارعين جدًّا في إدراك الإشارات الاجتماعية وتقديم أنفسهم للآخرين وفق ما تقتضيه المواقف المختلفة. في المقابل، يُعدُّ الأفراد ذوو الرقابة الذاتية المنخفضة أقل انتباهًا للإشارات الاجتماعية وقد يفتقرون إلى الدافع أو إلى القدرة على إدارة تفاعلهم مع الآخرين. تشير بعض الدلائل إلى أن فُرص القيادة تكون أفضل لدى الأفراد الذي يمتلكون مستوى رقابة داخليّة مرتفع، ويبدو أنَّ تأثيرهم على قرارات المجموعة وهيكليتها أكبر مقارنةً بالأفراد ذوي الرقابة الذاتية المنخفضة. قد يرجع سبب ذلك إلى أنَّ الأفراد ذوو الرقابة الذاتية المرتفعة يحاولون عادةً تنظيم التفاعلات التي تحدث داخل المجموعة وتحديد دور كل عضو فيها من أجل دفعها نحو تحقيق الأهداف المنشودة. النظريات السلوكية في القيادة لقد كانت محصلة الأبحاث والدراسات التي استمرَّت لأربعة عقود بهدف تحديد السمات الشخصية المرتبطة بنشأة القادة وفعاليتهم، كانت محصلة هذه الأبحاث ملاحظتين أساسيّتين. الملاحظة الأولى هي أهمية السمات التي يتحلَّى بها القائد؛ إذ تزداد احتمالية أن يُصبح الأفراد الذين يمتلكون الخصائص المناسبة (مثل: الحافز والثقة بالنفس والأمانة والنزاهة) قادة فعَّالين مقارنةً بالأفراد الذين لا يمتلكون هذه الخصائص. الملاحظة الثانية هي أنَّ السمات ليست سوى عامل واحد من العوامل التي تساهم في ارتقاء الفرد لمنصبٍ قياديّ وهل ستكون قيادته فعّالةً أم لا. استمرَّ الباحثون -متأثرين بنظرية الرجل العظيم في القيادة- في دراسة القادة لمحاولة فهم العوامل التي تُسهم في نشأة الكوادر القيادية والعوامل المؤهّبة لتشكُّل القيادة الفعَّالة، وبدؤوا يفكِّرون في أنَّهم قد يستطيعون التوصُّل إلى فهم أشمل من خلال دراسة أفعال القادة. سوف نسلِّط الضوء في هذا القسم على سلوكيات القادة وسوف نبيِّن النظريات السلوكية في القيادة. حاليًا تُركّز الدراسات والأبحاث أثناء تحديد وتقييم عناصر القيادة الفعَّالة على تصرّفات وأفعال القادة ذاتها. يتفق الرؤساء التنفيذيون والمستشارون الإداريون على أنَّ القادة الفعَّالين يثقون بالموظفين، ويُحدِّدون الرؤية، ويحافظون على رباطة جأشهم، ويُشجِّعون على خوض المجازفات، ويوفِّرون الخبرة العملية اللازمة، ويُرحبِّون بالآراء المخالفة، ويُوجِّهون انتباه الجميع إلى القضايا المهمة. أشار ويليام أرودا في مقالٍ نُشر في مجلة فورتشن إلى أنَّ المؤسسات التي تتبنّى سياسة توجيه ودعم موظفيها تحصد إيراداتٍ أعلى من المتوسط مقارنةً بنظيراتها، كما أنَّ 65% من الموظفين الذين يعملون في المؤسسات ذات سياسة الدعم والتوجيه قد وصفوا أنفسهم بأنَّهم مندمجون كثيرًا في العمل مقارنةً بـِ 13% من الموظفين في مختلف أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، يَعدُّ جوناثان أنتوني نفسه من روَّاد الأعمال الداخليين الذين يُنفِّذون أفكارًا مبتكرة داخل المؤسسات التي يعمل فيها، وذلك لأنَّ الممارسات والإجراءات القديمة بدأت تتلاشى وتندثر. لقد كان ستيف جوبز -مؤسس شركة أبل- يرى أنَّ أفضل القادة هم الذين يدرِّبون فِرق عملهم ويوجِّهونهم ويُشجِّعونهم، وقد أعرب المستشار الإداري توم بيترز عن آراء مماثلة. ممَّا سبق يمكننا القول بأنَّ القادة الفعَّالين يُقدِّمون التوجيهات والتدريبات ويُشجِّعون على الابتكار والإبداع. سنتطرَّق فيما يلي إلى البرنامجين البحثيين الرئيسيين اللذين نُفِّذا خلال أواخر الأربعينيات من القرن العشرين بواسطة جامعة ولاية أوهايو وجامعة ميشيغان، حيث كانت دراسة القيادة من وجهة نظر سلوكية وفهمها فهمًا أعمق هو الهدف ومقصد هذه الدراسة. دراسات جامعة ولاية أوهايو أجرى عدد من الباحثين في جامعة ولاية أوهايو (الولايات المتحدة الأمريكية) تحت إشراف رالف ستوكديل، أجروا سلسلةً من الدراسات الشاملة والمنهجية من أجل تحديد السلوكيات القيادية التي تُسهم في تحسين فعالية أداء المجموعة، وقد نتج عن هذه الدراسات تحديد مجموعتين رئيسيتين من السلوكيات القيادية، وهي: الاهتمام بفريق العمل وتحديد هيكل العمل. ترتبط سلوكيات الاهتمام بفريق العمل (Considration) بسلوكيات القائد الموجَّهة نحو العلاقات؛ إذ إنَّها تساهم في بناء علاقات جيدة مع أعضاء المجموعة والحفاظ عليها (أي تحقيق متطلَّبات ترابط المجموعة)، وتتضمَّن هذه السلوكيات أن يكون القائد داعمًا وودودًا ومراعيًا لمصالح وظروف الآخرين، بالإضافة إلى التواصل الفعّال والمستمر مع أعضاء المجموعة وتقدير جهودهم واحترام أفكارهم والاهتمام بمشاعرهم. ترتبط سلوكيات تحديد هيكل العمل (Initiating structure) بسلوكيات القائد الموجَّهة نحو المهام؛ إذ إنَّها تساهم في الاستخدام الفعَّال للموارد لتحقيق الأهداف التنظيمية، ومن ثمَّ تحقيق متطلَّبات المهمة التي تؤدِّيها المجموعة، وتتضمَّن هذه السلوكيات جَدولُة الأعمال، وتحديد ما يجب فعله وكيف ومتى، وتقديم التوجيهات لأعضاء المجموعة، والتخطيط، والتنسيق، وحل المشكلات، والتأكُّد من الالتزام بمعايير الأداء، والتشجيع على استخدام الإجراءات الموَّحدة. بعد أن حدَّد الباحثون مجموعة السلوكيات المرتبطة بالاهتمام بفريق العمل وتلك المرتبطة بتحديد هيكل العمل، أصبح العديد من القادة يميلون للتوجّه وفق إحدى هاتين المجموعتين دون الأخرى؛ أي اعتقدوا أنَّهم لو قرَّروا تأدية سلوكيات تحديد هيكل العمل فلا يمكنهم تأدية سلوكيات الاهتمام بفريق العمل، والعكس صحيح. لكن سُرعان ما تبيَّن أنَّ بإمكان القادة ممارسة مزيج من مجموعتي السلوكيات في الوقت نفسه. تُعدُّ دراسات ولاية أوهايو مهمة لأنَّها حدَّدت مجموعتين رئيسيتين من السلوكيات التي تميِّز قائدًا عن آخر. يمكن أن تؤثِّر كلٌّ من سلوكيات تحديد هيكل العمل وسلوكيات الاهتمام بفريق العمل إلى حدٍّ كبير على المواقف والسلوكيات المرتبطة بالعمل، ولكن -لسوء الحظ- آثار هذه السلوكيات تختلف من موقف لآخر ولا يمكن اعتماد نمط نتائجٍ واحد لكل المواقف. على سبيل المثال، أدَّت الممارسة الكبيرة لسلوكيات تحديد هيكل العمل في بعض المؤسسات إلى زيادة الأداء، في حين أنَّها لا لم تُحدث فرقًا كبيرًا في مؤسسات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أنَّ معظم أعضاء المؤسسات صرَّحوا بأنَّهم يشعرون برضا أكبر عندما يتعامل القادة معهم باهتمام، إلَّا أنَّ نتائج الدراسات والإحصائيات قد بينَّت أنَّ ذلك الاهتمام ليس له تأثير واضح على الأداء. كانت هذه النتائج المُربكة مخيبة لآمال الباحثين والمديرين على حدًّ سواء، فقد كان من المتوقَّع أن تقدِّم هذه النتائج صورة عن سلوكيات القادة الأكثر فاعليّةً وتأثيرًا، لكي يتمكّن الباحثون من وضع خطط تدريب لقادة المستقبل على التصرُّف بأفضل الأساليب، ولكن اتضَّح من الدراسات أنَّه لا يوجد أسلوب سلوكي واحد مُعتمد يجعل القائد فعَّالًا في جميع المواقف. دراسات جامعة ميشيغان بدأ باحثون في جامعة ميشيغان في دراسة سلوكيات القادة في نفس الوقت الذي كانت تُجرى فيه دراسات جامعة ولاية أوهايو. وكما هو الحال في جامعة ولاية أوهايو، فقد حاول الباحثون في جامعة ميشيغان تحديد السلوكيات التي تُميِّز القادة الفعَّالين عن نُظرائهم غير الفعَّالين. خلُصت دراسات جامعة ميشيغان إلى فئتين من السلوكيات القيادية، وهي: السلوكيات المتمركزة على الوظائف والسلوكيات المتمركزة على أعضاء المؤسسة. تتضمَّن السلوكيات المتمركزة على الوظائف (job-centered behaviors) الأعمال الإشرافية مثل: التخطيط وجدولة الأعمال وتنسيق أنشطة العمل وتوفير الموارد اللازمة لأداء المهام، في حين تتضمَّن السلوكيات المتمركزة على الموظفين (employee-centered behaviors) الاهتمام بأعضاء المؤسسة ودعمهم. يبدو جليًّا أنَّ هناك ترابطًا كبيرًا بين هذه السلوكيات وسلوكيات تحديد هيكل العمل والاهتمام بفريق العمل التي حدَّدها الباحثون من جامعة ولاية أوهايو، ويدلُّ هذا التشابه في النتائج التي استخلصتها مجموعتان مستقلتان من الباحثين إلى صحتها ومصداقيتها. اكتشف الباحثون في جامعة ميشيغان أيضًا أن بإمكان القادة ممارسة مزيج من السلوكيات التي تتضمَّنها الفئتان في الوقت نفسه، وهو ما اكتشفه أيضًا الباحثون في جامعة ولاية أوهايو كما ذكرنا سابقًا. تُعدُّ دراسات جامعة ميشيغان مهمة لأنَّها تؤكِّد على أهمية السلوكيات التي يُمارسها القائد، وتُشكِّل هذه الدراسات أيضًا أساسًا للنظريات اللاحقة التي تربط بين مواقف العمل والسلوكيات القيادية الفعَّالة التي تلائمها. بالإضافة إلى ذلك كشفت الدراسات اللاحقة التي أُجريت في جامعة ميشيغان ومراكز بحثية أخرى عن مجموعة سلوكيات أخرى ترتبط بالقيادة الفعالة، وهي: الدعم، وتسهيل العمل، والتأكيد على أهمية الهدف، وتسهيل عمليات التفاعل. تُعدُّ هذه السلوكيات الأربعة مهمة لنجاح عمل المجموعة؛ إذ يُساهم الدعم وتسهيل عمليات التفاعل في الحفاظ على ترابط أفراد المجموعة، ويُساعد في التأكيد على أهمية الهدف وتسهيل عمل المجموعة من أجل إنجاز المهام المطلوبة. وجد الباحثون في جامعة ميشيغان أيضًا أنَّ وظيفة القائد الحقيقية ليست فرض هذه السلوكيات الأربعة داخل المجموعة؛ وإنما تمهيد الطريق وتهيئة المناخ الملائم الذي يضمن تطبيق هذه السلوكيات ضمن المجموعة. الشبكة القيادية يعود الفضل الكبير في نشر المعرفة المتعلِّقة بسلوكيات القائد المهمة إلى الباحثيَن روبرت بليك (Robert R. Blake) وجين موتون (Jane S. Mouton) اللذين وضعا نموذجًا لتصنيف أساليب القيادة، يُدعى الشبكة القيادية (Leadership Grid)، ينسجم هذا النموذج مع العديد من الأفكار والنتائج التي انتهت إليها الدراسات التي أُجريت في كلٍّ من جامعة ولاية أوهايو وجامعة ميشيغان. يحتوي هذا التصنيف على محورين، هما: محور الاهتمام بالإنتاج الذي يُركِّز على النتائج، وفعالية التكلفة، والاهتمام بالأرباح (في المؤسسات الربحية). محور الاهتمام بالأفراد الذي يُركِّز على تعزيز علاقات العمل والاهتمام بالقضايا التي تهم أعضاء المجموعة. ينتج عن اتحاد هذين المحورين خمسة أساليب قيادية كما هو موضَّح في الشكل التالي الذي يُبيِّن نموذج الشبكة القيادية. الشبكة الإدارية لبليك وموتون (المصدر: مقتبس من كتاب «The Power to Change»، راشيل ماكي وبروس كارلسون، 1999. ص 16) يؤكِّد الباحثان بليك وموتون أنَّ أسلوب القيادة الراشدة (القائد الذي ينهج الأسلوب 9،9 من الشبكة الإدارية السابقة) هو الأسلوب الأكثر فاعلية على مستوى العالم، ويهتم القائد الذي يتبنَّى هذا الأسلوب بالإنتاج والأفراد إلى حدٍّ كبير. لكن على الرغم من أنَّ الشبكة الإداريّة السابقة مثيرة للاهتمام ومنظمة تنظيمًا جيِّدًا، إلَّا أنَّه تُشير الدراسات إلى عدم وجود أسلوب قيادة فعَّال يُمكن تعميمه حتى الآن، وحتى أسلوب القيادة الراشدة لا يكون فعَّالًا في بعض المواقف. على سبيل المثال، يتوجَّب على القائد الذي يتعامل مع أفراد المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين (الذين أتقنوا مهامهم الوظيفية) على نطاق وِاسع، يتوجّب عليه أن يُقلِّل من توجيه اهتمامه نحو القضايا المرتبطة بالإنتاج، كما أنَّ المواقف الطارئة لا تتيح للقائد إلَّا وقتًا محدودًا للاهتمام بالأفراد. لقد بيَّنت الملاحظات أنَّ أسلوب القيادة الراشدة يُمكن أن يكون فعَّالًا عندما يتطلَّب الموقف تحديد هيكل العمل والتفاصيل المتعلِّقة بالمهام المُراد إنجازها؛ فاستخدام هذا الأسلوب في هذه الحالة يزيد من تقبُّل الأتباع لمخطط العمل المحدَّد ويؤثِّر إيجابيًا على رضاهم وأدائهم؛ إذ يكون القائد ودودًا وداعمًا ومراعيًا لمصالحهم. ترجمة -وبتصرف- للفصلين The Trait Approach to Leadership وBehavioral Approaches to Leadership من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: النظريات الموقفية في القيادة المقال السابق: أنواع القادة وأساليب القيادة
  14. للقادة مكانة مميزة ضمن مجموعاتهم؛ فهم يؤثِّرون على أفراد المجموعة ويُقدِّمون التوجيهات لهم. على سبيل المثال، كان ليونارد بيرنشتاين أحد أعضاء الفرقة السيمفونية، ولكن دوره في تأدية أوركسترا نيويورك الفيلهارمونية يختلف اختلافًا كبيرًا عن دور باقي أعضاء الفرقة السيمفونية؛ إذ إنَّه وضع تصوُّرًا للسيمفونية إلى جانب قيادة الأوركسترا. الفكرة التي نودُّ التأكيد عليها هي أنَّ من يتولَّى القيادة يجب أن يتقلّد دوره تقلّدًا مميزًا ويجب أن يُمثِّل نواة الأنشطة التي تؤدِّيها المجموعة. تحتوي المؤسسات على نوعين من القادة هما: القائد الرسمي والقائد غير رسمي. القائد الرسمي هو الشخص الذي بإمكان الأفراد الذين لا ينتمون إلى مجموعته أن يدركوا أنَّه القائد المسؤول عن مجموعته، وغالبًا ما يُعيَّن من قِبل المؤسسة للعمل وكيلًا لها بصفة رسمية. على سبيل المثال، كان جاك ويلش القائد الرسمي لشركة جنرال إلكتريك، وكان ليونارد بيرنشتاين القائد الرسمي للفرقة السمفونية. من الناحية العملية، يؤدِّي جميع المديرين دور القادة الرسميين لأنَّ طبيعة عملهم تتطلَّب ذلك. تتيح المؤسسات التي تتبنَّى أسلوب الإدارة الذاتية لأعضاء فِرق العمل اختيار الفرد الذي سيصبح قائدًا لها. عندما تُصادق المؤسسة على ذلك الاختيار، يصبح هؤلاء القادة قادةً رسميين في تلك المؤسسة. غالبًا ما يُصبح أفراد المؤسسة الذين يُحسنون الترويج لأفكارهم المتعلِّقة بإنجاز المشاريع هم القادة؛ إذ يُعدُّ الإقناع والإلهام عنصران أساسيان في معادلة القيادة، خاصةً في المؤسسات التي تسمح بمشاركة وتفاعل الموظفين على نطاق واسع. في المقابل، القائد غير الرسمي هو الشخص الذي يعترف به أعضاء مجموعته قائدًا لهم، ولا يُعيَّن من قِبل المؤسسة. غالبًا ما يكون للفِرق الرياضية قادة غير رسميين يؤثِّرون تأثيرًا كبيرًا على أعضاء الفريق على الرغم من أنَّهم لا يشغلون منصبًا قياديًا رسميًا. في الواقع، تحتوي معظم مجموعات العمل على قائد غير رسمي واحد على الأقل، وقد يجلب القادة غير الرسميين -مثلهم مثل القادة الرسميين- النفع أو الضرر للمؤسسة، ويتوقَّف ذلك على ما إذا كان تأثيرهم يدفع أعضاء المجموعة إلى التصرف وفق ما تقتضيه الأهداف التنظيمية أم لا. كما بيَّنا سابقًا، فإنَّ القائد والمدير مفهومان غير مترادفين. تُميِّز جريس هوبر -أميرال متقاعد في البحرية الأمريكية- بين القيادة والإدارة بقولها: «أنت لا تدير الناس؛ بل تدير الأشياء. إنما القيادة للأشخاص». غالبًا ما يكون للقادة غير الرسميين نفوذ كبير على زملائهم؛ إذ يعترف بهم أعضاء مجموعتهم ويستجيبون لهم عن طيب خاطر. لكن لا تتضمَّن أدوار القادة غير الرسميين جميع المسؤوليات الإدارية، وذلك لأنَّ القائد غير الرسمي لا يحتاج دائمًا إلى ممارسة التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة. ومع ذلك، كثيرًا ما تحثُّ المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين على نطاق واسع قادتها الرسميين وغير الرسميين على ممارسة جميع الأدوار الإدارية، ويرى الكثيرون أنَّ هذه الإجراءات ضرورية لنجاح فِرق العمل المُدارة ذاتيًا. السبيل إلى القيادة يصل الناس إلى المناصب القيادية من خلال طريقين. أولًا، هناك القائد المُعيَّن (designated leader) الذي تضعه جهات مسؤولة خارج المجموعة في المنصب القيادي، فمثلًا تعمل برامج تدريب الضباط الاحتياط والأكاديميات العسكرية، مثل (West Point) على إعداد الأشخاص حتى يصبحوا قادةً بشكل رسمي. في المقابل، هناك القائد الناشئ (emergent leader) الذي يبرز من خلال العمليات التي تجري بين أفراد المجموعة أثناء سعيهم إلى تحقيق هدف مشترك. هناك مجموعة متنوعة من العمليات التي تساعدنا على فهم كيفية ظهور القادة. لقد لاحظ جيرالد سالانسيك وجيفري فيفير أنَّ قوة التأثير على الآخرين تتنتقل إلى يد الأفراد الذين يمتلكون الموارد الضرورية والنادرة (التي غالبًا ما تكون هي المعرفة والخبرة) والتي تكون المجموعة بحاجة إليها من أجل التغلُّب على مشكلة جوهرية، وأشاروا أيضًا إلى سيادة مفهوم القيادة والتحالف في أوساط المهندسين في شركات الدول الكُبرى، مثل الولايات المُتّحدة خلال خمسينيات القرن العشرين، وذلك لأنَّ المؤسسات كانت تتنافس على تصميم أفضل المنتجات في ذلك الوقت. انتقلت القيادة وقوة التأثير بعد ذلك إلى يد المسوِّقين في العديد من المؤسسات، إذ أصبحت المنافسة تعتمد على قوّة وهيمنة الإعلانات بهدف بناء صورة مميزة للمنتجات في ذهن المستهلك. انتقلت دفة القيادة وقوة التأثير مرة أخرى منذ حوالي 10-15 سنة، وأصبحت هذه المرة في يد الأشخاص ذوي الخبرات المالية والقانونية، وذلك لأنَّ أبرز ما كانت تواجهه العديد من المؤسسات في هذا الوقت هو عمليات الاندماج والاستحواذ والاستحواذ العدائي والتمويل الابتكاري. نرى ممَّا سبق أنَّ كلًّا من سالانسيك وفيفير ركّزا على أهمية قوة التأثير وما يترتَّب عليها من انتقال القيادة إلى الأفراد الذين بإمكانهم مساعدة المؤسسة أو المجموعة على التغلُّب على المشكلات والتحديات التي تواجهها، إذ يحدُث انتقال للقيادة وقوة التأثير تبعًا لتغيُّر التحديات التي تواجه المجموعة. يبرُز العديد من القادة استجابةً لمتطلَّبات الموقف، إذ تتطلَّب المواقف المختلفة معارف ومهارات وقدرات مختلفة، وغالبًا ما تلجأ المجموعات إلى العضو الذي يمتلك المعارف والمهارات والقدرات التي تحتاجها لتحقيق أهدافها. يتنازل الناس عن سلطتهم وطواعيّتهم ويمنحون السلطة للأفراد الذين يُتوقَّع أن يُسهموا إسهامات بارزة من أجل تحقيق أهداف المجموعة، وغالبًا ما يكون الفرد الذي يتسلَّم السلطة عضوًا ذا مكانة جيِّدة في المجموعة، ويُصبح لهذا الفرد خصوصية تميِّزه عن غيره بسبب كفاءته وإسهاماته في تحقيق أهداف المجموعة، الأمر الذي يُتيح له التأثير على المسار الذي تسلكه المجموعة أثناء عملها على تحقيق أهدافها. تجدر الإشارة إلى أنَّ السمات التي يمتلكها بعض الأفراد تساعدهم بدرجة كبيرة لكي يغدو قادة، وتشير الدراسات إلى أنَّ الناس لا يميلون إلى اتباع الأفراد الذين لا يتمتَّعون بالدافعية والثقة بالنفس والخبرة والأمانة والنزاهة. القيادة هي فن التأثير ذكرنا سابقًا أنَّ القيادة هي علاقة تأثير اجتماعي بين شخصين أو أكثر تجمعهم مجموعة معينة ويعتمد كلّ منهم على الآخر لتحقيق أهداف محدَّدة ومشتركة، ولكن كيف يمكن للقادة التأثير على الآخرين بفعالية؟ يجب أن نفهم المقصود بالتأثير الاجتماعي حتى نتمكَّن من الإجابة عن هذا السؤال. إنَّ التأثير الاجتماعي، أو التفاعلي، هو قدرة الفرد على إحداث تغيير على دوافع الآخرين ووجهات نظرهم وسلوكياتهم، وبناءً على ذلك تكون إجابة سؤال «كيف يؤثِّر القادة على أتباعهم؟» هي أنَّ التأثير الاجتماعي الذي يتمتَّع به القائد هو الذي يُشكِّل مصدر سلطته وقوته. لقد وضع العالمان جون فرينش وبيرترام ريفين تصنيفًا مفيدًا يبيِّن مصادر وأنواع القوى التي قد يستخدمها القادة في عمليّة التأثير والتأثّر ضمن مجموعتهم الإداريّة، وتتضمَّن هذه القوى ما يلي: قوة المكافأة (Reward power): القوة التي يمتلكها الشخص لأنَّ الناس يعتقدون أنَّه بإمكانه تقديم الأُعطيات أو المكافآت، مثل: المال أو التقدير الذي يرغب الآخرون في الحصول عليه. القوة القسرية (Coercive power): القوة التي يمتلكها الشخص لأنَّ الناس يعتقدون أنَّه بإمكانه معاقبتهم بما يُزعجهم أو منعهم من الحصول على شيءٍ يعدُّونه ثمينًا. القوة المرجعية (Referent power): القوة التي يمتلكها الشخص لأنَّ الآخرين يرغبون في التقرُّب منه أو الحصول على رضاه أو مساعدته. قوة الخبرة (Expert power): القوة التي يمتلكها الشخص لأنَّ الآخرين يعتقدون أنَّه يمتلك المعرفة والخبرة التي يحتاجونها ومستعد لمشاركتها معهم. هناك مفهوم يُدعى قوة امتلاك الموارد وهو أوسع من مفهوم قوة الخبرة، إذ يشمل القوة التي يمتلكها الشخص لأنَّ الآخرين يعتقدون أنَّه يمتلك الموارد التي يحتاجونها -مثل المعلومات أو الوقت أو المواد اللازمة- ومستعد لمشاركتها معهم. القوة الشرعية (Legitimate power): القوة التي يمتلكها الشخص لأنَّ الآخرين يعتقدون أنَّه يمتلك الحق في السلطة والتأثير عليهم وأنَّهم يتوجَّب عليهم أن يطيعوه. يمكن أن ينشأ هذا الحق عن التقاليد، أو الكاريزما أو جاذبية الشخص، أو القوانين، أو الأدوار المؤسسية في المجتمع، أو الجاذبية الأخلاقية، أو العقلانية (أي الحجج العقلية والأدلة الواقعية والمنطق ووجهات النظر الملائمة). ليست كل أنواع القوى فعَّالة بنفس الدرجة (انظر الشكل التالي)، كما أنَّ مجال تأثير القائد يختلف عن مجموع القوى التي تحت تصرُّفه؛ إذ ينتج عن أنواع القوى المختلفة أشكال مختلفة من الامتثال. على سبيل المثال، يدفع القادة الذين يعتمدون على القوة القسرية أتباعهم إلى النفور منهم أو مقاومة محاولات التأثير فيهم، بينما يُنتج القادة الذين يعتمدون على قوة المكافأة أتباعًا يُدقِّقون كثيرًا في ردود أفعالهم في سبيل الحصول على رضى القائد وبالتالي نيل المكافآت، إذ غالبًا ما تدفع المكافآت الأفراد إلى طرح تساؤلات مثل: «ما مقدار ما أحصل عليه؟» أو «ما مقدار الجُهد الذي يتوجَّب عليّ أن أبذله؟» أو «هل يتناسب مقدار مع أحصل عليه مع مقدار الجهد الذي أبذله؟». في المقابل، يؤدِّي استخدام القوة المرجعية إلى تقليد الأتباع للقائد وتبنِّيهم لقضيته، ويؤدِّي استخدام قوة الخبرة والعقلانية والأخلاق الحسنة غالبًا إلى التزام الأتباع واستيعابهم للأهداف التي حدَّدها القائد. العلاقة بين قوة القائد والأتباع عادةً ما يحصل القادة الذين يستخدمون القوة المرجعية وقوة الخبرة على رد فعل إيجابي من أتباعهم، يتمثَّل في رضاهم وحُسن أدائهم. بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أنَّ العقلانية هي النهج الأكثر تأثيرًا على الأتباع من حيث التزامهم ودافعيتهم وأدائهم ورضاهم وفاعلية العمل الجماعي. يمكن أن يؤدِّي استخدام قوة المكافأة والقوة الشرعية (الاعتماد على مركز الشخص للتأثير على الآخرين) إلى نتائج متعارضة وربما سلبيّة، إذ تؤدِّي هذه القوى أحيانًا إلى حُسن أداء الأتباع ورضاهم، ولكنَّها قد لا تكون مؤثِّرة في بعض الأحيان أو قد تؤدِّي إلى نتائج غير مرغوب فيها. على نحوٍ مماثل، قد تؤدِّي القوة القسرية إلى أداء مرغوب فيه، ولكنَّها أيضًا قد تؤدِّي إلى استياء الأتباع ومقاومتهم. القادة الجيِّدون -سواءً كانوا رسميين أم غير رسميين- يستغلُّون العديد من مصادر القوة، أمَّا القادة الذين يعتمدون على سلطتهم وقوتهم الشرعية فقط لا يكون تأثيرهم كافيًا لمساعدة مؤسساتهم وأعضائها على النجاح. يُدرك القادة الفعَّالون والمؤثِّرون أنَّ استخدام القوة القسرية غالبًا ما يؤدِّي إلى تقليل فعالية القوى الأخرى، وأنَّ استخدام القوة المرجعية غالبًا ما يؤدِّي إلى زيادة فعالية الأنواع الأخرى من القوى. ومن المعلوم أنَّنا نولي قيمة أكبر للمجاملات أو المكافآت التي نحصل عليها من شخص نحبُّه مقارنةً بتلك التي نحصل عليها من شخص لا نحبُّه، كما أنَّنا نكون أقل انزعاجًا من العقوبات التي نتلقَّاها من شخص نحبُّه (مثل الوالدين) مقارنةً بما قد نشعر به عندما نعاقب من قِبل شخص لا نحبُّه. مجمل القول هو أنَّ نوع القوة التي يستخدمها القائد من أهم العوامل التي تُحدِّد مدى فعالية القيادة والتأثير الاجتماعي الذي يُمارسونه على أتباعهم ومرؤوسيهم. تزداد فعالية القائد عندما يمتثل له الأفراد بإرادتهم ورغبتهم، وغالبًا ما يحدث هذا عندما يكون تأثير القائد نابعًا من خصائصه الذاتية، مثل: عقلانيته أو خبرته أو حُسن أخلاقه أو قوته المرجعية. تتعلَّق القيادة بوجود رؤية وبث تلك الرؤية للأتباع وإشعارهم بمدى أهميتها، ومن الوسائل التي قد يستخدمها القادة لجذب انتباه أتباعهم وإثارة عواطفهم وتوضيح المهام والتحديات التي قد تواجههم: أسلوب المخاطبة والمناقشة العقلانيّة وسرد القصص والخبرات السابقة وغيرها، تساعد هذه الوسائل القائد على التأثير على وجهات نظر أتباعه ودافعيتهم وسلوكياتهم. أساليب القيادة القائمة على التأثير لقد درس العديد من الكتاب والباحثين كيف بإمكان القادة استخدام القوى بما يتناسب مع متطلَّبات المواقف المختلفة. تُشير إحدى وُجهات النظر إلى أنَّ أعضاء وموظفي المؤسسات التقليدية يتوقَّعون أن يُبلَّغوا بما يجب عليهم القيام به، وهم مستعدُّون لاتباع التوجيهات الدقيقة. في المقابل، فإنَّ الأفراد الذين يُفضِّلون المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين وتفاعلهم على نطاق واسع يرغبون في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، ويتوقَّعون من قادتهم أن يسمحوا لهم بذلك، وهم مستعدُّون لتحمُّل مسؤوليّة قراراتهم وأعمالهم. نستنتج من ذلك أنَّ بإمكان القائد استخدام سلطته واستغلالها بطرق متنوعة. نموذج تانينباوم وشميت ابتكر العالمان تانينباوم وشميت في خمسينيات القرن العشرين ما يُعرف بنظرية الخط المستمر في القيادة، والتي تتدرَّج فيها أساليب القيادة من استخدام السلطة الاستبداديّة إلى إعطاء حرية كبيرة جدًّا للموظفين، وقد أدخل الباحثون بعد ذلك تعديلات على نموذج تانينبوم وشميت من خلال تصنيف أساليب القيادة إلى ثلاث فئات، هي: الاستبدادية (القائد هو مركز السلطة)، والتشاركية (يتشاور القائد مع الموظفين ويسمح لهم بالمشاركة)، والحكم الحر (تُسند المهام إلى أعضاء المجموعة والذين يُحدِّدون بأنفسهم كيف سيؤدُّون تلك المهام، ويتخلَّى القائد عن أداء أدواره القيادية). نموذج تانينباوم وشميت (المصدر: مقتبس من «How to choose a leadership pattern»، تانينباوم وشميت، 1971. مجلة هارفارد بزنس ريفيو، ص 167) نظرية X ونظرية Y تفترض نظرية X ونظرية Y التي وُضعت من قِبل العالم الأمريكي دوغلاس ماكغريغور أنَّ هناك وجهتي نظر مختلفتين بشأن دوافع أفراد المؤسسة في العمل، وينشأ عن ذلك التفرّع الحاجة إلى أسلوبين مختلفين من القيادة. يفترض القادة الذين تنطبق عليهم نظرية X أنَّ الفرد أو الموظّف العادي لا يحب العمل ولا يستطيع توجيه نفسه والتحكُّم فيها أو أنه غير مؤهّلٍ لذلك، ولذلك يميلون إلى استخدام أسلوب قيادة يتَّسم بشدة السيطرة والرقابة. في المقابل، يفترض القادة الذين تنطبق عليهم نظرية Y أنَّ جميع الأفراد يمتلكون قدرات إبداعية كامنة ولديهم أيضًا الرغبة في توجيه أنفسهم والتحكُّم فيها، ولذلك غالبًا ما يمنحون أفراد المؤسسة مساحة كبيرة من حرية التصرُّف في عملهم ويشجِّعونهم على المشاركة في اتخاذ القرارات الإدارية والتنظيمية. يميل هؤلاء القادة أيضًا إلى استخدام أساليب القيادة القائمة على المشاركة وتبنّي الهياكل التنظيمية العضوية. لا تقتصر نظرية X ونظرية Y على المجتمعات المتطوّرة فقط، وتشير الدلائل إلى أنَّ المديرين في مختلف أنحاء العالم لديهم نفس وجهتي النظر اللتان طرحناهما، إذ كشفت دراسة أُجريت على 3600 مدير في 14 دولة أنَّ معظم هؤلاء المديرين تتفق افتراضاتهم حول الطبيعة البشرية مع افتراضات نظريةX. على الرغم من أنَّ المديرين قد يُصرِّحون بأهمية الإدارة التشاركية ومميزاتها، إلا أنَّ معظمهم لا يثقون في قدرات موظفيهم على توجيه أنفسهم والتحكُّم فيها وعلى تقديم مساهمات إبداعية. أساليب القيادة التوجيهية والتساهلية من المعلوم أنَّ حل المشكلات يُعدُّ من الأدوار الإدارية والقيادية المهمة في العمليّة المؤسساتيّة، ولذلك اقترح جان موجيك وبرنارد رايمان من جامعة ولاية كليفلاند أربعة أساليب مختلفة للقيادة (موضَّحة في الشكل التالي) تدور حول اتخاذ القرارات وعمليات تنفيذ هذه القرارات. سلوك القائد واستخدامه للسلطة (المصدر: مقتبس من الدراسة «The case for directive leadership»، جان موجيك وبرنارد رايمان، 1987) يستأثر الاستبدادي الموجِّه (directive autocrat) بالسلطة، ويتخذ قرارات أُحادية الجانب دون استشارة أحد، ويُشرف عن كثب على الأنشطة التي يؤدِّيها الموظفون. يكون أسلوب القيادة هذا مناسبًا عندما تتطلَّب الظروف اتخاذ قرارات سريعة وعندما يكون أعضاء المجموعة حديثي العهد أو قليلي الخبرة أو غير مُؤهلين. على سبيل المثال، قد يستخدم الطبيب المسؤول عن ملجأ بُني على عجل لإيواء ضحايا الإعصار هذا الأسلوب لقيادة المتطوعين غير الطبيين. يتّخذ الاستبدادي المتساهل (permissive autocrat) القرارات لوحده ولكنَّه يتيح لأعضاء المجموعة حرية التصرُّف عند تنفيذ تلك القرارات. يُوصَى باستخدام أسلوب القيادة هذا عندما يكون الوقت المتاح لاتخاذ القرارات محدودًا، أو عندما تكون المهام المطلوبة روتينية، أو عندما يكون لدى أعضاء المجموعة الخبرة الكافية التي تُمكنِّهم من تحديد السلوكيات والإجراءات المناسبة. يتيح الديمقراطي الموجِّه (directive democrat) لأعضاء المجموعة المشاركة في اتخاذ القرارات ويُشجِّعهم على ذلك، ولكنَّه يُمارس سلطته عليهم عندما يُنفِّذون الأعمال والمهام المطلوبة منهم ويُوجِّههم بشأن كيفية أدائها. هذا الأسلوب مناسب للاستخدام عندما تكون آراء الأتباع وأفكارهم مفيدة ولديهم قدرات إبداعيّة مميّزة في مجال عملٍ يتطلّب الإبداع، ولكنَّ الموقف أو العمل يتطلَّب أن يكون هناك شخص واحد مسؤول عن تنظيم عملية تنفيذ تلك الأفكار. على سبيل المثال، قد يسمح الجرَّاح لجميع أعضاء الفريق الجراحي بالمشاركة في وضع خطة إجراء العملية الجراحية، ولكنَّه يُصبح مسؤولًا تمامًا عن سير العمل بمجرد البدء في تنفيذ العملية الجراحية. يتقاسم الديمقراطي المتساهل (permissive democrat) السلطة مع أعضاء المجموعة، ويحثُّهم على المشاركة في اتخاذ القرارات وتحديد طريقة تنفيذها. هذا الأسلوب مناسب للاستخدام عندما يترتَّب على عملية المشاركة قيمة معلوماتية وتحفيزية، وعندما يتوفَّر الوقت الكافي لاتخاذ قرارات جماعية، وعندما يكون بإمكان أعضاء المجموعة تحسين جودة عملية اتخاذ القرارات، وعندما يكون بإمكانهم أيضًا إدارة أنفسهم والتحكُّم فيها أثناء تنفيذ خطط العمل. يُشاع استخدام الأسلوب الديمقراطي المتساهل في المؤسسات التي تسمح بمشاركة الموظفين على نطاق واسع، ويكون القادة في هذه الحالة هم حلقات الوصل ومركز الاستشارة والمرجعيّة للأفراد، ويكونون مُيسِّرين ومديري نزاعات وملهمين ومدربين ومعلمين وموجهين ومشجعين. من الأمثلة على القادة الذين يستخدمون هذا الأسلوب رالف ستاير (Ralph Stayer) الذي يُعدُّ المؤسِّس والمالك والمدير التنفيذي لشركة (Johnsonville Foods)، وهو يصف نفسه بأنَّه فيلسوف شركته. يُعدُّ هاري كوادراتشي (Harry V. Quadracci) -مؤسِّس شركة (Quad/Graphics)- أيضًا من النوع الديمقراطيّ المُتساهل، إذ إنَّه يُشجِّع جميع الموظفين في الشركة على المشاركة الفعَّالة في اتخاذ القرارات وتنفيذها ويتيح لهم العمل باستقلالية وإظهار قدراتهم الكامنة بهدف تحقيق أهداف الشركة. يظهر في الصورة جيف بيزوس -المؤسِّس والرئيس التنفيذي لشركة أمازون- الذي اعتاد على إحضار كرسي فارغ في المقابلات لتذكير المشاركين بأهمية فئة الزبائن التي لا تحضر هذه المقابلات، وقد استبدل الكرسي الفارغ بموظفين يحملون المسمَّى الوظيفي «Customer Experience Bar Raisers». ترجمة -وبتصرف- للفصل Types of Leaders and Leader Emergence من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: نظرية السمات في القيادة المقال السابق: شرح عملية القيادة
  15. القيادة هي عملية وعلاقة تبادلية معقَّدة وديناميكية تتشكَّل مع مرور الوقت بين القائد والتابع أو بين القائد ومجموعة الأتباع الذين يعتمدون على بعضهم بعضًا لتحقيق الهدف المنشود المشترك. يُبيِّن الشكل التالي أنَّ علاقة العمل هذه تتألَّف من عدة عناصر رئيسية هي: القائد، والأتباع، والسياق (الموقف)، وعملية القيادة بحدِّ ذاتها، وأخيرًا النتائج. يتفاعل كل عنصر مع العناصر الأخرى ويؤثر فيها، وتُؤثِّر النتائج -أيًا كانت (مثل تشكُّل الثقة بين القائد والتابع)- على التفاعلات المستقبلية. عندما يتغيَّر أي عنصر من هذه العناصر، تتغيَّر عملية القيادة أيضًا. عملية القيادة (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) القائد القادة هم الأشخاص الذين يتحمَّلون مسؤولية الأنشطة التي يؤدِّيها الآخرون أو يوجِّهونها، وغالبًا ما يُنظر إليهم على أنَّهم محور أنشطة المجموعة أو المُنظِّم لها؛ أي أنَّهم الأشخاص الذين يحدِّدون مخطط عمل المجموعة لكي تتمكَّن من المضي قدمًا لتحقيق الأهداف المنشودة. يُزوِّد القادة المجموعة بما يلزم من أجل الحفاظ على ترابط المجموعة وإنجاز المهمة المطلوبة، سواءً كان ذلك الدعم الذي يقدّمونه معنويًّا (نفسيًّا) أم ماديًّا (موارد أو تجهيزات). سنتحدَّث عن "شخصيّة القائد الخاصّة" لاحقًا في مقالاتنا عندما نشرح نظرية السمات في القيادة. وجَّهت أوركسترا نيويورك الفيلهارمونية التي أدارها المُخرج الموسيقي آلان جيلبرت شكرًا خاصًا في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة للأمين العام بان كي مون تقديرًا لولايته التي استمرت 10 سنوات. يُعدُّ جيلبرت القائد الرسمي لأوركسترا نيويورك الفيلهارمونية. التابع التابع ليس عنصرًا خاملًا في عملية القيادة؛ أشار إدوين هولاندر -بعد سنوات عديدة من دراسته لمفهوم القيادة- إلى أنَّ التابع هو العنصر الأكثر أهمية في أي عملية قياديّة. إنَّ التابع هو الذي يستوعب الموقف ويُحدِّد المتطلَّبات التي يجب على القائد أن يُلبِّيَها، كما أنَّ التابع هو الذي يرفض الإجراءات القيادية أو يقبلها من خلال تنازله عن سلطته وإذعانه للقائد لكي يتوَّلى هذا القائد تقليل الغموض المرتبط بالمهمة، وتوضيح الموقف للتابع، وتنظيم عمل التابع سعيًا لتحقيق الهدف المنشود. إنَّ شخصية التابع واستعداده للامتثال يُحدِّدان مدى فعالية أسلوب القيادة. على سبيل المثال، يكون الأفراد ذوو مركز الضبط الداخلي أكثر استجابةً لأسلوب القيادة التشاركية من الأفراد ذوي مركز الضبط الخارجي، ويميل الأفراد ذوو الشخصية الاستبدادية إلى التقبُّل الشديد للقيادة التوجيهية. يُمكننا القول بأنَّ توقُّعات الأتباع ومتطلَّباتهم المتعلِّقة بالأداء هي التي تُحدِّد ما يجب على القائد فعله لكي يكون قائدًا فعَّالاً. ملاحظة: يعتقد الأفراد ذوو مركز الضبط الداخلي أنَّ الأحداث في حياتهم تنتج بشكل أساسي عن أفعالهم، بينما يعتقد الأفراد ذوو مركز الضبط الخارجي أنَّ تلك الأحداث خاضعة لتحكُّم عوامل خارجية لا يمكن للفرد التأثير عليها. يرتبط مدى قوة مفهوم الذات لدى التابع بعملية القيادة أيضًا، حيث يميل الأفراد ذوو التقدير المرتفع للذات إلى الشعور الشديد بالكفاءة الذاتية؛ أي لديهم اعتقاد عام بأنَّهم يستطيعون أن ينجحوا في المواقف الصعبة، لذلك غالبًا ما يكون لديهم دافع قوي للإنجاز والإصرار على التصدِّي للشدائد وتجاوز الصعوبات والتحدّيات. بالإضافة إلى ذلك، يميل الأتباع ذوو التقدير المرتفع للذات إلى الاستجابة لأسلوب القيادة التشاركية. في المقابل، يعمل الأفراد ذوو التقدير المنخفض للذات، الذين يشُكُّون في مدى كفاءتهم وجدارتهم وقدرتهم على النجاح في المواقف الصعبة، يعملون بشكل أفضل في ظل القيادة الداعمة؛ إذ إنَّ حصولهم على الدعم والمساندة يساعدهم على التعامل مع التوتُّر والإحباط والقلق الذي غالبًا ما ينشأ عندما تكون المهام صعبة. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الأتباع الذين ليس لديهم استعداد للامتثال، نتيجةً لعجزهم عن أداء ما هو مطلوب أو لعدم تحلِّيهم بالدافعية والالتزام، يكون من الأفضل استخدام أسلوب القيادة التوجيهية معهم. يؤثِّر سلوك التابع أيضًا بشكل أساسي على الإجراءات التي يتخذها القادة. على سبيل المثال، يدفع الأتباع ذوو الأداء العالي قادتهم إلى تفهُّمهم ومراعاتهم وتقليل التوجيهات التي يُقدِّمونها إليهم. في المقابل، يدفع الأتباع ذوو الأداء الضعيف قادتهم إلى أن يكونوا أقل تعاطفًا معهم وأكثر استخدامًا لأسلوب التوجيه والتحكُّم. السياق يُقصد بالسياق الموقف الذي يُحيط بالقائد والأتباع. تفرض المواقف المختلفة متطلَّبات استجابة مختلفة على المجموعة وأعضائها؛ فليست جميع المواقف متشابهة، وتكون عادةً ذات زوايا متعددة. سوف نكتفي الآن بالنظر إلى السياق من حيث المهام وبيئة العمل التي تواجه المجموعة، وسنوضِّح العلاقة بين السياق والقيادة بمزيدٍ من التفصيل لاحقًا في مقالات سلسلتنا. هناك العديد من العوامل المرتبطة بالمهام، مثل: هل المهمة منظمة وتتكوَّن من مجموعة من الخطوات أم لا؟ هل أهداف المجموعة واضحة أم مبهمة؟ هل الأهداف مُتفَّقٌ عليها أم لا؟ هل هناك مرجع يُوضِّح طريقة أداء المهام؟ هل المهمة مملّة أو مزعجة أو مرضية جوهريًّا؟ هل بيئة العمل بسيطة أم معقَّدة، ثابتة أم متغيِّرة؟ ينتج عن هذه العوامل سياقات مختلفة وتؤثِّر جميعها على عملية القيادة؛ إذ إنَّ كلًّا منها يضع على عاتق القائد والأتباع مجموعة مختلفة من المتطلَّبات والمسؤوليات. عملية القيادة لا تتأثَّر عملية القيادة بما يصدر عن القائد (الشخص الذي يشغل دورًا مركزيًا في المجموعة) وحده؛ بل تعتمد هذه العملية على علاقة عمل معقدة وتفاعلية وديناميكية بين القائد والأتباع، وتتشكَّل هذه علاقة القيادة هذه مع مرور الوقت من أجل الحفاظ على ترابط المجموعة وإنجاز المهمة المطلوبة. هذا يعني أنَّ جزءًا من عملية القيادة يتضمّن العلاقة التبادلية بين القائد والتابع؛ إذ يعمل القائد على تلبية متطلَّبات المجموعة، وتمتثل المجموعة -في المقابل- للقائد وتحترمه وتُقدِّره. من المعلوم أنَّ القيادة تتطلَّب أن يمارس القائد تأثيره وسلطته على الأتباع، ولكنها تتطلَّب في الوقت نفسه تنازل الأتباع عن سلطتهم وطاعتهم للقائد. خلاصة القول هو أنَّ القائد يؤثِّر على الأتباع ويتأثَّر بهم، كما أنَّ السياق يؤثِّر على القائد والأتباع ويتأثَّر بهم. النتائج ينجم عن عملية القيادة التي تحدث بين القائد والتابع والسياق عددٌ من النتائج. هناك نتيجتان مهمتان على مستوى المجموعة وهما: هل تحقَّقت متطلَّبات ترابط المجموعة؟ هل هناك ود وانسجام بين أعضاء المجموعة؟ هل لديهم قواعد وقيم مشتركة؟ هل أسسوا علاقة عمل جيِّدة فيما بينهم؟ هل تحقَّقت متطلَّبات الأفراد وانعكس ذلك على تفاعلهم ودافعيّتهم وأدائهم ورضاهم وانتمائهم وثقتهم وتمسُّكهم بعضويتهم في المجموعة؟ هل تحقَّقت متطلَّبات المهمة التي تؤدِّيها المجموعة؟ وهل انعكس ذلك أيضًا على تفاعل الأفراد ودافعيتهم وأدائهم ورضاهم وانتمائهم وثقتهم وتمسُّكهم بعضويتهم في المجموعة؟ وُضعت نظرية التبادل بين القائد والعضو (leader-member exchange (LMX) theory) لتفسير التفاعلات التي تحدث خلال عملية القيادة، وتُسلِّط هذه النظرية الضوء على النتائج المرتبطة بعملية القيادة، وتشير إلى أنَّ القيادة تتكوَّن من من العلاقات الثنائية التي تربط بين القائد وأتباعه. غالبًا ما تنشأ العلاقة بين القائد والتابع وتتطوَّر بسرعة ثمَّ تظلُّ مستقرةً نسبيًا على مرّ الزمن، وتتحدَّد جودة هذه العلاقة من خلال مدى الثقة المتبادلة والولاء والدعم والاحترام والالتزام بين عناصر المجموعة. ينتج عن العلاقات ذات الجودة العالية أو المنخفضة والتي تنشأ بين القائد وأتباعه مجموعة داخلية (in-group) ومجموعة خارجية (out-group). يكون أعضاء المجموعة الداخلية هم الجهات الفاعلة الرئيسية، إذ يتميَّز الأفراد أصحاب العلاقات عالية الجودة -غالبًا- بمستويات أعلى من الأداء والالتزام والرضا مقارنةً بالأفراد أصحاب العلاقات منخفضة الجودة. بالإضافة إلى ذلك، اتَّضح أنَّ التشابه في وجهات النظر والانفتاح على الآخرين يؤدِّيان إلى تشكيل علاقة ذات جودة عالية بين القائد والأعضاء ضمن المجموعة. تختلف طبيعة عملية القيادة اختلافًا كبيرًا تبعًا لطبيعة القائد والأتباع والموقف والسياق، ولذلك يُمكن القول بأنَّ القيادة هي وظيفة تنشأ عن التفاعل بين القائد والتابع والسياق. على سبيل المثال، يختلف السياق الذي يواجه قائد مجموعة من عمال خطوط التجميع عن السياق الذي يواجه قائد فريق إنتاج ذاتي الإدارة وعن السياق الذي يواجه العلماء البارزين الذين يعملون في مختبر أبحاث، وهذا يعني أنَّ الأساليب القيادية التي قد تنجح في السياق الأول قد تفشل فشلاً ذريعاً في السياقين الآخرين. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } امتلاك الروح الريادية كيف تعثر الشركة الناشئة على القائد المناسب تتطلَّب الشركات الناشئة -بطبيعتها- وجود عقول مبتكِرة مُبدعة من أجل تقديم منتجات وخدمات جديدة إلى الأسواق. بالإضافة إلى بناء علامة تجارية وتأسيس سمعةٍ جيّدة للمُنتجات، فإنَّه يتعيَّن على القائد بناء العلاقات والعمليات التي ستُسهم في نجاح الشركة، وإلَّا ستكون عُرضة للإغلاق مبكرًا. من المعلوم أنَّ قيادة أي شركة يصاحبه مجموعةٌ من التحديات، ولكن التحدي الأكبر بالنسبة للقادة هو بإدارة وقيادة الشركات الناشئة والنهوض بها إلى مرابع العالميّة، وهذا ما يتَّطلب من القائد بذل جُهدٍ مضاعفٍ. ما مدى أهمية القيادة للشركات الناشئة؟ سنبيِّن ذلك من خلال قصة المؤسِّسات الأربع لمشروع (Pretty Young Professionals) أو PYP الذي لم يعُد قائمًا في وقتنا الحالي. PYP عبارة عن موقع إلكتروني أُسِّس ليكون مصدر معلومات تستفيد منه الشابات المهنيّات، لكن من كان يتصوَّر أنَّ هذا المشروع الجديد الذي أنشأته أربع شابات مهنيات سوف يُفضي في النهاية إلى إيذاء المشاعر وتهديدات باتخاذ إجراءات قانونية! قرَّرت كاثرين مينشو وأماندا بوشو وكارولين غون وأليكس كافولاكوس في عام 2010 إنشاء موقعهم الإلكتروني الخاص، واختيرت مينشو لتكون الرئيس التنفيذي. لكن حدثت اضطرابات بشأن صلاحيات مينشو والشكل النهائي للموقع وخصائصه وسير عمله، كما طُمست الأهداف المتعلِّقة بالقيادة المشتركة ومسار الشركة وخطة عملها عندما حدثت تغيُّرات في السلطة، إذ تغيَّرت كلمات المرور وبدأت الإجراءات القانونية في شهر يونيو من عام 2011، وقد أدَّى ذلك إلى ترك مينشو وكافولاكوس للشركة نهائيًا في شهر أغسطس من العام نفسه. عندما انتهت النزاعات القانونية بين مؤسِّسات مشروع PYP، حاولت أليكس كافولاكوس وكاثرين مينشو البدء من جديد، وانضمَّت إليهما ميليسا ماكريري. لكنَّهم هذه المرة وضعوا خطةً للقيادة، بدلًا من التفاؤل الزائد. عُيِّنت مينشو رئيسًا تنفيذيًا للشركة الجديدة، التي أطلقوا عليها اسم «The Daily Muse»، وأصبحت كافولاكوس مدير العمليات التشغيلية، وشغلت ماكريري منصب رئيس التحرير. لقد حدَّدت المؤسِّسات الثلاث مناصب فريق العمل بناءً على نقاط قوتهم وشخصياتهم، ولم يتركوا الأمور للحظ أو للتفضيلات الشخصيّة. أجمعت كافولاكوس وماكريري على أنَّ شخصية مينشو المنفتحة وثقتها بنفسها يجعلناها الأنسب لتكون الرئيس التنفيذي للشركة. ليس هناك سمة محدَّدة تكون مؤشّرًا مُؤكّدًا على قدرة فردٍ ما على قيادة شركة ناشئة منذ أن تكون مجرَّد فكرة إلى أن تُحقِّق نجاحًا عظيمًا، ولكنَّ استطلاعًا لآراء عدد من روَّاد الأعمال الناجحين كشف عن بعض السمات المشتركة. أشار ديفيد بارباش -شريك في شركة «Posternak Blankstein & Lund LLP» للمحاماة والتي يقع مقرُّها في مدينة بوسطن الأمريكية- إلى أن شخصية القائد تُشكِّل عاملًا مهمًا، إذ يقول: «قد يكون لديك تقنية رائعة، ولكن إذا لم تكن شخصًا يُجيد التواصل فقد تظلّ هذه التقنية حبيسة المختبر». إنَّ الشركة الناشئة بحاجة إلى قائد واثق من نفسه ومستعد لمواجهة تحديات المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، أشارت ميشيل راندال -مديرة مؤسسة «Enriching Leadership International» إلى أنَّ الرؤساء التنفيذيين للشركات الناشئة ينبغي أن يكونوا مستعدين لجمع الأموال اللازمة وألَّا يترَّفعوا عن طلب المساعدة من المستثمرين، وذكر بيتر شانكمان -رائد الأعمال وأحد المستثمرين الملائكة- أنَّه يتوجَّب على القادة أن يكونوا مستعدين لاتخاذ القرارات الصعبة، حتى لو تطلَّب الوضع اتخاذ إجراءات صارمة. يعزو رائد الأعمال غاري فاينرتشوك نجاحه إلى عددٍ من العوامل، وهو يُعدُّ أحد المستثمرين الملائكة والمسوِّقين البارزين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد استغلّ غاري اليوتيوب منذ بداياته لتسويق منتجاته، الأمر الذي أدَّى إلى زيادة قيمة مبيعاته من 3 ملايين دولار إلى 60 مليون دولار في السنة. يرى غاري أنَّ القادة الجيِّدين يدركون الحاجة إلى الاستجابة السريعة والمرنة للمتغيّرات التي تحدث في أسواق العمل وأن عليهم ألَا يفرضوا سلطتهم عليها وألّا يكون لكبريائهم وغرورهم موطئُ قدمٍ في خططهم المستقبليّة، وأنَّهم يحترمون الآخرين ويؤمنون بقدراتهم ويتحلَّون بأخلاقيات عمل راسخة، وأنَّهم مستعدون لتكريس ساعات طويلة للعمل لأنَّهم يُحبُّون ما يعملون، وليس من أجل أن يحصلوا على الامتيازات. صرَّح غاري أيضًا أنَّه يحب التكنولوجيا ولا يرهبها، وهو مولع بشباب اليوم ومتفائل بشأن مستقبل البشرية. لا تتطلَّب قيادة الشركات الناشئة بعض الإجراءات الإدارية البسيطة فحسب؛ بل تتطلَّب أن يكون القائد المناسب في الشركة المناسبة وفي الوقت المناسب، وهذا يعني أن يمتلك القائد المهارات الإدارية المناسبة إلى جانب المرونة والدافعية حتى يتمكَّن من الصمود في وجه التحديات والمضي قدمًا في المسار الصحيح. ترجمة -وبتصرف- للفصل The Leadership Process من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: أنواع القادة وأساليب القيادة المقال السابق: مفهوم القيادة: الفرق بين القائد والمدير
  16. سنكمل رحلتنا في رحاب سلسلة مقالاتنا الفريدة عن مبادئ الإدارة في بابها الثالث عشر والذي يدور في فلك مفهوم جوهريّ في عالم إدارة الأعمال، ألا وهو مفهوم القيادة، ستحمل مقالات هذا الباب في طيّاتها كمًّا رحبًا من المعلومات التي ستحتاجها كلُّ مؤسسة تخطّط وتضع نُصبُ أعينها النجاح في سوق المنافسة العصري الشديد. خلال مقالاتنا القادمة سنطرح العديد من المفاهيم المتعلّقة بطبيعة عمليّة القيادة وعناصرها ضمن المؤسسة وكيفيّة تفاعل هذه العناصر مع بعضها، كما سنستعرض كيف يؤثر القادة على أتباعهم ويحثّونهم على العمل، سنخوض أيضًا في نظريات السمات والنظريات السلوكيّة والنظريات الموقفيّة في القيادة، وسنشرح أيضًا المقصود ببدائل القيادة ونسلّط الضوء على خصائص القيادة التبادلية والتحويلية والكاريزمية، وفي ختام هذا الباب سنستطلع كيف تؤثر مناهج وأساليب القيادة المختلفة على متطلبات عصرنا الحالي. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية جون أرويو، مدير فريق (Springfield Sea Lions) لقد شعر جون أرويو بالسعادة عندما حصل على منصبه الجديد، ألا وهو المدير العام لفريق (Springfield Sea Lions) والذي يلعب في دوري مُصغر للبيسبول. لقد كان أرويو من عشاق رياضة البيسبول طيلة حياته، ويبدو الآن أنَّ عمله الدؤوب ودراسته للإدارة الرياضية يؤتيان ثمارهما. أدرك جون الصعوبة التي سوف تواجهه صعوبة في أن يكون خلفًا جيِّدًا للمدير العام السابق "تي جي جريفين"، الذي كان متمرِّسًا ومحبوبًا كثيرًا من قِبل فريق (Springfield Sea Lions)، والذي كان معهم خطوة بخطوة منذ بداية نشأة الفريق قبل 14 عامًا. كان جون مُدركًا لتلك الصعوبة، ولكنه لم يكن مُدركًا لمدى الهوان وقلّة الحيلة اللذان ينتظرانه. لقد جرَّب أن يرفع من معنوياته ببعض الكلمات المشجِّعة: «أنا المدير العام -الرئيس التنفيذي لهذا النادي! سوف يحترمني طاقم العاملين مع مرور الوقت.» كان يشعر جون بالإحباط بعد أن انتهى الموسم الأول. لقد انخفضت مبيعات التذاكر والامتيازات الممنوحة، وأُشيع أن بعض الموظفين الذين عملوا مع الفريق منذ فترة طويلة يفكِّرون في ترك أعمالهم. كان جون يعلم أنَّ فترة إدارته لفريق (Springfield Sea Lions) ستكون قصيرة إن لم يتمكَّن من تغيير مجرى الأمور. تساؤلات: هل سيتحقَّق افتراض جون بأنَّ طاقم العاملين سوف يحترمونه مع مرور الوقت؟ ماذا يمكن أن يفعل جون لكسب ولاء طاقم العاملين وتحسين أداء النادي؟ الإجراءات والنتائج: فكَّر جون مليًّا -خلال موسم الشتاء- في كيفية كسب احترام طاقم العاملين في نادي (Springfield Sea Lions). كشف جون عن الخطة التي ينوي تنفيذها قبل بدء الموسم التالي: «لكي أستطيع أن أفهم بصورة أفضل كيف يقضي كلٌّ منكم يومه سأخصِّص يومًا لأجرِّب أن أكون مكان كلّ واحدٍ منكم. سأتبادل الأدوار معكم. سأكون مرةً جامعًا للتذاكر، ومرةً بائعًا متنقلًا للنقانق، ومرةً بوَّابًا، ومرةً مسوقًا، ومرةً محاسبًا. وفي المقابل ستحصلون يومها على عطلة لكي تحظَوا بفرصة أن تكونوا مكان المدير العام». صدر عن طاقم العاملين الضحكات والصفير تقديرًا لما قاله جون، وبعد ذلك تحدَّث "جالب الحظ" لنادي (Springfield Sea Lions) قائلًا: «سيِّد أرويو، هل ستضع نفسك مكاني؟» ردَّ جون ضاحكًا: «بالتأكيد!»، فتعالت أصوات الجميع بالهتاف. يُكمل جون: «سوف نكرِّم واحدًا من طاقم العاملين ونمنحه جائزة «تي جي جريفين» نظيرَ مساهماته البارزة في نادي (Springfield Sea Lions). لقد كان تي جي جريفين رجلًا عظيمًا، ويتوجَّب أن نكرمه». عندما انتهى الاجتماع، تباطأ طاقم العاملين في الرحيل لكي يُخبروا جون عن مدى تحمُّسهم وإعجابهم بأفكاره. كان جون أثناء مصافحته لهم يأمل أن تكون إنجازات لنادي (Springfield Sea Lions) في هذا العام أفضل من إنجازاتهم في الأعوام السابقة. سارة إليزابيث رويسلاند (Sarah Elizabeth Roisland)هي مديرة لمكتب مطالبات تابع لشركة تأمين كبيرة، ويعمل لديها 14 شخصًا. تشير نتائج إحدى استطلاعات الرأي الحديثة إلى أنَّ الموظفين الذين يعملون لدى سارة يتمتَّعون بدرجة عالية من الرضا الوظيفي والدافعيّة، كما أنَّ النزاعات نادرة الحدوث في مكتبها، بالإضافة إلى أنَّ مقاييس الإنتاجية تضع مجموعتها ضمن أفضل المجموعات وأكثرها إنتاجيةً على مستوى الشركة بأكملها. لقد دفع نجاح سارة نائب رئيس الموارد البشرية إلى زيارة مكتبها من أجل محاولة اكتشاف سر هذا النجاح، وقدَّم زملاء سارة ورؤساؤها ومرؤوسوها نفس الإجابة: إنَّها أكثر من مجرَّد مديرة جيدة؛ فهي قائدة رائعة. دائمًا ما تحصل سارة على أداءٍ عالٍ من موظفيها، وهي تدفعهم إلى ذلك بطريقة تجعلهم يستمتعون بالعمل لديها. لا توجد وصفة سحرية لكي يُصبح المرء قائدًا جيدًا، ولكن هناك العديد من الأسباب التي تُفسِّر لماذا يميل بعض الأفراد إلى أن يكونوا قادة أفضل وأكثر تأثيرًا من غيرهم. لا تُبنى المهارة القياديّة -خاصة القادة المؤثِّرين- بمجرَّد حضور ورشة عمل أو محاضرةٍ حول القيادة لمدة يوم واحد، ولا يُولد معظم الناس وهم يمتلكون مهارات القيادة الفعَّالة. يستطيع المرء أن يُصبح قائدًا فعَّالًا إذا كان مستعدًا لاستثمار الوقت والجهد لبناء جميع المهارات المناسبة. أشارت لويز أكسون -مديرة استراتيجية المحتوى- وزملاؤها في منشورات هارفارد بزنس إلى أنَّ القيادة من المزايا المطلوبة بشدة في جميع الأدوار والمناصب الإدارية. في الواقع، يندُر وجود القادة الجيِّدين ونماذج القيادة الجيِّدة، وقد أشار جون كوتر -بروفيسور متخصِّص في الإدارة بجامعة هارفارد- إلى أنَّ هناك أزمة في القيادة في الولايات المتحدة في العصر الحالي، وأشار وارن بنيس -الأستاذ الراحل الذي كان يدرّس في جامعة جنوب كاليفورنيا- إلى أنَّ العديد من المؤسسات الحالية تعاني من سطوة الإدارة وضعف القيادة. طبيعة القيادة هناك تعريفات عديدة للقيادة، وكل تعريف يُركِّز على أمر مختلف. تصف بعض التعريفات القيادة بأنها فعل أو سلوك، مثل: وضع الهياكل والخطط لكي يعرف أعضاء المجموعة كيف يُنجزون المهام، وتشير تعريفات أخرى إلى أنَّ القائد هو مركز أو نواة أي نشاط تؤدِّيه المجموعة، وهو المحرِّك والمحفّز لتحقيق الأهداف، والذي يمتلك شخصية مميّزة ومُلفتة وقدرة على الإقناع والتأثير وأسلوبًا يدفع الآخرين إلى الاقتداء به وطاعته. ينظر البعض إلى القيادة على أنَّها إدارة للعمليات التي تُنفِّذها المجموعة؛ فالقائد الجيِّد وفقًا لهذه النظرة يضع رؤيةً واضحةً للمجموعة، وينشر هذه الرؤية بين أعضائها ، ويُنظِّم أنشطة المجموعة وجهودها في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة، ويُحوِّل مجموعة الأفراد إلى فريق متماسك، ويُترجم المساعي الجيِّدة إلى أفعال إيجابية. تُعرَّف القيادة من جهة أخرى على أنَّها علاقة اجتماعيّة تبادليّة بين شخصين أو أكثر ضمن مجموعة معيّنة بحيث تجمعهم أهداف محدَّدة ومشتركة يتعاونون جنبًا إلى جنب لتحقيقها.تساعد القيادة الفعَّالة الأفراد والمجموعات على تحقيق أهدافهم من خلال التركيز على متطلَّبات الترابط (حاجة الأفراد إلى الانسجام والعمل معًا، من خلال وجود قواعد مشتركة مثلًا) ومتطلَّبات المهمة (حاجة أفراد المجموعة إلى التقدُّم نحو تحقيق الهدف الذي يجمعهم). يظهر في الصورة جو مادون (Joe Maddon)، وهو مدير فريق البيسبول الذي يُسمَّى شيكاغو كابز، ويُشتهر بمهاراته الإدارية والقيادية. يُعدُّ مادون قدوةً للمديرين الذين يُكافحون في عالم الأعمال، ويمكن للمديرين أن يتعلَّموا ويستفيدوا من فلسفته المتمثِّلة في غرس روح التفاؤل في الفريق، والمحافظة على المرونة والإنتاجيّة في الوقت نفسه، والابتعاد عن لفت الأنظار إلى نفسه وجذبها عوضًا عن ذلك نحو الفريق. الفرق بين القائد والمدير القائد والمدير (القيادة والإدارة) هما مفهومان لا يُمكن أن يحل أحدُّهما محل الآخر أو أن نستغني عن أحدهما. قد تكون الاختلافات بينهما محيِّرة؛ ففي العديد من الحالات يتوجَّب على المدير الجيِّد أن يكون قائدًا فعَّالًا، وقد عُيِّن العديد من المديرين التنفيذيين بناءً على مهاراتهم القيادية وقدرتهم على المساهمة ووضع رؤية واضحة للمؤسسة وحث الآخرين على تبنِّي هذه الرؤية في دفع المؤسسة نحو الأمام. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما تتطلَّب القيادة الفعَّالة القدرة على الإدارة؛ أي القدرة على تحديد الأهداف، ووضع الخطط والاستراتيجيات وتنفيذها، واتخاذ القرارات، وحل المشكلات، والتنظيم، والرقابة. سنبيِّن فيما يلي بعض أوجه الاختلاف بين هذين المفهومين. أولًا: يختلف تعريف مفهوم الإدارة عن تعريف مفهوم القيادة. لقد عرَّفنا الإدارة في سابقًا في مقالاتنا بأنَّها: عملية مؤسساتيّة تشتمل على التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، ولكنَّنا -في المقابل- عرَّفنا القيادة في هذا المقال بأنَّها: علاقة اجتماعيّة تبادليّة بين شخصين أو أكثر ضمن مجموعة معيّنة بحيث تجمعهم أهداف محدَّدة ومشتركة يتعاونون جنبًا إلى جنب لتحقيقها. ثانيًا: غالبًا ما يكون هناك اختلاف بين العمليات التي يتولّى الإداريون من خلالها أدوارهم ومناصبهم، إذ عادةً ما يحصل المديرون على مناصبهم عن طريق عمليات التعيين، أمَّا القيادة فهي في بحد ذاتها علاقة ترتبط بقَبول الأتباع أو رفضهم للقائد ولا تحدث نتيجةً لقرارات تعيينٍ أو ترقيات إداريّة للمدير، على الرغم من أنَّ هناك مؤسسات عديدة تعيِّن أشخاصًا في مناصب قيادية على وجه الخصوص. بناءً على ذلك، يمكننا أن نقول بأنَّه غالبًا ما يسطع نجم القادة من الأحداث التي تدور بين أعضاء المجموعة. ثالثًا: غالبًا ما يختلف المديرون عن القادة من حيث أنواع السُلطة التي يمارسونها ومصادرها. عادةً ما يستمدُّ المديرون سلطتهم من مركزهم في المؤسسة، وإنَّ جميع المؤسسات تقريبًا تُجيز استخدام أسلوب الثواب والعقاب (العصا والجزرة) لضمان امتثال موظفيها للأنظمة واللوائح الخاصّة بها. بعبارة أخرى: يتمتَّع المدير (الرئيس، نائب الرئيس، رئيس القسم، المشرف) بعددٍ من صلاحيّات التصرُّف (مثل: جدولة الإنتاج، التعاقد لبيع منتج، التعيين والفصل)، وذلك بمقتضى المنصب الذي يشغله وموقعه في الهرم الإداري. يستطيع القادة أيضًا فرض سلطتهم وتأثيرهم باستخدام أسلوب الثواب والعقاب، ولكنَّ الأكثر انتشارًا هو أن يستمدَّ القادة سلطتهم من الانطباع الذي يتشكَّل لدى الأتباع عن خبرتهم وشخصيتهم وجاذبيتهم ومن علاقات العمل التي نشأت بين هؤلاء القادة والأتباع. إنَّ امتثال الأتباع للقائد أو المدير يكون في معظم الأحيان نابعًا من دوافع مختلفة؛ فغالبًا ما يمتثل المرؤوسون للمدير بسبب سلطة منصبه، وبسبب صلاحياته في التحكُّم في المكافآت والعقوبات، أمَّا أتباع القائد فهم يمتثلون له بإرادتهم الشخصيّة لا بدافعٍ إداريّ سلطويّ. هذا يعني أنَّ القادة يحفِّزون أتباعهم بواسطة محفِّزات داخلية، في حين أنَّ المديرين يحفِّزون أتباعهم بواسطة محفِّزات خارجية. أخيرًا، من الجدير بالذكر أنَّه على الرغم من أنَّ المديرين قد ينجحون في توجيه مرؤوسيهم والإشراف عليهم، إلَّا أنَّ نجاحهم أو فشلهم غالبًا ما يُعزى إلى قدرتهم أو عجزهم عن القيادة الفعّالة. وكما ذكرنا سابقًا، فإنَّ القيادة الفعَّالة غالبًا ما تتطلَّب القدرة على الإدارة، والإدارة الفعَّالة غالبًا ما تتطلَّب القدرة على القيادة. ترجمة -وبتصرف- للفصل The Nature of Leadership من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: شرح عملية القيادة المقال السابق: فوائد التنوع في العمل وكيفية إدارته
  17. تُعدُّ عمليتا تنمية المواهب وتخطيط التعاقب الوظيفي من أهم عمليات إدارة الموارد البشرية التي تتمّ داخل المؤسسات. يمكن لقسم الموارد البشرية الاجتهاد في توظيف الأشخاص المناسبين وقضاء الكثير من الوقت في وضع برامج الأداء والمكافآت أو إعادة تصميمها، ولكن كل تلك الجهود قد تذهب أدراج الرياح إذا لم تُتخذ قرارات فعَّالة بشأن تقييم المواهب الرئيسية وتنميتها. يشير مفهوم تنمية المواهب (talent development) إلى العمليات والبرامج التي تستخدمها المؤسسة لتقييم أصحاب المواهب وتنمية مهاراتهم وخبراتهم، في حين يشير مفهوم تخطيط التعاقب الوظيفي (succession planning) إلى عملية تقييم المناصب الرئيسية وتحديد مستوى استعداد المرشحين المحتملين من داخل المؤسسة (وخارجها) لشغل هذه المناصب، وهي عملية مهمة تُشكِّل حلقة وصل بين عمليتي تنمية المواهب واستقطاب المواهب. لا شكَّ أنَّ وظيفة الموارد البشرية تُسهِّل أداء أنشطة وعمليات تنمية المواهب، ولكنَّ هذه الأنشطة والعمليات تعتمد إلى حدٍّ كبير على تدخُّلات إدارة المؤسسة ودعمها لها، إذ تتطلَّب جميع عمليات تنمية المواهب التي سوف نوضِّحها فيما يلي مشاركة واستجابة واسعة من قِبل إدارة المؤسسة. تُعدُّ تنمية المواهب من العمليات التي يتولَّاها ويُديرها قسم الموارد البشرية كما هو حال عملية إدارة الأداء، ولكنَّها في الحقيقة من العمليات الجوهريّة التي تؤثِّر تأثيرًا كبيرًا على أداء المؤسسات؛ فامتلاك المؤسسات للمواهب يمنحها ميزة تنافسية، لذلك يتوجَّب على المؤسسات في عصر «حرب المواهب» وضع خطة لتنمية المواهب الرئيسية الموجودة لديها. عملية تقييم المواهب تُعدُّ عملية تقييم المواهب (talent review) واحدة من العمليات الأساسية لتنمية المواهب، تحدث هذه العملية عادةً بعد عملية إدارة الأداء في المؤسسة (والتي تركِّز بشكل أساسي على الأداء الحالي للموظفين)، وتركِّز بشدة على تطوُّر الموظفين واحتمالية امتلاكهم لإمكانيات تؤهِّلهم للوصول إلى المناصب العليا في المستقبل. غالبًا ما تُستخدم لتقييم المواهب مصفوفة مكونة من 9 خانات (مصفوفة 9-box)، وتبيِّن هذه المصفوفة أداء الموظف مقارنةً بإمكانياته الكامنة وتضع أمام المقيِّم تسع خيارات أو خانات مختلفة لتصنيف الموظفين. مصفوفة الأداء والإمكانيات الكامنة (مصفوفة 9-box) الإمكانيات الكامنة الأداء بمرور الوقت ذوو الإمكانيات الضعيفة ذوو الإمكانيات المتوسطة ذوو الإمكانيات العالية عالي جون سميث ميلاني روبر كيغان فلاناغان تشيه تشانغ إدغار أوريانا روري كولينز ايمي تيرانوفا متوسط جوزيف كامبل ألينا درامون أليكس جوينر لورين جريس كريستينا مارتن توماس وايميستر ريتشارد كولينز ضعيف مارتي هيلتون table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } تصنيفات محور الأداء هي ضعيف ومتوسط وعالي، وهي تستند إلى تقييم الأداء الأخير الذي حصل عليه الموظف. ضعيف= أقل من المستوى المقبول، متوسط= في حدود المستوى المقبول، عالي= أعلى من المستوى المقبول. يعكس هذا المحور أداء الموظف وفقًا للأهداف والمهارات والكفاءات المطلوبة في وظيفته الحالية. تجدر الإشارة إلى أنَّ الأداء قد يتغيَّر بمرور الوقت (على سبيل المثال، عند الترقية أو تغيُّر الوظيفة)، كما أنَّه يُعدُّ تصنيفًا أكثر موضوعية من تصنيف الإمكانيات الكامنة (الذي يتيح للمقيِّم وضع بعض الافتراضات حول المستقبل). تشير الإمكانيات الكامنة (Potential) إلى قدرة الموظف على إظهار السلوكيات اللازمة للنجاح في المنصب الأعلى التالي داخل الشركة. تُعدُّ الكفاءات والسلوكيات التي يُبديها الموظف مؤشرًا جيدًا على إمكانياته الكامنة، وغالبًا ما يتمتَّع الموظفون ذوو الإمكانيات العالية -بغض النظر عن مستواهم- بالكفاءات التالية: الفطنة الإدارية، والتفكير الاستراتيجي، والمهارات القيادية، والمهارات الاجتماعية، وسرعة التعلُّم، بالإضافة إلى المهارات التقنية. من المؤشرات الأخرى التي قد تدلُّ على امتلاك الموظف لإمكانيات كامنة ما يلي: أداء عالٍ في وظيفته الحالية النجاح في المناصب الأخرى التي تقلَّدها (داخل الشركة أو خارجها) التعليم/ الشهادات التي حصل عليها الإنجازات والمبادرات البارزة الاستعداد والرغبة في التقدُّم إدارة التغيير التكنولوجيا وإدارة الموارد البشرية لقد حدثت ثورة في االابتكارات التقنية المرتبطة بمجال إدارة الموارد البشرية على مدى السنوات العديدة الماضية، الأمر الذي جعل بعض أنظمة الموارد البشرية التقليدية التي ظهرت في العقد الماضي تبدو قديمة للغاية، ومن التطوُّرات الرائجة في عصرنا الحالي والتي تساهم في ظهور مثل هذه الابتكارات التقنية: تكنولوجيا الهواتف المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج تحليلات البيانات، وإدارة التعلم. ينبغي أن يكون متخصِّصو الموارد البشرية على دراية بأهم الابتكارات التقنية التي ظهرت نتيجة لهذه التطوُّرات لأنَّه يبدو أنَّها سوف تستمر في الرواج ولن تختفي في المستقبل القريب. كتب جوش بيرسين –مؤسِّس شركة «بيرسن باي ديلويت» الاستشارية- عن بعض الابتكارات التقنية المرتبطة بمجال إدارة الموارد البشرية في مقال بعنوان «9 HR Tech Trends for 2017» نُشر على الموقع الإلكتروني shrm.org. من هذه الابتكارات التقنية: «ثورة إدارة الأداء» والتركيز على إدارة الأداء بواسطة فريق مكوَّن من عدة أفراد وعدم اقتصار ذلك على المسؤول المباشر عن الموظفين وفق التسلسل الهرمي. لقد أصبحت تقنيات إدارة الأداء أكثر مرونة وسرعة نتيجةً لاستخدام تقييمات الأداء الدورية (pulse surveys) وسهولة متابعة الأهداف، إذ تتيح تقنيات إدارة الأداء الحديثة تسجيل بيانات الأداء مباشرة ومتابعتها باستمرار، بدلًا من العملية الرسمية المرهقة التي تُجرى مرة واحدة في السنة. من الابتكارات التقنية الأخرى المرتبطة بمجال الموارد البشرية ظهور ما يُسمَّى بـِ «تحليل الأشخاص». لقد أصبح تحليل البيانات مجالًا ضخمًا واسع الانتشار، لذلك ليس من المُستغرب أن نجده مستخدمًا في إدارة الموارد البشرية. تقوم بعض التقنيات التي أحدثت ثورة في هذا المجال على التنبؤ؛ فهي تسمح بتحليل البيانات المتعلِّقة بالتغيير الوظيفي، بالإضافة إلى التنبؤ بالنتائج الناجحة مقابل النتائج غير الناجحة. يُمكن أيضًا باستخدام تقنيات التحليل التنبؤي (predictive analysis technologies) تحليل رسائل البريد الإلكتروني وتقييم أنماط الاتصالات وممارسات إدارة الوقت، أو التنبؤ بالمواضع التي يُحتمل أن يحدث فيها خرق للبيانات. إحدى تقنيات التحليل المذهلة الأخرى هي شارة إلكترونية تُراقب أصوات الموظفين وتتنبَّأ ما إذا كان الموظف يعاني من ضغط نفسي، وهذه التقنية قد تكون رائعة ومخيفة في الوقت نفسه. التطورات المعاصرة وإدارة الموارد البشريّة يُعدُّ ازدهار سوق التعلُّم الإلكتروني والإقبال عليه من التوجُّهات الحالية الرائعة، إذ يمكن لأي فرد -بما فيهم متخصِّصي الموارد البشرية- الوصول بسهولة وسرعة لمنصات التعليم عبر شبكة الإنترنت. كانت عمليات التعلُّم في الماضي تحتاج إلى حصول الفرد على تدريبات داخل قاعات دراسية، وكانت هذه التدريبات تستمرُّ لفترات زمنية طويلة إلى حدٍّ ما وتُعقد في أوقات محدَّدة، ولكنَّها تغيرت كثيرًا مع ظهور الابتكارات التقنية المُعاصرة المرتبطة بمجال إدارة الموارد البشرية. العديد من الشركات الكبيرة في وقتنا الحالي ما زالت تحتفظ بأنظمة قديمة لإدارة التعلم، مثل (Cornerstone، Saba و SuccessFactors)، إلا أنَّ هناك العديد من الخيارات الجديدة المُنافِسة والتي تركِّز على نشر ثقافة التعلُّم بالفيديو في جميع أرجاء المؤسسة. لقد أمسى التركيز على التعلُّم بدلًا من إدارة التعلُّم هو التوجّه السائد في عصرنا، إذ لم يعُد الأمر مقتصرًا على التسجيل في الدورات ومتابعة مستجداتها عبر الإنترنت: بل أصبح بالإمكان أيضًا أخذ الدورات عبر الإنترنت. تُدرك العديد من الشركات أنَّ تطبيقات التعلُّم التي تُشبه YouTube هي مُكمِّل رائع لأنظمة التعلُّم الحالية، ومن المتوقَّع أن يتزايد الطلب على استخدامها في المستقبل. من الابتكارات البارزة الأخرى: التقنياتُ التي تُستخدم لإدارة العمالة المؤقتة، وإدارة برامج الصحة والعافية، وأتمتة عمليات إدارة الموارد البشرية بواسطة الذكاء الصناعي. إنَّه لأمرٌ رائع حقًا أن نرى العديد من الابتكارات التقنية المثيرة للاهتمام التي تُصمَّم خصيصًا لإدارة الموارد البشرية. يُعدُّ الاستثمار في رأس المال البشري من أهم الاستثمارات التي تُركِّز عليها الشركات، ومن المُبهج رؤية هذا القدر من الابتكارات الموجَّهة لخدمة هذا المجال وتطويره. الإمكانيات الكامنة يبيِّن محور الإمكانيات الكامنة -الذي يوجد ضمن مصفوفة تقييم المواهب- مدى احتمالية تقدُّم الموظفين داخل المؤسسة: ذوو الإمكانيات الضعيفة = غير جاهزين للتقدُّم. ذوو الإمكانيات المتوسطة = جاهزون تقريبًا. ذوو الإمكانيات العالية = جاهزون للتقدُّم. وجود الإمكانيات الكامنة للمناصب الإدارية أو الترقيات الأعلى ليست مؤشرًا على قيمة الفرد أو جودته داخل المؤسسة؛ فمن المحتمل أنَّ هناك العديد من الموظفين ذوي الأداء العالي والإسهامات الكبيرة الذين يُفضِّلون البقاء في مناصبهم الحالية لسنوات ويرغبون في أن يكونوا خبيرين في الأعمال التي يؤدّونها. قد لا يرغب الشخص المختَّص أو الخبير في تولِّي المناصب التي تتطلَّب إدارة مجموعة من الأفراد، ولذلك يُوضع في خانة ذوي الإمكانات المنخفضة بسبب عدم رغبته في التقدُّم. بالإضافة إلى ذلك، قد يترتَّب على التقدُّم أيضًا تغييرات لا يرغب الموظف في حصولها في تلك الفترة، مثل تغيُّر مكان عمله أو نمط حياته، لذلك يُوضع أيضًا في خانة ذوي الإمكانات المنخفضة. من الجدير بالذكر أنَّ الإمكانيات الكامنة الخاصة بالأفراد قد تتغيَّر مع مرور الوقت، وفقًا للمواقف أو الظروف التي يمُرُّون بها في حياتهم. يُعدُّ تصنيف الإمكانيات الكامنة أقل موضوعية من سابقه؛ إذ يستلزم وضع بعض الافتراضات حول قُدُرات الأفراد بناءً على المعلومات المحدودة المتوفِّرة في الوقت الراهن. يظهر في الصورة جهاز محاكاة الطيران لطائرة بوينج 737. إنَّ هناك نقصًا حادًا في أعداد الطيَّارين، وإنَّ من المهم تقديم التدريبات اللازمة لطيَّاري المستقبل، ولكنَّ وقت التدريب على الطيران الفعلي محدود. تأمَّل كيف تساعد التكنولوجيا الشركات على تنمية مهارات المتدربين والموظفين. (مصدر الصورة: حساب Michael Coghlan/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC BY 2.0)) خطوات تقييم المواهب تخطيط التعاقب الوظيفي يتوجَّب على عضو فريق الموارد البشرية تنظيم عملية تقييم المواهب، وتقديم أهداف الجلسة والتعليمات للمديرين والقادة بوضوح من أجل الحفاظ على نزاهة وسرية هذه العملية المهمة. يُطلِق كتاب «One Page Talent Management» على الاجتماع الذي يُعقد لتقييم المواهب مصطلح عمليّة معايرة تقييم المواهب (talent review calibration process)، وتتحقَّق هذه العملية من تقييم الأداء والإمكانيات الكامنة بموضوعية، كما وتتحقّق من وضوح خطط التطوير الموضوعة، ومن وجود معايير متفق عليها لتحديد ذوي الإمكانيات العالية في الشركة. يضمُّ هذا الاجتماع المدير وأعضاء فريقه للتناقش بشأن أصحاب المواهب، ويعرض كل عضو من أعضاء الفريق مصفوفة الأداء والإمكانيات الكامنة التي أعدَّها ويبيِّن بإيجاز كيف صنَّف كل موظف من الموظفين داخل المصفوفة. يطرح أعضاء الفريق الآخرون آرائهم بشأن أولئك الموظفين بناءً على تعاملهم المباشر معهم. يُختتم الاجتماع بعد التناقش بشأن جميع الموظفين ذوي المواهب، والاتفاق على تقييمهم النهائي، وتحديد الخطوات اللازمة لتطويرهم. بعد وضع كل موظف من الذين طُرحت الآراء بشأنهم في إحدى خانات مصفوفة 9-box، ينبغي على الفريق التشاور بشأن إجراءات التطوير اللازمة لكل موظف من أولئك الموظفين. (يجب أن يبدأ الفريق بتحديد أنشطة التطوير الوظيفي اللازمة للموظفين ذوي الإمكانيات العالية إذا لم يكن هناك وقت للتناقش بشأن الجميع.) يتوجَّب على موظفي الموارد البشرية، بعد انتهاء عملية معايرة تقييم المواهب، توثيق أهم النتائج الرئيسية وتسجيل أنشطة التطوير الوظيفي المُقترحة، ويتوجَّب عليهم أيضًا مساعدة المديرين وقادة فِرق العمل على التخطيط لأنشطة التطوير الوظيفي وتنفيذها عند الحاجة. تتضمَّن أهم النتائج الرئيسية التي ينبغي استخلاصها خلال عملية تقييم المواهب ما يلي: تحديد الموظفين ذوي الإمكانيات العالية الذين يعملون في المؤسسة تحديد إجراءات التطوير الوظيفي (خطط العمل) اللازمة لكل موظف تحليل الفجوات في المواهب والقضايا المتصلة بها تجهيز المعلومات اللازمة لعملية تخطيط التعاقب الوظيفي غالبًا ما يُجرى تخطيط التعاقب الوظيفي بعد فترة وجيزة من انتهاء عملية تقييم المواهب (إن لم يكن بعدها مباشرة)؛ وذلك لأنَّ المعلومات المتوفرة لدى قسم الموارد البشرية والمديرين بشأن أداء الموظفين وإمكانياتهم الكامنة تكون حديثة. يُعدُّ تخطيط التعاقب الوظيفي عملية مهمة تُستخدم لتحديد مستوى الموهبة التي يمتلكها أفراد المؤسسة المرشحون للتقدُّم لوظائف معيّنة ومدى استعداد أصحاب المواهب هؤلاء لتولّي هذه المناصب الجديدة، وتُستخدم هذه العملية أيضًا لتحديد وجود عيوب أو نقص في أصحاب المواهب المرشحين للتقدٌّم لأي وظيفة في أي مستوى من المستويات في المؤسسة، ولكن غالبًا ما يقتصر تطبيقها على المناصب القيادية وغيرها من المناصب الرئيسية في المؤسسة. سوف يجتمع موظفو الموارد البشرية خلال هذه العملية مع المديرين أو قادة فِرق العمل للتشاور مع كل واحد منهم بشأن تخطيط التعاقب الوظيفي لأعضاء فريقه، ولإنشاء قائمة بالمناصب القيادية وغيرها من المناصب المهمة الأخرى التي ينبغي تحديد الخلفاء الذين قد يتقلَّدونها. بعد الانتهاء من تحديد المناصب التي سوف تُطبَّق عليها عملية تخطيط التعاقب الوظيفي، سيعمل موظفو الموارد البشرية والقادة معًا على تحديد العناصر التالية لكل منصب: اسم شاغل الوظيفة المخاطر المصاحبة لفقدان شاغل الوظيفة أسماء المرشحين الجاهزين للتقدُّم خلال فترة زمنية قصيرة (أقل من سنة) أسماء المرشحين الجاهزين للتقدُّم خلال فترة زمنية متوسطة (1-3 سنوات) أسماء المرشحين الجاهزين للتقدُّم خلال فترة زمنية طويلة (أكثر من 3 سنوات) اختياري كتابة تصنيف المرشَّح كما هو محدَّد في مصفوفة 9-box بجوار اسمه إنَّ أسماء المرشحين الذين يحتاجون إلى فترة زمنية طويلة لكي يُصبحوا جاهزين للتقدُّم إلى وظيفة معيّنة ليس لها أهمية كبيرة، ولكن من المفيد دائمًا معرفة جميع الأفراد الذين من المُحتمل أن يحلّوا في يومٍ من الأيام محل شاغلي المناصب الحاليين. سوف يكون لدى قسم الموارد البشرية وإدارة المؤسسة الكثير من المعلومات التي جُمعت مؤخرًا خلال عملية تقييم المواهب، لذلك سوف تتكوَّن لديهم صورة واضحة عن المرشحين الداخليين (الذين يعملون داخل المؤسسة)، ولكن من المهم أيضًا أخذ المرشحين الخارجيين بالحسبان عند تخطيط التعاقب الوظيفي. إذا لم يتوفَّر أي مرشَّح بإمكانه تولِّي المنصب خلال فترة زمنية قصيرة أو متوسطة أو طويلة، فيجب وضع كلمة «خارجي» مباشرةً بجوار اسم هذا المنصب، وحتى إن كان هناك مُرشَّحين داخليين، فإنَّه ينبغي تسجيل أسماء أي مرشحين خارجيين حسب مُقتضى الحال. إنَ عمليتي تقييم المواهب وتخطيط التعاقب الوظيفي ينتج عنهما نقاشات ممتازة ومعلومات دقيقة جدًّا عن حالة المواهب التي توجد في المؤسسة. يُشرف موظفو الموارد البشرية على تنفيذ كلتا هاتين العمليتين بالتعاون الوثيق مع إدارة المؤسسة، ويُسجِّلون المعلومات والنتائج النهائية التي يُتوصَّل إليها خلال الجلسات، والتي تتضمَّن: خطة التعاقب الوظيفي النهائية، ومصفوفة 9-box النهائية، وإجراءات التطوير الوظيفي التي حُدِّدت خلال جلسة تقييم المواهب. الإجراءات والنتائج تقدّم هذه المعلومات لموظفي الموارد البشرية المعرفةَ الكافية التي تُمكِّنهم من تسيير عملية تنمية المواهب وتدريب المديرين على الإجراءات اللاحقة اللازمة للبدء في عملية التطوير الوظيفي. من الأمثلة على هذه الإجراءات التي قد تُتخذ بالاستناد إلى نتائج اجتماعات تخطيط التعاقب الوظيفي وتنمية المواهب: التدريبات، ومهام صقل المهارات، والتقييمات الفردية، وخطط التطوير الفردية. الخطط التدريبية: تحدِّد فعاليات التعلُّم التي يمكن أن يستفيد منها الفرد، سواء في قاعات دراسية أم عبر الإنترنت. مهام صقل المهارات: قد تكون مناسبة للموظفين تحت الاختبار أو للموظفين الذين يرغبون في تولِّي المزيد من المسؤوليات. التقييمات الفردية: من الأمثلة عليها تقييم 360 درجة (360 assessment)، وتُعدُّ هذه التقييمات أداة تطويرية جيِّدة لتزويد الموظف بالتغذية الراجعة من المدير أو الأقران أو المرؤوسين أو الزبائن أو غيرهم من الأشخاص الذين يتفاعلون مع الموظف باستمرار. خطط التطوير الفردية: تُعدُّ وسيلة مهمة ينبغي على الموظفين استخدامها من أجل تحديد أهداف وأنشطة التطوير الشخصي الخاصة بهم، ومن أجل متابعة وضعهم الحالي ومراقبة التقدُّم الذي يُحرزونه في سبيل تحقيق هذه الأهداف. كما ذكرنا، فإنَّ تنمية المواهب هي مجموعة من العمليات التي تُنفَّذ على مستوى المؤسسة والتي تساعد على تقييم مواطن القوة ومواطن الضعف في المواهب داخل المؤسسة. على الرغم من أنَّ العديد من عمليات تنمية المواهب تُنفَّذ بشكل جماعي، إلا أنَّ نتائجها ينبغي أن تكون ذات طابع فردي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستعانة بمجموعة من الوسائل والاستراتيجيات المخصَّصة لتطوير الموظفين وتحسين أدائهم. يُعدُّ قسم الموارد البشرية مصدرًا أساسيًا لهذه الوسائل والاستراتيجيات، ولذلك له دور مهم في تحديد طبيعة المواهب المستقبلية التي ستتوفَّر في المؤسسة. الخلاصة تُعدُّ إدارة الموارد البشرية مجالًا معقدًا وصعبًا نظرًا لطبيعة الفئة التي يُركّز عليها هذا المجال، ألا وهي: بَني الإنسان. عندما نعمل مع غيرنا من الناس، فإنَّ ما يحدث هو أنَّنا نبدأ في فهم دوافعهم الظاهرة ودوافعهم الخفية (النوايا والعواطف) التي تزيد من تعقيد العمليات والمهام الموضَّحة في مقالاتنا السابقة. بالإضافة إلى ذلك، فإننَّا ندرك بأنَّ المؤسسة ما هي إلَّا مجموعة من الأفراد، وأنَّ لإدارة الموارد البشرية دورٌ مهمٌ في التأكُّد من أنَّ الفلسفات والهياكل والعمليات القائمة تُسهم في توجيه الموظفين وتدريبهم وتحفيزهم على تقديم أفضل ما لديهم في سبيل نجاح المؤسسة. ترجمة -وبتصرف- للفصل Talent Development and Succession Planning من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: التنوع في المنظمات المقال السابق: سياسة التوظيف: إعداد المؤسسة للمستقبل
  18. لقد تناولنا بعض المجالات المهمة التي ينبغي أن يُركِّز عليها متخصِّصو الموارد البشرية لكي يتأكَّدوا من أنَّ الموظفين يؤدّون أدوارهم جيِّدًا ويحصلون على مكافآت عادلة مقابل الجهود التي يبذلونها، لكننا لم نتطرق بعد إلى كيفية اختيار هؤلاء الموظفين؛ فمن هم الأفراد الذين سنوظِّفهم؟ وما هي المهارات المطلوبة من الموظفين في الوقت الحالي وفي المستقبل؟ أين سنبحث عن هؤلاء الموظفين؟ ما هي أفضل الاستراتيجيات المُتّبعة في التوظيف؟ إنَّ استقطاب المواهب (talent acquisition) هو مجال من مجالات إدارة الموارد البشرية، وهو يُحدِّد الاستراتيجية المتعلِّقة باختيار الموظفين وتهيئتهم وتوظيفهم، ويساعد المؤسسة على خوض «حرب المواهب» خلال الأوقات الجيِّدة والصعبة. التوظيف واستقطاب المواهب يُعدُّ توظيف أصحاب المواهب الممتازة من الأمور المهمة التي تساهم في بناء ميزة تنافسية للشركة، وعلى الرغم من بساطة ووضوح هذه الحقيقة إلا أن العديد من الشركات لا تُحسن فعل ذلك في وقتنا؛ إذ غالبًا ما تحدث عمليات التوظيف استجابةً لحاجة الشركة لملء الشاغر بعد خروج أحد أفرادها. في المقابل، هناك عدد قليل جدًا من الشركات التي تعدُّ نفسها مسبقًا وتعمل على وضع خطة استراتيجية بعيدة المدى لاستقطاب المواهب. في دراسة بعنوان "الدليل الشامل للتوظيف في الأوقات العصيبة والجيّد" «The Definitive Guide to Recruiting in Good Times and Bad» أكد الباحثون على أن تكون عملية التوظيف دقيقة واستراتيجية وأن تتضمَّن الإجراءات المهمة التالية: توقُّع الاحتياجات المستقبلية من الكوادر القيادية بالاستناد إلى الخطة الاستراتيجية الخاصة بالشركة. التحديد الدقيق للكفاءات المطلوبة لكل منصب شاغر. إنشاء قائمة تضمُّ عدد كبير من المرشحين. غالبًا ما تُفوِّض المؤسسات في عصرنا الحالي بعضًا من مهام عملية استقطاب المواهب إلى مختصّي توظيف خارجيين، بدلًا من إسنادها لموظفي الموارد البشرية الذين يعملون داخلها. على الرغم من ذلك، يجب أن يكون هنالك ضمن المؤسسة الواحدة موظفي موارد بشرية متخصِّصين في استقطاب المواهب يتولَّون وضع خطة استراتيجية شاملة خاصة بعملية التوظيف، وبعد ذلك قد يتولَّى مختصّو التوظيف المُتعاقَدِ معهم جزءًا من عملية التوظيف مستفيدين من الاستراتيجية وقائمة أصحاب المواهب التي اقترحها فريق الموارد البشرية. هناك مجموعة من المخاطر والفوائد التي تصاحب عملية الاختيار الموظفين المناسبين من بين المرشحين ومن ثمَّ توظيفهم لشغل المناصب القيادية العليا. تتمثَّل هذه المخاطر التي قد تواجه المؤسسة خلال هذه العملية في أن يظلّ أحد المناصب القيادية شاغرًا لفترة زمنية طويلة، بالإضافة إلى أنَّ شغل هذه المناصب العليا غالبًا ما يكون أكثر صعوبة؛ والسبب في ذلك هو قلة عدد المرشحين لها والأهمية الكبيرة لاختيار أصحاب المواهب المناسبين وتأثير ذلك على مستقبل المؤسسة. في المقابل، إذا توخَّى موظفو الموارد البشرية المتخصِّصون في استقطاب المواهب الحذر عند الاختيار وحدَّدوا الأهداف والمهارات والكفاءات اللازمة للمنصب بدقة ووضوح، فإنَّ الفوائد المترتِّبة على ذلك هي بناء ميزة تنافسية للمؤسسة نتيجة للنجاح في توظيف أفضل أصحاب المواهب. خطوات عملية التوظيف سنبيِّن فيما يلي الخطوات الرئيسية لإجراء عملية توظيف فعَّالة لشغل المناصب القيادية العليا. يجب على متخصِّصي الموارد البشرية وإدارة الشركة التناقش معًا بشأن هذه الخطوات حتى يكون هناك توافق ودعم مشترك لخطة عملية التوظيف. توقُّع الاحتياجات المستقبلية: يجب مراجعة متطلَّبات المناصب القيادية العليا كل سنتين أو كل ثلاث سنوات بالاستناد إلى الخطة الاستراتيجية للشركة. من الأسئلة التي ينبغي أخذها بالحسبان في هذه الخطوة: كم عدد الأفراد الذين نحتاج إلى توظيفهم -وما المناصب التي سوف يشغلونهاخلال السنوات القليلة المقبلة؟ كيف سيكون شكل الهيكل التنظيمي؟ ما هي المواصفات القيادية التي يجب توفُّرها حاليًا في الأفراد الذين سوف يصبحون قادة المستقبل؟ تحديد الوظيفة: تحديد المهارات والكفاءات اللازمة للمنصب القيادي المطلوب: على أساس الوظيفة: ما هي القدرات التي ينبغي توفُّرها في المتقدِّم للوظيفة؟ على أساس فريق العمل: هل يتوجَّب على المتقدِّم للوظيفة إدارة الديناميكيات السياسية؟ على أساس الشركة: ما هي الموارد (الدعم، المواهب، التقنيات) التي ينبغي على المؤسسة توفيرها للشخص الذي سوف يشغل هذه الوظيفة؟ إنشاء قائمة: وضع تصّور كامل عن المرشحين من خلال أخذ الاقتراحات من المورِّدين والزبائن وأعضاء مجلس الإدارة ومقدِّمي الخدمات المهنية وذوي الخبرة الموثوقين، ومن ثمَّ إعداد قائمة بالمرشحين المحتملين من داخل المؤسسة وخارجها، وذلك أثناء المناقشات التي تُعقد من أجل تخطيط التعاقب الوظيفي وإدارة المواهب. إنَّ من المفيد البدء بهذه العملية حتى قبل أن يكون هناك منصب شاغر. تقييم المرشحين: وذلك من خلال المقابلات التي يجريها مديرو التوظيف والمدير الأعلى لقسم الموارد البشرية مع المرشحين لتقييم سلوكهم. سيبيِّن المرشحون خلال هذه المقابلات خبراتهم المشابهة للمواقف التي قد يواجهونها أثناء عملهم في المؤسسة، ويتوجَّب على المديرين تكوين صورة دقيقة عن تصرُّفات كل مرشح ودوافعه، بالإضافة إلى التواصل مع مجموعة كبيرة من الجهات المرجعية للتحقُّق من الإنجازات التي حقَّقها المرشحون. إتمام عملية الاختيار والتعيين: يمكن زيادة فرصة قَبول المرشح النهائي لعرض العمل من خلال: ترغيب المرشح بالانضمام للشركة وتولِّي الوظيفة، وإظهار اهتمام حقيقي به. توضيح المزايا والتحديات المصاحبة للوظيفة، وبيان الاختلافات بين الفرص التي توفِّرها هذه المؤسسة والفرص التي يوفِّرها المنافسون. تحقيق التوازن والعدل في الرواتب والمكافآت والحوافز الأخرى طويلة الأجل. دمج الموظف الجديد: من المهم أن يتشرَّب الموظفون الجدد ثقافة الشركة عن طريق: تواصُل المديرين وفريق الموارد البشرية مع الموظفين الجدد ومتابعتهم متابعةً حثيثة. تعيين مرشدين (موظفين متميِّزين) لتقديم الدعم المستمر للموظفين الجدد. التأكُّد من أنَّ الموظفين الجدد يحصلون على الدعم الكافي، وسؤالهم عن أوجه الدعم الأخرى التي قد يحتاجونها، والتأكُّد من أنَّهم يقيمون علاقات جيِّدة عبر المؤسسة. يُعدُّ معرض الوظائف (مثل المعرض الظاهر في الصورة والمُقام في كلية دوبيج) حدثًا يقدِّم فيه أصحاب الشركات ومختصّو التوظيف والمدارس والجامعات معلومات عن الموظفين المحتملين والباحثين عن عمل على أمل أن يترك انطباعًا جيدًا لديهم عن الشركات التي يمكنهم العمل فيها مستقبلًا، ويتفاعلون أيضًا أثناء هذا المعرض مع زملاء العمل المحتملين من خلال التحدُّث وجهًا لوجه وعرض سيرهم الذاتية للآخرين وطرح الأسئلة بهدف الإلمام جيِّدًا بالوظائف المطلوبة. على نحوٍ مماثل، هناك معارض للوظائف على شبكة الإنترنت تُمكِّن الباحثين عن عمل من التواصل إلكترونيًا مع أرباب العمل المحتملين. (مصدر الصورة: حساب Taavi Burns/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC BY 2.0)) يُلخِّص الجدول التالي الخطوات المتَّبعة عند توظيف كبار المسؤولين التنفيذيين، والتحديات المصاحبة لهذه العملية. عملية توظيف كبار المسؤولين التنفيذيين الخطوات الممارسات السيئة الممارسات المُثلى التحديات التوقُّع للمستقبل - إجراء عملية التوظيف عندما يكون هناك شاغر فقط - سوء التخطيط للتعاقب الوظيفي - عدم التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية - تحليل الاحتياجات المستقبلية باستمرار - مراجعة قائمة أصحاب المواهب المحتملين باستمرار - ربط خطة إدارة المواهب بالخطة الاستراتيجية - إشراك قسم الموارد البشرية في عملية التخطيط الاستراتيجي تحديد الوظيفة - الاعتماد على التوصيفات الوظيفية العامة - تحديد المتطلبات الدقيقة المتعلِّقة بالوظيفة - تحديد المهارات والخبرات اللازمة - التواصل بين قسم الموارد البشرية والإدارة العليا إنشاء قائمة - اقتصار القائمة على فئة محددة - اقتصار البحث إما على مرشحين خارج المؤسسة أو مرشحين داخلها - إنشاء قائمة طويلة - إدراج جميع المرشحين المحتملين من داخل المؤسسة وخارجها - كسر الحواجز في المؤسسة تقييم المرشحين - اختيار أول خيار مناسب - الاعتماد على الحدس فقط - الاستعانة بأفضل المحاوِرين - الفحص الدقيق للمعلومات المتعلِّقة بالمرشحين - تدريب كبار المديرين على أساليب إجراء المقابلات تعيين من وقع عليه الاختيار - الافتراض بأنَّ المال هو المسألة الوحيدة التي تهمُّ المرشحين - الاقتصار على توضيح مزايا الوظيفة - إظهار الدعم الجاد لاهتمامات المرشحين - توضيح ماهية الوظيفة - التأكُّد من تحقيق العدل في الأجور - التزام كبار المديرين بمسؤولياتهم - الإنصاف في الأجور - دمج الموظف الجديد - الافتراض بأنَّ الموظف الجديد يعلم بالضبط الأعمال المطلوبة منه دون توجيهه - الاستعانة بأحد الموظفين ذوي الأداء العالي ليكون مرشدًا للموظف الجديد - متابعة الموظف الجديد منذ البداية حتى لو كان الوضع لا يوحي بوجود أية مشكلات - مكافأة المرشدين مراجعة عملية التوظيف - الإبقاء على الموظفين ذوي الأداء الضعيف - التخلُّص من الموظفين ذوي الأداء الضعيف في وقت مبكِّر - مراجعة ممارسات التوظيف - مكافأة أفضل المحاوِرين - ترسيخ ممارسات التدقيق والمراجعة - تقبُّل الوقوع في أخطاء والمضي قدمًا table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } مقتبس من «The Definitive Guide to Recruiting in Good Times and Bad» من الدراسة « Hiring Top Executives: A Comprehensive End-to-End Process». مجلة هارفارد بزنس ريفيو، مايو 2009. عندما يتَّبع قسم الموارد البشرية وإدارة الشركة هذه الممارسات المُثلى، تزداد احتمالية اندماج الموظف الجديد ومباشرته وظيفته الجديدة بنجاح. تُعدُّ عملية استقطاب المواهب عنصرًا أساسيًا من عناصر برامج إدارة الموارد البشرية، وإذا أُجريت هذه العملية بطريقة صحيحة، فإنَّ ذلك سوف يُجنِّب المؤسسة تعيين الأفراد غير الأكفاء وسوف يُكسبها ميزة تنافسية من خلال توظيف أفضل أصحاب المواهب وضمّهم إلى فريق عملها. ترجمة -وبتصرف- للفصل Building an Organization for the Future من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: تنمية المواهب وتخطيط التعاقب الوظيفي المقال السابق: العوامل المؤثرة على أداء الموظفين ودافعيتهم
  19. تُعدُّ كلٌّ من أنظمة إدارة الأداء وأنظمة المكافآت من الآليات المهمة التي يمكن استخدامها لتعزيز أداء الأفراد والمجموعات وتحفيزهم، بالتالي الارتقاء بالأداء العام للمؤسسة ورفع معدلات إنتاجيتها ونموها. إنَّ أنظمة الأداء وأنظمة المكافآت جزء من ثقافة الشركة؛ إذ إنَّها تُبيِّن الطريقة المُستخدمة لإدارة أداء (أو ضعف أداء) الموظفين الذين يعملون فيها، ودرجة استعدادها لتقدير أولئك الموظفين ومكافأتهم على أدائهم. لقد ظهرت خلال السنوات الماضية العديد من وجهات النظر حول أفضل الاستراتيجيات والطرق التي تُفضي إلى تقدير الموظفين ومكافأتهم، والتي تُسهم أيضًا في تعزيز أدائهم ودافعيتهم. نظام المكافآت والحوافز يجب في البداية توضيح مصطلح نظام المكافآت والحوافز قبل الحديث عن أفضل الاستراتيجيات والنتائج المرتبطة به. إنَّ أنظمة المكافآت (rewards systems) هي الإطار الذي تضعه المؤسسة (بواسطة قسم الموارد البشرية في معظم الأحيان) وتستخدمه لتقديم نوع من المكافأة (النقدية أو غيرها) للموظفين مقابل أدائهم، والهدف هو تعزيز دافعيتهم وتحفيزهم لكي يواصلوا العمل لصالح المؤسسة. تتكوَّن أنظمة المكافآت في الأساس من البرامج والسياسات المرتبطة بالتعويضات، ولكن قد تشمل أيضًا الامتيازات التي سوف تُقدَّم للموظفين وغيرها من المكافآت الإضافية التي تلبِّي احتياجاتهم. ينصبُّ التركيز الأساسي لأنظمة المكافآت التي تُحدِّدها إدارة الموارد البشرية على النجاح في تطبيق نظام التعويضات داخل المؤسسة. إنَّ معظم المؤسسات تسعى إلى تطبيق برنامج الدفع مقابل الأداء (pay-for-performance) الذي يُقدِّم أجورًا تنافسية في سوق العمل ويقدّم تعويضات مختلفة للموظفين بناءً على أدائهم. تتبنَّى المؤسسة التي تُطبِّق برنامج الدفع مقابل الأداء فلسفة تهدف إلى مكافأة أفضل الموظفين أداءً بهدف جعلهم رمزًا يُحتذى وترغيب الموظفين الآخرين في المكافآت وتحسين الأداء العام للمؤسسة، وإيلاء اهتمام خاص بالموظفين الأكثر تأثيرًا. يُشير ستيفن ميلر في إحدى المقالات المنشورة بعنوان «دراسة: الدفع مقابل الأداء يؤتي ثماره» على الموقع الإلكتروني لجمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) في عام 2011، يشير إلى أنَّ أهم أربعة عوامل تدفع الشركات للبدء في تطبيق استراتيجية الدفع مقابل الأداء هي: تقدير الأفراد ذوي الأداء العالي ومكافأتهم (46.9%) زيادة احتمالية تحقيق أهداف الشركة (32.5%) تحسين الإنتاجية (7.8%) نبذ ثقافة الاستحقاق (7.8%) أظهرت الدراسة أيضًا أنَّ دوافع الشركات لتطبيق استراتيجية الدفع مقابل الأداء كانت مختلفة، وذلك يعتمد على ما إذا كانت الشركة ذات أداء مرتفع أم منخفض. لقد صرَّحت نصف المؤسسات ذات الأداء المرتفع تقريبًا بأنَّ تقدير أفضل الموظفين أداءً ومكافأتهم كان الدافع الأساسي الأول لتطبيق الاستراتيجية، ويتضح من ذلك أنَّ المؤسسات ذات الأداء المرتفع التي تُطبِّق هذه الاستراتيجية تؤمن بفكرة التمييز في المكافآت بين الأفراد ذوي مستويات الأداء المختلفة. في المقابل، يبدو أنَّ المؤسسات ذات الأداء المنخفض ليست متأكدة من حقيقة دوافعها لتطبيق استراتيجية الدفع مقابل الأداء، وقد كان تحقيق أهداف الشركة هو الدافع الأول الذي أشارت إليه هذه المؤسسات. وفقًا لتقرير "Compensation Programs and Practices Report" الذي أعدَّته جمعية WorldatWork في عام 2015، يستمر استخدام برنامج الدفع مقابل الأداء في النمو، وقد ذكرت (72%) من الشركات بأنَّها تربط زيادة الأجور بالأداء الوظيفي، وأشارت (67%) من الشركات إلى أنَّ الزيادات التي يحصل عليها الموظفون ذوو الأداء العالي أكثر بـِ 1.5 مرة على الأقل من تلك التي يحصل عليها الموظفون ذوو الأداء المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنَّ نتائج الاستطلاع تشير إلى أنَّ تقبُّل الموظفين لفلسفة المؤسسة فيما يتعلَّق بالتعويضات يزداد عندما يكون هناك فرق أكبر بين الزيادات التي يحصل عليها كلّ من ذوي الأداء المتوسط وذوي الأداء العالي، إذ إنَّ ذلك يُؤكد على أنَّ الشركة جادَّة بشأن الدفع مقابل الأداء. يتكوَّن برنامج الدفع مقابل الأداء من عدة عناصر، ويواجه قسم الموارد البشرية صعوبة في تصميم تلك العناصر المختلفة وتحليلها وتعميمها وإدارتها حتى يُنفَّذ البرنامج بأسلوب مناسب وقانوني. يتوجَّب على قسم الموارد البشرية أن يُشرك إدارة الشركة في وضع عناصر برنامج الأجر مقابل الأداء والتي تتضمَّن: تحديد فلسفة المؤسسة فيما يتعلَّق بالأجور. ينبغي على إدارة الشركة أن تصادق على أنَّها سوف تُشجِّع الثقافة القائمة على مكافأة الموظفين على الأداء القوي. دراسة الآثار المالية المترتبة على إحداث تغييرات لتطبيق برنامج الدفع مقابل الأداء. ما مقدار الفرق في الأداء لدينا؟ ما هي تكلفة تطبيق ذلك؟ تحديد أي ثغرات موجودة في العمليات الحالية، مثل: إدارة الأداء، وزيادة الجدارة، والمكافآت قصيرة الأجل وطويلة الأجل. إذا كانت سياسات الموارد البشرية والتعويضات الحالية تتعارض مع برنامج الدفع مقابل الأداء، فيجب مراجعتها وتغييرها. إذا كان هناك مواطن خلل في عملية إدارة الأداء، فيجب تصحيحها قبل تنفيذ برنامج الدفع مقابل الأداء؛ وإلَّا ستقل ثقة أفراد المؤسسة فيه. يجب أيضًا الرجوع إلى بيانات السوق عند وضع هيكل الرواتب حتى تتأكَّد المؤسسة من أنَّ سياسة التعويضات الخاصة بها ستمكِّنها من أن تكون في الموضع الذي ترغب فيه في السوق. تحديث العمليات المرتبطة بالتعويضات، وذلك بإدخال عناصر برنامج الدفع مقابل الأداء الجديدة فيها، ويتضمَّن ذلك تصميم مصفوفة الجدارة (merit matrix)، التي تربط الزيادات السنوية في أجور الموظفين بأدائهم، بالإضافة إلى تصميم مصفوفة المكافآت قصيرة الأجل واستراتيجية المكافآت طويلة الأجل. بعبارة أخرى، ينبغي الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف يؤثِّر الأداء على مدفوعات المكافآت؟ ما هو الفارق (أو مقدار الزيادة) لكل مستوى؟ تبليغ المديرين والموظفين بفلسفة برنامج الدفع مقابل الأداء والتغييرات التي سوف تطرأ وتدريبهم عليها. ينبغي توضيح التغييرات في ضوء الثقافة العامة للمؤسسة؛ إذ تُعدُّ هذه الخطوة استثمارًا طويل الأجل للمواهب والأداء في المؤسسة. استراتيجية المكافآت الإجمالية يؤدِّي متخصِّصو إدارة الموارد البشرية دورًا رئيسيًا في تحديد أنظمة المكافآت، وتُعدُّ التعويضات التي تُقدَّم للموظفين مجرَّد أساس واحد فقط (ولكنَّه الأساس الأكثر أهمية) من «المكافآت الإجمالية». تشير جمعية (WorldatWork) إلى أنَّ المكافآت الإجمالية هي علاقة ديناميكية بين أصحاب العمل والموظفين. تُشير الجمعية أيضًا إلى أنَّ استراتيجية المكافآت الإجمالية (total rewards strategy) هي الاستراتيجية التي تضعها المؤسسة لجذب الموظفين وتحفيزهم والاحتفاظ بهم وإدماجهم، تتكوَّن هذه الاستراتيجية من ستة عناصر هي: التعويضات: الأجر الذي يقدمه صاحب العمل لموظفيه مقابل الخدمات التي يؤدّونها (أي مقابل الوقت والجهد والمهارة)، ويشمل هذا كلًّا من الأجر الثابت والأجر المُتغير المرتبط بمستويات الأداء. الامتيازات: البرامج الإضافية التي يُطبِّقها صاحب العمل إلى جانب التعويضات النقدية التي يُقدِّمها للموظفين، ومن الأمثلة عليها: البرامج الصحية وبرامج حماية الدخل وبرامج الادخار وبرامج التقاعد، التي توفِّر الأمن للموظفين وأسرهم. فعالية العمل والحياة: يُقصد بها مجموعة محدَّدة من الممارسات والسياسات والبرامج التنظيمية، إلى جانب فلسفة قائمة على دعم الجهود المبذولة من أجل مساعدة الموظفين على النجاح والتوفيق بين الحياة العملية والحياة الشخصية. التقدير: برامج رسمية أو غير رسمية تُقرُّ أو تهتمُّ بشكل خاص بإنجازات الموظفين وجهودهم أو سلوكياتهم وأدائهم، وتُشجِّع استراتيجية العمل من خلال تعزيز السلوكيات المرغوب فيها (مثل الإنجازات المميزة) والتي تساهم في نجاح المؤسسة. إدارة الأداء: التنسيق بين أنشطة المؤسسة وفِرق العمل والأفراد في سبيل تحقيق أهداف العمل ونجاح المؤسسة ككل. تتضمَّن عملية إدارة الأداء تحديد التوقعات، وعرض المهارات، والتقييم، والتغذية الراجعة، والتحسين المستمر. تنمية المواهب: توفير الفرص والوسائل التي تساعد الموظفين على تطوير مهاراتهم وكفاءاتهم المهنية على المدى القريب والبعيد. نموذج المكافآت الإجمالية وفق جمعية WorldatWork (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) دوافع تحفيز الأفراد إنَّ إدارة الموارد البشرية هي المسؤولة عن تحديد العناصر المختلفة لاستراتيجية المكافآت الإجمالية الخاصة بالمؤسسة والتحقُّق من أنَّها مناسبة لجذب الموظفين الجيدين والاحتفاظ بهم. من المعلوم أنَّ هناك العديد من المكافآت المختلفة التي يمكن أن تحفِّز الأفراد بناءً على دوافعهم الشخصية، وقد نشرت مجلة هارفارد بزنس ريفيو في عام 2008 مقالًا بعنوان «Employee Motivation: A Powerful New Model»، "تحفيز الموظفين: نموذجٌ فعّال معاصر" ، وأشار مؤلفو هذا المقال إلى أنَّ هناك أربعة دوافع تعمل على تحفيز الأفراد، وأكَّدوا على أنَّ هذه الدوافع مغروسة في عقولنا وتؤثِّر بشكل مباشر على عواطفنا وتصرُّفاتنا. هذه الدوافع الأربعة هي: حب التملُّك، وحب الانتماء، وحب المعرفة، والحماية. سنوضِّح فيما يلي كلّ دافع من هذه الدوافع وكيف يمكن التعامل معها في إطار المؤسسة. يشير دافع حب التملُّك إلى أنَّنا جميعًا نمتلك رغبةً في الحصول على السلع النادرة التي تعزِّز من شعورنا بالرفاهية، ويبدو أنَّ هذا الدافع نسبي (أي أنَّه يعتمد على مقارنة ما لدينا بما لدى الآخرين) ولا يُمكن إشباعه إشباعًا تامًّا (أي أنَّنا نرغب في الحصول على المزيد دائمًا). تتعامل المؤسسة مع هذا الدافع من خلال نظام المكافآت، وتتخذ الإجراءات من أجل التمييز بين مستويات الأداء ومكافأة للموظفين بناء على أدائهم وتقديم أجور تنافسية. يشير دافع حب الانتماء إلى أنَّ البشر لا يرتبطون فقط بالأفراد؛ بل يرتبطون أيضًا بالمؤسسات والجمعيات والدول. يُشبَع هذا الدافع داخل المؤسسة عندما يشعر الموظفون بالفخر لأنَّهم جزء من المؤسسة وبالسرور لكونهم أعضاء في فريق العمل، ويُغرس ذلك الشعور من خلال ثقافة المؤسسة وما تتخذه من إجراءات لتعزيز المسؤولية المشتركة والصداقة بين الموظفين وتقدير التعاون والعمل الجماعي وتشجيع المشاركة واتباع أفضل الاستراتيجيات أثناء العمل. يشير دافع حب المعرفة إلى أنَّنا جميعًا نرغب في فهم العالم الذي نعيش فيه وبناء النظريات والتصوُّرات المختلفة لتفسير حقيقة الأشياء، ومن بين الأمور التي تُحفِّز الأفراد هي توقهم إلى أن يتجاوزوا التحديات التي تواجههم وأن يكون لهم دور وبصمة في هذه الحياة. تستطيع المؤسسات إشباع هذا الدافع لدى الموظفين من خلال تصميم وظائف تتضمَّن تأدية أدوار متميِّزة ومهمة في المؤسسة، بالإضافة إلى وظائف بنَّاءة تعزِّز الشعور بالمساهمة والإنجاز لدى الموظفين. يشير دافع الحماية إلى غريزتنا للدفاع عن أنفسنا وعائلاتنا وأصدقائنا، ويرتبط بالمواقف الدفاعية التي نتخذها لمواجهة التهديدات الخارجية، ويكشف أيضًا هذا الدافع عن مستوى مقاومتنا للتغيير والأسباب التي تجعل بعض الموظفين يتصرَّفون بطريقة وقائية أو عاطفية. تتعامل المؤسسات مع هذا الدافع من خلال عمليات إدارة الأداء وتخصيص الموارد، وتتخذ الإجراءات في سبيل زيادة الشفافية والعدالة وتعزيز ثقة الموظفين بها من خلال تحقيق العدل بينهم في المكافآت والمسؤوليات وتقدير الجهود التي يبذلونها. تُعدُّ أنظمة التعويضات والمكافآت مجالًا معقَّدًا للغاية من مجالات إدارة الموارد البشرية، وتهتمُّ المؤسسات بها بشكل أساسي؛ إذ تُعدُّ التعويضات والمكافآت من أهم الدوافع التي تُحفِّز الأقراد ضمن المجتمعات. ينبغي على إدارة الموارد البشرية أيضًا الأخذ بالحسبان مختلف عناصر استراتيجية المكافآت الإجمالية التي بيَّناها في هذا المقال، بالإضافة إلى الدوافع والوسائل التي يمكن استغلالها لتحفيز الموظفين. ترجمة -وبتصرف- للفصل Influencing Employee Performance and Motivation من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: سياسة التوظيف: إعداد المؤسسة للمستقبل المقال السابق: إدارة الأداء في عملية إدارة الموارد البشرية
  20. تُعدُّ عمليات إدارة الأداء من أهم العمليات التي يديرها قسم الموارد البشرية، ولكنَّها في الوقت نفسه من العمليات التي يكثر عليها الخلاف داخل المؤسسة. يرى الكثير من الناس أنَّ عملية إدارة الأداء تقع على عاتق قسم الموارد البشرية وأنَّها لا تحتاج إلى التنسيق مع إدارة الشركة. لكن الواقع خلاف ذلك؛ إذ ينبغي ألَّا يكون قسم الموارد البشرية المسؤولَ الوحيدَ عن عملية إدارة الأداء حتى تؤتي هذه العملية ثمارها، فينبغي أن يشترك قسم الموارد البشرية والإدارة التنفيذية المباشرة في تنفيذ عملية إدارة الأداء السنوية الاعتيادية والتواصل المستمر بشأنها. على الرغم من أنَّ قسم الموارد البشرية هو المسؤول عن وضع عمليات إدارة الأداء وتسهيل تنفيذها، إلا أنَّه يتوجَّب على مدير المؤسسة دعم هذه العمليات بقوة وتوضيح أثر إدارة أداء الموظفين على الأداء العام للمؤسسة وقدرتها على تحقيق أهدافها. من المفيد أن تُؤكِّد إدارة الشركة على أنَّ عملية إدارة الأداء ليست منوطة بقسم الموارد البشرية فحسب؛ إذ أنَّها عملية ضرورية لسير عمل الشركة. إذا لم يُحسن مديرو الشركات متابعة أداء الأفراد وتوجيههم، فلن تعرف المؤسسة ما إذا كانت تسير في الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف التنظيمية العامة. قبل توضيح طبيعة عملية إدارة الأداء التي تجري في المؤسسات في العصر الحالي، من المهم فهم أصول نشأة هذه العملية. لقد كانت عملية إدارة الأداء في البداية مجرَّد وسيلة بسيطة لمحاسبة أفراد المؤسسة، وهي لا تزال كذلك في جوهرها، ولكنَّها تطوَّرت في الآونة الأخيرة وأصبحت تُستخدم في تطوير الموظفين. تعود بدايات نشوء عمليات إدارة الأداء إلى نظام «تقييم الجدارة» الذي كان تستخدمه بعض الكيانات، مثل الجيش الأمريكي، والذي أُنشئ خلال الحرب العالمية الأولى من أجل تحديد الأشخاص ذوي الأداء الضعيف لصرفهم من الخدمة أو نقلهم. لقد أصبحت حوالي 60% من الشركات الأمريكية تستخدم عملية تقييم الأداء بعد الحرب العالمية الثانية، ووصلت هذه النسبة إلى 90% تقريبًا بحلول ستينيات القرن العشرين. على الرغم من أنَّ القواعد المتعلِّقة بالأقدمية الوظيفية حدَّدت الزيادات في الأجور والترقيات للعمال النقابيين، إلَّا أنَّ قوة الأداء تعني أنَّه سيكون هناك فرص ترقِّي جيِّدة للمديرين. لم يكن الغرض الرئيسي من استخدام هذا النظام هو تحسين الأداء في البداية؛ بل جاءت تلك الفكرة في مرحلة لاحقة في ستينيات القرن العشرين، إذ بدأت الشركات، نتيجة لنقص أصحاب المواهب الإدارية، باستخدام أنظمة إدارة الأداء لتطوير خبرات الموظفين لكي تكون لديهم فرصة لكي يغدوا مشرفين، إلى جانب تطوير خبرات المديرين لكي يرتقوا إلى مرتبة المديرين التنفيذيين. أقرَّ جاك ويلش عندما أصبح الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك في عام 1981 نظام التصنيف الإجباري (أحد الأنظمة الأخرى التي ابتكرها الجيش)، وذلك من أجل التعامل مع المشكلة القديمة المتمثِّلة في عدم تمكُّن المشرفين في ذلك الوقت من تصنيف الاختلافات الحقيقية في الأداء بين الموظفين. استخدم المسؤولون في شركة جنرال إلكتريك هذا النظام لإدارة الأداء من أجل التخلُّص من الأشخاص ذوي الأداء الضعيف. وقد ربطوا أداء الأشخاص بإمكانياتهم الحالية التي يتمتَّعون بها وأغفلوا قدرتهم على تطوير أنفسهم. يُصنَّف الأشخاصُ وفق نظام التصنيف الإجباري إلى ثلاث فئات، هي: الفئة "أ" (سوف يُمنحوا مكافآت)، والفئة "ب" (سوف يبقون في وظائفهم)، والفئة "ج" (سوف يُفصلون من العمل). هذا يعني أنَّ عمليات تطوير الموظفين في شركة جنرال إلكتريك مخصَّصة للأشخاص المصنَّفين ضمن الفئة "أ" فقط، كما أنَّ الأشخاص ذوي الإمكانيات العالية -من بين هؤلاء- هم الذين ينالون فرصة الترَّقي إلى المناصب العليا. أصبحت العديد من الشركات تُطبِّق نظام تصنيف إجباري مماثل منذ أن استخدمت شركة جنرال إلكتريك نظام التصنيف الإجباري، ولكن العديد منها تراجعت عن ذلك، وهذا ما فعلته شركة جنرال إلكتريك بعدما تقاعد جاك ويلش، ويعود السبب في تراجع الشركات -بما فيها جنرال إلكتريك- عن استخدام ذلك النظام إلى أنَّه أدَّى إلى التنافس السلبي ونبذ التعاون والامتناع عن العمل الجماعي بداخلها، الأمر الذي دفع هذه الشركات إلى استبعاد نظام التصنيف الإجباري من عمليات إدارة الأداء فيها. يُجمِع معظم الناس -من الناحية النظرية- على أهمية عملية إدارة الأداء، ولكن ما لا يتفقون عليه هو كيفية تنفيذ هذه العملية. لقد بدأت بعض الشركات بتغيير نظرتها تجاه الأداء نتيجةً للاستياء المتزايد فيما يتعلَّق بعمليات إدارة الأداء في ذلك الوقت، وقد وضع مطوِّرو البرمجيات في عام 2001 «بيان منهجية الأجايل» الذي أكَّد على مبادئ التعاون والتنظيم الذاتي والتوجيه الذاتي، بالإضافة إلى التفكير ووضع خطط دوريّة بهدف زيادة كفاءة العمل من خلال السعي إلى وضع نماذج أولية بسرعة والاستجابة مباشرةً لآراء الزبائن والتغييرات التي تطرأ على احتياجاتهم. كان تأثير هذه المنهجية على إدارة الأداء واضحًا؛ إذ بدأت الشركات تُفكِّر في تطبيق عمليات إدارة أداء أقل تعقيدًا تنطوي على تقديم التغذية الراجعة والآراء بشأن الأداء دوريًّا. وفق دراسة استقصائية عامة أجرتها شركة ديلويت للخدمات، فإنَّ 58% من المسؤولين التنفيذيين الذين شملتهم الدراسة يرون أنَّ أسلوبهم الحالي في إدارة الأداء لا يؤدِّي إلى اندماج الموظفين في العمل ولا إلى تحقيق أداء عالٍ. إنَّهم بحاجة إلى أسلوب أكثر مرونة وسرعة ومراعاة لإمكانيات الأفراد بحيث يُركِّز على تحسين أدائهم المستقبلي بدلًا من مجرَّد تقييم أدائهم السابق. انضمَّت شركة ديلويت -على إثر هذه الدراسة- إلى ركب الشركات التي تسعى إلى إعادة تصميم عمليات إدارة الأداء الخاصة بها. يتطلَّع المسؤولون في هذه الشركة إلى رؤية آثار عملية التغيير الجذري على مستوى الأفراد، لذلك يطرحون على قادة فِرق العمل عددًا من الأسئلة التي تتعلَّق بالقرارات والإجراءات المستقبلية التي سوف يتخذونها إزاء كل فرد من أفراد الفريق. تتمحور الأسئلة المطروحة حول الأساليب التي سوف يستخدمونها للتعامل مع أفراد الفريق؛ وليس حول آرائهم بهم، وتشمل هذه الأسئلة ما يلي: لو أخذت بالحسبان ما تعرفه عن أداء هذا الشخص ولو كان المال مالك، فهل ستمنح هذا الشخص أكبر علاوة أو مكافأة ممكنة؟ لو أخذت بالحسبان ما تعرفه عن أداء هذا الشخص، فهل ترغب في أن يكون ضمن فريقك دائمًا؟ هل هذا الشخص في وضع سيء بسبب الأداء المنخفض؟ هل هذا الشخص مهيَّأ للترقية في الوقت الحالي؟ على الرغم من أنَّ هناك بعض المناقشات التي كانت تدور خلال السنوات العديدة الماضية حول رغبة بعض الشركات في إلغاء تقييمات الأداء كليًا، إلَّا أنَّ معظم الأبحاث تدعم الرأي القائل بأنَّ عدم تنفيذ عملية إدارة الأداء مطلقًا لا يصبُّ في مصلحة الشركات أيضًا. على سبيل المثال، بيَّنت دراسة استقصائية عالمية حديثة أجرتها شركة (CEB Global) أنَّ أكثر من 9000 مدير وموظف يرون أنَّ عدم إجراء أي تقييمات للأداء أسوأ من إجرائها، وتشير نتائج هذه الدراسة إلى أنَّه على الرغم من أنَّ بداخل كل مؤسسة موظفين غير راضين عن المكافآت التي مُنحت لهم، أو مستائين بسبب عدم حصولهم على ترقية، إلَّا أنَّهم يكونون أكثر استعدادًا لتقبُّل النتائج غير المرغوب فيها عندما تكون عملية التقييم عادلة. إنَّ السؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه هو: كيف يمكن لقسم الموارد البشرية مساعدة الشركة على وضع عملية تقييم أداء عادلة ودعم تطوير الموظفين دون إثقال كاهلها بالأنظمة غير الملائمة والأنشطة التي لا تعود عليها بأي قيمة أو فائدة إضافية. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } إدارة التغيير إدارة الموارد البشرية العالمية والمحلية دائمًا ما تواجه الشركات متعددة الجنسيات صعوبةً في تحقيق التوازن بين المتطلَّبات العالمية والمحلية عند تحديد استراتيجية إدارة الموارد البشرية. تركِّز بعض الشركات الكبيرة بشكل كبير على المركزية، ولا تحيد استراتيجيتها المحلية عن الاستراتيجية العالمية إلَّا قليلًا جدًا. قد تلجأ بعض الشركات الأخرى إلى إضفاء الطابع المحلي على العمليات والقرارات التي تصدر عنها إذا توجّب عليها مراعاة متطلَّبات ثقافية محلية معينة. إنَّ في صالح الشركات في كلتا الحالتين الالتزام بالمعايير العالمية مع السماح -في الوقت نفسه- بالتكيُّف مع متطلَّبات السوق المحلي في مجالات الموارد البشرية عندما يكون ذلك ملائمًا. وفقًا لدراسة بعنوان «ستة مبادئ لإدارة المواهب العالمية الفعالة» نُشرت في مجلة (MIT Sloan Management Review) في عام 2012، فإنَّ معظم الشركات متعددة الجنسيات تستخدم معايير أداء عالمية، ونماذج للكفاءة، بالإضافة إلى أدوات وعمليات إدارة الأداء. هذه المجالات هي مجالات الموارد البشرية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستراتيجيات والأهداف العامة للمؤسسة، ولذلك تبقى ثابتة على المستوى العالمي. في المقابل، تُعدُّ عمليات التدريب والتعويضات من الأمثلة على مجالات الموارد البشرية التي لا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستراتيجيات العامة، والتي قد تستلزم التكيُّف مع متطلَّبات السوق المحلي. قد تسلتزم عمليات التوظيف أيضًا التكيُّف مع الواقع المحلي؛ إذ إنَّ لكل دولة قوانين عمل وتحديات خاصة بها. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنَّ الشركة قد تُقيِّد نفسها بالممارسات التي تتخذها لإدارة المواهب على مستوى العالم إذا كانت عمليات إنتقاء وتوظيف أفضل أصحاب المواهب وتقييمهم وتطويرهم تتطلَّب إجراء الكثير من التعديلات لمواكبة قوانين الدولة. من المهم أن تتبنَّى الشركة نهجًا عالميًا لإدارة المواهب لكي تستفيد من فرص التعلُّم المتبادل وفرص التطوُّر القائم على تعدُّد الثقافات. من أهم مظاهر إدارة المواهب العالمية هو أن تزيل الشركة حواجز التوظيف وتختار موظفين موهوبين من مختلف أنحاء العالم للعمل بداخلها، كما أنَّ بعض الشركات لديها برامج للقيادة العالمية، حيث تجمع القادة البارعين من جميع أنحاء العالم بهدف إقامة علاقات صداقة فيما بينهم وتبادل المعارف والخبرات. بالإضافة إلى ذلك، هناك شركات أخرى قد أنشأت عددًا من برامج التدوير الوظيفي للقادة مُتيحةً لهم تجربة تأدية أدوار جديدة في ثقافات أخرى، من أجل بناء سيرهم الذاتية وتطوير ذكائهم الثقافي. في الواقع، يمكن أن تؤثِّر إدارة الموارد البشرية تأثيرًا كبيرًا على قدرة الشركة على الاستفادة من إمكانات المواهب العالمية عندما تنشئ شبكة عالمية تضمُّ هذه المواهب إلى جانب مراعاة متطلَّبات السوق المحلي كلَّما كان ذلك ممكنًا. تحديات تقييم أنظمة إدارة الأداء ينبغي على قسم الموارد البشرية وإدارة الشركة أثناء تقييمهم لأنظمة إدارة الأداء التي يمكن تطبيقها أن يأخذوا بالحسبان التحديات العديدة التي يجب عليهم التعامل معها عند اختيار نظام ما. يتمثَّل التحدي الأول في التوفيق بين أهداف الأفراد وأهداف الشركة. إنَّ الحل التقليدي للتعامل مع هذا التحدي هو أن تنعكس الأهداف العامة للمؤسسة على الأهداف التي يضعها الموظفون وأن تدعمها. لقد شاعت فكرة الأهداف الذكية (أن تكون الأهداف محدَّدة وقابلة للقياس وقابلة للتطبيق وذات صلة ومقيَّدة بإطار زمني) على مرّ السنين الماضية، ولكن قد تستمر صعوبة تحديد الأهداف في حال كانت أهداف المؤسسة معقَّدة، أو كان ارتباط أهداف الموظفين بمهام مشروع معين أقوى من ارتباطها بالأهداف العامة. ينبغي أن يكون كلٌّ من الشركات والأفراد قادرين على الاستجابة للتغييرات التي تطرأ على الأهداف، تحدث هذه التغيرات بسبب المستجدات السريعة التي تحدث في العصر الحالي أو لتغيُّر احتياجات الزبائن؛ فهذه إحدى القضايا القائمة التي يتوجَّب على قسم الموارد البشرية وإدارة الشركة الاتفاق بشأنها. التحدي المهم الثاني الذي يجب التعامل معه عند تصميم عملية إدارة الأداء هو تحديد كيفية مكافأة الأداء. سنتطرق إلى أنظمة المكافآت لاحقًا في مقالات سلسلتنا ولكن ما ينبغي معرفته في هذه اللحظة هو أنَّ أنظمة المكافآت يجب أن تكون جزءًا لا يتجزَّأ من أنظمة إدارة الأداء. تسعى الشركات التي تعمل على إعادة تصميم عمليات الأداء الخاصة بها في واقعنا المعاصر إلى استكشاف آثار ممارساتها الجديدة التي تتبعها على نماذج العمل المعروفة بـ الدفع مقابل الأداء (pay-for-performance models). يبدو أنَّ التخلّى عن مفهوم مكافأة الموظفين بناءً على أدائهم لا يُعدُّ خيارًا قائمًا لدى الشركات، لذلك يجب أن يصاحب تغيير الأنظمة تغييرًا في النظرة السائدة بشأن العلاقة بين النهجين. إنَّ تحديد الأفراد ذوي الأداء الضعيف يُعدُّ من التحديات التي ظهرت منذ بدايات نشوء عمليات إدارة الأداء، وحتى عملية إدارة الأداء الأكثر رسمية يبدو أنَّها لا تُفلح في التخلُّص من الأفراد ذوي الأداء الضعيف، والسبب الأكبر في هذا هو أنَّ المديرين الذين يقيّمون الموظفين يُحجمون عن التعامل مع ذوي الأداء الضعيف. بالإضافة إلى ذلك، يرى بعض المديرين أنَّه ينبغي التغاضي عن ذوي الأداء الضعيف خلال العام والتعامل معهم مرة واحدة فقط عند تقييمهم في نهاية العام من خلال عمليّة إدارة الأداء السنوية (وغالبًا ما يتم ذلك بطريقة غير فعَّالة). لكن ما يتوجَّب على المؤسسات فعله في الواقع هو الحرص على التعامل مع ذوي الأداء الضعيف مباشرة وإبلاغهم بأوجه القصور لديهم وتوثيقها وإدارتها عن كثب، بغض النظر عن طبيعة نماذج إدارة الأداء الجديدة التي سوف تتبنّاها. يُعدًّ تجنُّب الوقوع في المشكلات القانونية من التحديات القائمة الأخرى التي تواجه المؤسسات، كما أنَّه من الأسباب التي تُعزِّز من أهمية التعامل مع مشكلات الأداء وتوثيقها مباشرة. يساعد قسم الموارد البشرية المديرين في التعامل مع المشكلات المتعلِّقة بالموظفين. في الواقع، إنَّ بعض الأشخاص الحريصين على حماية أنفسهم من الدعاوى القضائية لا يستسيغون فكرة عدم وجود نظام تقييم رسمي قائم على الأرقام، ولكن الحقيقة هي أنَّ كلًّا من عمليات إدارة الأداء الرسمية التقليدية وبعض الأساليب الحديثة للغاية لا تضمن عدم حدوث أي مشكلات قانونية؛ فحتى عمليات إدارة الأداء الرسمية قد تكون غير موضوعية وقد تنطوي على تحيُّز في التقييمات. يرى المؤلف أنَّ أفضل استراتيجية لإدارة الأداء بطريقة فعَّالة وعادلة هي بالتعامل المباشر مع مشكلات الأداء وتوثيقها بمجرَّد حدوثها، إذ ينبغي تبليغ الموظف عن مشكلات الأداء المتعلِّقة به (في أقرب وقت ممكن)، وينبغي أن يُوثِّق المدير جميع مشكلات الأداء والمحادثات التي جرت بموضوعية ويلجأ إلى قسم الموارد البشرية للتعامل مع المشكلات الأكبر أو الأكثر تعقيدًا. من التحديات القائمة الأخرى إدارة تدفُّق التغذية الراجعة، بالإضافة إلى الاحتفاظ بالمحادثات والوثائق والتغذية الراجعة بحيث يمكن الوصول إليها واستخدامها بسهولة لمواجهة أي تقصير من قبل الموظفين. تجدر الإشارة إلى أنَّ عملية إدارة الأداء السنوية التقليدية لا تتضمَّن تسجيل التغذية الراجعة والمحادثات، ولكن هناك بعض التقنيات الحديثة (مثل تطبيقات الهواتف المحمولة) التي يمكن استخدامها لتسجيل المحادثات التي تجري بين المديرين والموظفين. على سبيل المثال، تستخدم شركة جنرال إلكتريك تطبيقًا يسمى (PD@GE PD هو اختصار لـِ Performance Develpment، أي تطوير الأداء)، ويتيح هذا التطبيق للمديرين استخراج الملاحظات والمواد من المحادثات السابقة التي جرت مع الموظفين. تستخدم شركة IBM تطبيقًا مشابهًا يتيح للموظفين تقييم بعضهم بعضًا. على الرغم من وجود بعض الحلول التكنولوجية التي يمكن أن تساعد على تقديم التغذية الراجعة وتسجيلها، إلَّا أنَّ على قسم الموارد البشرية الاستمرار في ترسيخ القواعد المتعلِّقة بالموضوعية والاستخدام المناسب للأدوات والتقنيات المتاحة. ستصطدم عمليات إدارة الأداء -التقليدية والحديثة على حد سواء- بنفس التحديات على مرّ الزمن، لذلك ينبغي على متخصِّصي إدارة الموارد البشرية أن يكونوا على دراية بهذه التحديات وأن يُصمِّموا نظام إدارة أداء مناسب لمواجهتها وفقًأ لما تقتضيه الظروف والمُستجدات المتقلّبة في عصرنا. ترجمة -وبتصرف- للفصل Performance Management من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: العوامل المؤثرة على أداء الموظفين ودافعيتهم المقال السابق: مفهوم امتثال الموارد البشرية
  21. ترجع جذور مجال امتثال الموارد البشرية (Human resources compliance) إلى بدايات ظهور وظيفة الموارد البشرية بحدّ ذاتها، والتي كانت تنطوي على مهام إدارية وتنظيمية، ولا يزال الامتثال في عصرنا الحالي أحد المجالات المهمة للغاية التي يديرها قسم الموارد البشرية، وهناك العديد من اللوائح والقوانين التي تحكم علاقات العمل. يجب أن يكون متخصِّصو الموارد البشرية قادرين على فهم هذه القوانين والإلمام بها لكي يتمكَّنوا من مساعدة المؤسسات التي يعملون لصالحها على الالتزام بتلك القوانين وتجنُّب دفع الغرامات أو التعرُّض لعقوبات. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على متخصِّصي الموارد البشرية الانتباه إلى جميع الثغرات التي قد تمسُّ الامتثال للأنظمة لئلا تتضرَّر سمعة المؤسسة. من الأمثلة الشائعة على القوانين واللوائح التي تحكم العلاقة بين صاحب العمل والموظف (وهي خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية) ما يلي: قانون التمييز على أساس العمر في التوظيف (ADEA). قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة (ADA). قانون معايير العمل العادل (FLSA). قانون الإجازات العائلية والطبية (FMLA). القانون الوطني لعلاقات العمل (NLRA). قانون إخطار العمال بالتكيف وإعادة التدريب (WARN). قانون التمييز على أساس العمر يحمي **قانون التمييز على أساس العمر في التوظيف لعام **1967 الأفراد الذين يبلغون 40 عامًا أو أكثر من التمييز في العمل على أساس العمر، وتشمل هذه الحماية كلًّا من الموظفين والمتقدِّمين للعمل. ينصُّ هذا القانون أيضًا على أنَّه من غير القانوني التمييز على أساس العمر في الشروط التي تتعلَّق بعملية التوظيف، مثل: التعيين، والفصل، والترقية، وتسريح العمال، والتعويضات، والامتيازات، والمهام الوظيفية، والتدريب. قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة يمنع قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة لعام 1990 أصحاب العمل الخاص وحكومات الولايات والحكومات المحلية ووكالات التوظيف والنقابات العمالية من التمييز ضد الأفراد الأكفاء ذوي الإعاقة. يُعرّف هذا القانون الفرد ذا الإعاقة بأنَّه شخص: 1) يعاني من إعاقة عقلية أو جسدية تحدُّ من قدرته على تأدية نشاط واحد أو أكثر من الأنشطة الحياتية الرئيسية، 2) لديه سجل بهذه الإعاقة أو 3) يُوصف بأنَّه يعاني من هذه الإعاقة. يجب على صاحب العمل توفير مكان عمل يتناسب مع إعاقة المتقدِّم للعمل أو الموظف المؤهل إذا لم يؤدِّي ذلك إلى حدوث أية صعوبات لا داعي لها تؤثِّر على سير العمل. قانون معايير العمل يُحدِّد قانون معايير العمل العادل لعام 1938 الحد الأدنى للأجور، وأجر ساعات العمل الإضافية، وعملية حفظ السجلات، ومعايير توظيف الشباب التي تؤثِّر على العاملين بدوام كامل وبدوام جزئي في كلٍّ من القطاع الخاص والحكومات الفيدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية. تسري قواعد خاصة على عملية التوظيف التي تفرضها حكومات الولايات والحكومات المحلية وتتعلَّق بأنشطة إنفاذ القانون والحماية من الفصل من العمل، والخدمات التطوعية، والإجازات التعويضية التي تُمنح بدلًا من الأجور النقدية مقابل ساعات العمل الإضافية. قانون الإجازة العائلية والطبية يمنح قانون الإجازة العائلية والطبية لعام 1993 الموظفين المؤهلين الحق في الحصول على إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة تصل إلى 12 أسبوعًا خلال 12 شهرًا لأسباب عائلية وطبية معينة دون أن يفقد وظيفته. يُفرض هذا القانون على جميع الوكالات العامة، والتي تتضمَّن: أصحاب العمل على مستوى الولايات وعلى المستوى المحلي والمستوى الفيدرالي، ووكالات التعليم المحلية (المدارس)، وأصحاب العمل في القطاع الخاص الذين يُشغِّلون 50 أو أكثر من الموظفين الذين يعملون لمدة 20 ساعة أو أكثر أسبوعيًا خلال السنة التقويمية الحالية أو السابقة، بما في ذلك أصحاب العمل المشترك وأولئك الذين يخلُفون أصحاب العمل الذين يسري عليهم هذا القانون. القانون الوطني لعلاقات العمل يمنح القانون الوطني لعلاقات العمل لعام 1947 مجموعة من الحقوق للعديد من الموظفين الذين يعملون في القطاع الخاص، ومن هذه الحقوق: الحق في المشاركة في التنظيم والتفاوض مع صاحب العمل. يحمي هذا القانون الموظفين الذين يسري عليهم من أنواع معينة من سوء المعاملة التي يتعرَّضون لها من صاحب العمل والنقابة، ويحق لهم محاولة تشكيل نقابة في حالة عدم وجود أية نقابة داعمة لهم. قانون إخطار العمال بالتكيف وإعادة التدريب يسري قانون إخطار العمال بالتكيف وإعادة التدريب لعام 1988 على أصحاب العمل الذين لديهم 100 موظف أو أكثر، باستثناء الموظفين الذين عملوا أقل من ستة أشهر خلال الـ 12 شهرًا الماضية والذين يقل معدل ساعات عملهم عن 20 ساعة في الأسبوع. لا يسري هذا القانون على الهيئات الحكومية النظامية التي تقدِّم خدمات عامة، سواء على مستوى الولايات أم على المستوى المحلي أم على المستوى الفيدرالي. يحمي هذا القانون العمال وعائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية عن طريق مطالبة أصحاب العمل بتقديم إخطار للعمال قبل 60 يومًا من إغلاق المصانع أو إجراء عمليات تسريح جماعي. القوانين السابقة هي مجرّد أمثلة بسيطة على القوانين واللوائح والتشريعات الفيدرالية التنظيمية الرئيسية المتعلِّقة بإدارة الموارد البشرية في الولايات المتحدة الأمريكية. إذا كنت ترغب في معرفة المزيد من المعلومات عنها، يمكنك زيارة الموقع الإلكتروني لجمعية إدارة الموارد البشرية SHRM.org الذي يحتوي على مجموعة كبيرة من المصادر التي سيستفيد منها متخصِّصو الموارد البشرية إلى جانب الشركات التي يعملون لصالحها. من المفيد الاطلاع على تجارب الدول الأخرى في تنظيم المؤسسات ووضع القوانين التي تحكم عملها، ولكن من المهم أيضًا أن تضع الدول العربية القوانين واللوائح التي تنسجم مع بيئة عملها وثقافتها، وإحدى الدول العربية التي وضعت قانونًا شاملًا خاصًا بها هي الإمارات العربية المتحدة. لقد صدر قانون الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية في عام 2008 بناء على توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وأُجريت مجموعة من التعديلات عليه في عام 2011 وفي عام 2016، ويُركِّز هذا القانون على العنصر البشري باعتباره أصلًا استثماريًا يجب إدارته وتطويره بفعالية وكفاءة، ويفتح الآفاق لتحسين أداء العاملين ومراقبة مهاراتهم واستثمار طاقاتهم. يتناول هذا القانون كل ما يتعلَّق بإدارة الموارد البشرية من تخطيط وتعيين وتحديد الرواتب وإدارة الأداء والمكافآت والترقيات والتدريب والتطوير والإجازات وعلاقات العمل، بالإضافة إلى الصحة المهنية والمخالفات الوظيفية والتظلمات وسياسة إنهاء الخدمة وغيرها. يجب على فريق الموارد البشرية اتباع أفضل الاستراتيجيات والطرق لتبليغ الموظفين بالقوانين واللوائح التي ينبغي عليهم الامتثال لها ومحاسبتهم عليها، وذلك من أجل أن ينجحوا في إدارتها والرقابة عليها. تُعدُّ عمليات التعليم والتدريب والتوثيق والتدقيق من الممارسات الجوهريّة التي تساعد إدارة الموارد البشرية على تحقيق هدفها المهم والمتمثِّل في الحفاظ على امتثال الموارد البشرية للأنظمة التي تُطبِّقها المؤسسة، وسوف نوضِّح كلًّا من هذه الممارسات بشيء من التفصيل في الفقرات التالية. من المهم جدًّا أن يخضع متخصِّصو الموارد البشرية للتعليم والتدريب في مجالات الامتثال وقانون العمل من أجل ضمان التزام المؤسسة بجميع القوانين واللوائح المعمول بها في المنطقة، وينبغي أن يحرص المتخصّصون على المشاركة باستمرار في برامج التعليم والتدريب؛ لأنَّ القوانين والأنظمة قد تتغيَّر من سنة إلى أخرى. إنَّ متخصِّصي الموارد البشرية ليسوا الوحيدين الذين يجب عليهم الحصول على تدريبات؛ بل يتلقَّى مديرو العديد من المؤسسات تدريبًا بخصوص القوانين واللوائح الرئيسية؛ لكي يكتسبوا ذخيرةً معرفيّةً تُمكنِّهم من التعامل مع المواقف التي تحدث مع الموظفين والتعامل مع المخاطر المحتملة. ينبغي على قسم الموارد البشرية والإدارة التعاون حتى يكون هناك توافق بشأن القضايا المتعلِّقة بالامتثال -خاصةً عندما يمسّ الموقف الذي وقع فيه الموظف القوانين واللوائح التي يجب الامتثال لها. يبيِّن الجدول التالي مجموعة جزئية من قوانين العمل الفيدرالية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية والمنشورة على موقع جمعية إدارة الموارد البشرية. قوانين العمل الفيدرالية وفقًا لعدد الموظفين قانون إعفاء دافعي الضرائب الأمريكي لعام 2012 (American Taxpayer Relief Act) قانون حماية الائتمان الاستهلاكي لعام 1968 (Consumer Credit Protection Act) قانون حماية الموظفين من جهاز كشف الكذب لعام 1988 (Employee Polygraph Protection Act) قانون ضمان دخل التقاعد للموظفين لعام 1974 (Employee Retirement Income Security - ERSIA) قانون المساواة في الأجور لعام 1963 (Equal Pay Act) قانون المعاملات الائتمانية العادلة والدقيقة لعام 2003 (Fair and Accurate Credit Transaction Act - FACT) قانون الإبلاغ عن الائتمان العادل لعام 1969 (Fair Credit Reporting Act) قانون معايير العمل العادل لعام 1938 (Fair Labor Standards Act) قانون مساهمات التأمين الفيدرالي/ أو قانون الضمان الاجتماعي لعام 1935 (Federal Insurance Contributions Act - FICA) قانون قابلية التأمين الصحي والمساءلة لعام 1996 (Health Insurance Portability and Accountability Act - HIPPA) قانون إصلاح ومراقبة الهجرة لعام 1986 (Immigration Reform and Control Act) تسري هذه القوانين الفيدرالية على جميع العاملين في جميع المؤسسات في الولايات المتحدة. هناك عدة عوامل قد تؤثِّر في تحديد ما إذا كانت هذه القوانين تسري على صاحب العمل أم لا، مثل: ما إذا كان صاحب العمل تابع لجهة حكومية أو خاصة، وما إذا كان صاحب العمل يُقدِّم تأمينًا صحيًا، وما إذا كان صاحب عمل يُسنِد عملية إجراء فحص الخلفية الجنائية لجهة خارجية. table { width: 100%; } thead { vertical-align: middle; text-align: center; } td, th { border: 1px solid #dddddd; text-align: right; padding: 8px; text-align: inherit; } tr:nth-child(even) { background-color: #dddddd; } (المصدر: الموقع الإلكتروني لجمعية إدارة الموارد البشرية SHRM.org، حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) قد يكون توثيق القوانين واللوائح ووضعها في كتيب الموظفين من أهم الاستراتيجيات التي يمكن أن يتبّعها قسم الموارد البشرية للمؤسسة من أجل تقليل المخاطر المتعلِّقة بالامتثال. من المهم تحديث الكُتيب بانتظام، كما ينبغي أن يحمل داخل طيّاته تفصيلًا لسياسات المؤسسة وإجراءاتها وطريقة أداء الأعمال فيها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يُراجِع أحد المستشارين القانونيين مثل هذه الوثائق قبل توزيعها للتأكُّد من أنَّها محدَّثة ومناسبة للجهات المعنية. ينبغي أن تكون عمليات التدقيق والتحقُّق من امتثال الموارد البشرية للأنظمة والقوانين جزءًا من الاستراتيجية العامة للشركة من أجل تجنُّب المخاطر القانونية، إذ قد يؤدِّي عدم امتثال الشركة للأنظمة إلى تعرُّضها إلى مجموعة من المخاطر المتعلِّقة بوضعها المالي وسمعتها في السوق، لذلك من المهم أن تختبر عمليات التدقيق انضباط المؤسسة ومدى استعدادها للتصدِّي لمثل تلك المخاطر. عندما يُنفِّذ قسم الموارد البشرية عمليات التدقيق والممارسات الأخرى، فإنَّ ذلك يرفع القيمة الفعلية للمؤسسة. ترجمة -وبتصرف- للفصل Human Resource Management and Compliance من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: إدارة الأداء في عملية إدارة الموارد البشرية المقال السابق: مدخل إلى إدارة الموارد البشرية
  22. سنتابع سلسلة مقالاتنا عن مبادئ الإدارة في بابها الحادي عشر والذي سنُعرّض فيه على نقاط مهمّة وجوهريّة في عالم الإدارة المؤسساتيّة، وهي الموارد البشريّة، فالمؤسسات كما نعلم هي تجمهرٌ من الأفراد الذين اجتمعوا على هدفٍ واحد وضمّتهم مصالح مشتركة. في مقالاتنا القادمة سوف نتطرّق إلى تاريخ تطوّر علم إدارة الموارد البشرية عبر السنين وما هي أهميّة هذا العلم بالنسبة للمؤسسات في وقتنا الراهن، كما سنستعرض مفهوم امتثال الموارد البشريّة وفائدته للشركات، كما سنخوض أيضًا في عمليّة إدارة الأداء وكيف تؤثر ممارساتها على أداء الشركات، وسنتحدّث عن استراتيجيات المكافآت ودورها في تعزيز أداء الموظفين، وسنختتم هذا الباب بعمليّة استقطاب المواهب ودورها في بناء ميزة تنافسية للشركة، بالإضافة إلى ذكر فوائد عمليتي تنمية المواهب وتخطيط التعاقب الوظيفي. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } استكشاف المهن الإدارية إيفا هارتمان من شركة Trellis ذات المسؤولية المحدودة امتهنت إيفا هارتمان القيادة الاستراتيجية لمدة تصل إلى حوالي 20 عامًا، وكانت من المبدعين في هذا المجال ومن الذين يهتمون بتحقيق الإنجازات الكبيرة، وهي ذات خبرة كبيرة في استراتيجيات الموارد البشرية وتنمية المواهب وتطوير المهارات القيادية والفعالية التنظيمية، وقد عملت في مجموعة متنوعة من قطاعات الأعمال، من ضمنها: التصنيع، وتقديم الاستشارات للشركات المُدرجة في قائمة فورتشين 500، وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، تُعدُّ إيفا من وكلاء التغيير التحويلي (أو الجذري)، وقد طوّرت وأشرفت على العديد من برامج رأس المال البشري الإستراتيجي ومبادرات المواهب في الكثير من البيئات المحفوفة بالتحديات على مستوى العالم، ومن الواضح أنَّها تمتلك شغفًا تجاه تحسين أداء الأفراد والمؤسسات. بدأت إيفا حياتها المهنية في واحدة من أكبر شركات الاستشارات الإدارية حينذاك، وعادت منذ عدة سنوات إلى مجال تقديم الاستشارات عن طيب خاطر. تُعدُّ إيفا مؤسسة ورئيسة شركة Trellis المحدودة والمتخصِّصة في الاستشارات المتعلِّقة برأس المال البشري والتوظيف والموجودة في مدينة ريتشموند في ولاية فيرجينيا الأمريكية. كانت إيفا مديرة قسم الموارد البشرية في إحدى الشركات العالمية الكبيرة المتخصِّصة في تصنيع منتجات الأفلام البلاستيكية قبل تأسيسها لشركة Trellis، وكانت مسؤولة عن الاستراتيجيات والعمليات المتعلِّقة بالموارد البشرية في هذا القسم العالمي، الذي تبلغ قيمته 600 مليون دولار. لقد قادت إيفا أثناء عملها في هذه الوظيفة فريقًا عالميًا من مديري الموارد البشرية في أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وآسيا لدعم مبادرات الموارد البشرية العالمية من أجل تحقيق نتائج العمل وتنمية رأس المال البشري وتطوير الأداء داخل القسم. شغلت إيفا أيضًا مجموعة متنوعة من الوظائف القيادية والإدارية في مجالي الموارد البشرية ووظائف الجودة في العديد من الشركات المعروفة على المستوى المحلي والعالمي، ومن هذه الشركات: Wachovia Securities، وGenworth Financial، وSun Microsystems، وAndersen Consulting (التي أصبحت تُدعى Accenture في الوقت الحالي). حصلت إيفا على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من كلية ويليام وماري في مدينة ويليامزبرغ الأمريكية، وحصلت على درجة البكالوريوس في علم الإنسان من جامعة فيرجينيا في مدينة شارلوتسفيل الأمريكية. إيفا أيضًا عضو هيئة تدريس مساعد في كلية روبينز للأعمال في جامعة ريتشموند، وهي حاليًا عضو في مجلس إدارة جمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) في مدينة ريتشموند التي تقع في ولاية فيرجينيا الأمريكية. قطع مجال الموارد البشرية أشواطً طويلة خلال العقود القليلة الماضية، إذ غيَّر مديرو الشركات ومتخصِّصو الموارد البشرية -منذ الزمن الذي كانت تسوده الإدارة التكتيكية للموظفين وحتى عصرنا الحالي الذي تميل فيه الإدارة إلى أن تكون ذات توجُّهات استراتيجية- غيّروا نظرتهم تجاه وظيفة إدارة الموارد البشرية. تتنافس الشركات من أجل الحصول على المواهب، وما يميِّزها عن غيرها، فيما يتعلَّق بأداء أعمالها، هو ذخيرتها من الموظفين الموهوبين، لذلك أصبحت إدارة الموارد البشرية من الأساليب الأساسية التي يُمكن للشركات استخدامها من أجل العثور على المواهب وتوظيفها وتطويرها وتنميتها لكي يكون لدى هذه الشركات ميزة تنافسية. سنتطرّق في مقالاتنا التالية إلى الفوائد التي تجلبها إدارة الموارد البشرية للمؤسسة، بالإضافة إلى التحديات التي لا تزال تواجه هذه الوظيفة لكونها تساهم في تحديد ما ستكون عليه استراتيجية الشركة. مدخل إلى إدارة الموارد البشرية لقد خدمت إدارة الموارد البشرية العديد من الأغراض المؤسسية على مر السنين، وقد كانت هذه الوظيفة في بداية نشأتها تقوم على التأكُّد من امتثال الموظفين للأنظمة والتعليمات، ثمَّ توسَّعت وتطوَّرت إلى أن أصبحت في زمننا الحالي المحرِّك الأساسي لعمليات تنمية رأس المال البشري وتطوير الموظفين في المؤسسات. أشار مؤلفو كتاب «HR From the Outside In» الذي نُشر في عام 2012 إلى مراحل تطوُّر وظيفة الموارد البشرية ووصفوا هذه المراحل بالموجات، كما هو موضَّح فيما يلي: الموجة الأولى (HR administration): ركزَّت على الأعمال الإدارية التي كان يؤدِّيها موظفو الموارد البشرية والتي تتمثَّل في تحديد شروط وأحكام العمل وتقديم خدمات الموارد البشرية والتأكُّد من امتثال الموظفين للأنظمة. لا يزال هذا الجانب الإداري جزءًا من وظيفة الموارد البشرية في زمننا المعاصر، ولكنَّه أصبحت يُنفَّذ بواسطة التقنيات الحديثة والاستعانة بمصادر خارجية. إنَّ جودة خدمات الموارد البشرية ومصداقيتها في هذه المرحلة تنبع من القدرة على تنفيذ العمليات الإدارية وحل القضايا ذات الصلة بفعالية. الموجة الثانية (HR practices): ركزَّت على وضع ممارسات مبتكرة فيما يتعلَّق بالموارد البشرية، مثل: تعيين التعويضات وتعليم الموظفين وتدريبهم وتحديد أساليب التواصل، واستقطاب الكفاءات، وقد بدأ متخصِّصو الموارد البشرية المسؤولون عن وضع هذه الممارسات يتفاعلون، خلال السنوات القليلة الماضية، ويتشاركون مع بعضهم بعضًا من أجل بناء منهج متناسق لإدارة الموارد البشرية. تنبع مصداقية وظيفة الموارد البشرية وجودتها في هذه المرحلة من تقديم أفضل الممارسات والاستراتيجيات في هذا المجال. الموجة الثالثة (HR strategy): ركزَّت هذه المرحلة –التي امتدت حوالي 15-20 عامًاعلى التكامل بين استراتيجية الموارد البشرية والاستراتيجية العامة للشركة، وقد بدأ متخصِّصو الموارد البشرية يأخذون في الحسبان استراتيجية الشركة حتى يُحدِّدوا أهم مهام الموارد البشرية التي سيعملون على تنفيذها وكيفية استخدام الموارد على أفضل وجه، وأصبح هناك تعاون حقيقي بين قسم الموارد البشرية وإدارة الشركة. تقوم مصداقية وظيفة الموارد البشرية وجودتها في هذه المرحلة على أن يكون لقسم الموارد البشرية شأن في اتخاذ القرارات عندما تعقد الشركة المناقشات لتحديد الاستراتيجيات المناسبة. الموجة الرابعة (HR outside in): استمرّ في هذه المرحلة التعاون بين قسم الموارد البشرية وإدارة الشركة، ولكن أضحت المهام ذات طابع تنافسي على إثر الاستجابة لظروف العمل الخارجية، إذ يُحدِّد قسم الموارد البشرية عناصر النجاح من خلال النظر إلى عدة عوامل خارج مؤسساتهم، مثل: نسبة الزبائن الذين تعاملوا معهم، وثقة المستثمرين فيهم، وسمعتهم في المجتمع. تنبع مصداقية وظيفة الموارد البشرية وجودتها في هذه المرحلة من قدرتها على تعزيز هذه العوامل الخارجية. على الرغم من أهمية جميع مراحل تطوُّر وظيفة الموارد البشرية وضرورة تأديتها بفاعلية، إلَّا أنَّ المرحلة الرابعة هي الحجر الأساس، والتي تسهم في ازدهار هذه الوظيفة من خلال السمعة الخارجية للمؤسسة والنجاحات التي تحقِّقها. مراحل تطور وظيفة الموارد البشرية (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) امتلاك الروح الريادية: الاستعانة بجهات خارجية لأداء وظيفة الموارد البشرية – مشاريع ريادية وظيفة الموارد البشرية هي إحدى الوظائف المهمة في أي شركة، ولكن ليس بمقدور جميع الشركات تحمُّل التكاليف المصاحبة لتعيين موظفي موارد بشرية بدوام كامل، لذلك أصبحت الاستعانة بمصادر خارجية لأداء وظيفة الموارد البشرية خيارًا جيدًا خلال العقد الماضي بالنسبة للعديد من الشركات الصغيرة التي لا يمتلك موظفوها الحاليون الإمكانيات أو الخبرات اللازمة التي تؤهلهم لمواجهة المخاطر والقضايا المرتبطة بعلاقات الموظفين أو الامتيازات والرواتب أو مسؤوليات امتثال الموارد البشرية، الأمر الذي دفع العديد من متخصِّصي الموارد البشرية إلى تجربة الدخول إلى عالم ريادة الأعمال وتقديم خدمات إدارة الموارد البشرية للشركات التي تحتاجها في فتراتٍ معينة أو "بدوامٍ جزئيّ". غالبًا ما تتجه الشركات الصغيرة (والشركات الكبيرة أيضًا في كثير من الأحيان) إلى الاستعانة بجهات خارجية لأداء وظيفة الموارد البشرية من أجل تنظيم وتنفيذ بعض المهام داخل الشركة، مثل إدارة الامتيازات والرواتب؛ في الواقع أصبحت هذه الوظيفة تُوكل إلى جهات خارجية منذ سنوات عديدة؛ بل أصبح من التوجُّهات الحديثة السائدة ما يُدعى «وظيفة الموارد البشرية الجزئية»، والتي تهدف إلى تقديم المساعدة للشركات عند الحاجة (يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا) فيما يتعلَّق باستراتيجيات الموارد البشرية وعلاقات الموظفين وتنمية المواهب. أصبحت وظيفة الموارد البشرية الجزئية من الوظائف التي يزداد الطلب عليها، وغدت العديد من المشاريع الريادية تتجه إلى تقديم خدماتها في هذا المجال. يمكننا تعريف وظيفة الموارد البشرية الجزئية بأنَّها: تقديم خدمات الموارد البشرية لشركة بدوام جزئي أو على فترات متقطعة، وذلك عندما لا تكون الشركة قادرة على تحمُّل تكاليف تعيين موظفي موارد بشرية بدوام كامل، إذ يمكن لمن يشغل هذه الوظيفة الذهاب إلى مكان العمل لعدد محدَّد من الساعات أو الأيام أسبوعيًا أو شهريًا، وذلك بناءً على احتياجات الشركة وميزانيتها، ويتولَّى هؤلاء الموظفون خلال تلك الفترة الاهتمام بكل ما يتعلَّق بإدارة الموارد البشرية، مثل: الحرص على امتثال الموارد البشرية للأنظمة والتعليمات وتدريبهم ودعمهم والتعامل مع مشكلاتهم. بالإضافة إلى ذلك، قد يتولَّى موظف الموارد البشرية الذي يعمل بدوام جزئي عمليات إدارة المواهب في الشركات التي تهتمُّ بتطوير موظفيها والتي تحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد خدمات الموارد البشرية الأساسية، مثل عمليات إدارة الأداء وتخطيط التعاقب الوظيفي والتدريب والتطوير. كيف يُحدِّد مديرو الشركات ما إذا كانت هناك حاجة إلى الاستعانة بجهات خارجية لأداء وظيفة الموارد البشرية؟ في الواقع، هناك عاملان يدفعان المديرين إلى التفكير في تعيين موظفي موارد بشرية بدوام جزئي أو الاستعانة بجهات خارجية لأداء هذه الوظيفة، وهما: الوقت والمخاطر. إذا كان المدير يقضي الكثير من الوقت في التعامل مع القضايا المتعلِّقة بالموارد البشرية وعلاقات الموظفين، فقد يقرِّر أنَّه من الأفضل توكيل هذه المهام لجهات خارجية متخصِّصة في هذا المجال. إلى جانب ذلك، فإنَّ المخاطر التي تنطوي عليها بعض قضايا الموارد البشرية قد تكون كبيرة جدًا، مثل احتمالية التعرُّض لدعوى قضائية أو لخسارة مالية، ولذلك تندفع الشركات إلى الاستعانة بمتخصِّصي الموارد البشرية الذين يعملون بدوام جزئي من أجل ضمان سيرٍ سلس للعمل في إطار الموارد البشرية للشركة. لقد أحسن العديد من روَّاد الأعمال الذين يعملون في مجال إدارة الموارد البشرية استغلال هذا التوجُّه المهم، والذي يقول الكثيرون أنَّه من المحتمل جدًّا أن يستمر بالتزامن مع نمو الشركات الصغيرة ورغبة الشركات الكبيرة في توكيل الأعمال المرتبطة بإدارة الموارد البشرية إلى جهات خارجية. تُقدِّم بعض الشركات المتخصِّصة في إدارة الموارد البشرية خدماتها بدوام جزئي، بالإضافة إلى تقديمها لخدمات إدارة الرواتب والامتيازات والتعويضات وتقديم الدعم الفني لبرامج إدارة الموارد البشرية. غالبًا ما يؤدِّي الاستعانة بموظفي موارد بشرية بدوام جزئي إلى بروز الحاجة إلى خدمات الموارد البشرية الأخرى والبرامج ذات الصلة، والتي عادة ما توفِّرها أيضًا تلك الشركات المتخصِّصة في إدارة الموارد البشرية. تجدر الإشارة إلى أنَّ تقديم خدمات الموارد البشرية بدوام جزئي أو على فترات متقطعة للشركات التي تحتاجها قد يكون عملًا تجاريًا مُجديًا ومُربحًا، سواء كنت تقدِّم هذه الخدمات لوحدك أم كنت جزءًا من شركة صغيرة مكوَّنة من عدد من متخصِّصي الموارد البشرية والاستشاريين. قد يجعلك ذلك أيضًا تشعر بالرضا عن ذاتك، وذلك عندما تعلم أنَّ المتخصِّص في الموارد البشرية يساعد الشركات الصغيرة على النمو والازدهار من خلال حرصه على امتثال الموارد البشرية للأنظمة وتأديته المهام اللازمة التي تُسهم في تطوير موظفي تلك الشركات. تستفيد المؤسسة استفادة كبيرة من الموظفين المتخصِّصين في إدارة الموارد البشرية الذين يُديرون جميع مراحل دورة حياة الموظف، والتي تشتمل على: عملية التوظيف، وتهيئة الموظفين الجدد، وإدارة الأداء، وتنمية المواهب، وإدارة التنقُّلات الوظيفية مثل تغيير الوظيفة والترقيات، والتقاعد أو الاستقالة. إنَّ رأس المال البشري يُمثِّل ميزة تنافسية مهمة بالنسبة للشركات، لذلك سوف تتمكَّن الشركات التي تُحسن الاستعانة بموظفي الموارد البشرية الأكفاء من وضع الاستراتيجية المناسبة التي تتعلَّق برأس المال البشري وسوف تحصد أفضل النتائج. تتضمَّن وظيفة إدارة الموارد البشرية الاهتمام بشؤون الموظفين والحرص على تنفيذ العمليات الأساسية التالية: الحرص على امتثال الموارد البشرية للأنظمة. اختيار الموظفين المناسبين وتوظيفهم وتدريبهم وتهيئتهم للعمل. إدارة الأداء. إدارة التعويضات والمكافآت والامتيازات. تنمية المواهب والتخطيط للتعاقب الوظيفي. إنَّ قسم الموارد البشرية هو المسؤول عن وضع الاستراتيجيات والسياسات المتعلِّقة بالعمليات المذكورة أعلاه والتأكُّد من أنها تتوافق مع الاستراتيجية العامة للمؤسسة وتنسجم معها، وإنَّ لكل عملية من العمليات السابقة دورًا أساسيًا في تحقيق النفع للمؤسسة والتأثير على المزايا التي سوف تُوفِّرها للموظفين الذين سينضمون إليها. ترجمة -وبتصرف- للفصل An Introduction to Human Resource Management من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: مفهوم امتثال الموارد البشرية المقال السابق: نماذج التغيير الشائعة في المؤسسات
  23. سوف نتناول في هذا المقال أربعة نماذج شائعة للتطوير والتغيير التنظيمي. النموذجان الأولان هما نموذج لوين ونموذج كوتر اللذان يُعدَّان من النماذج الشائعة للتغيير المخطَّط له ويعتمدان غالبًا على آليات التنظيم الرسمي. أمَّا النموذجان الآخران هما نموذج التحري التقييمي الذي وضعه ديفيد كوبيريدر ونموذج الأنظمة التكيُّفية المعقَّدة الذي وضعه إدوين أولسون وغليندا إويانغ، ويدعم كلٌّ من هذين النموذجين التنظيم غير الرسمي والتغيير الطارئ. نموذج لوين للتغيير اقترح عالم النفس كورت لوين أحد أوائل نماذج التغيير وقد سُمِّي هذا النموذج باسمه. يُبيِّن نموذج لوين للتغيير أنَّ التغيير التنظيمي يتألَّف من ثلاث مراحل (انظر الشكل التالي). ملخَّص نموذج لوين للتغيير (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) المرحلة الأولى هي مرحلة إذابة الجليد، إذ يجب إخراج المؤسسة من حالة الاستقرار من خلال عرقلة القواعد والإجراءات والممارسات الحالية، ويمكن تحقيق ذلك بواسطة عدة طرق. على سبيل المثال، يمكن إجراء تغييرات على الهياكل التنظيمية، الأمر الذي يُسبِّب اضطرابًا في النظام الحالي للمؤسسة. وعلى نحوٍ مماثل، يمكن أن يؤدِّي استخدام تقنية حديثة أو تبنِّي سياسة جديدة إلى "إذابة جليد" المؤسسة. عمومًا، أيًّا كانت الطريقة المستخدمة في ذلك، فإنَّ هذه المرحلة تُمهِّد الطريق لإحداث التغيير المنشود. المرحلة الثانية هي مرحلة إحداث التغييرات داخل المؤسسة ليصبح نظامها في وضعٍ جديد. عادةً ما يكون رد فعل الناس تجاه انعدام النظام والاضطرابات هو الانتقال إلى حالة جديدة من النظام. قد يتخذ المديرون أثناء عملية التغيير عددًا من الإجراءات لمساعدة أفراد المؤسسة على التكيُّف مع القواعد والأوضاع الجديدة، مثل أن يطلبوا من الموظفين الخضوع لبرنامج تدريبي، أو أن يعقدوا جلسات مناقشة أو اجتماعات مفتوحة للحديث معهم بشأن التغييرات واستكشاف المشكلات ومحاولة إصلاحها. إنَّ الغرض من هذه المرحلة هو مساعدة أفراد المؤسسة على التكيُّف مع التغييرات المرتقبة. المرحلة الأخيرة هي مرحلة "إعادة التجميد" للمؤسسة؛ ويُقصد بذلك أنَّ مديري المؤسسة سوف يُعزِّزون القواعد أو الممارسات الجديدة التي ينبغي أن تصاحب التغيير، وقد يُجرون في هذه المرحلة بعض التعديلات على الموارد والسياسات والإجراءات الروتينية لكي تتوافق مع القواعد الجديدة. إنَّ نموذج لوين يوضِّح عملية أساسية جدًّا تُرافق معظم التغييرات التنظيمية، إذ إنَّ الكثير من الناس يفضِّلون أن تكون المؤسسة مستقرَّة ويمكن التنبؤ بما سيحدث فيها، ويعتادون على الروتين الموجود بداخل بيئة العمل، ولذلك ينبغي عرقلة الإجراءات والممارسات الحالية داخل المؤسسة (عبر وضع أُسس عمل جديدة) بهدف جعلها غير فعّالة. عندما تصبح الإجراءات والممارسات السابقة غير فعَّالة، يعمل الناس على التكيُّف مع الوضع الجديد تلقائيًا، ويحدِّدون مجموعة من الإجراءات والأنماط السلوكية الجديدة التي تناسب الوضع المُستجد في الشركة. على الرغم من بساطة نموذج لوين، إلّا أنَّه يكون معقولًا إذا افترضنا أنَّ المؤسسة تكون مستقرَّة في معظم الأحيان ما لم تُتخذ إجراءات لتغيير حالة الاستقرار، وذلك يعني أنَّ هذا النموذج يبدو مناسبًا للمؤسسات التي يُمكن أن يستمر فيها التغيير المنشود لفترة طويلة، ولكنَّ الواقع يشير إلى نُدرة وجود حالة استقرار طويلة المدى في مجتمعاتنا المعاصرة. في الحقيقة إنَّ نموذج لوين يُعبِّر عن قالب أساسي للتغيير يحدث في أنظمة المؤسسات المختلفة، إذ يشير إلى أنَّ حالة الاستقرار قد تُمهِّد الطريق لحالة عدم الاستقرار عندما يطرأ تغيير معين على النظام، ومن ثمّ ينشأ الاستقرار مرة أخرى، وهكذا. يمكن استعمال هذا النموذج للتغيير سواء عند الرغبة في إصلاح نقاط ضعف المؤسسة أو في تعزيز نقاط قوتها، ويمكن تطبيقه أيضًا عند إجراء عملية التغيير من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى. نموذج كوتر للتغيير يُعدُّ نموذج كوتر للتغيير من النماذج الأكثر استخدامًا في العديد من المؤسسات في وقتنا الحالي، وهو يتوافق عمومًا مع الهياكل التنظيمية الميكانيكية، ولذلك قد يكون مناسبًا للمؤسسات ذات الهياكل الهرمية الثابتة. يتألَّف هذا النموذج من ثماني خطوات -موضَّحة في الشكل التالي- وهو يعتمد على المركزية في اتخاذ القرارات والإجراءات التي تنتقل من أعلى إلى أسفل عبر المؤسسة لإحداث تغيير مُخطَّط له. ملخَّص نموذج كوتر للتغيير (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) الخطوة الأولى هي خلق شعور بضرورة التغيير، ويفعل المديرون ذلك عن طريق الحديث عن أسباب ضرورة التغيير، وغالبًا ما يستخدم كبار المديرين بعض الأدوات التشخيصية لجمع البيانات التي تدعم فكرة إجراء عملية التغيير، ويعملون جاهدين على إقناع القادة والموظفين المؤثِّرين داخل المؤسسة بالأهمية القصوى للتغيير. يمكننا القول بأنَّهم يحاولون "تأسيس بيئة عمل مشتعلة" أو توضيح أنَّ المؤسسة لن تتمكَّن من البقاء والاستمرار إذا واصلت أداء أعمالها بالطريقة الحالية. الخطوة الثانية هي تشكيل مجموعة قيادية مؤثِّرة، إذ ينشئ المديرون مجموعة من الأشخاص ذوي النفوذ لمساعدتهم في تحديد معالم التغيير المخطَّط له. ينبغي أن يُمثِّل أفراد المجموعة القيادية وحدات المؤسسة التي سوف تتأثَّر بالتغيير، وينبغي أن يصبحوا بمثابة سفراء للتغيير أثناء تنفيذ عملية التغيير. الخطوة الثالثة هي صياغة رؤية للتغيير، إذ يعمل المدير مع المجموعة القيادية على وضع رؤية للتغيير المنشود، ويحدِّدون نطاق التغيير ودوافع التغيير والتحسينات أو النتائج التي سيُفضي إليها. الخطوة الرابعة هي نشر الرؤيةعبر المؤسسة؛ أي التواصل مع جميع أعضاء المؤسسة وإخبارهم برؤية التغيير التي حُدِّدت في المرحلة السابقة. ينبغي على المدير والمجموعة القيادية في هذه المرحلة أن يتواصلوا مع جميع الوحدات الرئيسية في المؤسسة التي سوف تتأثَّر بعملية التغيير، وأن يُوضِّحوا الأسباب التي تدعو إلى التغيير والآلية التي سوف يُنفّذ التغيير عبرها. ينبغي عليهم أيضًا الإجابة عن الاستفسارات وتوضيح المشكلات التي قد تحدث إذا لزم الأمر. الخطوة الخامسة هي إزالة العوائق، والهدف منها هو تقليل مقاومة التغيير وتوفير الموارد اللازمة والظروف الملائمة لإنجاح عملية التغيير. إنَّ النجاح في هذه المرحلة يُمهِّد الطريق لتنفيذ التغيير المنشود على النحو المطلوب. الخطوة السادسة هي تحقيق نجاحات صغيرة. لا شكَّ أنَّ مساعدة أفراد المؤسسة على رؤية طريق النجاح هو من الطرق المؤثِّرة جدًا لتشجيعهم على دعم التغييرات، إذ إنَّ النجاحات الصغيرة هي بمثابة مؤشرات على أنَّ التغيير ذو جدوى وأنَّ المنافع الكُبرى ستتحقَّق عندما يكتمل تنفيذ عملية التغيير. الخطوة السابعة هي تعزيز النجاحات. تتراكم التغييرات الصغيرة مع مرور الوقت وتصبح تغييرات كبيرة، ومن المهم تعزيز النجاحات التي تُحقِّقها المؤسسة أثناء تنفيذها لعملية التغيير، لذلك ينبغي على المديرين دعم النجاحات والإنجازات الصغيرة والاحتفاء بها. تساهم النجاحات الناتجة عن تنفيذ عملية التغيير في إقناع جميع أعضاء المؤسسة بأنَّ التغيير ذو جدوى وأنَّه سوف يُحقِّق الفوائد المرجوة منه لجميع الأطراف في المؤسسة. الخطوة الأخيرة هي تثبيت التغييرات. يجري العمل في هذه الخطوة على تعميم القواعد والممارسات الجديدة المصاحبة للتغيير وتنقيحها، ويصبح التغيير تغييرًا تدريجيًّا بعد أن كان تغييرًا تحويليًّا. الهدف من هذه الخطوة هو تحسين عملية التغيير من أجل زيادة فاعليتها وتحقيق جميع الفوائد المرجوة. يُعدُّ نموذج كوتر فعَّالًا في الحالات التي يمكن فيها التنبؤ بنتائج التغيير المنشود والتي يكون فيها القادة قادرين على دفع التغيير إلى أسفل عبر المؤسسة. من التحديات التي قد تعترض تنفيذ هذا النموذج هو أنَّ العديد من الموظفين قد يقاومون عملية التغيير إذا لم يساهموا في صياغة خطط التغيير، ويحدث ذلك بالفعل إذا لم يدرك أولئك الموظفين تمامًا مدى ضرورة التغيير أو الرؤية التي وُضعت من أجل تنفيذه. في الواقع، غالبًا ما يُستخدم هذا النموذج عندما يرى المديرون والقادة أنَّ المؤسسة بحاجة إلى عملية تغيير من أجل إصلاح نقاط الضعف فيها وعندما يفضِّلون عمومًأ اتباع أسلوب التغيير من أعلى إلى أسفل ويحملون العقلية التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ نموذج كوتر للتغيير قد يكون ذا فاعلية كبيرة عندما يكون المديرون والقادة بحاجة إلى تحديد خطوات التغيير المنشود بوضوح وتنفيذه على نطاق واسع. يوازن الشكل التالي بين مراحل كلٍّ من نموذج لوين ونموذج كوتر. مقارنة بين نموذج لوين ونموذج كوتر (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) التحري التقييمي يُعدُّ نموذج التحري التقييمي (Appreciative Inquiry) أحد نماذج التغيير، وهو يعتمد على تعزيز نقاط القوة وتنتقل التغييرات والإجراءات خلاله من أسفل إلى أعلى ويستند إلى العقلية الإيجابية. يمكننا أن نعرِّف التحري التقييمي بأنَّه أسلوب للتغيير يركِّز على طرح الأسئلة ويتيح مشاركة الجميع ويجعل الأفراد يُقدِّرون مؤسساتهم وكل من يعمل بداخلها. يقترح هذا النموذج أنَّ عملية طرح الأسئلة والاستفسارات ومناقشتها تجعل الناس يُقدِّرون من حولهم ويُسلِّطون الضوء على نقاط القوة في المؤسسة التي يعملون فيها وعلى الفرص المتاحة أمامهم. بالإضافة إلى ذلك، تساهم المناقشات والمحادثات التي تجري داخل المؤسسة في زيادة التفاعلات الاجتماعية فيها وفي تحسين قدرة الأفراد على العمل معًا بفاعلية. طُوِّر نموذج التحري التقييمي في الثمانينيات من القرن العشرين على يد الأستاذ ديفيد كوبيريدر في جامعة كيس ويسترن ريزيرف، ويفترض هذا النموذج أنَّ الأفراد يُشكِّلون مؤسساتهم من خلال التفاعلات التي تنشأ نتيجةً للمحادثات المنتشرة داخل المؤسسة. إنَّ التفسيرات ووجهات النظر السائدة المتعلِّقة بطبيعة ما يجري حول الأفراد داخل المؤسسة هي ما يحدِّد شكل تلك المحادثات. على سبيل المثال، قد تكون وجهات النظر السائدة هي أنَّ قادة المؤسسة فاسدون ويهدفون إلى استغلال الموظفين، أو أنَّهم -على النقيض من ذلك- متعاطفون وطموحون ومبتكرون. أيًّا كانت وجهات النظر تلك، فلا شكَّ أنَّ الموظفين يميلون إلى تبرير التصرُّفات التي تتوافق مع آرائهم. تجدر الإشارة إلى أنَّ التفسيرات ووجهات النظر السائدة قد تصبح واقعًا محقَّقًا مع مرور الوقت. إذا أدركنا هذه الحقيقة وفهمنا كيف تتأثَّر المؤسسات بالتفاعلات الاجتماعية، فإنَّنا سنعلم أنَّ المفتاح الأساسي لإحداث التغيير هو تغيير التفسيرات ووجهات النظر السائدة بين الأفراد داخل المؤسسة. في نموذج التحري التقييمي، يُعدُّ الحوار الجماعي هو الآلية الأساسية التي تساهم في تشكيل التفسيرات ووجهات النظر الجديدة لدى الأفراد. يُعدُّ مصطلح المحادثات التقديرية (appreciative conversations) من المصطلحات المرتبطة بهذا النموذج، ويشير إلى المناقشات ذات التأثير الإيجابي التي تساعد الأشخاص على إيجاد أمور مشتركة بينهم أثناء تعاونهم معًا على صياغة رؤية إيجابية لمستقبل مثالي للمؤسسة التي يعملون فيها. عندما يستخدم المديرون والقادة التحري التقييمي، فإنَّهم يدعون أفراد المؤسسة إلى إقامة حوار مفتوح تكون نتيجته تكوين وجهات نظر إيجابية بخصوص واقع المؤسسة وطبيعة ما يجري فيها. هذا التحوُّل في وجهات النظر سيؤدِّي إلى تغيُّر الأعمال اليومية التي يباشرها الموظفون. على الرغم من أنَّ هذا النموذج قد يبدو ذا نزعة مثالية وصعب التطبيق إلى حدٍّ ما، إلَّا أنَّه ببساطة يتيح للموظفين أن يتصوَّروا التغييرات المستقبلية التي يرغبون في تحقيقها، ويمنحهم فرصة العمل معًا على التخطيط لتحويل هذه التغييرات إلى واقع. لقد طوَّر استشاريو التطوير التنظيمي طرق مختلفة لتطبيق نموذج التحري التقييمي والتي تناسب ظروف تنظيمية مختلفة، ولكن معظمهم يعتمدون على طريقة تُسمَّى «دورة 5-D» التي تتكوَّن من خمس مراحل هي: التحديد (define)، والاكتشاف (discover)، والحلم (dream)، والتصميم (design)، والمصير (destiny). المرحلة الأولى هي مرحلة التحديد. يعمل المديرون والقادة في هذه المرحلة على تحديد الهدف من التغيير، ويشكِّلون مجموعة إرشادية يُطلق عليها غالبًا اللجنة التوجيهية (steering committee). ينبغي أن تتضمَّن هذه المجموعة أفرادًا ذوي وجهات نظر متنوعة وأن يُمثِّلوا الوحدات المختلفة في المؤسسة التي بحاجة إلى التغيير. سيتفق المديرون مع هذه المجموعة على صياغة الهدف بأسلوب يدفع أفراد المؤسسة إلى التفكير في ما تستطيع المؤسسة القيام به وفي المستقبل المشرق الذي يمكن أن يتحقَّق، إذ قد يقلبون في هذه العملية المشكلات رأسًا على عقب من أجل الخروج بتفسيرات ووجهات نظر جديدة عنها. على سبيل المثال، حوَّلت الخطوط الجوية البريطانية إحدى المشكلات في قسم استلام الحقائب إلى فرصة لاستكشاف كيف يُمكن تقديم خدمة ممتازة للزبائن، وحوَّلت شركة آفون مشكلة التحرُّش التي واجهتها إلى فرصة لاستكشاف كيف يُمكن زيادة اندماج الموظفين في أعمالهم. لقد استطاعت كلّ من هاتين الشركتين من خلال تعديل طريقة النظر إلى المشكلات تصميم عملية التطوير التنظيمي على نحوٍ لم يساهم في معالجة المشكلة الأصلية فحسب؛ بل ساهم أيضًا في تكوين رؤية واضحة للبديل الإيجابي المرغوب فيه. المرحلة الثانية هي مرحلة الاكتشاف. تُركِّز هذه المرحلة على طرح الأسئلة التي تهدف إلى استكشاف نقاط القوة الحالية للمؤسسة ونماذج النجاح القائمة فيها والتي يُمكن استغلالها لرسم صورة المستقبل المنشود. غالبًا ما يُطرح السؤال «ما هو أفضل ما لدينا؟» من أجل دفع عجلة عملية الاستكشاف من خلال الحوار بين الموظفين. على سبيل المثال، طلبت الخطوط الجوية البريطانية من موظفيها ذكر بعض الأمثلة على خدمة زبائن ممتازة متوفِّرة بداخلها، واستطاعوا من خلال ذلك تكوين صورة عن الخدمة المثالية على الرغم من أنَّ معظم وجهات النظر دلَّت على أنَّ هذه المؤسسة كانت تواجه تحديات في مجال خدمة الزبائن. إنَّ العثور على نماذج نجاح قائمة يُمكن تطبيقها مستقبلًا -بغض النظر عن مدى صغرها- يُشعر أفراد المؤسسة بإمكانية وجود بديل إيجابي، وتوفِّر هذه النماذج أيضًا معلومات عن نقاط القوة الموجودة في المؤسسة والعوامل التي تساهم في تحقيق النجاح. المرحلة الثالثة هي مرحلة الحلم. يتخيَّل أفراد المؤسسة في هذه المرحلة كيف يُمكن أن يكون شكل المستقبل المشرق للمؤسسة. تُشكِّل نقاط القوة وعوامل النجاح التي اكتُشفت في المرحلة السابقة أساسًا لرسم صورة ذلك المستقبل المشرق، ويُشجَّع الموظفون في هذه المرحلة على التفكير الإبداعي بشأن ما يمكن أن تحقِّقه المؤسسة إذا استغلَّت نقاط قوتها. السؤال الشائع الذي يُمكن طرحه لتشجيعهم على ذلك هو «كيف يمكن أن يكون الوضع في المستقبل؟». لقد استخدمت العديد من المؤسسات طرق إبداعية لحثّ الموظفين على توليد أفكار مبتكرة حول المستقبل المنشود. على سبيل المثال، قد يُطلب من الموظفين العمل في مجموعات من أجل تصميم نماذج أولية لعملية ما، أو كتابة مقال صحفي وهمي عن نجاح مشروع مستقبلي. الهدف من مرحلة الحلم هو تشجيع الموظفين على التفكير مليًّا فيما يتعلَّق بالاحتمالات الممكنة للتغيير -عادةً بطريقة ممتعة ومحفِّزة. المرحلة الرابعة هي مرحلة التصميم. تبدأ هذه المرحلة بتحديد الأفكار المهمة التي طُرحت في مرحلة الحلم. قد يعمل الموظفون معًا على وضع قائمة بجميع الأنشطة والإجراءات المحتملة التي قد تساعدهم على تحقيق الهدف، ثمَّ يتشارك الجميع في تحديد الأفكار الواعدة، وغالبًا ما يضيف كبار المديرين والقادة صوتهم لتأييد الأفكار التي يرغبون في أن تتحوَّل إلى مبادرات عمل على أرض الواقع. قد يُطلب من الموظفين الانضمام إلى فرق العمل التي ستُنفِّذ عددًا من الأنشطة من أجل تخطيط الإجراءات الرئيسية وتنفيذها. المرحلة الأخيرة هي مرحلة المصير. تحدث هذه المرحلة بعد أن يبدأ الموظفون في تنفيذ الخطط التي وُضعت. سوف تواصل فرق العمل تنفيذ الخطوات والإجراءات المتفق عليها لفترة من الزمن، وسوف تجتمع مع فرق أخرى من الموظفين للحديث عن سير العمل والإبلاغ عن التقدم المُحرز وتعديل الخطط. ستقيم بعض المؤسسات أيضًا احتفالات من أجل الاحتفاء بالنجاحات المهمة. قد تصبح خطوات التحري التقييمي جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المؤسسة؛ إذ قد تُنفِّذ بعض المؤسسات هذه الخطوات سنويًا كجزء أساسي من التخطيط الاستراتيجي، ولكن قد تُنفِّذها المؤسسات الأخرى فقط عند الحاجة أو عند الرغبة في إحداث تغييرات جذرية. على الرغم من أنَّ الأمثلة الواردة في هذا المقال توضِّح طريقة استخدام نموذج التحري التقييمي في إجراء تغيير في المؤسسة ككل، إلَّا أنَّه يمكن تطبيقه على مستوى الأفراد والمجموعات في المؤسسة أيضًا. الأنظمة التكيفية المعقدة يفترض نموذج التغيير الأخير الذي سنتناوله في هذا المقال أنَّ جميع المؤسسات هي أنظمة تكيفية معقَّدة (complex adaptive systems)، والمقصود بذلك هو أنَّ المؤسسة تتطوَّر وتتكيَّف مع بيئة عملها باستمرار مثلها مثل الكائنات الحية. يُركِّز هذا النموذج على أسلوب التغيير الطارئ (من أسفل إلى أعلى)، ويعتمد على قدرة الأفراد على التنظيم الذاتي والتكيُّف مع ظروفهم المحلية. سنتطرق فيما يلي إلى بعض الأمثلة التي تعتمد على نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة والتي تساعد على فهم هذا النموذج قبل الخوض في تفاصيله. تُعدُّ اجتماعات الفضاء المفتوح (Open Space Technology) من الأساليب الشائعة التي تستند إلى نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة، وهي أسلوب يمكن أن يُشارك فيه عشرات الأشخاص. لتوضيح هذا الأسلوب سنفترض أنَّنا نريد إنشاء مجموعة من الابتكارات لتحسين ثقافة الابتكار والإبداع في المؤسسة. الخطوة الأولى لتحقيق ذلك هي دعوة أكبر عدد ممكن من أصحاب المصلحة المهتمين للمشاركة في مناقشة مواضيع مختلفة فيما يتعلَّق بثقافة الابتكار، ويمكن أن تستغرق هذه الخطوة يومين. قد يُرحِّب أحد قادة المؤسسة بالمشاركين في بداية الجلسة الأولى ويدعوهم للمساهمة في طرح وإيجاد الأفكار والحلول. يُعطي المُيسِّر (facilitator) بعد ذلك ورقة واحدة وقلمًا لكل مشارك، ومن ثمَّ يطلب من كل شخص أن يقترح موضوعًا أو سؤالًا للمناقشة، ويوضِّح أنَّ الغرض من هذا النشاط هو حث الأشخاص الآخرين على الانضمام إلى المناقشة. يتجوَّل المُيسِّر داخل الغرفة بعد ذلك ويمنح كل شخص حوالي 30 ثانية لاقتراح موضوع أو سؤال ووصف أهمية الفكرة وضرورتها، ويستمر في ذلك إلى أن يصبح هناك مجموعة متنوعة من المواضيع المطروحة للنقاش، ثمَّ يعمل مع المشاركين على تحديد قائمة الموضوعات المراد مناقشتها. يُحدِّد الميسِّر بعد ذلك الأوقات والأماكن التي ستجري فيها المناقشات بشأن تلك الموضوعات. أخيرًا، يتوجَّه المشاركون إلى مجموعات النقاش التي يرغبون في الانضمام إليها. غالبًا ما تتضمَّن المناقشات في اجتماعات الفضاء المفتوح عددًا من الأنشطة للتفكير في الأسئلة الرئيسية المطروحة واقتراح حلول لها. يتّضح من هذا المثال أنَّ هذا النموذج مشابه للتحري التقييمي لأنَّه يُركِّز على حث الأشخاص على التنظيم الذاتي بأساليب تنسجم مع الأهداف العامة للمؤسسة. على الرغم من ذلك، هناك اختلاف كبير بين النموذجين وهو أنَّ اجتماعات الفضاء المفتوح لا تعتمد كثيرًا على اتباع خطوات محدَّدة لإحداث التغيير؛ بل تعتمد أكثر على مجموعة من المبادئ التي يمكن تطبيقها بطرق متنوعة بُغية تهيئة الظروف التي تتيح حدوث التغيير في المؤسسة. يفسِّر نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة كيف يُمكن أن تتطوَّر الهياكل التنظيمية العضوية من خلال التفاعلات غير الرسمية التي تحدث داخل المؤسسة، لذلك فإنَّ الإلمام بهذا النموذج يزوِّد المديرين والقادة بالمعرفة الأساسية التي تساعدهم على التأثير في مسار التفاعلات غير الرسمية، حتى لو لم يكن بإمكانهم التحكُّم بها بشكل مباشر. ينبغي على من يرغب في استخدام نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة أن يفهم بعض النقاط الأساسية المتعلِّقة بكيفية حدوث التنظيم الذاتي في أوساط الموظفين. أولًا، يكون اتجاه التغيير في المؤسسة من أسفل إلى أعلى ويتطلَّب مشاركة العديد من الأشخاص، ولكن عندما يتفاعل هؤلاء مع التغيير، قد تكون سلوكياتهم الدقيقة غير معروفة ولا يمكن التنبؤ بها أو السيطرة عليها. غالبًا ما تستند طريقة استجابة أفراد المؤسسة للتغيير إلى تصوُّرات الأفراد الذين يقعون ضمن دائرة علاقاتهم المباشرة داخل المؤسسة، إذ إنَّ كل شخص في المؤسسة يؤثِّر على الآخرين ويتأثَّر بهم، لذلك يجب أن يطال التغيير العلاقات التي تربط أفراد المؤسسة ببعضهم. يشير نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة إلى أنَّ التغيُّر الذي يطرأ على طبيعة أو أنماط العلاقات الشخصية داخل المؤسسة سيؤدِّي إلى حدوث تغييرات في نتائجها، لذلك ينبغي على المديرين والقادة أن يتيحوا لأفراد المؤسسة المجال لتكوين العلاقات فيما بينهم وأن يدعموا الموظفين الذين يبادرون دائمًا من تلقاء أنفسهم بالعمل على إحداث التغييرات اللازمة. ولكن كيف يستطيع المديرون والقادة التأثير على طريقة حدوث التنظيم الذاتي داخل المؤسسة؟ في الواقع، ينبغي على المبتدئين منهم الانتباه إلى الظروف الرئيسية التي تسمح بحدوث التنظيم الذاتي غير الرسمي، وهناك ثلاثة أسئلة أساسية ينبغي عليهم أخذها بالحسبان. السؤال الأول هو: إلى أي درجة يشعر الأفراد بأنَّهم مخوَّلون للعمل على أنهم وكلاء للتغيير في المؤسسة؟ ينشأ التنظيم الذاتي من الأفراد الذين تتشكَّل من مجموعهم المؤسسة، وإذا عدَّ هؤلاء أنفسهم وكلاءً للتغيير وشعروا بأنَّ لهم حرية التصرُّف، فعلى الأغلب أنَّهم سوف يأخذون زمام المبادرة وينخرطون في أنشطة غير موجَّهة تعود بالنفع على المؤسسة. إذا كانت الإجابة عن هذا السؤال هي "لا يوجد هذا الشعور والدافع الذاتي لدى أفراد المؤسسة"، فينبغي التدخُّل لمساعدة الناس على إدراك قدراتهم ومهاراتهم. السؤال الثاني هو: ما درجة ارتباط أفراد المؤسسة ببعضهم بعضًا؟ إنَّ العلاقات هي الركائز الأساسية لجميع الأنشطة غير الرسمية في المؤسسة، وكلَّما زاد ارتباط أفراد المؤسسة ببعضهم، زادت احتمالية أن يتعاونوا مع الآخرين على تنفيذ أنشطة ومبادرات ذاتية. هل يشعر أفراد المؤسسة بأنَّ علاقاتهم جيِّدة مع زملائهم في العمل؟ هل يتواصلون عادةً مع الآخرين حتى لو لم يكونوا يعرفونهم جيدًا؟ إذا كانت الإجابات عن هذه الأسئلة هي "لا"، فينبغي التدخُّل لتحسين جودة عمليات التواصل داخل المؤسسة. السؤال الثالث هو: ما درجة تدفق المعلومات والطاقة الإيجابية من خلال عمليات التواصل التي تجري بين أفراد المؤسسة؟ تُعدُّ التغذية الراجعة، سواءً التي تُقدَّم بطريقة رسمية أم بطريقة غير رسمية، من الآليات التي يستطيع أفراد المؤسسة من خلالها معرفة مستوى تقدُّمهم في العمل. هل يحصل الأفراد على المعلومات المتعلِّقة بالإخفاقات أو النجاحات التي تحدث داخل المؤسسة بسرعة؟ هل المشاعر السائدة داخل المؤسسة تمدُّ الأفراد بالطاقة الإيجابية التي تدفعهم إلى الاندماج في العمل؟ إذا كانت الإجابات عن هذه الأسئلة هي "لا"، فينبغي العمل على تنفيذ مبادرات تزيد من فاعلية عمليات التواصل بين أفراد المؤسسة. بالإضافة إلى الشروط الأساسية للتنظيم الذاتي، فإنَّ نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة يفترض أنَّ كل نتيجة تحدث في المؤسسة ما هي إلَّا محصِّلة لعدد غير محدَّد من المتغيّرات، وأنَّ النتيجة الواحدة لا تنتج عن سبب واحد فقط. على سبيل المثال، القدرة على تسليم منتج معين إلى زبون معين في الوقت المحدَّد هو حصيلة نظام كامل من العوامل المترابطة التي يؤثِّر كلٌّ منها على الآخر، لذلك ينبغي أخذ جميع عوامل النظام بالحسبان عند الرغبة في إحداث تغييرات واسعة النطاق. الطريقة الأمثل لتحقيق ذلك هي الحوار مع مجموعات كبيرة من أصحاب المصلحة في الوقت نفسه لحثِّهم على الشعور بالمسؤولية وتحسين علاقاتهم بالآخرين والعمل على تطوير العمليات التي تحتاج إلى تعديل لكي تتغيَّر النتائج إلى الأفضل. تجدر الإشارة إلى أنَّ التحري التقييمي هو من النماذج التي يُمكن أن تنجح في تحقيق جميع تلك الآثار المرغوبة. قد يعمل المديرون والقادة أيضًا على تشكيل الهياكل التنظيمية التي تساعد على وجود أنماط من التنظيم الذاتي داخل المؤسسة. يتشكَّل الهيكل التنظيمي وفق نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة من كل ما يدفع أفراد المؤسسة إلى الانخراط في أنشطة محدَّدة، ويمكن أن تكون الهياكل التنظيمية مادية، مثل تلك التي نراها في بيئة العمل، ويمكن أن تكون معنوية على شكل افتراضات أو معتقدات منتشرة على نطاق واسع، مثل عناصر البيروقراطية التي ناقشناها في مقالٍ سابق. يستطيع المديرون والقادة إحداث التغيير عن طريق البدء بتغيير الهياكل التنظيمية التي تُشكِّل أنماط التنظيم والتفاعلات القائمة داخل المؤسسة. هناك ثلاث طرق يمكن من خلالها تغيير الهياكل التنظيمية التي تتشكَّل ذاتيًا. أولًا، يمكن للمدير أو القائد التأثير على الظروف المقيِّدة (boundary conditons) التي تفرض قيودًا على الأنشطة التي يُبادر الموظفون في تنفيذها. تحدِّد الظروف المقيِّدة درجة حرية التصرُّف التي تتيح للموظفين اتخاذ الإجراءات أو التصرّف من تلقاء أنفسهم. إنَّ منح الموظفين المزيد من المسؤوليات، وتمكينهم من اتخاذ القرارات على المستوى المحلي، وإعطائهم المزيد من حرية التصرُّف بشأن الأعمال التي يؤدّونها هي واحدة من الطرق التي يمكن من خلالها تخفيف القيود وتوسيع نطاق الصلاحيات. كلَّما قلَّت القيود، كلما زادت احتمالية حدوث التنظيم الذاتي. ثانيًا، يمكن أن تتغيَّر طريقة حدوث التنظيم الذاتي من خلال إثارة الاضطرابات (disturbances) في نظام المؤسسة. قد يكون ذلك بسيطًا في بعض الأحيان عن طريق مساعدة الموظفين على إدراك أنَّ هناك تضاربًا في الآراء داخل المؤسسة حول أنماط التنظيم الذاتي الحالية، إذ غالبًا ما يكون هناك اختلافات كبيرة في وجهات النظر بين المجموعات الفرعية المختلفة التي تعمل في المؤسسة مثلًا. إنَّ تشجيع الموظفين على إجراء محادثات مع غيرهم من الأفراد الذين يحملون وجهات نظر مغايرة قد يؤدِّي إلى نشوء اضطراب إيجابي يدفعهم إلى إعادة تنظيم أنشطتهم لجسر الهوة بينهم. على سبيل المثال، غالبًا ما تكون أقسام الهندسة والإنتاج في مؤسسات التصنيع معزولة عن بعضها بعضًا، لذلك فإنَّ عمليات الحوار التي تربط بين موظفي كلٍّ من هذه الأقسام يمكن أن تساعدهم على التنسيق فيما بينهم والتقريب بين وجهات نظرهم المتعلِّقة بطريقة تنظيمهم للهياكل التنظيمية، ويمكن أن تحفِّزهم هذه المحادثات أيضًا على إحداث تغييرات في المؤسسة. أخيرًا، ينبغي الاهتمام بالتفاعلات والعلاقات المتبادلة بين الموظفين داخل المؤسسة، إذ من الضروري إتاحة المجال لإقامة علاقات تفاهمية بين الموظفين حتى يتمكَّنوا من إدراك وجهات نظر الأقسام الأخرى في المؤسسة، ومن ثمَّ يتعاطفون معها ويأخذونها بالحسبان عندما ينخرطون في تفاعلاتهم الخاصة. يُقدِّم نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة -كما وضَّحنا سابقًا- منظورًا لتفسير عملية التغيير التنظيمي إلى جانب مجموعة من المبادئ التي يمكن استخدامها بطرق متعدّدة. هناك العديد من المنهجيات التي تعتمد على افتراضات نموذج الأنظمة التكيفية المعقَّدة، ومن هذه المنهجيات: التحري التقييمي، واجتماعات الفضاء المفتوح، والتغيير الكلي للأنظمة (Whole Systems Change)، والبحث المستقبلي (Future Search)، وغيرها. تجدر الإشارة إلى أنَّنا لم نذكر في هذا الباب من سلسلة مقالاتنا سوى نبذة بسيطة عن الأساليب المتنوعة التي يمكن استخدامها لدفع عجلة التغيير داخل المؤسسات. التخطيط لعملية إدارة التغيير عندما يفكِّر المديرون والقادة في الطريقة التي سوف يستخدمونها لإدارة التغيير، فإنَّ لديهم لائحة طويلة من الخيارات المتاحة، وما النماذج التي وضَّحناها في هذا المقال إلَّا جزء يسير جدًّا من هذه الخيارات. في الواقع، يمكن استخدام العديد من هذه النماذج معًا، ولا ينبغي الافتراض بأنَّها تتعارض مع بعضها بعضًا. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام نموذج كوتر لتصميم عملية تغيير شاملة طويلة الأمد، ويمكن في الوقت نفسه استخدام اجتماعات الفضاء المفتوح أو التحري التقييمي في مراحل معينة من عملية كوتر للتغيير -كأن تُستخدم عند تشكيل مجموعة إرشادية أو صياغة رؤية للتغيير. خلاصة القول هي أنَّ هناك العديد من الممارسات والأساليب التي يمكن استخدامها والدمج بينها بطرق متنوعة لتصميم عمليات تغيير تلائم احتياجات المؤسسة في ظروف معينة. ترجمة -وبتصرف- للفصل Managing Change من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: مدخل إلى إدارة الموارد البشرية المقال السابق: إدارة التغيير في المؤسسات
  24. لقد ركَّزنا في المقالات السابقة من هذا الباب من سلسلتنا على العوامل التي تدفع إلى التغيير، وتناولنا أيضًا أبعاد التغيير التي ينبغي أخذها في الحسبان عند الرغبة في إحداث تغيير. سنبيِّن في هذا المقال عدة أساليب مختلفة لتصميم التغيير وتنفيذه. في الواقع، إنَّ معظم القادة والمديرين في المؤسسات مسؤولون عن إدارة التغيير إلى حدٍّ ما، ويشير مصطلح إدارة التغيير (change management) إلى عملية تصميم التغيير وتنفيذه. هناك مصطلح آخر مرتبط بإدارة التغيير وهو التطوير التنظيمي (organizational development) الذي يُعدُّ مجال تخصُّصي يركِّز على كيفية تصميم التغيير وإدارته. استشاري التطوير التنظيمي هو الشخص الذي لديه خبرة في عمليات إدارة التغيير وقد يكون من أعضاء المؤسسة نفسها أو من خارجها؛ فالاستشاري الداخلي هو الذي يعمل موظفًا داخل المؤسسة ويركِّز على كيفية إحداث تغيير من داخلها، أمَّا الاستشاري الخارجي فهو من متخصِّصي التطوير التنظيمي من خارج المؤسسة وعُيِّن لكي يُقدِّم خبرته لفترة قصيرة من الزمن وعادةً ما يُستعان به في حالة التغييرات الكبرى. تزداد فعالية القادة والمديرين في إدارة التغيير إذا كانوا مدركين لممارسات إدارة التغيير الشائعة، بالإضافة إلى وجهات نظر متخصِّصي التطوير التنظيمي والممارسات الخاصة بهم. الافتراضات الأساسية بشأن التغيير هناك العديد من نماذج التغيير المتاحة أمام المديرين، ولكن قد يصعُب إدراك الاختلافات بين هذه النماذج عند محاولة إجراء عملية تغيير مخطَّط له. لقد وُضعت العديد من الأساليب والطرق للتطوير التنظيمي ولإدارة التغيير، وقد استُخدمت خلال القرن الماضي، لكن في حقيقة الأمر قد يكون من العسير معرفة أيّ النماذج هو الأكثر ملاءمة لموقف معين؛ إذ إنَّ لكل نموذج من نماذج التغيير مواطن قوة وجوانب قصور ومن المهم إدراك طبيعتها، وينبغي أن تتوافق طريقة التغيير المستخدمة في وضع معين مع متطلبات ذلك الوضع. هناك العديد من الأسئلة التي سيُساعدنا طرحها ومناقشتها على تحديد الطريقة المناسبة للاستخدام في عملية التغيير المخطَّط له، وسنوضِّح بعض هذه الأسئلة فيما يلي. يرتبط السؤال الأول بالأحوال والظروف التي تدفع إلى التغيير: هل المؤسسة تعاني من عجز أو قصور يجعلها بحاجة إلى إصلاحات كبيرة أم أنَّ أدائها عالي وهناك حاجة إلى بعض التنقيح والتحسين؟ من الدوافع الشائعة للتغيير هو تصوُّر أنَّ المؤسسة قد تكون في حالة خلل وقصور وتنطوي على مشكلات جسيمة، ويمكننا تشبيهها في هذه الحالة بمريض في مستشفى يحتاج إلى عناية طبية شديدة. قد تتطلَّب المؤسسة التي تعاني من الخلل إجراء تغيير تحويلي، بحيث يُعاد النظر في افتراضاتها ومعتقداتها الأساسية وأفكارها التنظيمية ومن ثمَّ إدخال تعديلات جذرية وشاملة عليها. غالبًا ما تؤدِّي تلك التصوُّرات إلى ما يُعرف بالتغيير القائم على إصلاح نقاط الضعف (deficit-based change)، إذ يفترض المديرون والقادة أنَّ الموظفين سوف يتغيَّرون إذا كانوا يعلمون بأنَّهم سوف يواجهون عواقب وخيمة إن لم يُقدموا على ذلك التغيير. في المقابل، قد يرى المديرون والقادة أنَّ المؤسسة تعمل بكفاءة عالية، كما لو كانت لاعبًا أولمبيًا أو فريقًا بارعًا جدًّا. قد تتطَّلب المؤسسة ذات الأداء العالي إجراء تغيير تدريجي بينما تُواصل الاعتماد على مقوماتها وأسسها المتينة لصقل وتحسين إمكانياتها من أجل الاستمرار في أدائها العالي. غالبًا ما تؤدي تلك التصوُّرات إلى ما يُعرف بالتغيير القائم على تعزيز نقاط القوة (abundance-based change)، إذ يفترض المديرون والقادة أنَّ الموظفين سوف يتغيَّرون إذا شُجِّعوا على تحقيق المزيد من التفوُّق في عملهم. يتعلَّق السؤال المهم الثاني بآليات التغيير: ما هي افتراضاتنا بشأن كيفية إحداث التغيير؟ هذا السؤال حاسم لأنَّ الإجابات تحدِّد الأساليب المناسبة لتصميم التغيير المخطَّط له وتحدِّد أيضًا التصوُّرات المتعلِّقة بمدى فاعلية التغيير. يعتمد أسلوب التغيير من أعلى إلى أسفل (top-down change) على افتراض أنَّ المؤسسة ذات هيكل تنظيمي ميكانيكي، إذ سوف تتولَّى مجموعة صغيرة نسبيًا من الأفراد في المؤسسة تصميم عملية التغيير وإرشاد الآخرين في مختلف أرجاء المؤسسة بشأن كيفية تطبيق تلك العملية وتوضيح كيف ستأخذ الأمور مجراها. معظم الموظفين في أسلوب التغيير من أعلى إلى أسفل لا يشاركون في عملية تصميم التغيير ومن المتوقَّع منهم في أغلب الأحيان اتباع الإرشادات الموجَّهة إليهم من قِبل قادتهم ومديريهم في المؤسسة. بعبارة أخرى، يعتمد أسلوب التغيير هذا على التنظيم الرسمي لإضفاء الصفة الشرعية على التغيير ودفع عجلته. هناك أسلوب آخر يُقابل أسلوب التغيير من أعلى إلى أسفل ويُسمَّى أسلوب التغيير الطارئ (emergent change) أو التغيير من أسفل إلى أعلى (bottom-up change)، ويعتمد هذا الأسلوب على الاعتقاد بأنَّ الموظفين سوف يزداد إسهامهم في إحداث التغيير إذا شاركوا بأنفسهم في عملية تصميم التغيير. من الممارسات الشائعة التي تتماشى مع أسلوب التغيير الطارئ هي الإدارة بالمشاركة، والتي يُقصد بها إشراك الموظفين في التشاورات المتعلِّقة بقرارات العمل الرئيسية. قد تكون الاختلافات بين أسلوبي التغيير من أعلى إلى أسفل والتغيير من أسفل إلى أعلى كبيرة. على سبيل المثال، قد يقرِّر المديرون والقادة الذين يستخدمون أسلوب التغيير من أعلى إلى أسفل أنَّ هناك حاجة إلى إعادة تشكيل الهيكل التنظيمي للمؤسسة من أجل استيعابٍ أفضل للتحوُّل الكبير الذي طرأ على العمل، وقد يفترضون أنَّ بإمكانهم تبنِّي الهيكل التنظيمي الجديد وأنَّ الأعمال الروتينية المعتادة التي يؤدِّيها الموظفون وأنماط سلوكهم ستتغيَّر بعد ذلك تدريجيًا بطبيعة الحال. قد يناقض أسلوب التغيير من أسفل إلى أعلى المنطق السابق؛ إذ قد يعمل الموظفون في البداية معًا لاستكشاف المهام التي ينبغي تنفيذها لحل مشكلة معينة متعلِّقة بالعمل وقد يجرِّبون إجراء التغييرات الممكنة، وبعد ذلك قد يُعيد المديرون تشكيل الهياكل التنظيمية لكي تتناسب مع الطريقة الجديدة أو الطارئة لأداء العمل، وقد يكون تغيير الهيكل التنظيمي في عملية التغيير من أسفل إلى أعلى هو الخطوة الأخيرة، وذلك على النقيض من أسلوب التغيير من أعلى إلى أسفل. يواجه العديد من المديرين الذين يفكِّرون في استخدام أسلوب التغيير من أسفل إلى أعلى تحديًا ألا وهو أنَّهم لا يستطيعون السيطرة مباشرة على عمليات التغيير المخطَّط له؛ بل يجب عليهم أن يعتمدوا على الإجراءات التي توحِّد الموظفين معًا لتحقيق هدف معين وأن يتوقَّعوا منهم اتخاذ ردود الفعل المناسبة، وهذا يتطلَّب أن يكون لدى المديرين ثقة كبيرة بأنَّ عملية إشراك الموظفين سوف تؤدِّي إلى إحداث التغييرات المرغوبة. من الناحية العملية، غالبًا ما تُستخدم إجراءات كلّ من التغيير من أعلى إلى أسفل والتغيير من أسفل إلى أعلى معًا. على سبيل المثال، قد يمارس المديرون والقادة سلطاتهم وصلاحياتهم (من أعلى إلى أسفل) من أجل تحديد وإعلان التغيير اللازم إجراؤه. قد يُحدِّدون بعد ذلك عمليات وإجراءات تتيح مشاركة الموظفين من مختلف أقسام المؤسسة وتمنحهم صلاحيات للمساهمة في تصميم طريقة إحداث التغيير. ينخرط الموظفون في جميع مستويات المؤسسة إلى حدٍّ كبير في عملية التغيير من بدايتها إلى نهايتها من أجل تحقيق هدف عام محدَّد. يؤدِّي هذا الأسلوب إلى تشجيع الموظفين على التنظيم الذاتي من خلال شبكة العلاقات غير الرسمية، إذ يتّخذ الموظفون القرارات وينفِّذونها بأقل قدر من التوجيه. يُمكننا القول عمومًا بأنَّه كلَّما كان التغيير المحتمل أكثر تعقيدًا، زادت الحاجة إلى إشراك الموظفين في التخطيط للتغيير وتطبيقه. يتعلَّق السؤال الأخير بالعقلية المتصلة بالتغيير: ما هي معتقداتنا الأساسية بشأن الناس والتغيير؟ هناك نوعان من العقليات المتصلة بالتغيير وهما يؤثِّران على اختيار الأسلوب الذي يمكن استخدامه لإحداث التغيير. النوع الأول يُسمَّى العقلية التقليدية (conventional mindset)، إذ يفترض المديرون والقادة أنَّ معظم الناس يميلون إلى مقاومة التغيير وأنَّه ينبغي عليهم الإدارة بطريقة تشجِّع الناس على تقبُّل التغيير، وقد ينظرون إلى أفراد المؤسسة على أنَّهم مجرَّد أشياء -أو حتى عقبات في بعض الأحيان- ينبغي إدارتها أو السيطرة عليها من أجل إحداث التغيير المطلوب في المؤسسة. عندما يحمل المديرون والقادة العقلية التقليدية، فإنَّهم يميلون إلى أن يفترضوا أنَّ وجهات نظرهم هي أكثر منطقية وعقلانية من وجهات نظر الموظفين، وسيعملون جاهدين لإقناع الموظفين بصحة قراراتهم ولإثبات وجهة نظرهم بالاعتماد على المنطق، وقد يميلون أيضًا إلى استخدام أساليب قد يراها الموظفون استغلالية أو تهديدية. يشير بعض المؤلفين إلى أنَّ العقلية التقليدية هي النمط الافتراضي أو السائد للتغيير في معظم المؤسسات. في المقابل، النوع الثاني هو العقلية الإيجابية أو التقديرية (positive or appreciative mindset)، إذ يفترض المديرون والقادة أنَّ الناس يميلون إلى تبنِّي التغيير عندما يشعرون بالتقدير وبأنَّ لهم قيمة جوهرية ومسؤوليات وصلاحيات. ينظر المديرون الذين يتبنّون هذه العقلية إلى الموظفين الذين يعملون في المؤسسة على أنهم شركاء -وأحيانًا مناصرين للتغيير- بإمكانهم القيام بأشياء عظيمة. عندما يحمل المديرون والقادة العقلية التقديرية، فإنَّهم يتيحون للموظفين المشاركة من خلال الحوارات الهادفة ويحاولون القيادة واضعين غايات المؤسسة نصب أعينهم، وقد يبدؤون عملية التغيير من خلال تسليط الضوء على القيم المشتركة التي يحملها أفراد المؤسسة بهدف توفير بيئة يشعر فيها الموظفون بصلة عميقة مع بعضهم بعضًا. يستغلُّ المديرون وجود بنية اجتماعية قوية داخل المؤسسة ويدفعون الموظفين للانخراط في التغيير من خلال العمليات التي تعتمد على المشاركة والتي تتيح لأولئك الموظفين تحديد أهداف وإجراءات مشتركة من أجل إحداث تغييرات كبيرة. مبنى شركة IBM في الصين. IBM هي شركة مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة ولديها العديد من الأقسام الموزَّعة جغرافيًا. يظهر في الصورة "مبنى التنين" الذي يُعدُّ مقر للشركة في جمهورية الصين. (مصدر الصورة: حساب bfishshadow/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0)) قد ينشأ عن الأسئلة الثلاثة السابقة طرق مختلفة وعديدة لتصميم التغيير وتنفيذه. على سبيل المثال، من الممكن أن تكون إحدى عمليات التغيير قائمة على إصلاح نقاط الضعف واتجاهها من أعلى إلى أسفل ومستندة إلى العقلية التقليدية، بينما قد تكون عملية تغيير أخرى قائمة على تعزيز نقاط القوة واتجاهها من أسفل إلى أعلى ومستندة إلى العقلية الإيجابية. قد تكون عمليات التغيير الأخرى متنوعة في تصميمها وتنفيذها، وقد يكون الهدف من التغيير إصلاح نقاط الضعف ولكن يُستخدم أسلوب التغيير القائم على تعزيز نقاط القوة من أجل إحداث تغيير جذري من خلال عملية اتجاهها من أسفل إلى أعلى ومستندة إلى المشاركة والعقلية التقديرية. تجدر الإشارة إلى أنَّه من النادر العثور على أسلوب معين يناسب تمامًا الظروف والأوضاع الموجودة في بيئة العمل في وقتنا الحالي. سنتطرق فيما يلي إلى نماذج التغيير الشائعة التي يمكن تحليل مدى ملائمتها للاستخدام في المؤسسة عن طريق الأسئلة الثلاثة التي ذكرناها أعلاه. .anntional__paragraph { border: 3px solid #f5f5f5; margin: 20px 0 14px; position: relative; display: block; padding: 25px 30px; } الاستدامة والإدارة المسؤولة لماذا يهتم اتحاد الهوكي الوطني بشأن التغيُّر المناخي؟ ولماذا عيَّن كيم ديفيس نائبًا للرئيس التنفيذي؟ يُعدُّ اتحاد الهوكي الوطني (NHL) من التنظيمات الأكثر نبذًا للعنصرية؛ إذ تتنوع تركيبته الديموغرافية تنوّعًا كبيرًا وينحدر معظم الموظفين الذين يعملون فيه من ولايات شمال الولايات المتحدة وكندا ودول شمال أوروبا. لقد كان اتحاد الهوكي الوطني بحاجة إلى إحداث تحوُّل جذري في النهج الذي يتبعه إزاء قضية الشمول والتنوُّع نتيجةً لتزايد الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والتغيُّر الديموغرافي في عصرنا الحالي، لذلك قررَّ المسؤولون توظيف أفضل من يعمل في مجال إدارة التغيير، ووقع اختيارهم على واحدة من الموظفين التنفيذيين البارعين والتي لم تنغرس فيها الثقافة القديمة لرياضة الهوكي، الأمر الذي يجعلها أكثر مرونة وحيادية. أدركت كيم ديفيس أنَّها مختلفة عن العديد من الرؤساء التنفيذيين والمديرين والمدربين واللاعبين في اتحاد الهوكي الوطني. لقد رحبَّت بالتحدي المصاحب لوظيفتها الجديدة، وقد كان هذا التحدي من العوامل التي شجَّعتها على قبول المنصب. إنَّها لا تُشبه غيرها ممَّن شغلوا منصب نائب الرئيس التنفيذي في اتحاد الهوكي الوطني، إذ إنَّ جميع من تولَّى إدارته منذ تأسيسه وعلى مدار أكثر من 100 عام كانوا رجالًا من فئة البيض. عندما عيَّن الاتحاد كيم ديفيس -وهي امرأة سوداء- نائبًا للرئيس التنفيذي، فإنَّ الاتحاد قد أحدث نقلة فكرية كبيرة طال انتظارها في مجال التأثير الاجتماعي ومبادرات النمو والشؤون التشريعية. عندما كان اتحاد الهوكي الوطني يحاول التأقلُم مع الواقع الجديد والترحيب بالأشخاص الذين يشعرون أنَّهم لا ينتمون لهذه الرياضة أو الذين لم تُتح لهم فرصة الانتماء إليها، كان الشخص المثالي الذي سوف يساعدهم على المبادرة بالتغيير هو شخص من خارج السرب؛ شخص لم يتشرَّب ثقافة الهوكي القديمة التي أصبحت لا تنسجم مع المعايير الاجتماعية الحالية. إذا قارننا رياضة الهوكي بالرياضات الرئيسية الأخرى التي تُمارس في أمريكا الشمالية، فإنَّنا نجدها تُتَّهم أحيانًا اتهامًا جائرًا بأنَّها لا تبالي بالتغيير أو تقاومه. يعمل اتحاد الهوكي الوطني جاهدًا لتعزيز التزامه نحو تحقيق الشمول والتنوُّع، وذلك من خلال تنفيذ عدد من المبادرات مثل: مبادرة إعلان المبادئ (Declatation of Principles) ومبادرة الهوكي للجميع (Hockey is For Everyone)، ولكن التغيير –في الحقيقة- ليس سهلًا بالنسبة لللاعبين والمدربين والإداريين ومشجعي هذه الرياضة. تمثِّل ديفيس سعي اتحاد الهوكي الوطني لرعاية رياضة الهوكي من خلال التغيير الاجتماعي على المستوى الداخلي والخارجي. لقد كان التغيير الاجتماعي هو مجال خبرة ديفيس طوال حياتها المهنية، فقد عايشت تسعة عمليات اندماج مختلفة في البنك الأمريكي «JPMorgan Chase»، وكانت مهمتها مساعدة الموظفين على الاستعداد للتغيير. قالت كيم ديفيس ذات مرة: «لا يشعر معظم الناس بالارتياح تجاه التغيير، وما يقصدونه غالبًا هو أنَّهم يرتاحون للتغيير، ولكنَّهم لا يرتاحون للتغيير الذي يمسَّهم؛ الأمر كله يتعلَّق بالأمور التي تحدث لنا، فكيف يمكن للقائد مساعدة الأشخاص على تجاوز ذلك؟» وأضافت: «قد لا نتمكَّن من السيطرة على ردود فعل المشجِّعين "القدامى" لهذه الرياضة، وهذا في الواقع هو المجتمع المصغَّر الذي يُبالَغ في إيلاء الاهتمام به في رياضتنا. سيتغيَّر هذا عندما يصبح لدينا مشجعون جدد، وخمِّن ما الذي سيحدث؟ حتى أبناء هذا النموذج الكلاسيكي لمشجعينا -الرجال البيض لن يدعموا التمسُّك بالأفكار القديمة حتى لو كان آباؤهم يفعلون ذلك.» ربما لن تجد أيّ مدير تنفيذي آخر لرياضة الهوكي يتناول موضوعًا مثل هذا دون التفوُّه بعبارات مغمغمة، وهذا هو سبب تعيين كيم ديفيس؛ فهي من الأشخاص الذين لم يكونوا منتمين لرياضة الهوكي، ولكن أصبحت جزءًا من عائلتها الآن، وهي تمثّل أولئك الذين كانوا منبوذين من قِبل هذه الرياضة سابقًا. أمَّا فيما يتعلَّق بالتغيُّر المناخي، فلماذا حضر اتحاد الهوكي الوطني مؤتمر التغيُّر المناخي في باريس؟ يجيب غاري بيتمان –رئيس ومفوّض اتحاد الهوكي الوطني- عن هذا السؤال بقوله: «ترتبط رياضتنا -التي ربما تكون فريدة من نوعها مقارنة بمعظم الرياضات الاحترافية الأخرى- ارتباطًا وثيقًا بالبيئة. نحتاج إلى طقس بارد، ونحتاج إلى مياه عذبة لكي نتمكَّن من اللعب؛ فرياضتنا تتأثَّر تأثُّرًا مباشرًا بالتغيُّر المناخي وندرة المياه العذبة، لذلك أنشأنا وكالة «NHL Green» لزيادة هذا النوع من الوعي في جميع مؤسساتنا. على مدار السنوات الخمس الماضية، نفذَّنا عددًا كبيرًا من الأنشطة مثل: مبادرة استعادة الطعام التي كانت تهدف إلى التبرُّع بجميع الأطعمة غير المستخدمة التي نُعِدُّها في ساحاتنا لبنوك الطعام المحلية، وبرنامج إصلاح الأضرار الناجمة عن تسرُّب المياه، وقد تُوِّج كل ذلك بإصدار تقرير الاستدامة في عام 2014 الذي كان الأول من نوعه على مستوى الاتحادات الرياضية للمحترفين في الولايات المتحدة، وذلك مهم بالنسبة لنا.» في الحقيقة إنَّ لاعبي اتحاد الهوكي الوطني مهتمُّون بقضية التغيُّر المناخي أيضًا، ومن هؤلاء اللاعب المتقاعد مؤخرًا أندرو فيرينس الذي نفَّذ مبادرات خضراء، مثل مبادرة «NHL Players Association Carbon Neutral Challenge». عندما كان فيرينس يلعب ضمن فريق بوسطن بروينز -أحد أبطال كأس ستانلي- كان يرغب في أن يكون لديه وظيفة بعد التقاعد من اتحاد الهوكي الوطني، لذلك قرَّر الالتحاق بكلية هارفارد للأعمال، وحصل منها على شهادة في استدامة الشركات والابتكار. لم يكن تحوُّل فيرينس لهذا المجال بعد تقاعده مستغربًا، وذلك لأنَّه كان يولي اهتمامًا كبيرًا للاستدامة في حياته، وقد عبَّر عن هذا الأمر بقوله: «لقد كان لدي طوال حياتي شغف تجاه قضايا البيئة والاستدامة، وأردتُ قبل مغادرة اتحاد الهوكي الوطني أن أعزِّز ذلك من خلال الحصول على قدر من التعليم الرسمي. عندما سجَّلت للفصل الأول، أدركتُ في أعماقي أنَّها لحظة مهمة في حياتي.» أشار المفوّض غاري بيتمان إلى أنَّ المرحلة التالية المتصلة بقضية الاستدامة هي «… إشراك المزيد من اللاعبين بشأن هذه القضية لأنَّ هذا يؤدِّي إلى توصيل رسالتنا للمشجِّعين من خلال المنشورات التي نضعها على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بنا والتي يصل عدد متابعيها إلى 12 مليون متابع. ولكن عندما يشارك أندرو فيرينس، نحصل على تفاعل أكبر بكثير. ينبغي علينا تثقيف رياضيينا بشأن هذه القضية لأنَّهم نشؤوا على البرك المجمدة، حتى يدركوا العلاقة بين تعلُّم اللعب في الخارج والقضايا البيئية.» ترجمة -وبتصرف- للفصل Managing Change من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: نماذج التغيير الشائعة في المؤسسات المقال السابق: التغيير التنظيمي في المؤسسات
  25. كان محور حديثنا في هذا الباب من سلسلة مقالاتنا عن مبادئ الإدارة منصبًّا على توضيح أنواع الهياكل التنظيمية التي قد تستخدمها المؤسسات وعرض الخيارات المتاحة أمام المديرين عندما يرغبون في تصميم مثل هذه الهياكل التنظيمية. لكن الواقع يشير إلى أنَّ المؤسسات تتطوَّر وتطرأ عليها تغييرات مستمرة، وإنَّ من إحدى العبارات التي يتكرر ذكرها على مسامعنا هي «الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر»، ولذلك فلا توجد طريقة مثلى مناسبة لتنظيم المؤسسة في جميع الظروف، وينبغي على المديرين الفعَّالين الإلمام بالعوامل المختلفة التي تحثُّ على ضرورة التغيير. هناك عدة مزايا وعيوب لكل نوع من أنواع الهياكل التنظيمية المختلفة التي ناقشناها سابقًا. ينبغي على المديرين إحداث التعديلات والتغييرات التي تلائم مؤسساتهم لكي تتمكَّن من تحقيق أهدافها بكفاءة، وينبغي عليهم أيضًا معرفة كيفية التخطيط للتغيير وكيفية تنفيذه بطريقة تُساعد مؤسساتهم على النجاح والاستمرار فيه. سنبيِّن في بداية هذا المقال أنواع التغييرات التي قد تحدث في المؤسسات، ثمَّ سنتطرق إلى نموذج دورة حياة المؤسسة الذي يوضِّح كيف تتطوَّر الاحتياجات الهيكلية للمؤسسة بمرور الوقت. أنواع التغيير التنظيمي هناك عدة أنواع مختلفة للتغييرات التي تحدث في المؤسسات. النوع الأول هو التغيير الهيكلي (structural change) وهو ذو صلة بما تحدَّثنا عنه إلى الآن في هذا الباب من سلسلة مقالاتنا. يرتبط التغيير الهيكلي بالتغييرات التي تطرأ على العلاقات الرسمية داخل المؤسسة ككل، ومن الأمثلة علي هذه التغييرات: إعادة هيكلة الأقسام ووحدات العمل، أو إضافة مناصب وظيفية جديدة، أو التعديل على الأدوار والمهام الوظيفية. إنَّ هذه التغييرات ينبغي أن تتوافق مع الأهداف الكبيرة للمؤسسة، مثل: تبنِّي المركزية أو اللا مركزية في اتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات، أو تمكين الموظفين وإعطائهم المزيد من الصلاحيات، أو تعيين موظفين أكثر كفاءة لتحسين أداء المؤسسة. أحد أنواع التغيير الشائعة الأخرى هو التغيير التكنولوجي (technological change)؛ إذ غالبًا ما يُفرض تطبيق التقنيات الحديثة في المؤسسات عندما تطرأ تغيُّرات على بيئة العمل الخارجية وما فيها من عوامل تكنولوجية وغيرها. على سبيل المثال، قد يؤدِّي ظهور تحديث جديد لحزمة برمجية شائعة إلى حاجة الموظفين إلى تعلُّم طرق جديدة في العمل، أو قد يستلزم ظهور آلات وأجهزة حديثة تعلُّم الموظفين إجراءات جديدة أو إعادة صياغة الطريقة التي يتفاعلون بها مع بعضهم بعضًا. بالإضافة إلى ذلك، تُعدُّ الحوسبة السحابية من التقنيات الحديثة التي ظهرت خلال العقد الماضي والتي أتاحت أشكالًا جديدة للتعاون بين الأفراد. في الواقع غالبًا ما ينتج عن التغيير التكنولوجي تغييرًا هيكليًا، وذلك لأنَّه يُحدث تغييرات متنوعة على طرق الاتصال داخل المؤسسة. النوع الثالث من أنواع التغيير التنظيمي هو التغيير الثقافي (culture change)، ويُقصد بثقافة المؤسسة أنماط التفكير والتصرُّف السائدة داخل المؤسسة. تستمدُّ الثقافة جذورها من ما يحمله الناس من معتقدات وافتراضات عن أنفسهم وعن المؤسسة، إذ ينتج عن هذه المعتقدات والافتراضات العقليات التي تُشكِّل الثقافة العامة داخل المؤسسة. إنَّ التغيير الثقافي من أصعب أنواع التغيير التي يمكن إحداثها في المؤسسات، فهو غالبًا ما يتطلَّب إعادة تشكيل وتصوُّر هوية المؤسسة وجوهرها. بالإضافة إلى ذلك، يتطلَّب النجاح في عملية التغيير الثقافي بذل جهود كبيرة ويستغرق تحقيقه سنوات عديدة. دورة حياة المؤسسة تكون معظم المؤسسات صغيرة جدًا وذات هياكل تنظيمية شديدة المرونة عند بداية تأسيسها، وقد يساهم جميع الموظفين في العديد من جوانب عمل المؤسسة حديثة النشأة، ولكن مع نموها تزداد الأعباء والأعمال وتصبح هناك حاجة إلى المزيد من الموظفين. يميل الموظفون إلى أن يصبحوا أكثر تخصُّصًا في أعمالهم عندما يزيد عددهم داخل المؤسسة. تزداد درجة التخصُّص في مجالات العمل مع مرور الوقت من خلال ما يُعرف بالتمايز، ويُقصد بالتمايز (differentiation) عملية تنظيم الموظفين في مجموعات بحيث تُركِّز كل مجموعة على أداء وظائف محدَّدة في المؤسسة. غالبًا ما ينبغي تنظيم المهام المختلفة وتقسيمها بطريقة تجعلها مكمِّلة لبعضها بعضًا، وهذا يعني أنَّ على كل موظف أن يساهم في إنجاز أحد الأنشطة الأساسية التي تدعم أعمال ومنجزات الموظفين الآخرين والتي تترابط جميعها معًا لتحقيق أهداف المؤسسة. ينبغي أن يتطوَّر شكل المؤسسة وهياكلها واتجاهها مع مرور الوقت نحو النمو أو التراجع، ويحدث ذلك من خلال أربع مراحل يمكن التنبؤ بها (وهي موضَّحة في الشكل التالي). المرحلة الأولى هي مرحلة التأسيس أو الإنشاء، وعادة ما تكون المؤسسة في هذه المرحلة صغيرة جدًا ومرنة ويتمحور تركيزها على المنتجات والأسواق الجديدة. عادةً ما يتوزَّع تركيز مؤسِّسي الشركات الجديدة على مجموعة متنوعة من المسؤوليات، وغالبًا ما يتواصلون بشكل متكرر وغير رسمي مع جميع الموظفين في هذه المرحلة، كما تكون العلاقات بين الموظفين غير رسمية إلى حدٍّ كبير، وتكون مهام العمل شديدة المرونة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الهياكل التنظيمية العضوية المرنة عادة ما تُستخدم في هذه المرحلة. دورة حياة المؤسسة (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0)) المرحلة الثانية هي مرحلة البقاء والنجاح المبكر (تُسمَّى مرحلة النمو في بعض المراجع الأخرى)، وتحدث عندما تبدأ المؤسسة في التوسُّع والسعي للاستمرار في النجاح. تتبنَّى المؤسسة في هذه المرحلة هياكل تميل إلى الرسمية بدرجة أكبر وتحدِّد مهام عمل أكثر تخصُّصًا. بالإضافة إلى ذلك، تعمل المؤسسة على استخدام الحوافز ومعايير العمل المختلفة، وتأخذ عملية التواصل فيها منحىً أكثر رسمية، ويتزامن ذلك مع تمدُّد الهرم الإداري ليصبح مشتملًا على مستويين إداريين، هما الإدارة العليا والإدارة الدنيا (أو المباشرة)، ويصبح من المستحيل أن يقيم كل موظف علاقات شخصية مع جميع الموظفين الآخرين الذين يعملون في المؤسسة. من المناسب في هذه المرحلة أن تُستخدم الهياكل الميكانيكية التي تعزِّز من الرسمية بين أجزاء المؤسسة المختلفة وتوحّد إجراءات العمل من أجل تحسين التنسيق والتعاون داخل المؤسسة. المرحلة الثالثة هي مرحلة النجاح المستمر أو النضج، وتتوسَّع المؤسسة في هذه المرحلة ويزداد تمدُّد هرمها الإداري وعدد المستويات الوظيفية فيها، كما تزداد مسؤوليات المديرين الذين يعملون في مستوى الإدارة الدنيا، وقد يُعيَّن عدد من المديرين للاضطلاع بمسؤوليات محدَّدة عالية الأهمية. بالإضافة إلى ذلك، يبدأ كبار المسؤولين التنفيذيين بالاعتماد اعتمادًا كليًّا على قادة المستويات الإدارية الأدنى في التعامل مع القضايا الإدارية لكي يتمكَّنوا من التركيز على القرارات الاستراتيجية التي تؤثِّر على سير عمل المؤسسة ككل. يصبح الهيكل الميكانيكي للمؤسسة في هذه المرحلة أكثر ثباتًا، وقد يُستخدم الهيكل الوظيفي أيضًا، لكن غالبًا ما تُشكِّل مسألة تحقيق التوازن في الهيكل التنظيمي معضلة؛ إذ تحتاج معظم المؤسسات في مرحلة النضج إلى عناصر البيروقراطية الميكانيكية مع الحفاظ في الوقت نفسه على وجود بيئة عمل تتيح الابتكار والمرونة اللتين تُعدَّان ميزتان من مزايا الهياكل العضوية. المرحلة الرابعة هي مرحلة التجدُّد أو التراجع، وتحدث عندما تتوسَّع المؤسسة إلى أن تصبح عملياتها ممتدة إلى حدٍّ كبير وتكون هناك حاجة إلى الاتجاه نحو الاستقلالية في تنفيذ تلك العمليات، فيغدو من الضروري استخدام الهياكل الوظيفية وتبدأ الوحدات الفرعية في العمل على هيئة شركات مستقلة. غالبًا ما يستعصي على الشركة في هذه المرحلة تحقيق التوازن بين مزايا كلٍّ من الهياكل التنظيمية الميكانيكية والعضوية، لذلك يتوجَّب إعادة هيكلة وتنظيم المؤسسة بطريقة تساعد على زيادة التنسيق بين المجموعات ووحدات العمل الفرعية المختلفة، وقد يتوجَّب على المديرين التعامل مع المسائل الجوهرية المتعلِّقة بتحديد التوجُّه العام للمؤسسة والإجراءات الإدارية المناسبة. خلاصة القول فيما يتعلَّق بدورة حياة المؤسسة هي أنَّ احتياجات المؤسسة سوف تتطوَّر وتتغيَّر مع مرور الوقت، وأنَّ كل مرحلة من مراحل تطوُّر المؤسسة تتطلَّب استخدام هياكل تنظيمية معينة قد تختلف مع تلك التي تُستخدم في مرحلة أخرى، كما أنَّ احتياجات الموظفين سوف تتغيَّر أيضًا. إنَّ فهم دورة حياة المؤسسة يُشكِّل إطارًا شاملًا وواضحًا للتفكير في التغييرات التي قد يلزم تنفيذها في المراحل المختلفة لتطوُّر المؤسسة. أبعاد التغيير هناك ثلاثة أبعاد تساهم في تقييم مدى الحاجة إلى إحداث تغيير في المؤسسة، وهذه الأبعاد هي: نطاق التغيير، ومستوى التغيير، والقصد من التغيير. البعد الأول هو نطاق التغيير، ويُقصد به درجة ما سيُحدثه التغيير المطلوب من حالة عدم استقرار في الأنماط السائدة والروتين الحالي. يُصنَّف التغيير بناءً على نطاق التغيير إلى نوعين هما: التغيير التدريجي، والتغيير التحويلي (أو الجذري). سنوضِّح كلًّا من هذين النوعين فيما يلي وسنبيِّن علاقتهما بالتغيير الاستراتيجي. يشير التغيير التدريجي (incremental change) إلى إجراء تعديلات صغيرة على الممارسات أو الإجراءات الحالية في المؤسسة بحيث لا تتعارض هذه التعديلات مع جوانب العمل الحالية؛ بل تُعزِّزها أو تحسِّن منها. من أساليب التغيير التدريجي الشائعة هي «LEAN» و«Six Sigma» والتي تُستخدم لإحداث تغييرات صغيرة نسبيًا يمكن أن تؤدِّي إلى تحسين كفاءة عمليات المؤسسة. في الواقع، تستطيع المؤسسة تحسين كفاءة خط إنتاجها من خلال تحديد مواطن الخلل الصغيرة في عملية الإنتاج، ثمَّ إصلاحها بطريقة منهجية. عادةً لا يدفع التغيير التدريجي الأشخاص إلى اتخاذ مواقف دفاعية ولا يُخرجهم من منطقة الراحة الخاصة بهم. في المقابل، يشير التغيير التحويلي (transformational change) إلى التحوُّلات الكبيرة التي تحدث في نظام المؤسسة والتي قد تسبب اضطرابًا كبيرًا في بعض إجراءات عملها الأساسية أو عملياتها أو هياكلها التنظيمية. تجدر الإشارة إلى أنَّ التغيير التحويلي قد يكون محفِّزًا لبعض الموظفين، ولكنَّه أيضًا قد يكون مزعجًا ومرهقًا جدًّا بالنسبة لآخرين. من الأمثلة على التغيير التحويلي التغييرات التي تطرأ على الأنظمة الكبيرة وإعادة تصميم الهياكل التنظيمية داخل المؤسسة، كما أنَّ عملية تغيير ثقافة المؤسسة غالبًا ما تتطلَّب حدوث تغيير تحويلي لكي تنجح. قد يكون التغيير الاستراتيجي (strategic change) تدريجيًا أو تحويليًا، وهو يساعد على انسجام واتّساق العمليات التي تُنفِّذها المؤسسة مع رسالتها وأهدافها الاستراتيجية، ويُعدُّ هذا التغيير ذا أهمية بالنسبة للمؤسسة لكي تتمكَّن من التركيز على الأعمال التي تجعلها قادرة على المنافسة في الأسواق المحلية أو العالمية. من الأمثلة على الهياكل التنظيمية الصغيرة الوظائف في الشركات التي تتبنَّى نظام الاقتصاد التشاركي، مثل السائقين في شركتي أوبر وليفت. تُبيِّن الصورة سائقًا تابعًا لخدمة Uber Eats يعمل على توصيل الطعام بواسطة دراجته على طول طريق أكسفورد المزدحم للغاية في مدينة مانشستر في إنجلترا. (مصدر الصورة: حساب bfishshadow/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC BY 2.0)) يُقصد بمستوى التغيير مدى اتساع الدائرة التي سوف يشملها التغيير داخل المؤسسة. يُصنَّف التغيير بناءً على مستوى التغيير إلى ثلاثة أنواع هي: التغيير على مستوى الأفراد، والتغيير على مستوى المجموعات، والتغيير على مستوى المؤسسة. إنَّ التغيير على مستوى الأفراد يركِّز على مساعدة الموظفين على تحسين بعض الجوانب المرتبطة بأدائهم أو بالمعرفة التي يحتاجونها لكي يتمكَّنوا من المساهمة في المؤسسة التي يعملون فيها باستمرار وبفاعلية، ومن البرامج التي تستهدف تغيير وتطوير الأفراد: برامج تنمية المهارات القيادية، وبرامج التدريب، وبرامج إدارة الأداء. في المقابل، يهتمُّ التغيير على مستوى المجموعات بالعلاقات بين الأشخاص وغالبًا ما يركِّز على مساعدتهم على العمل معًا بفاعلية أكبر. من العمليات الأكثر شيوعًا للتغيير على مستوى المجموعات هي تطوير أو بناء فِرَق العمل. أخيرًا، يُعدُّ التغيير على مستوى المؤسسة من التغييرات التي تؤثِّر على نظام المؤسسة بأكمله أو على العديد من وحدات العمل فيها، وقد تكون عمليّتا التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي من أنواع التغيير الأكثر شيوعًا على مستوى المؤسسة. غالبًا ما تتطلَّب برامج التغيير التي تُنفَّذ في المستويات العليا إجراء تغييرات على المستويات الأدنى، إذ قد يتطلَّب التغيير على مستوى المؤسسة إحداث تغييرات على مستوى المجموعات وعلى مستوى الأفراد أيضًا. القصد من التغيير (أو النية) هو البعد الأخير من أبعاد التغيير، ويُقصد به درجة التخطيط للتغيير المقصود أو تنفيذه بطريقة متعمَّدة. يُصنَّف التغيير بناءً على نطاق التغيير إلى نوعين هما: التغيير المخطَّط له والتغيير غير المخطَّط له. التغيير المخطَّط له هو نشاط أو مجموعة من الأنشطة التي حُدِّدت أو نُفِّذت بشكل مقصود ومتعمَّد من أجل تحقيق هدف أو غاية محدَّدة. غالبًا ما يشارك في التغيير المخطَّط له مجموعات كبيرة من الأشخاص، وغالبًا ما يتضمَّن تنفيذ العديد من الخطوات التدريجية أو الأنشطة المرحلية التي تمتد عبر الزمن. عادةً ما يحدِّد المديرون والقادة الفعَّالون أهدافًا واضحة بغرض التغيير، بالإضافة إلى الأنشطة التي ستساهم في تحقيق تلك الأهداف ومؤشرات قياس النجاح. في المقابل، التغيير غير المخطَّط له هو تغيير غير مقصود وغالبًا ما يحدث نتيجة التفاعلات التي تجري في التنظيم غير الرسمي. قد يخدم التغيير غير المخطَّط له أهداف المؤسسة وقد يتعارض معها، وقد يحدث بطريقة تلقائية تمامًا أو بسبب رغبة بعض الموظفين في المؤسسة في إجراء تغيير، ولكنَّه يُعدُّ في بعض الأحيان نتيجة عرضية لعملية التغيير المخطَّط له؛ ويعود السبب في ذلك إلى أنَّه يصعُب على المديرين والقادة توقُّع جميع الآثار والنتائج التي تترتَّب على إجراءات التغيير المخطَّط له، إذ قد يتفاعل الموظفون بطرق غير متوقَّعة، وقد تعمل التقنيات على نحو مغاير لما هو متوقَّع منها، وقد تحدث تغييرات في الأسواق بعكس ما هو مأمول أو مُتوقّع، أو قد تكون ردود فعل أصحاب المصلحة الآخرين مفاجئة. سنتطرق في القسم الثاني من مقالات هذا الباب إلى بعض نماذج التغيير التي تساعد على استغلال التفاعلات التلقائية بين الموظفين لصالح المؤسسة. يمكن أن يكون التغيير غير المخطَّط له قوة إيجابية دافعة للأمام عندما يُشجَّع الموظفون على المبادرة والمسارعة إلى اتخاذ الإجراءات التي يرونها مناسبة لتحقيق الأهداف المشتركة للمؤسسة. ترجمة -وبتصرف- للفصل Organizational Change من كتاب Principles of Management اقرأ أيضًا المقال التالي: إدارة التغيير في المؤسسات المقال السابق: الهياكل التنظيمية والتغيير التنظيمي
×
×
  • أضف...